الرد على أكاذيب الدكتور ناصر القفاري - الحلقة (6) توحيد الربوبية

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خير خلقه محمدٍ وآله الطاهرين...

الحلقة (6) توحيد الربوبية

قال الدكتور:
الفصل الثاني: عقيدتهم في توحيد الربوبية:
قال: وتوحيد الربوبية هو إفراد الله سبحانه بالملك والخلق والتدبير، فيؤمن العبد بأنه سبحانه الخالق الرازق، المحيي، المميت، النافع، الضار، المالك، المدبر، له الخلق والأمر كله، كما قال سبحانه: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف، آية:54.]. وقال: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [النور، آية:42.]. لا شريك له في ذلك سبحانه ولا نظير [انظر في معنى توحيد الربوبية: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 10/33، وعلي بن أبي العز/ شرح العقيدة الطحاوية ص17، المقريزي/ تجريد التوحيد ص81 (ضمن مجموع: عقيدة الفرقة الناجية)، السفاريني/ لوامع الأنوار البهية: 1/128-129، وسليمان بن عبد الوهاب/ تيسير العزيز الحميد ص33، عبد الرحمن بن سعدي/ سؤال وجواب في أهم المهمات ص5، محمد خليل هراس/ دعوة التوحيد: ص27 وما بعدها، عبد العزيز بن باز/ تعليق على العقيدة الطحاوية، نشر في مجلة البحوث الإسلامية، العدد: (15) 1406ه‍.].
وليس المقصود هنا دراسة هذا الأصل، وإنما القصد معرفة اعتقاد الشيعة فيه.. وهل تأثر هذا الأصل الأصيل والركن العظيم عندهم بما يدعونه في الإمام؟
لقد بين القرآن العظيم أن مشركي قريش مع كفرهم بعبادته سبحانه وصرفهم أنواعًا من العبادات لغيره، إلا أنهم يؤمنون بأن الله سبحانه هو خالقهم ورازقهم، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف، آية: 87.]، وقال: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس، آية: 31.].
ولكنهم مع ذلك أشركوا مع الله غيره في عبادته، ولهذا قال سبحانه: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف، آية:106.] قال مجاهد: "إيمانهم بالله قولهم: إن الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره" [تفسير الطبري: 231/77-78، وانظر: تفسير ابن كثير: 2/532.].
فهل كانت الشيعة أكثر كفرًا من المشركين في هذا؟
لقد بيّن أهل العلم أن الإيمان بربوبية الله سبحانه أمر قد فطر عليه البشر وأن الشرك في الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال لم يثبت عن طائفة من الطوائف في التاريخ البشري، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقًا خلق بعض العالم [انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 3/96-97، شرح العقيدة الطحاوية: ص 17-18.].
ولهذا كان السؤال: هل تأثر هذا الأصل في دين الشيعة؟، بمعنى هل وجد الإشراك الجزئي عندهم، باعتبار ما يولونه الأئمة من اهتمام، وما يعطونهم من أوصاف، وما يضفونه عليهم من ألقاب؟
سيتبين هذا من خلال التتبع لما جاء عن أئمتهم في كتبهم المعتمدة، ورواياتهم المعتبرة عندهم...



الملاحظة الأولى: إفتراء الدكتور على الشيعة الإمامية:
الدكتور القفاري لم ينقل في هذا الفصل ايضا حرفاً واحداً عن كتاب عقائدي لأحد علماء الشيعة الإمامية على الإطلاق، بل اعتمد على روايات موجودة في بعض كتب الحديث...

وفضلاً عن المناقشة في صحة بعض الروايات التي نقلها واعتبرها عقيدة من عقائد الشيعة الإمامية، فإنه لا يجوز أن ينسب شخص لطائفة من الطوائف عقيدة بناءاً على نصٍ موجود في أحد كتبها إلا بعد أن يتعرف على تفسيرهم لذلك النص...

فكما أنه لا يصح لأحد أن ينسب إلى المسلمين أنهم يعتقدون بصحة الديانة اليهودية والنصرانية والصابئة استنادا إلى قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (62) سورة البقرة دون الرجوع إلى سائر الآيات، ودون الرجوع إلى أقوال المفسرين... كذلك لا يجوز لأحد أن ينسب للشيعة عقيدة استناداً إلى رواية موجودة في كتاب من كتبهم، إلا بعد الرجوع إلى أقوال علمائهم في تفسير تلك الرواية...

