مناقشة الدكتور المحترم ( محمد بن عبدالغفار الشريف ) بخصوص استدلاله بحرمة سب الصحابة

كفاية الأصول

كفاية الأصول
12 يوليو 2011
2
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله أيامنا وأيامكم بهذه المناسبة العطرة المباركة ، ونتوسّل إلى الله بحق هذه الليلة ومولودها أن يجعلنا من المتمسّكين بنهج أهل البيت عليهم السلام والذابين عنهم والمدافعين عنهم ، وأن يجعلنا ممن ينصرهم ويتبرأ من أعدائهم في السر والعلانية .

حقيقةً يُعد هذا الدكتور ( أعني بن عبد الغفار ) من أولئك المنصفين حقيقةً وفتاواه في موقعه تشهد له بذلك ، وقد أعجبتني إجابته هذه حينما يُسأل عن إسلام الشيعة ومذهبهم :

من حين لآخر نسمع بين الناس أن المذهب الشيعي من يتبعه فهو كافر!! وأن مقلديه كلهم في النار!! فهل هذا صحيح؟
الجواب :

لا يقول هذا الكلام إلا غالٍ مبتدع، فالمذهب الشيعي مذهب من المذاهب الإسلامية، وفيه فرق غالية تؤله علياً -عليه السلام-، أما معظمهم فمسلمون، ولكنهم يخالفون أهل السنة في بعض المسائل العقدية والفقهية.

وعلينا اليوم أن نسعى إلى توحيد صفوف المسلمين، وتأليف كلمتهم، ولا يجوز أن نكون أعواناً للشيطان على إخواننا، فالمسلمون أمة واحدة كما أخبر رب العزة والجلال: ((وأن هذه أمتكم أمة واحدة ...))الآية.

وهم يتفقون في أصول الإيمان وأركان الإسلام وفي المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة، فليتق الله من يلقي الأحكام بغير علم. انتهى جوابه





وأيضا في سؤال آخر يجيب قائلا :



ط - تكفير الشيعة

الشيعة فرقة من المسلمين ، لا يجوز تكفيرهم ، وارجع إلى الفتوى ذات الرقم 177 .


إلى غير ذلك من الفتاوى ( بهذا الخصوص ) الجيّدة والتي تبعث الأمل بوجود منصفين يحاولون إبعاد المسلمين عن الفتن وبيان جلالة قدر الشيعة مما يساعد عامة الناس على الإحتكاك بالشيعة أكثر وبالتالي التعرف على الحق والإعتقاد به وترك الباطل الذي هم عليه .

وإن كنا لا نحتاج إلى مثل هذه الفتاوى ، فمذهبنا هو الحق المطلق وغيرنا على الباطل ولا نشك بذلك ولو للحظة واحدة ، ولكن أردنا أن نبيّن وجود نماذج لا بأس بها في العالم الإسلامي تبعث الأمل في القلوب .

إلا أنه مع إنصافه ، فكثير من فتاواه تخلو من الضابطة الفقهية والأصولية وإن شئت عنون ذلك بـ ( خلوها من الضابطة العلمية ) ، وزلاته العلمية كبيرة وكثيرة ، ولا تخلو كثير من فتاواه ( إن في الفقه أو العقائد ) من هشاشة وركاكة ، ومن جملة ذلك ما قاله في مسألة ( سب الصحابة ) وإليك الإستدلال :

(( د - حكم سب الصحابة رضي الله عنهم .
وسب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه وتنقُصهم حرام . قال النبي صلى الله عليه وسلم : الله الله في أصحابي لا تتخذونهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه . وقال السبكي والزركشي من الشافعية : وينبغي أن يكون الخلاف فيما إذا سبه لأمر خاص به . أما لو سبه لكونه صحابيا فيبنغي القطع بتفكيره ، لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة ، وفيه تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم . وأختلفوا في كفر من سب الشيخين ومذهب الحنفية تكفير من سب الشيخين أو أحدهما ، ومذهب الجمهور على خلافه .
قال أبوزرعة الرازي : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح أولى بهم وهم زنادقة . ))






يقول كفاية الأصول :
ولنا عدّة ملاحظات علميّة على ما أفاده :


الأولى ـ أن الحديث الذي استدل به ليس له إسنادٌ صحيح ، وقد بسطَ الألبانيّ فيه الكلام ، في سلسلته الضعيفة فليُراجع .

