سفراء الإمام روحي فداه.. وكذابون ادعوا السفارة

18 أبريل 2010
48
0
0

سفراء الإمام عليه السلام .. وكذابون ادعوا السفارة


ثقة عموم الشيعة بالسفراء الأربعة رضوان الله عليهم

تقدم خلال فصول الكتاب ما يدل على دقة الشيعة وتشددهم في التعامل مع سفراء الإمام عليه السلام ، وأنهم أجمعوا على الثقة بعثمان بن سعيد العمري الأسدي وابنه محمد رضي الله عنهما ، لأنهم سمعوا فيهما شهادة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ، ورأوا على أيديهما المعجزات والكرامات التي توجب اليقين بأن الأجوبة ليست منهما ، بل من الإمام المهدي عليه السلام . وقد رأيت أنهم ردوا ادعاء جعفر الكذاب بأنه الإمام وادعاء غيره بأنه سفير الإمام لأنهم طلبوا منهم المعجزة فلم يأتوا بها ، بل كانوا يشهِّرُون بالمدعي ويفضحونه! وهذا دليلٌ على قوة المذهب الحق وقيامه على الدليل القطعي .
قال في الإحتجاج:2/291: (وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة: فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري ثم ابنه أبو محمد الحسن عليهما السلام فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما صلى الله عليه وآله ، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام وكانت توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه ، فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه وناب منابه في جميع ذلك . فلما مضى هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت . فلما مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري . ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام ، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدل على صدق مقالتهم وصحة بابيتهم . فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مُفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فنسخوا هذا التوقيع وخرجوا فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه . فقال له بعض الناس: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه ، وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه) .
ونورد فيما يلي نص الشيخ الطوسي رحمه الله من كتاب الغيبة/345 ، لأنه يعطي أضواء على وكلاء الأئمة الممدوحين رضي الله عنهم قال رحمه الله : ( فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة ، وقبل ذكر من كان سفيراً حال الغيبة نذكر طرفاً من أخبار من كان يختص بكل إمام ويتولى له الأمر على وجه من الإيجاز ، ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة ومن كان مذموماً سئ المذهب ليعرف الحال في ذلك ، وقد روي في بعض الأخبار أنهم عليهم السلام قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، وهذا ليس على عمومه وإنما قالوه لأن فيهم من غير وبدل وخان على ما سنذكره . وقد روى محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري عن أبيه ، عن محمد بن صالح الهمداني قال: كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام إن أهل بيتي يؤذوني ويقرعوني بالحديث الذي روي عن آبائك عليهم السلام أنهم قالوا: خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، فكتب: ويحكم ما تقرؤن ما قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً ، فنحن والله القرى التي بارك فيها ، وأنتم القرى الظاهرة .
فمن المحمودين: حمران بن أعين: أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي جعفر محمد بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام وذكرنا حمران بن أعين، فقال: لا يرتد والله أبداً ، ثم أطرق هنيئة ثم قال: أجل ، لا يرتد والله أبداً .
ومنهم: المفضل بن عمر: بهذا الإسناد عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن أسد بن أبي علاء ، عن هشام بن أحمر قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر ، وهو في ضيعة له في يوم شديد الحر والعرق يسيل على صدره فابتدأني فقال: نِعْمَ واللهِ الذي لا إله إلا هو الرجل المفضل ابن عمر الجعفي ، نعم والله الذي لا إله إلا هو ، الرجل المفضل بن عمر الجعفي حتى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة يكررها وقال: إنما هو والد بعد والد . وروي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم عليه السلام إلى المدينة أموالا فقال: ردها فادفعها إلى المفضل بن عمر، فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضل. وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن عليه السلام فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلا من ناحية المفضل ، ولربما رأيت الرجل يجئ بالشئ فلا يقبله منه ويقول: أوصله إلى المفضل .
ومنهم: المعلى بن خُنيس: وكان من قوام أبي عبد الله عليه السلام ، وإنما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور . فروي عن أبي بصير قال: لما قَتل داود بن علي المعلى بن خنيس فصلبه ، عَظُم ذلك على أبي عبد الله عليه السلام واشتد عليه وقال له: يا داود ! على ما قتلت مولاي وقيِّمي في مالي وعلى عيالي؟ والله إنه لاوجه عند الله منك ، في حديث طويل ، وفي خبر آخر أنه قال: أما والله لقد دخل الجنة ).
ومنهم: نصر بن قابوس اللخمي: فروي أنه كان وكيلا لأبي عبد الله عليه السلام عشرين سنة ولم يُعلم أنه وكيل ، وكان خيراً فاضلاً . وكان عبد الرحمن بن الحجاج وكيلاً لأبي عبد الله عليه السلام ومات في عصر الرضا عليه السلام على ولايته .
ومنهم: عبدالله بن جُندب البجلي: وكان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليه السلام ، وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما روي في الأخبار .
ومنهم: ما رواه أبو طالب القمي قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى ، ومحمد بن سنان ، وزكريا بن آدم ، وسعد بن سعد ، عني خيراً ، فقد وفوا لي .
وكان زكريا بن آدم ممن تولاهم ، وخرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : ذكرت ما جرى من قضاء الله في الرجل المتوفى ، رحمه الله تعالى يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ، فقد عاش أيام حياته عارفاً بالحق قائلاً به ، صابراً محتسباً للحق ، قائماً بما يجب لله ولرسوله عليه ، ومضى رحمه الله غير ناكث ولا مبدل ، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه جزاء سعيه . وأما محمد بن سنان: فإنه روي عن علي بن الحسين بن داود قال: سمعت أبا جعفر الثاني عليه السلام يذكر محمد بن سنان بخير ويقول: رضي الله عنه برضائي عنه ، فما خالفني وما خالف أبي قط .
ومنهم: عبد العزيز بن المهتدي: القمي الأشعري ، خرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام : قُبضت والحمد لله وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها ، غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا وإياكم . وخرج فيه: غفر الله لك ذنبك ، ورحمنا وإياك ، ورضي عنك برضائي عنك .
ومنهم: علي بن مهزيار الأهوازي: وكان محموداً . أخبرني جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي، عن الحسين بن علي ، عن أبي الحسن البلخي ، عن أحمد بن مابندار الإسكافي، عن العلاء النداري ، عن الحسن بن شمون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي أحسن الله جزاك وأسكنك جنته ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا . يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة ، والتوقير والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت إني لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً، فما خفي عليَّ مقامك ولا خدمتك في الحر والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها ، إنه سميع الدعاء .
ومنهم: أيوب بن نوح بن دراج: ذكر عمرو بن سعيد المدائني وكان فطحياً قال: كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام بصريا إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه فأمره بشئ ثم انصرف ، والتفت إليَّ أبو الحسن عليه السلام وقال: يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا .
ومنهم: علي بن جعفر الهمداني: وكان فاضلاً مرضياً من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد صلى الله عليه وآله . روى أحمد بن علي الرازي عن علي بن مخلد الأيادي قال: حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه قال: حج أبو طاهر بن بلال فنظر إلى علي بن جعفر وهو ينفق النفقات العظيمة ، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقع في رقعته: قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبوله إبقاء علينا ، ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه ! قال: ودخل على أبي الحسن العسكري عليه السلام فأمر له بثلاثين ألف دينار .
ومنهم: أبو علي بن راشد: أخبرني ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار ، عن محمد بن عيسى قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: قد أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن قبله من وكلائي ، وقد أوجبتُ في طاعته طاعتي وفي عصيانه الخروج إلى عصياني ، وكتبت بخطي . وروى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال: كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر بن عاصم وعن ابن بند ، وكتب إلي: ذكرت ابن راشد رحمه الله فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ودعا لابن بند والعاصمي ، وابن بند ضرب بعمود وقتل ، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط ، ورمي به في الدجلة ! فهؤلاء جماعة المحمودين ، وتركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب) .
وفي الخرائج:3/1108: (وكيل أبي محمد عليه السلام الشيخ عثمان بن سعيد العمري ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري، ثم كانت الغيبة الطولى. وكانوا كل واحد منهم يعرفون كمية المال جملة وتفصيلاً ، ويسمون أربابها ، بإعلامهم ذلك من القائم عليه السلام ).
* *
وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة:20/79: (الفائدة السابعة في ذكر أصحاب الإجماع وأمثالهم كأصحاب الأصول ونحوهم والجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم ، والذين عُرفت عدالتهم بالتواتر ، فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق وإن رووا بواسطة . قال الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال ما هذا لفظه: قال الكشي:أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي قالوا: وأفقه الستة زرارة . وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري. انتهى . ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم وجلالتهم وعلو منزلتهم والأمر بالرجوع إليهم تقدم بعضها في كتاب القضاء ، ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر: جميل بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج . وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ).
وقال في الوسائل:20/88: ( وهذا القسم كثير يعلم بالتتبع لكتب الرجال وغيرها ، وأما الجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم السلام وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم ، ونصبوهم وكلاء وجعلوهم مرجعاً للشيعة ، فهم كثيرون ونحن نذكر جملة منهم وأكثرهم مذكور في كتاب الغيبة للشيخ وقد تقدم بعضهم في القضاء ، ويأتي جملة أخرى منهم . فمن أجلائهم وعظمائهم محمد بن عثمان العمري، وعثمان بن سعيد العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، وحمران بن أعين، والمفضل بن عمر، والمعلى بن خنيس، ونصر بن قابوس، وعبد الرحمن بن الحجاج، وعبد الله بن جندب، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن سعد، وعبد العزيز بن المهتدي، وعلي بن مهزيار، وأيوب بن نوح، وعلي بن جعفر الهمَّاني، وأبو علي بن راشد، وبنو فضال وزرارة، وبريد العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير الأسدي، والحارث بن المغيرة، وأبان بن تغلب، وأبان بن عثمان، ويونس بن عبد الرحمن، وعلي بن حديد، وأبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، وهو محمد بن أبي عبد الله، وأحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع، وحاجز بن يزيد، ومحمد بن علي بن بلال، والعاصمي، ومحمد بن إبراهيم بن مهزيار، وأبوه، ومحمد بن صالح الهمداني، وأبوه، والقاسم بن العلاء، ومحمد بن شاذان النيسابوري، والفضل بن شاذان النيسابوري، وعلي بن مهزيار، والحارث المرزباني ، وغيرهم .
وقد نقل ابن طاووس في كشف المحجة من كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني ، وعن علي بن إبراهيم بسنده إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه دعا كاتبه عبد الله بن أبي رافع فقال: أدخل إلى عشرة من ثقاتي فقال ، سمهم لي يا أمير المؤمنين فقال: أدخل: أصبغ بن نباتة ، وأبا الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، وزر بن حبيش ، وجويرة بن مسهر ، وخندف بن زهير ، وحارث بن مصرف ، والحارث الأعور ، وعلقمة بن قيس ، وكميل بن زياد ، وعمير بن زرارة الحديث .
وقد روى الصدوق في عيون الأخبار بالإسناد السابق عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام في كتاب إلى المأمون قال: محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله..الى أن قال: والبراءة من الذين ظلموا آل محمد حقهم ، وذكر جملة من أنواعهم وأصنافهم . ثم قال: والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والمقبولين من الصحابة الذين مضوا على منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان، وأخويه، وعُبَادَة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم رضي الله عنهم . والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهدايتهم السالكين منهاجهم .
وروى الكشي عن الثقات عن أبي محمد الرازي قال: كنت أنا وأحمد ابن أبي عبد الله البرقي بالعسكر ، فورد علينا رسول من الرجل عليه السلام فقال: الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد بن إسحاق ثقاتٌ جميعاً . وروى الشيخ في كتاب الغيبة نحوه .
وقال الكشي: حكى بعض الثقات بنيسابور وذكر توقيعاً طويلاً من جملته ، يا إسحاق اقرأ كتابنا علي البلالي رضي الله عنه فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه ، واقرأه على المحمودي عافاه الله فيما أحمدنا لطاعته ، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا ، والذي يقبض من موالينا .
وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن أحمد، عن إبراهيم بن الحسن ، عن وهيب بن حفص ، عن إسحاق بن جرير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام :كان سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي ، من ثقات علي بن الحسين عليه السلام .. الحديث . وقد تقدم في المواريث حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: حدثني جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن يكذب جابر أن ابن الأخ يقاسم الجد . وتقدم في المواقيت حديث يزيد بن خليفة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال: إذاً لا يكذب علينا . وتقدم في القضاء عن العسكري عليه السلام أنه سئل عن كتب بني فضال فقال: خذوا بما رووا ودعوا ما رأوا . وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد الخزاعي، عن أبي علي الأسدي، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار ، ومن الكوفة: العاصمي ومن الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق ، ومن أهل همدان: محمد بن صالح ، ومن أهل الري: السامي ، والأسدي يعني نفسه ، ومن آذربيجان: القاسم بن العلا ، ومن نيسابور: محمد بن شاذان النعيمي ، ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حابس ، وذكر جماعة كثيرين .
وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية: تعرف العدالة المعتبرة في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، أو بالإستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا لايحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكيته ، ولا تنبيه على عدالته ، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادة على العدالة ، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء). انتهى .
والحق أن كثيراً من علمائنا المتقدمين والمصنفين المذكورين في كتب الرجال من غير تضعيف كذلك ، لما ظهر من آثارهم واشتهر من أحوالهم وإن لم يصرحوا بتوثيقهم في بعض المواضع . ومما يؤيد قول الشهيد الثاني أنه قد نقل حصول وضع الحديث في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام من بعض الضعفاء وكان الثقات يعرضون ما يشكون فيه على الأئمة عليهم السلام وعلى الكتب المعتمدة ، وكان الأئمة عليهم السلام يخبرونهم بالحديث الموضوع ابتداء غالباً ، ولم ينقل أنه وقع وضع حديث في زمان الغيبة من أحد من مشهوري الشيعة ونسب إلى الأئمة عليهم السلام أصلاً ، وعلى تقدير تحققه فلم يقع من علماء الإمامية المشهورين شئ من ذلك قطعاً ، وهذا ضروري والله أعلم) .

بعض ما ورد في السفيرين العَمْرِيَّيْن رحمهما الله

قال في الغيبة/353: (فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة: فأولهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهم السلام وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان أسدياً وإنما سمي العمري، لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله ، قال أبو نصر: كان أسدياً فنسب إلى جده فقيل العمري، وقد قال قوم من الشيعة إن أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام قال: لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبو عمرو ! وأمر بكسر كنيته فقيل العمري، ويقال له: العسكري أيضاً لأنه كان من عسكر سر من رأى ، ويقال له: السمان لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية وخوفاً . فأخبرني جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام الإسكافي قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولايتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه . فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه . قال أبو محمد هارون: قال أبو علي: قال أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو . وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر قال: حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمد عليه السلام فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت إن هذا الشيخ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق وهو عندنا الثقة المرضي ، حدثنا فيك بكيت وكيت واقتصصت عليه ما تقدم يعني ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحله ، وقلت: أنت الآن ممن لايشك في قوله وصدقه فأسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان؟ فبكى ثم قال: على أن لاتخبر بذلك أحداً وأنا حيٌّ قلت: نعم . قال: قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً ، قلت: فالإسم؟ قال: نهيتم عن هذا .
وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي قال: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب قال: حدثني بعض الشراف من الشيعة الإمامية أصحاب الحديث قال: حدثني أبو محمد العباس بن أحمد الصائغ قال: حدثني الحسين بن أحمد الخصيبي قال: حدثني محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام : إمض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون... ( وتقدم في ولادةالإمام المهدي عليه السلام ، وجاء فيه): نعم ، واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم .
عنه ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب بن بنت أبي جعفر العمري قدس الله روحه وأرضاه ، عن شيوخه أنه لما مات الحسن بن علي صلى الله عليه وآله حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأموراً بذلك ، للظاهر من الحال التي لايمكن جحدها ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها . وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد عليه السلام بالأمر والنهي والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه ، بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه ، وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان رحمة الله عليه . قال: وقال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز ، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي صلى الله عليه وآله نسأله عن الحجة من بعده ، وفي مجلسه عليه السلام أربعون (وروى إحضار الإمام العسكري ولده المهدي عليهما السلام في مجلس ضم أربعين رجلاً ، وتقدم في ولادته عليه السلام ). وفيه: قال عليه السلام : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه ، في حديث طويل . قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله . قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا ، وعمل عليه صندوقاً وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح، وربما قالوا: هو ابن داية الحسين عليه السلام ولايعرفون حقيقة الحال فيه وهو إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، على ما هو عليه .
ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه: عبد الله بن جعفر الحميري قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه ، وفي فصل من الكتاب: إنا لله وإنا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضاً بقضائه ، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً فرحمه وألحقه بأوليائه ومواليه ، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم ، نضر الله وجهه وأقاله عثرته . وفي فصل آخر: أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسره الله في منقلبه . وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه ، وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك ، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك ، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً . وأخبرني جماعة، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن همام قال: قال لي عبد الله بن جعفر الحميري: لما مضى أبو عمرو رضي الله تعالى عنه أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإقامة أبي جعفر رضي الله عنه مقامه . وبهذا الإسناد عن محمد بن همام قال: حدثني محمد بن حمويه بن عبد العزيز الرازي في سنة ثمانين ومائتين قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنه خرج إليه بعد وفاة أبي عمرو: والابن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه يجري عندنا مجراه ويسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الإبن وبه يعمل تولاه الله فانته إلى قوله وعرِّف معامِلتنا ذلك. (بكسر الميم: من يتعامل معنا) .
وأخبرنا جماعة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وأبي محمد التلعكبري كلهم، عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ فوقع التوقيع بخط مولانا صاحب الدار عليه السلام وذكرنا الخبر فيما تقدم: وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله تعالى عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي . قال أبو العباس: وأخبرني هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه عن شيوخه قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان رحمها الله تعالى إلى أن توفي أبو عمرو عثمان بن سعيد رحمه الله تعالى وغسله ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان وتولى القيام به وجعل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد ، لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بأمانته ، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته ، بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان ، لايعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يرجع إلى أحد سواه . وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ، ومعجزات الإمام عليه السلام ظهرت على يده ، وأمورٌ أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة وهي مشهورة عند الشيعة ، وقد قدمنا طرفاً منها فلا نطول بإعادتها، فإن في ذلك كفاية للمنصف إن شاء الله تعالى .
قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن ومن الصاحب عليهما السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد ، وعن أبيه علي بن محمد صلى الله عليه وآله فيها كتب ، ترجمتها: كتب الأشربة ذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنها أنها وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه وكانت في يده . قال أبو نصر: وأظنها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري رضي الله عنه وأرضاه . قال أبو جعفر بن بابويه روي عن محمد بن عثمان العمري قدس سره أنه قال: والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه . وأخبرني جماعة ، عن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل ، عن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان رضي الله عنه فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم ، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو عليه السلام يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني . قال محمد بن عثمان رضي الله عنه: ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم انتقم لي من أعدائك . وبهذا الإسناد عن محمد بن علي عن أبيه قال: حدثنا علي بن سليمان الزراري ، عن علي بن صدقة القمي رحمه الله قال: خرج إلى محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه ابتداءً من غير مسألة ليخبر الذين يسألون عن الإسم: إما السكوت والجنة ، وإما الكلام والنار ، فإنهم إن وقفوا على الإسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه . قال ابن نوح: أخبرني أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو علي بن أبي جيد القمي رحمه الله قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه يوماً لأسلم عليه فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ، ويكتب آياً من القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام على حواشيها ، فقلت له: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال لي: هذه لقبري تكون فيه أوضع عليها أو قال: أسند إليها ، وقد فرغت منه وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءً من القرآن فأصعد ، وأظنه قال: فأخذ بيدي وأرانيه فإذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلى الله عز وجل ودفنت فيه ، وهذه الساجة معي ! فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقباً به ذلك ، فما تأخر الأمر حتى اعتل أبو جعفر فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه . قال أبو نصر هبة الله: وقد سمعت هذا الحديث من غير أبي علي وحدثتني به أيضاً أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله تعالى عنهما .
وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن علي بن الأسود القمي أن أبا جعفر العمري قدس سره حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج فسألته عن ذلك فقال: للناس أسباب ، وسألته عن ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري . فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه وأرضاه . وقال أبو نصر هبة الله: وجدت بخط أبي غالب الزراري رحمه الله وغفر له أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري مات في آخر جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة . وذكر أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد أن أبا جعفر العمري رحمه الله مات في سنة أربع وثلاثمائة وأنه كان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة ، يحمل الناس إليه أموالهم ويخرج إليهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام إليهم بالمهمات في أمر الدين والدنيا ، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه . قال أبو نصر هبة الله: إن قبر أبي جعفر محمد بن عثمان عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه ، وهو الآن في وسط الصحراء قدس سره . ذكر إقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري أبا القاسم الحسين ابن روح رضي الله عنهما مقامه بعده بأمر الإمام صلوات الله عليه:
أخبرني الحسين بن إبراهيم القمي قال: أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن نوح قال: أخبرني أبو علي أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري رحمه الله قال: حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد المدائني المعروف بابن قزدا في مقابر قريش قال: كان من رسمي إذا حملت المال الذي في يدي إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس سره أن أقول له: ما لم يكن أحد يستقبله بمثله: هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام عليه السلام فيقول لي: نعم دعه فأراجعه فأقول له: تقول لي: إنه للإمام؟ فيقول: نعم للإمام عليه السلام فيقبضه . فصرت إليه آخر عهدي به قدس سره ومعي أربعمائة دينار ، فقلت له على رسمي فقال لي: إمض بها إلى الحسين بن روح ، فتوقفت فقلت: تقبضها أنت مني على الرسم؟ فرد علي كالمنكر لقولي وقال: قم عافاك الله فادفعها إلى الحسين بن روح . فلما رأيت في وجهه غضباً خرجت وركبت دابتي فلما بلغت بعض الطريق رجعت كالشاك فدققت الباب فخرج إلي الخادم فقال: من هذا ؟ فقلت أنا فلان فاستأذن لي فراجعني وهو منكر لقولي ورجوعي ! فقلت له: أدخل فاستأذن لي فإنه لابد من لقائه ، فدخل فعرفه خبر رجوعي وكان قد دخل إلى دار النساء فخرج وجلس على سرير ورجلاه في الأرض وفيهما نعلان يصف حسنهما وحسن رجليه . فقال لي: ما الذي جرأك على الرجوع ولمَ لمْ تمتثل ما قلته لك؟ فقلت: لم أجسر على ما رسمته لي . فقال لي وهو مغضب: قم عافاك الله فقد أقمت أبا القاسم حسين بن روح مقامي ونصبته منصبي، فقلت: بأمر الإمام؟ فقال: قم عافاك الله كما أقول لك ! فلم يكن عندي غير المبادرة فصرت إلى أبي القاسم بن روح وهو في دار ضيقة فعرَّفته ما جرى فسرَّ به وشكر الله عز وجل ودفعت إليه الدنانير ، وما زلت أحمل إليه ما يحصل في يدي بعد ذلك . وسمعت أبا الحسن علي بن بلال بن معاوية المهلبي يقول في حياة جعفر بن محمد بن قولويه: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي يقول: سمعت جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول: كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري رضي الله عنه له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس ، وأبو القاسم بن روح رضي الله عنه فيهم ، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح ، حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية ، فلما كان وقت مضي أبي جعفر رضي الله عنه وقع الإختيار عليه وكانت الوصية إليه. قال: وقال مشايخنا:كنا لانشك أنه إن كانت كائنة من أمر أبي جعفر لايقوم مقامه إلا جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه ، لما رأينا من الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله حتى بلغ أنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاماً إلا ما أصلح في منزل جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه بسبب وقع له ! وكان طعامه الذي يأكله في منزل جعفر وأبيه ! وكان أصحابنا لا يشكون إن كانت حادثة لم تكن الوصية إلا إليه من الخصوصية به ، فلما كان عند ذلك ووقع الإختيار على أبي القاسم سلموا ولم ينكروا ، وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر رضي الله عنه ، ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل في جملة أبي القاسم رضي الله عنه وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلى أن مات رضي الله عنه ، فكل من طعن على أبي القاسم فقد طعن على أبي جعفر ، وطعن على الحجة صلوات الله عليه .
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رحمه الله قال: كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رحمه الله فيقبضها مني ، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين ، فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي رضي الله عنه ، فكنت أطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر رضي الله عنه ( لمراقبة السلطة ) ، فأمرني أن لا أطالبه بالقبوض وقال: كل ما وصل إلى أبي القاسم فقد وصل إليَّ ، فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض .
وبهذا الإسناد عن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا علي بن محمد بن متيل ، عن عمه جعفر بن أحمد بن متيل قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه ، فالتفت إليَّ ثم قال: أُمِرْتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح . قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه . قال ابن نوح: وحدثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن بابويه القمي، قدم علينا البصرة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة ، قال: سمعت علوية الصفار والحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنهما يذكران هذا الحديث ، وذكرا أنهما حضرا بغداد في ذلك الوقت وشاهدا ذلك . وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام رضي الله عنه وأرضاه أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه . وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن ابن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي قال: قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا يعني بني نوبخت: أن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ، وأبو عبد الله بن محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه والأكابر ، فدخلوا على أبي جعفر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم ، فبذلك أمرت وقد بلَّغْتُ .
وبهذا الإسناد عن هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قالت: حدثتني أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه قالت:كان أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلا لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ، ينظر له في أملاكه ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصيصاً به حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه . قالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محله عندهم ، فحل في أنفس الشيعة محلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه، وماكان يحتمله من هذا الأمر ، فمهدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه ، فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد إلا جاهل بأمر أبي أولاً ، مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شك فيه ، وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره .
وأخبرني جماعة عن أبي العباس بن نوح قال: وجدت بخط محمد بن نفيس فيما كتبه بالأهواز: أول كتاب ورد من أبي القاسم رضي الله عنه: نعرفه عرفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق ، وقفنا على كتابه وثقتنا بما هو عليه ، وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه ، زاد الله في إحسانه إليه إنه ولي قدير ، والحمد لله لا شريك له ، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً . وردت هذه الرقعة يوم الأحد لست ليال خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة. (ثم روى الطوسي رحمه الله بعض التوقيعات المتقدمة ، ثم قال/394):
وفي رجال الطوسي رحمه الله /389: (عثمان بن سعيد العمري ، يكني أبا عمرو السمان ويقال له الزيات، خدمه(أي الإمام الهادي عليه السلام )وله إحدى عشره سنة وله إليه عهد معروف).
وفي/447: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان عليه السلام ، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة).
وروى في كمال الدين:2/510،تعزية الإمام عليه السلام لمحمد بن عثمان بوفاة أبيه رحمهما الله . وغيبة الطوسي/219، والإحتجاج:2/481، والخرائج:3/1112، ومنتخب الأنوار/128، وعنها البحار:51/348 .
وقال العلامة في الخلاصة/220: (وهو ثقة جليل القدر، وكيل أبي محمد . واختلف في تسميته بالعمري فقيل إنه ابن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه فنسب إلى جده ، فقيل العمري وقيل: إن أبا محمد العسكري قال: لايُجمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو ، وأمر بكسر كنيته فقيل العمري) .
وقال في/250: (محمد بن عثمان بن سعيد العمري بفتح العين الأسدي ، يكنى أبا جعفر وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان في خدمة صاحب الزمان عليه السلام ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة ، وكان محمد قد حفر لنفسه قبراً وسوَّاه بالساج فسئل عن ذلك فقال: للناس أسباب ، ثم سئل بعد ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة وقيل سنة أربع وثلاثمائة ، وكان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة ، وقال عند موته: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى إليه ، وأوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه . والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد مضي السمري ) .
وقال السيد الخوئي قدس سره في معجمه:12/122، في ترجمة العَمْري: (خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف... وذكره الشيخ في السفراء الممدوحين وأثنى عليه وروى عدة روايات في مدحه وجلالته ، منها...أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه ، فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي:هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدى إليكم فعني يؤديه ).
وروى في:7/154، قول الإمام العسكري عليه السلام في العمري: فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منا وإلينا ، فكل ما يحمله إلينا من شئ من النواحي فإليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا والحمد لله كثيراً . أقول: سند التوقيع قوي وفيه تصريح بجلالة العمري وعظمته فضلاً عن وثاقته). انتهى.
وفي كمال الدين/519: (قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها فدخلت عليه وأنا عنده ، فقالت له أيها الشيخ أي شئ معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدجلة ثم ائتيني حتى أخبرك ، قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة ، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي قدس الله روحه ، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحُق فأخرجت إليه حقةً فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت ، فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب ، وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق. فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً . ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها فنظرت المرأة إليه ، فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة ، فغشي علي وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة . ثم قال الحسين لي بعد ما حدثني بهذا الحديث: أشهد عند الله عز وجل يوم القيامة بما حدثت به أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه ، وحلف بالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم لقد صدق فيما حدث به وما زاد فيه وما نقص منه) ! وروى في كمال الدين/503 ، قصة فيها أن أبا القاسم بن روح رحمه الله تكلم بالفارسية مع امرأة بلهجة بلدها ، مع أنه لم يكن يعرفها .
وفي كمال الدين:2/504 ، عن جعفر بن محمد بن متيل: دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان السمان المعروف بالعمري رضي الله عنه فأخرج إلى ثويبات معلمة وصرة فيها دراهم فقال لي: يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت ، وتدفع ما دفعت إليك إلى أول رجل يلقاك عن صعودك من المركب إلى الشط بواسط ، قال فتداخلني من ذلك غم شديد ، وقلت مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشئ الوتح؟ قال: فخرجت إلى واسط وصعدت من المركب فأول رجل يلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو من أنت ؟ فقلت: أنا جعفر بن محمد بن متيل ، قال فعرفني باسمي وسلم علي وسلمت عليه وتعانقنا ، فقلت له: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إلي هذه الثويبات وهذه الصرة لأسلمها إليك ، فقال: الحمد لله فإن محمد بن عبد الله الحائري قد مات وخرجت لإصلاح كفنه فحل الثياب وإذا فيها ما يحتاج إليه من حَبر وثياب وكافور في الصرة وكرى الحمالين والحفار ! قال: فشيعنا جنازته وانصرفت). ومثله الخرائج:3/1119 ، وثاقب المناقب/261، وعنه إثبات الهداة:3/678 ، والبحار:51/336 .