ولا شك أن إعراض الدكتور عن نقل النصوص المتعلقة بهذا الفصل وبالفصل السابق وغيرهما من فصول الكتاب لا يعود إلى أنه لم يعثر على نص يؤيد ما يريد أن ينسبه إلى الشيعة فحسب، بل لأنه عثر في كتبهم على نصوص تخالف ما يريد أن ينسبه هو لهم لحاجة في نفس يعقوب!!!

فإن الدكتور قد التزم في مقدمة كتابه أن يرجع للكتب العقائدية المعتمدة عند الشيعة وذكر منها عقائد الإمامية للشيخ المظفر، وأصل الشيعة وأصولها للشيخ كاشف الغطاء رحمة الله عليهما، ولا شك أنه رجع إلى هذين الكتابين ووجد ما لم يعجبه!!! ولا بأس بنقل بعض ما هو مثبت فيهما مما له صلة بهذا الموضوع حتى يتبين أن الدكتور قد افترى على الإمامية:

1 - قال الشيخ كاشف الغطاء قدس سره: التوحيد: يجب على العاقل بحكم عقله عند الإمامية تحصيل العلم والمعرفة بصانعه، والاعتقاد بوحدانيته في الألوهية، وعدم شريك له في الربوبية، واليقين بأنه هو المستقل بالخلق والرزق والموت والحياة والإيجاد والإعدام، بل لا مؤثر في الوجود عندهم إلا الله، فمن اعتقد أن شيئا من الرزق أو الخلق أو الموت أو الحياة لغير الله فهو كافر مشرك خارج عن ربقة الإسلام. وكذا يجب عندهم إخلاص الطاعة والعبادة لله، فمن عبد شيئا معه، أو شيئا دونه، أو ليقربه زلفى إلى الله فهو كافر عندهم أيضا.
أصل الشيعة وأصولها ص 219

2 - وقال الشيخ المظفر قدس سره: عقيدتنا في التوحيد: ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب -ثانيا- توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ند له. وكذلك يجب -ثالثا- توحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات، ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الأصنام والأوثان، لا فرق بينهما.
عقائد الإمامية ص 37

إذاً فعقيدة الشيعة الإمامية في توحيد الربوبية هو ما ذكره العلمان الجليلان المظفر وكاشف الغطاء رحمة الله عليهما، وأما ما ذكره الدكتور القفاري فهو إفتراءٌ محض...

وقد ذكرتُ أن الدكتور قد استند في إفتراءه على الشيعة الإمامية بعدم إخلاصهم في توحيد الربوبية على بعض الروايات، وكان عليه أن لا يعتمد على الروايات، فقد لا تكون تلك الروايات صحيحة عندهم، أو أن لها تفسيراً وتأويلاً لا يتنافى مع ما قرره علمائهم في كتبهم العقائدية...

وسيأتي مزيد من التوضيح...

الملاحظة الثانية: الإمام رب الأرض:
قال الدكتور:
المبحث الأول: قولهم: إن الرب هو الإمام
جاء في أخبارهم أن عليًا – كما يفترون عليه – قال: أنا رب الأرض الذي يسكن الأرض به [مرآة الأنوار ص59، وقد نقل ذلك عن بصائر الدرجات للصفار.].
فانظر إلى هذا التطاول والغلو.. فهل رب الأرض إلا الواحد القهار، وهل يمسك السماوات والأرض إلا خالقهما سبحانه ومبدعهما. {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ..} [فاطر، آية:41.]. وقال إمامهم: "أنا رب الأرض" يعني إمام الأرض، وزعم أنه هو المقصود بقوله سبحانه: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر، آية:69.] [مرّ تخريج هذا النص ص:0172).].

انتهى كلامه

الدكتور قد أراحنا عندما نقل لنا هذا النص: (وقال إمامهم: "أنا رب الأرض" يعني إمام الأرض)...

ويبدو أنه لم ينقله إلا عن غفلة، ومن هنا يتبين تدليسه بالعنوان إذ قال: (الرب هو الإمام) وكان عليه أن يقول: (الإمام هو رب الأرض) فليلتفت القارئ إلى أن الدكتور جعل الرب مبتدأً والإمام خبراً، وحق الكلام أن يجعل الإمام مبتدأً والرب خبراً، وهذا من تدليساته، فتأمل...

ونقول: لا مانع من استخدام كلمة (الرب) في مثل هذا المقام، قال ابن منظور:
ورب كل شيء: مالكه ومستحقه، وقيل: صاحبه.
ويقال: فلان رب هذا الشيء أي ملكه له.
وكل من ملك شيئا، فهو ربه.
يقال: هو رب الدابة، ورب الدار، وفلان رب البيت، وهن ربات الحجال، ويقال: رب، مشدد، ورب، مخفف، وأنشد المفضل:
وقد علم الأقوال أن ليس فوقه * رب غير من يعطي الحظوظ ويرزق
وفي حديث أشراط الساعة: وأن تلد الأمة ربها، أو ربتها.
قال: الرب يطلق في اللغة على: المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيّم، والمنعم، قال: ولا يطلق غير مضاف إلا على الله، عز وجل، وإذا أطلق على غيره أضيف، فقيل: رب كذا.