الثانية ـ
نفرض صحة الإسناد والصدور وننتقل للنقاش الدلالي فنقول :
إن الإطلاق غيرُ منعقدٍ هنا قطعاً ، وذلك لعدم توفّر مقدمات الحكمة أو إحداها كعدم القرينة المنفصلة أو المتصلة ، فالقرائن المنفصلة أشارت جزماً إلى وجود منافقين في أصحابه صلى الله عليه وآله فيستحيل أن يكون المُراد هو الإطلاق هاهنا .
ولا بأس ببسط الكلام في هذا فنقول:
إنه ثبت قرآنياً وروائياً نفاق جملة من الصحابة ، ولمّا كان الأمر كذلك عرفنا أنه يستحيل أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وآله لمحبة المنافق وحرمة بغضه ، كيف وهو الذي جاء بالقرآن الكريم الذي ذمّ المنافقين وأمر بالبراءة منهم والأمر ظاهرٌ بالوجوب ! .
فالنتيجة حينئذ : أن المنافقين والمرتابين خارجون عن الحديث تخصيصاً ، فلا ينعقد الإطلاق ولا يصح التمسك به .

فإن قيل لنا : نحن نتمسّك بأصالة الإطلاق وهي دليلنا على ما ادّعيناه من الشمول لكل الصحابة !

قلنا : إنّ جريان أصالة الإطلاق إنما يكون حين انعدام القرينة ، وواضحٌ أن هذا ليسَ مُحرزاًَ في المقام ، بل المحرز خلافه !.
بل وحتى إن قيل : إن القرينة المنفصلة لا تقيد الإطلاق بل تمنع حجيته ، قلنا وهو المطلوب فالنتيجة واحدة ، ولا يصح لكم التمسّك بالإطلاق ( على فرض ثبوته وهو ليس كذلك كما عرفت ) بغير حجيّته .

الثالثة ـ لا يصح حمل الحكم الشرعي ( وهو حرمة سب الصحابي ) على جميع الصحابة ، وذلك لما عرفت من عدم انعقاد الإطلاق في هذا الحديث وفي غيره ( على فرض التسليم بصدور تلك الأحاديث ) بل يُحمل ذلك الحكم على خصوص الصحابي المؤمن الذي ثبت على الحق إلى أواخر حياته .
وكما هو معلومٌ ، فالشيعة لا يسبون الصحابة المؤمنين ، وأما سب غير المؤمن فجائز شرعاً ، بل الكلام في عدم جواز السب مطلقاً وأنه من القبائح كلامٌ لا يصدر إلا من الجاهل .
فسب المستحق جائز ، وقد اشتمل القرآن على جملة من هذا السب ( للمستحق ) كقوله تعالى : { كأنهم حمرٌ مستنفرة } وإلى غير ذلك من الآيات .
والروايات اشتملت على ذلك أيضاً ولسنا في مقام التفصيل في هذه الجزئية هاهنا .


