سفراء الإمام عليه السلام .. وكذابون ادعوا السفارة
ثقة عموم الشيعة بالسفراء الأربعة رضوان الله عليهم
تقدم خلال فصول الكتاب ما يدل على دقة الشيعة وتشددهم في التعامل مع سفراء الإمام عليه السلام ، وأنهم أجمعوا على الثقة بعثمان بن سعيد العمري الأسدي وابنه محمد رضي الله عنهما ، لأنهم سمعوا فيهما شهادة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ، ورأوا على أيديهما المعجزات والكرامات التي توجب اليقين بأن الأجوبة ليست منهما ، بل من الإمام المهدي عليه السلام . وقد رأيت أنهم ردوا ادعاء جعفر الكذاب بأنه الإمام وادعاء غيره بأنه سفير الإمام لأنهم طلبوا منهم المعجزة فلم يأتوا بها ، بل كانوا يشهِّرُون بالمدعي ويفضحونه! وهذا دليلٌ على قوة المذهب الحق وقيامه على الدليل القطعي .
قال في الإحتجاج:2/291: (وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة: فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن عليهما السلام فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما صلى الله عليه وآله ، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام وكانت توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه ، فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك . فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت . فلما مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري . ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام ، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم . فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مُفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه . فقال له بعض الناس: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه ، وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه) .
ونورد فيما يلي نص الشيخ الطوسي رحمه الله من كتاب الغيبة/345 ، لأنه يعطي أضواء على وكلاء الأئمة الممدوحين رضي الله عنهم قال رحمه الله : ( فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة ، وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة نذكر طرفاً من أخبار من كان يختص بكل إمام ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز ، ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة ومن كان مذموماً سئ المذهب ليعرف الحال في ذلك ، وقد روي في بعض الأخبار أنهم عليهم السلام قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، وهذا ليس على عمومه وإنما قالوه لأن فيهم من غير وبدل وخان على ما سنذكره . وقد روى محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري عن أبيه ، عن محمد بن صالح الهمداني قال: كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام إن أهل بيتي يؤذوني ويقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم السلام أنهم قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، فكتب: ويحكم ما تقرؤن ما قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً ، فنحن والله القرى التي بارك فيها ، وأنتم القرى الظاهرة .
فمن المحمودين: حمران بن أعين: أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام وذكرنا حمران بن أعين، فقال: لا يرتد والله أبداً ، ثم أطرق هنيئة ثم قال: أجل ، لا يرتد والله أبداً .
ومنهم: المفضل بن عمر: بهذا الإسناد عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن أسد بن أبي علاء ، عن هشام بن أحمر قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر ، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر والعرق يسيل على صدره فابتدأني فقال: نِعْمَ واللهِ الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل ابن عمر الجعفي ، نعم والله الذي لا إله إلا هو ، الرجل المفضل بن عمر الجعفي حتى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة يكررها وقال: إنما هو والد بعد والد . وروي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم عليه السلام إلى المدينة أموالا فقال: ردها فادفعها إلى المفضل بن عمر، فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضل. وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن عليه السلام فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلا من ناحية المفضل ، ولربما رأيت الرجل يجئ بالشئ فلا يقبله منه ويقول: أوصله إلى المفضل .
ومنهم: المعلى بن خُنيس: وكان من قوام أبي عبد الله عليه السلام ، وإنما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور . فروي عن أبي بصير قال: لما قَتل داود بن علي المعلى بن خنيس فصلبه ، عَظُم ذلك على أبي عبد الله عليه السلام واشتد عليه وقال له: يا داود ! على ما قتلت مولاي وقيِّمي في مالي وعلى عيالي؟ والله إنه لاوجه عند الله منك ، في حديث طويل ، وفي خبر آخر أنه قال: أما والله لقد دخل الجنة ).
ومنهم: نصر بن قابوس اللخمي: فروي أنه كان وكيلا لأبي عبد الله عليه السلام عشرين سنة ولم يُعلم أنه وكيل ، وكان خيراً فاضلاً . وكان عبد الرحمن بن الحجاج وكيلاً لأبي عبد الله عليه السلام ومات في عصر الرضا عليه السلام على ولايته .
ومنهم: عبدالله بن جُندب البجلي: وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليه السلام ، وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما روي في الأخبار .
ومنهم: ما رواه أبو طالب القمي قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى ، ومحمد بن سنان ، وزكريا بن آدم ، وسعد بن سعد ، عني خيراً ، فقد وفوا لي .
وكان زكريا بن آدم ممن تولاهم ، وخرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى ، رحمه الله تعالى يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ، فقد عاش أيام حياته عارفاً بالحق قائلاً به ، صابراً محتسباً للحق ، قائماً بما يجب لله ولرسوله عليه ، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل ، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه جزاء سعيه . وأما محمد بن سنان: فإنه روي عن علي بن الحسين بن داود قال: سمعت أبا جعفر الثاني عليه السلام يذكر محمد بن سنان بخير ويقول: رضي الله عنه برضائي عنه ، فما خالفني وما خالف أبي قط .
ومنهم: عبد العزيز بن المهتدي: القمي الأشعري ، خرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : قُبضت والحمد لله وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها ، غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا وإياكم . وخرج فيه: غفر الله لك ذنبك ، ورحمنا وإياك ، ورضي عنك برضائي عنك .
ومنهم: علي بن مهزيار الأهوازي: وكان محموداً . أخبرني جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي، عن الحسين بن علي ، عن أبي الحسن البلخي ، عن أحمد بن مابندار الإسكافي، عن العلاء النداري ، عن الحسن بن شمون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي أحسن الله جزاك وأسكنك جنته ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا . يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة ، والتوقير والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت إني لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً، فما خفي عليَّ مقامك ولا خدمتك في الحر والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها ، إنه سميع الدعاء .
ومنهم: أيوب بن نوح بن دراج: ذكر عمرو بن سعيد المدائني وكان فطحياً قال: كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام بصريا إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه فأمره بشئ ثم انصرف ، والتفت إليَّ أبو الحسن عليه السلام وقال: يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا .
ومنهم: علي بن جعفر الهمداني: وكان فاضلاً مرضياً من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد صلى الله عليه وآله . روى أحمد بن علي الرازي عن علي بن مخلد الأيادي قال: حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه قال: حج أبو طاهر بن بلال فنظر إلى علي بن جعفر وهو ينفق النفقات العظيمة ، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقع في رقعته: قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبوله إبقاء علينا ، ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه ! قال: ودخل على أبي الحسن العسكري عليه السلام فأمر له بثلاثين ألف دينار .
ومنهم: أبو علي بن راشد: أخبرني ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار ، عن محمد بن عيسى قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: قد أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن قبله من وكلائي ، وقد أوجبتُ في طاعته طاعتي وفي عصيانه الخروج إلى عصياني ، وكتبت بخطي . وروى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال: كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر بن عاصم وعن ابن بند ، وكتب إلي: ذكرت ابن راشد رحمه الله فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ودعا لابن بند والعاصمي ، وابن بند ضرب بعمود وقتل ، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط ، ورمي به في الدجلة ! فهؤلاء جماعة المحمودين ، وتركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب) .
وفي الخرائج:3/1108: (وكيل أبي محمد عليه السلام الشيخ عثمان بن سعيد العمري ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري، ثم كانت الغيبة الطولى. وكانوا كل واحد منهم يعرفون كمية المال جملة وتفصيلاً ، ويسمون أربابها ، بإعلامهم ذلك من القائم عليه السلام ).
* *
وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة:20/79: (الفائدة السابعة في ذكر أصحاب الإجماع وأمثالهم كأصحاب الأصول ونحوهم والجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم ، والذين عُرفت عدالتهم بالتواتر ، فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق وإن رووا بواسطة . قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه: قال الكشي:أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي قالوا: وأفقه الستة زرارة . وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري. انتهى . ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وجلالتهم وعلو منزلتهم والأمر بالرجوع إليهم تقدم بعضها في كتاب القضاء ، ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج . وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ).
وقال في الوسائل:20/88: ( وهذا القسم كثير يعلم بالتتبع لكتب الرجال وغيرها ، وأما الجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم ، ونصبوهم وكلاء وجعلوهم مرجعاً للشيعة ، فهم كثيرون ونحن نذكر جملة منهم وأكثرهم مذكور في كتاب الغيبة للشيخ وقد تقدم بعضهم في القضاء ، ويأتي جملة أخرى منهم . فمن أجلائهم وعظمائهم محمد بن عثمان العمري، وعثمان بن سعيد العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، وحمران بن أعين، والمفضل بن عمر، والمعلى بن خنيس، ونصر بن قابوس، وعبد الرحمن بن الحجاج، وعبد الله بن جندب، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن سعد، وعبد العزيز بن المهتدي، وعلي بن مهزيار، وأيوب بن نوح، وعلي بن جعفر الهمَّاني، وأبو علي بن راشد، وبنو فضال وزرارة، وبريد العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير الأسدي، والحارث بن المغيرة، وأبان بن تغلب، وأبان بن عثمان، ويونس بن عبد الرحمن، وعلي بن حديد، وأبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، وهو محمد بن أبي عبد الله، وأحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع، وحاجز بن يزيد، ومحمد بن علي بن بلال، والعاصمي، ومحمد بن إبراهيم بن مهزيار، وأبوه، ومحمد بن صالح الهمداني، وأبوه، والقاسم بن العلاء، ومحمد بن شاذان النيسابوري، والفضل بن شاذان النيسابوري، وعلي بن مهزيار، والحارث المرزباني ، وغيرهم .
وقد نقل ابن طاووس في كشف المحجة من كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني ، وعن علي بن إبراهيم بسنده إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه دعا كاتبه عبد الله بن أبي رافع فقال: أدخل إلى عشرة من ثقاتي فقال ، سمهم لي يا أمير المؤمنين فقال: أدخل: أصبغ بن نباتة ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، وزر بن حبيش ، وجويرة بن مسهر ، وخندف بن زهير ، وحارث بن مصرف ، والحارث الأعور ، وعلقمة بن قيس ، وكميل بن زياد ، وعمير بن زرارة الحديث .
وقد روى الصدوق في عيون الأخبار بالإسناد السابق عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام في كتاب إلى المأمون قال: محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله..الى أن قال: والبراءة من الذين ظلموا آل محمد حقهم ، وذكر جملة من أنواعهم وأصنافهم . ثم قال: والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والمقبولين من الصحابة الذين مضوا على منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان، وأخويه، وعُبَادَة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم رضي الله عنهم . والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهدايتهم السالكين منهاجهم .
وروى الكشي عن الثقات عن أبي محمد الرازي قال: كنت أنا وأحمد ابن أبي عبد الله البرقي بالعسكر ، فورد علينا رسول من الرجل عليه السلام فقال: الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد بن إسحاق ثقاتٌ جميعاً . وروى الشيخ في كتاب الغيبة نحوه .
وقال الكشي: حكى بعض الثقات بنيسابور وذكر توقيعاً طويلاً من جملته ، يا إسحاق اقرأ كتابنا علي البلالي رضي الله عنه فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه ، واقرأه على المحمودي عافاه الله فيما أحمدنا لطاعته ، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا ، والذي يقبض من موالينا .
وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن أحمد، عن إبراهيم بن الحسن ، عن وهيب بن حفص ، عن إسحاق بن جرير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام :كان سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي ، من ثقات علي بن الحسين عليه السلام .. الحديث . وقد تقدم في المواريث حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: حدثني جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن يكذب جابر أن ابن الأخ يقاسم الجد . وتقدم في المواقيت حديث يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال: إذاً لا يكذب علينا . وتقدم في القضاء عن العسكري عليه السلام أنه سئل عن كتب بني فضال فقال: خذوا بما رووا ودعوا ما رأوا . وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد الخزاعي، عن أبي علي الأسدي، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار ، ومن الكوفة: العاصمي ومن الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق ، ومن أهل همدان: محمد بن صالح ، ومن أهل الري: السامي ، والأسدي يعني نفسه ، ومن آذربيجان: القاسم بن العلا ، ومن نيسابور: محمد بن شاذان النعيمي ، ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حابس ، وذكر جماعة كثيرين .
وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية: تعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، أو بالإستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا لايحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكيته ، ولا تنبيه على عدالته ، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادة على العدالة ، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء). انتهى .
والحق أن كثيراً من علمائنا المتقدمين والمصنفين المذكورين في كتب الرجال من غير تضعيف كذلك ، لما ظهر من آثارهم واشتهر من أحوالهم وإن لم يصرحوا بتوثيقهم في بعض المواضع . ومما يؤيد قول الشهيد الثاني أنه قد نقل حصول وضع الحديث في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام من بعض الضعفاء وكان الثقات يعرضون ما يشكون فيه على الأئمة عليهم السلام وعلى الكتب المعتمدة ، وكان الأئمة عليهم السلام يخبرونهم بالحديث الموضوع ابتداء غالباً ، ولم ينقل أنه وقع وضع حديث في زمان الغيبة من أحد من مشهوري الشيعة ونسب إلى الأئمة عليهم السلام أصلاً ، وعلى تقدير تحققه فلم يقع من علماء الإمامية المشهورين شئ من ذلك قطعاً ، وهذا ضروري والله أعلم) .
بعض ما ورد في السفيرين العَمْرِيَّيْن رحمهما الله
قال في الغيبة/353: (فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة: فأولهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهم السلام وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان أسدياً وإنما سمي العمري، لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله ، قال أبو نصر: كان أسدياً فنسب إلى جده فقيل العمري، وقد قال قوم من الشيعة إن أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام قال: لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمرو ! وأمر بكسر كنيته فقيل العمري، ويقال له: العسكري أيضاً لأنه كان من عسكر سر من رأى ، ويقال له: السمان لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية وخوفاً . فأخبرني جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام الإسكافي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولايتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه . فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه . قال أبو محمد هارون: قال أبو علي: قال أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو . وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر قال: حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمد عليه السلام فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت إن هذا الشيخ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق وهو عندنا الثقة المرضي ، حدثنا فيك بكيت وكيت واقتصصت عليه ما تقدم يعني ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحله ، وقلت: أنت الآن ممن لايشك في قوله وصدقه فأسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان؟ فبكى ثم قال: على أن لاتخبر بذلك أحداً وأنا حيٌّ قلت: نعم . قال: قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً ، قلت: فالإسم؟ قال: نهيتم عن هذا .
وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي قال: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب قال: حدثني بعض الشراف من الشيعة الإمامية أصحاب الحديث قال: حدثني أبو محمد العباس بن أحمد الصائغ قال: حدثني الحسين بن أحمد الخصيبي قال: حدثني محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام : إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون... ( وتقدم في ولادةالإمام المهدي عليه السلام ، وجاء فيه): نعم ، واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم .
عنه ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري قدس الله روحه وأرضاه ، عن شيوخه أنه لما مات الحسن بن علي صلى الله عليه وآله حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأموراً بذلك ، للظاهر من الحال التي لايمكن جحدها ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها . وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد عليه السلام بالأمر والنهي والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه ، بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه ، وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان رحمة الله عليه . قال: وقال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز ، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي صلى الله عليه وآله نسأله عن الحجة من بعده ، وفي مجلسه عليه السلام أربعون (وروى إحضار الإمام العسكري ولده المهدي عليهما السلام في مجلس ضم أربعين رجلاً ، وتقدم في ولادته عليه السلام ). وفيه: قال عليه السلام : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه ، في حديث طويل . قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله . قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا ، وعمل عليه صندوقاً وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح، وربما قالوا: هو ابن داية الحسين عليه السلام ولايعرفون حقيقة الحال فيه وهو إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، على ما هو عليه .
ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه: عبد الله بن جعفر الحميري قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه ، وفي فصل من الكتاب: إنا لله وإنا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضاً بقضائه ، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه وألحقه بأوليائه ومواليه ، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم ، نضر الله وجهه وأقاله عثرته . وفي فصل آخر: أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسره الله في منقلبه . وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه ، وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك ، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك ، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً . وأخبرني جماعة، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن همام قال: قال لي عبد الله بن جعفر الحميري: لما مضى أبو عمرو رضي الله تعالى عنه أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإقامة أبي جعفر رضي الله عنه مقامه . وبهذا الإسناد عن محمد بن همام قال: حدثني محمد بن حمويه بن عبد العزيز الرازي في سنة ثمانين ومائتين قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو: والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه يجري عندنا مجراه ويسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الإبن وبه يعمل تولاه الله فانته إلى قوله وعرِّف معامِلتنا ذلك. (بكسر الميم: من يتعامل معنا) .
وأخبرنا جماعة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وأبي محمد التلعكبري كلهم، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فوقع التوقيع بخط مولانا صاحب الدار عليه السلام وذكرنا الخبر فيما تقدم: وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله تعالى عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي . قال أبو العباس: وأخبرني هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان رحمها الله تعالى إلى أن توفي أبو عمرو عثمان بن سعيد رحمه الله تعالى وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان وتولى القيام به وجعل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد ، لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته ، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته ، بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان ، لايعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يرجع إلى أحد سواه . وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ، ومعجزات الإمام عليه السلام ظهرت على يده ، وأمورٌ أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة وهي مشهورة عند الشيعة ، وقد قدمنا طرفاً منها فلا نطول بإعادتها، فإن في ذلك كفاية للمنصف إن شاء الله تعالى .
قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن ومن الصاحب عليهما السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد ، وعن أبيه علي بن محمد صلى الله عليه وآله فيها كتب ، ترجمتها: كتب الأشربة ذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنها أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه وكانت في يده . قال أبو نصر: وأظنها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري رضي الله عنه وأرضاه . قال أبو جعفر بن بابويه روي عن محمد بن عثمان العمري قدس سره أنه قال: والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه . وأخبرني جماعة ، عن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان رضي الله عنه فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم ، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو عليه السلام يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني . قال محمد بن عثمان رضي الله عنه: ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائك . وبهذا الإسناد عن محمد بن علي عن أبيه قال: حدثنا علي بن سليمان الزراري ، عن علي بن صدقة القمي رحمه الله قال: خرج إلى محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ابتداءً من غير مسألة ليخبر الذين يسألون عن الإسم: إما السكوت والجنة ، وإما الكلام والنار ، فإنهم إن وقفوا على الإسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه . قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو علي بن أبي جيد القمي رحمه الله قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لأسلم عليه فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ، ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها ، فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال: أسند إليها ، وقد فرغت منه وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءً من القرآن فأصعد ، وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله عز وجل ودفنت فيه ، وهذه الساجة معي ! فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك ، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه . قال أبو نصر هبة الله: وقد سمعت هذا الحديث من غير أبي علي وحدثتني به أيضاً أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله تعالى عنهما .
وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن علي بن الأسود القمي أن أبا جعفر العمري قدس سره حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب ، وسألته عن ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري . فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه وأرضاه . وقال أبو نصر هبة الله: وجدت بخط أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري مات في آخر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة . وذكر أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع وثلاثمائة وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة ، يحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا ، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه . قال أبو نصر هبة الله: إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه ، وهو الآن في وسط الصحراء قدس سره . ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين ابن روح رضي الله عنهما مقامه بعده بأمر الإمام صلوات الله عليه:
أخبرني الحسين بن إبراهيم القمي قال: أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن نوح قال: أخبرني أبو علي أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري رحمه الله قال: حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد المدائني المعروف بابن قزدا في مقابر قريش قال: كان من رسمي إذا حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس سره أن أقول له: ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام عليه السلام فيقول لي: نعم دعه فأراجعه فأقول له: تقول لي: إنه للإمام؟ فيقول: نعم للإمام عليه السلام فيقبضه . فصرت إليه آخر عهدي به قدس سره ومعي أربعمائة دينار ، فقلت له على رسمي فقال لي: إمض بها إلى الحسين بن روح ، فتوقفت فقلت: تقبضها أنت مني على الرسم؟ فرد علي كالمنكر لقولي وقال: قم عافاك الله فادفعها إلى الحسين بن روح . فلما رأيت في وجهه غضباً خرجت وركبت دابتي فلما بلغت بعض الطريق رجعت كالشاك فدققت الباب فخرج إلي الخادم فقال: من هذا ؟ فقلت أنا فلان فاستأذن لي فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي ! فقلت له: أدخل فاستأذن لي فإنه لابد من لقائه ، فدخل فعرفه خبر رجوعي وكان قد دخل إلى دار النساء فخرج وجلس على سرير ورجلاه في الأرض وفيهما نعلان يصف حسنهما وحسن رجليه . فقال لي: ما الذي جرأك على الرجوع ولمَ لمْ تمتثل ما قلته لك؟ فقلت: لم أجسر على ما رسمته لي . فقال لي وهو مغضب: قم عافاك الله فقد أقمت أبا القاسم حسين بن روح مقامي ونصبته منصبي، فقلت: بأمر الإمام؟ فقال: قم عافاك الله كما أقول لك ! فلم يكن عندي غير المبادرة فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة فعرَّفته ما جرى فسرَّ به وشكر الله عز وجل ودفعت إليه الدنانير ، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك . وسمعت أبا الحسن علي بن بلال بن معاوية المهلبي يقول في حياة جعفر بن محمد بن قولويه: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول: كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري رضي الله عنه له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس ، وأبو القاسم بن روح رضي الله عنه فيهم ، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح ، حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية ، فلما كان وقت مضي أبي جعفر رضي الله عنه وقع الإختيار عليه وكانت الوصية إليه. قال: وقال مشايخنا:كنا لانشك أنه إن كانت كائنة من أمر أبي جعفر لايقوم مقامه إلا جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه ، لما رأينا من الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاماً إلا ما أصلح في منزل جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه بسبب وقع له ! وكان طعامه الذي يأكله في منزل جعفر وأبيه ! وكان أصحابنا لا يشكون إن كانت حادثة لم تكن الوصية إلا إليه من الخصوصية به ، فلما كان عند ذلك ووقع الإختيار على أبي القاسم سلموا ولم ينكروا ، وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر رضي الله عنه ، ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم رضي الله عنه وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات رضي الله عنه ، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر ، وطعن على الحجة صلوات الله عليه .
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رحمه الله قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه الله فيقبضها مني ، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين ، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي رضي الله عنه ، فكنت أطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر رضي الله عنه ( لمراقبة السلطة ) ، فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض وقال: كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليَّ ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض .
وبهذا الإسناد عن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا علي بن محمد بن متيل ، عن عمه جعفر بن أحمد بن متيل قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه ، فالتفت إليَّ ثم قال: أُمِرْتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح . قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه . قال ابن نوح: وحدثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمي، قدم علينا البصرة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة ، قال: سمعت علوية الصفار والحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنهما يذكران هذا الحديث ، وذكرا أنهما حضرا بغداد في ذلك الوقت وشاهدا ذلك . وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام رضي الله عنه وأرضاه أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه . وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن ابن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي قال: قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا يعني بني نوبخت: أن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه والأكابر ، فدخلوا على أبي جعفر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك أمرت وقد بلَّغْتُ .
وبهذا الإسناد عن هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قالت: حدثتني أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه قالت:كان أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلا لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ، ينظر له في أملاكه ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصيصاً به حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه . قالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محله عندهم ، فحل في أنفس الشيعة محلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه، وماكان يحتمله من هذا الأمر ، فمهدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه ، فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد إلا جاهل بأمر أبي أولاً ، مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شك فيه ، وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره .
وأخبرني جماعة عن أبي العباس بن نوح قال: وجدت بخط محمد بن نفيس فيما كتبه بالأهواز: أول كتاب ورد من أبي القاسم رضي الله عنه: نعرفه عرفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق ، وقفنا على كتابه وثقتنا بما هو عليه ، وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه ، زاد الله في إحسانه إليه إنه ولي قدير ، والحمد لله لا شريك له ، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً . وردت هذه الرقعة يوم الأحد لست ليال خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة. (ثم روى الطوسي رحمه الله بعض التوقيعات المتقدمة ، ثم قال/394):
وفي رجال الطوسي رحمه الله /389: (عثمان بن سعيد العمري ، يكني أبا عمرو السمان ويقال له الزيات، خدمه(أي الإمام الهادي عليه السلام )وله إحدى عشره سنة وله إليه عهد معروف).
وفي/447: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام ، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة).
وروى في كمال الدين:2/510،تعزية الإمام عليه السلام لمحمد بن عثمان بوفاة أبيه رحمهما الله . وغيبة الطوسي/219، والإحتجاج:2/481، والخرائج:3/1112، ومنتخب الأنوار/128، وعنها البحار:51/348 .
وقال العلامة في الخلاصة/220: (وهو ثقة جليل القدر، وكيل أبي محمد . واختلف في تسميته بالعمري فقيل إنه ابن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه فنسب إلى جده ، فقيل العمري وقيل: إن أبا محمد العسكري قال: لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو ، وأمر بكسر كنيته فقيل العمري) .
وقال في/250: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري بفتح العين الأسدي ، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان عليه السلام ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة ، وكان محمد قد حفر لنفسه قبراً وسوَّاه بالساج فسئل عن ذلك فقال: للناس أسباب ، ثم سئل بعد ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة وقيل سنة أربع وثلاثمائة ، وكان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة ، وقال عند موته: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى إليه ، وأوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه . والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد مضي السمري ) .
وقال السيد الخوئي قدس سره في معجمه:12/122، في ترجمة العَمْري: (خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف... وذكره الشيخ في السفراء الممدوحين وأثنى عليه وروى عدة روايات في مدحه وجلالته ، منها...أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه ، فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي:هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدى إليكم فعني يؤديه ).
وروى في:7/154، قول الإمام العسكري عليه السلام في العمري: فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منا وإلينا ، فكل ما يحمله إلينا من شئ من النواحي فإليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا والحمد لله كثيراً . أقول: سند التوقيع قوي وفيه تصريح بجلالة العمري وعظمته فضلاً عن وثاقته). انتهى.
وفي كمال الدين/519: (قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها فدخلت عليه وأنا عنده ، فقالت له أيها الشيخ أي شئ معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدجلة ثم ائتيني حتى أخبرك ، قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة ، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي قدس الله روحه ، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحُق فأخرجت إليه حقةً فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت ، فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب ، وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق. فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً . ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها فنظرت المرأة إليه ، فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة ، فغشي علي وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة . ثم قال الحسين لي بعد ما حدثني بهذا الحديث: أشهد عند الله عز وجل يوم القيامة بما حدثت به أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه ، وحلف بالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيما حدث به وما زاد فيه وما نقص منه) ! وروى في كمال الدين/503 ، قصة فيها أن أبا القاسم بن روح رحمه الله تكلم بالفارسية مع امرأة بلهجة بلدها ، مع أنه لم يكن يعرفها .
وفي كمال الدين:2/504 ، عن جعفر بن محمد بن متيل: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان السمان المعروف بالعمري رضي الله عنه فأخرج إلى ثويبات معلمة وصرة فيها دراهم فقال لي: يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت ، وتدفع ما دفعت إليك إلى أول رجل يلقاك عن صعودك من المركب إلى الشط بواسط ، قال فتداخلني من ذلك غم شديد ، وقلت مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشئ الوتح؟ قال: فخرجت إلى واسط وصعدت من المركب فأول رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو من أنت ؟ فقلت: أنا جعفر بن محمد بن متيل ، قال فعرفني باسمي وسلم علي وسلمت عليه وتعانقنا ، فقلت له: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إلي هذه الثويبات وهذه الصرة لأسلمها إليك ، فقال: الحمد لله فإن محمد بن عبد الله الحائري قد مات وخرجت لإصلاح كفنه فحل الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حَبر وثياب وكافور في الصرة وكرى الحمالين والحفار ! قال: فشيعنا جنازته وانصرفت). ومثله الخرائج:3/1119 ، وثاقب المناقب/261، وعنه إثبات الهداة:3/678 ، والبحار:51/336 .
تقدم خلال فصول الكتاب ما يدل على دقة الشيعة وتشددهم في التعامل مع سفراء الإمام عليه السلام ، وأنهم أجمعوا على الثقة بعثمان بن سعيد العمري الأسدي وابنه محمد رضي الله عنهما ، لأنهم سمعوا فيهما شهادة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ، ورأوا على أيديهما المعجزات والكرامات التي توجب اليقين بأن الأجوبة ليست منهما ، بل من الإمام المهدي عليه السلام . وقد رأيت أنهم ردوا ادعاء جعفر الكذاب بأنه الإمام وادعاء غيره بأنه سفير الإمام لأنهم طلبوا منهم المعجزة فلم يأتوا بها ، بل كانوا يشهِّرُون بالمدعي ويفضحونه! وهذا دليلٌ على قوة المذهب الحق وقيامه على الدليل القطعي .
قال في الإحتجاج:2/291: (وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة: فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن عليهما السلام فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما صلى الله عليه وآله ، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام وكانت توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه ، فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك . فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت . فلما مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري . ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام ، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم . فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مُفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه . فقال له بعض الناس: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه ، وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه) .
ونورد فيما يلي نص الشيخ الطوسي رحمه الله من كتاب الغيبة/345 ، لأنه يعطي أضواء على وكلاء الأئمة الممدوحين رضي الله عنهم قال رحمه الله : ( فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة ، وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة نذكر طرفاً من أخبار من كان يختص بكل إمام ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز ، ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة ومن كان مذموماً سئ المذهب ليعرف الحال في ذلك ، وقد روي في بعض الأخبار أنهم عليهم السلام قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، وهذا ليس على عمومه وإنما قالوه لأن فيهم من غير وبدل وخان على ما سنذكره . وقد روى محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري عن أبيه ، عن محمد بن صالح الهمداني قال: كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام إن أهل بيتي يؤذوني ويقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم السلام أنهم قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، فكتب: ويحكم ما تقرؤن ما قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً ، فنحن والله القرى التي بارك فيها ، وأنتم القرى الظاهرة .
فمن المحمودين: حمران بن أعين: أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام وذكرنا حمران بن أعين، فقال: لا يرتد والله أبداً ، ثم أطرق هنيئة ثم قال: أجل ، لا يرتد والله أبداً .
ومنهم: المفضل بن عمر: بهذا الإسناد عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن أسد بن أبي علاء ، عن هشام بن أحمر قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر ، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر والعرق يسيل على صدره فابتدأني فقال: نِعْمَ واللهِ الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل ابن عمر الجعفي ، نعم والله الذي لا إله إلا هو ، الرجل المفضل بن عمر الجعفي حتى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة يكررها وقال: إنما هو والد بعد والد . وروي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم عليه السلام إلى المدينة أموالا فقال: ردها فادفعها إلى المفضل بن عمر، فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضل. وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن عليه السلام فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلا من ناحية المفضل ، ولربما رأيت الرجل يجئ بالشئ فلا يقبله منه ويقول: أوصله إلى المفضل .
ومنهم: المعلى بن خُنيس: وكان من قوام أبي عبد الله عليه السلام ، وإنما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور . فروي عن أبي بصير قال: لما قَتل داود بن علي المعلى بن خنيس فصلبه ، عَظُم ذلك على أبي عبد الله عليه السلام واشتد عليه وقال له: يا داود ! على ما قتلت مولاي وقيِّمي في مالي وعلى عيالي؟ والله إنه لاوجه عند الله منك ، في حديث طويل ، وفي خبر آخر أنه قال: أما والله لقد دخل الجنة ).
ومنهم: نصر بن قابوس اللخمي: فروي أنه كان وكيلا لأبي عبد الله عليه السلام عشرين سنة ولم يُعلم أنه وكيل ، وكان خيراً فاضلاً . وكان عبد الرحمن بن الحجاج وكيلاً لأبي عبد الله عليه السلام ومات في عصر الرضا عليه السلام على ولايته .
ومنهم: عبدالله بن جُندب البجلي: وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليه السلام ، وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما روي في الأخبار .
ومنهم: ما رواه أبو طالب القمي قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى ، ومحمد بن سنان ، وزكريا بن آدم ، وسعد بن سعد ، عني خيراً ، فقد وفوا لي .
وكان زكريا بن آدم ممن تولاهم ، وخرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى ، رحمه الله تعالى يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ، فقد عاش أيام حياته عارفاً بالحق قائلاً به ، صابراً محتسباً للحق ، قائماً بما يجب لله ولرسوله عليه ، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل ، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه جزاء سعيه . وأما محمد بن سنان: فإنه روي عن علي بن الحسين بن داود قال: سمعت أبا جعفر الثاني عليه السلام يذكر محمد بن سنان بخير ويقول: رضي الله عنه برضائي عنه ، فما خالفني وما خالف أبي قط .
ومنهم: عبد العزيز بن المهتدي: القمي الأشعري ، خرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : قُبضت والحمد لله وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها ، غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا وإياكم . وخرج فيه: غفر الله لك ذنبك ، ورحمنا وإياك ، ورضي عنك برضائي عنك .
ومنهم: علي بن مهزيار الأهوازي: وكان محموداً . أخبرني جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي، عن الحسين بن علي ، عن أبي الحسن البلخي ، عن أحمد بن مابندار الإسكافي، عن العلاء النداري ، عن الحسن بن شمون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي أحسن الله جزاك وأسكنك جنته ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا . يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة ، والتوقير والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت إني لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً، فما خفي عليَّ مقامك ولا خدمتك في الحر والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها ، إنه سميع الدعاء .
ومنهم: أيوب بن نوح بن دراج: ذكر عمرو بن سعيد المدائني وكان فطحياً قال: كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام بصريا إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه فأمره بشئ ثم انصرف ، والتفت إليَّ أبو الحسن عليه السلام وقال: يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا .
ومنهم: علي بن جعفر الهمداني: وكان فاضلاً مرضياً من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد صلى الله عليه وآله . روى أحمد بن علي الرازي عن علي بن مخلد الأيادي قال: حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه قال: حج أبو طاهر بن بلال فنظر إلى علي بن جعفر وهو ينفق النفقات العظيمة ، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقع في رقعته: قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبوله إبقاء علينا ، ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه ! قال: ودخل على أبي الحسن العسكري عليه السلام فأمر له بثلاثين ألف دينار .
ومنهم: أبو علي بن راشد: أخبرني ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار ، عن محمد بن عيسى قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: قد أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن قبله من وكلائي ، وقد أوجبتُ في طاعته طاعتي وفي عصيانه الخروج إلى عصياني ، وكتبت بخطي . وروى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال: كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر بن عاصم وعن ابن بند ، وكتب إلي: ذكرت ابن راشد رحمه الله فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ودعا لابن بند والعاصمي ، وابن بند ضرب بعمود وقتل ، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط ، ورمي به في الدجلة ! فهؤلاء جماعة المحمودين ، وتركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب) .
وفي الخرائج:3/1108: (وكيل أبي محمد عليه السلام الشيخ عثمان بن سعيد العمري ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري، ثم كانت الغيبة الطولى. وكانوا كل واحد منهم يعرفون كمية المال جملة وتفصيلاً ، ويسمون أربابها ، بإعلامهم ذلك من القائم عليه السلام ).
* *
وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة:20/79: (الفائدة السابعة في ذكر أصحاب الإجماع وأمثالهم كأصحاب الأصول ونحوهم والجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم ، والذين عُرفت عدالتهم بالتواتر ، فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق وإن رووا بواسطة . قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه: قال الكشي:أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي قالوا: وأفقه الستة زرارة . وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري. انتهى . ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وجلالتهم وعلو منزلتهم والأمر بالرجوع إليهم تقدم بعضها في كتاب القضاء ، ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج . وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ).
وقال في الوسائل:20/88: ( وهذا القسم كثير يعلم بالتتبع لكتب الرجال وغيرها ، وأما الجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم ، ونصبوهم وكلاء وجعلوهم مرجعاً للشيعة ، فهم كثيرون ونحن نذكر جملة منهم وأكثرهم مذكور في كتاب الغيبة للشيخ وقد تقدم بعضهم في القضاء ، ويأتي جملة أخرى منهم . فمن أجلائهم وعظمائهم محمد بن عثمان العمري، وعثمان بن سعيد العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، وحمران بن أعين، والمفضل بن عمر، والمعلى بن خنيس، ونصر بن قابوس، وعبد الرحمن بن الحجاج، وعبد الله بن جندب، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن سعد، وعبد العزيز بن المهتدي، وعلي بن مهزيار، وأيوب بن نوح، وعلي بن جعفر الهمَّاني، وأبو علي بن راشد، وبنو فضال وزرارة، وبريد العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير الأسدي، والحارث بن المغيرة، وأبان بن تغلب، وأبان بن عثمان، ويونس بن عبد الرحمن، وعلي بن حديد، وأبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، وهو محمد بن أبي عبد الله، وأحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع، وحاجز بن يزيد، ومحمد بن علي بن بلال، والعاصمي، ومحمد بن إبراهيم بن مهزيار، وأبوه، ومحمد بن صالح الهمداني، وأبوه، والقاسم بن العلاء، ومحمد بن شاذان النيسابوري، والفضل بن شاذان النيسابوري، وعلي بن مهزيار، والحارث المرزباني ، وغيرهم .