السفير الثالث الحسين بن روح قدس سره


قال العلامة في الخلاصة/432: (ووكيله عثمان بن سعيد العمري أبو عمرو ، وأول من نصبه العسكري عليه السلام ثم نص أبو عمرو على ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ونص أيضاً الإمام العسكري عليه السلام عليه ، فلما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان الوفاة واشتدت حاله حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة منهم أبو علي بن همام وأبو عبد الله محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه الأكابر فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل والثقة الأمين فارجعوا في أموركم إليه وعولوا في مهماتكم عليه ، فبذلك أمرتُ وقد بلغت . ثم أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرته الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه . ومات رحمه الله سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ).
وفي كمال الدين/503 ، عن جعفر بن محمد بن متيل قال: لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح ، فالتفت إلي ثم قال لي: قد أمرت أن أوصى إلى أبى القاسم الحسين بن روح قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه) . وتقدم من رواية غيره في غيبة الطوسي .
علل الشرائع:1/241: ( العلة التي من أجلها لم يجعل الله تعالى الأنبياء والأئمة عليهم السلام في جمع أحوالهم غالبين: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: كنت عند الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له: أريد أسألك عن شئ ، فقال له: سل عما بدا لك ، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو وليُّ الله؟ قال: نعم ، قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم ، قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه ؟ فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عني ما أقول لك: إعلم أن الله تعالى لايخاطب الناس بشهادة العيان ولا يشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث إليهم رسولاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتون بشئ نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه ، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقيّ في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك . فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبيائه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين في حال مقهورين، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ولمَا عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختيار ! ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل،وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة.
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم لأن أخرُّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ! بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة صلوات الله وسلامه عليه). وكمال الدين/507 .

قال في تهذيب المقال:2/406: (طبقته ومن روى عنه: روى الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام كما في مزار ابن المشهدي باب زيارة أخرى للأمير عليه السلام وغير ذلك مما أوردناه في طبقات أصحابه ، وروى عن إمامنا الحجة عليه السلام فإنه بابه وسفيره . وروى عن جماعة منهم محمد بن زياد (التهذيب:6/93. وروى عنه جماعة: منهم جعفر بن أحمد بن متيل كثيراً، وعلي بن محمد بن متيل: الإكمال/465 ، وأبو الحسن علي بن أحمد العقيقي: الإكمال 469 والغيبة/193 ، ومحمد بن إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني: الإكمال/471 ، والغيبة/296، ومحمد بن الحسن الصيرفي الدورقي بأرض بلخ: الإكمال/480 ، والحسين بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي من مشايخ الصدوق: الإكمال/482 ، وأحمد الداودي الإكمال/483 ، وأحمد بن إبراهيم النوبختي: الغيبة/228، وأبو الحسن بن كبرياء النوبختي: الغيبة/237 ، والحسين بن علي بن سفيان البزوفري: الغيبة/238 ، وأحمد بن محمد الصفواني: الغيبة/238 ، وترك الهروي المتكلم: الغيبة/239، وأبو جعفر محمد بن أحمد ابن الزكوزكي: الغيبة/239 ، وعبد الله الكوفي خادمه: الغيبة/239، وأبو الحسن الأيادي:الغيبة/240 ، وسلامة بن محمد: الغيبة/240 ، وأبو عبد الله بن غالب:الغيبة/236 ، وابنه روح بن الحسين بن روح: الغيبة/251 وأبو علي محمد بن همام: الغيبة/252، والحسن بن محمد بن جمهور: التهذيب:6/93 ، والحسن بن علي الوجناء النصيبي: الغيبة 192، وأحمد بن الحسن بن أبي صالح الخجندي:الغيبة/196، وأحمد بن محمد أبو غالب الزراري:الغيبة/197) . ثم ذكر من الرواة عنه والد الصدوق رحمه الله .


السفير الرابع علي بن محمد السمري قدس سره


في كمال الدين/432: (ووكيله عثمان بن سعيد فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنهم ، قال: فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصى فقال: لله أمر هو بالغه ، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه) . ومثله روضة الواعظين/266 .
غيبة الطوسي/393: (ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنهما وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب:
أخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، عن الحسن بن علي بن زكريا بمدينة السلام قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليلان قال: حدثني أبي عن جده عتاب ، من ولد عتاب بن أسيد ، قال: ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه يوم الجمعة ، وأمه ريحانة ويقال لها نرجس ، ويقال لها صقيل ويقال لها سوسن ، إلا أنه قيل بسبب الحمل صقيل، وكان مولده لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين ، ووكيله عثمان بن سعيد ، فلما مات عثمان بن سعيد أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه . فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي الله عنه .
وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله ، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال: أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فقام بما كان إلى أبي القاسم ، فلما حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه ، فلم يظهر شيئاً من ذلك ، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن . وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال: حدثنا أبو الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال: حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره ابتداء منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي . قال فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم . ومضى أبو الحسن السمري رضي الله عنه بعد ذلك ، في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة .
وأخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له: من وصيك من بعدك؟فقال: لله أمر هو بالغه وقضى . فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه) .انتهى. وكمال الدين:2/516 ، وإعلام الورى/417 ، والإحتجاج:2 /478 ، والخرائج:3/1128 ، وثاقب المناقب/264، وكشف الغمة:3/320 ، والصراط المستقيم:2/236. وفيه: فنسخت هذا التوقيع وقضى في اليوم السادس ، وقد كانت غيبته القصرى أربعة وستين سنة . ومنتخب الأنوار المضيئة/130، وفيه: كانت وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف من شعبان سنة328 وتقدم من غيبة الطوسي أنها في نصف شعبان329 ، وإثبات الهداة:3/693، والبحار:51/361، و:52/151 .
وفي دلائل الإمامة/524: (قال علي بن محمد السمري: كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم ، فوقع عليه السلام : علمنا على ثلاثة أوجه: ماض ، وغابر ، وحادث ، أما الماضي فتفسير ، وأما الغابر فموقوف ، وأما الحادث فقذفٌ في القلوب ونقرٌ في الاسماع وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله ...حدثني أبو المفضل قال: حدثني محمد بن يعقوب قال: كتب علي بن محمد السمري يسأل الصاحب عليه السلام كفناً يتبين ما يكون من عنده ، فورد: إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين ، فمات في الوقت الذي حده وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر) . ولابد أن الكفن كان لغير السمري رحمه الله . وروى كمال الدين:2/503 ، إخبار السمري بوفاة والد الصدوق رحمه الله وغيبة الطوسي/242و396 ، ومثله ثاقب المناقب/270، وعنه الخرائج:3/1128، وإثبات الهداة:3/678 ، والبحار:51/360.


الحسين بن روح قدس سره شخصيةٌ مُعَـدَّةٌ لمرحلة التحولات


نلاحظ أولاً: أن بعض المؤرخين سموا القرن الرابع الهجري (قرن التشيع) ، لأنه شهد موجة شيعية واسعة . وقد وثَّق ذلك المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع) . فقد قويت الدولة الفاطمية في المغرب ، وأخذت تضغط في مطلع القرن الرابع على مصر حتى احتلتها وجعلتها عاصمتها .
وقد نجحت ثورة العلويين في شمال إيران وأسسوا دولتهم في طبرستان .
كما تفاقم خطر القرامطة الذين يدعون أنهم شيعة وأن قائدهم من ذرية علي عليه السلام ، وتواصلت غاراتهم السنوية الوحشية على قوافل الحجاج ! ثم أغاروا على مكة المكرمة وقتلوا الحجاج بشكل فجيع وسرقوا الحجر الأسود بحماقة ، وعطلوا الحج ووصلت غاراتهم الى أطراف بغداد ، والى بلاد الشام وفلسطين !
لكن هذه الظروف العالمية المحيطة بالدولة العباسية بمقدار ما كانت نفوذاً للعلويين والتشيع ، كانت بنفسها عوامل ضغط على الشيعة داخل الدولة العباسية !
ومن الطبيعي أن يتهم العباسيون الشيعة في بغداد وداخل الدولة بأنهم مؤيدون للفاطميين أو على صلة بهم ، أو أنصارٌ للعلويين في طبرستان ، وحتى للقرامطة .
ولم يقف الخطر على الشيعة عند ذلك ، فقد ظهرت من وسطهم حركات الغلو من عدد من مدعي السفارة الكذابين ، الذين كان أحدهم يبدأ بادعاء السفارة والمقام عند الإمام المهدي عليه السلام ثم يدعي حلول روح الإمام عليه السلام فيه ، ثم يدعي حلول الله تعالى في النبي والأئمة عليهم السلام ثم فيه ! وكان أولهم الشريعي وصاحبه ابن نصير ، ثم الحلاج ، ثم الشلمغاني..الخ. وقد وجد كل واحد من هؤلاء أنصاراً من عوام الناس، بل من بعض شخصيات السلطة وديوان الخلافة ورئاسة الوزراء ، هذا إذا لم تكن الخلافة نفسها وراء تشجيع هذا الغلو لتبرير ضربه ، ثم ضرب الشيعة بإسمه .
في هذا الخضم كان قائد سفينة التشيع شخصية يمتلئ يقيناً وعمقاً وقوة أعصاب ، هو أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي قدس سره ، فقد قاد سفينة الشيعة ومثل فكر أهل البيت عليه السلام بجدارة ، فحفظ استقلالهم عن الزيدية في طبرستان ، والفاطميين في المغرب ومصر ، والقرامطة في الجزيرة وأطرافها ، وميزهم عن مفتريات المغالين وأكاذيبهم ، فكان رحمه الله رجل المرحلة بحق .
* *
ثانياً: كان للسفير الثاني محمد بن عثمان العمري رحمه الله مكانة عظيمة في بغداد كما تقدم ، وكان له نحو عشرة من أصحابه علماء أتقياء مؤهلين لخلافته برأي الناس ، ومن أبرزهم أحمد بن متيل وابنه جعفر ، ولم يكن الحسين بن روح منهم ، ويبدو أنه كان في جو المتدينين من آل نوبخت . لكن الله تعالى اختاره لصفات يعلمها ، وقد ظهر منها قوة شخصيته ومتانة أعصابه كما شهد ابن متيل وأبو سهل النوبختي ، فقد روى الطوسي في الغيبة/391: (قال ابن نوح: وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سئل فقيل له: كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك ؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه ، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة لعلي كنت أدل على مكانه ، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ! أو كما قال) .انتهى.
أقول: هذه القوة والمتانة في شخصية الحسين بن روح رحمه الله كانت معروفة لأصحابه ، وكانت العامل الثاني بعد تدينهم لقبوله والخضوع له بمجرد أن أخبرهم السفير الثاني بأن الإمام عليه السلام أمره أن يعهد اليه . قال جعفر بن متيل رحمه الله كما في كمال الدين/503: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح ، فالتفت إليَّ ثم قال لي: قد أمرت أن أوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه) . انتهى.
* *
ثالثاً: على أن أعجب ما نقرؤه عن الحسين بن روح و رحمه الله شدته في التقية ، في ظروف شديدة الخطر على الشيعة في بغداد ، ففي غيبة الطوسي/384: (وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية . فروى أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم ، وكانت العامة أيضاً تعظمه ، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً . وعهدي به وقد تناظر اثنان فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله ،ًثم عمر ثم علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما . فقال أبو القاسم رضي الله عنه: الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي وأصحاب الحديث على ذلك وهو الصحيح عندنا ! فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول وكاد العامة الحضور يرفعونه على رؤسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض . فوقع علي الضحك فلم أزل أتصبر وأمنع نفسي وأدس كمي في فمي فخشيت أن أفتضح ، فوثبت عن المجلس ونظر إلي ففطن بي ، فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادراً فإذا بأبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره . فقال لي: يا أبا عبد الله أيدك الله لم ضحكتَ؟ فأردت أن تهتف بي كأن الذي قلته عندك ليس بحق؟ فقلت: كذاك هو عندي . فقال لي: إتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك في حل، تستعظم هذا القول مني ! فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجب منه ولايضحك من قوله هذا ؟! فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنك ! وودعني وانصرف .
قال أبو نصر هبة الله بن محمد: حدثني أبو الحسن بن كبرياء النوبختي قال: بلغ الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه أن بواباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه ، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته ، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره فلا والله ما رده إلى خدمته ، وأخذه بعض الأهل فشغله معه ! كل ذلك للتقية .
قال أبو نصر هبة الله: وحدثني أبو أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس قال: قال لي إني كنت أنا وإخوتي ندخل إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه نعامله قال: وكانوا باعة ونحن مثلاً عشرة ، تسعة نلعنه وواحد يشكك فنخرج من عنده بعدما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلى الله بمحبته وواحد واقف!لأنه كان يجارينا في فضل الصحابة مارويناه وما لم نروه فنكتبه لحسنه عنه ، رضي الله عنه) .
وفي مناقب آل أبي طالب:3/105: (وسأل بزل بديل الهروي الحسين بن روح رضي الله عنه فقال: كم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال: أربع ، فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: يا فاطمة، قال: ولم صارت أفضل وكانت أصغرهن سناً وأقلهن صحبة لرسول الله؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما ، أنها ورثت رسول الله ونسل رسول الله منها ، ولم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتها) .انتهى.
وسيأتي في سجنه قدس سره أن غرضهم من هذه الأسئلة كان الإيقاع به وبالشيعة !
* *
رابعاً: إن اختيار الله تعالى للسفارة عن حجته على عباده عليه السلام أحد أوليائه من بني نوبخت يشبه بعثته نبياً من الوسط الحاكم ! فبنو نوبخت لهم مكانة في الدولة العباسية من زمن المنصور ، فعندما دخل المنصور سجن الأمويين في الأهواز رآه نوبخت وكان مسجوناً أيضاً وكان منجماً ومترجماً ، فتفرس فيه أنه من بني هاشم وأنه سيحكم ، فكتب له المنصور وعداً بمقام إذا وصل الى الحكم ، وعندما نجحت الثورة العباسية وفى المنصور لنوبخت وأعطاه إقطاعات واسعة وأسلم نوبخت على يده ، (تاريخ الذهبي:9/467) . وجعله المنصور مستشاراً ، وبنى عاصمته بغداد برأيه ، ومن يومها دخلت أسرة نوبخت في تاريخ البلاط العباسي والحياة الثقافية والسياسية ، وكان لهم حيٌّ وسط العاصمة بغداد ، وبيوتهم معروفة يزورها شخصيات الدولة والوزراء ، بل ذكر المؤرخون أن رئيس الوزراء المهلبي دفن في مقبرتهم ، مما يدل على أنها كانت في محل مناسب ، ويظهر أن بني نوبخت تشيعوا مبكراً في زمن المأمون أو قبله .
وقد نبغ منهم علماء ومؤلفون الى جانب المنجمين والمترجمين . وكان الشيخ أبو القاسم بن روح قدس سره من علمائهم غير المعروفين ، فاختاره الله للسفارة . راجع في بني نوبخت: أنساب السمعاني:5/529 ، ووفيات الأعيان:2/127، ومروج الذهب/1304 ، ورجال النجاشي/373 ، وغيرها من مصادر التراجم والتاريخ .
* *
خامساً: رافقت سفارة الحسين بن روح قدس سره (305-326)مع خلافة المقتدر العباسي الذي بويع سنة295 ، وكان عمره13سنة ، وحكم ربع قرن حتى قتل سنة220. (فقتله رجل من البربر وقلع ثيابه فمر به رجل فستر سوأته بحشيش ثم حفر له ودفن وخفى أثره ). (مآثر الإنافة في معالم الخلافة:1/274). وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد/1270: (وخلع في خلافته دفعتين الأولى بعد جلوسه بأربعة أشهر وأيام با بن المعتز وبطل الأمر من يومه ، والدفعة الثانية بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته خلع نفسه وأشهد عليه وأجلس القاهر يومين وبعض اليوم الثالث ، ووقع الخلف بين العسكرين وعاد المقتدر إلى حاله ! وكان مولده لثمان بقين من شهر رمضان سنة لاثنتين وثمانين ومائتين . وقتل بالشماسية يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلثمائة . فكانت خلافته خمساً وعشرين سنة إلا خمسة عشراً يوماً . وكانت سنُّه ثمانياً وثلاثين سنة وشهراً وعشرين يوماً... ووزر له العباس بن الحسن، ثم علي بن محمد بن موسى بن الفرات ، ثم عبيد الله بن خاقان ، ثم أبو الحسن على بن عيسى بن داود بن الجراح ، ثم حامد بن العباس ، ثم أحمد بن عبيد الله الخصيبي ، ثم محمد بن على بن مقلة ، ثم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح ، ثم عبيد الله بن محمد الكلوذاني ، ثم الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب، ثم الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات). انتهى.
أقول: الوزير يومها يعني رئيس الوزراء الذي بيده مالية الدولة وكثير من أمورها الإدارية ، ويشكل هو وقادة الجيش وولاة الأمصار مراكز القوى الثلاث التي تتحكم في الخليفة نصباً وعزلاً وسياسةً . وكان من هؤلاء الأحد عشر الذين استوزرهم المقتدر بضعة وزراء شيعة أو يميلون الى التشيع ، منهم ابن مقلة ، وأبرزهم ابن الفرات الذي استوزره الخليفة ثم عزله وصادر أمواله وسجنه مرات ، وكانت كفاءته تفرضه عليه في كل مرة وكان محبوباً عند الناس. ففي تهذيب الأنساب لابن الأثير:2/414: (وكان يقارب البرامكة في الجود ، حتى قال الشاعر:

آل الفرات وآل برمك ما لكمْ قلَّ المعينُ لكم وقلَّ الناصر) .
وقال الصابي في تاريخ الوزراء/3: ( بنو الفرات من قرية تدعى بابلي صريفين من النهروان الأعلى وكان لهم بها أقارب يزيدون على ثلاثمائة نفس. وأول من ساد منهم أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وكان حسن الكتابة ظاهر الكفاية خبيراً بالحساب والأعمال، متقدماً على أهل زمانه في هذه الأحوال...حدث أبوالفضل بن عبد الحميد الكاتب قال: لما تولى أبو القاسم عبيد الله ابن سليمان وزارة المعتضد بالله والدنيا منغلقة بالخوارج ، والأطماع مستحكمة من جميع الجوانب ، والمواد قاصرة والأموال معدومة ، وقد استخرج إسماعيل بن بلبل خراج السواد لسنتين في سنة ، وليس في الخزائن موجود من مال ولا صياغة أحتاج في كل يوم إلى ما لا بد منه من النفقات إلى سبعة آلاف دينار وتعذر عليه قيام وجهها ! وقال لي يوماً وهو في مجلسه من دار المعتضد بالله: يا أبا الفضل قد وردنا على دنيا خراب مستغلقة وبيوت مال فارغة وابتداء عقد لخليفة جديد الأمر ، وبيننا وبين الإفتتاح مدة(وقت قبض الخراج)ولا بد لي في كل يوم من سبعة آلاف دينار لنفقات الحضرة على غاية الإقتصار والتجزئة ، فإن كنت تعرف وجهاً تعينني به فأحب أن ترشدني إليه؟ وكنت أعرف منها وجوهاً بالنصف فقلت وأنا أحب تخليص بني الفرات: إن أردت أن أحصل لك ذلك وزيادة فأطلق ابني الفرات واستعملهما . قال: فنهض ودخل على المعتضد بالله وعرفه الصورة وقال: أنا بعيد العهد بالعمل، وابنا الفرات قد خبرا الأعمال ووجوه الأموال وعندهما من علم ذاك ما يحتاج إليهما فيه . فقال له المعتضد: وكيف تصلح لنا نياتهما وقد استفسدناهما وأسأنا إليهما وصادرناهما؟ فقال له: إذا أردت أن تصطنعهما وتستصلحهما صلحاً ونصحاً . فقال له المعتضد: ربما اجتمعا عليك وأفسدا بيني وبينك والأمر في حبسهما وإطلاقهما إليك . فخرج وعرفني ما جرى وأحضر أبا العباس وأدناه وقال له: قد استوهبتك وعملت على اصطناعك والإستعانة بك فكيف تكون؟ قال: أبذل وسعي في كل ما قضى حقك وخفف عنك. وخرج إليه عبيد الله بما هو فيه وقص عليه أمره فيما يعانيه فقال له: يتقدم الوزير بإحضار أحمد بن محمد الطائي وعلي بن محمد أخي يعني أبا الحسن وتفردني وإياهما ، ففعل عبيد الله ذلك واعتزل أبو العباس وأبو الحسن وخاطبا الطائي على أن يضمناه أعمال الكوفة والقصر وباروسما الأعلى والأسفل وما يجري مع ذلك، وقررا معه الضمان على أن يحمل من ماله في كل يوم سبعة آلاف دينار وفي كل شهر ستة آلاف دينار وأخذا خطة بالتزام الضمان وتصحيح المال على ما تقرر.... فطلب أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات وهو محبوس يومئذ مع أبي العباس أحمد أخيه ، وقد لحقتهما مكاره وعلق أبو العباس بحبال في يديه بقيت آثارها فيهما مدة حياته ، وصودر على مائة وعشرين ألف دينار صح منها ستون ، فجئ به من محبسه يرسف في قيوده وعليه جبة دنسة وشعره طويل فلما مثل بين يديه قال: الله الله أيها الوزير، وجعل يشكو ما أصابه وأصاب أبا العباس أخاه من المكاره وفرائصه ترعد ! فسكنه عبيد الله بن سليمان وقربه وأجلسه وخاطبه بما أزال به روعه وخوفه . ثم خاطبه في المسألة عن أمر الأعمال والعمال فانبسط أبو الحسن انبساط رجل جالس في الصدر وأخذ يقول: ناحية كذا مبلغ مالها كذا ، وقد حمل منه كذا وبقي كذا وعاملها مستقيم الطريقة ، وناحية كذا على صورة كذا وعاملها غير مضطلع بها وينبغي أن يستبدل به فيها ، وناحية كذا على حال كذا ، وعاملها ضعيف وينبغي أن يشد بمشارك أو مشارف . حتى أتى على أمور الدنيا.... والتفت إلى من كان بين يديه وقال:أرأيتم مثل ابن الفرات ومثل كتَّابي الذين صرفوه! والله لأخاطبن الخليفة في العفو عن أبي الحسن وأبي العباس وأستعينن بهما فإنه لاعوض للسلطان عنهما ومضت أيام وخاطب في معناها واستوهبهما واستعملهما). انتهى.
أقول: كان آل الفرات من العوائل المعروفة البارزة في بغداد ، هم وآل نوبخت ، وآل بسطام الجعفيين ويقال لهم بنو سبرة ، وكذلك آل حمدان أمراء الموصل وحلب وكان بعضهم في بغداد ، ثم آل مقلة ، ويظهر أن الباقطانيين كانوا شيعة أيضاً ، ففي الكافي:1/525 ، عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير ، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه).
وذكر في نشوار المحاضرة/1066، دفاع الوزير ابن الفرات عن إعطائه المناصب الكبيرة للشيعة بأنهم أكفأ من غيرهم ، قال: (يتمعضني الناس بتعطيلي مشايخ الكتاب وتفريقي الأعمال على آل بسطام وآل نوبخت ، والله لولا أنه لا يحسن تعطيل نفر من العمال وقد قلدتهم ، لما استعملت في الدنيا ، إلا آل نوبخت دون غيرهم . قال أبو الحسين: وإنما كان يتعصب لآل بسطام لرياسة أبي العباس عليه وللمذهب ، ويتعصب لآل نوبخت للمذهب) .
* *
سادساًً: كانت أم المقتدر من عوامل قوته ، وهي جارية صقلبية أي بلغارية(الوافي:11/74، ومعجم البلدان:1/87) كان إسمها ناعمة وسماها المعتضد بعد ولادتها المقتدر: (شغب) وكانت قوية الشخصية ، ويظهر أنها هي التي أقنعت قادة الجيش ببيعة ابنها الصغير .
قال الزركلي:3/168: (مدبرة حازمة كانت من جواري المعتضد بالله أبي جعفر وأعتقها وتزوجها . ولما آلت الخلافة إلى ابنها (المقتدر) سنة 295 ه ، وعمره ثلاث عشرة سنة قامت بتوجيهه واستولت على أمور الخلافة. وأمرتسنة 306 ه قهرمانة لها اسمها ثمل أن تجلس للنظر في عرائض الناس يوماً في كل جمعة ، فكانت تجلس ويحضر الفقهاء والقضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها . ولما ثار عبد الله بن حمدان على المقتدر ، وناصره بعض رجال المقتدر ، وخلعوه سنة 317 استتر عند أمه وقيل حمل هو وأمه إلى دار مؤنس المظفر . وكان لها ستمائة ألف دينار في الرصافة فأخذت ثم لم تلبث أن عادت إلى تدبير الشؤون بعد قمع الثورة في السنة نفسها وظلت إلى أن قتل ابنها سنة320 وولي القاهر فضربها وعذبها....وكانت صالحة وكان متحصلها في السنة ألف ألف دينار فتتصدق بها وتخرج من عندها مثلها)!انتهى. والطريف قوله: صالحة ! وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:23/399: (وأول ما فعل(الخليفة القاهر)أن صادر آل المقتدر وعذبهم وأحضر أم المقتدر وهي مريضة فضربها بيده ضرباً مبرحاً ! فلم تظهر من مالها سوى خمسين ألف دينار وأحضر القضاة وأشهد عليها ببيع أملاكها.... وما زال يعذبها حتى ماتت معلقة بحبل) ! انتهى.
وقد خُلع القاهر بعد سنة ونصف ، وسملت عيناه ! (مروج الذهب/1304).
ويظهر أن المقتدر وأمه رأوا كرامات لأبي القاسم بن روح قدس سره فكانا يحترمانه ويعظمانه في المرحلة الأولى قبل تحريك الحنابلة له ضد الشيعة، ففي غيبة الطوسي/384: (وكان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق...حدثني أبو عبد الله بن غالب... قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار وكان له محل عند السيدة والمقتدر عظيم ، وكانت العامة أيضاً تعظمه) . انتهى.
وقال ابن حجر في لسان الميزان:2/283: (أحد رؤساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء إلى أن قال: كان كثير الجلالة في بغداد .
* *
سابعاً: نورد نصين يكشفان عن دور الحسين بن روح قدس سره في الأحداث الكبرى !
قال الصفدي في الوافي بالوفيات:12/226: (أبو القاسم الشيعي، الحسين بن روح بن بحر ، أبو القاسم . قال ابن أبي طي: هو أحد الأبواب لصاحب الأمر نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري... وكثرت غاشيته حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان وتواصف الناس عقله ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام ، وأطلق من الحبس لما خلع المقتدر فلما أعيد إلى الخلافة شاوروه فيه قال: دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى ! وبقيت حرمته على ما كانت عليه ، ورمي بأنه كان يكاتب القرامطة ليحاصروا بغداد ، وأن الأموال تجبى إليه ، وكان يفتي الشيعة ويفيدهم ، وكاد أمره يتم ويستفحل إلى أن توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة ) .
وقال الذهبي في سيره:15/222: (الباب ، كبير الإمامية ، ومن كان أحد الأبواب إلى صاحب الزمان المنتظر، الشيخ الصالح أبو القاسم حسين بن روح بن بحر القيني. قال ابن أبي طي في تاريخه: نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمري....
فروى علي بن محمد الأيادي عن أبيه قال: شاهدته يوماً وقد دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره . ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزر حامد بن العباس فجرت له معه خطوب يطول شرحها ، ثم سرد ابن أبي طي ترجمته في أوراق ، وكيف أخذ وسجن خمسة أعوام وكيف أطلق وقت خلع المقتدر ، فلما أعادوه إلى الخلافة شاوروه فيه فقال: دعوه فبخطيته أوذينا . وبقيت حرمته على ما كانت إلى أن مات في سنة ست وعشرين وثلاث مئة . وقد كاد أمره أن يظهر !
قلت: ولكن كفى الله شره فقد كان مضمراً لشق العصا . وقيل كان يكاتب القرامطة ليقدموا بغداد ويحاصروها . وكانت الإمامية تبذل له الأموال ، وله تلطف في الذب عنه ، وعبارات بليغة تدل على فصاحته وكمال عقله . وكان مفتي الرافضة وقدوتهم وله جلالة عجيبة ! وهو الذي رد على الشلمغاني لما علم انحلاله) .انتهى.
هذا وكانت الثورة على المقتدر من اثنين من قادة جيشه هما نازوك وابن حمدان، لكن القائد الكبير مؤنس تغلب عليهما وأعاده الى الخلافة. (صلة تاريخ الطبري/97).
* *
فهذان النصَّان للصفدي والذهبي وهما من غير الشيعة غنيان بالدلالات ، يكشفان عن جلالة الحسين بن روح قدس سره ودوره العظيم في أحداث الخلافة وصراعات القوى:
1- يدلان على أننا أمام شخصية غير عادية ! فهو عالم شيعي يعتقد الشيعة بأنه سفير إمامهم الغائب صلوات الله عليه ، لكن له احترام وهيبة وإجلال عند كبار رجال الدولة ، ابتداء من الخليفة ووالدته(السيدة) الى عامة الناس !
وقولهما: (وتواصف الناس عقله)وقول الذهبي: (وله جلالة عجيبة)يردُّ ادعاء ابن حجر أن هذه الجلالة والإحترام ادعاها له الشيعة ! قال في لسان الميزان:2/283: (الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم ، أحد رؤوساء الشيعة في خلافة المقتدر ، وله وقائع في ذلك مع الوزراء ، ثم قبض عليه وسجن في المطمورة ، وكان السبب في ذلك(...بياض) ومات سنة ست وعشرين وثلاث مائة . وقد افترى له الشيعة الإمامية حكايات وزعموا أن له كرامات ومكاشفات ، وزعموا أنه كان في زمانه الباب إلى المنتظر ، وأنه كان كثير الجلالة في بغداد . والعلم عند الله).انتهى.
يقصد ابن حجر بقوله (والعلم عند الله) أنه يشك في كلامه السابق ولا يجزم به ! فهو أسلوب يستعمل عند الشك ، ويستعمل للهروب من مسؤولية التدليس والكذب !
2- يدل ذلك وغيره على أن الحسين بن روح قدس سره دخل في عمق القضايا السياسة ، لكن بأسلوبه الخاص الذي وجهه به الإمام عليه السلام ، فكان ينصح ويحذر ، ويأمر كبار الشخصيات بما يخبره به الإمام عليه السلام ، وكان الجميع يحترمونه ويهابونه ، لأنه لمسوا صدق إخباراته عن المستقبل وتوجيهاته واستفادوا منها !
وحتى القصة التي نقلها الذهبي عن قاضي القضاة ، لاتدل على أنه لم ينفذ أمره ! فنصها يقول: (دخل عليه أبو عمر القاضي فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرةٌ عند المتورط ، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه ، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلتُ لك ما عرفتَهُ فمسألتي من أين لك فضول ! وإن كنت لم تعرفه فقد ظفرت بي . قال: فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي ! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا ! كاشفته بما لم أكاشف به غيره) . ومعناه أن قاضي القضاة كان يزوره في بيته كغيره من الوزراء ، وقد يكون الخليفة وأمه يزورانه أيضاً ! ولم أجد أي نص في أنه كان يزور أحداً منهم ! وكان قاضي القضاة عزم على أمر كبير ، قد يكون قتل أحد المسؤولين في صراع السلطة الذي كانت الأطراف فيه تحتاج الى حكم القاضي بقتل بعضهم البعض وسمل العيون والمصادرة والنهب . فبادره الحسين بن روح قدس سره ناصحاً أن لايفعل ما عزم عليه ! فارتبك وسأله: من أخبره بما عزم عليه؟! وكأن المسألة من نوع التواطؤ السري للغاية بين قاضي القضاة وأحد صناع القرار ، وأبرزهم: الخليفة ، وأمه ، ورئيس الوزراء ، ومؤنس قائد الجيش ! فأجابه ابن روح رحمه الله : مادام ما أقول لك صحيحاً فلماذا تسأل من أين عرفته ؟ وإن كان غير صحيح فلك الحق أن تتهمني !
عندها قال القاضي: لا أتهمك ، لكن أمهلك يوماً أو يومين حتى تخبرني من أين عرفت ! فلما ذهب القاضي أظهر ابن روح قدس سره تعجبه من نفاقه ، وأنه بدل أن يخضع للبرهان القطعي الذي كوشف به ، ويشكره على نصيحته ، استعمل النفاق وقال: أمهلك أياماً حتى تخبرني من أخبرك !
وهذا يدلنا على أن القاضي اعترف ضمناً بأن ما أخبره به ابن روح صحيح ، فقد اتهمه ابن روح بالنفاق لأنه هرب من الموضوع الى سؤال من أين عرفت هذا ؟ وكأنه يعرف أن مصدر ابن روح هو الإمام المهدي عليه السلام الملهم من ربه تعالى !
وقد ترجم الذهبي في سيره:14/555 ، لهذا القاضي فقال: (أبو عمر القاضي الإمام الكبير ، قاضي القضاة ، أبو عمر ، محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي...حدث عنه الدارقطني ، والقاضي أبو بكر الأبهري ، وأبو بكر بن المقرئ....وكان عديم النظير عقلاً وحلماً وذكاء بحيث إن الرجل كان إذا بالغ في وصف شخص قال: كأنه أبو عمر القاضي.... ولم ير أجل من مجلسه للحديث: البغوي عن يمينه ، وابن صاعد عن شماله ، وابن زياد النيسابوري وغيره بين يديه.... ومات سنة عشرين وثلاث مئة).