اللهم صل على ولي أمرك واجعلنا من أنصاره يا مجيب الدعوات



[line]-[/line]


أننا عندما عرضنا هذا البحث ( المختصر جداً ) إنما أردنا أن نبيّن للقارئ الكريم نكتة لطيفة وهي : أن هذه العقيدة الحقة التي نحن عليها بإمكانها أن تسلّم للأطراف المقابلة في كثير مما يرونه ومع هذا التسليم فإن ما يرونه ويذهبون إليه مخالف لجملة كبيرة من مباحث المعقول والمنقول والفقه والأصول .. وهذا ما بيّناه في هذا البحث المختصر ونسأله تعالى أن يكون خالصاً لوجهه ونأمل أن نحظى بعناية وألطاف ولي الله الأعظم أرواحنا فداه ودعاء شيعته نصرهم الله أينما كانوا سيما أهلنا وأحبابنا في بحرين الإيمان والولاء فرّج الله عنهم بحق أمير المؤمنين .



[line]-[/line]


أقول :
قلنا في المشاركة السابقة بأننا سنأتي إلى ما استدلوا به على حرمة سب وطعن الصحابي ، ويمكن أن نعبّر عنه بـ (( دليل الملازمة بين الطعن بالصحابي والطعن بالدين ))
وحاصل ما أفادوه : أن الطاعن بالصحابي طاعن بالكتاب والسنة ( فهو طاعن بالدين ) وذلك لأنهم ( أي الصحابة ) نقلة الكتاب والسنة ، فالطعن فيهم طعن فيهما .
ولعله أقوى أدلتهم والله أعلم .
وهذا الدليل استدل به الدكتور حين إيراده لكلام أبي زرعة الرازي حيث قال:

((
قال أبوزرعة الرازي : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح أولى بهم وهم زنادقة .)) اه

وقد أمضى الدكتور الفاضل هذا الدليل ولم يعلّق عليه مما يوحي بأنه يوافق الرازي فيما أفاده وقرره .




ولا أريد أن أعبّر عن هذا الدليل بتعبير جارح أو مخل لأدب الحوار ، ولكن ليعذرني الدكتور الفاضل فإن هذا الدليل لا يستدل به العلماء أمثاله !

وسوف نبسط الكلام في بيان بطلانه لا لأنه متين وقوي ! كلا بل لأنه أخذ موقعاً كبيراً من الإستدلال في كتبهم ، وقد استدل به الدكتور أيضاً فلن نخرج عن مناقشته بإذن الله تعالى .


ولا بأس بأن نضع خطّة البحث ، فيقول كفاية الأصول راجياً رضا ولي الله :

إن هذا الدليل باطل وضعيف جداً ، ويمكن بيان بطلانه بعدّة أمور :


الأول ـ ما أفدناه من عدم انعقاد الإطلاق وبيان جريانه هاهنا .
الثاني ـ مخالفته لسيرة العقلاء .
الثالث ـ الكلام في الملازمة وبيان بطلانها .
الرابع ـ عدم فهم الصحابة لهذا الأمر .
الخامس ـ عدم التزامهم بهذه الملازمة الكبروية والدليل على ذلك تضارب فتاواهم ( كما نقل الدكتور ) ! .


فهذه خمسة أمور تبطل هذا الدليل وتهدّه من أساسه ، وسنأتي إليها مفصلاً وسنفرد كل واحدة بمشاركة .

وسنستدل ببعض فتاوى الدكتور الكريم في ما سنبيّنه بإذن الله تعالى .



[line]-[/line]


( 1 )

بسم الله الرحمن الرحيم
يقع الكلام في ما بيّناه من عدم انعقاد الإطلاق ، فأقول راجياً رضا ولي الله الأعظم :
إننا في البحث السابق أسسنا أصلاً متيناً في هذا المبحث وهو (( عدم انعقاد الإطلاق في كلامه ـ صلى الله عليه وآله ـ )) ، بل قُل : (( استحالة انعقاد الإطلاق )) لما بيّناه من وجود منافقين في أصحابه ، ووجودهم بمثابة القرينة المنفصلة التي تمنع انعقاده .
وأما وجه استحالة انعقاده فيمكن أن يبيّن بنحوين :
الأول ـ وجود القرينة المنفصلة .
الثاني ـ أن النبي لا يمدح المنافقين ولا يدعو إلى محبتهم ، وهذا أمرٌ يتفق عليه كل مسلم .