لسان العرب ج 1 ص 399
فيكون معنى رب الأرض أو إمام الأرض: سيد الأرض، أو مدبر شئونها، أوالقيّم عليها...

وكل هذه المعاني صحيحة ولا يوجد فيها شائبة شرك...

وقد طفحت كتب الفقه والحديث باستخدام مصطلح "رب الأرض" على مالكها، وسأنقل بعض النصوص:

1 - قال الإمام الشافعي: وليس لرب الزرع أن يثبت زرعه وعليه أن ينقله عن رب الأرض إلا أن يشاء رب الأرض تركه قرب ذلك أو بعد، لا خلاف في ذلك.
كتاب الأم ج 4 ص 16

2 - وقال ايضا: فإذا زرع الرجل أرض رجل فادعى أن رب الأرض أكراه أو أعاره إياها وجحد رب الأرض فالقول قول رب الأرض مع يمينه.
كتاب الأم ج 4 ص 22

3 - قال الإمام مالك: ومن زرع زرعا في أرض اكتراها فزكاة ما أخرجت الأرض على الزارع وليس على رب الأرض من زكاة ما أخرجت الأرض شيء.
المدونة الكبرى ج 1 ص 345

4 - وقال ايضا: (قلت) أرأيت لو أن رجلا غصب أرضا فغرس فيها شجرا فاستحقها ربها (قال) يقال للغاصب اقلع شجرك إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذها بقيمتها مقلوعة وكذلك البنيان إذا كان للغاصب في قلعه منفعة فانه يقال له اقلعه إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا.
المدونة الكبرى ج 5 ص 368

5 - قال النووي: وأما القسم الثاني وهو أن يكون الغرس والبناء ملكا لرب الأرض فان رضى رب الأرض ان يأخذ الأرض بغرسها وبنائها فأيما أخذه فلا شئ عليه من مئونة البناء وليس للغاصب أن ينقص الغرس والبناء لانه لا يستفيد بقلعها شيئا فصار منه ذلك سفها، وان طالب رب الأرض الغاصب بقلع الغرس والبناء لينفصلا عن الأرض فقال الماوردى...
المجموع ج 14 ص 260

6 - وقال ايضا: وأما القسم الثالث وهو أن يكون الغرس والبناء مغصوبا من غير مالك الأرض فلكل واحد من رب الأرض ومالك الغرس أن يأخذ الغاصب بالقلع ثم يرجع كل واحد منهما عليه بأرش ما نقص من ملكه، فيرجع رب الأرض بما نقص من أرضه ويرجع رب الغرس بما نقص من غرسه، فلو أن رب الأرض اشترى الغرس من ربه قبل القلع صار مالكا لهما.
المجموع ج 14 ص 260

7 - وعقد البخاري باب أسماه: باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلاً معلوما فهما على تراضيهما.
صحيح البخاري ج 3 ص 71

إذا فالروايات التي تقول "الإمام رب الأرض" تقصد بالرب السيد أو المدبر أو القيّم تماماً كما هو حال النصوص التي نقلتها عن كتب الفقه والحديث، غاية ما في الباب أن الاختلاف في السعة والضيق...

فتبين أنه لا يوجد أي مانع لغوي أو شرعي يمنع من إطلاق "رب الأرض" على الإمام عليه السلام، وعليه فلا نحتاج للبحث في صحة أسانيد الروايات...