3- كان هدف الحسين بن روح قدس سره من تدخله بالسياسة أو هدف الإمام صلوات الله عليه ، أن يترسخ مذهب أهل البيت عليهم السلام في الأمة فكرياً وعملياً ، ويتميز عن غيره من مذاهب الغلو والتقصير ، ويأخذ طريقه في حياة الأمة حتى يحين وقت الظهور .
وقد تحققت آخر مراحل هذا الهدف على يد السفراء الأربعة للإمام عليه السلام وخاصة الحسين بن روح قدس سره ، وتعلم الشيعة أن يرجعوا الى فقهائهم ويتكيفوا مع غيبة إمامهم عليه السلام وزمن الفترة الذي امتحن الله به الأمة .

4- أقدم حامد بن العباس وزير المقتدر على سجن الحسين بن روح قدس سره ، وحبسوه في سجن قصر الخليفة، وكان سجن القصر أفضل من سجن الوزير ، بدليل أنه عندما غضب الخليفة على الوزير حامد هذا وعزله ، طلب أن يكون سجنه في قصر الخليفة وليس في سجن الوزير الذي جاء بعده . (الكامل:8/141) .
وعندما وقعت الثورة على الخليفة المقتدر وخلعوه ، نهبوا قصره وفتحوا سجنه وأطلقوا من فيه ، ثم أعيد الخليفة فشاوروه هل يرجعون الشيخ ابن روح الى السجن فقال: (دعوه فبخطيئته جرى علينا ما جرى) برواية الصفدي ، وقال (دعوه فبخطيته أوذينا) برواية الذهبي ! ومعناه أن المقتدر كان يعتقد بأن ابن روح قدس سره رجل صالح وأن الثورة عليه وخلعه كانا عقوبةً له لأنه سجن ولي الله الحسين بن روح !
أما مدة سجنه قدس سره فرووا أنها خمس سنوات ، وذكرت رواية غيبة الطوسي/307، أن خروجه من السجن كان في آخر سنة اثني عشر وثلاث مئة ، أو أول ثلاثة عشر .
أما سبب سجنه قدس سره فجعلها ابن حجر في نسخته (بياضاً) ! وقال عنها الذهبي: (ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال حتى ولي حامد بن العباس الوزارة فجرى له معه أمور وخطوب يطول شرحها ، وقبض عليه وسجن خمسة أعوام ) .
ولم نجد في مصادر التاريخ والسير ما ذا كانت تلك الخطوب إلا ما ذكر الذهبي وغيره عن تاريخ ابن أبي طي الحلبي رحمه الله وهو كتاب مفقود في عصرنا مع الأسف !
والسبب الذي توصلتُ اليه أن المقتدر لم يكن يتبنى سياسة المتوكل في النصب لأهل البيت عليهم السلام والعداء لشيعتهم ، بل كان يعمل بسياسة المأمون وحفيده الواثق في الموازنات بين الشيعة والسنة ، وكان يحترم الحسين بن روح احتراماً خاصاً ، لكن مجسمة الحنابلة استطاعوا أن يحدثوا موجة مضادة للشيعة في بغداد ويؤثِّروا على المقتدر ويفرضوا عليه حامد بن العباس رئيس وزراء ، وجعلوا من موقف الشيعة السلبي من أبي بكر وعمر علماً وشعاراً وأخذوا يمتحنون به الناس ، ومنعوا زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقبر الإمام الكاظم عليه السلام في بغداد ..الخ.
وكان حامد بن العباس فارسياً يتبنى أفكار المتوكل ومجسمة الحنابلة ، وهو الذي سجن الحسين بن روح رحمه الله ، وذكرت مصادرهم أنه كان يروج لفكرة قدم القرآن ويدعي أن الواثق وهو العدو اللدود لمجسمة الحنابلة ، قد تاب قبل وفاته عن رأيه بخلق القرآن ووافق المجسمة ! ففي تاريخ بغداد:14/18: (حدثني حامد بن العباس عن رجل عن المهتدي أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن).انتهى.
ولا يتسع المجال لتفصيل هذه المسألة، وخلاصتها أن المأمون واجه موجة النصب والتجسيم الأموي التي انتشرت في عصر الرشيد ، فكتب منشوراً في البراءة من معاوية ، وأمر بقتل من قال بالتشبيه ورؤية الله تعالى وأن القرآن جزء من ذاته !
ثم جاء أخوه المعتصم بعده فخالفه وقرب مجسمة الحنابلة ، ثم جاء الواثق فأعاد سياسة المأمون ، فقام مجسموا الحنابلة بحركة ضده في بغداد فقتل رئيسهم أحمد بن نصر الخزاعي وذبحه بيده سنة إحدى وثلاثين ومئتين ! راجع تاريخ بغداد:5/ 384، و386، وتهذيب الكمال:1/508 ، وتاريخ اليعقوبي:2/482 ، وغيرها .
قال ابن كثير في النهاية:10/334: (وكان الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن ، يدعو إليه ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله وعمه المأمون ، من غير دليل ولا برهان ولا حجة ولا بيان ولا سنة ولا قرآن ، فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها . فاجتمع عليه جماعة من أهل بغداد والتف عليه من الألوف..). انتهى.
ولم يُبيِّن ابن كثير معنى(أشياء كثيرة دعا الناس إليها) ولو كان صريحاً لقال إنها نهيه عن تقديس بني أمية وعن بغض أهل البيت عليهم السلام ورؤية الله وتشبيهه بخلقه ، وعن تكفير الشيعة واستباحة دمائهم بحجة أنهم مشركون أو أنهم يسبون الصحابة..الخ.
ثم جاء المتوكل وتبنى مذهب مجسمي الحنابلة ، وأسس منهم حزباً سماه (أهل الحديث)كانت مهمته محاربة الشيعة ومهاجمة مجالسهم في عاشوراء ومطاردة من يزورون منهم كربلاء والكاظمية ! وانتهت موجة المتوكل بقتله ، وسار الخلفاء بعده على سياسة الموازنة بين المذاهب والقوى السياسية وكان منهم المقتدر ، حتى قوي الحنابلة وفرضوا عليه وزارة حامد بن العباس .
إن ما تراه في سيرة ابن روح قدس سره من استعماله التقية في أبي بكر وعمر ومعاوية ، يدلك على استهداف مجسمة الحنابلة في وزارة صاحبهم أن يقتلوه ويستبيحوا دماء الشيعة بفتواه ! ولكنهملم يجدوا عليه مستنداً فحبسوه ! وقد يكون المقتدر أو والدته (السيدة)تدخلوا وجعلوا حبسه في السجن التابع لقصر الخليفة ! ولايبعد أن يكون الخليفة وأمه وكثيراً من الطبقة السياسية يعتقدون بوجود الإمام المهدي عليه السلام وأن أبا القاسم سفيره، لأنهم لمسوا منه كرامات ومعلومات لا تفسير لها إلا بصدقه . رضوان الله عليه وصلوات الله على سيده صاحب الزمان ، ويؤيد ذلك قول الواثق المتقدم .

( يتبع.. وهو الفصل الأربعون.. آخر فصل من المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام )


مؤلفات في سيرة السفراء الأربعة رضوان الله عليهم

دوَّن علماؤنا قديماً وحديثاً سيرة السفراء وأحاديثهم رضوان الله عليهم ، وألفوا فيهم الكتب الخاصة، فقد ذكر في الذريعة الى تصانيف الشيعة: 1/353: (أخبار الوكلاء الأربعة، وهم عثمان بن سعيد ، ومحمد بن عثمان ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ، النواب المخصصون في الغيبة الصغرى والسفراء والأبواب فيها الحجة المهدي عليه السلام ، لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي نزيل البصرة من مشايخ النجاشي ، توفي حدود النيف والعشرة بعد الأربعماية ، كما يظهر من فهرس الشيخ ، حيث إنه قال فيه إنه مات عن قرب ، وكان شروع الشيخ في الفهرس بأمر الشيخ المفيد ، لكنه فرغ منه بعد وفاته حيث ذكر فيه حكاية يوم وفاة المفيد في سنة413 ، فيكون وفاة السيرافي أيضاً في هذه الحدود .
أخبار الوكلاء الأربعة: المذكورين ، لأبي عبد الله الجوهري أحمد بن محمد بن عياش ، صاحب مقتضب الأثر المتوفى سنة401 ، ذكره النجاشي) .انتهى.
راجع في أحوال السفراء الأربعة رضي الله عنهم ، كل المؤلفات في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، وكذلك عامة كتب الرجال والتراجم .


الشيعة يتبركون بقبور السفراء الأربعة في بغداد

وقبورهم كلهم في بغداد رضوان الله عليهم ، فقد انتقل السفير الأول عثمان بن سعيد رحمه الله الى بغداد بعد سنة أو سنتين من وفاة الإمام العسكري عليه السلام كما دلت رواية أحمد بن محمد الدينوري ، ويظهر أنه توفي بعد سنوات قليلة فأوصى أن يقوم مقامه ابنه محمد الذي نص عليه الإمام العسكري عليه السلام فقال: (نعم واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم).(غيبة الطوسي/415) لكن لم أجد تاريخ وفاته رحمه الله مع أنهم نصوا على وصيته ومراسم غسله وقبره .
وقد وصف الشيخ الطوسي رحمه الله قبره وزيارته له فقال في الغيبة/358: (قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب ، المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب ، يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد رحمه الله . قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره ، وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد ، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا وعمل عليه صندوقاً ، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح ، وربما قالوا هو ابن داية الحسين عليه السلام ! ولايعرفون حقيقة الحال فيه ، وهو إلى يومنا هذا ، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة، على ما هو عليه).انتهى.
كما نص المحدثون على أن السفير الثاني أبو جعفر محمد بن عثمان رحمه الله توفي سنة305 ، وأن الإمام عليه السلام أخبره عن وفاته قبلها بشهرين ، فاستعد وحفر قبراً وكان يقرأ فيه القرآن وكتب على لوحة آيات القرآن وأسماء الأئمة عليهم السلام ليدفنها معه .
كما رووا أن وفاة الحسين بن روح رحمه الله كانت سنة326، في شعبان كما في غيبة الطوسي/386: (عن بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك رضي الله عنه . قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقد رويت عنه أخباراً كثيرة ).
أما وفاة علي بن محمد السمري فكانت سنة329، في النصف من شعبان، وقد وصف الطوسي رحمه الله قبره فقال في/396: (عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب . وذكر أنه مات رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة). انتهى. راجع للتفصيل: أعيان الشيعة:6/21، وتهذيب المقال:2/400 .
وقال السيد محمد صادق بحر العلوم في مقدمة علل الشرائع:
(أ- أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله وكان وكيلاً للأئمة الثلاثة أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري وأبي القاسم المهدي عليهم السلام ، قبره بالجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الميدان ، معروف يزار ويتبرك به الشيعة .
بـ- أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ابن النائب السابق وخليفته في مقامه بأمر الصاحب عليه السلام ، وهو المعروف بالخلاني توفي سنة305، آخر جمادى الأولى وكانت أيام سفارته وسفارة أبيه من قبل خمساً وأربعين سنة ، ابتدأت سنة 260 إلى سنة305 ه ، وقبره في الجانب الشرقي من بغداد عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله .
جـ- أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي رحمه الله تشرف بالنيابة من سنة 305 إلى أن توفى سنة326 ه ، في18 شعبان ، وقبره ببغداد في الجانب الشرقي في سوق العطارين يزار ويتبرك به ، وهو معروف باسم قبر الحسين بن روح .
د- أبو الحسين علي بن محمد السمري رحمه الله وهو آخر السفراء تشرف بالنيابة في 18 شعبان سنة326 إلى أن توفى سنة329 ه ، وهي آخر الغيبة الصغرى وأول الغيبة الكبرى ، وقبره في الجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الهرج والسراجين ، وهو معروف ومشهور يزار ويتبرك به) . انتهى.
وقال الشيخ حرز الدين في مراقد المعارف، عن قبر الكليني رحمه الله : (مرقده ببغداد في الجهة المؤدية إلى باب الكوفة بجانب الرصافة ، في الضفة الشرقية لنهر دجلة برأس الجسر القديم ، في جامع الصفوية المعروف بجامع الآصفية تحريفاً ! ثم بتكية المولوية... زرنا مرقد الشيخ الكليني لأول مرة سنة1305 ه ببغداد وكان قد دلنا على قبر الشيخ الكراجكي فضيلة الشيخ إمام الجامع والمقيم بنفس الجامع ، فكان رسم قبره دكة عالية بارتفاع ثلثي قامة إنسان خلف دكة قبر الشيخ الكليني قدس سره . وفي وقته لم نشاهد على الدكة الصخرة القديمة ورأينا رسم موضعها بعد قلعها ، وكان إلى جانب هذه الدكة رسم قبرين مردومين يظهر ذلك من الحجارة والأنقاض الباقية كالأكمتين . قلت: المعروف والمشهور أن بهذه الجهة الشرقية من الرصافة في تلك الأزمنة دور سكن متقاربة لوجوه علماء الشيعة الإمامية ، ومنها دار ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني التي صارت من بعد مسجداً ومقبرة له ولبعض وجوه علماء الشيعة ، ففي صدر هذا السوق المستطيل مع مجرى نهر دجلة المعروف بسوق الهرج تارة وسوق السراجين أخرى ، وبسوق السراي في زماننا المتأخر: مرقد الشيخ عثمان بن سعيد العمري ، وفي وسطه عند رأس الجسر العتيق مرقد الشيخ الكليني ، والشيخ الكراجكي، وأسفل منهما بيسير عند انحدار دجلة مرقد الشيخ علي بن محمد السمري في مسجد القبلانية) . (هامش كتاب: التعجب من أغلاط العامة للكراجكي/16).


كتب السفراء ومواريثهم العلمية وكتاب الكافي

شاء الله سبحانه أن يمتحن هذه الأمة فتكفل لها بحفظ القرآن فقط ، وترك لها سنة نبيه صلى الله عليه وآله مع أنه خاتم الرسل صلى الله عليه وآله ، فقد عمل النبي صلى الله عليه وآله بأمر ربه ولم يكتب سنته ، واكتفى بأن أخبر الأمة أن الكذابة ستكثر عليه ، وحذرهم من ذلك .
كما عمل صلى الله عليه وآله بأمر ربه وترك كتابة عهده لأمته الذي يضمن لها الهداية والسيادة على العالم الى يوم القيامة ، لأن طلقاء قريش لم يقبلوا وهددوا بإعلان الردة ، فاكتفى بالقول لهم: (ما أنا فيه خير مما تدعوني اليه ! قوموا عني) ، فطردهم من بيته وأخبرهم أنه ستجري عليهم سنن الأمم من قبلهم في الضلال والتفرق !
لكنه صلى الله عليه وآله كتب عدة كتب أملاها من فمه المقدس وكتبها علي عليه السلام بخط يده ، وورَّثها للأئمة من عترته عليهم السلام ، ومنها كتاب الجامعة الذي ورد أنه يحتوي على كل ما تحتاج اليه الأمة من أحكام الى يوم القيامة .
وعلى هذه السياسة النبوية سار أهل البيت عليهم السلام وكأنهم مأمورون بها، مع أنهم عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وآله الى غيبة خاتمهم عليهم السلام قرنين ونصفاً ، ولم يصدر عنهم إلا الصحيفة السجادية ، مع أنهم وقفوا ضد سياسة تغييب السنة ومنع التحديث والتدوين وأمروا المسلمين بكتابة الحديث والعلم ، وعرض عليهم عدد من تلاميذهم بعض مؤلفاتهم وأقروها ! ولبحث ذلك وتفصيله مجال آخر .
وقد ذكرت روايات السفيرين العمريين رحمهما الله أنه كان عندهما كتب في الفقه وتقدم قول الطوسي في الغيبة/363: ( كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتب مصنفة في الفقه مما سمعها من أبي محمد الحسن ومن الصاحب عليهما السلام ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد عليهما السلام فيها كتب ترجمتها: كتب الأشربة... وصلت إلى أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه عند الوصية إليه وكانت في يده... وأظنها قالت وصلت بعد ذلك إلى أبي الحسن السمري).
وفي الذريعة:2/106: (كتب الأشربة)في أبواب الفقه للشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمروي من ولد عمار بن ياسر كان وكيل الناحية المقدسة والمتولي للنيابة الخاصة نحو خمسين سنة إلى أن توفي سنة305 أو سنة304 حكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة...الخ. ) .
وفي الذريعة:3/210: (كتاب التأديب) للشيخ أبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ثالث النواب الأربعة والوكلاء الخواص للناحية المقدسة في الغيبة الصغرى المتوفى سنة326 ، روى الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة(ص190)عند ذكره الحسين بن روح عن مشايخه بأسنادهم إلى سلامة بن محمد قال: (أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه كتاب التأديب إلى قم وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شئ يخالفكم فكتبوا إليه أنه كله صحيح وما فيه شئ يخالف إلا قوله في الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع). انتهى.
وروى الطوسي رحمه الله في الغيبة/267، عن روح بن الحسين بن روح أن أباه قرأ كتاب الشلمغاني الذي ألفه قبل انحرافه ، من أوله إلى آخره، وقال: (ما فيه من شئ إلا وقد روى عن الأئمة عليهم السلام إلا موضعين أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها) .انتهى.
أقول: في هذا الجو ألف الكليني قدس سره كتابه الكافي في عشرين سنة ، وكان يسكن في بغداد في المحلة التي يسكن فيها السفراء رضي الله عنهم ، فليس بعيداً أن يكون تأليف الكتاب بتوجيههم ، وأن يكونوا قرؤوه كله أو جله . ولبحث ذلك مجال آخر .


* *

بقية الوكلاء في عصر السفراء الأربعة

الأسدي ، حاجز بن يزيد ، أحمد بن إسحاق ، أحمد بن محمد بن عيسى...

قال الطوسي في الغيبة/415: (قد ذكرنا جملاً من أخبار السفراء والأبواب في زمان الغيبة ، لأن صحة ذلك مبني على ثبوت إمامة صاحب الزمان عليه السلام وفي ثبوت وكالتهم وظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من انتموا إليه ، فلذلك ذكرنا هذا ، فليس لأحد أن يقول: ما الفائدة في ذكر أخبارهم فيما يتعلق بالكلام في الغيبة لأنا قد بينا فائدة ذلك ، فسقط هذا الإعتراض... وتابع الطوسي رحمه الله : وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل. منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله : أخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن صالح بن أبي صالح قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شئ ، فامتنعت من ذلك وكتبت أستطلع الرأي ، فأتاني الجواب: بالري محمد بن جعفر العربي فليدفع إليه فإنه من ثقاتنا. وروى محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن يوسف الشاشي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي: وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار وكتبت إلى الغريم بذلك فخرج الوصول ، وذكر: أنه كان له قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار وقال: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري . فورد الخبر بوفاة حاجز رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة فأعلمته بموته فاغتم . فقلت له: لا تغتم فإن لك في التوقيع إليك دلالتين ، إحداهما إعلامه إياك أن المال ألف دينار والثانية أمره إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعلمه بموت حاجز . وبهذا الإسناد عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت قال: عزمت على الحج وتأهبت فورد علي: نحن لذلك كارهون ، فضاق صدري واغتممت وكتبت أنا مقيم بالسمع والطاعة غير أني مغتم بتخلفي عن الحج ، فوقَّع: لا يضيقن صدرك فإنك تحج من قابل . فلما كان من قابل استأذنت فورد الجواب فكتبت إني عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته فورد الجواب: الأسدي نعم العديل فإن قدم فلا تختر عليه ، قال: فقدم الأسدي فعادلته... عن محمد بن شاذان النيشابوري قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً فلم أحب أن ينقص هذا المقدار ، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها إلى الأسدي ولم أكتب بخبر نقصانها وأني أتممتها من مالي ، فورد الجواب: قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون ! ومات الأسدي على ظاهر العدالة لم يتغير ولم يطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة: خرج التوقيع في مدحهم. روى أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر ، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات).انتهى.

أقول: والرواية التالية تعطينا صورة عن حالة السفراء ومدعي السفارة في بغداد: ففي دلائل الإمامة/282 (عن أحمد بن الدينوري السراج المكنى بأبي العباس الملقب بأستاره قال: انصرفت من أربيل إلى الدينور أريد الحج ، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ويحتاج أن تحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها ، قال فقلت يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت ، قال فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاحمله على ألا تخرجه من يدك إلا بحجة ، قال فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل فحملت ذلك المال وخرجت فلما وافيت قرميسين ، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها فصرت إليه مسلماً ، فلما لقيني استبشر بي ثم أعطاني ألف دينار في كيس وتخوت ثياب من ألوان معتمة لم أعرف ما فيها ، ثم قال لي أحمد: إحمل هذا معك ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة ، قال فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب ، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالبابية ، فقيل لي إن ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدعي بالبابية ، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعى بالبابية ، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعى بالبابية ، قال فبدأت بالباقطاني فصرت إليه فوجدته شيخاً بهياً له مروة ظاهرة وفرش عربي وغلمان كثير ويجتمع عنده الناس يتناظرون ، قال فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وبر وسر ، قال فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس ، قال فسألني عن حاجتي فعرفته أني رجل من أهل الدينور ومعي شئ من المال احتاج أن أسلمه ، قال لي: أحمله قال فقلت: أريد حجة ، قال تعود إليَّ في غد ، قال فعدت إليه من الغد فلم يأت بحجة ، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة ، قال فصرت إلى إسحاق الأحمر فوجدته شاباً نظيفاً ، منزله أكبر من منزل الباقطاني وفرشه ولباسه ومروته أسرى وغلمانه أكثر من غلمانه ، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني ، قال فدخلت وسلمت فرحب وقرب ، قال فصبرت إلى أن خف الناس فسألني عن حاجتي ، فقلت له كما قلت للباقطاني ، وعدت إليه ثلاثة أيام فلم يأت بحجة . قال فصرت إلى أبى جعفر العمري فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير ليس له غلمان ، ولا له من المروة والفرش ما وجدت لغيره ، قال فسلمت فرد جوابي وأدناني وبسط مني، ثم سألني عن حالي فعرفته أني وافيت من الجبل وحملت مالاً ، فقال إن أحببت أن يصل هذا الشئ إلى حيث يجب ، يجب أن تخرج إلى سر من رأى وتسأل عن دار ابن الرضا ، وعن فلان بن فلان الوكيل وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها ، فإنك تجد هناك ما تريد ، قال فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى ، وصرت إلى دار ابن الرضا وسألت عن الوكيل ، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له ، وسألني عن حالي وعما وردت له ، فعرفته أني حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن أسلمه بحجة ، قال فقال نعم ثم قدم إلي طعام وقال لي تغدى بهذا واسترح فإنك تعب ، وإن بيننا وبين الصلاة الأولى ساعة فإني أحمل إليك ما تريد ، قال فأكلت ونمت فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت وانصرفت ، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعه ، فجاءني ومعه درج فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار وفي كذا وكذا صرة فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، وصرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً ، إلى أن عد الصرار كلها ! وصرة فلان بن فلان المراغي ستة عشر ديناراً . قال فوسوس لي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني ، فما زلت أقرأ ذكر الصرة وذكر صاحبها ، حتى أتيت عليها على آخرها ، ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن البادراني أخي الصراف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً منها ثوب فلاني وثوب لونه كذا ، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها . قال فحمدت الله وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشك عن قلبي ، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرك أبو جعفر العمري ! قال فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري ، قال وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام ، قال فلما بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لمَ لمْ تخرج؟ فقلت يا سيدي من سر من رأى انصرفت ، قال فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا عليه السلام ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: إحمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، قال فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان وسلمتها ، وخرجت إلى الحج ، فلما انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا إليَّ وقرأته على القوم ، فلما سمع ذكر الصرة باسم الزراع سقط مغشياً عليه فما زلنا نعلله حتى أفاق سجد شكراً لله عز وجل وقال: الحمد لله الذي من علينا بالهداية ، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة ، هذه الصرة دفعها والله إلي هذا الزراع ولم يقف على ذلك إلا الله عز وجل .