وقد نقل ابن طاووس في كشف المحجة من كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني ، وعن علي بن إبراهيم بسنده إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه دعا كاتبه عبد الله بن أبي رافع فقال: أدخل إلى عشرة من ثقاتي فقال ، سمهم لي يا أمير المؤمنين فقال: أدخل: أصبغ بن نباتة ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، وزر بن حبيش ، وجويرة بن مسهر ، وخندف بن زهير ، وحارث بن مصرف ، والحارث الأعور ، وعلقمة بن قيس ، وكميل بن زياد ، وعمير بن زرارة الحديث .
وقد روى الصدوق في عيون الأخبار بالإسناد السابق عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام في كتاب إلى المأمون قال: محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله..الى أن قال: والبراءة من الذين ظلموا آل محمد حقهم ، وذكر جملة من أنواعهم وأصنافهم . ثم قال: والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والمقبولين من الصحابة الذين مضوا على منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان، وأخويه، وعُبَادَة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم رضي الله عنهم . والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهدايتهم السالكين منهاجهم .
وروى الكشي عن الثقات عن أبي محمد الرازي قال: كنت أنا وأحمد ابن أبي عبد الله البرقي بالعسكر ، فورد علينا رسول من الرجل عليه السلام فقال: الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد بن إسحاق ثقاتٌ جميعاً . وروى الشيخ في كتاب الغيبة نحوه .
وقال الكشي: حكى بعض الثقات بنيسابور وذكر توقيعاً طويلاً من جملته ، يا إسحاق اقرأ كتابنا علي البلالي رضي الله عنه فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه ، واقرأه على المحمودي عافاه الله فيما أحمدنا لطاعته ، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا ، والذي يقبض من موالينا .
وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن أحمد، عن إبراهيم بن الحسن ، عن وهيب بن حفص ، عن إسحاق بن جرير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام :كان سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي ، من ثقات علي بن الحسين عليه السلام .. الحديث . وقد تقدم في المواريث حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: حدثني جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن يكذب جابر أن ابن الأخ يقاسم الجد . وتقدم في المواقيت حديث يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال: إذاً لا يكذب علينا . وتقدم في القضاء عن العسكري عليه السلام أنه سئل عن كتب بني فضال فقال: خذوا بما رووا ودعوا ما رأوا . وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد الخزاعي، عن أبي علي الأسدي، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار ، ومن الكوفة: العاصمي ومن الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق ، ومن أهل همدان: محمد بن صالح ، ومن أهل الري: السامي ، والأسدي يعني نفسه ، ومن آذربيجان: القاسم بن العلا ، ومن نيسابور: محمد بن شاذان النعيمي ، ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حابس ، وذكر جماعة كثيرين .
وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية: تعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، أو بالإستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا لايحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكيته ، ولا تنبيه على عدالته ، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادة على العدالة ، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء). انتهى .
والحق أن كثيراً من علمائنا المتقدمين والمصنفين المذكورين في كتب الرجال من غير تضعيف كذلك ، لما ظهر من آثارهم واشتهر من أحوالهم وإن لم يصرحوا بتوثيقهم في بعض المواضع . ومما يؤيد قول الشهيد الثاني أنه قد نقل حصول وضع الحديث في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام من بعض الضعفاء وكان الثقات يعرضون ما يشكون فيه على الأئمة عليهم السلام وعلى الكتب المعتمدة ، وكان الأئمة عليهم السلام يخبرونهم بالحديث الموضوع ابتداء غالباً ، ولم ينقل أنه وقع وضع حديث في زمان الغيبة من أحد من مشهوري الشيعة ونسب إلى الأئمة عليهم السلام أصلاً ، وعلى تقدير تحققه فلم يقع من علماء الإمامية المشهورين شئ من ذلك قطعاً ، وهذا ضروري والله أعلم) .
بعض ما ورد في السفيرين العَمْرِيَّيْن رحمهما الله
قال في الغيبة/353: (فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة: فأولهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهم السلام وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان أسدياً وإنما سمي العمري، لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله ، قال أبو نصر: كان أسدياً فنسب إلى جده فقيل العمري، وقد قال قوم من الشيعة إن أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام قال: لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمرو ! وأمر بكسر كنيته فقيل العمري، ويقال له: العسكري أيضاً لأنه كان من عسكر سر من رأى ، ويقال له: السمان لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية وخوفاً . فأخبرني جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام الإسكافي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولايتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه . فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه . قال أبو محمد هارون: قال أبو علي: قال أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو . وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر قال: حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمد عليه السلام فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت إن هذا الشيخ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق وهو عندنا الثقة المرضي ، حدثنا فيك بكيت وكيت واقتصصت عليه ما تقدم يعني ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحله ، وقلت: أنت الآن ممن لايشك في قوله وصدقه فأسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان؟ فبكى ثم قال: على أن لاتخبر بذلك أحداً وأنا حيٌّ قلت: نعم . قال: قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً ، قلت: فالإسم؟ قال: نهيتم عن هذا .
وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي قال: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب قال: حدثني بعض الشراف من الشيعة الإمامية أصحاب الحديث قال: حدثني أبو محمد العباس بن أحمد الصائغ قال: حدثني الحسين بن أحمد الخصيبي قال: حدثني محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام : إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون... ( وتقدم في ولادةالإمام المهدي عليه السلام ، وجاء فيه): نعم ، واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم .
عنه ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري قدس الله روحه وأرضاه ، عن شيوخه أنه لما مات الحسن بن علي صلى الله عليه وآله حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأموراً بذلك ، للظاهر من الحال التي لايمكن جحدها ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها . وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد عليه السلام بالأمر والنهي والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه ، بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه ، وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان رحمة الله عليه . قال: وقال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز ، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي صلى الله عليه وآله نسأله عن الحجة من بعده ، وفي مجلسه عليه السلام أربعون (وروى إحضار الإمام العسكري ولده المهدي عليهما السلام في مجلس ضم أربعين رجلاً ، وتقدم في ولادته عليه السلام ). وفيه: قال عليه السلام : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه ، في حديث طويل . قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله . قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا ، وعمل عليه صندوقاً وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح، وربما قالوا: هو ابن داية الحسين عليه السلام ولايعرفون حقيقة الحال فيه وهو إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، على ما هو عليه .
ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه: عبد الله بن جعفر الحميري قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه ، وفي فصل من الكتاب: إنا لله وإنا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضاً بقضائه ، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه وألحقه بأوليائه ومواليه ، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم ، نضر الله وجهه وأقاله عثرته . وفي فصل آخر: أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسره الله في منقلبه . وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه ، وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك ، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك ، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً . وأخبرني جماعة، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن همام قال: قال لي عبد الله بن جعفر الحميري: لما مضى أبو عمرو رضي الله تعالى عنه أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإقامة أبي جعفر رضي الله عنه مقامه . وبهذا الإسناد عن محمد بن همام قال: حدثني محمد بن حمويه بن عبد العزيز الرازي في سنة ثمانين ومائتين قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو: والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه يجري عندنا مجراه ويسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الإبن وبه يعمل تولاه الله فانته إلى قوله وعرِّف معامِلتنا ذلك. (بكسر الميم: من يتعامل معنا) .
وأخبرنا جماعة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وأبي محمد التلعكبري كلهم، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فوقع التوقيع بخط مولانا صاحب الدار عليه السلام وذكرنا الخبر فيما تقدم: وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله تعالى عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي . قال أبو العباس: وأخبرني هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان رحمها الله تعالى إلى أن توفي أبو عمرو عثمان بن سعيد رحمه الله تعالى وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان وتولى القيام به وجعل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد ، لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته ، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته ، بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان ، لايعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يرجع إلى أحد سواه . وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ، ومعجزات الإمام عليه السلام ظهرت على يده ، وأمورٌ أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة وهي مشهورة عند الشيعة ، وقد قدمنا طرفاً منها فلا نطول بإعادتها، فإن في ذلك كفاية للمنصف إن شاء الله تعالى .
قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن ومن الصاحب عليهما السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد ، وعن أبيه علي بن محمد صلى الله عليه وآله فيها كتب ، ترجمتها: كتب الأشربة ذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنها أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه وكانت في يده . قال أبو نصر: وأظنها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري رضي الله عنه وأرضاه . قال أبو جعفر بن بابويه روي عن محمد بن عثمان العمري قدس سره أنه قال: والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه . وأخبرني جماعة ، عن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان رضي الله عنه فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم ، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو عليه السلام يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني . قال محمد بن عثمان رضي الله عنه: ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائك . وبهذا الإسناد عن محمد بن علي عن أبيه قال: حدثنا علي بن سليمان الزراري ، عن علي بن صدقة القمي رحمه الله قال: خرج إلى محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ابتداءً من غير مسألة ليخبر الذين يسألون عن الإسم: إما السكوت والجنة ، وإما الكلام والنار ، فإنهم إن وقفوا على الإسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه . قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو علي بن أبي جيد القمي رحمه الله قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لأسلم عليه فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ، ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها ، فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال: أسند إليها ، وقد فرغت منه وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءً من القرآن فأصعد ، وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله عز وجل ودفنت فيه ، وهذه الساجة معي ! فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك ، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه . قال أبو نصر هبة الله: وقد سمعت هذا الحديث من غير أبي علي وحدثتني به أيضاً أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله تعالى عنهما .
وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن علي بن الأسود القمي أن أبا جعفر العمري قدس سره حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب ، وسألته عن ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري . فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه وأرضاه . وقال أبو نصر هبة الله: وجدت بخط أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري مات في آخر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة . وذكر أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع وثلاثمائة وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة ، يحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا ، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه . قال أبو نصر هبة الله: إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه ، وهو الآن في وسط الصحراء قدس سره . ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين ابن روح رضي الله عنهما مقامه بعده بأمر الإمام صلوات الله عليه:
أخبرني الحسين بن إبراهيم القمي قال: أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن نوح قال: أخبرني أبو علي أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري رحمه الله قال: حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد المدائني المعروف بابن قزدا في مقابر قريش قال: كان من رسمي إذا حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس سره أن أقول له: ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام عليه السلام فيقول لي: نعم دعه فأراجعه فأقول له: تقول لي: إنه للإمام؟ فيقول: نعم للإمام عليه السلام فيقبضه . فصرت إليه آخر عهدي به قدس سره ومعي أربعمائة دينار ، فقلت له على رسمي فقال لي: إمض بها إلى الحسين بن روح ، فتوقفت فقلت: تقبضها أنت مني على الرسم؟ فرد علي كالمنكر لقولي وقال: قم عافاك الله فادفعها إلى الحسين بن روح . فلما رأيت في وجهه غضباً خرجت وركبت دابتي فلما بلغت بعض الطريق رجعت كالشاك فدققت الباب فخرج إلي الخادم فقال: من هذا ؟ فقلت أنا فلان فاستأذن لي فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي ! فقلت له: أدخل فاستأذن لي فإنه لابد من لقائه ، فدخل فعرفه خبر رجوعي وكان قد دخل إلى دار النساء فخرج وجلس على سرير ورجلاه في الأرض وفيهما نعلان يصف حسنهما وحسن رجليه . فقال لي: ما الذي جرأك على الرجوع ولمَ لمْ تمتثل ما قلته لك؟ فقلت: لم أجسر على ما رسمته لي . فقال لي وهو مغضب: قم عافاك الله فقد أقمت أبا القاسم حسين بن روح مقامي ونصبته منصبي، فقلت: بأمر الإمام؟ فقال: قم عافاك الله كما أقول لك ! فلم يكن عندي غير المبادرة فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة فعرَّفته ما جرى فسرَّ به وشكر الله عز وجل ودفعت إليه الدنانير ، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك . وسمعت أبا الحسن علي بن بلال بن معاوية المهلبي يقول في حياة جعفر بن محمد بن قولويه: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول: كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري رضي الله عنه له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس ، وأبو القاسم بن روح رضي الله عنه فيهم ، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح ، حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية ، فلما كان وقت مضي أبي جعفر رضي الله عنه وقع الإختيار عليه وكانت الوصية إليه. قال: وقال مشايخنا:كنا لانشك أنه إن كانت كائنة من أمر أبي جعفر لايقوم مقامه إلا جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه ، لما رأينا من الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاماً إلا ما أصلح في منزل جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه بسبب وقع له ! وكان طعامه الذي يأكله في منزل جعفر وأبيه ! وكان أصحابنا لا يشكون إن كانت حادثة لم تكن الوصية إلا إليه من الخصوصية به ، فلما كان عند ذلك ووقع الإختيار على أبي القاسم سلموا ولم ينكروا ، وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر رضي الله عنه ، ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم رضي الله عنه وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات رضي الله عنه ، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر ، وطعن على الحجة صلوات الله عليه .
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رحمه الله قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه الله فيقبضها مني ، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين ، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي رضي الله عنه ، فكنت أطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر رضي الله عنه ( لمراقبة السلطة ) ، فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض وقال: كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليَّ ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض .
وبهذا الإسناد عن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا علي بن محمد بن متيل ، عن عمه جعفر بن أحمد بن متيل قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه ، فالتفت إليَّ ثم قال: أُمِرْتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح . قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه . قال ابن نوح: وحدثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمي، قدم علينا البصرة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة ، قال: سمعت علوية الصفار والحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنهما يذكران هذا الحديث ، وذكرا أنهما حضرا بغداد في ذلك الوقت وشاهدا ذلك . وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام رضي الله عنه وأرضاه أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه . وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن ابن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي قال: قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا يعني بني نوبخت: أن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه والأكابر ، فدخلوا على أبي جعفر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك أمرت وقد بلَّغْتُ .
وبهذا الإسناد عن هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قالت: حدثتني أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه قالت:كان أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلا لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ، ينظر له في أملاكه ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصيصاً به حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه . قالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محله عندهم ، فحل في أنفس الشيعة محلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه، وماكان يحتمله من هذا الأمر ، فمهدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه ، فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد إلا جاهل بأمر أبي أولاً ، مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شك فيه ، وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره .
وأخبرني جماعة عن أبي العباس بن نوح قال: وجدت بخط محمد بن نفيس فيما كتبه بالأهواز: أول كتاب ورد من أبي القاسم رضي الله عنه: نعرفه عرفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق ، وقفنا على كتابه وثقتنا بما هو عليه ، وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه ، زاد الله في إحسانه إليه إنه ولي قدير ، والحمد لله لا شريك له ، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً . وردت هذه الرقعة يوم الأحد لست ليال خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة. (ثم روى الطوسي رحمه الله بعض التوقيعات المتقدمة ، ثم قال/394):
وفي رجال الطوسي رحمه الله /389: (عثمان بن سعيد العمري ، يكني أبا عمرو السمان ويقال له الزيات، خدمه(أي الإمام الهادي عليه السلام )وله إحدى عشره سنة وله إليه عهد معروف).
وفي/447: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام ، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة).
وروى في كمال الدين:2/510،تعزية الإمام عليه السلام لمحمد بن عثمان بوفاة أبيه رحمهما الله . وغيبة الطوسي/219، والإحتجاج:2/481، والخرائج:3/1112، ومنتخب الأنوار/128، وعنها البحار:51/348 .
وقال العلامة في الخلاصة/220: (وهو ثقة جليل القدر، وكيل أبي محمد . واختلف في تسميته بالعمري فقيل إنه ابن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه فنسب إلى جده ، فقيل العمري وقيل: إن أبا محمد العسكري قال: لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو ، وأمر بكسر كنيته فقيل العمري) .
وقال في/250: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري بفتح العين الأسدي ، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان عليه السلام ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة ، وكان محمد قد حفر لنفسه قبراً وسوَّاه بالساج فسئل عن ذلك فقال: للناس أسباب ، ثم سئل بعد ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة وقيل سنة أربع وثلاثمائة ، وكان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة ، وقال عند موته: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى إليه ، وأوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه . والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد مضي السمري ) .
وقال السيد الخوئي قدس سره في معجمه:12/122، في ترجمة العَمْري: (خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف... وذكره الشيخ في السفراء الممدوحين وأثنى عليه وروى عدة روايات في مدحه وجلالته ، منها...أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه ، فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي:هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدى إليكم فعني يؤديه ).
وروى في:7/154، قول الإمام العسكري عليه السلام في العمري: فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منا وإلينا ، فكل ما يحمله إلينا من شئ من النواحي فإليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا والحمد لله كثيراً . أقول: سند التوقيع قوي وفيه تصريح بجلالة العمري وعظمته فضلاً عن وثاقته). انتهى.
وفي كمال الدين/519: (قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها فدخلت عليه وأنا عنده ، فقالت له أيها الشيخ أي شئ معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدجلة ثم ائتيني حتى أخبرك ، قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة ، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي قدس الله روحه ، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحُق فأخرجت إليه حقةً فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت ، فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب ، وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق. فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً . ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها فنظرت المرأة إليه ، فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة ، فغشي علي وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة . ثم قال الحسين لي بعد ما حدثني بهذا الحديث: أشهد عند الله عز وجل يوم القيامة بما حدثت به أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه ، وحلف بالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيما حدث به وما زاد فيه وما نقص منه) ! وروى في كمال الدين/503 ، قصة فيها أن أبا القاسم بن روح رحمه الله تكلم بالفارسية مع امرأة بلهجة بلدها ، مع أنه لم يكن يعرفها .
وفي كمال الدين:2/504 ، عن جعفر بن محمد بن متيل: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان السمان المعروف بالعمري رضي الله عنه فأخرج إلى ثويبات معلمة وصرة فيها دراهم فقال لي: يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت ، وتدفع ما دفعت إليك إلى أول رجل يلقاك عن صعودك من المركب إلى الشط بواسط ، قال فتداخلني من ذلك غم شديد ، وقلت مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشئ الوتح؟ قال: فخرجت إلى واسط وصعدت من المركب فأول رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو من أنت ؟ فقلت: أنا جعفر بن محمد بن متيل ، قال فعرفني باسمي وسلم علي وسلمت عليه وتعانقنا ، فقلت له: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إلي هذه الثويبات وهذه الصرة لأسلمها إليك ، فقال: الحمد لله فإن محمد بن عبد الله الحائري قد مات وخرجت لإصلاح كفنه فحل الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حَبر وثياب وكافور في الصرة وكرى الحمالين والحفار ! قال: فشيعنا جنازته وانصرفت). ومثله الخرائج:3/1119 ، وثاقب المناقب/261، وعنه إثبات الهداة:3/678 ، والبحار:51/336 .