الملاحظة الثالثة: إسناد بعض الحوادث الكونية لمخلوقٍ (لا على نحو الاستقلال) ليس شركاً:
قال الدكتور:
المبحث الثالث: إسناد الحوادث الكونية إلى الأئمة:
قال: كل ما يجري في هذا الكون فهو بأمر الله وتقديره لا شريك له سبحانه، لكن في كتب الاثني عشرية ما يثير العجب في هذا؛ حيث تدعي بأن لأئمتها أمرًا في ذلك، تقول روايتهم:
"عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأرعدت السماء وأبرقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم، قلت: من صاحبنا؟ قال: أمير المؤمنين عليه السلام" [المفيد/ الاختصاص ص327، بحار الأنوار: 27/33، البرهان: 2/482.].
يعني كل ما وقع من رعد وبرق فهو من أمر علي، لا من أمر الواحد القهار..
فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه الرواية، والله جل شأنه يقول: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد، آية:12.]؟ أليست هذه هي السبئية قد أطلت برأسها المشوه من خلال كتب الاثني عشرية؟ أليس هذا ادعاء لربوبية علي، أو أن له شركًا في الربوبية؟ كيف يتجرأ قلم المجلسي ومن قبله المفيد على كتابة هذه الأسطورة ونسبتها إلى جعفر؟ فإن هذا الإلحاد لا يخفى على أمثالهم، ولا يؤمن بهذا ويدعو إليه إلا كل زنديق وملحد، والعجب من قوم يستقون دينهم من كتب حوت هذا الغثاء، ويعظمون شيوخًا يجاهرون بهذا البلاء، أليس في هذه الطائفة من صاحب عقل ودين يعلن الصيحة والنكير على هذا الضلال المنتشر، والكفر المبين يبرئ "أهل البيت الأطهار" من هذا الدرن القاتل وينقي ثوب التشيع مما لطخه به شيوخ الدولة الصفوية من كفر وضلال.

انتهى كلام الدكتور

قلت نص رواية الاختصاص كما يلي:
المعلى بن محمد البصري، عن سليمان بن سماعة، عن عبدالله بن القاسم، عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأرعدت السماء وأبرقت فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما إنه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم قلت: من صاحبنا ؟ قال: أمير المؤمنين عليه السلام.
الاختصاص ص 327

وفي إسنادها عبدالله بن القاسم، وهو مردد بين رجلين كلاهما ضعيف، وهذا قول الشيخ النجاشي رحمه الله فيهما، قال:
* عبدالله بن القاسم الحارثي: ضعيف، غال، كان صحب معاوية بن عمار ثم خلط وفارقه.

* عبدالله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل: كذاب، غال، يروى عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتد بروايته.

رجال النجاشي ص 226

وعليه فقد أخلفَ الدكتور بوعده الذي طالما كرره وقد ذكره أيضا في صدر هذا الفصل حين قال: سيتبين هذا (أي الشرك) من خلال التتبع لما جاء عن أئمتهم في كتبهم المعتمدة، ورواياتهم المعتبرة عندهم!!!

فهل رواية الغال الضعيف أو الكذاب معتبرة عندنا؟؟؟

على أن إسناد بعض الأمور من قبيل تسخير الرياح أو الرعد أو البرق لأمر مخلوق من المخلوقات سواءاً كان ملكاً أو بشراً (لا على نحو الإستقلال) لا يعد شركاً، وهذه بعض الأمثلة من القرآن الكريم:

1 - إن الله سبحانه وتعالى سخر الريح لسليمان عليه السلام تجري بأمره: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (81) سورة الأنبياء

2 – وسخر الله عز وجل الجبال والطير تسبح مع داود عليه السلام، وألان له الحديد: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (79) سورة الأنبياء {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (10) سورة سبأ

3 – وسخر الله جلّت قدرته لسليمان عليه السلام جنوداً الجن والإنس والطير: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} (17) سورة النمل

4 - وجعل الله تبارك وتعالى لعيسى عليه السلام القدرة على خلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص، واحياء الموتى: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (49) سورة آل عمران

5 – وأعطى الله عز اسمه القدرة الخارقة للعادة لآصف بن برخيا الذي استطاع نقل عرش بلقيس العظيم: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (23) سورة النمل استطاع أن ينقله من اليمن إلى فلسطين في أقل من طرفة عين: {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (40) سورة النمل

6 – وأوكل الله سبحانه وتعالى لبعض الملائكة تدبير بعض شئون العالم {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} (5) سورة النازعات وهذه بعض أقوال المفسرين السنة:

(أ) قال ابن الجوزي: قوله عز وجل {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} قال ابن عباس: هي الملائكة، قال عطاء: وكّلت بأمور عرفهم الله العمل بها، وقال عبدالرحمن بن سابط: يدبر أمر الدنيا أربعة أملاك: جبريل وهو موكل بالرياح والجنود، وميكائيل وهو موكل بالقطر والبنات، وملك الموت وهو موكل بقبض الأنفس، وإسرافيل وهو ينزل بالأمر عليهم، وقيل بل جبريل للوحي وإسرافيل للصور.
زاد المسير ج 8 ص 171