 
18 أبريل 2010
48
0
0
قال فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن البادراني وعرفته الخبر ، وقرأت عليه الدرج قال: يا سبحان الله ما شككت في شئ فلا تشكن في أن الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجة . إعلم لما غزا أرتكوكين يزيد بن عبد الله بسهرورد وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه صار إليَّ رجل وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا ، قال فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أرتكوكين أولاً فأولاً وكنت أدافع الفرس والسيف إلى أن لم يبق شئ غيرهما ، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا ، فلما اشتد مطالبة أرتكوكين إياي ولم يمكنني مدافعته ، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار وزنتها ودفعتها إلى الخازن وقلت أدفع هذه الدنانير في أوثق مكان ولا تخرجن إليَّ في حال من الأحوال ولو اشتدت الحاجة إليها ، وسلمت الفرس والنصل ، قال فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور وأوفى القصص وآمر وأنهى إذ دخل أبو الحسن الأسدي ، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت وكنت أقضي حوائجه ، فلما طال جلوسه وعليه بؤس كثير ، قلت له ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك إلى خلوة فأمرت الخازن أن يهيئ لنا مكاناً من الخزانة فدخلنا الخزانة ، فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا فيها: يا أحمد بن الحسن الألف دينار التي لنا عندك ثمن النصل والفرس سلمها إلى أبي الحسن الأسدي . قال فخررت لله عز وجل ساجداً شاكراً لما منَّ به عليَّ وعرفت أنه خليفة الله حقاً ، فإنه لم يقف على هذا أحد غيرك، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار سروراً بما من الله عليَّ بهذا الأمر ). ومثله فرج المهموم/239، بتفاوت يسير ، وإثبات الهداة:3/701 ، أوله عن مناقب فاطمة وفرج المهموم ، والبحار:51/300 ، ومختصراً في الكافي:1/522 ودلائل الإمامة/285، ومثله الإرشاد/354 ، وغيبة الطوسي/171، والخرائج:1/464، وإعلام الورى/420 ، وإثبات الهداة:3/662 ، والبحار:51/311 .
أقول: هذا يدل على تشدد الشيعة في من ادعى السفارة ، وأنهم كانوا يطلبون المعجزة ويرونها على يد السفراء والوكلاء الموثقين رضوان الله عليهم . كما يظهر أن حاكم الري وبعض القادة كانوا شيعة ، وأن الإمام عليه السلام أرسل وكيله أبا الحسن الأسدي الى أحدهم ليقبض منهم الحمس ، وأخبره بنيته التي لم يطلع عليها أحد .
كما روى الصدوق في كمال الدين:2/488، توثيق حاجز بن يزيد والأسدي الوكيلين ، عن نصر بن الصباح البلخي ، وأن الإمام المهدي عليه السلام أمر بعضهم بأن يراجعهما وكانا في الري . ونحوه غيبة الطوسي/257 ، والخرائج:2/695، وعنهما إثبات الهداة:3/673 و693، عن كمال الدين والبحار:51/294 ، و326و363.
وفي خلاصة العلامة/117: (روى الكشي عن محمد بن مسعود قال: حدثني محمد بن نصير قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى أنه كان وكيلاً ، وهذا سند صحيح).
وفي الكافي:1/521 ، عن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي: ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا ، رُدَّ ما معك إلى حاجز بن يزيد). والهداية/90 ، ونحوه كمال الدين:2/499 ، والإرشاد/354 ، عن الكافي ، وإعلام الورى/420 ، وإثبات الهداة:3/662 و677. وشبيه به في كمال الدين:2/488 ، ودلائل الإمامة/287،وثاقب المناقب/261،ومنتخب الأنوار/126، وعنه إثبات الهداة:3/673، والبحار:51/327.


سياسة الأئمة عليه السلام في قبول الأخماس والنذور والهدايا

من الأمور الملفتة في الإسلام أن الله تعالى خصص مالية عظيمة لعترة النبي صلى الله عليه وآله على مدى الأجيال ، وقد اتفق المسلمون على أن هذا التشريع نزل مبكراً بعد معركة بدر فنزل قوله تعالى:وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ .(الأنفال:41) ، وهو تشريع ملفت عند أول واردات حصلت عليها الدولة الإسلامية وهي غنائم بدر . فسهم الله تعالى من الخمس لرسوله صلى الله عليه وآله ، والنصف الآخر يصرفه الرسول صلى الله عليه وآله على ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم . وقد اتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وآله بلغهم تكريم الله لبني هاشم ، وعين الصحابي محمية بن جزء مسؤولاً عن الخمس فكان يجمع اليه ويصرفه عليهم بأمر النبي صلى الله عليه وآله . ففي صحيح مسلم:3/118: (اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين الى رسول الله صلى الله عليه وآله فكلماه فأمَّرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس... فلما صلى رسول الله الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: أخرجا ما تصرران ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون . قال فسكت طويلاً... ثم قال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعوا لي محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال فجاءاه فقال لمحمية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس ، فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك ، وقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا... وروى حديثاً آخر فيه: ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) !
ونحوه أحمد:4/166، وعون المعبود:8/146، وفي الإستيعاب:4/1463: (واستعمله رسول الله صلى الله عليه وآله على الأخماس وأمره أن يصدق عن قوم بني هاشم في مهور نسائهم).
وفي الإصابة:6/37: (وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وآله على الأخماس) .
وفي تاريخ اليعقوبي:2/76: (وعلى المقاسم يوم بدر محمية بن جزء بن عبد يغوث الزبيدي حليف بني جمح).
وفي إمتاع الأسماع:1 /205: (وأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله الخمس من جميع المغنم فكان يليه محمية بن جزء، وكان يجمع إليه الأخماس وكانت الصدقات على حدتها). ورواه في شرح فتح القدير:2/273، وقال: (وكذا ما روى البخاري عنه عليه الصلاة والسلام نحن أهل البيت لا تحل الصدقة لنا ) . انتهى.
وليس غرضنا هنا بحث قضية الخمس وهي قضية كبيرة تحير فيها الخلفاء ثم الفقهاء ، وأقروا بها لكنهم لم يعطوا بني هاشم حقهم الشرعي ، خوفاً من قوتهم المالية مع قوتهم المعنوية !
بل غرضنا أن نبين السبب في أن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم ، تفاوت موقفهم من حقهم المالي الضخم المنصوص عليه في القرآن والسنة ، من الخمس وغيره فكانوا أحياناً يطالبون به كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام مع عمر فاستكثره عمر ولم يعطه ! وأحياناً يعرضون عنه ويتركونه في يد غاصبيه ،كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في فدك وغيرها ، وأحياناً يهبونه لشيعتهم لكي تَحِلَّ معيشتهم وتطيب ولادتهم ، وأحياناً يطلبون دفعه اليهم أو الى وكلائهم ، ويحذرون من أكل درهم واحد منه ! وهذا ما نلاحظه في سياسة الإمام الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام .
والسبب في تفاوت مواقفهم صلوات الله عليهم أن الصلاحية التي أعطاهم الله في هذه المالية واسعة ، فلهم تركها أو أخذها ، مع أنهم قد لايصرفون منها شيئاً لأنفسهم وإنما يصرفونها في عملهم لنصرة الإسلام ومصالح المؤمنين .
فأخذهم لحقهم عليهم السلام أو تركه يتبع هذه الحركة ، وقد اقتضت في عهود الأئمة المتأخرين عليهم السلام أن يتبنوا التشدد في هذا النظام المالي والإنفاق المفروض ، لكثرة فوائده ، من تعليم شيعتهم على الإرتباط بالله تعالى وبأئمتهم عليهم السلام ، ومن ظهور الآيات والكرامات والبركات لشيعتهم بهذا الإرتباط.. الى آخر الفوائد العديدة لذلك .
والأدلة على ما ذكرناه كثيرة من كلامهم صلوات الله عليهم ، كالذي رواه الصدوق عن الإمام المهدي#بسند صحيح في كمال الدين:2/483: (وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران . وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث . وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله عز وجل على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ولا حاجة في صلة الشاكين). وقال عليه السلام كما في غيبة الطوسي/172: ( إنه أنهيَ إليَّ ارتياب جماعة منكم في الدين ، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمورهم ، فغمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا ، لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره ، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ، ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا) .


تواتر رؤية الإمام عليه السلام في غيبته وتكذيب من ادعى السفارة

تقدمت رواية الصدوق رحمه الله في كمال الدين:2/516 ، حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب رضي الله عنه قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدس الله روحه ، فحضرته قبل وفاته بأيام ، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه . ومضى رضي الله عنه ، فهذا آخر كلام سمع منه). ومثله غيبة الطوسي/242، وإعلام الورى/417 ، والإحتجاج:2/478 ، والخرائج:3/1128 وثاقب المناقب/264، وكشف الغمة:3/320 ، وتاج المواليد/144 ، والصراط المستقيم:2/236 ، وفيه: فنسخت هذا التوقيع وقضى في اليوم السادس وقد كانت غيبته القصرى أربعة وستين سنة . ومنتخب الأنوار/130 ، وفيه: وقال: كانت وفاة الشيخ علي السمري المذكور في النصف من شعبان سنة 328 ، وعنها إثبات الهداة:3/693، والبحار:51/361 ، و:52/151 .
ويكفي لصحة هذا الحديث أن الصدوق رحمه الله رواه بواسطة واحدة عن السمري رحمه الله ، وهو الحسن بن أحمد المكتَّب رحمه الله الذي يروي عنه بإجلال ويترضى عنه في كتبه . قال في لسان الميزان:2/271: (قال علي بن الحكم في مشايخ الشيعة ، كان مقيماً بقم، وله كتاب في الفرائض أجاد فيه ، وأخذ عنه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه وكان يعظمه). انتهى.
راجع تهذيب المقال للأبطحي:2/372 ، ومستدركات علم رجال الحديث للنمازي:3/72 ، وتعليقة الوحيد البهبهاني/136، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي:2/198، و:3/35 ، وغيرها .
أقول: والإشكال الذي يخطر في الذهن هنا أن هذا الحديث يدل على عدم إمكان مشاهدة الإمام عليه السلام في غيبته الكبرى نهائياً، بدليل قوله#: ( ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر) ولكن ذلك اشتباه ، لأن المقصود بادعاء المشاهدة هنا ادعاء السفارة للإمام#لأن قوله عليه السلام قبله: ( فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك) يدل على أن مصب الكلام هو السفارة ، ويؤكده قوله عليه السلام : (وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة..) فالإدعاء المحكوم بكذبه هو الذي يأتي صاحبه الشيعة فيخبرهم بأنه يشاهد الإمام عليه السلام وأنه سفيره وواسطته الى الناس . فهذا هو المقصود بقوله عليه السلام : (ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر). وهذا ينطبق على عدد من مدعي مقام السفارة ولو لم يسموها سفارة ، فيجب ردهم وتكذيبهم ولا يجوز القبول منهم . ومن أيسر طرق ردهم أن نختبرهم بطلب معجزة كما كان اختبر الشيعة جعفر الكذاب والحلاج ، والشلمغاني ، وأضرابهم ، لأن هؤلاء ورثتهم وأشباههم شاؤوا أم أبوا .

وعليه ، فالذي يدعي مشاهدة الإمام عليه السلام في غيبته الكبرى وأنه سفيره أو أنه كلفه بتبليغهم شيئاً صغيراً أو كبيراً ، فهو كذاب مفتر لايجوز تصديقه ولا اتباعه .
أما الذي لا يأتي الشيعة ولا يدعي مقاماً ولا سفارة من الإمام عليه السلام ، بل يدعي أنه تشرف برؤيته عليه السلام ورأى منه كرامة ، أو أمره بأمر أو عمل لايتعلق بمقام السفارة وتبليغ شئ للناس، فلا يجب تكذيبه بل يجب تصديقه إذا تمت فيه شروط التصديق.
وبهذا نفسر ما تواتر من مشاهدته والتشرف بلقائه صلوات الله عليه في غيبته الطبرى ، من عدد كبير من الثقات الأجلاء العدول السالمي والفكر والدين والحواس والذين ظهر صدق عدد منهم بأدلة حسية .

* *



كذابون ادعوا السفارة والنيابة عن الأئمة عليهم السلام


أهل البيت عليهم السلام ينفون عن مذهبهم الغلو والإنحراف


مذهب أهل بيت النبوة عليهم السلام هو الوحي الإلهي النقيّ ، وقد كان وما زال ينفي عنه غلو الغالين وادعاء الكذابين نفياً بَتّاًً لا لين فيه ، كما ينفي تقصير المقصرين.
وقد سجلت مصادرنا موقف الأئمة الحاسم ممن ادعى لهم الألوهية أو الشراكة مع الله تعالى ، أو النبوة ، أو الحلول ، أو ادعى كذباً السفارة والوكالة عنهم عليهم السلام .
وأحد أسباب الغلو أن بعض الناس تعشي أبصارهم معجزات الأئمة عليه السلام ، فبدل أن تكون سبباً لتعميق إيمانهم بالله تعالى لما أكرم به أولياءه ، نراهم تضيق عقولهم عن عظمة الله تعالى وعطائه ويسول الشيطان لهم أن المخلوق إلهٌ ، أو تسول لأحدهم نفسه أن يدعي الألوهية لمخلوق ، وأن الله تعالى حلَّ فيه ، ليدعي بعد ذلك لنفسه أن الله حلَّ فيه !
وكما يدل هذا التأليه على ضيق عقول المغالين ، يدل على أن معجزات وكرامات أهل البيت عليهم السلام أمر واقع .
وقد كان موقفهم صلوات الله عليهم شديداً باتاً من أولئك الكفار حيث ردوا افتراءهم وعلموا الناس الخضوع والعبودية لله تعالى .
موقف أمير المؤمنين عليه السلام من الذين ألَّهُوه معاذ الله:
في مناقب آل أبي طالب:1/227: ( أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: أنت هو ، فقال له ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب ! فلما أبى حبسه واستتابه ثلاثة أيام فأحرقه بالنار ! وروي أن سبعين رجلاً من الزط أتوه عليه السلام بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلهاً بلسانهم وسجدوا له قال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم ! فأبوا عليه فقال: فإن لم ترجعوا عما قلتم فيَّ وتتوبوا إلى الله لأقتلنكم ، قال: فأبوا فخدَّ لهم أخاديد وأوقد ناراً فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ، ثم قال:

إني إذا أبصرت أمراً منكرا أوقدت ناراً ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حُفَراً فحُفَرا وقنبرٌ يخطم خطماً منكرا ).

والصحيح أنه عليه السلام لم يقتلهم دفعة واحدة بل حبسهم وبين لهم وأتم عليهم الحجة واستتابهم فلم يرجعوا ، ثم حفر لهم حفراً مثقوبة على بعضها ودخَّن عليهم ، فلم يتوبوا فقتلهم . قال ابن عبد البر في التمهيد:5/317: ( فاتخذوه ربا وادعوه إلهاً وقالوا له: أنت خالقنا ورازقنا ، فاستتابهم واستأنى وتوعدهم ، فأقاموا على قولهم، فحفر لهم حفراً دخن عليهم فيها طمعاً في رجوعهم فأبوا فحرقهم). ونحوه فتح الباري:12/238، وتاريخ الذهبي:3/643، وأنساب السمعاني:5/498 ، وشرح النهج:5/5 ، و:8/119، ورجال الطوسي:1/288.

* *

وكذلك موقف الإمام الصادق عليه السلام وبراءته ممن ادعى له الربوبية ولعنهم ، ففي رجال الطوسي:2/587: (عن أبي بصير قال قال لي أبو عبد الله:يا أبا محمد إبرأ ممن يزعم انا أرباب ، قلت: برئ الله منه ، قال: إبرأ ممن يزعم أنا أنبياء . قلت: برئ الله منه ... وفي أصل زيد الزراد رحمه الله /46، قال: (لما لبى أبو الخطاب بالكوفة وادعى في أبى عبد الله عليه السلام ما ادعى دخلت على أبي عبد الله مع عبيد بن زرارة فقلت له: جعلت فداك لقد ادعى أبو الخطاب وأصحابه فيك أمراً عظيماً إنه لبى لبيتك جعفر لبيك معراج ! وزعم أصحابه أن أبا الخطاب أسري به إليك فلما هبط إلى الأرض من ذلك دعا إليك ولذلك لبى بك ! قال: فرأيت أبا عبد الله عليه السلام قد أرسل دمعته من حماليق عينيه وهو يقول: يا رب برئت إليك مما ادعى فيَّ الأجدع عبد بنى أسد ! خشع لك شعري وبشرى عبدٌ لك ابن عبد لك خاضع ذليل . ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ثم رفع رأسه وهو يقول: أجل أجل عبد خاضع خاشع ذليل لربه صاغر راغم من ربه خائف وجل . لي والله ربٌّ أعبده لا أشرك به شيئاً ! ماله أخزاه الله وأرعبه ولا آمن روعته يوم القيامة ما كانت تلبية الأنبياء هكذا ولا تلبية الرسل ، إنما لبيت بلبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك ! ثم قمنا من عنده فقال يا زيد إنما قلت لك هذا لأستقر في قبري. يا زيد أستر ذلك عن الأعداء).انتهى. وقصده عليه السلام أن ينتبه زيد الزراد لئلا يستغل ذلك بنو العباس ضد الشيعة ويتهمونهم بعبادة أهل البيت عليهم السلام !
وفي الكافي:8/225: (عن مالك بن عطية: خرج إلينا أبو عبد الله عليه السلام وهو مغضب فقال: إني خرجت آنفا في حاجة فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي لبيك يا جعفر بن محمد لبيك ، فرجعت عودي على بدئي إلى منزلي خائفاً ذعراً مما قال حتى سجدت في مسجدي لربي وعفرت له وجهي وذللت نفسي وبرئت إليه مما هتف بي ! ولو أن عيسى بن مريم عدا ما قال الله فيه إذا لصُمَّ صماً لا يسمع بعده أبداً وعمي عمى لا يبصر بعده أبداً وخرس خرساً لا يتكلم بعد أبداً ، ثم قال: لعن الله أبا الخطاب و قتله بالحديد). وفي هامشه: واستجيب دعاؤه عليه السلام فيه ذكر الكشي أنه بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطاب وأصحابه لما بلغه أنهم قد أظهروا الإباحات ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب وأنهم مجتمعون في المسجد لزموا الأساطين يروون الناس أنهم لزموها للجادة ! وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً فلم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعد فيهم ، فلما جنه الليل خرج من بينهم فتخلص وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال وروى أنهم كانوا سبعين رجلاً).
وفي رجال الطوسي:2/584: (عن حنان بن سدير: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام ومُيَسِّر عنده ، ونحن في سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقال ميسر بياع الزطي: جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم، قال: ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب وأصحابه، وكان متكئاً فجلس فرفع أصبعه إلى السماء ثم قال: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد بالله أنه كافر فاسق مشرك وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدواً وعشياً ، ثم قال: أما والله اني لأنفس على أجساد أصليت معه النار) .
وفي معاني الأخبار/388: (قيل له: إن أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت فقال عليه السلام : لعن الله أبا الخطاب والله ما قلت له هكذا ولكني قلت: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك ، إن الله عز وجل يقول: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ويقول تبارك وتعالى:مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).

* *

وكذلك موقف الإمام الكاظم عليه السلام : ففي رجال الطوسي:2/587: عن ابن المغيرة قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن فقال يحيى: جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب؟ فقال: سبحان الله سبحان الله ، ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت ! قال ، ثم قال: لا والله ما هي الا وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ).

* *

وكذلك موقف الإمام الرضا عليه السلام : ففي معجم رجال الحديث:18/135: (قال الكشي(428): قال نصر بن صباح: محمد بن الفرات كان بغدادياً حدثني الحسين بن الحسن القمي قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثني العبيدي عن يونس قال: قال أبو الحسن الرضا عليه السلام : يا يونس أما ترى إلى محمد بن الفرات وما يكذب عليَّ؟ فقلت: أبعده الله وأسحقه وأشقاه فقال: قد فعل الله ذلك به ، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا ، يا يونس إنما قلت ذلك لتحذِّر عنه أصحابي وتأمرهم بلعنه والبراءة منه ، فإن الله يبرأ منه . قال سعد: وحدثني ابن العبيدي قال: حدثني أخي جعفر بن عيسى، وعلي ابن إسماعيل الميثمي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، أنه قال: آذاني محمد بن الفرات ، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد ، آذاني لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد عليه السلام بمثله وما كذب علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات ، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد . قال محمد بن عيسى: فأخبراني وغيرهما: أنه ما لبث محمد بن الفرات إلا قليلاًحتى قتله إبراهيم بن شكلة أخبث قتلة فكان محمد بن الفرات يقول: إنه باب وإنه نبي ، وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان ، لعنهما الله ).
وفي الإعتقادات للصدوق/99: (كان الرضا عليه السلام يقول في دعائه: اللهم إني أبرأ إليك من الحول والقوة فلا حول ولا قوة إلا بك . اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق . اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا . اللهم لك الخلق ومنك الأمر ، وإياك نعبد وإياك نستعين . اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين . اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ، ولا تصلح الإلهية إلا لك ، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك، والعن المضاهين لقولهم من بريتك . اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . اللهم من زعم أننا أرباب فنحن إليك منه براء ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليك منه براء كبراءة عيسى من النصارى . اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما يزعمون. رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِراً كَفَّاراً ).

* *

وكذلك موقف الإمام الهادي عليه السلام : ففي رجال الطوسي:2/805: (قال نصر بن الصباح: الحسن بن محمد المعروف بابن بابا، ومحمد بن نصير النميري، وفارس بن حاتم القزويني . لعن هؤلاء الثلاثة عليُّ بن محمد العسكري عليه السلام . وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن بابا القمي . قال سعد: حدثني العبيدي قال: كتب إلي العسكري عليه السلام ابتداءً منه: أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرأ منهما فإني محذرك وجميع مواليَّ ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكليْن يأكلان بنا الناس فتَّانيْن مؤذييْن آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً . يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ! عليه لعنة الله سخر منه الشيطان فأغواه فلعن الله من قبل منه ذلك ! يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ، فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة .
قال أبو عمرو: وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول، وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ويقول: بإباحة المحارم ، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ويقول إنه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات ، وأن الله لم يحرم شيئاً من ذلك. وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات(رئيس وزراء الخليفة)يقوي أسبابه ويعضده ، وذكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً وغلام له على ظهره وأنه عاتبه على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر ! وافترق الناس فيه وبعده فرقاً) .انتهى.

* *

أقول: وهناك عدد آخر ادعوا في الأئمة عليه السلام الألوهية أو الحلول وما شابه ، لكي يصلوا الى ادعاء حلول الله سبحانه فيهم أو حلول روح النبي صلى الله عليه وآله أو أرواح الأئمة عليهم السلام فيهم ويضلوا الناس ! ولا يتسع المجال لاستعراضهم جميعاً .
ومما يلاحظ أن أغلب هؤلاء المذمومين الذين صدر فيهم اللعن من الأئمة عليهم السلام كانوا شخصيات في عصرهم ، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء ، وهذا السبب في أنهم جمعوا أتباعاً وأسسوا مذاهب .
وطبيعي أن يتزايد هذا الخط التحريفي للإسلام والتشيع بعد وفاة الإمام العسكري وغيبة المهدي عليهما السلام ، وقد برز فيه الشريعي والنصيري النميري والحلاج والشلمغاني .
قال الطوسي رحمه الله في الغيبة/397:

ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً لعنهم الله
أولهم المعروف بالشريعي: أخبرنا جماعة عن أبي محمد التلعكبري ، عن أبي علي محمد بن همام قال: كان الشريعي يكنى بأبي محمد قال هارون: وأظن اسمه كان الحسن ، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي بعده عليهم السلام ، وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه ولم يكن أهلاً له وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام ونسب إليهم ما لايليق بهم وما هم منه براء ، فلعنته الشيعة وتبرئت منه ، وخرج توقيع الإمام عليه السلام بلعنه والبراءة منه . قال هارون: ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد ، قال: وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى.

* *
ومنهم محمد بن نصير النميري: قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال: كما محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى له البابية ، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل ، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه واحتجابه عنه ، وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي. قال أبو طالب الأنباري لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه ، فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر رضي الله عنه ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً . وقال سعد بن عبد الله: كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمد عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به ، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات، وأن الله عز وجل لا يحرم شيئاً من ذلك ! وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده . أخبرني بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره قال: فلقيته فعاتبته على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر . قال سعد فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها ، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدك ؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد ، فلم يدروا من هو فافترقوا بعده ثلاث فرق ، قالت فرقة: إنه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وفرقة قالت: إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد ، فتفرقوا فلا يرجعون إلى شئ !

* *
ومنهم أحمد بن هلال الكرخي: قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد عليه السلام فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان رضي الله عنه بنص الحسن عليه السلام في حياته ، ولما مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه فقالوا: قد سمعه غيرك فقال: أنتم وما سمعتم ووقف على أبي جعفر ، فلعنوه وتبرؤا منه ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن !

* *
ومنهم: أبو طاهر محمد بن علي بن بلال: وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه ، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج فيه من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف . وحكى أبو غالب الزراري قال: حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال: كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة ، ثم إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب قال: كنت عند أبي طاهر بن بلال يوماً وعنده أخوه أبو الطيب وابن حرز وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال: أبو جعفر العمري على الباب ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال: يدخل ، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس ، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم إلى أن سكتوا . ثم قال: يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إليَّ ؟ فقال: اللهم نعم . فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة ، فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه ، فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان؟ قال: قد وقع علي من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان ، فكان هذا سبب انقطاعي عنه .

* *
ومنهم الحسين بن منصور الحلاج: أخبرنا الحسين بن إبراهيم ، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه ، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممن تجوز عليه مخرقته وتتم عليه حيلته ، فوجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله ، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ويتشوف بانقياده على غيره ، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة ، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم ، ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان عليه السلام - وبهذا أولاً كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره- وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر . فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلا انكشف أمري عندهن ، فصار القرب بعداً والوصال هجراً ، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته وتجعل لحيتي سوداء فإني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلى مذهبك ، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة ! فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه ، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً وصيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة يطنَّز به عند كل أحد ، وشهَّر أمره عند الصغير والكبير ، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه . وأخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه خرقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات؟ فقال له الرجل- وأظن أنه قال إنه ابن عمته أو ابن عمه- فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته وضحكوا منه وهزئوا به ، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه . قال: فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار أقبل على بعض من كان حاضراً ، فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له: تسأل عني وأنا حاضر؟ فقال له أبي: أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك فقال له: تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها ؟ فقال له أبي: فأنت الرجل إذاً ! ثم قال: يا غلام برجله وبقفاه ، فخرج من الدار العدو لله ولرسوله ثم قال له: أتدعي المعجزات عليك لعنة الله أو كما قال ! فأخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم !

* *
ومنهم ابن أبي العزاقر: أخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن أحمد بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه قال: حدثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه قالت:كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام ، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً ، فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه ، حتى انكشف ذلك لأبي القاسم رضي الله عنه فأنكره وأعظمه ونها بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه فلم ينتهوا وأقاموا على توليه . وذاك أنه كان يقول لهم: إنني أذعت السر وقد أخذ عليَّ الكتمان ، فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته . فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله وأقام على توليه ، فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاء عظيماً ، ثم قال: إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الإبعاد ، فمعنى قوله: لعنه الله أي باعده الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ومرغ خديه على التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر . قالت الكبيرة رضي الله عنها: وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت علي رجلي تقبلها فأنكرت ذلك! وقلت لها: مهلاً يا ستي فإن هذا أمر عظيم ، وانكببت على يدها ، فبكت ثم قالت: كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها وكيف ذاك يا ستي؟ فقالت لي: إن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالسر ! قالت: فقلت لها: وما السر ؟ قالت: قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت قالت: وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الإستثناء بالشيخ رضي الله عنه يعني أبا القاسم الحسين بن روح . قالت: إن الشيخ أبا جعفر قال لنا: إن روح رسول الله صلى الله عليه وآله انتقلت إلى أبيك يعني أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه، وروح أمير المؤمنين عليه السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك ، فكيف لا أعظمك يا ستنا . فقلت لها: مهلاً لا تفعلي فإن هذا كذب يا ستنا ، فقالت لي: هو سر عظيم وقد أخذ علينا أننا لا نكشف هذا لأحد فالله الله فيَّ لا يحل لي العذاب ، ويا ستي فلو لا أنك حملتيني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد غيرك ! قالت الكبيرة أم كلثوم رضي الله عنها: فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي ، فقال لي: يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله . قالت: فهجرت بني بسطام وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث ، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلاً عن موالاته . ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع . وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة ننزه كتابنا عن ذكرها ذكرها ابن نوح وغيره . وكان سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح رضي الله عنه واشتهر أمره وتبرأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك ، لم يمكنه التلبيس فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه: إجمعوا بيني وبينه حتى آخذ يده ويأخذ بيدي ، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلا فجميع ما قاله فيَّ حق ، ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه وقتله ، فقتل واستراحت الشيعة منه .
وقال أبو الحسن محمد بن أحمد بن داود: كان محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر لعنه الله يعتقد القول بحمل الضد ، ومعناه أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة للولي إلا بطعن الضد فيه ، لأنه يحمل سامعي طعنه على طلب فضيلته فإذا هو أفضل من الولي ، إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلا به ! وساقوا المذهب من وقت آدم الأول إلى آدم السابع لأنهم قالوا: سبع عوالم وسبع أوادم ، ونزلوا إلى موسى وفرعون ومحمد وعلي مع أبي بكر ومعاوية . وأما في الضد فقال بعضهم: الولي ينصب الضد ويحمله على ذلك ، كما قال قوم من أصحاب الظاهر: إن علي بن أبي طالب عليه السلام نصب أبا بكر في ذلك المقام ! وقال بعضهم: لا ولكن هو قديم معه لم يزل قالوا: والقائم الذي ذكر أصحاب الظاهر أنه من ولد الحادي عشر فإنه يقوم معناه إبليس لأنه قال: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إلا إبليس فلم يسجد ، ثم قال: لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، فدل على أنه كان قائماً في وقت ما أمر بالسجود ثم قعد بعد ذلك ! وقوله: يقوم القائم: إنما هو ذلك القائم الذي أمر بالسجود فأبى وهو إبليس لعنه الله . وقال شاعرهم لعنهم الله:

* *
ما الضدُّ إلا ظاهرُ الوليِّ
يا لاعناً للضد من عَديّ
ِوالحمد للمهيمن الوفي
ولا حجامٍ ولا جَغْديِّ
نعم وجاوزتُ مدى العبديّ
لأنه الفرد بلا كيفيِّ
مخالط النوري والظلْمِيّ
ِوجاحداً من بيت كسرويِّ
في الفارسي الحسب الرضيِّ
لستُ على حال كحماميِّ
قد فُقت من قولي على الفهديِّ
ِفوق عظيم ليس بالمجوسيِّ
متحد بكل أوحديِّ
يا طالباً من بيت هاشميِّ
قد غاب في نسبة أعجميِّ
كما التوى في العُرْب من لؤيِّ !