وبعد التأمل والبحث نصل إلى هذه النتيجة : هذا الأصل يجري في كل ما يقولونه في الصحابة .

ولمّا كان الأمر كذلك ... نقول : إننا لو سلمنا ـ جدلاً ـ لكم بصحة ما أفدتموه ( من الملازمة بين الطعن بالصحابي والطعن بالدين ) فيكون المراد من ذلك أن الطعن بخصوص الصحابي المؤمن هو الذي يلزم منه الطعن بالدين ، ونحن ولله الحمد لا نطعن بمؤمني الصحابة بل نجلهم ونحترمهم ونترضى عليهم ونسأله تعالى أن يحشرنا معهم . ..فما قلناه هناك نقوله هنا أيضاً .

ولا شك أن هذا الوجه يكفي رد كلامهم ،، ولكننا سنبيّن أيضاً بقية الوجوه .

ملاحظة : هذا الوجه مبني على تنزلنا لهم .. وأننا مع تنزلنا لهم نقول أيضاً الإطلاق غير مقصود في هذا الكلام .

اللهم صل على ولي أمرك .






[line]-[/line]



( 2 )

بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام فعلاً في مخالفة ما أوردوه للسيرة العقلائية ، وقبل الشروع في بيان الإستدلال لا بأس بإعادة كلام أبي زرعة الرازي وتسليط الضوء عليه ، حيث قال :
((
إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح أولى بهم وهم زنادقة .))

قلتُ : وفي قوله : (( وإنما أدى إلينا هذا ... )) دلالة على أن علة الحكم بكونهم زنادقة وكونهم يطعنون بالدين إنما لأنهم يطعنون بنقلة الدين ورواته .
فالمسألة إذن تعامل مع نقلة ورواة .

ولـكن هذا مخالفٌ لسيرة العقلاء
فإن العقلاء لا يقولون بأن الطعن بالناقل يلزم منه بالضرورة الطعن بالمنقول ! فمن أين أتوا بذلك ؟! والعقلاء كلهم على خلاف ما هم عليه ؟!هذه جهةٌ في المخالفة .

الجهة الأخرى : أن المنقول هو القرآن والسنة الشريفة .

ولمّا كان القرآن واصلاً إلينا بالتواتر .. فلا نعتني بأحاد وأفراد نقلته ( إن سلمنا أن نقل القرآن فقط وفقط محصور فيهم ) وعليه فالطعن في واحد أو عشرة أو مئة لا يلزم منه الطعن في القرآن الكريم ، لأنه وصل إلينا بالتواتر ، وعليه فلا نراعي أحاد الرواة والنقلة ( أيضاً مع التسليم بكون المطعون فيهم هم نقلة القرآن وأنت تعلم أن الأمر ليس كذلك ! )

وأما السنة الشريفة ، فإن نقلتها ليسوا هم الصحابة فحسب ! بل نحن نعتقد أن الذي نقل إلينا السنة الشريفة هم أهل البيت عليهم السلام ولولاهم لما وصل إلينا شيء ! ، فكيف حصرتم نقل السنة في الصحابة فقط ؟!

فإذن نتيجة الوجه الثاني:

أن المنقول إما متواتر ... وعليه فمراعاة أفراد النقلة مخالف لسيرة العقلاء والطعن فيهم أو قل جُرحهم وتقييمهم لا يلزم منه جرح القرآن والعياذ بالله .

وإما السنة الشريفة ، ولا يصح حصر الطريق في نقل السنة بالصحابة ، وهذا لا نوافق عليه بل هو أول الكلام ،والعقلاء لا يرتضون الإستدلال بمورد النزاع أو الخلاف .