(ب) وقال القرطبي: قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} قال القشيري: أجمعوا على أن المراد الملائكة. وقال الماوردي: فيه قولان:
أحدهما: الملائكة، قاله الجمهور.
والقول الثاني: هي الكواكب السبعة، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل.
وفي تدبيرها الأمر وجهان: أحدهما: تدبير طلوعها وأفولها. الثاني: تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلب الأحوال، وحكى هذا القول أيضا القشيري في تفسيره، وأن الله تعالى علق كثيرا من تدبير أمور العالم بحركات النجوم، فأضيف التدبير إليها وإن كان من الله، كما يسمى الشيء باسم ما يجاوره، وعلى أن المراد بالمدبرات الملائكة، فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما.
تفسير القرطبي ج 19 ص 194

(ج) قال ابن كثير: وقوله تعالى {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} قال علي ومجاهد وعطاء وأبو صالح والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي: هي الملائكة، زاد الحسن تدبر الأمر من السماء إلى الأرض يعني بأمر ربها عز وجل ولم يختلفوا في هذا.
ولم يقطع ابن جرير بالمراد في شيء من ذلك إلا أنه حكى في المدبرات أمرا أنها الملائكة ولا أثبت ولا نفى.
تفسير ابن كثير ج 4 ص 498

(د) قال الشوكاني: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} هي الملائكة تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة.
فتح القدير ج 5 ص 377

(هـ) قال الثعالبي: وأما المدبرات فهي الملائكة قولاً واحداً فيما علمت، تدبر الأمور التي سخرها الله لها وصرفها فيها كالرياح والسحاب وغير ذلك.
الجواهر الحسان في تفسير القرآن ج 5 ص 548

ومن جملة الأمور التي أوكلها الله جلّت قدرته لبعض الملائكة مسئلة توفي الأنفس، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يتوفى الأنفس بحسب قوله عز وعلا {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (42) سورة الزمر وقوله عز اسمه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (104) سورة يونس

ولكن مع ذلك فإن ملك الموت يتوفى الأنفس أيضا: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (11) سورة السجدة

فهل الاعتقاد بهذه المعارف القرآنية شرك؟؟؟

لا بد من تحديد الضابطة:
والذي يجب أن يقال: ان الضابطة لمعرفة المشرك في توحيد الربوبية هي كما يلي:
من اعتقد أن هناك مؤثراً في الوجود (بالاستقلال) غير الله تعالى فهو مشرك، مهما كان تأثيره صغيرا أو حقيراً...
وأما من اعتقد بأنه لا مؤثر في الوجود (بالاستقلال) سوى الله سبحانه وتعالى فهو غير مشرك، مهما كان ذلك التأثير كبيراً أو عظيماً طالما أنه يعتقد بأن ذلك التأثير لا يكون إلا بحول الله...

يقول العلامة السبحاني دام ظله:
كيف يصح الجمع بين هذا الصنف من الآيات التي تثبت الشفاعة لغيره سبحانه، والصنف الخامس الذي يخصها بالله سبحانه؟
والجواب: أن مقتضى التوحيد في الأفعال، وأنه لا مؤثر في عالم الكون إلا الله سبحانه، ولا يوجد في الكون مؤثر مستقل سواه، وأن تأثير سائر العلل إنما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه ومشيئته، والاعتراف بمثل العلل التابعة لا ينافي انحصار التأثير الاستقلالي في الله سبحانه، ومن ليس له إلمام بالمعارف القرآنية يواجه حيرة كبيرة تجاه طائفتين من الآيات، إذ كيف يمكن أن تنحصر شؤون وأفعال، كالشفاعة، والمالكية، والرازقية، وتوفي الأرواح، والعلم بالغيب، والإشفاء بالله سبحانه، كما عليه أكثر الآيات القرآنية، بينما تنسب هذه الأفعال في آيات أخرى إلى غير الله من عباده؟
فكيف ينسجم هذا الانحصار مع هذه النسبة؟
غير أن الملّمين بمعارف الكتاب العزيز يدركون أن هذه الأمور على وجه الاستقلال والأصالة قائمة بالله سبحانه، مختصة به، في حين أن هذه الأمور تصدر من الغير على وجه التبعية وفي ظل القدرة الإلهية.

في ظلال التوحيد ص 501

فإن كان الدكتور القفاري يرى أن الاعتقاد بتأثير مخلوقٍ على الرياح والإشفاء والإماتة والإحياء... الخ هو شرك بالله العظيم على كل الأحوال، فإنه –لا محالة- يعتقد بأن سليمان وداود وعيسى وآصف بن رخيا عليهم السلام كلهم شركاء لله تعالى!!!

{وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}

ومن خلال هذا البيان يتبين أن كل ما كتبه الدكتور القفاري في هذا الفصل مجرد هراء!!! لأنه لم يفرق بين إسناد بعض الأمور لبعض المخلوقين على نحو الإستقلال أو لا... فاعتبر إسناد أي تأثير شركاً!!! وعدم تفريق الوهابية بين هذين النحوين من التأثير قد أوقعهم في تخبطات كثيرة، فحكموا على أكثر المسلمين بالشرك لأنهم يستعينون ببعض المخلوقين في قضاء حوائجهم!!!