وقال الصفواني: سمعت أبا علي بن همام يقول: سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول: الحق واحد وإنما تختلف قمصه ! فيوم يكون في أبيض ، ويوم يكون في أحمر ، ويوم يكون في أزرق . قال ابن همام: فهذا أول ما أنكرته من قوله لأنه قول أصحاب الحلول ! وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام أن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم ولا طريقاً له ، ولا نصبه أبو القاسم لشئ من ذلك على وجه ولا سبب ، ومن قال بذلك فقد أبطل ، وإنما كان فقيهاً من فقهائنا وخلط وظهر عنه ما ظهر وانتشر الكفر والإلحاد عنه . فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة ممن تابعه وشايعه وقال بقوله ! وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد ، قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي وكان شيخاً مستوراً ، قال: سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول: لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف قال الشيخ يعني أبا القاسم رضي الله عنه: أطلبوه إلي لأنظره فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره، فقال: ما فيه شئ إلا وقد روي عن الأئمة إلا موضعين أو ثلاثة ، فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله .
وأخبرني جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود وأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أنهما قالا: مما أخطأ محمد بن علي في المذهب في باب الشهادة أنه روى عن العالم عليه السلام أنه قال: إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه عنه ولم يكن له من البينة عليه إلا شاهد واحد وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته ، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهده عنده لئلا يتوي حق امرئ مسلم . واللفظ لابن بابويه وقال: هذا كذب منه ولسنا نعرف ذلك . وقال: في موضع آخر كذب فيه.
نسخة التوقيع الخارج في لعنه: أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن همام قال: خرج على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة في لعن ابن أبي العزاقر والمداد رطب لم يجف . وأخبرنا جماعة عن ابن داود قال: خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني ، وأنفذ نسخته إلى أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة . قال ابن نوح: وحدثنا أبو الفتح أحمد بن ذكا ، مولى علي بن محمد بن الفرات رحمه الله قال: أخبرنا أبو علي بن همام بن سهيل بتوقيع خرج في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة . قال محمد بن الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري: أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة ، وأملاه أبو علي وعرفني إن أبا القاسم رضي الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنه في يد القوم وحبسهم فأمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن ، فتخلص وخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله . التوقيع: عرفك الله الخير أطال الله بقاءك وعرفك الخير كله وختم به عملك من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أسعدكم الله وقال ابن داود: أدام الله سعادتكم من تسكن إلى دينه وتثق بنيته جميعاً بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني ، زاد بن داود وهو ممن عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن الإسلام وفارقه - اتفقوا - وألحد في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى وافترى كذباً وزوراً وقال بهتاناً وإثماً عظيماً .كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً ، وإننا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم منه ، ولعناه عليه لعائن الله- زاد بن داود تترى - في الظاهر منا والباطن في السر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال ، وعلى من شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول منا وأقام على توليه بعده... قال هارون: وأخذ أبو علي هذا التوقيع ولم يدع أحداً من الشيوخ إلا وأقرأه إياه ، وكوتب من بعد منهم بنسخته في ساير الأمصار ، فاشتهر ذلك في الطائفة فاجتمعت على لعنه والبراءة منه . وقتل محمد بن علي الشلمغاني في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة .
ذكر أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ أبى جعفر محمد بن عثمان العمري ، وأبي دلف المجنون . أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي قال: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول: أما أبو دلف الكاتب لا حاطه الله فكنا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو ، ثم جن وسلسل ، ثم صار مفوضاً وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به ، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة ، والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به . وقد كنا وجهنا إلى أبي بكر البغدادي لما ادعى له هذا ما ادعاه فأنكر ذلك وحلف عليه ، فقبلنا ذلك منه فلما دخل بغداد مال إليه وعدل عن الطائفة وأوصى إليه ، لم نشك أنه على مذهبه فلعناه وبرئنا منه ، لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري رحمه الله فهو كافر منمس ضال مضل ، وبالله التوفيق .
وذكر أبو عمرو محمد بن محمد بن نصر السكري قال: لما قدم ابن محمد بن الحسن بن الوليد القمي من قبل أبيه والجماعة على أبي بكر البغدادي وسألوه عن الأمر الذي حكي فيه من النيابة أنكر ذلك وقال: ليس إلي من هذا شئ ، وعرض عليه مال فأبى وقال: محرم علي أخذ شئ منه فإنه ليس إلي من هذا الأمر شئ ولا ادعيت شيئاً من هذا ، وكنت حاضراً لمخاطبته إياه بالبصرة .
وذكر ابن عياش قال: اجتمعت يوماً مع أبي دلف فأخذنا في ذكر أبي بكر البغدادي فقال لي: تعلم من أين كان فضل سيدنا الشيخ قدس الله روحه وقدس به على أبي القاسم الحسين بن روح وعلى غيره؟ فقلت له: ما أعرف قال: لأن أبا جعفر محمد بن عثمان قدم اسمه على اسمه في وصيته ، قال: فقلت له: فالمنصور إذاً أفضل من مولانا أبي الحسن موسى عليه السلام قال: وكيف؟ قلت: لأن الصادق عليه السلام قدم اسمه على اسمه في الوصية ! فقال لي: أنت تتعصب على سيدنا وتعاديه ، فقلت: والخلق كلهم تعادي أبا بكر البغدادي وتتعصب عليه غيرك وحدك ، وكدنا نتقاتل ونأخذ بالأزياق . وأمر أبي بكر البغدادي في قلة العلم والمروة أشهر ، وجنون أبي دلف أكثر من أن يحصى لا نشغل كتابنا بذلك ولا نطول بذكره ، وذكر ابن نوح طرفاً من ذلك . وروى أبو محمد هارون بن موسى ، عن أبي القاسم الحسين بن عبد الرحيم الابراروري قال: أنفذني أبي عبد الرحيم إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه في شئ كان بيني وبينه فحضرت مجلسه وفيه جماعة من أصحابنا وهم يتذاكرون شيئاً من الروايات وما قاله الصادقون عليهم السلام حتى أقبل أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي ابن أخي أبي جعفر العمري رضي الله عنه ، فلما بصر به أبو جعفر رضي الله عنه قال للجماعة: أمسكوا فإن هذا الجائي ليس من أصحابكم . وحكي أنه توكل لليزيدي بالبصرة فبقي في خدمته مدة طويلة وجمع مالاً عظيماً فسعي به إلى اليزيدي فقبض عليه وصادره وضربه على أم رأسه حتى نزل الماء في عينيه ، فمات أبو بكر ضريراً .
وقال أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه: إن أبا دلف محمد بن مظفر الكاتب كان في ابتداء أمره مخمساً مشهوراً بذلك ، لأنه كان تربية الكرخيين وتلميذهم وصنيعتهم، وكان الكرخيون(أتباع الكرخي)مخمسة لايشك في ذلك أحد من الشيعة ، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به ويقول: نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح يعني أبا بكر البغدادي . وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أن تحصى ، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا) . انتهى. والمخمسة مذهب حلولي اخترعه الكرخي .

* *
وقال الطوسي رحمه الله في/351: (فأما المذمومون منهم فجماعة: فروى علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل الهمداني وكان يتولى له فقال له: جعلت فداك إجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني أنفقتها ، فقال له أبو جعفر: أنت في حل . فلما خرج صالح من عنده قال أبو جعفر عليه السلام : أحدهم يثب على أموال آل محمد وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، فيأخذه ثم يقول إجعلني في حل! أتراه ظن بي أني أقول له لا أفعل ! والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً .
ومنهم علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ، كلهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى عليه السلام وكان عندهم أموال جزيلة فلما مضى أبو الحسن موسى عليه السلام وقفوا طمعاً في الأموال ودفعوا إمامة الرضا عليه السلام وجحدوه ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى فلا نطول بإعادته . ومنهم فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني على مارواه عبد الله بن جعفر الحميري قال كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى علي بن عمرو القزويني بخطه: إعتقد فيما تدين الله تعالى به أن الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه ، وهو فارس لعنه الله فإنه ليس يسعك إلا الإجتهاد في لعنه وقصده ومعاداته والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه . ما كنت آمر أن يدان الله بأمر غير صحيح ، فجدَّ وشد في لعنه وهتكه وقطع أسبابه، وصدَّ أصحابنا عنه وإبطال أمره وأبلغهم ذلك مني واحكه لهم عني ، وإني سائلكم بين يدي الله عن هذا الأمر المؤكد، فويل للعاصي وللجاحد. وكتبت بخطي ليلة الثلاثاء لتسع ليال من شهر ربيع الأول سنة خمسين ومائتين، وأنا أتوكل على الله وأحمده كثيراً . ومنهم أحمد بن هلال العبرتائي ، روى محمد بن يعقوب قال: خرج إلى العمري في توقيع طويل اختصرناه: ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ابن هلال لا رحمه الله وممن لايبرأ منه فأعْلِم الإسحاقي وأهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سألك ويسألك عنه . ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال، وغيرهم مما لا نطول بذكرهم لأن ذلك مشهور موجود في الكتب). انتهى.


ملاحظات على نصوص الشيخ الطوسي قدس سره
1- يلاحظ وجود أشخاص من الطبقة الحاكمة أو الغنية مع الشلمغاني والنصيري ، كآل فرات وآل بسطام ، وقد يكون بعضهم مغرراً به ، وقد يكون بعضهم مدفوعاً من السلطة لتأييد حركة الإنحراف والكفر ، لأجل الطعن بالشيعة ومحاربتهم !

2- يلاحظ أن شجب الإمام عليه السلام لحركات الإنحراف كان شديداً حاسماً يتناسب مع خطورتها على الإسلام ، وأن جمهور الشيعة كانوا يمتثلون أمره عليه السلام بمجرد أن يبلغهم من سفيره المعتمد .

3- موقف أبي سهل النوبختي ووالد الصدوق رحمهما الله من الحلاج وطلبهما من معجزة تدل على أنه سفير الإمام المهدي عليه السلام هو الموقف الصحيح من كل من يدعي أي نوع من السفارة للإمام عليه السلام والوساطة عنه للناس !
ولكن الذي حدث في عصرنا أن بعضهم ادعى السفارة والنيابة ، بل ادعى أنه خليفة الإمام عليه السلام ووصيه ! وتبعهم عدد من الجهال والمغرضين ، ولم يطلبوا منهم معجزة تدل على صدقهم ،بل قبلوا منهم الظنون والأوهام ، وبنوا عليها دينهم !

4- جعلت السلطة موقف الشيعة السلبي من أبي بكر وعمر ذنباً لهم يستحقون به الكفر ، وحكم فقهاء مذاهبها بقتل الشيعة لذلك ! فشكل ذلك ضغطاً اجتماعياً وسياسياً عليهم ، لذلك اختار بعض مدعي البابية كالشلمغاني وابن نصير مقولة الضد المحمود لإظهار ضده ! وأن أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية أضداد محمودة لإظهار كمال الأئمة من اهل البيت عليهم السلام ، وسيأتي في مذهب الشلمغاني .

5- مضافاً الى ما تقدم عن مدعي السفارة الكذابين ، نورد المزيد عن أشهرهم:


السريعي أو الشريعي ووارثه ابن نصير

واسمه محمد بن موسى، وقيل اسمه الحسن ، وكان أبوه كاتباً في ديوان الخلافة والكاتب قريب من رتبة وزير في عصرنا ، وكان صاحبه الخصيص به محمد بن نصير النميري ، ولهما علاقة ببعض بني الفرات الوزراء !
وكان الشريعي أول أمره شيعياً مستقيماً: (من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ، وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان عليه السلام ، وكذب على الله وحججه عليهم السلام ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ، ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد).(الإحتجاج:2/289) والصحيح في نسبته السريعي بالسين ، قال السمعاني في الأنساب:3/252: (السريعي بفتح السين المهملة ، وكسر الراء وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ، وفي آخرها العين المهملة . هذه النسبة إلى بني سريع ، وهم من المعافر ، والمنتسب إليهم أبو قبيل حي بن هانئ بن ناصر بن تبيع السريعي المعافري ، عمل مقتل عثمان بن عفان وهو باليمن، وقدم مصر في أيام معاوية). وأنساب ابن الأثير:2/115، وفي لب اللباب/136: (نسبة) إلى بني سرع بطن من المعافر).
ولعل إسم الشريعي جاءهم من مصر ، ففي مستدركات أعيان الشيعة:1/100: (فتألفت لجنة فيها(لمناهج الدراسة)ضمت سبع عشرة شخصية كبرى من أبرزهم: أحمد تيمور باشا ، محمد باشا الشريعي، رفيق بك العظم ، الدكتور شبلي شميل، الخ.).انتهى.

وكان أبوه موسى السريعي شيعياً معروفاً عند كبار موظفي الخلافة ، فقد حدث عنه في أمالي الطوسي/320 ، عن الفضل بن محمد بن أبي طاهر الكاتب قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن موسى السريعي الكاتب قال: حدثني أبي موسى بن عبد العزيز قال: لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني، وقال لي: بحق نبيك ودينك ، من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة، من هو من أصحاب نبيكم؟ قلت: ليس هو من أصحابه هو ابن بنته، فما دعاك إلى المسألة عنه؟ فقال: له عندي حديث طريف . فقلت: حدثني به . فقال: وجه إليَّ سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل ، فصرت إليه فقال لي: تعال معي فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي(العباسي)فوجدناه زائل العقل متكئاً على وسادة وإذا بين يديه طست فيها حشو جوفه ، وكان الرشيد استحضره من الكوفة ، فأقبل سابور على خادم كان من خاصة موسى فقال له: ويحك ما خبره؟ فقال له: أخبرك أنه كان من ساعة جالساً وحوله ندماؤه وهو من أصح الناس جسماً وأطيبهم نفساً إذ جرى ذكر الحسين بن علي، قال يوحنا هذا الذي سألتك عنه، فقال موسى: إن الرافضة لتغلو فيه حتى إنهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به ! فقال له رجل من بني هاشم كان حاضراً: قد كانت بي علة غليظة فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي أن آخذ من هذه التربة فأخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت أجده . قال: فبقي عندك منها شئ؟ قال: نعم، فوجه فجاءوه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن تداوى بها واحتقاراً وتصغيراً لهذا الرجل الذي هذه تربته ! فما هو إلا أن استدخلها دبره حتى صاح: النار النار الطست الطست ، فجئناه بالطست فأخرج فيها ما ترى! فانصرف الندماء وصار المجلس مأتماً ، فأقبل عليَّ سابور فقال: أنظر هل لك فيه حيلة؟ فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده وطحاله ورئته وفؤاده خرج منه في الطست فنظرت إلى أمر عظيم فقلت: ما لأحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتى ! فقال لي سابور: صدقت ولكن كن هاهنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره، فبتُّ عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه ، فمات وقت السحر . قال محمد بن موسى: قال لي موسى بن سريع: كان يوحنا يزور قبر الحسين وهو على دينه ، ثم أسلم بعد هذا وحسن إسلامه) . انتهى.
ويظهر أن الشريعي كان أبرز تلاميذ أستاذه ابن حسكة القمي ، وكان دينهم الكفر برسول الله صلى الله عليه وآله وتأليه الأئمة عليهم السلام وادعاء أن الله تعالى حل فيهم ! ولا بد أن تكون نسبة القمي لوجوده فترة من عمره في قم ، فقد كان أهل قم يخرجون المنحرفين منها .
قال في البحار:25/317: (رجال الكشي: قال نصر بن الصباح: موسى السواق له أصحاب علياوية يقعون في محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ! وعلي بن الحسكة الجوَّاز القمي كان أستاذ القاسم الشعراني اليقطيني . وابن بابا ومحمد بن موسى الشريعي كانا من تلامذة علي بن حسكة ملعونون لعنهم الله . وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين علي بن حسكة وفارس بن حاتم القزويني.أقول: ثم روى الكشي روايات في لعن فارس وأن أبا الحسن العسكري عليه السلام أمر جنيداً بقتله فقتله وحرض على قتل جماعة أخرى من الغلاة كأبي السمهري ابن أبي الزرقاء). انتهى.
وهذا يعني أنهم كانوا كفاراً متأثرين بالفلسفة المجوسية في الحلول ، لكن الشريعي لم يعلن طعنه بالنبي صلى الله عليه وآله ، ففي مقالات الإسلاميين/7: (أصحاب الشريعي يزعمون أن الله حل في خمسة أشخاص: في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة فهؤلاء آلهة عندهم، وليس يطعن أصحاب الشريعي على النبي ولا يقولون عنه ما حكيناه عن الصنف الذي ذكرناه قبلهم . وقالوا: لهذه الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله خمسة أضداد ، فالأضداد أبو بكر وعمر عثمان ومعاوية وعمرو بن العاص ، وافترقوا في الأضداد على مقالتين: فزعم بعضهم أن الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها ، فهي محمودة من هذا الوجه ! وزعم بعضهم أن الأضداد مذمومة وأنها لا تحمد بحال من الأحوال، وحكي أن الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه ، وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري يقولون أن البارئ كان حالاً في النميري).انتهى.
لكن النميري لم يصل الى ذلك إلا بعد قطع مراحل من الإدعاءات ! ففي غيبة الطوسي/398: (قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال: كما محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان ، أنه صاحب إمام الزمان وادعى البابية ، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل ، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه واحتجابه عنه، وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي).
وفي الإحتجاج:2/289: (وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن عليه السلام ، فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان ، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد عليه السلام ويقول بالإباحة للمحارم . وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد عليه السلام ، ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان ، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان وبالبراءة منه ، في جملة من لعن وتبرء منه ، وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري، لعنهم الله ، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ، ونسخته: عرِّف أطال الله بقاك وعرَّفك الله الخير كله وختم به عملك، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم: بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله قد ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادعى ماكفر معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذباً وزوراً وقال بهتاناً وإثماً عظيماً ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً ، وأنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته، منه ولعناه ، عليه لعاين الله تترى في الظاهر منا والباطن في السر والجهر وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على توليه بعده. أعلمهم تولاك الله أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ماكنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من: السريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم ، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة ، وبه نثق وإياه نستعين، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل).
وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي:18/317: ( محمد بن نصير النميري: قال الكشي(383 ): قال أبو عمرو: وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري ، وذلك أنه أدعى أنه نبي رسول وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ! وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بإباحة المحارم ، ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ويقول: إنه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات وأن الله لم يحرم شيئاً من ذلك ! وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات يقوي أسبابه ويعضده ، وذكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً وغلام على ظهره فرآه على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر ! وافترق الناس فيه بعده فرقاً....لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه فبلغه ذلك ، فقصد أبا جعفر ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه، فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً.. الى آخر ما في غيبة الطوسي/398 .
وفي خلاصة الأقوال/387: (قال الكشي: قال نصر: الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ومحمد بن نصير النميري وفارس بن حاتم القزويني ، لعن هؤلاء الثلاثة علي بن محمد عليهما السلام . وقال في فارس بن حاتم: انه متهم غال . ثم قال: وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني ، وروى أن أبا الحسن أمر بقتله فقتله جنيد . قال سعد: وحدثني جماعة من أصحابنا العراقيين وغيرهم بهذا الحديث عن جنيد ، ثم سمعته انا بعد ذلك من جنيد).
خلاصة الأقوال/405: (محمد بن نصير بالنون المضمومة والصاد المهملة والياء قبل الراء . قال ابن الغضائري: قال لي أبو محمد بن طلحة بن علي بن عبد الله بن غلالة: قال لنا أبو بكر بن الجعابي: كان محمد بن نصير من أفاضل أهل البصرة علماً وكان ضعيفاً بدؤ النصيرية واليه ينسبون )
وفي قاموس الرجال:9/624: (وعنون الخلاصة بعد محمد بن نصير النميري: محمد بن نصير، قائلاً: قال ابن الغضائري: قال أبو محمد بن طلحة بن علي بن عبد الله بن غلالة: قال لنا أبو بكر الجعابي: كان محمد بن نصير من أفاضل أهل البصرة علماً وكان ضعيفاً ، منه بدو النصيرية وإليه ينسبون . أقول: وقال النوبختي: وقد شذت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له: محمد بن نصير النميري، وكان يدعي أنه نبي بعثه الهادي)...الخ.
وقال الشيخ في رجاله في أصحاب العسكري عليه السلام : محمد بن نصير غال . وزاد الغيبة على ما نقل: وقال سعد:كان النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمد أرسله ! وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ! وزاد بعد خبره الرابع: وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده . وفي خبره الخامس: وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، لا كما نقل . وخبر الكشي مع كلامه ذاك في موضع واحد عنونه مع ابن بابا وفارس في طي الغلاة في وقت الهادي عليه السلام ، وحينئذ فخبره الثاني إما الفهري فيه محرف النميري ، وإما المراد به محمد بن حصين الفهري المتقدم وسقط اسمه من العنوان ، وإلا فالفهري والنميري لايجتمعان . ويظهر باقي تحريفات الكشي من الغيبة والفرق ومنها قوله: وافترق الناس فيه وبعده ، فإنه محرف "وافترقوا في وصيه بعده".
هذا، وعنون الخلاصة تارة محمد بن نصر وقال من أصحاب أبي محمد عليه السلام غال . وأخرى: محمد بن نصير النميري وقال: لعنه علي بن محمد العسكري . وثالثة: محمد بن نصير النميري ، ونقل عن ابن الغضائري عن ابن غلالة عن الجعابي أنه كان بدو النصيرية وإليه ينسبون كما مر ، مع أن الأصل في الثلاثة واحد ، وقد أخذ الأول عن رجال الشيخ مع التحريف، والثاني عن الكشي، والثالث عن ابن الغضائري .
هذا، وفي أنساب السمعاني: ( النصيري بضم النون نسبة إلى طائفة من غلاة الشيعة يقال لهم: النصيرية نسبوا إلى رجل اسمه نصير وكان في جماعة قريباً من سبعة عشر نفساً كانوا يزعمون أن عليا هو الله وكان ذلك زمن علي فأمر بهم فأحرقوا وهرب منهم نصير واشتهر عنه هذا الكفر) ! وأظن أنه خلط بين محمد بن نصير هذا وبين عبد الله بن سبأ المتقدم توهماً منه أن النصيري نسبة إلى مسمى بنصير ، مع أنه نسبة إلى محمدابن نصير ).
وفي الذريعة:3/268: (تاريخ العلويين . تأليف محمد أمين بن علي غالب بن سليمان آقا ابن إبراهيم آقا المنتهي نسبه على ما ذكره المؤلف في الكتاب إلى يعرب بن قحطان ، وذكر أن العلويين القاطنين في سواحل بحر الشام في عدة بلاد وعاصمتهم اللاذقية وهم أتباع محمد بن نصير النميري كلهم شيعة اثنا عشرية معتقدون بإمامة الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام وإنما ينكرون نيابة النواب الأربعة ويكذبونهم ويقولون إن باب الإمام العسكري كان السيد أبا شعيب محمد بن نصير البصري النميري ، وبعده أبو محمد عبد الله بن محمد الحنان الجنبلاني ، المولود سنة 235والمتوفى سنة287، واليه تنسب الطريقة الجنبلانية، وبعده تلميذه السيد حسين بن حمدان الخصيبي المولود سنة260والمتوفى سنة346 ، كان يسكن جنبلان ثم رحل إلى حلب وبها ألف الهداية الكبرى لحاكمها سيف الدولة بن حمدان ، وكان له وكلاء منهم السيد علي الجسري وكيله في بغداد . أقول: تظهر الحقائق بالرجوع إلى ترجمة محمد بن نصير والحسين بن حمدان في كتب الغيبة وكتب رجالنا). انتهى.
هذا وتجد جملة من أخبار محمد بن نصير وغلو أتباعه فيه ، في كتاب الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي .

محمد بن نصير آخر
يوجد بهذا الإسم أكثر من محمد بن نصير ، قال في هامش جامع الرواة:2/208: (يظهر من العلامة في المختلف وعدة أن محمد بن نصير الذي يروى عنه العياشي هو الثقة الآتي لا النميري الغالي ، لأنه طعن في رواية محمد بن مسلم في مسألة المبطون بأن في رجالها ابن بكير وهو فطحي ولم يطعن فيها بمحمد بن نصير مع وجوده فيها والراوي عنه العياشي . وأيضاً قد عد الرواية المذكورة فيه من الموثقات وكذا في المدارك وكشف اللثام ، وهو يدل أيضاً على كون محمد بن نصير فيها ليس بالنميري فتأمل . ولا يذهب عليك أن مراعاة الطبقة لاتأبى عن كونه النميري لأن العياشي يروى عن عبدالله بن محمد بن خالد الطيالسي، وهو من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام كالنميري).وفي قاموس الرجال:12/31: (الخلدي هو: أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير بن قاسم المعروف بالخلدي. روى أمالي ابن الشيخ في أول جزئه الرابع عشر عن أبيه عن ابن مخلد عن هذا خمسة أخبار، وفي الأول سماه باسمه وفي الباقي عبر بالعنوان، ثم بعد ثمانية أخبار عاد فروى بالإسناد عنه بالعنوان..).


كذابون صغار بالجملة
مضافاً الى تقدم من المذمومين ممن كذبوا وادعوا السفارة للإمام عليه السلام أو الحلول ، نجد في المصادر عدداً كبيراً من الكذابين الصغار الذين لم يؤثروا في عصرهم أو العصور المسلمين وبادت دعواتهم والحمد لله ، وهذه نصوص في بعضهم:
رجال الطوسي:2/816: (عن أبي حامد أحمد بن إبراهيم المراغي قال: ورد على القاسم بن العلاء نسخة ما خرج من لعن ابن هلال وكان ابتداء ذلك، أن كتب عليه السلام إلى قوامه بالعراق: إحذروا الصوفي المتصنع ! قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنه قد كان حج أربعاً وخمسين حجة ، عشرون منها على قدميه . قال: وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه وأنكروا ما ورد في مذمته ، فحملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في أمره . فخرج إليه: قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت لم يزل ، لا غفر الله له ذنبه ولا أقاله عثرته يداخل في أمرنا بلا إذن منا ولا رضى يستبد برأيه ، فيتحامي من ديوننا ، لا يمضي من أمرنا الا بما يهواه ويريد ، أراده الله بذلك في نار جهنم ، فصبرنا عليه حتى تبر الله بدعوتنا عمره . وكنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا في أيامه لا رحمه الله ، وأمرناهم بالقاء ذلك إلى الخاص من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا رحمه الله ، وممن لا يبرء منه . واعلم الإسحاقي سلمه الله وأهل بيته مما أعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين ، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك ، فإنه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يؤديه عنا ثقاتنا ، قد عرفوا بأننا نفاوضهم سرنا ، ونحمله إياه إليهم وعرفنا ما يكون من ذلك انشاء الله تعالى . وقال أبو حامد: فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه ، فعاودوه فيه فخرج: لا شكر الله قدره ، لم يدع المرء ربه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه ، وأن يجعل ما من به عليه مستقراً ولا يجعله مستودعاً ! وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته ، فأبدله الله بالايمان كفراً حين فعل ما فعل ، فعاجله الله بالنقمة ولا يمهله ، والحمد الله لا شريك له ، وصلى الله على محمد وآله وسلم ) .
كمال الدين:2/489 ، عن محمد بن الصالح: ولما ورد نعي ابن هلال لعنه الله جاءني الشيخ فقال لي: أخرج الكيس الذي عندك ، فأخرجته إليه فأخرج إلي رقعة فيها: وأما ما ذكرت من أمر الصوفي المتصنع يعني الهلالي فبتر الله عمره ، ثم خرج من بعد موته: فقد قصدنا ، فصبرنا عليه فبتر الله تعالى عمره بدعوتنا). وعنه إثبات الهداة:3/674 ، والبحار:51/328 .
وفي التحرير الطاووسي/516: (محمد بن الفرات. ورد فيه آثار متعددة تقتضي ذمة الفظيع وإن كان في الطريق جميعاً إشكال . ومما ورد قال محمد بن عيسى: فأخبراني، إشارة إلى أخيه جعفر وعلي بن إسماعيل الميثمي، وغيرهما أنه ما لبث محمد بن فرات إلا قليلاً حتى قتله إبراهيم ابن شكلة ، وكان محمد بن الفرات يدعي أنه باب وأنه نبي، وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان ، لعنهما الله) . وفي نقد الرجال:4/333: (من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام ... وكأن هذا هو المذكور من قبل بعنوان: محمد بن موسى بن الحسن بن فرات) .
وفي خلاصة الأقوال/423: ( قال الفضل بن شاذان في بعض كتبه: إن من الكذابين المشهورين: علي بن حسكة ، والعباس بن صدقة ، وأبو العباس الطبرناني ، وأبو عبد الرحمان الكندي المعروف بشاه رئيس منهم أيضاً . وقال نصر بن الصباح: العباس بن صدقة ، وأبو العباس الطبرناني ، وأبو عبد الرحمان الكندي المعروف بشاه رئيس من الغلاة الكبار الملعونين) .
وفي عيون المعجزات/146 ، عن الحصني قال: خرج في أحمد بن عبد العزيز توقيع أنه قد ارتد ، فتبين ارتداده بعد التوقيع بأحد عشر يوماً ) .


* *


الحسين بن منصور الحلاج
اتفق رأي الشيعة وعامة فقهاء المذاهب وعامة المؤرخين ، على أن الحلاج ادعى ادعاءات خطيرة خرج بها عن ملة الإسلام . ولم يخالف في ذلك إلا بعض الصوفية ، وتبعهم كافة الباحثين الغربيين ، ومن تأثر بهم !