اللهم عجل لوليك الفرج وأنلنا شرف خدمته







[line]-[/line]


(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
بلغ بنا الكلام إلى الأمر الثالث ، وهو ما عنوناه بـ : (( الثالث ـ الكلام في الملازمة وبيان بطلانها .))
أقول : لابد من بيان الملازمة التي يدّعونها وتوضيحها ،ولن أتعدى كلام الدكتور الكريم واستدلالاته ، لأن النقاش مع فضيلته لا مع غيره ، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق المؤمنين والمؤمنات لمراضيه .

بيان الملازمة : عندنا منقول وهو الدين ، ولا شك أن لكل منقول ناقل .. والصحابة قد نقلوا لنا هذا الدين ، والطعن فيهم طعن في الدين لأنهم نقلته .
إذن : فالمحور الذي تدور عليه هذه الملازمة هو محور النقل والرواية ، فبما أنهم نقلوا إذن الطعن فيهم طعن بما نقلوا .

أما بطلانها ، فلا شك ببطلانها من ثلاثة جهات :
الأولى ـ مخالفتها لسيرة العقلاء ( وقد تقدم الكلام في هذه المسألة ) .
الثانية ـ مخالفتها لسيرة المتشرعة .
الثالثة ـ مخالفتها لسيرة علماء الجرح والتعديل .



فيما يتعلق بالمخالفة لسيرة المتشرعة : فإن المتشرعة على مر التأريخ لا يقولون بأن الطعن بالأفراد المنتسبين للشرع ـ والمتلبسين بلباسه والذين يبينون أحكامه وينقلوها للناس ـ يلزم منه الطعن في الدين !
فثبوت فسق ( أ ) من العلماء ( وهم نقلة الدين ومبينوه ) والحكم عليه بذلك ، لا يلزم منه الطعن في الدين ، وإلا لما حكم أحد من العلماء بفسق عالم آخر ! .

وأقولُ دفعاً لدخل مقدّر : إن العلة التي جعلتهم يستدلوا بهذه الملازمة مشتركة وليست علةً محصورة بالصحابة فقط !
وهذه العلة هي : نقل الدين وبيانه .
وإنك ترى العلماء في سائر الأعصار والأمصار يحملون هذه الوظيفة ، بل هي وظيفتهم بلا خلاف ، ولكن مع ذلك ثبت فسق جملة منهم في التأريخ والدكتور لا يختلف معنا في ذلك ، فهلا التزمنا بهذه الملازمة هنا أيضاً؟!
إن كان جوابكم : نعم ... فأنتم أيضاً طعنتم بالدين ، ولكنكم لا تلتزمون بهذا الجواب .
وإن كان جوابكم : لا ... فخالفتم صريح القاعدة العقلية وهي أن المعلول لا يتخلف عن علته فإذا وقعت العلة وقع معلولها ، والعلة هنا وقعت كما بيّنا ولكن المعلول تخلف وهو محال !فمالكم تطبقونها هناك ولا تطبقونها هنا.
ومثلكم في ذلك كمثل الذي يقول : إن علة تحريم الخمر هي الإسكار ، والمخدرات أيضاً مسكرة ، ولكنها لا تحرّم !.

نعم قد يُنتصر لكم فيُقال : إن المسألة عندكم مزاجية ! ... ولكني أجلك أيها الدكتور عن ذلك .

وأما فيما يتعلق بمخالفتكم بكلامكم هذا لسيرة علماء الجرح والتعديل ، فبيانه:

فإن موضوع علم الجرح والتعديل عبارة عن رواة الحديث ونقلته الواقعين في طريقه ، وهؤلاء كلهم يصدق بنحو الدلالة المطابقية أنهم نقلة الدين والسنة .
ولكن كيف تعامل علماء الرجال معهم ؟!

الجواب :إنهم كما يقال : جرّحوا من يستحق التجريح ، وعدّلوا من يستحق التعديل . ( وهذه العبارة محل نظر عندنا وقابلة للمناقشة ولكن لا نريد أن نستطرد كثيراً )
وبعبارة أخرى وأفضل : إنهم حكموا على رواة الحديث بالوثاقة والكذب والضعف والجهالة وما أشبه ، وبناءً على ما ذهبوا إليه فإن هذا طعنٌ في رواة الحديث !!.