الملاحظة الرابعة: الاعتقاد بتأثير الليالي والأيام:
قال الدكتور:
المبحث الخامس: قولهم بتأثير الأيام والليالي بالنفع والضر:
قال الله سبحانه: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل، آية:53.]. فالضر والنفع من الله وحده، وليس للأنواء والأيام والليالي وغيرها تأثير في ذلك، والشيعة تخالف هذا بدعواها أن في بعض الأيام شؤمًا لا تقضى فيه الحاجات. قال أبو عبد الله: "لا تخرج يوم الجمعة في حاجة، فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك" [من لا يحضره الفقيه: 1/95، وسائل الشيعة: 8/253.].
وقال: "السبت لنا، والأحد لبني أمية" [من لا يحضره الفقيه: 2/342، وسائل الشيعة: 8/253.].
وقال: ".. فأي يوم أعظم شؤمًا من يوم الاثنين.. لا تخرجوا يوم الاثنين واخرجوا يوم الثلاثاء" [من لا يحضره الفقيه: 1/95، الروضة: ص314، المحاسن: ص347، وسائل الشيعة: 8/254، وانظر: الخصال: 2/26.].
وقال أبو عبد الله: "لا تسافر يوم الاثنين ولا تطلب فيه حاجة" [المحاسن: ص346، وسائل الشيعة: 8/255.].
وقال: "آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر" [الخصال: 2/27، وسائل الشيعة: 8/257.].
وقال أمير المؤمنين علي – كما يفترون -: "يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الاثنين يوم سفر وطلب، ويوم الثلاثاء يوم حرب ودم، ويوم الأربعاء يوم شؤم يتطير فيه الناس، ويوم الخميس يوم الدخول على الأمراء وقضاء الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح" [علل الشرائع: ص199، الخصال: 2/28. عيون الأخبار ص137، وسائل الشيعة: 8/258.].
وثمة أحاديث أخر عندهم بهذه المعاني [ومثل هذا النوع قد ذكره علماء الحديث من أهل السنة في كتب الموضوعات (انظر: ابن الجوزي/ الموضوعات: ص71-74، ابن عراق/ تنزيه الشريعة المرفوعة: 2/53-56، الشوكاني/ الفوائد المجموعة: ص 437-438).]، ومن مجموع هذه الروايات يتبين أن الجمعة، والأحد، والاثنين، والأربعاء أيام فيها شؤم ذاتي فلا يناسب قضاء الحاجات فيها....

انتهى كلامه

1 - الضابطة التي ذكرتها في الملاحظة الثانية لتمييز المشرك عن غيره تنطبق هنا سواء بسواء، فكل من اعتقد بتأثير مخلوق على نحو الاستقلال فهو كافر، وبهذا صرح فقهائنا رضوان الله عليهم، قال الشيخ الأعظم الأنصاري رضي الله عنه:
الرابع: اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات، والربط يتصور على وجوه:
الأول: الإستقلال في التأثير، بحيث يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية، وظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا.

قال السيد المرتضى رحمه الله -فيما حكي عنه-: وكيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام النجوم؟ وقد أجمع المسلمون قديما وحديثا على تكذيب المنجمين والشهادة بفساد مذهبهم وبطلان أحكامهم، ومعلوم من دين الرسول ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون والإزراء عليهم والتعجيز لهم، وفي الروايات عنه صلى الله عليه وآله وسلم [من ذلك] ما لا يحصى كثرة، وكذا عن علماء أهل بيته وخيار أصحابه، وما اشتهر بهذه الشهرة في دين الإسلام، كيف يفتي بخلافه منتسب إلى الملة ومصل إلى القبلة؟ انتهى.

وقال العلامة في المنتهى -بعد ما أفتى بتحريم التنجيم وتعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة، أو أن لها مدخلا في التأثير والنفع- قال: وبالجملة، كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية والطبيعية بالحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية كافر، انتهى.

وقال الشهيد رحمه الله في قواعده: كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم وموجدة له، فلا ريب أنه كافر. وقال في جامع المقاصد: واعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية -ولو على جهة المدخلية- حرام، وكذا تعلم النجوم على هذا النحو، بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر، نعوذ بالله منه، انتهى.