رأي علمائنا في الحلاج
تقدم أن الشيخ الطوسي نص على أن توقيع الشلمغاني يشمل الحلاج ، وتقدمت روايته قول السفير الثاني محمد بن عثمان لابنته: (يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفرٌ بالله تعالى وإلحاد ، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله).
وقد ارتضى الشيخ الطوسي في الغيبة 397 ، القول بأن كل المدعين للسفارة غرضهم النهائي أن يكونوا مثل الحلاج ، ومعناه: (قال: وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه ، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية ، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى ).
كما روى رأي عدد من كبار علمائنا فيه ، منهم أبو سهل النوبختي ، ومنهم والد الصدوق الذي جبه الحلاج وطرده من قم .
وقال المفيد في تصحيح اعتقادات الإمامية/134: (والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف ، وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول ، ولم يكن الحلاج يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف ، وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ويدعون للحلاج الأباطيل ، ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات ، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات ، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم ، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس) .
الصراط المستقيم:1/104: (إن قيل: فقد ظهر عن حسين بن منصور الحلاج وغيره من المشايخ أمور خارقة للعادة ، فلا دلالة في ذلك على الإمامة . قلنا: إن صح ذلك فهو من الحيل المشهورة لهم وقد وقفت على كشف أسرارهم والتمويه على أتباعهم والله سبحانه أجل من أن يخرق العادة للكذابين ، وقد علم أن الحلاج دعا أصحابه إلى أنه المغني ! وفي هذا تجسيم الرب تعالى) !
مستدرك سفينة البحار:5/231: (في23 ذي القعدة قتل حسين بن منصور الحلاج اللعين الصوفي ، الذي خرج التوقيع الشريف من الإمام بلعنه) .
الحدائق الناضرة:1/12: (ومن ذلك أيضاً ما خرج عن الأئمة المتأخرين صلوات الله عليهم أجمعين في لعن جماعة ممن كانوا كذلك ، كفارس بن حاتم القزويني ، والحسن بن محمد بن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، وابن أبي العزاقر ، وأبي دلف ، وجمع كثير ممن يتسمى بالشيعة ويظهر المقالات الشنيعة من الغلو والإباحات والتناسخ ونحوها ، وقد خرجت في لعنهم التوقيعات عنهم عليهم السلام في جميع الأماكن والبراءة منهم).
الإثنا عشرية للحر العاملي/180: (وقد تقدم بعض ما ورد في أبي يزيد مع الحلاج(عن الغيبة للطوسي)وقد قال في بعض كلامه: سبحاني سبحاني ما أعظم شاني ! وقال: ليس في جبتي سوى الله ! فانظر إلى من هذا كلامه وهذه دعواه واعتقاده الذي هو أعظم الكفر والإلحاد ! ولا سبيل إلى تأويله ولا ضرورة له إلى إطلاقه لو كان يريد به خلاف ظاهره لا ما هو نص فيه . وقد عرفت في أحاديث الباب الثاني أنه لا يجوز تأويل كلامهم وذلك النص المشار إليه موافق لغيره من الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الحكم على المقر بإقراره ، وما يقتضيه من إسلام أو كفر أو ارتداد أو قتل أو مال . وليت شعري كيف تعيَّن تأويل هذا الكفر والإلحاد وأمثاله من أقوالهم وأفعالهم ؟! ولو فتح هذا الباب لما أمكن الحكم بارتداد أحد ولا فسقه ولا ثبوت حد عليه ولا مال ولا قصاص ! فإن باب التأويل واسع وذلك يستلزم بطلان الشريعة وهدمها ، والتأويل إنما يلزم إذا عارضه من كلام ذلك القائل ما هو صريح في المخالفة لا يحتمل التأويل وكان القائل معصوماً ، وإلا لزم الحكم عليه بتغيير الإعتقاد فيحكم على غير المعصوم بحكمين في وقتين ! وفي مثل هذا بل فيما دونه ما يرتاب به اللبيب العاقل لاحتمال كون الإسلام إن ثبت ساعة والكفر طول العمر ! وأي ضرورة بنا إلى حسن الظن بأمثال هؤلاء فضلاً عن تقليدهم في الأصول والفروع ومتابعتهم فيما ليس بمعقول ولا مشروع .
فصل: وأما أهل هذا الزمان من الصوفية فمن نظر في أحوالهم علم أنهم مساوون لسادتهم وكبرائهم في تلك الأوصاف الذميمة والمعايب القبيحة ، والعيان كاف عن البرهان ، ولنذكر بطريق التنبيه والإشارة أقساماً كلية يندرج كل فرد منهم تحت قسم منها أو قسمين فصاعداً ونقتصر على اثني عشر قسماً..). انتهى. وذكر آراءهم المنحرفة !
شخصية الحلاج التي صنعها المتصوفة
تعليقة الوحيد البهبهاني/149: (قوله الحسين بن منصور في الوجيزة فيه ذم كثير ، وفي البلغة بلغ بعض الأجلة من الشيعة في مدحه حتى ادعوا أنه من الأولياء مثل صاحب مجالس المؤمنين وصاحب محبوب القلوب وغيرهما ، ولا يخلو من غرابة. انتهى. وسيجئ في ترجمة المفيد ره ان من كتبه كتاب الرد على أصحاب الحلاج ).
فيض الإله في ترجمة القاضي نور الله/43: (قال الفاضل الكشميري في كتاب نجوم السماء في ضمن ترجمة القاضى قدس سره ما محصله: لا يخفى أن ما ذكره القاضى السيد نور الله التسترى في كتاب مجالس المؤمنين وغيره من مدح جماعة من الصوفية وحسن الظن بهم كمدح الحسين بن منصور الحلاج الذي صدر التوقيع المشتمل على لعنه من مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ، كما نقله علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم في كتبهم المعتبرة ، ومثل مدح سفيان الثوري وأبى يزيد البسطامي ومحيي الدين العربي وأضرابهم من متقدمي الصوفية ومتأخريهم ، من الذين ثبت عند علماء الإمامية فساد مذهبهم وسوء عقيدتهم ، لايستلزم تصوف القاضي المادح لهم ، لأن مدح شخص لاينحصر في اختيار مسلكه وقبول مذهبه ، بل ما ذكره القاضي في كتبه من مدح أعاظم علماء الإمامية وأكابرهم كالشيخين الجليلين ابن بابويه والمفيد وغيرهما من أعيان العلماء من الذين قدحوا في الصوفية وطعنوا على طريقتهم وشنعوا على سيرتهم وأظهروا براءتهم منهم ، يشعر ببراءته ونزاهة ساحته من مذهب جماعة الصوفية وطريقتهم المبتدعة .
وأيضاً مما يدل على المطلوب كتابه إحقاق الحق لأنه مع اشتماله على سائر المباحث من توحيد الله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته ومباحث النبوة والإمامة والمعاد وغير ذلك ، لايظهر منه أن اعتقاده يوافق أقوال أهل التصوف ويخالف أصول علماء الإمامية كالقول بوحدة الوجود وغير ذلك من الأمور التي زعم الصوفية حقانيتها وأثبت الإمامية بطلانها . بل السيد المذكور أثبت عقائد الإمامية الثابتة عند علمائهم بالدلائل الوافية والبراهين الشافية إثباتاً لا مزيد عليه ، وذلك ينافي التصوف وهو المطلوب. ومما يويد هذا المدعى ما كتبه بعض الأعاظم على ظهر نسخة من مجالس المؤمنين بعد نقل العبارة التي نقلناها فيما سبق من تذكرة علي قلي خان الداغستاني وهو: الحق أن المساعى الجميلة التى بذلها السيد نور الله في إعلاء كلمة الحق وتشييد بنيان الدين وترويج مذهب الإمامية الحقة أكثر وأوضح من أن يحتاج الى البيان ، بل هي أظهر من الشمس وأبهر من الأمس وعلو مراتب تصانيفه وسمو مقامات كتبه ، واضح عند من كان من أولي العلم والكياسة وذوي الفهم والفراسة ، ولا سترة عليه ولا خفاء فيه بوجه من الوجوه .
وأيضاً لايخفى أن تصوف القاضى رحمه الله لايستفاد من مطاوي كلامه وتضاعيف مرامه في كتبه وتأليفاته ورسائله وتحقيقاته ، بنهج واضح وطريق جلي بحيث يمكن أن يستدل به على كونه من الصوفية . نعم يؤخذ منها أنه كان له رحمه الله حسن ظن ببعض المتصوفة وأين هذا من ذاك؟ لأن مدح بعض الأشخاص لاينحصر في اختيار مسلكه لأن الأغراض والغايات متفاوتة بحسب الأزمنة والأوقات ، ومختلفة بحسب الأمكنة والمقامات، ومدح القاضي رحمه الله للعلماء والأعاظم الذين صرحوا بلعن الصوفية وبراءتهم منهم أدل دليل). انتهى.
أقول: قام أتباع الحلاج ومحبوه بصناعة شخصية محببة للحلاج ، فرووا له كلمات رنانة ، وكذبوا له قصصاً فتانة ، فصار الحلاج في عالم التصوف والفلسفة والعرفان غير الحلاج في عالم العيان ! وتأثر بذلك الحلاج الوهمي بعض العلماء من السنة والشيعة ، وكذلك الأمر في ابن عربي .
وكان الأحرى بالدفاع عن القاضي الشهيد نور الله التستري قدس سره وأمثاله أن نقول إنه عالم كبير دافع عن المذهب الحق والأئمة الطاهرين صلى الله عليه وآله واستشهد بسبب ذلك ، لكنه اشتبه في حسن ظنه بالحلاج وابن عربي اشتباهاً كبيراً ، ولو قرأ عن شخصيته أكثر وتعمق لما وقع في هذا الإشتباه قدس سره .

خلاصة سيرة الحلاج وشخصيته
يبلغ ما كتبته مصادر التاريخ والسير عن الحلاج نحو مجلد ، ونحوه ما كذبه أتباع الحلاج من أقواله وقصصه . أما ما كتبوه حوله في عصرنا من رسائل جامعية ومقالات وبحوث عن عرفانه وعشقه لله تعالى وظلامته وماساته ، فيبلغ أضعافاً !
وفيما يلي خلاصة عن شخصيته من أوثق المصادر وأقدمها:
تاريخ الطبري:8/255: (ثم دخلت سنة إحدى وثلثمائة...وفيهاأحضر دار الوزير علي بن عيسى رجل ذكر أنه يعرف بالحلاج ويكنى أبا محمد ، مشعوذ ، ومعه صاحب له ، سمعت جماعة من الناس يزعمون أنه يدعى الربوبية فصلب هو وصاحبه ثلاثة أيام كل يوم من ذلك من أوله إلى انتصافه ثم ينزل بهما فيؤمر بهما إلى الحبس ، فحبس مدة طويلة فافتتن به جماعة منهم نصر القشوري وغيره إلى أن ضج الناس ودعوا على من يعيبه وفحش أمره وأخرج من الحبس فقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه ثم أحرق بالنار ).
أنساب السمعاني:2/292: ( الحلاج: بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام ألف ، هذه النسبة إلى حلج القطن والمشهور بها أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج... وكان جده مجوسياً اسمه محمي من أهل بيضاء فارس ، نشأ الحسين بواسط وقيل بتستر وقدم بغداد فخالط الصوفية وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد وأبا الحسين النوري وعمرو بن عثمان المكي.... وتلمذ لسهل بن عبد الله سنين ثم صعد إلى بغداد وكان بالأوقات يلبس المسوح ، وبالأوقات يمشي بخرقتين مصبغ ، ويلبس بأوقات الدراعة والعمامة ، ويمشي بالقباء أيضاً على زي الجند ، وأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثمان عشرة سنة ثم خرج بخرقتين إلى عمرو بن عثمان المكي وإلى الجنيد بن محمد وأقام مع عمرو بن عثمان ثمانية عشر شهراً....ثم رجع إلى بغداد مع جماعة من الفقراء ، ثم عاد إلى مكة وجاور سنة ورجع إلى بغداد وقصد الجنيد ... ورجع إلى تستر وأقام نحو سنة، ووقع له عند الناس قبول عظيم حتى حسده جميع من في وقته ، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب في أمره إلى خوزستان ويتكلم فيه بالعظائم حتى حرد(غضب ،أي الحلاج) ورمى بثياب الصوفية ولبس قباء وأخذ في صحبة أبناء الدنيا ، ثم خرج وغاب عنا خمس سنين إلى خراسان وما وراء النهر ورحل إلى سجستان وكرمان ، ثم رجع إلى فارس فأخذ يتكلم على الناس ويتخذ المجلس ويدعو الخلق إلى الله ، وكان يعرف بفارس بأبي عبد الله الزاهد وصنف لهم تصانيف... ثم خرج إلى البصرة وأقام مدة يسيرة ، وخرج ثانيا إلى مكة ولبس المرقعة والفوطة وخرج معه في تلك السفرة خلق كثير وحسده أبو يعقوب النهر جوري فتكلم فيه فرجع إلى البصرة وأقام شهراً وجاء إلى الأهواز ورجع إلى بغداد ومكة ، ثم وقع له أن يدخل بلاد الشرك ويدعو الخلق إلى الله فقصد الهند والصين وتركستان ورجع وحج وجاور ثم رجع إلى بغداد واقتنى العقار وبنى داراً .
تاريخ بغداد:8/112: ( وأقام ببغداد سنة واحدة ، ثم قال لبعض أصحابه: إحفظ ولدي حمد إلى أن أعود أنا ، فإني قد وقع لي أن أدخل إلى بلاد الشرك وأدعو الخلق إلى الله عز وجل وخرج . فسمعت بخبره أنه قصد إلى الهند ثم قصد خراسان ثانياً ودخل ما وراء النهر وتركستان... ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة ، فقام وحج ثالثاً وجاور سنتين ، ثم رجع وتغير عما كان عليه في الأول واقتنى العقار ببغداد وبنى داراً....فكان يقول قوم إنه ساحر . وقوم يقولون مجنون ، وقوم يقولون له الكرامات وإجابة السؤال ، واختلفت الألسن في أمره حتى أخذه السلطان وحبسه) .
تاريخ بغداد:8/116: (سمعت محمد بن علي الكتاني يقول: دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء أمره ، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته ، قال السوسي: أخذنا منها قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانق من كثرة رياضته وشدة مجاهدته..... علي بن أحمد الحاسب قال: سمعت والدي يقول: وجهني المعتضد إلى الهند لأمور أتعرفها ليقف عليها ، وكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور ، وكان حسن العشرة طيب الصحبة ، فلما خرجنا من المركب ونحن على الساحل والحمالون ينقلون الثياب من المركب إلى الشط فقلت له: إيش جئت إلى هاهنا؟ قال: جئت لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى الله تعالى قال: وكان على الشط كوخ وفيه شيخ كبير فسأله الحسين بن منصور: هل عندكم من يعرف شيئاً من السحر؟ قال: فأخرج الشيخ كبة غزل وناول طرفه الحسين بن منصور ، ثم رمى الكبة في الهواء فصارت طاقة واحدة ، ثم صعد عليها ونزل ! وقال للحسين بن منصور: مثل هذا تريد؟ ثم فارقني ولم أره بعد ذلك إلا ببغداد.... سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول: كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا ، إلا أنه أظهر وكتمت . قال: وسمعت منصورا يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: وقف الشبلي عليه وهو مصلوب ، فنظر إليه وقال: ألم ننهك عن العالمين...
سمعت جعفر بن أحمد يقول: سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول: الحسين بن منصور مموه مُمَخْرِق . قال أبو عبد الرحمن: وحكى عن عمرو المكي أنه قال: كنت أماشيه في بعض أزقة مكة ، وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا ! ففارقته....سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول: لو قدرت عليه لقتلته بيدي فقلت إيش الذي وجد الشيخ عليه؟ قال: قرأت آية من كتاب الله فقال: يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به . قال: وسمعت أبا زرعة الطبري يقول: سمعت أبا يعقوب الأقطع يقول: زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده ، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر .
لما قدم بغداد يدعو ، استغوى كثيراً من الناس والرؤساء ، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله في طريقهم فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه ، وكان أبو سهل من بينهم مثقفاً فهماً فطناً ، فقال أبو سهل لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها قد تأتي فيها الحيل ولكن أنا رجل غزل ولا لذة لي أكبر من النساء وخلوتي بهن، وأنا مبتلى بالصلع حتى إني أطول قحفي وآخذ به إلى جبيني وأشده بالعمامة واحتال فيه بحيل ومبتلى بالخضاب لستر المشيب ، فإن جعل لي شعراً ورد لحيتي سوداء بلا خضاب آمنت بما يدعوني إليه كائناً ما كان ! إن شاء قلت إنه باب الإمام وإن شاء الإمام وإن شاء قلت إنه النبي وإن شاء قلت إنه الله !! قال: فلما سمع الحلاج جوابه أيس منه وكف عنه..... سمعت أبا بكر بن سعدان يقول: قال لي الحسين بن منصور: تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تطرح من ذرقها وزن حبة على كذا مناً من نحاس فيصير ذهباً؟! قال: فقلت له: بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء ، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك؟ قال فبهت وسكت).
تاريخ بغداد: 8/123: (عن سعدان قال: قال لي الحسين بن منصور: تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تطرح من ذرقها وزن حبة على كذا منا من نحاس فيصير ذهباً؟! قال:فقلت له: بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء ، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك؟ قال فبهت وسكت... ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة... فأقام في الحبس سنين كثيرة ، ينقل من حبس إلى حبس حتى حبس بأخرة في دار السلطان فاستغوى جماعة من غلمان السلطان وموَّه عليهم واستمالهم بضروب من حيله حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفهونه ! ثم راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها فاستجابوا له ، وتراقى به الأمر حتى ذكر انه ادعى الربوبية... وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله ، فأمر أمير المؤمنين بتسليمه إلى حامد بن العباس ، وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة ، ويجمع بينه وبين أصحابه ، فجرى في ذلك خطوب طوال ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر له عنه ، فأمر بقتله وإحراقه بالنار . فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة ، فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط ، وقطعت يداه ورجلاه ، وضربت عنقه ، وحرقت جثته بالنار ، ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد ، وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.... قال أبو بكر بن حمشاذ: حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها بالليل ولا بالنهار ، ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه: من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان ، فوجه إلى بغداد قال: فأحضر وعرض عليه فقال: هذا خطي وأنا كتبته ، فقالوا: كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية؟! فقال: ما أدعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع عندنا هل الكاتب إلا الله وأنا واليد فيه آلة ؟! فقيل: هل معك أحد ؟ فقال: نعم ابن عطاء ، وأبو محمد الحريري ، وأبو بكر الشبلي . وأبو محمد الحريري يستتر ، والشبلي يستتر ، فإن كان فابن عطاء . فأحضر الحريري فسئل فقال: هذا كافر يقتل ومن يقول هذا ؟ وسئل الشبلي فقال: من يقول هذا يمنع . ثم سئل بن عطاء عن مقالة الحلاج فقال بمقالته فكان سبب قتله..... لما أرادوا قتل الحسين بن منصور أحضر لذلك الفقهاء والعلماء وأخرجوه وقدموه بحضرة السلطان فسألوه.... سمعت فارساً البغدادي يقول: لما حبس الحلاج قيد من كعبه إلى ركبته بثلاثة عشر قيداً وكان يصلى مع ذلك في كل يوم وليله ألف ركعة !.... قال لنا أبو عمر بن حيويه:لما أخرج حسين الحلاج ليقتل مضيت في جملة الناس ولم أزل أزاحم حتى رأيته فقال لأصحابه: لا يهولنكم هذا ، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً ثم قتل... والوزير إذ ذاك حامد بن العباس فانتهى إليه أن الحلاج قد موَّهَ على جماعة من الحشم والحُجَّاب في دار السلطان ، وعلى غلمان نصر القشوري الحاجب وأسبابه ، بأنه يحيي الموتى وأن الجن يخدمونه ويحضرون ما يختاره ويشتهيه ، وأظهر أنه قد أحيا عدة من الطير ! وأظهر أبو علي الأوارجي لعلي بن عيسى أن محمد بن علي القنائي وكان أحد الكتاب يعبد الحلاج ويدعو الناس إلى طاعته ، فوجه علي بن عيسى إلى محمد بن علي القنائي من كبس منزله وقبض عليه وقرره علي بن عيسى فأقر أنه من أصحاب الحلاج ، وحمل من داره إلى علي بن عيسى دفاتر ورقاعاً بخط الحلاج فالتمس حامد بن العباس من المقتدر بالله أن يسلم إليه الحلاج ومن وجد من دعاته....فقبض حامد عليهم وناظرهم فاعترفوا أنهم من أصحاب الحلاج ودعاته وذكروا لحامد أنهم قد صح عندهم أنه إله وأنه يحيى الموتى وكاشفوا الحلاج بذلك فجحده وكذبهم وقال: أعوذ بالله أن أدعى الربوبية أو النبوة وإنما أنا رجل أعبد الله وأكثر الصوم والصلاة وفعل الخير ولاأعرف غير ذلك).

تاريخ بغداد:8/133: (فكتب(القاضي أبو عمر)بإحلال دمه وكتب بعده من حضر المجلس ، ولما تبين الحلاج الصورة قال: ظهري حمى ودمي حرام وما يحل لكم ان تتأولوا على بما يبيحه ، واعتقادي الإسلام ، ومذهبي السنة وتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح ، ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين فالله الله في دمي ، ولم يزل يردد هذا القول والقوم يكتبون خطوطهم إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه ، ونهضوا عن المجلس . ورد الحلاج إلى موضعه الذي كان فيه ، ودفع حامد ذلك المحضر إلى والدي وتقدم إليه أن يكتب إلى المقتدر بالله بخبر المجلس وما جرى فيه وينفذ الجواب عنها ، فكتب الرقعتين وأنفذ الفتوى درج الرقعة إلى المقتدر بالله ، وأبطأ الجواب يومين فغلط ذلك على حامد ولحقه ندم على ما كتب به ، وتخوف أن يكون قد وقع غير موقعه ، ولم يجد بداً من نصرة ما عمله فكتب بخط والدي رقعة إلى المقتدر بالله في اليوم الثالث يقتضي فيها ما تضمنته الأولى ويقول: إن ما جرى في المجلس قد شاع وانتشر، ومتى لم يتبعه قتل الحلاج افتتن الناس به ولم يختلف عليه اثنان ويستأذن في ذلك، وأنفذ الرقعة إلى مفلح ، وسأله إيصالها وتنجيز الجواب عنها وإنفاذه إليه ، فعاد الجواب من المقتدر بالله من غد ذلك اليوم من جهة مفلح بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله وأباحوا دمه ، فلتحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة، وليتقدم إليه بتسلمه وضربه ألف سوط ، فإن تلف تحت الضرب وإلا ضرب عنقه ، فَسُرَّ حامد بهذا الجواب وزال ما كان عليه من الاضطراب ، وأحضر محمد بن عبد الصمد وأقرأه إياه ، وتقدم إليه بتسلم الحلاج فامتنع من ذلك وذكر أنه يتخوف أن ينتزع فأعلمه حامد أنه يبعث معه غلمانه حتى يصيروا به إلى مجلس الشرطة في الجانب الغربي ، ووقع الإتفاق على أن يحضر بعد عشاء الآخرة ومعه جماعة من أصحابه ، وقوم على بغال مؤكفة يجرون مجرى الساسة ، ليجعل على واحد منها ويدخل في غمار القوم ، وأوصاه بأن يضربه ألف سوط فإن تلف حز رأسه واحتفظ به وأحرق جثته ، وقال له حامد: إن قال لك أجرى لك الفرات ذهباً وفضة فلا تقبل منه ! ولا ترفع الضرب عنه فلما كان بعد عشاء الآخرة وافى محمد بن عبد الصمد إلى حامد ومعه رجاله والبغال المؤكفة ، فتقدم إلى غلمانه بالركوب معه حتى يصل إلى مجلس الشرطة، وتقدم إلى الغلام الموكل به بإخراجه من الموضع الذي هو فيه وتسليمه إلى أصحاب محمد بن عبد الصمد ، فحكى الغلام أنه لما فتح الباب عنه وأمره بالخروج وهو وقت لم يكن يفتح عنه في مثله ، قال له: من عند الوزير ؟ فقال محمد بن عبد الصمد ، فقال: ذهبنا والله ). انتهى.

سير أعلام النبلاء:14/313 ، كما في تاريخ بغداد ، بتفاوت في بعض فقراته ، وفيه:
قال الفقيه أبو علي بن البناء: كان الحلاج قد ادعى أنه إله ، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت ، فأحضره الوزير علي بن عيسى فلم يجده إذ سأله يحسن القرآن والفقه ولا الحديث فقال: تعلمك الفرض والطهور أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها... قال السلمي: أكثر المشايخ ردوا الحلاج ونفوه ، وأبوا أن يكون له قدم في التصوف ، وقبله ابن عطاء وابن خفيف والنصر آباذي . قلت: قد مر أن ابن خفيف عرض عليه شئ من كلام الحلاج ، فتبرأ منه..... وكان قد استغوى نصراً القشوري من طريق الصلاح والدين ، لا بما كان يدعو إليه ، فخوف نصر السيدة أم المقتدر من قتله وقال: لا آمن أن يلحق ابنك عقوبة هذا الصالح . فمنعت المقتدر من قتله فلم يقبل وأمر حامداً بقتله فحم المقتدر يومه ذلك ، فازداد نصر وأم المقتدر افتتاناً وتشكك المقتدر فأنفذ إلى حامد يمنعه من قتله ، فأخر ذلك أياماً إلى أن عوفي المقتدر . فألح عليه حامد وقال: يا أمير المؤمنين ! هذا إن بقي قلب الشريعة ، وارتد خلق على يده وأدى ذلك إلى زوال سلطانك ، فدعني أقتله وإن أصابك شئ فاقتلني ! فأذن له في قتله فقتله من يومه فلما قتل قال أصحابه: ما قتل وإنما قتل برذون كان لفلان الكاتب نفق يومئذ ! وهو يعود إلينا بعد مدة ، فصارت هذه الجهالة مقالة طائفة . قال: وكان أكثر مخاريق الحلاج أنه يظهرها كالمعجزات يستغوي بها ضعفة الناس.... فمن بارد مخاريقه: أنه أحضر جراباً وقال له: إذا حزبك أمر أخرجت لك من هذا الجراب ألف تركي بسلاحهم ونفقتهم . فسقط من عينه واطرحه فجاء إليه بعد مدة وقال: أنا أرد يد الملك أحمد بن بويه المقطوعة صحيحة فأدخلني إليه فصاح عليه وقال: أريد أن أقطع يدك فإن رددتها حملتك إليه ! فاضطرب من ذلك.... وقد جئ بكتب وجدت في داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها: وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها ، وأجاب قوم إلى أنك الباب يعني للإمام وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان يعنون الإمام الذي تنتظره الإمامية ، وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر يعنون النبي وقوم يعنون أنك هو هو يعني الله عز وجل!
قال: فسئل الحلاج عن تفسير هذه الكتب ، فأخذ يدفعه ويقول: هذه الكتب لا أعرفها ، هذه مدسوسة علي ، ولا أعلم ما فيها...
ذكر محمد بن إسحاق النديم الحسين الحلاج وحط عليه ثم سرد أسماء كتبه: كتاب طاسين الأول، كتاب الأحرف المحدثة والأزلية، كتاب ظل ممدود، كتاب حمل النور والحياة والأرواح، كتاب الصهور، كتاب تفسير: قل هو الله أحد، كتاب الأبد والمأبود، كتاب خلق الانسان والبيان، كتاب كيد الشيطان، كتاب سر العالم والمبعوث، كتاب العدل والتوحيد، كتاب السياسة، كتاب علم الفناء والبقاء، كتاب شخص الظلمات، كتاب نور النور، كتاب الهياكل والعالم، كتاب المثل الأعلى كتاب النقطة وبدو الخلق كتاب القيامات. كتاب الكبر والعظمة، كتاب خزائن الخيرات، كتاب موائد العارفين، كتاب خلق خلائق القرآن، كتاب الصدق والإخلاص، كتاب التوحيد، كتاب النجم إذا هوى، كتاب الذاريات ذروا، كتاب هو هو، كتاب كيف كان وكيف يكون، كتاب الوجود الأول، كتاب لا كيف، كتاب الكبريت الأحمر، كتاب الوجود الثاني، كتاب الكيفية والحقيقة، وأشياء غير ذلك) . انتهى . راجع أيضاً سير الذهبي:17/254 ، وميزان الإعتدال:1/548 ،
وفي تاريخ ابن الأثير:8/126: (ذكر قتل الحسين الحلاج: في هذه السنة قتل الحسين بن منصور الحلاج الصوفي وأحرق ، وكان ابتداء حاله أنه كان يظهر الزهد والتصوف ويظهر الكرامات ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، ويمد يده إلى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم عليها مكتوب قل هو الله أحد ويسميها دراهم القدرة ! ويخبر الناس بما أكلوه وما صنعوا في بيوتهم ويتكلم بما في ضمائرهم ! فافتتن به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول.... وأما سبب قتله فإنه نقل عنه عند عوده إلى بغداد إلى الوزير حامد بن العباس أنه أحيا جماعة وأنه يحيي الموتى وأن الجن يخدمونه وأنهم يحضرون عنده ما يشتهي وأنهم قدموه على جماعة من حواشي الخليفة وأن نصراً الحاجب قد مال إليه ، وغيره فالتمس حامد الوزير من المقتدر بالله أن يسلم إليه الحلاج وأصحابه فدفع عنه نصر الحاجب فألح الوزير فأمر المقتدر بتسليمه إليه فأخذه وأخذ معه إنساناً يعرف بالشمري وغيره قيل أنهم يعتقدون أنه إله ! فقررهم فاعترفوا أنهم قد صح عندهم أنه إله وأنه يحيي الموتى ! وقابلوا الحلاج على ذلك فأنكره وقال أعوذ بالله أن أدعي الربوبية أو النبوة وإنما أنا رجل أعبد الله عز وجل ).
صلة تاريخ الطبري للقرطبي/60: ( وكان الحلاج هذا رجلاً غوياً خبيثاً ينتقل في البلدان ويموه على الجهال ويرى قوماً أنه يدعو إلى الرضا من آل محمد ويظهر أنه سني لمن كان من أهل السنة، وشيعي لمن كان مذهبه التشيع، ومعتزلي لمن كان مذهبه الإعتزال ! وكان مع ذلك خفيف الحركات شعوذياً قد حاول الطب وجرب الكيميا ، فلم يزل يستعمل المخاريق حتى استهوى بها من لاتحصيل عنده ! ثم ادعى الربوبية وقال بالحلول ! وعظم افتراؤه على الله عز وجل ورسله ! ووجدت له كتب فيها حماقات وكلام مقلوب وكفر عظيم وكان في بعض كتبه إني المغرق لقوم نوح والمهلك لعاد وثمود ! وكان يقول لأصحابه: أنت نوح وأنت موسى وأنت محمد قد أعدت أرواحهم إلى أجسادكم ! ويزعم بعض الجهلة المتبعين له بأنه كان يغيب عنهم ثم ينزل عليهم من الهواء أغفل ما كانوا وحرك لقوم يده فنثر منها دراهم ، وكان في القوم أبو سهل بن نوبخت النوبختي فقال له دع هذا وأعطني درهماً واحداً عليه اسمك واسم أبيك ، وأنا أو من بك وخلق كثير معي ! فقال لا كيف وهذا ثم يصنع ؟ فقال له من أحضر ما ليس بحاضر صنع غير مصنوع !
قال محمد بن يحيى الصولي: أنا رأيت هذا الرجل مرات وخاطبته فرأيته جاهلاً يتعاقل وعيياً يفصح وفاجراً يظهر التنسك ويلبس الصوف ! فأول من ظفر به علي بن أحمد الراسبي لما اطلع منه على هذه الحال فقيده وأدخله بغداد على جمل قد شهره وكتب بقصته وما ثبت عنده في أمره ، فأحضره علي بن عيسى أيام وزارته في سنة 301 ، وأحضر الفقهاء ونوظر فأسقط في لفظه ولم يحسن من القرآن شيئاً ، ولامن الفقه ولا من الحديث ولا من الشعر ولا من اللغة ولا من أخبار الناس ! فسخفه وصفعه وأمر به فصلب حياً في الجانب الشرقي، ثم في الجانب الغربي ليراه الناس .
ثم حبس في دار الخليفة فجعل يتقرب إليهم بالسنة فظنوا ما يقول حقاً ! ثم انطلق وقد كان ابن الفرات كبسه في وزارته الأولى وعنى بطلبه موسى بن خلف فأفلت هو وغلام له ، ثم ظفر به في هذه السنة ، فسلم إلى الوزير حامد . وكان عنده يخرجه إلى من حضره فيصفع وينتف لحيته وأحضر يوماً صاحب له يعرف بالسمري فقال له حامد الوزير: أما زعمت بأن صاحبكم هذا كان ينزل عليكم من الهواء أغفل ماكنتم؟ قال: بلى . فقال له: فلم لا يذهب حيث شاء وقد تركته في داري وحده غير مقيد ؟! ثم أحضر حامد الوزير القاضي والفقهاء واستفتاهم فيه فحصلت عليه شهادات بما سمع منه أوجبت قتله... وذلك في آخر سنة 309) .