فنأتي إلى ما أفادوه بعبارة علمية فنيّة ونقول : لازم من قولكم أن الطعن بالصحابة ( الرواة والنقلة ) هو طعنٌ بالدين ، أن علماء الجرح والتعديل عندكم ( وهم الأئمة العدول الحفاظ الأعلام ! ) أيضاً طعنوا بالدين لطعنهم بنقلته ( وهم رواة الأخبار والأحاديث ونقلتها ) ، واللازم باطلٌ بالإتفاق ، فالملزوم مثله ![ مرادنا من الملزوم هنا هو قولهم : أن الطعن في الصحابة ( النقلة والرواة ) هو طعنٌ في الدين ] . وها قد بطُلت هذه الملازمة ، فساعدكم الله ماذا بقي من أدلتكم ؟!

فإن جئتم إلى العمومات فهي مخصصة حتماً
وإن جئتم إلى الإطلاقات فلا شك بعدم انعقادها وهي مقيّدة
وكل ذلك يؤيد ما يذهب إليه الإمامية أهل الحق أعلى الله كلمتهم ونصرهم

فماذا بقي لكم من الأدلة على حرمة سب مطلق الصحابي ؟!


اللهم صل على ولي أمرك .

[line]-[/line]



(4)

< الرابع ـ عدم فهم الصحابة لهذا الأمر . >

بسم الله الرحمن الرحيم
أقول : ومثل هذا الأمر لا يحتاج إلى مزيد توضيح ، بل فقط يحتاج لسرد مجموعة روايات دلّت على أنه وقع بين الصحابة شتم وشجار وعراك وهي لا تخفى عليك .
فإن الطعن بالصحابة لو كان يلزم منه الطعن بالدين ، لما طعن الصحابة ببعضهم بعضاً أو شتموا بعضهم بعضاً أو حاربوا بعضهم بعضاً ! فلماذا خفي عليهم مثل هذا الأمر ؟!

فهنا احتمالات أيها الدكتور الكريم :

1- أن الصحابة يعلمون بهذه الملازمة ولكنهم لم يعملوا بها ، فصار علمهم بلا عمل ولا تطبيق وقد ذم الله تبارك وتعالى هذا الصنف من الناس ، والعالم بلا عمل ساقط ضال. فكيف تقولون بعدالتهم ؟!
2- أن الصحابة يعلمون بهذه الملازمة وقد طبقوها ولم يطعنوا ببعضهم البعض، إلا أن هذا مخالفٌ لما دلت عليه الأخبار الصحيحة والمتواترة .
3- أنه الصحابة لا يعلمون بهذه الملازمة ، فهنا لا يخلو الحال :
ـ إما أن يكون عدم علمهم بها لأنهم غفلوا عنها ، فمن أين أتيتم بها أنتم ؟ وهل يُعقل أن كـل هؤلاء الصحابة يغفلون عنها بمن فيهم من العلماء والحفاظ والأعلام والمجتهدين ؟! وهم نقلة الوحي وحفظته كما تقولون ،وهذا خلفُ فرضكم .
ـ وإما أن يكون عدم علمهم بها لأنها أصلاً غير موجود وقد توهمتموها أنتم في مراحل متأخرة ، فقد ثبت مطلوبنا ولا تلزمونا بفهمكم وقد أبطلناه .