السفير الثالث الحسين بن روح قدس سره
قال العلامة في الخلاصة/432: (ووكيله عثمان بن سعيد العمري أبو عمرو ، وأول من نصبه العسكري عليه السلام ثم نص أبو عمرو على ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ونص أيضاً الإمام العسكري عليه السلام عليه ، فلما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان الوفاة واشتدت حاله حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة منهم أبو علي بن همام وأبو عبد الله محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه الأكابر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل والثقة الأمين فارجعوا في أموركم إليه وعولوا في مهماتكم عليه ، فبذلك أمرتُ وقد بلغت . ثم أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرته الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه . ومات رحمه الله سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ).
وفي كمال الدين/503 ، عن جعفر بن محمد بن متيل قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح ، فالتفت إلي ثم قال لي: قد أمرت أن أوصى إلى أبى القاسم الحسين بن روح قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه) . وتقدم من رواية غيره في غيبة الطوسي .
علل الشرائع:1/241: ( العلة التي من أجلها لم يجعل الله تعالى الأنبياء والأئمة عليهم السلام في جمع أحوالهم غالبين: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: كنت عند الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له: أريد أسألك عن شئ ، فقال له: سل عما بدا لك ، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو وليُّ الله؟ قال: نعم ، قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم ، قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه ؟ فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عني ما أقول لك: إعلم أن الله تعالى لايخاطب الناس بشهادة العيان ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث إليهم رسولاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتون بشئ نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه ، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقيّ في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك . فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبيائه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين في حال مقهورين، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ولمَا عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختيار ! ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل،وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة.
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم لأن أخرُّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ! بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة صلوات الله وسلامه عليه). وكمال الدين/507 .
قال في تهذيب المقال:2/406: (طبقته ومن روى عنه: روى الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام كما في مزار ابن المشهدي باب زيارة أخرى للأمير عليه السلام وغير ذلك مما أوردناه في طبقات أصحابه ، وروى عن إمامنا الحجة عليه السلام فإنه بابه وسفيره . وروى عن جماعة منهم محمد بن زياد (التهذيب:6/93. وروى عنه جماعة: منهم جعفر بن أحمد بن متيل كثيراً، وعلي بن محمد بن متيل: الإكمال/465 ، وأبو الحسن علي بن أحمد العقيقي: الإكمال 469 والغيبة/193 ، ومحمد بن إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني: الإكمال/471 ، والغيبة/296، ومحمد بن الحسن الصيرفي الدورقي بأرض بلخ: الإكمال/480 ، والحسين بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي من مشايخ الصدوق: الإكمال/482 ، وأحمد الداودي الإكمال/483 ، وأحمد بن إبراهيم النوبختي: الغيبة/228، وأبو الحسن بن كبرياء النوبختي: الغيبة/237 ، والحسين بن علي بن سفيان البزوفري: الغيبة/238 ، وأحمد بن محمد الصفواني: الغيبة/238 ، وترك الهروي المتكلم: الغيبة/239، وأبو جعفر محمد بن أحمد ابن الزكوزكي: الغيبة/239 ، وعبد الله الكوفي خادمه: الغيبة/239، وأبو الحسن الأيادي:الغيبة/240 ، وسلامة بن محمد: الغيبة/240 ، وأبو عبد الله بن غالب:الغيبة/236 ، وابنه روح بن الحسين بن روح: الغيبة/251 وأبو علي محمد بن همام: الغيبة/252، والحسن بن محمد بن جمهور: التهذيب:6/93 ، والحسن بن علي الوجناء النصيبي: الغيبة 192، وأحمد بن الحسن بن أبي صالح الخجندي:الغيبة/196، وأحمد بن محمد أبو غالب الزراري:الغيبة/197) . ثم ذكر من الرواة عنه والد الصدوق رحمه الله .
السفير الرابع علي بن محمد السمري قدس سره
في كمال الدين/432: (ووكيله عثمان بن سعيد فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنهم ، قال: فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصى فقال: لله أمر هو بالغه ، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه) . ومثله روضة الواعظين/266 .
غيبة الطوسي/393: (ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنهما وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب:
أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، عن الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليلان قال: حدثني أبي عن جده عتاب ، من ولد عتاب بن أسيد ، قال: ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة ، وأمه ريحانة ويقال لها نرجس ، ويقال لها صقيل ويقال لها سوسن ، إلا أنه قيل بسبب الحمل صقيل، وكان مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين ، ووكيله عثمان بن سعيد ، فلما مات عثمان بن سعيد أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه . فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه .
وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله ، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال: أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فقام بما كان إلى أبي القاسم ، فلما حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه ، فلم يظهر شيئاً من ذلك ، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن . وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال: حدثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال: حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره ابتداء منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي . قال فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم . ومضى أبو الحسن السمري رضي الله عنه بعد ذلك ، في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة .
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له: من وصيك من بعدك؟فقال: لله أمر هو بالغه وقضى . فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه) .انتهى. وكمال الدين:2/516 ، وإعلام الورى/417 ، والإحتجاج:2 /478 ، والخرائج:3/1128 ، وثاقب المناقب/264، وكشف الغمة:3/320 ، والصراط المستقيم:2/236. وفيه: فنسخت هذا التوقيع وقضى في اليوم السادس ، وقد كانت غيبته القصرى أربعة وستين سنة . ومنتخب الأنوار المضيئة/130، وفيه: كانت وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف من شعبان سنة328 وتقدم من غيبة الطوسي أنها في نصف شعبان329 ، وإثبات الهداة:3/693، والبحار:51/361، و:52/151 .
وفي دلائل الإمامة/524: (قال علي بن محمد السمري: كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم ، فوقع عليه السلام : علمنا على ثلاثة أوجه: ماض ، وغابر ، وحادث ، أما الماضي فتفسير ، وأما الغابر فموقوف ، وأما الحادث فقذفٌ في القلوب ونقرٌ في الاسماع وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله ...حدثني أبو المفضل قال: حدثني محمد بن يعقوب قال: كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب عليه السلام كفناً يتبين ما يكون من عنده ، فورد: إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين ، فمات في الوقت الذي حده وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر) . ولابد أن الكفن كان لغير السمري رحمه الله . وروى كمال الدين:2/503 ، إخبار السمري بوفاة والد الصدوق رحمه الله وغيبة الطوسي/242و396 ، ومثله ثاقب المناقب/270، وعنه الخرائج:3/1128، وإثبات الهداة:3/678 ، والبحار:51/360.
الحسين بن روح قدس سره شخصيةٌ مُعَـدَّةٌ لمرحلة التحولات
نلاحظ أولاً: أن بعض المؤرخين سموا القرن الرابع الهجري (قرن التشيع) ، لأنه شهد موجة شيعية واسعة . وقد وثَّق ذلك المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع) . فقد قويت الدولة الفاطمية في المغرب ، وأخذت تضغط في مطلع القرن الرابع على مصر حتى احتلتها وجعلتها عاصمتها .
وقد نجحت ثورة العلويين في شمال إيران وأسسوا دولتهم في طبرستان .
كما تفاقم خطر القرامطة الذين يدعون أنهم شيعة وأن قائدهم من ذرية علي عليه السلام ، وتواصلت غاراتهم السنوية الوحشية على قوافل الحجاج ! ثم أغاروا على مكة المكرمة وقتلوا الحجاج بشكل فجيع وسرقوا الحجر الأسود بحماقة ، وعطلوا الحج ووصلت غاراتهم الى أطراف بغداد ، والى بلاد الشام وفلسطين !
لكن هذه الظروف العالمية المحيطة بالدولة العباسية بمقدار ما كانت نفوذاً للعلويين والتشيع ، كانت بنفسها عوامل ضغط على الشيعة داخل الدولة العباسية !
ومن الطبيعي أن يتهم العباسيون الشيعة في بغداد وداخل الدولة بأنهم مؤيدون للفاطميين أو على صلة بهم ، أو أنصارٌ للعلويين في طبرستان ، وحتى للقرامطة .
ولم يقف الخطر على الشيعة عند ذلك ، فقد ظهرت من وسطهم حركات الغلو من عدد من مدعي السفارة الكذابين ، الذين كان أحدهم يبدأ بادعاء السفارة والمقام عند الإمام المهدي عليه السلام ثم يدعي حلول روح الإمام عليه السلام فيه ، ثم يدعي حلول الله تعالى في النبي والأئمة عليهم السلام ثم فيه ! وكان أولهم الشريعي وصاحبه ابن نصير ، ثم الحلاج ، ثم الشلمغاني..الخ. وقد وجد كل واحد من هؤلاء أنصاراً من عوام الناس، بل من بعض شخصيات السلطة وديوان الخلافة ورئاسة الوزراء ، هذا إذا لم تكن الخلافة نفسها وراء تشجيع هذا الغلو لتبرير ضربه ، ثم ضرب الشيعة بإسمه .
في هذا الخضم كان قائد سفينة التشيع شخصية يمتلئ يقيناً وعمقاً وقوة أعصاب ، هو أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي قدس سره ، فقد قاد سفينة الشيعة ومثل فكر أهل البيت عليه السلام بجدارة ، فحفظ استقلالهم عن الزيدية في طبرستان ، والفاطميين في المغرب ومصر ، والقرامطة في الجزيرة وأطرافها ، وميزهم عن مفتريات المغالين وأكاذيبهم ، فكان رحمه الله رجل المرحلة بحق .
* *
ثانياً: كان للسفير الثاني محمد بن عثمان العمري رحمه الله مكانة عظيمة في بغداد كما تقدم ، وكان له نحو عشرة من أصحابه علماء أتقياء مؤهلين لخلافته برأي الناس ، ومن أبرزهم أحمد بن متيل وابنه جعفر ، ولم يكن الحسين بن روح منهم ، ويبدو أنه كان في جو المتدينين من آل نوبخت . لكن الله تعالى اختاره لصفات يعلمها ، وقد ظهر منها قوة شخصيته ومتانة أعصابه كما شهد ابن متيل وأبو سهل النوبختي ، فقد روى الطوسي في الغيبة/391: (قال ابن نوح: وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سئل فقيل له: كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك ؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه ، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة لعلي كنت أدل على مكانه ، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ! أو كما قال) .انتهى.
أقول: هذه القوة والمتانة في شخصية الحسين بن روح رحمه الله كانت معروفة لأصحابه ، وكانت العامل الثاني بعد تدينهم لقبوله والخضوع له بمجرد أن أخبرهم السفير الثاني بأن الإمام عليه السلام أمره أن يعهد اليه . قال جعفر بن متيل رحمه الله كما في كمال الدين/503: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح ، فالتفت إليَّ ثم قال لي: قد أمرت أن أوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه) . انتهى.
* *
ثالثاً: على أن أعجب ما نقرؤه عن الحسين بن روح و رحمه الله شدته في التقية ، في ظروف شديدة الخطر على الشيعة في بغداد ، ففي غيبة الطوسي/384: (وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية . فروى أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم ، وكانت العامة أيضاً تعظمه ، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً . وعهدي به وقد تناظر اثنان فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله ،ًثم عمر ثم علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما . فقال أبو القاسم رضي الله عنه: الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح عندنا ! فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول وكاد العامة الحضور يرفعونه على رؤسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض . فوقع علي الضحك فلم أزل أتصبر وأمنع نفسي وأدس كمي في فمي فخشيت أن أفتضح ، فوثبت عن المجلس ونظر إلي ففطن بي ، فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادراً فإذا بأبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره . فقال لي: يا أبا عبد الله أيدك الله لم ضحكتَ؟ فأردت أن تهتف بي كأن الذي قلته عندك ليس بحق؟ فقلت: كذاك هو عندي . فقال لي: إتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك في حل، تستعظم هذا القول مني ! فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجب منه ولايضحك من قوله هذا ؟! فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنك ! وودعني وانصرف .
قال أبو نصر هبة الله بن محمد: حدثني أبو الحسن بن كبرياء النوبختي قال: بلغ الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه أن بواباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه ، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته ، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره فلا والله ما رده إلى خدمته ، وأخذه بعض الأهل فشغله معه ! كل ذلك للتقية .
قال أبو نصر هبة الله: وحدثني أبو أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس قال: قال لي إني كنت أنا وإخوتي ندخل إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه نعامله قال: وكانوا باعة ونحن مثلاً عشرة ، تسعة نلعنه وواحد يشكك فنخرج من عنده بعدما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلى الله بمحبته وواحد واقف!لأنه كان يجارينا في فضل الصحابة مارويناه وما لم نروه فنكتبه لحسنه عنه ، رضي الله عنه) .
وفي مناقب آل أبي طالب:3/105: (وسأل بزل بديل الهروي الحسين بن روح رضي الله عنه فقال: كم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال: أربع ، فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: يا فاطمة، قال: ولم صارت أفضل وكانت أصغرهن سناً وأقلهن صحبة لرسول الله؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما ، أنها ورثت رسول الله ونسل رسول الله منها ، ولم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتها) .انتهى.
وسيأتي في سجنه قدس سره أن غرضهم من هذه الأسئلة كان الإيقاع به وبالشيعة !
* *
رابعاً: إن اختيار الله تعالى للسفارة عن حجته على عباده عليه السلام أحد أوليائه من بني نوبخت يشبه بعثته نبياً من الوسط الحاكم ! فبنو نوبخت لهم مكانة في الدولة العباسية من زمن المنصور ، فعندما دخل المنصور سجن الأمويين في الأهواز رآه نوبخت وكان مسجوناً أيضاً وكان منجماً ومترجماً ، فتفرس فيه أنه من بني هاشم وأنه سيحكم ، فكتب له المنصور وعداً بمقام إذا وصل الى الحكم ، وعندما نجحت الثورة العباسية وفى المنصور لنوبخت وأعطاه إقطاعات واسعة وأسلم نوبخت على يده ، (تاريخ الذهبي:9/467) . وجعله المنصور مستشاراً ، وبنى عاصمته بغداد برأيه ، ومن يومها دخلت أسرة نوبخت في تاريخ البلاط العباسي والحياة الثقافية والسياسية ، وكان لهم حيٌّ وسط العاصمة بغداد ، وبيوتهم معروفة يزورها شخصيات الدولة والوزراء ، بل ذكر المؤرخون أن رئيس الوزراء المهلبي دفن في مقبرتهم ، مما يدل على أنها كانت في محل مناسب ، ويظهر أن بني نوبخت تشيعوا مبكراً في زمن المأمون أو قبله .
وقد نبغ منهم علماء ومؤلفون الى جانب المنجمين والمترجمين . وكان الشيخ أبو القاسم بن روح قدس سره من علمائهم غير المعروفين ، فاختاره الله للسفارة . راجع في بني نوبخت: أنساب السمعاني:5/529 ، ووفيات الأعيان:2/127، ومروج الذهب/1304 ، ورجال النجاشي/373 ، وغيرها من مصادر التراجم والتاريخ .
* *
خامساً: رافقت سفارة الحسين بن روح قدس سره (305-326)مع خلافة المقتدر العباسي الذي بويع سنة295 ، وكان عمره13سنة ، وحكم ربع قرن حتى قتل سنة220. (فقتله رجل من البربر وقلع ثيابه فمر به رجل فستر سوأته بحشيش ثم حفر له ودفن وخفى أثره ). (مآثر الإنافة في معالم الخلافة:1/274). وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد/1270: (وخلع في خلافته دفعتين الأولى بعد جلوسه بأربعة أشهر وأيام با بن المعتز وبطل الأمر من يومه ، والدفعة الثانية بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته خلع نفسه وأشهد عليه وأجلس القاهر يومين وبعض اليوم الثالث ، ووقع الخلف بين العسكرين وعاد المقتدر إلى حاله ! وكان مولده لثمان بقين من شهر رمضان سنة لاثنتين وثمانين ومائتين . وقتل بالشماسية يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلثمائة . فكانت خلافته خمساً وعشرين سنة إلا خمسة عشراً يوماً . وكانت سنُّه ثمانياً وثلاثين سنة وشهراً وعشرين يوماً... ووزر له العباس بن الحسن، ثم علي بن محمد بن موسى بن الفرات ، ثم عبيد الله بن خاقان ، ثم أبو الحسن على بن عيسى بن داود بن الجراح ، ثم حامد بن العباس ، ثم أحمد بن عبيد الله الخصيبي ، ثم محمد بن على بن مقلة ، ثم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح ، ثم عبيد الله بن محمد الكلوذاني ، ثم الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات). انتهى.
أقول: الوزير يومها يعني رئيس الوزراء الذي بيده مالية الدولة وكثير من أمورها الإدارية ، ويشكل هو وقادة الجيش وولاة الأمصار مراكز القوى الثلاث التي تتحكم في الخليفة نصباً وعزلاً وسياسةً . وكان من هؤلاء الأحد عشر الذين استوزرهم المقتدر بضعة وزراء شيعة أو يميلون الى التشيع ، منهم ابن مقلة ، وأبرزهم ابن الفرات الذي استوزره الخليفة ثم عزله وصادر أمواله وسجنه مرات ، وكانت كفاءته تفرضه عليه في كل مرة وكان محبوباً عند الناس. ففي تهذيب الأنساب لابن الأثير:2/414: (وكان يقارب البرامكة في الجود ، حتى قال الشاعر:
آل الفرات وآل برمك ما لكمْ قلَّ المعينُ لكم وقلَّ الناصر) .