آراء بعض علماء السنة في الحلاج

مغني المحتاج للشربيني:4/134: (وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال: أنا الحق فتوقف فيه وقال: هذا رجل خفي علي أمره وما أقول فيه شيئاً .
وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو الجنيد وفقهاء عصره ، وأمر المقتدر بضربه ألف سوط.... والناس مع ذلك مختلفون في أمره ، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يكفره لأنه قتل بسيف الشرع، وجرى ابن المقري تبعاً لغيره على كفر من شك في كفر طائفة ابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الإتحاد وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم . ولكن كلام هؤلاء جار على اصطلاحهم إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره ، والمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح ، وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يُعرَّف ، فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافراً ) .
قال ابن العربي في تفسيره:2/233: (فأما المؤمن بالإيمان الحقيقي الموحد التام الإستعداد ، المحب الغالب المحبة ، فيصيبه كهيئة الزكمة ، أي السَّكْرَة التي قال فيها أبو زيد قدس الله روحه: سبحاني ما أعظم شأني ! والحسين بن منصور رحمه الله : أنا الحق ثم يرتفع عنه سريعاً لمزيد العناية الإلهية وقوة الإستعداد الفطرية وشدة المحبة الحقيقية ، فيتنبه لذلك ويتعذب به غاية التعذب ويشتاق إلى الإنطماس في عين الجمع غاية الشوق ، فيقول: هذا عذاب أليم ، ويطلب الفناء الصرف كما قال الحلاج:

بيني وبينك(أني)ينازعني فارفع بفضلك أني من البين !!
وأبدى الآلوسي في تفسيره:5/159، إعجابه بالحلاج وزعم أن معرفة الله اختلطت بكل أجزاء بدنه حتى أن دمه كتب بكل قطرة منه كلمة (الله) ! قال: وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً: حيث تخللت المعرفة جميع أجزائه من حيث ما هو مركب ، فلم يبق جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه عز وجل ، فهو عارف به بكل جزء منه ، ومن هنا قيل: إن دم الحلاج لما وقع على الأرض أنكتب بكل قطرة منه الله) .
ثم أفتى الآلوسي في:16/214، بأن الحلاج معذور في ادعاء الألوهية ! قال: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى: جاوز الحد في المعصية حتى ادعى الربوبية ، وذلك أثر سكر القهر الذي هو وصف النفس الأمارة ! ويقابله سكر اللطف وهو وصف الروح ومنه ينشأ الشطح ودعوى الأنانية قالوا: وصاحبه معذور ، وإلا لم يكن فرق بين الحلاج مثلاً وفرعون). انتهى. وهذا غاية التحريف والكيل بمكيالين ، في أمر واحد هو ادعاء الألوهية ، والعياذ بالله !
أما ابن تيمية فوجد حلاً لتصحيح ادعاءات أتباع الحلاج وغيرهم ، من عقيدته بأن الله تعالى يعطي فسقة الجن القدرة على المعجزات ! قال في دقائق التفسير:2/142:
(كما جرى مثل هذا لي كنت في مصر في قلعتها ، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من ناحية المشرق وقال له ذلك الشخص: أنا ابن تيمية ، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو ! وأخبر بذلك ملك ماردين وأرسل بذلك ملك ماردين إلى مصر رسولاً وكنت في الحبس فاستعظموا ذلك ، وأنا لم أخرج من الحبس ، ولكن كان هذا جنياً يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم لما جاؤوا إلى دمشق ، كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر فعمل معهم مثل ما كنت أعمل ! وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك !
قال لي طائفة من الناس: فلم لا يجوز أن يكون ملكاً ؟ قلت: لا ، إن الملك لا يكذب ، وهذا قد قال أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك .
وكثير من الناس رأى من قال إني أن الخضر وإنما كان جنياً ، ثم صار من الناس من يكذب بهذه الحكايات إنكاراً لموت الخضر ، والذين قد عرفوا صدقها يقطعون بحياة الخضر ، وكل من الطائفتين مخطئ فإن الذين رأوا من قال إني أنا الخضر هم كثيرون صادقون والحكايات متواترة ، لكن أخطؤوا في ظنهم أنه الخضر ، وإنما كان جنياً ! ولهذا يجري مثل هذا لليهود والنصارى فكثيراً ما يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر ، وكذلك اليهود يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر ، وفي ذلك من الحكايات الصادقة ما يضيق عنه هذا الموضع يبين صدق من رأى شخصاً وظن أنه الخضر وأنه غلط في ظنه أنه الخضر وإنما كان جنياً .
وقد يقول أنا المسيح أو موسى أو محمد أو أبو بكر أو عمر أو الشيخ فلان ، فكل هذا قد وقع والنبي صلى الله عليه وآله قال: من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي . قال ابن عباس: في صورته التي كان عليه في حياته ، وهذه رؤيا في المنام ، وأما في اليقظة فمن ظن أن أحداً من الموتى يجئ بنفسه للناس عياناً قبل يوم القيامة ، فمن جهله أتي .
ومن هنا ضلت النصارى حيث اعتقدوا أن المسيح بعد أن صلب كما يظنون أنه أتى إلى الحواريين وكلمهم ووصاهم ، وهذا مذكور في أناجيلهم ، وكلها تشهد بذلك وذاك الذي جاء كان شيطاناً قال أنا المسيح ولم يكن هو المسيح نفسه .
ويجوز أن يشتبه مثل هذا على الحواريين كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين ولكن ما أخبرهم المسيح قبل أن يرفع بتبليغه فهو الحق الذي يجب عليهم تبليغه ، ولم يرفع حتى بلغ رسالات ربه ، فلا حاجة إلى مجيئه بعد أن رفع إلى السماء .
وأصحاب الحلاج لما قتل كان يأتيهم من يقول أن الحلاج فيرونه في صورته عياناً وكذلك شيخ بمصر يقال له الدسوقي بعد أن مات كان يأتي أصحابه من جهته رسائل وكتب مكتوبة ، وأراني صادق من أصحابه الكتاب الذي أرسله فرأيته بخط الجن وقد رأيت خط الجن غير مرة !! وفيه كلام من كلام الجن ، وذاك المعتقد يعتقد أن الشيخ حي وكان يقول انتقل ثم مات ، وكذلك شيخ آخر كان بالمشرق وكان له خوارق من الجن ، وقيل كان بعد هذا يأتي خواص أصحابه في صورته فيعتقدون أنه هو ، وهكذا الذين كانوا يعتقدون بقاء علي أو بقاء محمد بن الحنفية قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جني في صورته ، وكذا منتظر الرافضة قد يراه أحدهم أحياناً ويكون المرئي جنياً ! فهذا باب واسع واقع كثيراً ). انتهى.
أقول: هذه العقيدة تنسب الى الله الظلم والعبث ، تعالى الله عما يصفون ، لأنها تزعم أنه أعطى فسقة الجن القدرة على المعجزة ، ولو صح ذلك لما أمكن تصديق الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، لاحتمال أن يكونوا جناً كذابين !
ومن ناحية أخرى على صاحب هذه العقيدة أن يشك في كل إنسان يراه سواء كان نبياً أو صالحاً أو طالحاً ، فربما كان جنياً، ويسري هذا الشك الى ابن تيمية في نفسه!



ابن أبي العزاقر الشلمغاني

قال المفيد في الفصول العشرة/16: (محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني ، المتوفى سنة323، كان متقدماً في أصحابنا ومستقيم الطريقة ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية ، فظهرت منه مقالات منكرة، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية ، له كتاب الغيبة).انتهى.
كان الشلمغاني في شبابه عالماً مستقيماً موثوقاً عند الشيعة ، وعند السفير الحسين بن روح رحمه الله ، وله مؤلفات سليمة من أحاديث الأئمة عليهم السلام . لكنه لما تقدم به العمر أغواه الشيطان فكان كمن قال الله تعالى عنه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وبدأ الشلمغاني بادعاء أنه سفير الإمام المهدي عليه السلام وأنه شريك ابن روح قدس سره ، وأخذ الشلمغاني يخدع الناس بأنه مثل ابن روح سفير للإمام المهدي عليه السلام ، ثم تدرج في الحلول حتى ادعى أنه حل فيه الله تعالى وهو نفس الطريق الذي سار فيه الحلاج الذي كان معاصراً له !
وقد استطاع الشلمغاني أن يؤثر على بعض شخصيات الشيعة في بغداد كآل بسطام فنشر فيهم بدعة الحلول شبيهاً بمذهب المخمسة الكرخيين . وقد تقدمت رواية الشيخ الطوسي في قوله لبني بسطام: (إن روح رسول الله صلى الله عليه وآله انتقلت إلى محمد بن عثمان ، وروح أمير المؤمنين عليه السلام انتقلت إلى الحسين بن روح ، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إلى بنت محمد بن عثمان.... فاستنكر الحسين بن روح هذه المقالة ، وقال: فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله... فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلاً عن موالاته . ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع...ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة(أي في مجلس رئيس الوزراء) فأمر بالقبض عليه وقتله ، فقتل واستراحت الشيعة منه).
وفي غيبة الطوسي/308: (عن الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري قال: لما أنفذ الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه التوقيع في لعن ابن أبي العزاقر ، أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام رحمه الله في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة ، وأملاه أبو علي رحمه الله علي وعرفني أن أبا القاسم راجع في ترك إظهاره ، فإنه في يد القوم وفي حبسهم ، فأمر بإظهاره وأن لايخشى ويأمن ، فتخلص فخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله) .

* *

وأصل مذهب المخمسة مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي ، قالوا: ( إن سلمان الفارسي والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) . (خلاصة الأقوال للعلامة/364) .
ثم نقلوها الى النبي وعلي وفاطمة والحسنين صلوات الله عليهم ! ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي، الملعون على لسان الإمام المهدي عليه السلام ، فسُمِّيَ أتباعه الكرخية والكرخيين . قال الطوسي في الغيبة/414: (وكان الكرخيون مخمسة لا يشك في ذلك أحد من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به ويقول: نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح ، يعني أبا بكر البغدادي . وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أن تحصى ، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا).انتهى.
وقصده بالمذهب الصحيح جعل الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام آلهة والعياذ بالله ، بدل سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد والضمري !
وقد ترجم الحموي في معجم البلدان:4/447 ، لكرخيٍّ آخر على نفس المذهب ، لكنه من كرخة الأهواز لا كرخة بغداد ، قال: (أبو جعفر الكرخي المعروف بالجرو ، وهذا الرجل مشهور بالجلالة فيهم قديماً وكان مقيماً بالبصرة قال: وشاهدته أنا وهو شيخ كبير وقد اختلت حاله فصار يلي الأعمال الصغار من قبل عمال البصرة ، وكان أبو القاسم بن أبي عبد الله البريدي لما ملك البصرة صادره على مال أقرف به وسمر يديه في حائط وهو قائم على كرسي، فلما سمرت يداه بالمسامير في الحائط نُحِّيَ الكرسي من تحته وسلت أظافيره وضرب لحمه بالقضيب الفارسي ولم يمت ولا زمن قال: ورأيته أنا بعد ذلك بسنين صحيحاً لا عيب لهم إلا ما كانوا يرمون به من الغلو ، فإن القاسم وولديه استفاض عنهم أنهم كانوا مخمسة يعتقدون أن علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً صلى الله عليه وآله ،خمسة أشباح أنوار قديمة لم تزل ولا تزال ، إلى غير ذلك من أقوال هذه النحلة وهي مقالة مشهورة) .
وترجم علماؤنا لعدد من المغالين الذين سلكوا طريق الشلمغاني والكرخيين ، منهم علي بن أحمد الكوفي الذي توفي سنة352: (كان إمامياً مستقيم الطريقة وصنف كتباً كثيرةسديدة، ثم خلط وأظهر مذهب المخمسة ، وصنف كتابا في الغلو والتخليط وقال ابن الغضائري:كذاب غال صاحب بدعة ومقالة).(خلاصة الأقوال للعلامة/364) .


أصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري

ومذهب المخمسة تطوير لمذهب(العلياوية)الذي ظهر في زمن الإمام الصادق عليه السلام فقد روى الطوسي رحمه الله في رجاله:2/701: ( عن صفوان ، عن مرازم ، قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام : تعرف مبشر ، بشر بتوهم الإسم قال: الشعيري ، فقلت: بشار؟ قال بشار ! قلت: نعم جار لي ، قال: إن اليهود قالوا ووحدوا الله ، وإن النصارى قالوا ووحدوا الله ، وأن بشاراً قال قولاً عظيماً ! إذا قدمت الكوفة فأته وقل له: يقول لك جعفر: يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا برئ منك !! قال مرازم: فلما قدمت الكوفة فوضعت متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية ، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم ، فخرج إليَّ فقلت له: يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا برئ منك ! فقال لي: وقد ذكرني سيدي ! قال قلت: نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك ! فقال: جزاك الله خيراً وفعل بك ، وأقبل يدعو لي !! ومقالة بشار هي مقالة العلياوية يقولون إن علياً عليه السلام هرب وظهر بالعلوية الهاشمية ، وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي ، لأنه أول هذه الأشخاص في الأمة . وأنكروا شخص محمد صلى الله عليه وآله وزعموا أن محمداً عبد علي ! وأقاموا محمداً صلى الله عليه وآله مقام ما أقامت المخمسة سلمان وجعلوه رسولاً لمحمد صلى الله عليه وآله فوافقوهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ )!
وفي رجال الطوسي:2/775: ( عن عثمان بن عيسى الكلابي ، أنه سمع محمد بن بشير يقول: الظاهر من الإنسان آدم والباطن أزلي...لما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمد فهو الإمام ومن أوصى إليه سميع فهو إمام مفترض الطاعة على الأمة إلى وقت خروج موسى ابن جعفر عليه السلام ! ...وزعموا أن الفرض عليهم من الله تعالى إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ، وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض ، وقالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ . وقالوا بالتناسخ.... وزعمت هذه الفرقة والمخمسة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد فهو مبطل في نسبه مفتر على الله كاذب ، وأنهم الذي قال الله تعالى فيهم إنهم يهود ونصارى في قوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ...إذ كان محمد عندهم وعلي هو رب لا يلد ولا يولد ولا يستولد ! تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً .
وكان سبب قتل محمد بن بشير لعنه الله ، لأنه كان معه شعبذة ومخاريق.... وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن(الإمام الكاظم عليه السلام )في ثياب حرير وقد طلاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ! وكان يقول لأصحابه ان أبا الحسن عليه السلام عندي فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي فهلموا أعرضه عليكم ، فكان يدخلهم البيت والصورة مطوية معه . فيقول لهم: هل ترون في البيت مقيماً أو ترون فيه غيري وغيركم؟ فيقولون: لا ،ليس في البيت أحد ، فيقول: أخرجوا فيخرجون من البيت فيصير هو وراء الستر ويسبل الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة ، ثم يرفع الستر بينه وبينهم ، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن لا ينكرون منه شيئاً ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يسارُّه ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً . وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها فهلكوا بها فكانت هذه حاله مدة حتى رفع خبره إلى بعض الخلفاء أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء وأنه زنديق ، فأخذه وأراد ضرب عنقه فقال: يا أمير المؤمنين استبقني فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه . فكان أول ما اتخذ له الدوالي ، فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها وجعل الزيبق بين تلك الألواح ، فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتميل الألواح وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتبع الدوالي لهذا ، فكانت تعمل من غير مستعمل لها وتصب الماء في البستان ، فأعجبه ذلك مع أشياء عملها يضاهي الله بها في خلقه الجنة . فقوده وجعل له مرتبة ثم إنه يوما من الأيام انكسر بعض تلك الألواح فخرج منها الزيبق ، فتعطلت فاستراب أمره وظهر عليه التعطيل والإباحات . وقد كان أبو عبد الله وأبو الحسن عليهما السلام يدعوان الله عليه ويسألانه أن يذيقه حر الحديد فأذاقه الله حر الحديد ).انتهى.
أقول: لايتسع الكتاب لتفصيل هذه المذاهب والبدع وأهلها وانخداع العوام بها ، والذي يهون أمرهم أنهم انتهوا جميعاً والحمد لله ، ولم يبق منهم إلا قلة يؤلهون علياً عليه السلام ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا . وقد دونت سيرهم عامة كتب الرجال عند الشيعة والسنة .
حسد الشلمغاني للحسين بن روح قدس سره
لعل ادعاء الشلمغاني بدأ بالإنحراف يوم كان الحسين بن روح قدس سره مستتراً من السلطة قبل أن يعتقلوه ويسجنوه ، ففي تلك الفترة جعل الشلمغاني وكيله فكان الشيعة يراجعونه ويرسل اليه في استتاره رسائلهم وطلباتهم وأسئلتهم ! ولا بد أن يكون عزله عن وكالته ، وجعل مكانه العالم الموثوق علي بن همام قدس سره .
روى الطوسي في الغيبة/302 ، عن أبي غالب الزراري رحمه الله قال: قدمت من الكوفة وأنا شاب إحدى قدماتي ومعي رجل من إخواننا قد ذهب على أبي عبد الله اسمه ، وذلك في أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله واستتاره ونصبه أبا جعفر محمد بن علي المعروف بالشلمغاني ، وكان مستقيماً لم يظهر منه ما ظهر من الكفر والإلحاد ، وكان الناس يقصدونه ويلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم وبينه في حوائجهم ومهماتهم . فقال لي صاحبي: هل لك أن تلقى أبا جعفر وتحدث به عهداً فإنه المنصوب اليوم لهذه الطائفة ، فإني أريد أن أسأله شيئا من الدعاء يكتب به إلى الناحية ، قال: فقلت: له نعم ، فدخلنا إليه فرأينا عنده جماعة من أصحابنا فسلمنا عليه وجلسنا ، فأقبل على صاحبي فقال: من هذا الفتى معك ، فقال له: رجل من آل زرارة بن أعين ، فأقبل علي فقال: من أي زرارة أنت ؟ فقلت: يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة ، فقال: أهل بيت جليل عظيم القدر في هذا الأمر ، فأقبل عليه صاحبي فقال له: يا سيدنا أريد المكاتبة في شئ من الدعاء فقال: نعم . قال: فلما سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضاً مثل ذلك وكنت اعتقدت في نفسي ما لم أبده لأحد من خلق الله حال والدة أبي العباس ابني وكانت كثيرة الخلاف والغضب علي وكانت مني بمنزلة ، فقلت في نفسي أسأل الدعاء لي في أمر قد أهمني ولا أسميه، فقلت أطال الله بقاء سيدنا وأنا أسأل حاجة، قال: وما هي؟ قلت: الدعاء لي بالفرج من أمر قد أهمني ، قال: فأخذ درجاً بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل فكتب: والزراري يسأل الدعاء له في أمر قد أهمه ! قال: ثم طواه فقمنا وانصرفنا. فلما كان بعد أيام قال لي صاحبي: ألا نعود إلى أبي جعفر فنسأله عن حوائجنا التي كنا سألناه ، فمضيت معه ودخلنا عليه فحين جلسنا عنده أخرج الدرج ، وفيه مسائل كثيرة قد أجيب في تضاعيفها ، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل ، ثم أقبل علي وهو يقرأ فقال: وأما الزراري وحال الزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما ، قال فورد عليَّ أمر عظيم ! وقمنا فانصرفت ، فقال لي: قد ورد عليك هذا الأمر فقلت: أعجب منه ! قال: مثل أي شئ ؟ فقلت: لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى وغيري فقد أخبرني به ، فقال: أتشك في أمر الناحية؟ أخبرني الآن ما هو فأخبرته فعجب منه . ثم قضى أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري وكانت أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها فجاءت إلي فاسترضتني واعتذرت ووافقتني ولم تخالفني حتى فرق الموت بيننا) !!
وفي غيبة الطوسي/307: (عن الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري قال: لما أنفذ الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه التوقيع في لعن ابن أبي العزاقر أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام رحمه الله في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة ، وأملاه أبو علي رحمه الله عليَّ وعرفني أن أبا القاسم رضي الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنه في يد القوم وفي حبسهم فأمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن، فتخلص فخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله) .

وفي غيبة الطوسي/307، عن أبي علي بن همام قال: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه يسأله أن يباهله وقال: أنا صاحب الرجل وقد أمرت بإظهار العلم وقد أظهرته باطناً وظاهراً فباهلني ! فأنفذ إليه الشيخ رضي الله عنه في جواب ذلك: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم ، فتقدم العزاقري فقتل وصلب ، وأخذ معه ابن أبي عون ، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة). ومثله الخرائج:3/1122.
أقول: معنى ذلك أنه كان بين صدور البراءة منه ولعنه ، وبين قتله أحد عشرة سنة ، وأنه تدرج في هذه السنين من ادعاء المشاركة في السفارة لابن روح رحمه الله وحلول أرواح الأئمة في ابن روح ثم فيه ، حتى وصل الى ادعاء الألوهية والعياذ بالله ! وستعرف أن ابن عون الذي قتل معه كان يعتقد بألوهيته كاملاً ! ولا نعرف هل اتبعه أحد من آل بسطام الذين بدأ فيهم دعوته .
والغريب أنه حتى مع ادعائه الألوهيته وإعلان علماء الشيعة وعامتهم البراءة منه ولعنوه ، كان حتى أواخر أيامه مصراً على أنه هو سفير الإمام المهدي صلوات الله عليه ، وأنه أولى من الحسين بن روح قدس سره فقد رووا أنه طلب منه المباهلة في أواخر أيامه ! قال الطوسي في الغيبة الطوسي/391: (وذكر أبو محمد هارون بن موسى قال: قال لي أبو علي بن الجنيد قال لي أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني: ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في هذا الأمر إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف . قال أبو محمد: فلم تلتفت الشيعة إلى هذا القول وأقامت على لعنه والبراءة منه) .انتهى.
أقول: هذا من الشلمغاني من باب (عليَّ وعلى أعدائي يارب) ! فقد انفضح أمره وأنه طالب دنيا فزعم أن الحسين بن روح قدس سره مثله طالب دنيا . لكن أين الثريا من الثرى ! ويبدو أن ذلك كان في السنة التي قتل فيها الشلمغاني سنة 323 .
ويفهم من اعترافات الشلمغاني المتكررة بأن الحسين بن روح سفير الإمام المهدي عليه السلام وأنه على صلة به، أن مشكلته معه ليس تكذيب سفارته التي لمس صدقها مكرراً ، بل تكذيب ابن روح له في دعواه السفارة !
وحتى عندما بدأ انحرافه كان يجاهر بالإعتراف بسفارة الحسين بن روح قدس سره فقد فقد زعم لآل بسطام بأن روح أمير المؤمنين عليه السلام قد حلت فيه ، كما اعترف بذلك أيضاً في كتابه الغيبة الذي لم يصل الينا ! قال الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة/391: (وذكر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني في أول كتاب الغيبة الذي صنفه: وأما ما بيني وبين الرجل المذكور زاد الله في توفيقه ، فلا مدخل لي في ذلك إلا لمن أدخلته فيه ، لأن الجناية علي فإني وليها . وقال في فصل آخر: ومن عظمت منته عليه تضاعفت الحجة عليه ولزمه الصدق فيما ساءه وسره ، وليس ينبغي فيما بيني وبين الله إلا الصدق عن أمره مع عظم جنايته ، وهذا الرجل منصوب لأمر من الأمور لايسع العصابة العدول عنه فيه، وحكم الإسلام مع ذلك جار عليه كجريه على غيره من المؤمنين) .انتهى. ومعناه أنه يعترف بأن الحسين بن روح منصوب بالسفارة من الإمام صلوات الله عليه ، ولكنه يعتبره ظالماً له لأنه لم يعترف بسفارته هو !


موقف الأئمة عليهم السلام من كتب المنحرفين: خذوا ما رووا وذروا مارأوا

غيبة الطوسي/389: (وقال أبو الحسين بن تمام: حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه ، قال: سئل الشيخ يعني أبا القاسم رضي الله عنه عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذم وخرجت فيه اللعنة فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا) .
رجال النجاشي/378: (محمد بن علي الشلمغاني أبو جعفر المعروف بابن أبي العزاقر ، كان متقدما في أصحابنا ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية ، حتى خرجت فيه توقيعات ، فأخذه السلطان وقتله وصلبه . وله كتب ، منها: كتاب التكليف ، ورسالة إلى ابن همام ، وكتاب ماهية العصمة ، كتاب الزاهر بالحجج العقلية ، كتاب المباهلة ، كتاب الأوصياء ، كتاب المعارف ، كتاب الإيضاح ، كتاب فضل النطق على الصمت ، كتاب فضل العمرتين ، كتاب الأنوار ، كتاب التسليم ، كتاب البرهان والتوحيد ، كتاب البداء والمشيئة، كتاب نظم القرآن، كتاب الإمامة الكبير، كتاب الإمامة الصغير ، قال أبو الفرج محمد بن علي الكاتب القنائي: قال لنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني في استتاره بمعلثايا بكتبه).

وفي غيبة الطوسي/393، عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم يسأل عنها هل هي جوابات الفقيه عليه السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني؟ لأنه حكي عنه أنه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها ! فكتب إليهم على ظهر كتابهم: بسم الله الرحمن الرحيم قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته فجميعه جوابنا ، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه ، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا عليهم لعنة الله وغضبه . فاستثبت قديماً في ذلك . فخرج الجواب: ألا من استثبت فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم وإن ذلك صحيح .
وروي قديماً عن بعض العلماء عليهم السلام والصلاة والرحمة أنه سئل عن مثل هذا بعينه في بعض من غضب الله عليه وقال عليه السلام : العلم علمنا ولا شئ عليكم من كفر من كفر فما صح لكم مما خرج على يده برواية غيره له من الثقات رحمهم الله فاحمدوا الله واقبلوه ، وما شككتم فيه أو لم يخرج إليكم في ذلك إلا على يده فردوه إلينا لنصححه أو نبطله ، والله تقدست أسماؤه وجل ثناؤه ولي توفيقكم وحسبنا في أمورنا كلها ونعم الوكيل ) . وفي :393: (قال ابن نوح: أول من حدثنا بهذا التوقيع أبو الحسين محمد بن علي بن تمام ، وذكر أنه كتبه من ظهر الدرج الذي عند أبي الحسن بن داود ، فلما قدم أبو الحسن بن داود وقرأته عليه ذكر أن هذا الدرج بعينه كتب به أهل قم إلى الشيخ أبي القاسم وفيه مسائل فأجابهم على ظهره بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي ، وحصل الدرج عند أبي الحسن بن داود).
وفي غيبة الطوسي/389: (عن أبي الحسين محمد بن الفضل بن تمام رحمه الله قال: سمعت أبا جعفر بن محمد بن أحمد بن الزكوزكي رحمه الله وقد ذكرنا كتاب التكليف وكان عندنا أنه لايكون إلا مع غال ! وذلك أنه أول ما كتبنا الحديث فسمعناه يقول: وأيش كان لابن أبي العزاقر في كتاب التكليف إنما كان يصلح الباب ويدخله إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه فيعرضه عليه ويحككه فإذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه، يعني أن الذي أمرهم به الحسين بن روح رضي الله عنه . قال أبو جعفر: فكتبته في الأدراج بخطي ببغداد . قال ابن تمام: فقلت له: تفضل يا سيدي فادفعه إلي حتى أكتبه من خطك فقال لي: قد خرج عن يدي. فقال ابن تمام: فخرجت وأخذت من غيره فكتبت بعدما سمعت هذه الحكاية).انتهى.
الذريعة الى تصانيف الشيعة:4/406: (كتاب التكليف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبى العزاقر المقتول . ألفه في حال استقامته فحمله الحسد لمقام الحسين بن روح النوبختي على ترك المذهب... ويروى عنه هذا الكتاب أبو المفضل الشيباني المتوفى387 ، ويرويه عنه أيضاً والد الصدوق إلا رواية شهادة الرجل لأخيه بغير علم) . وفي: الذريعة:21/187: ( المعارف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ).انتهى. هذا ، ويرى بعضهم أن كتاب التكليف للشلمغاني هو نفسه كتاب فقه الرضا لوالد الصدوق رحمه الله .