وقال شيخنا البهائي: ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية، إن زعموا أنها هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال، أو أ نها شريكة في التأثير، فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده، وعلم النجوم المبتني على هذا كفر، وعلى هذا حمل ما ورد من التحذير عن علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحته، انتهى.

وقال في البحار: لا نزاع بين الأمة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور، فإنه يكون كافرا على الإطلاق، انتهى.
وعنه في موضع آخر: أن القول بأنها علة فاعلية بالإرادة والاختيار -وإن توقف تأثيرها على شرائط أخر- كفر، انتهى.

بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة الدين على بطلان التنجيم والقول بكفر معتقده إلى جميع علمائنا، حيث قال: قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم والعمل بها وبكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في التأثير، وذكروا أن بطلان ذلك من ضروريات الدين، انتهى.

بل يظهر من المحكي عن ابن أبي الحديد أن الحكم كذلك عند علماء العامة أيضا، حيث قال في شرح نهج البلاغة: إن المعلوم ضرورة من الدين إبطال حكم النجوم، وتحريم الاعتقاد بها، والنهي والزجر عن تصديق المنجمين، وهذا معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام: "فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله" انتهى.

ثم لا فرق في أكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور إلى إنكار الصانع جل ذكره -كما هو مذهب بعض المنجمين- وبين تعطيله تعالى عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الأجرام العلوية على وجه تتحرك على النحو المخصوص، سواء قيل بقدمها -كما هو مذهب بعض آخر- أم قيل بحدوثها وتفويض التدبير إليها -كما هو المحكي عن ثالث منهم- وبين أن لا يرجع إلى شيء من ذلك، بأن يعتقد أن حركة الأفلاك تابعة لإرادة الله، فهي مظاهر لإرادة الخالق تعالى، ومجبولة على الحركة على طبق اختيار الصانع جل ذكره -كالآلة- أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين اختياره، تعالى عما يقول الظالمون!

كتاب المكاسب ج 1 ص 209

وقال السيد الخوئي قدس سره:
2 - أن يلتزم بتأثير الأوضاع الفلكية والكيفيات الكوكبية بنفسها في حوادث العوالم السفلية، كتوسعة الرزق وأنوثة الولد ورجولته، وصحة المزاج وسقمه، وازدياد الأموال ونقصانها، وغيرها من الخيرات والشرور، سواء قلنا بالنفوس الفلكية أم لم نقل، وهو على وجهين:
الأول: أن يكون ذلك علة تامة لحدوث الحوادث.
والثاني: أن يكون شريكا للعلة في الأمور المذكورة.
وكلا الوجهين باطل، لأنه إنكار للصانع أو لتوحيده جل وعلا، والظاهر انه لا خلاف في ذلك بين الشيعة والسنة، بل قامت الضرورة بين المسلمين على كفر من اعتقد بذلك.

مصباح الفقاهة ج 1 ص 394

إذاً فإن الاعتقاد بوجود مؤثر في هذا الكون على نحو الاستقلال سواءا كان هذا المؤثر ملكاً أو بشراً أو كوكباً أو نجماً أو يوماً... الخ فهو كفر...

وأما الروايات التي نقلها الدكتور: فإنه لا يوجد مسلم (لا شيعي ولا سني حيث أن هذه الروايات موجودة في كتب الفريقين كما ذكر الدكتور) لا يوجد مسلم يعتقد بأنها مؤثرة على نحو الاستقلال، هذا وقد ورد تعليل النهي في بعض الروايات فقد نقل الدكتور هذا النص:
قال أبو عبدالله: "لا تخرج يوم الجمعة في حاجة، فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك" انتهى

ولهذا النهي علة ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام على ما روي عنه في نهج البلاغة، قال عليه السلام:
ولا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد الصلاة إلا فاصلا في سبيل الله، أو في أمر تعذر به.
نهج البلاغة ج 3 ص 130

إذا فالنهي عن الخروج ليس بسبب سعد أو نحس، بل حتى لا تفوت المسافر صلاة الجمعة!!!