وقال الصابي في تاريخ الوزراء/3: ( بنو الفرات من قرية تدعى بابلي صريفين من النهروان الأعلى وكان لهم بها أقارب يزيدون على ثلاثمائة نفس. وأول من ساد منهم أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وكان حسن الكتابة ظاهر الكفاية خبيراً بالحساب والأعمال، متقدماً على أهل زمانه في هذه الأحوال...حدث أبوالفضل بن عبد الحميد الكاتب قال: لما تولى أبو القاسم عبيد الله ابن سليمان وزارة المعتضد بالله والدنيا منغلقة بالخوارج ، والأطماع مستحكمة من جميع الجوانب ، والمواد قاصرة والأموال معدومة ، وقد استخرج إسماعيل بن بلبل خراج السواد لسنتين في سنة ، وليس في الخزائن موجود من مال ولا صياغة أحتاج في كل يوم إلى ما لا بد منه من النفقات إلى سبعة آلاف دينار وتعذر عليه قيام وجهها ! وقال لي يوماً وهو في مجلسه من دار المعتضد بالله: يا أبا الفضل قد وردنا على دنيا خراب مستغلقة وبيوت مال فارغة وابتداء عقد لخليفة جديد الأمر ، وبيننا وبين الإفتتاح مدة(وقت قبض الخراج)ولا بد لي في كل يوم من سبعة آلاف دينار لنفقات الحضرة على غاية الإقتصار والتجزئة ، فإن كنت تعرف وجهاً تعينني به فأحب أن ترشدني إليه؟ وكنت أعرف منها وجوهاً بالنصف فقلت وأنا أحب تخليص بني الفرات: إن أردت أن أحصل لك ذلك وزيادة فأطلق ابني الفرات واستعملهما . قال: فنهض ودخل على المعتضد بالله وعرفه الصورة وقال: أنا بعيد العهد بالعمل، وابنا الفرات قد خبرا الأعمال ووجوه الأموال وعندهما من علم ذاك ما يحتاج إليهما فيه . فقال له المعتضد: وكيف تصلح لنا نياتهما وقد استفسدناهما وأسأنا إليهما وصادرناهما؟ فقال له: إذا أردت أن تصطنعهما وتستصلحهما صلحاً ونصحاً . فقال له المعتضد: ربما اجتمعا عليك وأفسدا بيني وبينك والأمر في حبسهما وإطلاقهما إليك . فخرج وعرفني ما جرى وأحضر أبا العباس وأدناه وقال له: قد استوهبتك وعملت على اصطناعك والإستعانة بك فكيف تكون؟ قال: أبذل وسعي في كل ما قضى حقك وخفف عنك. وخرج إليه عبيد الله بما هو فيه وقص عليه أمره فيما يعانيه فقال له: يتقدم الوزير بإحضار أحمد بن محمد الطائي وعلي بن محمد أخي يعني أبا الحسن وتفردني وإياهما ، ففعل عبيد الله ذلك واعتزل أبو العباس وأبو الحسن وخاطبا الطائي على أن يضمناه أعمال الكوفة والقصر وباروسما الأعلى والأسفل وما يجري مع ذلك، وقررا معه الضمان على أن يحمل من ماله في كل يوم سبعة آلاف دينار وفي كل شهر ستة آلاف دينار وأخذا خطة بالتزام الضمان وتصحيح المال على ما تقرر.... فطلب أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات وهو محبوس يومئذ مع أبي العباس أحمد أخيه ، وقد لحقتهما مكاره وعلق أبو العباس بحبال في يديه بقيت آثارها فيهما مدة حياته ، وصودر على مائة وعشرين ألف دينار صح منها ستون ، فجئ به من محبسه يرسف في قيوده وعليه جبة دنسة وشعره طويل فلما مثل بين يديه قال: الله الله أيها الوزير، وجعل يشكو ما أصابه وأصاب أبا العباس أخاه من المكاره وفرائصه ترعد ! فسكنه عبيد الله بن سليمان وقربه وأجلسه وخاطبه بما أزال به روعه وخوفه . ثم خاطبه في المسألة عن أمر الأعمال والعمال فانبسط أبو الحسن انبساط رجل جالس في الصدر وأخذ يقول: ناحية كذا مبلغ مالها كذا ، وقد حمل منه كذا وبقي كذا وعاملها مستقيم الطريقة ، وناحية كذا على صورة كذا وعاملها غير مضطلع بها وينبغي أن يستبدل به فيها ، وناحية كذا على حال كذا ، وعاملها ضعيف وينبغي أن يشد بمشارك أو مشارف . حتى أتى على أمور الدنيا.... والتفت إلى من كان بين يديه وقال:أرأيتم مثل ابن الفرات ومثل كتَّابي الذين صرفوه! والله لأخاطبن الخليفة في العفو عن أبي الحسن وأبي العباس وأستعينن بهما فإنه لاعوض للسلطان عنهما ومضت أيام وخاطب في معناها واستوهبهما واستعملهما). انتهى.
أقول: كان آل الفرات من العوائل المعروفة البارزة في بغداد ، هم وآل نوبخت ، وآل بسطام الجعفيين ويقال لهم بنو سبرة ، وكذلك آل حمدان أمراء الموصل وحلب وكان بعضهم في بغداد ، ثم آل مقلة ، ويظهر أن الباقطانيين كانوا شيعة أيضاً ، ففي الكافي:1/525 ، عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير ، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه).
وذكر في نشوار المحاضرة/1066، دفاع الوزير ابن الفرات عن إعطائه المناصب الكبيرة للشيعة بأنهم أكفأ من غيرهم ، قال: (يتمعضني الناس بتعطيلي مشايخ الكتاب وتفريقي الأعمال على آل بسطام وآل نوبخت ، والله لولا أنه لا يحسن تعطيل نفر من العمال وقد قلدتهم ، لما استعملت في الدنيا ، إلا آل نوبخت دون غيرهم . قال أبو الحسين: وإنما كان يتعصب لآل بسطام لرياسة أبي العباس عليه وللمذهب ، ويتعصب لآل نوبخت للمذهب) .
* *
سادساًً: كانت أم المقتدر من عوامل قوته ، وهي جارية صقلبية أي بلغارية(الوافي:11/74، ومعجم البلدان:1/87) كان إسمها ناعمة وسماها المعتضد بعد ولادتها المقتدر: (شغب) وكانت قوية الشخصية ، ويظهر أنها هي التي أقنعت قادة الجيش ببيعة ابنها الصغير .
قال الزركلي:3/168: (مدبرة حازمة كانت من جواري المعتضد بالله أبي جعفر وأعتقها وتزوجها . ولما آلت الخلافة إلى ابنها (المقتدر) سنة 295 ه ، وعمره ثلاث عشرة سنة قامت بتوجيهه واستولت على أمور الخلافة. وأمرتسنة 306 ه قهرمانة لها اسمها ثمل أن تجلس للنظر في عرائض الناس يوماً في كل جمعة ، فكانت تجلس ويحضر الفقهاء والقضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها . ولما ثار عبد الله بن حمدان على المقتدر ، وناصره بعض رجال المقتدر ، وخلعوه سنة 317 استتر عند أمه وقيل حمل هو وأمه إلى دار مؤنس المظفر . وكان لها ستمائة ألف دينار في الرصافة فأخذت ثم لم تلبث أن عادت إلى تدبير الشؤون بعد قمع الثورة في السنة نفسها وظلت إلى أن قتل ابنها سنة320 وولي القاهر فضربها وعذبها....وكانت صالحة وكان متحصلها في السنة ألف ألف دينار فتتصدق بها وتخرج من عندها مثلها)!انتهى. والطريف قوله: صالحة ! وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:23/399: (وأول ما فعل(الخليفة القاهر)أن صادر آل المقتدر وعذبهم وأحضر أم المقتدر وهي مريضة فضربها بيده ضرباً مبرحاً ! فلم تظهر من مالها سوى خمسين ألف دينار وأحضر القضاة وأشهد عليها ببيع أملاكها.... وما زال يعذبها حتى ماتت معلقة بحبل) ! انتهى.
وقد خُلع القاهر بعد سنة ونصف ، وسملت عيناه ! (مروج الذهب/1304).
ويظهر أن المقتدر وأمه رأوا كرامات لأبي القاسم بن روح قدس سره فكانا يحترمانه ويعظمانه في المرحلة الأولى قبل تحريك الحنابلة له ضد الشيعة، ففي غيبة الطوسي/384: (وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق...حدثني أبو عبد الله بن غالب... قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم ، وكانت العامة أيضاً تعظمه) . انتهى.
وقال ابن حجر في لسان الميزان:2/283: (أحد رؤساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء إلى أن قال: كان كثير الجلالة في بغداد .
* *
سابعاً: نورد نصين يكشفان عن دور الحسين بن روح قدس سره في الأحداث الكبرى !
قال الصفدي في الوافي بالوفيات:12/226: (أبو القاسم الشيعي، الحسين بن روح بن بحر ، أبو القاسم . قال ابن أبي طي: هو أحد الأبواب لصاحب الأمر نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري... وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان وتواصف الناس عقله ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام ، وأطلق من الحبس لما خلع المقتدر فلما أعيد إلى الخلافة شاوروه فيه قال: دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى ! وبقيت حرمته على ما كانت عليه ، ورمي بأنه كان يكاتب القرامطة ليحاصروا بغداد ، وأن الأموال تجبى إليه ، وكان يفتي الشيعة ويفيدهم ، وكاد أمره يتم ويستفحل إلى أن توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة ) .
وقال الذهبي في سيره:15/222: (الباب ، كبير الإمامية ، ومن كان أحد الأبواب إلى صاحب الزمان المنتظر، الشيخ الصالح أبو القاسم حسين بن روح بن بحر القيني. قال ابن أبي طي في تاريخه: نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمري....
فروى علي بن محمد الأيادي عن أبيه قال: شاهدته يوماً وقد دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره . ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزر حامد بن العباس فجرت له معه خطوب يطول شرحها ، ثم سرد ابن أبي طي ترجمته في أوراق ، وكيف أخذ وسجن خمسة أعوام وكيف أطلق وقت خلع المقتدر ، فلما أعادوه إلى الخلافة شاوروه فيه فقال: دعوه فبخطيته أوذينا . وبقيت حرمته على ما كانت إلى أن مات في سنة ست وعشرين وثلاث مئة . وقد كاد أمره أن يظهر !
قلت: ولكن كفى الله شره فقد كان مضمراً لشق العصا . وقيل كان يكاتب القرامطة ليقدموا بغداد ويحاصروها . وكانت الإمامية تبذل له الأموال ، وله تلطف في الذب عنه ، وعبارات بليغة تدل على فصاحته وكمال عقله . وكان مفتي الرافضة وقدوتهم وله جلالة عجيبة ! وهو الذي رد على الشلمغاني لما علم انحلاله) .انتهى.
هذا وكانت الثورة على المقتدر من اثنين من قادة جيشه هما نازوك وابن حمدان، لكن القائد الكبير مؤنس تغلب عليهما وأعاده الى الخلافة. (صلة تاريخ الطبري/97).
* *
فهذان النصَّان للصفدي والذهبي وهما من غير الشيعة غنيان بالدلالات ، يكشفان عن جلالة الحسين بن روح قدس سره ودوره العظيم في أحداث الخلافة وصراعات القوى:
1- يدلان على أننا أمام شخصية غير عادية ! فهو عالم شيعي يعتقد الشيعة بأنه سفير إمامهم الغائب صلوات الله عليه ، لكن له احترام وهيبة وإجلال عند كبار رجال الدولة ، ابتداء من الخليفة ووالدته(السيدة) الى عامة الناس !
وقولهما: (وتواصف الناس عقله)وقول الذهبي: (وله جلالة عجيبة)يردُّ ادعاء ابن حجر أن هذه الجلالة والإحترام ادعاها له الشيعة ! قال في لسان الميزان:2/283: (الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم ، أحد رؤوساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء ، ثم قبض عليه وسجن في المطمورة ، وكان السبب في ذلك(...بياض) ومات سنة ست وعشرين وثلاث مائة . وقد افترى له الشيعة الإمامية حكايات وزعموا أن له كرامات ومكاشفات ، وزعموا أنه كان في زمانه الباب إلى المنتظر ، وأنه كان كثير الجلالة في بغداد . والعلم عند الله).انتهى.
يقصد ابن حجر بقوله (والعلم عند الله) أنه يشك في كلامه السابق ولا يجزم به ! فهو أسلوب يستعمل عند الشك ، ويستعمل للهروب من مسؤولية التدليس والكذب !
2- يدل ذلك وغيره على أن الحسين بن روح قدس سره دخل في عمق القضايا السياسة ، لكن بأسلوبه الخاص الذي وجهه به الإمام عليه السلام ، فكان ينصح ويحذر ، ويأمر كبار الشخصيات بما يخبره به الإمام عليه السلام ، وكان الجميع يحترمونه ويهابونه ، لأنه لمسوا صدق إخباراته عن المستقبل وتوجيهاته واستفادوا منها !
وحتى القصة التي نقلها الذهبي عن قاضي القضاة ، لاتدل على أنه لم ينفذ أمره ! فنصها يقول: (دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره) . ومعناه أن قاضي القضاة كان يزوره في بيته كغيره من الوزراء ، وقد يكون الخليفة وأمه يزورانه أيضاً ! ولم أجد أي نص في أنه كان يزور أحداً منهم ! وكان قاضي القضاة عزم على أمر كبير ، قد يكون قتل أحد المسؤولين في صراع السلطة الذي كانت الأطراف فيه تحتاج الى حكم القاضي بقتل بعضهم البعض وسمل العيون والمصادرة والنهب . فبادره الحسين بن روح قدس سره ناصحاً أن لايفعل ما عزم عليه ! فارتبك وسأله: من أخبره بما عزم عليه؟! وكأن المسألة من نوع التواطؤ السري للغاية بين قاضي القضاة وأحد صناع القرار ، وأبرزهم: الخليفة ، وأمه ، ورئيس الوزراء ، ومؤنس قائد الجيش ! فأجابه ابن روح رحمه الله : مادام ما أقول لك صحيحاً فلماذا تسأل من أين عرفته ؟ وإن كان غير صحيح فلك الحق أن تتهمني !
عندها قال القاضي: لا أتهمك ، لكن أمهلك يوماً أو يومين حتى تخبرني من أين عرفت ! فلما ذهب القاضي أظهر ابن روح قدس سره تعجبه من نفاقه ، وأنه بدل أن يخضع للبرهان القطعي الذي كوشف به ، ويشكره على نصيحته ، استعمل النفاق وقال: أمهلك أياماً حتى تخبرني من أخبرك !
وهذا يدلنا على أن القاضي اعترف ضمناً بأن ما أخبره به ابن روح صحيح ، فقد اتهمه ابن روح بالنفاق لأنه هرب من الموضوع الى سؤال من أين عرفت هذا ؟ وكأنه يعرف أن مصدر ابن روح هو الإمام المهدي عليه السلام الملهم من ربه تعالى !
وقد ترجم الذهبي في سيره:14/555 ، لهذا القاضي فقال: (أبو عمر القاضي الإمام الكبير ، قاضي القضاة ، أبو عمر ، محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي...حدث عنه الدارقطني ، والقاضي أبو بكر الأبهري ، وأبو بكر بن المقرئ....وكان عديم النظير عقلاً وحلماً وذكاء بحيث إن الرجل كان إذا بالغ في وصف شخص قال: كأنه أبو عمر القاضي.... ولم ير أجل من مجلسه للحديث: البغوي عن يمينه ، وابن صاعد عن شماله ، وابن زياد النيسابوري وغيره بين يديه.... ومات سنة عشرين وثلاث مئة).
3- كان هدف الحسين بن روح قدس سره من تدخله بالسياسة أو هدف الإمام صلوات الله عليه ، أن يترسخ مذهب أهل البيت عليهم السلام في الأمة فكرياً وعملياً ، ويتميز عن غيره من مذاهب الغلو والتقصير ، ويأخذ طريقه في حياة الأمة حتى يحين وقت الظهور .
وقد تحققت آخر مراحل هذا الهدف على يد السفراء الأربعة للإمام عليه السلام وخاصة الحسين بن روح قدس سره ، وتعلم الشيعة أن يرجعوا الى فقهائهم ويتكيفوا مع غيبة إمامهم عليه السلام وزمن الفترة الذي امتحن الله به الأمة .
4- أقدم حامد بن العباس وزير المقتدر على سجن الحسين بن روح قدس سره ، وحبسوه في سجن قصر الخليفة، وكان سجن القصر أفضل من سجن الوزير ، بدليل أنه عندما غضب الخليفة على الوزير حامد هذا وعزله ، طلب أن يكون سجنه في قصر الخليفة وليس في سجن الوزير الذي جاء بعده . (الكامل:8/141) .
وعندما وقعت الثورة على الخليفة المقتدر وخلعوه ، نهبوا قصره وفتحوا سجنه وأطلقوا من فيه ، ثم أعيد الخليفة فشاوروه هل يرجعون الشيخ ابن روح الى السجن فقال: (دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى) برواية الصفدي ، وقال (دعوه فبخطيته أوذينا) برواية الذهبي ! ومعناه أن المقتدر كان يعتقد بأن ابن روح قدس سره رجل صالح وأن الثورة عليه وخلعه كانا عقوبةً له لأنه سجن ولي الله الحسين بن روح !
أما مدة سجنه قدس سره فرووا أنها خمس سنوات ، وذكرت رواية غيبة الطوسي/307، أن خروجه من السجن كان في آخر سنة اثني عشر وثلاث مئة ، أو أول ثلاثة عشر .
أما سبب سجنه قدس سره فجعلها ابن حجر في نسخته (بياضاً) ! وقال عنها الذهبي: (ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام ) .
ولم نجد في مصادر التاريخ والسير ما ذا كانت تلك الخطوب إلا ما ذكر الذهبي وغيره عن تاريخ ابن أبي طي الحلبي رحمه الله وهو كتاب مفقود في عصرنا مع الأسف !
والسبب الذي توصلتُ اليه أن المقتدر لم يكن يتبنى سياسة المتوكل في النصب لأهل البيت عليهم السلام والعداء لشيعتهم ، بل كان يعمل بسياسة المأمون وحفيده الواثق في الموازنات بين الشيعة والسنة ، وكان يحترم الحسين بن روح احتراماً خاصاً ، لكن مجسمة الحنابلة استطاعوا أن يحدثوا موجة مضادة للشيعة في بغداد ويؤثِّروا على المقتدر ويفرضوا عليه حامد بن العباس رئيس وزراء ، وجعلوا من موقف الشيعة السلبي من أبي بكر وعمر علماً وشعاراً وأخذوا يمتحنون به الناس ، ومنعوا زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقبر الإمام الكاظم عليه السلام في بغداد ..الخ.
وكان حامد بن العباس فارسياً يتبنى أفكار المتوكل ومجسمة الحنابلة ، وهو الذي سجن الحسين بن روح رحمه الله ، وذكرت مصادرهم أنه كان يروج لفكرة قدم القرآن ويدعي أن الواثق وهو العدو اللدود لمجسمة الحنابلة ، قد تاب قبل وفاته عن رأيه بخلق القرآن ووافق المجسمة ! ففي تاريخ بغداد:14/18: (حدثني حامد بن العباس عن رجل عن المهتدي أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن).انتهى.
ولا يتسع المجال لتفصيل هذه المسألة، وخلاصتها أن المأمون واجه موجة النصب والتجسيم الأموي التي انتشرت في عصر الرشيد ، فكتب منشوراً في البراءة من معاوية ، وأمر بقتل من قال بالتشبيه ورؤية الله تعالى وأن القرآن جزء من ذاته !
ثم جاء أخوه المعتصم بعده فخالفه وقرب مجسمة الحنابلة ، ثم جاء الواثق فأعاد سياسة المأمون ، فقام مجسموا الحنابلة بحركة ضده في بغداد فقتل رئيسهم أحمد بن نصر الخزاعي وذبحه بيده سنة إحدى وثلاثين ومئتين ! راجع تاريخ بغداد:5/ 384، و386، وتهذيب الكمال:1/508 ، وتاريخ اليعقوبي:2/482 ، وغيرها .
قال ابن كثير في النهاية:10/334: (وكان الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن ، يدعو إليه ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله وعمه المأمون ، من غير دليل ولا برهان ولا حجة ولا بيان ولا سنة ولا قرآن ، فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها . فاجتمع عليه جماعة من أهل بغداد والتف عليه من الألوف..). انتهى.