وأنتَ تعترف أيها الدكتور بوقوع الفتن الكبرى بين الصحابة كما جاء في الفتوى 2020 في موقعك الكريم حيث قلت :
(( موقفنا مما جرى بين الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-
أخبر رسولنا الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الفتن التي تحدث بعد وفاته فقال: (إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي إليها ...)الحديث، والنجاة من هذه الفتن الاعتصام بالكتاب والسنة ،والقرآن الكريم يحثنا على الاستغفار لأسلافنا، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}الحشر-10. ))



ولكن سؤال هامشي لك :

لقد بينت موقفك من معاوية حيث قلت في الفتوى 128 : (( معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- صحابي من كتاب الوحي، لا يجوز انتقاصه كرامة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، واحتراماً لمنزلة الصحابة، كما لا يجب على أحد حبه، لأنه ليس ممن أمرنا الله أو رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- بحبه كعلي -رضي الله عنه- الذي ذكر المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-أنه: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق).
أما ابنه يزيد، فمجرم من المجرمين، فقد قتل الحسين -عليه السلام- واستباح المدينة المنورة.
والناس في معاوية وابنه بين إفراط وتفريط، والعدل ما ذكرناه، والله أعلم. ))

والعجيب أنك تقر بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي أن لا يبغضه إلا منافق ، وقد تواتر سب معاوية لأمير المؤمنين عليه السلام واعترف بذلك الجميع ، والسب من مصاديق البغض ، وهنا نشكل قياساً بديهي الإنتاج :

كبراه : السب مصدايق من مصاديق البغض
وصغراه : معاوية سب علياً .
نتيجته : معاوية يبغض علياً عليه السلام .

ونشكل قياساً آخرَ أيضاً :
صغراه : معاوية يبغض علياً عليه السلام .
كبراه : كل من يبغض علياً عليه السلام فهو منافق .
نتيجته : معاوية منافق .

والسؤال : كيف تترضى على منافق ؟!



ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم صل على ولي أمرك وعجل فرجه .



[line]-[/line]



(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
المطلب الأخير وبه نختم إن شاء الله تعالى نقض هذا الدليل الذي نحن بصدد مناقشته .
وقد عنوناه بـ (( الخامس ـ عدم التزامهم بهذه الملازمة الكبروية والدليل على ذلك تضارب فتاواهم ( كما نقل الدكتور ) ! .))

مقدّمة من سطرين :
مقتضى دليلهم هذا ( الذي أثبتنا بطلانه ) أن الطاعن بالصحابي كالطاعن في الدين .
فالكبرى إذن : كل من يطعن في الصحابة يطعن في الدين .

يقول كفاية الأصول : وهذه الكبرى تنحل إلى ثلاثة أمور رئيسية ونريد أن نبينها على ضوء ما يذهب إليه المخالف :
الأمر الأول ـ حكم الطاعن في الدين .
الأمر الثاني ـ حكم الطاعن في الصحابة
الأمر الثالث ـ نظرية بلا تطبيق .


ملاحظة : سيكون اعتمادنا على الموسوعة الفقهية الكويتية لما فيها من الفوائد منها أنها جمعت آراء المذاهب الأربعة في عدد كبير من المسائل الفقهية .

الكلام في الأول ( حكم الطاعن في الدين ) :

جاء في المجلد 35 ص 15 : الإِْلْحَادُ فِي الدِّينِ : هُوَ الْمَيْل عَنِ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ إِلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْكُفْرِ .
وَمِنَ الإِْلْحَادِ : الطَّعْنُ فِي الدِّينِ مَعَ ادِّعَاءِ الإِْسْلاَمِ ، أَوِ التَّأْوِيل فِي ضَرُورَاتِ الدِّينِ لإِِجْرَاءِ الأَْهْوَاءِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِْلْحَادِ :
أَنَّ الإِْلْحَادَ قَدْ يَكُونُ نَوْعًا مِنَ الْكُفْرِ .اه

فالطاعن في الدين إذن ملحد وهو نوع من أنواع الكفر .