الشلمغاني في مصادر السنيين

في تاريخ ابن الأثير:8/290: (ذكر قَتْل الشلمغاني وحكاية مذهبه . وفي هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، وشلمغان التي ينسب إليها قرية بنواحي واسط . وسبب ذلك أنه قد أحدث مذهباً غالياً في التشييع والتناسخ وحلول الإلهية فيه ، إلى غير ذلك مما يحكيه ، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح الذي تسميه الإمامية الباب، متداولَ وزارة حامد بن العباس . ثم اتصل أبو جعفر الشلمغاني بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة أبيه الثالثة ، ثم إنه طُلب في وزارة الخاقاني فاستتر وهرب إلى الموصل فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في حياة أبيه عبد الله بن حمدان ، ثم انحدر إلى بغداد واستتر وظهر عنده ببغداد أنه يدعي لنفسه الربوبية ، وقيل إنه اتبعه على ذلك الحسين بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب ، الذي وزر للمقتدر بالله ، وأبو جعفر وأبو علي ابنا بسطام وإبراهيم بن محمد بن أبي عون وابن شبيب الزيات وأحمد بن محمد بن عبدوس ،كانوا يعتقدون ذلك فيه ! وظهر ذلك عنهم وطُلبوا أيام وزارة ابن مقلة للمقتدر بالله فلم يوجدوا .
فلما كان في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ظهر الشلمغاني فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه وكبس داره فوجد فيها رقاعاً وكتباً ممن يدعي عليه أنه على مذهبه يخاطبونه بما لايخاطب به البشر بعضهم بعضاً ، وفيها خط الحسين بن القاسم فعرضت الخطوط فعرفها الناس وعرضت على الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر مذهبه وأظهر الإسلام ، وتبرأ مما يقال فيه ! وأخذ ابن أبي عون وابن عبدوس معه وأحضرا معه عند الخليفة وأُمرا بصفعه فامتنعا ! فلما أُكرها مد ابن عبدوس يده وصفعه وأما ابن أبي عون فإنه مد يده إلى لحيته ورأسه فارتعدت يده فقبل لحية الشلمغاني ورأسه ثم قال: إلهي وسيدي ورازقي ! فقال له الراضي: قد زعمت أنك لا تدعي الإلهية فما هذا ؟ فقال: وما علي من قول ابن أبي عون ، والله يعلم إنني لا قلت له إنني إله قط ! فقال ابن عبدوس: إنه لم يدع الإلهية وإنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح ! وكنت أظن أنه يقول ذلك تقية ! ثم أحضروا عدة مرات ومعهم الفقهاء والقضاة والكتاب والقواد ، وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه فصلب ابن الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة وأحرقا بالنار . وكان من مذهبه أنه إله الآلهة يحق الحق وأنه الأول القديم الظاهر الباطن الرازق التام المومأ إليه بكل معنى. وكان يقول إن الله سبحانه وتعالى يحل في كل شئ على قدر ما يحتمل ، وأنه خلق الضد ليدل على المضدود ، فمن ذلك أنه حل في آدم لما خلقه في إبليسه أيضاً وكلاهما ضد لصحابه لمضادته إياه في معناه ، وأن الدليل على الحق أفضل من الحق ، وأن الضد أقرب إلى الشئ من شبهه ، وأن الله عز وجل إذا حل في جسد ناسوتي ظهر من القدرة والمعجزة ما يدل على أنه هو ، وأنه لما غاب آدم ظهر اللاهوت في خمسة ناسوتية ، كلما غاب منهم واحد ظهر مكانه آخر ، وفي خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة ، ثم اجتمعت اللاهوتية في إدريس وإبليسه وتفرقت بعدهما كما تفرقت بعد آدم واجتمعت في نوح عليه السلام وإبليسه وتفرقت عند غيبتهما ، واجتمعت في هود وإبليسه وتفرقت بعدهما ، واجتمعت في صالح وإبليسه عاقر الناقة وتفرقت بعدهما ، واجتمعت في إبراهيم وإبليسه نمروذ وتفرقت لما غابا واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون وتفرقت بعدهما ، واجتمعت في سليمان وإبليسه وتفرقت بعدهما ، واجتمعت في عيسى وإبليسه فلما غابا تفرقت في تلامذة عيسى وأبالستهم ، ثم اجتمعت في علي بن أبي طالب وإبليسه ، ثم إن الله يظهر في كل شئ وكل معنى وإنه في كل أحد بالخاطر الذي يخطر بقبله فيتصور له ما يغيب عنه حتى كأنه يشاهده، وأن الله اسم لمعنى وأن من احتاج الناس إليه فهو إله ، ولهذا المعنى يستوجب كل أحد أن يسمى إلهاً ، وأن كل أحد من أشياعه يقول إنه رب لمن هو في دون درجته ، وأن الرجل منهم يقول أنا رب لفلان وفلان رب لفلان وفلان رب ربي حتى يقع الإنتهاء إلى ابن أبي العزاقر فيقول: أنا رب الأرباب لا ربوبية بعده . ولا ينسبون الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى علي كرم الله وجهه لأن من اجتمعت له الربوبية لايكون له ولد ولا والد ! وكانوا يسمون موسى ومحمداً الخائنين لأنهم يدعون أن هارون أرسل موسى وعلياً أرسل محمداً فخاناهما !! ويزعمون أن علياً أمهل محمداً عدة سنين أصحاب الكهف فإذا انقضت هذه العدة وهي ثلاثمائة وخمسون سنة انتقلت الشريعة ! ويقولون إن الملائكة كل من ملك نفسه وعرف الحق وأن الجنة معرفتهم وانتحال مذهبهم والنار الجهل بهم والعدول عن مذهبهم . ويعتقدون ترك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ولا يتناكحون بعقد ويبيحون الفروج ويقولون إن محمداً بعث إلى كبراء قريش وجبابرة العرب ونفوسهم أبية فأمرهم بالسجود ، وأن الحكمة الآن أن يمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم وأنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوي رحمه وحرم صديقه وابنه بعد أن يكون على مذهبه ! وأنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه ومن امتنع من ذلك قلب في الدور الذي يأتي بعد هذا العالم امرأة ، إذ كان مذهبهم التناسخ ! وكانوا يعتقدون إهلاك الطالبيين والعباسيين تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً . وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصرية ولعلها هي هي فإن النصيرية يعتقدون في ابن الفرات ويجعلونه رأساً في مذهبهم . وكان الحسين بن القاسم بالرقة فأرسل الراضي بالله إليه فقتل آخر ذي القعدة وحمل رأسه إلى بغداد) .

ونحوه وفيات الأعيان:2/156، قال: وفي هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، وسبب ذلك أنه أحدث مذهباً غالياً في التشيع والتناسخ وحلول الإلهية فيه إلى غير ذلك مما يحكيه ، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح الذي تسميه الإمامية الباب ، فطُلب ابن الشلمغاني فاستتر وهرب إلى الموصل وأقام سنين ثم انحدر إلى بغداد...). انتهى. وذكر أن الذي حاكمه هو الخليفة الراضي نفسه ! ونحوه مآثر الإنافة:1/289 ، والوافي للصفدي:8/226، و:4 /81 ، وفيه: وجرت أمور وأفتى العلماء بإباحة دمه فأحرق ، وكان ابن أبي عون أحد أتباعه وهو الفاضل الذي له التصانيف المليحة مثل الشهاب والأجوبة المسكتة ، وهو من أعيان الكتاب . ونحوه العبر لذهبي:2/197 ، وتاريخ الإسلام:24/115 ، وسير أعلام النبلاء:14/567 ، وفيه: وقد كان أبو علي الحسين(بن أبي عون)ويقال: الجمال وزر للمقتدر في سنة تسع عشرة وثلاث مئة ولقبوه عميد الدولة وعزل بعد سبعة أشهر وسجن وعقد له مجلس في كائنة الشلمغاني ونوظر ، فظهرت رقاعه يخاطب الشلمغاني فيها بالإلهية. وعاش ثمانياً وسبعين سنة . وشذرات الذهب:1/293 ، وفيه: وشاع أنه يدعي الآلهية وأنه يحيي الموتى ، وكثر أتباعه فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله فسمع كلامه . ونهاية الإرب/5189 ، وفيه: وكان مذهب الشلمغاني أنه إله الآلهة بحق الحق ، وأنه الأول القديم الظاهر الباطن، الرازق التام، المومأ إليه بكل معنى. وكان يقول: إن الله سبحانه وتعالى يحل في كل شئ على قدر ما يحتمل، وإنه خلق الضد ليدل على المضدود فمن ذلك أنه حل في آدم عليه السلام لما خلقه، وفي إبليس لما خلقه وكلاهما ضد لصاحبه..الخ. وهذه المقالة شبيهة بالمقالة النصيرية فإنهم يعتقدون في ابن الفرات ، ويجعلونه رأساً في مذهبهم) .

* *


الشلمغانيون في عصرنا

كان الحلاج أذكى منهم جميعاً ، فقد أتقن العمل لهدفه وعاش التصوف أو عايش المتصوفة ، وقدم أدبيات جديدة في العشق والفناء والتجلي والحلول !
وقد ترك ولده الصغير العزيز أمانة عند صديق له في بغداد ، وسافر الى الهند وتحمل فيها الفقر والغربة حتى تعلم الشعوذة والسحر .
كما كان الشلمغاني أعلم منهم جميعاً ، فقد درس وباحث حتى وصل الى مرحلة علمية متقدمة ، وألف في زمن استقامته كتباً اعتمدها علماؤنا حتى بعد انحرافه وكفره عملاً بقاعدة (خذوا ما رَوَوْا وذَرُوا ما رَأوْا ) .
أما الشلمغانيون في عصرنا ، المدعون السفارة عن الإمام عليه السلام وأنهم على علاقة به يأخذون منه الأوامر والتوجيهات لهم ولأتباعهم ! فلا عندهم ذكاء الحلاج وجاذبيته ، ولا علم الشلمغاني وماضيه في الإستقامة ! نعم هم يشتركون مع الشلمغاني والحلاج وأمثالهم من مدعي السفارة في أمور:
الأول: التأرجح بين قلت ولم أقل وفعلت ولم أفعل ! وهو صفة المناور الذي يريد أن يحتفظ بموقع وسطي ، فلا يقع في عقوبة الإقرار ، ولا يترك البدعة والإصرار !

الثاني: التخفي والسِّرِّية ، لأنهم يخافون من الناس الذين يعرفون أنهم كذابون أن يناظروهم أو يؤذوهم ، ويخافون من غير المعادين أن يطلبوا منهم دليلاً لايملكونه !
وقد اتخذوا في العراق وبعض البلاد الأخرى شكل تنظيم حزبي سري ، يُصدر رئيسه لأتباعه أوامر وبرامج ، ويتدخل في أمورهم الشخصية حتى في ملابسهم ، بل يتدخل في حياتهم العائلية ويصدر أوامر بطلاق الأزواج وبالزواج ! ويُبَلِّغهم كل ذلك على أنه أوامر من الإمام المهدي عليه السلام أو من سفيره ووكيله الذي هو حضرته !

الثالث: إذا قرأت لأحدهم أو رأيته كيف ينظر الى نفسه ، لرأيت أنه يحمل في رأسه ألف طن من الغرور ، لأنه يريد أن يتقمص شخصية رجل يلتقي بالإمام عليه السلام الذي هو ولي الله في أرضه وحجته على عباده ، ويكون صاحبه الخاص وسفيره الى العالم ، والأمر الناهي باسمه ! وهذا يستلزم منه أن يعظِّم نفسه ، وقد يغرق في تعظيمها حتى ينفضح ! وفي نفس الوقت تراه ينظر الى عامة المسلمين والمؤمنين على أنهم همجٌ رعاع لا يفهمون ولا يعقلون ، لأنهم لايقبلون دعوته ولا يطيعونه ! ولو أطاعوه لصاروا أذكياء فاهمين ، وربما جعلهم عباقرة !

الرابع: خوفهم من لغة الوضوح السهلة الممتنعة التي هي البلاغة ، وحرصهم على لغة رمزية متعمدة الصنعة ، ليوهموا الناس أنهم أهل علم وبلاغة ، ومعانٍ عميقة تحتاج الى تفهيم وشرح للعوام ! وليهربوا من مسؤولية الكلام الصحيح الصريح !

الخامس: أنهم جميعاً يستعملون لغة العرفان والتصوف في علاقة المريد بالمراد والسالك بالشيخ، ولقلقة اللسان بمفاهيم المقامات الربانية ، والسير الى الله تعالى ، والعشق الإلهي ، حتى يصلوا الى التجلي !
وفي هذا التجلي الكاذب تكمن عندهم بذور الحلول ، وميكروب ادعاء الألوهية !


* *

طلبت حضور أحدهم لأناقشه في دعواه السفارة للإمام روحي فداه ، فلم يحضر ! لكنه بعد مغادرتي البلد ، أرسل لي رسالة يشكو فيها أني سمعت فيه كلام الناس ، وطلب مني أن لا أنشر اسمه ! قال في رسالته ما نصه:
(فكلّ ما نُقِلَ لك عنّا هو افتراءٌ علينا.....فما بالك ونحن نستعيذُ بالله من الجَهَلة ، والذين لا بدَّ لمسْتَ لَمَماً من بعضهم منْ ضحالة أسئلتهم لك وبسيطِ اهتماماتهم التي تسأل عنْ أغلفةِ مولاها سيّدِ العالم حجّةِ الدهر ومنجاة العالمين "ص"، تستفهم لا عن معناه وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشئونه وقضاياه، بل الأسئلة التي لا تُدْرِك مِنْ معنى إمامها إلا القشورَ والزبَدَ والنّقشةَ والصورة ، مِنْ سردابٍ وجُبّةٍ وخاتَمٍ وخالٍ وشذراتٍ مِن روايات الوصْف (الصحيحِ بعضُها)والتي ظاهرُها لا يفيد أهلَ الباطن وباطنُها لا يُفيد أهلَ الظاهر ، وباطنُها وظاهرُها معاً لا يُغني أهلَ الجهادِ والعمل والتحقيق والتمكين . أما حالُ السائلين بها وياللحسرة فمخالفٌ لحالِ مولاها المسئولِ عنه#بعيدٌ عن روحه ، ملتمسٌ غيرَ الذي يَسُرّه ، غيرُ لاهجٍ لهجَه ولا بناهجٍ نهجه ولا مُعتلجٍ ومُعالجٍ لقضاياه .
فهل تعتقدُ يا مولانا الشيخ بأنّ تلك الحشودَ قد اقتربتْ مِن مولاها الأعظم ، بتلكم الأسئلةِ الهشّة والتعريف الهيكلي، أو أنّها نالت زلفاها بالسخرية منّا والتجييش علينا؟! فإنّا لله وهو المُستعان.. فوحقِّ مولاك لقد كانوا هم هكذا قبل أنْ تجئ ، وهكذا يكونون بعد أنْ رحلتَ.. هكذا هم بالأمس واليوم وغداً.... بعيدون جداً عنْ إمامهم بعيدون بالمعرفة والأخلاق والإخلاص والعمل، بعيدون بروح الدين والتمزّق والتناكر .... فلم يستفيدوا مِن وجودك بين ظهرانيهم شيئاً منْ ورَعِك وزكاتك وتقواك وتحقيقِك ، ونخشى أنْ تكون أنت مَنْ استفدتَ منهم مِنْ مرير ما يُفترى به علينا ، تأخذُه أخذَ الحقيقة ، وتُمضيه إمضاءَ الرواية الموثوقة ).
وأجبته عن هذه الفقرة بما نصه:
تعليقي على هذا الكلام: أني أستغفر الله مما تفضلت به عليَّ من مدح ، فأنا لست أهلاً لأن أكون داعياً الى مولاي ولا شادياً بعظيم مدائحه التي خصه الله بها ، ومفاخره التي تَوَّجَهُ الله بها صلوات ربي عليه.. وإنما أنا عبد مسكين ينسبني الناس الى شيعته ومواليه وموالي آبائه الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم ، ويسألونني عما قرأته عنهم وكل أملي أن يشملني مولاي برضاه ، ويرحم تهمة الناس لي بأني قريب منه .
وأما كلامك عن المؤمنين الذين يحتشدون حول من يَذْكر مولاهم ، ويَسْتَحْفَونه السؤال لعله يحكي لهم عنه.. فهو خطأ ذريع في تقييمك لهؤلاء الأبرار ، الذين قد يكون منهم البَدَل المصطفى ، وولي الله الذي لا ترد له دعوة ، الذي لو أراد الله أن يختار من يضع عنده سره ، ويودع في قلبه مشيئته ، لاختاره دونك ودوني !
إن هذه النظرة الخاطئة في التقييم لعوام المؤمنين بابٌ يؤتى منه الإنسان فينفث في أذنه الشيطان ، ويتخيل أنه خير من العامي الذي يسأل عن لباس مولاه وشكله ، وعن بسمته وغضبه ، ويرى أنه أقرب من العامي الى فهم معنى مولاه (وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشئونه وقضاياه) كما عبرت وللأسف..
اللهم إني أعوذ بك من أزدريَ مؤمناً وقد أخفيتَ وليَّك في عبادك ، وأعوذ بك أن أدعي أني خير من عامي ذي أسمال ، أو أمي يصنف في الجهال.. فإنما هي قلوب عبادك المستور عالمها عنا ، تعمر ما شئت منها بما شئت من مواهبك اللدنية وعطاياك السنية ، وتُفقر قلب العبد الخاسر إن شئت بمجازاته وحرمانه ، وقد قال وليك وحجتك الإمام الصادق عليه السلام ما معناه: (ترى الرجل خطيباً مصقعاً لايخطئ بلام ولا واو ، وإن قلبه لأظلم من الليل المظلم ، وترى الرجل لايكاد يبين عما في نفسه ، وإن قلبه ليزهر كالمصباح) .
يشهد الله أني أتبرك بمجالس العوام الذين يأتون ليستمعوا الى عزاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، أو فضائل أحد من أهل بيت النبوة الطاهرين عليهم السلام ، لأني آمل أن تكون محلَّ فيض عطاء رب العالمين ، وعناية ولي المؤمنين ، بسبب عجوز أثقلتها السنون وحملت نفسها الى مجلسهم ووكفت دمعتها لذكراهم ، أو بسبب طفل يتيم جاء شوقاً ليسمع ذكر مواليه ، فقصده الإمام روحي فداه ، أو أرسل اليه من يمسح على رأسه ، كرامة له أو لأمه وأبيه) .
وكتب في جوابه عن فقرة أخرى: (وقلتم هداني الله وإياكم: (هذا كلّه ونحنُ لمْ ندّعِ الزندقةَ ولا الإلحاد ، ولا المُجونَ ولا الفساد ، بل ادّعينا ما أُمِرنا أنْ ندّعيه ، أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ هذه العباد...الخ).
واسمحوا لي بتعليق على قولكم: ( أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ هذه العباد)، فهل المسألة الكبرى في اللقاء أنه تعويضٌ لكم عن هؤلاء العباد ؟! وهل هذه الزاوية الشخصية أعظم ما في اللقاء عندكم؟! أين نعيكم على العوام أنهم لا يفهمون المعنى في حجة الله على خلقه (وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشئونه وقضاياه) ؟! أعتقد لو أن عامياً موقناً ، مستوفر العقل صافي القلب ، تشرف بلقائه عليه السلام لكان شغله الشاغل مولاه ، وأنوار معناه ومبناه ، ولأذهله عن نفسه ، وأن يكون لقاؤه به أو لا يكون عوضاً عن ذم الذامين وأذى المؤذين وظلم الأقربين ! فأنى لمن زَهَرَ مصباح اليقين في قلبه وفنيت ذاته في ربه وتعلقت بمولاه ، أن يشغله من مولاه ما يتعلق بذاته ، وأنه حصل على ما هو خير له من هذه العباد ؟!
ثم إن كلامكم هذا لب المطلب ، فأنتم تدَّعون تشرفاً بلقاء ولي الله وحجته صلوات الله عليه ، وتدعون أنه روحي له الفداء أمركم بإعلان هذ الإدعاء .
وهذه أسئلة أرجو أن تجيبوني عليها:
1- جاء كلامكم بضمير الجمع: (بل ادّعينا ما أُمِرنا أنْ ندّعيه ، أنّا تشرّفنا باللّقاء) فهل تشرفتم باللقاء جميعاً ، أو تشرف صاحبكم ، وأنتم تشرفتم بواسطته ؟
2- هل أمركم المولى روحي فداه بمجرد إعلان اللقاء وإخبار الناس به وأن تتحملوا تكذيبهم وأذاهم ، أم أمركم بدعوة الناس اليه ؟ فإني لم أسمع الى الآن من أحد فاز بشرف اللقاء أنه ادعى أنه أمره بإعلان ذلك ، فضلاً عن الدعوة اليه !
3- هل صحيح ما نقل عنكم أو عن بعضكم أنه يدعي أنه أعطي قدراً من ولاية المولى# ، فصار أولى بالناس من الأب والأم والزوج وحاكم الشرع ؟
4- هل أمركم المولى بأن تكونوا حزباً سرياً ، أو تؤسسوا جمعيات ومؤسسات ! وتعملوا لكسب الناس الى حزبكم ومؤسساتكم ودعوتكم ؟!
وكتبت لأحدهم في جواب فقرة أخرى:
إن ما ينقل عنك أمرٌ عظيم ، وأي ادعاء لبشر منا أكبر من قوله إنه على صلةٍ بحجة الله في أرضه وأمينه على سره ، وأنه يتلقى التوجيهٍ منه ، صلوات الله عليه ؟!
فوالله إني أتشرف أن أكون خادماً طول عمري لمن أقام دليلاً على ذلك !
وسؤالي الأول: أن هذه الدعوى العظيمة وهي التشرف بلقاء الإمام المهدي صلوات الله عليه، والحظوة بالتوجيه المباشر منه والنيابة عنه دعوى خطيرة لاتصلح بدون دليل ولا يصلح الدليل عليها إلا أن يكون لائقاً بمستواها السامي ، وضوحاً تشرق منه الآفاق ، ويقيناً تخضع له الأعناق.. فأين هو الدليل ؟

والسؤال الثاني: أن من كان في هذا المقام الشامخ المدعى ، لايحتاج الى حزب وتشكيلات ، لأنه متصل بمن عنده الإسم الأعظم ، والقلوب بيده كالخاتم !كما لايحتاج الى جمعيات ومؤسسات ومنافسات وانتحابات..لأن من له صلة بمولى الكل يكون بمثابة الأب لجميع المؤمنين ، ففيضه يصل الى الأقربين والأبعدين . فهل معنى التحزب والتنافس إلا الإحتياج لما يحتاج اليه العوام ، والفقر مما يغني عن الحطام ؟!
فكيف نجمع بين ادعائكم لهذا المقام الرباني الأبوي السامي وبين السلوك الحزبي مع الأتباع كرئيس كشافة مع أشبال صغار ، أو كقائد ميليشيا مع منتمين أغرار ! والسلوك التنافسي مع المخالفين كالذي يسود في بلادنا بين الفئات والتحزبات شبيهاً بسلوك المخابرات الغربية ، أو الفضوليات الشرقية !
ما زلت أرجو جواباً لهذا الإرتياب ، بأن تقيموا لي الدليل فأصدقكم ، أو تعجزوا عنه فأكون معذوراً إن قلت إنهم يدعون دعاوي عظيمة ، بلا دليل !
وغني عن القول أن الدليل هنا لا يصح أن يكون إلا معجزة صريحة واضحة ، تتناسب مع خطورة الدعوى ، وعظمة المدعي إن صدق !

* *

دخل عليَّ معمم في الثلاثينات من عمره فرحبت به ، قال: أنا أحمل رسالتين ، واحدة لك والثانية للسيد القائد الخامنئي . سألته ممن؟ قال من صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف سألته بتعجب: هل أنت متأكد؟ قال نعم ، قلت: هل تعرف معنى ما تقول وأن معناه أنك التقيت بولي الله وخليفته في أرضه صلوات الله عليه ، وأعطاك رسالتين وأمرك أن توصلهما الى شخصين؟ قال: نعم . قلت له: إسمع ، أنا لست حاضراً أن أستلم منك هذه الرسالة حتى تأتيني بدليل . قال: وما الدليل الذي تريد ؟ قلت: ما دمت متصلاً بالإمام عجل الله فرجه الشريف فهو لا تُرَد له دعوة ، فقل له إن فلاناً رفض أن يستلم الرسالة حتى تدعو له الله تعالى أن يعيد لون شعر لحيته كما كان قبل الشيب .
وشرحت له أن الذي يدعي اللقاء بالإمام عجل الله فرجه الشريف وأنه كلفه بتبليغ أي شئ لعامة الناس أو لشخص ، فهو يدعي السفارة الخاصة ، ولا يجوز تصديقه إلا بمعجزة !
وشرحت له أن اليماني الذي تدعي أنك هو ، إنما هو وزير الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف الذي يحكم اليمن ، ويظهر في رجب ، فهذه اليمن أمامك فاذهب واحكمها !
أمام هذا الشرح ومطالبته بدليل ، سكت الرجل فانشغلت بالكتابة ، وبعد مدة قال: هل تقبل بالدليل أن ترى الليلة مناماً ؟ قلت له: ولا عشرين مناماً ! إن ديننا ومذهبنا مبني على أدلة قطعية ، فكيف تريدني أن أبني ديني على منامات ؟! فقام وانصرف !

* *

وأكثر منه بؤساً شخص يدعي أنه (وصي ورسول الإمام المهدي)يعني يخبرنا بزعمه أنه سيعيش الى ظهور الإمام المهديعجل الله فرجه الشريفوسيكون هو وصيه وحاكم العالم بعده ! وقد كان هذا البصري ادعى أنه اليماني وتشارك في الدعوى مع صاحبنا المتقدم فاختلفا ، فتنازل له البصري عن ادعاء اليماني ! واستعاض عنها بدعوى أنه رسول الإمام عليه السلام وسفيره ووصيه ! وكتب مناشير دعا فيها علماء جميع الأديان الى المباهلة (فإن لم يستجيبوا لدعوتي فليعلموا أنهم ومن يتبعهم في ضلال مبين، وسيبيدهم الله بالعذاب والمثلات) ! وختم بيانه بختم هو نجمة سداسية !
والعجيب أن لهما ولأمثالهما أنصاراً من رجال ونساء ، فيهم الجهلة وفيهم المشيطنين ، ولهم فعاليات ما زالت قائمة في العراق !

* *

وأكثر بؤساً من الجميع شخص كان طالباً عادياً في قم ، وسمع برواية الحسني في أنصار الإمام المهديعجل الله فرجه الشريف التي يطبقها بعضهم على قائد إيران ، وتخيل من بعض رواياتها أنه يوجد حسني موعود في العراق ، فبدأ بادعاء أنه سيد هاشمي وأنه هو الحسني الموعود ، مع أنه من عشيرة لم يدع أحد منها أنهم من بني هاشم !
ثم ادعى أنه يلتقي بالإمام المهديعجل الله فرجه الشريف ويأخذ منه التوجيهات ! وبعد سقوط صدام شكل(الحسني)جماعةً وأنصاراً ودعا الناس الى تقليده لأنه أعلم العلماء ، وزعم أنه صدر اليه الأمر من الإمام المهدي عليه السلام أن يكون مرجعاً ! وأنه يدعو كبار المراجع والفقهاء الى مناظرته ، لأن العلم ليس بالتعلم ، بل هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء وقد قذفه في قلبه حتى امتلأ وفاض !
وله قصص وأنصار ، من الجهلة والمشيطنين من الرجال والنساء ، ومن قصصه أنهم طلبوا منه دليلاً أن يجمعهم بالإمام المهدي عليه السلام فقبل وواعدهم ليلاً في الصحراء وذهب معه عشرات الأشخاص ، وانتظروا حتى حان الوقت فلم يروا شيئاً ! فقالوا له: ها قد صارت الساعة الثانية ليلاً وأنت وعدتنا الساعة الواحدة ! فقال: ألم تروه ؟ قالوا: لا ! قال: هذا من ذنوبكم ، أما أنا فقد رأيته وكلمته !
ومن قصصه التي نقلها كثيرون ولم أتوثق من سندها ، أنه أعلن زواج الإمام المهدي عليه السلام من شقيقته ، ونصب خياماً وذبح ذبائح ، ودعا الناس الى وليمة العرس !
وله مؤلفات ! لعل أكبرها كتابه(الدجال)وهو يدل على سطحية بالغة ، فأحاديث الدجال عنده كلها صحيحة بما فيها الضد والنقيض ! فهو يقبل دجال تميم الداري المسجون من عهد سليمان عليه السلام في جزيرة تشبه قبرص وسيبقى محبوساً حتى يخرج ، ويقبل دجال عمر الذي هو عبدالله بن صائد الذي ولد في زمن عمر وسيبقى حياً حتى يخرج ! ويقبل أن الدجال هم بنو أمية وأعداء أهل البيت عليهم السلام ، ويقبل أن الدجال هو أمريكا وإسرائيل ، وهو يركز في كتابه على أن الناس والفقهاء والمراجع هم أنصار الدجال ، لأنهم لم يطيعوه ويقاتلوا الأمريكان ، فهم جميعاً أتباع الدجال الأمريكي وأعداء الإمام المهدي عليه السلام وأعداء سفيره ووكيله الحسني !
في الختام ، فإن المشكلة في العمق ليست في هؤلاء المدعين ، بقدر ما هي في قدرتنا على رفع مستوى الوعي والمعرفة في الجماهير المؤمنة بالإمام المهديعجل الله فرجه الشريف ، فلو انتشر فيهم الوعي الصحيح لما أمثال هؤلاء المدعين من يصغي اليهم !


* *