ولم يُبيِّن ابن كثير معنى(أشياء كثيرة دعا الناس إليها) ولو كان صريحاً لقال إنها نهيه عن تقديس بني أمية وعن بغض أهل البيت عليهم السلام ورؤية الله وتشبيهه بخلقه ، وعن تكفير الشيعة واستباحة دمائهم بحجة أنهم مشركون أو أنهم يسبون الصحابة..الخ.
ثم جاء المتوكل وتبنى مذهب مجسمي الحنابلة ، وأسس منهم حزباً سماه (أهل الحديث)كانت مهمته محاربة الشيعة ومهاجمة مجالسهم في عاشوراء ومطاردة من يزورون منهم كربلاء والكاظمية ! وانتهت موجة المتوكل بقتله ، وسار الخلفاء بعده على سياسة الموازنة بين المذاهب والقوى السياسية وكان منهم المقتدر ، حتى قوي الحنابلة وفرضوا عليه وزارة حامد بن العباس .
إن ما تراه في سيرة ابن روح قدس سره من استعماله التقية في أبي بكر وعمر ومعاوية ، يدلك على استهداف مجسمة الحنابلة في وزارة صاحبهم أن يقتلوه ويستبيحوا دماء الشيعة بفتواه ! ولكنهملم يجدوا عليه مستنداً فحبسوه ! وقد يكون المقتدر أو والدته (السيدة)تدخلوا وجعلوا حبسه في السجن التابع لقصر الخليفة ! ولايبعد أن يكون الخليفة وأمه وكثيراً من الطبقة السياسية يعتقدون بوجود الإمام المهدي عليه السلام وأن أبا القاسم سفيره، لأنهم لمسوا منه كرامات ومعلومات لا تفسير لها إلا بصدقه . رضوان الله عليه وصلوات الله على سيده صاحب الزمان ، ويؤيد ذلك قول الواثق المتقدم .
( يتبع.. وهو الفصل الأربعون.. آخر فصل من المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام )
وقال الصابي في تاريخ الوزراء/3: ( بنو الفرات من قرية تدعى بابلي صريفين من النهروان الأعلى وكان لهم بها أقارب يزيدون على ثلاثمائة نفس. وأول من ساد منهم أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وكان حسن الكتابة ظاهر الكفاية خبيراً بالحساب والأعمال، متقدماً على أهل زمانه في هذه الأحوال...حدث أبوالفضل بن عبد الحميد الكاتب قال: لما تولى أبو القاسم عبيد الله ابن سليمان وزارة المعتضد بالله والدنيا منغلقة بالخوارج ، والأطماع مستحكمة من جميع الجوانب ، والمواد قاصرة والأموال معدومة ، وقد استخرج إسماعيل بن بلبل خراج السواد لسنتين في سنة ، وليس في الخزائن موجود من مال ولا صياغة أحتاج في كل يوم إلى ما لا بد منه من النفقات إلى سبعة آلاف دينار وتعذر عليه قيام وجهها ! وقال لي يوماً وهو في مجلسه من دار المعتضد بالله: يا أبا الفضل قد وردنا على دنيا خراب مستغلقة وبيوت مال فارغة وابتداء عقد لخليفة جديد الأمر ، وبيننا وبين الإفتتاح مدة(وقت قبض الخراج)ولا بد لي في كل يوم من سبعة آلاف دينار لنفقات الحضرة على غاية الإقتصار والتجزئة ، فإن كنت تعرف وجهاً تعينني به فأحب أن ترشدني إليه؟ وكنت أعرف منها وجوهاً بالنصف فقلت وأنا أحب تخليص بني الفرات: إن أردت أن أحصل لك ذلك وزيادة فأطلق ابني الفرات واستعملهما . قال: فنهض ودخل على المعتضد بالله وعرفه الصورة وقال: أنا بعيد العهد بالعمل، وابنا الفرات قد خبرا الأعمال ووجوه الأموال وعندهما من علم ذاك ما يحتاج إليهما فيه . فقال له المعتضد: وكيف تصلح لنا نياتهما وقد استفسدناهما وأسأنا إليهما وصادرناهما؟ فقال له: إذا أردت أن تصطنعهما وتستصلحهما صلحاً ونصحاً . فقال له المعتضد: ربما اجتمعا عليك وأفسدا بيني وبينك والأمر في حبسهما وإطلاقهما إليك . فخرج وعرفني ما جرى وأحضر أبا العباس وأدناه وقال له: قد استوهبتك وعملت على اصطناعك والإستعانة بك فكيف تكون؟ قال: أبذل وسعي في كل ما قضى حقك وخفف عنك. وخرج إليه عبيد الله بما هو فيه وقص عليه أمره فيما يعانيه فقال له: يتقدم الوزير بإحضار أحمد بن محمد الطائي وعلي بن محمد أخي يعني أبا الحسن وتفردني وإياهما ، ففعل عبيد الله ذلك واعتزل أبو العباس وأبو الحسن وخاطبا الطائي على أن يضمناه أعمال الكوفة والقصر وباروسما الأعلى والأسفل وما يجري مع ذلك، وقررا معه الضمان على أن يحمل من ماله في كل يوم سبعة آلاف دينار وفي كل شهر ستة آلاف دينار وأخذا خطة بالتزام الضمان وتصحيح المال على ما تقرر.... فطلب أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات وهو محبوس يومئذ مع أبي العباس أحمد أخيه ، وقد لحقتهما مكاره وعلق أبو العباس بحبال في يديه بقيت آثارها فيهما مدة حياته ، وصودر على مائة وعشرين ألف دينار صح منها ستون ، فجئ به من محبسه يرسف في قيوده وعليه جبة دنسة وشعره طويل فلما مثل بين يديه قال: الله الله أيها الوزير، وجعل يشكو ما أصابه وأصاب أبا العباس أخاه من المكاره وفرائصه ترعد ! فسكنه عبيد الله بن سليمان وقربه وأجلسه وخاطبه بما أزال به روعه وخوفه . ثم خاطبه في المسألة عن أمر الأعمال والعمال فانبسط أبو الحسن انبساط رجل جالس في الصدر وأخذ يقول: ناحية كذا مبلغ مالها كذا ، وقد حمل منه كذا وبقي كذا وعاملها مستقيم الطريقة ، وناحية كذا على صورة كذا وعاملها غير مضطلع بها وينبغي أن يستبدل به فيها ، وناحية كذا على حال كذا ، وعاملها ضعيف وينبغي أن يشد بمشارك أو مشارف . حتى أتى على أمور الدنيا.... والتفت إلى من كان بين يديه وقال:أرأيتم مثل ابن الفرات ومثل كتَّابي الذين صرفوه! والله لأخاطبن الخليفة في العفو عن أبي الحسن وأبي العباس وأستعينن بهما فإنه لاعوض للسلطان عنهما ومضت أيام وخاطب في معناها واستوهبهما واستعملهما). انتهى.
أقول: كان آل الفرات من العوائل المعروفة البارزة في بغداد ، هم وآل نوبخت ، وآل بسطام الجعفيين ويقال لهم بنو سبرة ، وكذلك آل حمدان أمراء الموصل وحلب وكان بعضهم في بغداد ، ثم آل مقلة ، ويظهر أن الباقطانيين كانوا شيعة أيضاً ، ففي الكافي:1/525 ، عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير ، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه).
وذكر في نشوار المحاضرة/1066، دفاع الوزير ابن الفرات عن إعطائه المناصب الكبيرة للشيعة بأنهم أكفأ من غيرهم ، قال: (يتمعضني الناس بتعطيلي مشايخ الكتاب وتفريقي الأعمال على آل بسطام وآل نوبخت ، والله لولا أنه لا يحسن تعطيل نفر من العمال وقد قلدتهم ، لما استعملت في الدنيا ، إلا آل نوبخت دون غيرهم . قال أبو الحسين: وإنما كان يتعصب لآل بسطام لرياسة أبي العباس عليه وللمذهب ، ويتعصب لآل نوبخت للمذهب) .
* *
سادساًً: كانت أم المقتدر من عوامل قوته ، وهي جارية صقلبية أي بلغارية(الوافي:11/74، ومعجم البلدان:1/87) كان إسمها ناعمة وسماها المعتضد بعد ولادتها المقتدر: (شغب) وكانت قوية الشخصية ، ويظهر أنها هي التي أقنعت قادة الجيش ببيعة ابنها الصغير .
قال الزركلي:3/168: (مدبرة حازمة كانت من جواري المعتضد بالله أبي جعفر وأعتقها وتزوجها . ولما آلت الخلافة إلى ابنها (المقتدر) سنة 295 ه ، وعمره ثلاث عشرة سنة قامت بتوجيهه واستولت على أمور الخلافة. وأمرتسنة 306 ه قهرمانة لها اسمها ثمل أن تجلس للنظر في عرائض الناس يوماً في كل جمعة ، فكانت تجلس ويحضر الفقهاء والقضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها . ولما ثار عبد الله بن حمدان على المقتدر ، وناصره بعض رجال المقتدر ، وخلعوه سنة 317 استتر عند أمه وقيل حمل هو وأمه إلى دار مؤنس المظفر . وكان لها ستمائة ألف دينار في الرصافة فأخذت ثم لم تلبث أن عادت إلى تدبير الشؤون بعد قمع الثورة في السنة نفسها وظلت إلى أن قتل ابنها سنة320 وولي القاهر فضربها وعذبها....وكانت صالحة وكان متحصلها في السنة ألف ألف دينار فتتصدق بها وتخرج من عندها مثلها)!انتهى. والطريف قوله: صالحة ! وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:23/399: (وأول ما فعل(الخليفة القاهر)أن صادر آل المقتدر وعذبهم وأحضر أم المقتدر وهي مريضة فضربها بيده ضرباً مبرحاً ! فلم تظهر من مالها سوى خمسين ألف دينار وأحضر القضاة وأشهد عليها ببيع أملاكها.... وما زال يعذبها حتى ماتت معلقة بحبل) ! انتهى.
وقد خُلع القاهر بعد سنة ونصف ، وسملت عيناه ! (مروج الذهب/1304).
ويظهر أن المقتدر وأمه رأوا كرامات لأبي القاسم بن روح قدس سره فكانا يحترمانه ويعظمانه في المرحلة الأولى قبل تحريك الحنابلة له ضد الشيعة، ففي غيبة الطوسي/384: (وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق...حدثني أبو عبد الله بن غالب... قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم ، وكانت العامة أيضاً تعظمه) . انتهى.
وقال ابن حجر في لسان الميزان:2/283: (أحد رؤساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء إلى أن قال: كان كثير الجلالة في بغداد .
* *
سابعاً: نورد نصين يكشفان عن دور الحسين بن روح قدس سره في الأحداث الكبرى !
قال الصفدي في الوافي بالوفيات:12/226: (أبو القاسم الشيعي، الحسين بن روح بن بحر ، أبو القاسم . قال ابن أبي طي: هو أحد الأبواب لصاحب الأمر نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري... وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان وتواصف الناس عقله ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام ، وأطلق من الحبس لما خلع المقتدر فلما أعيد إلى الخلافة شاوروه فيه قال: دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى ! وبقيت حرمته على ما كانت عليه ، ورمي بأنه كان يكاتب القرامطة ليحاصروا بغداد ، وأن الأموال تجبى إليه ، وكان يفتي الشيعة ويفيدهم ، وكاد أمره يتم ويستفحل إلى أن توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة ) .
وقال الذهبي في سيره:15/222: (الباب ، كبير الإمامية ، ومن كان أحد الأبواب إلى صاحب الزمان المنتظر، الشيخ الصالح أبو القاسم حسين بن روح بن بحر القيني. قال ابن أبي طي في تاريخه: نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمري....
فروى علي بن محمد الأيادي عن أبيه قال: شاهدته يوماً وقد دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره . ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزر حامد بن العباس فجرت له معه خطوب يطول شرحها ، ثم سرد ابن أبي طي ترجمته في أوراق ، وكيف أخذ وسجن خمسة أعوام وكيف أطلق وقت خلع المقتدر ، فلما أعادوه إلى الخلافة شاوروه فيه فقال: دعوه فبخطيته أوذينا . وبقيت حرمته على ما كانت إلى أن مات في سنة ست وعشرين وثلاث مئة . وقد كاد أمره أن يظهر !
قلت: ولكن كفى الله شره فقد كان مضمراً لشق العصا . وقيل كان يكاتب القرامطة ليقدموا بغداد ويحاصروها . وكانت الإمامية تبذل له الأموال ، وله تلطف في الذب عنه ، وعبارات بليغة تدل على فصاحته وكمال عقله . وكان مفتي الرافضة وقدوتهم وله جلالة عجيبة ! وهو الذي رد على الشلمغاني لما علم انحلاله) .انتهى.
هذا وكانت الثورة على المقتدر من اثنين من قادة جيشه هما نازوك وابن حمدان، لكن القائد الكبير مؤنس تغلب عليهما وأعاده الى الخلافة. (صلة تاريخ الطبري/97).
* *
فهذان النصَّان للصفدي والذهبي وهما من غير الشيعة غنيان بالدلالات ، يكشفان عن جلالة الحسين بن روح قدس سره ودوره العظيم في أحداث الخلافة وصراعات القوى:
1- يدلان على أننا أمام شخصية غير عادية ! فهو عالم شيعي يعتقد الشيعة بأنه سفير إمامهم الغائب صلوات الله عليه ، لكن له احترام وهيبة وإجلال عند كبار رجال الدولة ، ابتداء من الخليفة ووالدته(السيدة) الى عامة الناس !
وقولهما: (وتواصف الناس عقله)وقول الذهبي: (وله جلالة عجيبة)يردُّ ادعاء ابن حجر أن هذه الجلالة والإحترام ادعاها له الشيعة ! قال في لسان الميزان:2/283: (الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم ، أحد رؤوساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء ، ثم قبض عليه وسجن في المطمورة ، وكان السبب في ذلك(...بياض) ومات سنة ست وعشرين وثلاث مائة . وقد افترى له الشيعة الإمامية حكايات وزعموا أن له كرامات ومكاشفات ، وزعموا أنه كان في زمانه الباب إلى المنتظر ، وأنه كان كثير الجلالة في بغداد . والعلم عند الله).انتهى.
يقصد ابن حجر بقوله (والعلم عند الله) أنه يشك في كلامه السابق ولا يجزم به ! فهو أسلوب يستعمل عند الشك ، ويستعمل للهروب من مسؤولية التدليس والكذب !
2- يدل ذلك وغيره على أن الحسين بن روح قدس سره دخل في عمق القضايا السياسة ، لكن بأسلوبه الخاص الذي وجهه به الإمام عليه السلام ، فكان ينصح ويحذر ، ويأمر كبار الشخصيات بما يخبره به الإمام عليه السلام ، وكان الجميع يحترمونه ويهابونه ، لأنه لمسوا صدق إخباراته عن المستقبل وتوجيهاته واستفادوا منها !
وحتى القصة التي نقلها الذهبي عن قاضي القضاة ، لاتدل على أنه لم ينفذ أمره ! فنصها يقول: (دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره) . ومعناه أن قاضي القضاة كان يزوره في بيته كغيره من الوزراء ، وقد يكون الخليفة وأمه يزورانه أيضاً ! ولم أجد أي نص في أنه كان يزور أحداً منهم ! وكان قاضي القضاة عزم على أمر كبير ، قد يكون قتل أحد المسؤولين في صراع السلطة الذي كانت الأطراف فيه تحتاج الى حكم القاضي بقتل بعضهم البعض وسمل العيون والمصادرة والنهب . فبادره الحسين بن روح قدس سره ناصحاً أن لايفعل ما عزم عليه ! فارتبك وسأله: من أخبره بما عزم عليه؟! وكأن المسألة من نوع التواطؤ السري للغاية بين قاضي القضاة وأحد صناع القرار ، وأبرزهم: الخليفة ، وأمه ، ورئيس الوزراء ، ومؤنس قائد الجيش ! فأجابه ابن روح رحمه الله : مادام ما أقول لك صحيحاً فلماذا تسأل من أين عرفته ؟ وإن كان غير صحيح فلك الحق أن تتهمني !
عندها قال القاضي: لا أتهمك ، لكن أمهلك يوماً أو يومين حتى تخبرني من أين عرفت ! فلما ذهب القاضي أظهر ابن روح قدس سره تعجبه من نفاقه ، وأنه بدل أن يخضع للبرهان القطعي الذي كوشف به ، ويشكره على نصيحته ، استعمل النفاق وقال: أمهلك أياماً حتى تخبرني من أخبرك !
وهذا يدلنا على أن القاضي اعترف ضمناً بأن ما أخبره به ابن روح صحيح ، فقد اتهمه ابن روح بالنفاق لأنه هرب من الموضوع الى سؤال من أين عرفت هذا ؟ وكأنه يعرف أن مصدر ابن روح هو الإمام المهدي عليه السلام الملهم من ربه تعالى !
وقد ترجم الذهبي في سيره:14/555 ، لهذا القاضي فقال: (أبو عمر القاضي الإمام الكبير ، قاضي القضاة ، أبو عمر ، محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي...حدث عنه الدارقطني ، والقاضي أبو بكر الأبهري ، وأبو بكر بن المقرئ....وكان عديم النظير عقلاً وحلماً وذكاء بحيث إن الرجل كان إذا بالغ في وصف شخص قال: كأنه أبو عمر القاضي.... ولم ير أجل من مجلسه للحديث: البغوي عن يمينه ، وابن صاعد عن شماله ، وابن زياد النيسابوري وغيره بين يديه.... ومات سنة عشرين وثلاث مئة).
3- كان هدف الحسين بن روح قدس سره من تدخله بالسياسة أو هدف الإمام صلوات الله عليه ، أن يترسخ مذهب أهل البيت عليهم السلام في الأمة فكرياً وعملياً ، ويتميز عن غيره من مذاهب الغلو والتقصير ، ويأخذ طريقه في حياة الأمة حتى يحين وقت الظهور .
وقد تحققت آخر مراحل هذا الهدف على يد السفراء الأربعة للإمام عليه السلام وخاصة الحسين بن روح قدس سره ، وتعلم الشيعة أن يرجعوا الى فقهائهم ويتكيفوا مع غيبة إمامهم عليه السلام وزمن الفترة الذي امتحن الله به الأمة .
4- أقدم حامد بن العباس وزير المقتدر على سجن الحسين بن روح قدس سره ، وحبسوه في سجن قصر الخليفة، وكان سجن القصر أفضل من سجن الوزير ، بدليل أنه عندما غضب الخليفة على الوزير حامد هذا وعزله ، طلب أن يكون سجنه في قصر الخليفة وليس في سجن الوزير الذي جاء بعده . (الكامل:8/141) .
وعندما وقعت الثورة على الخليفة المقتدر وخلعوه ، نهبوا قصره وفتحوا سجنه وأطلقوا من فيه ، ثم أعيد الخليفة فشاوروه هل يرجعون الشيخ ابن روح الى السجن فقال: (دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى) برواية الصفدي ، وقال (دعوه فبخطيته أوذينا) برواية الذهبي ! ومعناه أن المقتدر كان يعتقد بأن ابن روح قدس سره رجل صالح وأن الثورة عليه وخلعه كانا عقوبةً له لأنه سجن ولي الله الحسين بن روح !