الآن نأتي إلى الأمر الثاني وهو : ( حكم الطاعن في الصحابة ) :

سَبُّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ :
20 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ يَحْرُمُ سَبُّ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْل أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ .
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ فَاسِقٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرُهُ ، فَإِنْ وَقَعَ السَّبُّ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ مَذْهَبَانِ :
الأَْوَّل : وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا ، قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ شَتَمَهُمْ بِمَا يَشْتُمُ بِهِ النَّاسُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِلًّا ، نَقَل عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِل فِيمَنْ شَتَمَ صَحَابِيًّا الْقَتْل ؟ فَقَال : أَجَبْنَ عَنْهُ ، وَيُضْرَبُ . مَا أَرَاهُ عَلَى الإِْسْلاَمِ .
الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلْحَنَفِيَّةِ ، نَقَلَهُ الْبَزَّازِيُّ عَنِ الْخُلاَصَةِ : إِنْ كَانَ السَّبُّ لِلشَّيْخَيْنِ
يَكْفُرُ ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ : إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ قَال فِيهِمْ : كَانُوا عَلَى ضَلاَلٍ وَكُفْرٍ ، وَقَصَرَ سَحْنُونٌ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ سَبَّ الأَْرْبَعَةَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا ، وَهُوَ مُقَابِل الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، ضَعَّفَهُ الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا ، وَقِيل : وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِل .اه

وقد قلتَ أيها الدكتور الكريم في الفتوى 561 :(( وأختلفوا في كفر من سب الشيخين ومذهب الحنفية تكفير من سب الشيخين أو أحدهما ، ومذهب الجمهور على خلافه .))


الأمر الثالث ( نظرية بلا تطبيق ) :

هل بإمكانكم حل هذا الإشكال ؟!

ألم تقولوا أن الطعن في الصحابي طعنٌ في الدين .
وجمهور علمائكم على أن الطعن في الصحابي فسقٌ .
ولـكن الطعن في الدين إلحادٌ وكفر ! .

فلماذا هذا التضارب عندكم والدليل واحدٌ وصريحٌ كما يبيّنه علماؤكم ؟!
أم أن هذه الملازمة عند بعضهم دون الآخر ؟
* إن كان نعم فلماذا تلزمونا بأمر أنتم مختلفون فيه ؟!
* وإن كان الجواب لا فهي عند الكل ، فلماذا هذا التضارب في حكم سب الصحابي والجمهور على كونه فاسقاً ؟!

فإن عدم التزامكم بالكبرى يكشف ببرهان الإن عن ضعف المدْرَك .
وقد بيّنا ذلك في هذه المداخلات .


والخلاصة ستأتي في المداخلة التالية ، اللهم صل على محمد و آل محمد .






[line]-[/line]



بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة ما تقدّم :

1- لا يصح للمخالفين أن يستدلوا بأحاديث حرمة سب الصحابة والتعرض لهم لأمرين :
الأول ـ أن بعض هذه الأحاديث إسنادها لا ينهض بحسب مبانيكم ، وكل هذه الأحاديث لا نسلّم لكم بصدورها فلا يصح منكم الإحتجاج بها علينا .
الثاني ـ أنكم إن أردتم أن تستنبطوا حكماً فقهياً وتعمموه على جميع الصحابة فهذا ممنوع ، لما تقدّم من أن الإطلاق لا ينعقد ، وهذا الأصل يجري في كل الأحاديث التي تأتون بها الظاهرة بالإطلاق .

2- أن الملازمة التي كثيراً ما رددتموها في عباراتكم وكتبكم وهي (( أن الطاعن بالصحابة طاعن بالدين لأنهم نقلته )) بيّنا بطلانها ، بل حتى لو سلمنا لكم بصحتها فإن ما ذكرناه من عدم انعقاد الإطلاق يجري فيها .

تمّ الكلام ورفع المقام

وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه المداخلات المتواضعة والبسيطة نصرةً لأهل الحق ، وأن يُشرك أهل البحرين المؤمنين فرّج الله عنهم أجرها ، وأن ينفعني بها يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين





كفاية الأصول