أما مدة سجنه قدس سره فرووا أنها خمس سنوات ، وذكرت رواية غيبة الطوسي/307، أن خروجه من السجن كان في آخر سنة اثني عشر وثلاث مئة ، أو أول ثلاثة عشر .
أما سبب سجنه قدس سره فجعلها ابن حجر في نسخته (بياضاً) ! وقال عنها الذهبي: (ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام ) .
ولم نجد في مصادر التاريخ والسير ما ذا كانت تلك الخطوب إلا ما ذكر الذهبي وغيره عن تاريخ ابن أبي طي الحلبي رحمه الله وهو كتاب مفقود في عصرنا مع الأسف !
والسبب الذي توصلتُ اليه أن المقتدر لم يكن يتبنى سياسة المتوكل في النصب لأهل البيت عليهم السلام والعداء لشيعتهم ، بل كان يعمل بسياسة المأمون وحفيده الواثق في الموازنات بين الشيعة والسنة ، وكان يحترم الحسين بن روح احتراماً خاصاً ، لكن مجسمة الحنابلة استطاعوا أن يحدثوا موجة مضادة للشيعة في بغداد ويؤثِّروا على المقتدر ويفرضوا عليه حامد بن العباس رئيس وزراء ، وجعلوا من موقف الشيعة السلبي من أبي بكر وعمر علماً وشعاراً وأخذوا يمتحنون به الناس ، ومنعوا زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقبر الإمام الكاظم عليه السلام في بغداد ..الخ.
وكان حامد بن العباس فارسياً يتبنى أفكار المتوكل ومجسمة الحنابلة ، وهو الذي سجن الحسين بن روح رحمه الله ، وذكرت مصادرهم أنه كان يروج لفكرة قدم القرآن ويدعي أن الواثق وهو العدو اللدود لمجسمة الحنابلة ، قد تاب قبل وفاته عن رأيه بخلق القرآن ووافق المجسمة ! ففي تاريخ بغداد:14/18: (حدثني حامد بن العباس عن رجل عن المهتدي أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن).انتهى.
ولا يتسع المجال لتفصيل هذه المسألة، وخلاصتها أن المأمون واجه موجة النصب والتجسيم الأموي التي انتشرت في عصر الرشيد ، فكتب منشوراً في البراءة من معاوية ، وأمر بقتل من قال بالتشبيه ورؤية الله تعالى وأن القرآن جزء من ذاته !
ثم جاء أخوه المعتصم بعده فخالفه وقرب مجسمة الحنابلة ، ثم جاء الواثق فأعاد سياسة المأمون ، فقام مجسموا الحنابلة بحركة ضده في بغداد فقتل رئيسهم أحمد بن نصر الخزاعي وذبحه بيده سنة إحدى وثلاثين ومئتين ! راجع تاريخ بغداد:5/ 384، و386، وتهذيب الكمال:1/508 ، وتاريخ اليعقوبي:2/482 ، وغيرها .
قال ابن كثير في النهاية:10/334: (وكان الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن ، يدعو إليه ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله وعمه المأمون ، من غير دليل ولا برهان ولا حجة ولا بيان ولا سنة ولا قرآن ، فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها . فاجتمع عليه جماعة من أهل بغداد والتف عليه من الألوف..). انتهى.
ولم يُبيِّن ابن كثير معنى(أشياء كثيرة دعا الناس إليها) ولو كان صريحاً لقال إنها نهيه عن تقديس بني أمية وعن بغض أهل البيت عليهم السلام ورؤية الله وتشبيهه بخلقه ، وعن تكفير الشيعة واستباحة دمائهم بحجة أنهم مشركون أو أنهم يسبون الصحابة..الخ.
ثم جاء المتوكل وتبنى مذهب مجسمي الحنابلة ، وأسس منهم حزباً سماه (أهل الحديث)كانت مهمته محاربة الشيعة ومهاجمة مجالسهم في عاشوراء ومطاردة من يزورون منهم كربلاء والكاظمية ! وانتهت موجة المتوكل بقتله ، وسار الخلفاء بعده على سياسة الموازنة بين المذاهب والقوى السياسية وكان منهم المقتدر ، حتى قوي الحنابلة وفرضوا عليه وزارة حامد بن العباس .
إن ما تراه في سيرة ابن روح قدس سره من استعماله التقية في أبي بكر وعمر ومعاوية ، يدلك على استهداف مجسمة الحنابلة في وزارة صاحبهم أن يقتلوه ويستبيحوا دماء الشيعة بفتواه ! ولكنهملم يجدوا عليه مستنداً فحبسوه ! وقد يكون المقتدر أو والدته (السيدة)تدخلوا وجعلوا حبسه في السجن التابع لقصر الخليفة ! ولايبعد أن يكون الخليفة وأمه وكثيراً من الطبقة السياسية يعتقدون بوجود الإمام المهدي عليه السلام وأن أبا القاسم سفيره، لأنهم لمسوا منه كرامات ومعلومات لا تفسير لها إلا بصدقه . رضوان الله عليه وصلوات الله على سيده صاحب الزمان ، ويؤيد ذلك قول الواثق المتقدم .
( يتبع.. وهو الفصل الأربعون.. آخر فصل من المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام )
مؤلفات في سيرة السفراء الأربعة رضوان الله عليهم
دوَّن علماؤنا قديماً وحديثاً سيرة السفراء وأحاديثهم رضوان الله عليهم ، وألفوا فيهم الكتب الخاصة، فقد ذكر في الذريعة الى تصانيف الشيعة: 1/353: (أخبار الوكلاء الأربعة، وهم عثمان بن سعيد ، ومحمد بن عثمان ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ، النواب المخصصون في الغيبة الصغرى والسفراء والأبواب فيها الحجة المهدي عليه السلام ، لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي نزيل البصرة من مشايخ النجاشي ، توفي حدود النيف والعشرة بعد الأربعماية ، كما يظهر من فهرس الشيخ ، حيث إنه قال فيه إنه مات عن قرب ، وكان شروع الشيخ في الفهرس بأمر الشيخ المفيد ، لكنه فرغ منه بعد وفاته حيث ذكر فيه حكاية يوم وفاة المفيد في سنة413 ، فيكون وفاة السيرافي أيضاً في هذه الحدود .
أخبار الوكلاء الأربعة: المذكورين ، لأبي عبد الله الجوهري أحمد بن محمد بن عياش ، صاحب مقتضب الأثر المتوفى سنة401 ، ذكره النجاشي) .انتهى.
راجع في أحوال السفراء الأربعة رضي الله عنهم ، كل المؤلفات في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، وكذلك عامة كتب الرجال والتراجم .
دوَّن علماؤنا قديماً وحديثاً سيرة السفراء وأحاديثهم رضوان الله عليهم ، وألفوا فيهم الكتب الخاصة، فقد ذكر في الذريعة الى تصانيف الشيعة: 1/353: (أخبار الوكلاء الأربعة، وهم عثمان بن سعيد ، ومحمد بن عثمان ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ، النواب المخصصون في الغيبة الصغرى والسفراء والأبواب فيها الحجة المهدي عليه السلام ، لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي نزيل البصرة من مشايخ النجاشي ، توفي حدود النيف والعشرة بعد الأربعماية ، كما يظهر من فهرس الشيخ ، حيث إنه قال فيه إنه مات عن قرب ، وكان شروع الشيخ في الفهرس بأمر الشيخ المفيد ، لكنه فرغ منه بعد وفاته حيث ذكر فيه حكاية يوم وفاة المفيد في سنة413 ، فيكون وفاة السيرافي أيضاً في هذه الحدود .
أخبار الوكلاء الأربعة: المذكورين ، لأبي عبد الله الجوهري أحمد بن محمد بن عياش ، صاحب مقتضب الأثر المتوفى سنة401 ، ذكره النجاشي) .انتهى.
راجع في أحوال السفراء الأربعة رضي الله عنهم ، كل المؤلفات في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، وكذلك عامة كتب الرجال والتراجم .
الشيعة يتبركون بقبور السفراء الأربعة في بغداد
وقبورهم كلهم في بغداد رضوان الله عليهم ، فقد انتقل السفير الأول عثمان بن سعيد رحمه الله الى بغداد بعد سنة أو سنتين من وفاة الإمام العسكري عليه السلام كما دلت رواية أحمد بن محمد الدينوري ، ويظهر أنه توفي بعد سنوات قليلة فأوصى أن يقوم مقامه ابنه محمد الذي نص عليه الإمام العسكري عليه السلام فقال: (نعم واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم).(غيبة الطوسي/415) لكن لم أجد تاريخ وفاته رحمه الله مع أنهم نصوا على وصيته ومراسم غسله وقبره .
وقد وصف الشيخ الطوسي رحمه الله قبره وزيارته له فقال في الغيبة/358: (قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب ، المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب ، يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله . قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره ، وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد ، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا وعمل عليه صندوقاً ، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح ، وربما قالوا هو ابن داية الحسين عليه السلام ! ولايعرفون حقيقة الحال فيه ، وهو إلى يومنا هذا ، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة، على ما هو عليه).انتهى.
كما نص المحدثون على أن السفير الثاني أبو جعفر محمد بن عثمان رحمه الله توفي سنة305 ، وأن الإمام عليه السلام أخبره عن وفاته قبلها بشهرين ، فاستعد وحفر قبراً وكان يقرأ فيه القرآن وكتب على لوحة آيات القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام ليدفنها معه .
كما رووا أن وفاة الحسين بن روح رحمه الله كانت سنة326، في شعبان كما في غيبة الطوسي/386: (عن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك رضي الله عنه . قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقد رويت عنه أخباراً كثيرة ).
أما وفاة علي بن محمد السمري فكانت سنة329، في النصف من شعبان، وقد وصف الطوسي رحمه الله قبره فقال في/396: (عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب . وذكر أنه مات رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة). انتهى. راجع للتفصيل: أعيان الشيعة:6/21، وتهذيب المقال:2/400 .
وقال السيد محمد صادق بحر العلوم في مقدمة علل الشرائع:
(أ- أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان وكيلاً للأئمة الثلاثة أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري وأبي القاسم المهدي عليهم السلام ، قبره بالجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الميدان ، معروف يزار ويتبرك به الشيعة .
بـ- أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ابن النائب السابق وخليفته في مقامه بأمر الصاحب عليه السلام ، وهو المعروف بالخلاني توفي سنة305، آخر جمادى الأولى وكانت أيام سفارته وسفارة أبيه من قبل خمساً وأربعين سنة ، ابتدأت سنة 260 إلى سنة305 ه ، وقبره في الجانب الشرقي من بغداد عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله .
جـ- أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي رحمه الله تشرف بالنيابة من سنة 305 إلى أن توفى سنة326 ه ، في18 شعبان ، وقبره ببغداد في الجانب الشرقي في سوق العطارين يزار ويتبرك به ، وهو معروف باسم قبر الحسين بن روح .
د- أبو الحسين علي بن محمد السمري رحمه الله وهو آخر السفراء تشرف بالنيابة في 18 شعبان سنة326 إلى أن توفى سنة329 ه ، وهي آخر الغيبة الصغرى وأول الغيبة الكبرى ، وقبره في الجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الهرج والسراجين ، وهو معروف ومشهور يزار ويتبرك به) . انتهى.
وقال الشيخ حرز الدين في مراقد المعارف، عن قبر الكليني رحمه الله : (مرقده ببغداد في الجهة المؤدية إلى باب الكوفة بجانب الرصافة ، في الضفة الشرقية لنهر دجلة برأس الجسر القديم ، في جامع الصفوية المعروف بجامع الآصفية تحريفاً ! ثم بتكية المولوية... زرنا مرقد الشيخ الكليني لأول مرة سنة1305 ه ببغداد وكان قد دلنا على قبر الشيخ الكراجكي فضيلة الشيخ إمام الجامع والمقيم بنفس الجامع ، فكان رسم قبره دكة عالية بارتفاع ثلثي قامة إنسان خلف دكة قبر الشيخ الكليني قدس سره . وفي وقته لم نشاهد على الدكة الصخرة القديمة ورأينا رسم موضعها بعد قلعها ، وكان إلى جانب هذه الدكة رسم قبرين مردومين يظهر ذلك من الحجارة والأنقاض الباقية كالأكمتين . قلت: المعروف والمشهور أن بهذه الجهة الشرقية من الرصافة في تلك الأزمنة دور سكن متقاربة لوجوه علماء الشيعة الإمامية ، ومنها دار ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني التي صارت من بعد مسجداً ومقبرة له ولبعض وجوه علماء الشيعة ، ففي صدر هذا السوق المستطيل مع مجرى نهر دجلة المعروف بسوق الهرج تارة وسوق السراجين أخرى ، وبسوق السراي في زماننا المتأخر: مرقد الشيخ عثمان بن سعيد العمري ، وفي وسطه عند رأس الجسر العتيق مرقد الشيخ الكليني ، والشيخ الكراجكي، وأسفل منهما بيسير عند انحدار دجلة مرقد الشيخ علي بن محمد السمري في مسجد القبلانية) . (هامش كتاب: التعجب من أغلاط العامة للكراجكي/16).
وقبورهم كلهم في بغداد رضوان الله عليهم ، فقد انتقل السفير الأول عثمان بن سعيد رحمه الله الى بغداد بعد سنة أو سنتين من وفاة الإمام العسكري عليه السلام كما دلت رواية أحمد بن محمد الدينوري ، ويظهر أنه توفي بعد سنوات قليلة فأوصى أن يقوم مقامه ابنه محمد الذي نص عليه الإمام العسكري عليه السلام فقال: (نعم واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم).(غيبة الطوسي/415) لكن لم أجد تاريخ وفاته رحمه الله مع أنهم نصوا على وصيته ومراسم غسله وقبره .
وقد وصف الشيخ الطوسي رحمه الله قبره وزيارته له فقال في الغيبة/358: (قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب ، المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب ، يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله . قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره ، وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد ، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا وعمل عليه صندوقاً ، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح ، وربما قالوا هو ابن داية الحسين عليه السلام ! ولايعرفون حقيقة الحال فيه ، وهو إلى يومنا هذا ، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة، على ما هو عليه).انتهى.
كما نص المحدثون على أن السفير الثاني أبو جعفر محمد بن عثمان رحمه الله توفي سنة305 ، وأن الإمام عليه السلام أخبره عن وفاته قبلها بشهرين ، فاستعد وحفر قبراً وكان يقرأ فيه القرآن وكتب على لوحة آيات القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام ليدفنها معه .
كما رووا أن وفاة الحسين بن روح رحمه الله كانت سنة326، في شعبان كما في غيبة الطوسي/386: (عن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك رضي الله عنه . قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقد رويت عنه أخباراً كثيرة ).
أما وفاة علي بن محمد السمري فكانت سنة329، في النصف من شعبان، وقد وصف الطوسي رحمه الله قبره فقال في/396: (عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب . وذكر أنه مات رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة). انتهى. راجع للتفصيل: أعيان الشيعة:6/21، وتهذيب المقال:2/400 .
وقال السيد محمد صادق بحر العلوم في مقدمة علل الشرائع:
(أ- أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان وكيلاً للأئمة الثلاثة أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري وأبي القاسم المهدي عليهم السلام ، قبره بالجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الميدان ، معروف يزار ويتبرك به الشيعة .
بـ- أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ابن النائب السابق وخليفته في مقامه بأمر الصاحب عليه السلام ، وهو المعروف بالخلاني توفي سنة305، آخر جمادى الأولى وكانت أيام سفارته وسفارة أبيه من قبل خمساً وأربعين سنة ، ابتدأت سنة 260 إلى سنة305 ه ، وقبره في الجانب الشرقي من بغداد عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله .
جـ- أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي رحمه الله تشرف بالنيابة من سنة 305 إلى أن توفى سنة326 ه ، في18 شعبان ، وقبره ببغداد في الجانب الشرقي في سوق العطارين يزار ويتبرك به ، وهو معروف باسم قبر الحسين بن روح .
د- أبو الحسين علي بن محمد السمري رحمه الله وهو آخر السفراء تشرف بالنيابة في 18 شعبان سنة326 إلى أن توفى سنة329 ه ، وهي آخر الغيبة الصغرى وأول الغيبة الكبرى ، وقبره في الجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الهرج والسراجين ، وهو معروف ومشهور يزار ويتبرك به) . انتهى.
وقال الشيخ حرز الدين في مراقد المعارف، عن قبر الكليني رحمه الله : (مرقده ببغداد في الجهة المؤدية إلى باب الكوفة بجانب الرصافة ، في الضفة الشرقية لنهر دجلة برأس الجسر القديم ، في جامع الصفوية المعروف بجامع الآصفية تحريفاً ! ثم بتكية المولوية... زرنا مرقد الشيخ الكليني لأول مرة سنة1305 ه ببغداد وكان قد دلنا على قبر الشيخ الكراجكي فضيلة الشيخ إمام الجامع والمقيم بنفس الجامع ، فكان رسم قبره دكة عالية بارتفاع ثلثي قامة إنسان خلف دكة قبر الشيخ الكليني قدس سره . وفي وقته لم نشاهد على الدكة الصخرة القديمة ورأينا رسم موضعها بعد قلعها ، وكان إلى جانب هذه الدكة رسم قبرين مردومين يظهر ذلك من الحجارة والأنقاض الباقية كالأكمتين . قلت: المعروف والمشهور أن بهذه الجهة الشرقية من الرصافة في تلك الأزمنة دور سكن متقاربة لوجوه علماء الشيعة الإمامية ، ومنها دار ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني التي صارت من بعد مسجداً ومقبرة له ولبعض وجوه علماء الشيعة ، ففي صدر هذا السوق المستطيل مع مجرى نهر دجلة المعروف بسوق الهرج تارة وسوق السراجين أخرى ، وبسوق السراي في زماننا المتأخر: مرقد الشيخ عثمان بن سعيد العمري ، وفي وسطه عند رأس الجسر العتيق مرقد الشيخ الكليني ، والشيخ الكراجكي، وأسفل منهما بيسير عند انحدار دجلة مرقد الشيخ علي بن محمد السمري في مسجد القبلانية) . (هامش كتاب: التعجب من أغلاط العامة للكراجكي/16).
كتب السفراء ومواريثهم العلمية وكتاب الكافي
شاء الله سبحانه أن يمتحن هذه الأمة فتكفل لها بحفظ القرآن فقط ، وترك لها سنة نبيه صلى الله عليه وآله مع أنه خاتم الرسل صلى الله عليه وآله ، فقد عمل النبي صلى الله عليه وآله بأمر ربه ولم يكتب سنته ، واكتفى بأن أخبر الأمة أن الكذابة ستكثر عليه ، وحذرهم من ذلك .
كما عمل صلى الله عليه وآله بأمر ربه وترك كتابة عهده لأمته الذي يضمن لها الهداية والسيادة على العالم الى يوم القيامة ، لأن طلقاء قريش لم يقبلوا وهددوا بإعلان الردة ، فاكتفى بالقول لهم: (ما أنا فيه خير مما تدعوني اليه ! قوموا عني) ، فطردهم من بيته وأخبرهم أنه ستجري عليهم سنن الأمم من قبلهم في الضلال والتفرق !
لكنه صلى الله عليه وآله كتب عدة كتب أملاها من فمه المقدس وكتبها علي عليه السلام بخط يده ، وورَّثها للأئمة من عترته عليهم السلام ، ومنها كتاب الجامعة الذي ورد أنه يحتوي على كل ما تحتاج اليه الأمة من أحكام الى يوم القيامة .
وعلى هذه السياسة النبوية سار أهل البيت عليهم السلام وكأنهم مأمورون بها، مع أنهم عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وآله الى غيبة خاتمهم عليهم السلام قرنين ونصفاً ، ولم يصدر عنهم إلا الصحيفة السجادية ، مع أنهم وقفوا ضد سياسة تغييب السنة ومنع التحديث والتدوين وأمروا المسلمين بكتابة الحديث والعلم ، وعرض عليهم عدد من تلاميذهم بعض مؤلفاتهم وأقروها ! ولبحث ذلك وتفصيله مجال آخر .
وقد ذكرت روايات السفيرين العمريين رحمهما الله أنه كان عندهما كتب في الفقه وتقدم قول الطوسي في الغيبة/363: ( كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن ومن الصاحب عليهما السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد عليهما السلام فيها كتب ترجمتها: كتب الأشربة... وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه وكانت في يده... وأظنها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري).
وفي الذريعة:2/106: (كتب الأشربة)في أبواب الفقه للشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمروي من ولد عمار بن ياسر كان وكيل الناحية المقدسة والمتولي للنيابة الخاصة نحو خمسين سنة إلى أن توفي سنة305 أو سنة304 حكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة...الخ. ) .
وفي الذريعة:3/210: (كتاب التأديب) للشيخ أبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ثالث النواب الأربعة والوكلاء الخواص للناحية المقدسة في الغيبة الصغرى المتوفى سنة326 ، روى الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة(ص190)عند ذكره الحسين بن روح عن مشايخه بأسنادهم إلى سلامة بن محمد قال: (أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه كتاب التأديب إلى قم وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شئ يخالفكم فكتبوا إليه أنه كله صحيح وما فيه شئ يخالف إلا قوله في الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع). انتهى.
وروى الطوسي رحمه الله في الغيبة/267، عن روح بن الحسين بن روح أن أباه قرأ كتاب الشلمغاني الذي ألفه قبل انحرافه ، من أوله إلى آخره، وقال: (ما فيه من شئ إلا وقد روى عن الأئمة عليهم السلام إلا موضعين أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها) .انتهى.
أقول: في هذا الجو ألف الكليني قدس سره كتابه الكافي في عشرين سنة ، وكان يسكن في بغداد في المحلة التي يسكن فيها السفراء رضي الله عنهم ، فليس بعيداً أن يكون تأليف الكتاب بتوجيههم ، وأن يكونوا قرؤوه كله أو جله . ولبحث ذلك مجال آخر .
شاء الله سبحانه أن يمتحن هذه الأمة فتكفل لها بحفظ القرآن فقط ، وترك لها سنة نبيه صلى الله عليه وآله مع أنه خاتم الرسل صلى الله عليه وآله ، فقد عمل النبي صلى الله عليه وآله بأمر ربه ولم يكتب سنته ، واكتفى بأن أخبر الأمة أن الكذابة ستكثر عليه ، وحذرهم من ذلك .
كما عمل صلى الله عليه وآله بأمر ربه وترك كتابة عهده لأمته الذي يضمن لها الهداية والسيادة على العالم الى يوم القيامة ، لأن طلقاء قريش لم يقبلوا وهددوا بإعلان الردة ، فاكتفى بالقول لهم: (ما أنا فيه خير مما تدعوني اليه ! قوموا عني) ، فطردهم من بيته وأخبرهم أنه ستجري عليهم سنن الأمم من قبلهم في الضلال والتفرق !
لكنه صلى الله عليه وآله كتب عدة كتب أملاها من فمه المقدس وكتبها علي عليه السلام بخط يده ، وورَّثها للأئمة من عترته عليهم السلام ، ومنها كتاب الجامعة الذي ورد أنه يحتوي على كل ما تحتاج اليه الأمة من أحكام الى يوم القيامة .
وعلى هذه السياسة النبوية سار أهل البيت عليهم السلام وكأنهم مأمورون بها، مع أنهم عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وآله الى غيبة خاتمهم عليهم السلام قرنين ونصفاً ، ولم يصدر عنهم إلا الصحيفة السجادية ، مع أنهم وقفوا ضد سياسة تغييب السنة ومنع التحديث والتدوين وأمروا المسلمين بكتابة الحديث والعلم ، وعرض عليهم عدد من تلاميذهم بعض مؤلفاتهم وأقروها ! ولبحث ذلك وتفصيله مجال آخر .
وقد ذكرت روايات السفيرين العمريين رحمهما الله أنه كان عندهما كتب في الفقه وتقدم قول الطوسي في الغيبة/363: ( كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن ومن الصاحب عليهما السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد عليهما السلام فيها كتب ترجمتها: كتب الأشربة... وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه وكانت في يده... وأظنها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري).
وفي الذريعة:2/106: (كتب الأشربة)في أبواب الفقه للشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمروي من ولد عمار بن ياسر كان وكيل الناحية المقدسة والمتولي للنيابة الخاصة نحو خمسين سنة إلى أن توفي سنة305 أو سنة304 حكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة...الخ. ) .
وفي الذريعة:3/210: (كتاب التأديب) للشيخ أبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ثالث النواب الأربعة والوكلاء الخواص للناحية المقدسة في الغيبة الصغرى المتوفى سنة326 ، روى الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة(ص190)عند ذكره الحسين بن روح عن مشايخه بأسنادهم إلى سلامة بن محمد قال: (أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه كتاب التأديب إلى قم وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شئ يخالفكم فكتبوا إليه أنه كله صحيح وما فيه شئ يخالف إلا قوله في الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع). انتهى.
وروى الطوسي رحمه الله في الغيبة/267، عن روح بن الحسين بن روح أن أباه قرأ كتاب الشلمغاني الذي ألفه قبل انحرافه ، من أوله إلى آخره، وقال: (ما فيه من شئ إلا وقد روى عن الأئمة عليهم السلام إلا موضعين أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها) .انتهى.
أقول: في هذا الجو ألف الكليني قدس سره كتابه الكافي في عشرين سنة ، وكان يسكن في بغداد في المحلة التي يسكن فيها السفراء رضي الله عنهم ، فليس بعيداً أن يكون تأليف الكتاب بتوجيههم ، وأن يكونوا قرؤوه كله أو جله . ولبحث ذلك مجال آخر .
* *
بقية الوكلاء في عصر السفراء الأربعة
الأسدي ، حاجز بن يزيد ، أحمد بن إسحاق ، أحمد بن محمد بن عيسى...
قال الطوسي في الغيبة/415: (قد ذكرنا جملاً من أخبار السفراء والأبواب في زمان الغيبة ، لأن صحة ذلك مبني على ثبوت إمامة صاحب الزمان عليه السلام وفي ثبوت وكالتهم وظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من انتموا إليه ، فلذلك ذكرنا هذا ، فليس لأحد أن يقول: ما الفائدة في ذكر أخبارهم فيما يتعلق بالكلام في الغيبة لأنا قد بينا فائدة ذلك ، فسقط هذا الإعتراض... وتابع الطوسي رحمه الله : وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل. منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله : أخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن صالح بن أبي صالح قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شئ ، فامتنعت من ذلك وكتبت أستطلع الرأي ، فأتاني الجواب: بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا. وروى محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن يوسف الشاشي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي: وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار وكتبت إلى الغريم بذلك فخرج الوصول ، وذكر: أنه كان له قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار وقال: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري . فورد الخبر بوفاة حاجز رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة فأعلمته بموته فاغتم . فقلت له: لا تغتم فإن لك في التوقيع إليك دلالتين ، إحداهما إعلامه إياك أن المال ألف دينار والثانية أمره إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعلمه بموت حاجز . وبهذا الإسناد عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت قال: عزمت على الحج وتأهبت فورد علي: نحن لذلك كارهون ، فضاق صدري واغتممت وكتبت أنا مقيم بالسمع والطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج ، فوقَّع: لا يضيقن صدرك فإنك تحج من قابل . فلما كان من قابل استأذنت فورد الجواب فكتبت إني عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته فورد الجواب: الأسدي نعم العديل فإن قدم فلا تختر عليه ، قال: فقدم الأسدي فعادلته... عن محمد بن شاذان النيشابوري قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً فلم أحب أن ينقص هذا المقدار ، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها إلى الأسدي ولم أكتب بخبر نقصانها وأني أتممتها من مالي ، فورد الجواب: قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون ! ومات الأسدي على ظاهر العدالة لم يتغير ولم يطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة: خرج التوقيع في مدحهم. روى أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر ، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات).انتهى.
أقول: والرواية التالية تعطينا صورة عن حالة السفراء ومدعي السفارة في بغداد: ففي دلائل الإمامة/282 (عن أحمد بن الدينوري السراج المكنى بأبي العباس الملقب بأستاره قال: انصرفت من أربيل إلى الدينور أريد الحج ، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ويحتاج أن تحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها ، قال فقلت يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت ، قال فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاحمله على ألا تخرجه من يدك إلا بحجة ، قال فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل فحملت ذلك المال وخرجت فلما وافيت قرميسين ، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها فصرت إليه مسلماً ، فلما لقيني استبشر بي ثم أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب من ألوان معتمة لم أعرف ما فيها ، ثم قال لي أحمد: إحمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة ، قال فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب ، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالبابية ، فقيل لي إن ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعي بالبابية ، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعى بالبابية ، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعى بالبابية ، قال فبدأت بالباقطاني فصرت إليه فوجدته شيخاً بهياً له مروة ظاهرة وفرش عربي وغلمان كثير ويجتمع عنده الناس يتناظرون ، قال فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وبر وسر ، قال فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس ، قال فسألني عن حاجتي فعرفته أني رجل من أهل الدينور ومعي شئ من المال احتاج أن أسلمه ، قال لي: أحمله قال فقلت: أريد حجة ، قال تعود إليَّ في غد ، قال فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة ، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة ، قال فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شاباً نظيفاً ، منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرشه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه أكثر من غلمانه ، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني ، قال فدخلت وسلمت فرحب وقرب ، قال فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي ، فقلت له كما قلت للباقطاني ، وعدت إليه ثلاثة أيام فلم يأت بحجة . قال فصرت إلى أبى جعفر العمري فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ، ولا له من المروة والفرش ما وجدت لغيره ، قال فسلمت فرد جوابي وأدناني وبسط مني، ثم سألني عن حالي فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالاً ، فقال إن أحببت أن يصل هذا الشئ إلى حيث يجب ، يجب أن تخرج إلى سر من رأى وتسأل عن دار ابن الرضا ، وعن فلان بن فلان الوكيل وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها ، فإنك تجد هناك ما تريد ، قال فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى ، وصرت إلى دار ابن الرضا وسألت عن الوكيل ، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له ، وسألني عن حالي وعما وردت له ، فعرفته أني حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن أسلمه بحجة ، قال فقال نعم ثم قدم إلي طعام وقال لي تغدى بهذا واسترح فإنك تعب ، وإن بيننا وبين الصلاة الأولى ساعة فإني أحمل إليك ما تريد ، قال فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت وانصرفت ، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعه ، فجاءني ومعه درج فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار وفي كذا وكذا صرة فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، وصرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، إلى أن عد الصرار كلها ! وصرة فلان بن فلان المراغي ستة عشر ديناراً . قال فوسوس لي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني ، فما زلت أقرأ ذكر الصرة وذكر صاحبها ، حتى أتيت عليها على آخرها ، ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن البادراني أخي الصراف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً منها ثوب فلاني وثوب لونه كذا ، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها . قال فحمدت الله وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشك عن قلبي ، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرك أبو جعفر العمري ! قال فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري ، قال وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام ، قال فلما بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لمَ لمْ تخرج؟ فقلت يا سيدي من سر من رأى انصرفت ، قال فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا عليه السلام ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: إحمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، قال فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان وسلمتها ، وخرجت إلى الحج ، فلما انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا إليَّ وقرأته على القوم ، فلما سمع ذكر الصرة باسم الزراع سقط مغشياً عليه فما زلنا نعلله حتى أفاق سجد شكراً لله عز وجل وقال: الحمد لله الذي من علينا بالهداية ، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة ، هذه الصرة دفعها والله إلي هذا الزراع ولم يقف على ذلك إلا الله عز وجل .
بقية الوكلاء في عصر السفراء الأربعة
الأسدي ، حاجز بن يزيد ، أحمد بن إسحاق ، أحمد بن محمد بن عيسى...
قال الطوسي في الغيبة/415: (قد ذكرنا جملاً من أخبار السفراء والأبواب في زمان الغيبة ، لأن صحة ذلك مبني على ثبوت إمامة صاحب الزمان عليه السلام وفي ثبوت وكالتهم وظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من انتموا إليه ، فلذلك ذكرنا هذا ، فليس لأحد أن يقول: ما الفائدة في ذكر أخبارهم فيما يتعلق بالكلام في الغيبة لأنا قد بينا فائدة ذلك ، فسقط هذا الإعتراض... وتابع الطوسي رحمه الله : وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل. منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله : أخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن صالح بن أبي صالح قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شئ ، فامتنعت من ذلك وكتبت أستطلع الرأي ، فأتاني الجواب: بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا. وروى محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن يوسف الشاشي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي: وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار وكتبت إلى الغريم بذلك فخرج الوصول ، وذكر: أنه كان له قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار وقال: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري . فورد الخبر بوفاة حاجز رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة فأعلمته بموته فاغتم . فقلت له: لا تغتم فإن لك في التوقيع إليك دلالتين ، إحداهما إعلامه إياك أن المال ألف دينار والثانية أمره إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعلمه بموت حاجز . وبهذا الإسناد عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت قال: عزمت على الحج وتأهبت فورد علي: نحن لذلك كارهون ، فضاق صدري واغتممت وكتبت أنا مقيم بالسمع والطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج ، فوقَّع: لا يضيقن صدرك فإنك تحج من قابل . فلما كان من قابل استأذنت فورد الجواب فكتبت إني عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته فورد الجواب: الأسدي نعم العديل فإن قدم فلا تختر عليه ، قال: فقدم الأسدي فعادلته... عن محمد بن شاذان النيشابوري قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً فلم أحب أن ينقص هذا المقدار ، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها إلى الأسدي ولم أكتب بخبر نقصانها وأني أتممتها من مالي ، فورد الجواب: قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون ! ومات الأسدي على ظاهر العدالة لم يتغير ولم يطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة: خرج التوقيع في مدحهم. روى أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر ، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات).انتهى.
أقول: والرواية التالية تعطينا صورة عن حالة السفراء ومدعي السفارة في بغداد: ففي دلائل الإمامة/282 (عن أحمد بن الدينوري السراج المكنى بأبي العباس الملقب بأستاره قال: انصرفت من أربيل إلى الدينور أريد الحج ، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ويحتاج أن تحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها ، قال فقلت يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت ، قال فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاحمله على ألا تخرجه من يدك إلا بحجة ، قال فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل فحملت ذلك المال وخرجت فلما وافيت قرميسين ، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها فصرت إليه مسلماً ، فلما لقيني استبشر بي ثم أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب من ألوان معتمة لم أعرف ما فيها ، ثم قال لي أحمد: إحمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة ، قال فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب ، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالبابية ، فقيل لي إن ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعي بالبابية ، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعى بالبابية ، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعى بالبابية ، قال فبدأت بالباقطاني فصرت إليه فوجدته شيخاً بهياً له مروة ظاهرة وفرش عربي وغلمان كثير ويجتمع عنده الناس يتناظرون ، قال فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وبر وسر ، قال فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس ، قال فسألني عن حاجتي فعرفته أني رجل من أهل الدينور ومعي شئ من المال احتاج أن أسلمه ، قال لي: أحمله قال فقلت: أريد حجة ، قال تعود إليَّ في غد ، قال فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة ، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة ، قال فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شاباً نظيفاً ، منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرشه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه أكثر من غلمانه ، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني ، قال فدخلت وسلمت فرحب وقرب ، قال فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي ، فقلت له كما قلت للباقطاني ، وعدت إليه ثلاثة أيام فلم يأت بحجة . قال فصرت إلى أبى جعفر العمري فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ، ولا له من المروة والفرش ما وجدت لغيره ، قال فسلمت فرد جوابي وأدناني وبسط مني، ثم سألني عن حالي فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالاً ، فقال إن أحببت أن يصل هذا الشئ إلى حيث يجب ، يجب أن تخرج إلى سر من رأى وتسأل عن دار ابن الرضا ، وعن فلان بن فلان الوكيل وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها ، فإنك تجد هناك ما تريد ، قال فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى ، وصرت إلى دار ابن الرضا وسألت عن الوكيل ، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له ، وسألني عن حالي وعما وردت له ، فعرفته أني حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن أسلمه بحجة ، قال فقال نعم ثم قدم إلي طعام وقال لي تغدى بهذا واسترح فإنك تعب ، وإن بيننا وبين الصلاة الأولى ساعة فإني أحمل إليك ما تريد ، قال فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت وانصرفت ، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعه ، فجاءني ومعه درج فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار وفي كذا وكذا صرة فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، وصرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، إلى أن عد الصرار كلها ! وصرة فلان بن فلان المراغي ستة عشر ديناراً . قال فوسوس لي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني ، فما زلت أقرأ ذكر الصرة وذكر صاحبها ، حتى أتيت عليها على آخرها ، ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن البادراني أخي الصراف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً منها ثوب فلاني وثوب لونه كذا ، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها . قال فحمدت الله وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشك عن قلبي ، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرك أبو جعفر العمري ! قال فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري ، قال وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام ، قال فلما بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لمَ لمْ تخرج؟ فقلت يا سيدي من سر من رأى انصرفت ، قال فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا عليه السلام ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: إحمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، قال فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان وسلمتها ، وخرجت إلى الحج ، فلما انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا إليَّ وقرأته على القوم ، فلما سمع ذكر الصرة باسم الزراع سقط مغشياً عليه فما زلنا نعلله حتى أفاق سجد شكراً لله عز وجل وقال: الحمد لله الذي من علينا بالهداية ، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة ، هذه الصرة دفعها والله إلي هذا الزراع ولم يقف على ذلك إلا الله عز وجل .