قال العلامة السيد الطباطائي قدس سره:
ويؤل معنى مباركتها وسعادتها (أي ليلة القدر) إلى فضل العبادة والنسك فيها وغزارة ثوابها وقرب العناية الإلهية فيها من المتوجهين إلى ساحة العزة والكبرياء. وأما السنة فهناك روايات كثيرة جدا في السعد والنحس من أيام الأسبوع ومن أيام الشهور العربية ومن أيام شهور الفرس ومن أيام الشهور الرومية، وهي روايات بالغة في الكثرة مودعة في جوامع الحديث أكثرها ضعاف من مراسيل ومرفوعات وإن كان فيها ما لا يخلو من اعتبار من حيث أسنادها. أما الروايات العّادّة للأيام النحسة كيوم الأربعاء والأربعاء لا تدور وسبعة أيام من كل شهر عربي ويومين من كل شهر رومي ونحو ذلك، ففي كثير منها وخاصة فيما يتعرض لنحوسة أيام الأسبوع وأيام الشهور العربية تعليل نحوسة اليوم بوقوع حوادث مرة غير مطلوبة بحسب المذاق الديني كرحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهادة الحسين عليه السلام وإلقاء إبراهيم عليه السلام في النار ونزول العذاب بأمّة كذا وخلق النار وغير ذلك.
ومعلوم أن في عدها نحسة مشومة وتجنب اقتراب الأمور المطلوبة وطلب الحوائج التي يلتذ الإنسان بالحصول عليها فيها تحكيما للتقوى وتقوية للروح الدينية وفي عدم الاعتناء والاهتمام بها والاسترسال في الاشتغال بالسعي في كل ما تهواه النفس في أي وقت كان إضرابا عن الحق وهتكا لحرمة الدين وإزراء لاوليائه، فتؤل نحوسة هذه الأيام إلى جهات من الشقاء المعنوي منبعثة عن علل وأسباب اعتبارية مرتبطة نوعا من الارتباط بهذه الأيام تفيد نوعا من الشقاء الديني على من لا يعتنى بأمرها. وأيضا قد ورد في عدة من هذه الروايات الاعتصام بالله بصدقة أو صوم أو دعاء أو قراءة شيء من القرآن أو غير ذلك لدفع نحوسة هذه الأيام كما عن مجالس ابن الشيخ بإسناده عن سهل بن يعقوب الملقب بأبي نواس عن العسكري عليه السلام في حديث قلت: يا سيدي في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس والمخاوف فتدلني على الاحتراز من المخاوف فيها فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟
فقال لي: يا سهل إن لشيعتنا بولايتنا لعصمة لو سلكوا بها في لجة البحار الغامرة وسباسب البيداء الغائرة بين سباع وذئاب وأعادي الجن والانس لامنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق بالله عز وجل وأخلص في الولاء لائمتك الطاهرين وتوجه حيث شئت واقصد ما شئت - الحديث. ثم أمره عليه السلام بشي من القرآن والدعاء أن يقرأه ويدفع به النحوسة والشأمة ويقصد ما شاء.

إلى أن قال: وحمل بعضهم هذه الروايات المسلمة لنحوسة بعض الأيام على التقية، وليس بذاك البعيد فإن التشاؤم والتفاؤل بالأزمنة والأمكنة والأوضاع والأحوال من خصائص العامة يوجد منه عندهم شيء كثير عند الأمم والطوائف المختلفة على تشتتهم وتفرقهم منذ القديم إلى يومنا وكان بين الناس حتى خواصهم في الصدر الأول في ذلك روايات دائرة يسندونها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يسع لأحد أن يردها كما في كتاب المسلسلات بإسناده عن الفضل بن الربيع قال: كنت يوما مع مولاي المأمون فأردنا الخروج يوم الاربعاء فقال المأمون: يوم مكروه سمعت أبي الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي عليا يقول: سمعت أبي عبد الله بن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن آخر الأربعاء في الشهر يوم نحس مستمر.

تفسير الميزان ج 19 ص 72

ثم أن هناك روايات في كتب أهل السنة نظير الروايات التي شنع علينا بها الدكتور، وقذفنا بالشرك لأجلها!!! فقد روى ابن ماجة، قال:
حدثنا سويد بن سعيد، ثنا عثمان بن مطر، عن الحسن بن أبى جعفر، عن محمد بن جحادة، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
يا نافع! قد تبيغ بى الدم، فالتمس لى حجاما، واجعله رفيقا، إن استطعت، ولا تجعله شيخا كبيرا ولا صبيا صغيرا، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الحجامة على الريق أمثل، وفيه شفاء وبركة، وتزيد في العقل وفى الحفظ، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الاربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد، تحريا واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء. وضربه بالبلاء يوم الاربعاء. فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الاربعاء. أو ليلة الاربعاء.
سنن ابن ماجة ج 2 ص 1154

وروى الحاكم قال:
حدثنا أبو بكر بن اسحاق انبأ أبو مسلم ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن سليمان بن ارقم عن السدى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضى الله عنه:
ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من احتجم يوم الاربعاء ويوم السبت فرأى وضحا فلا يلومن الا نفسه.

المستدرك ج 4 ص 409

وفي سنن البيهقي:
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنى محمد بن صالح بن هانئ ثنا أبو عمرو احمد بن المبارك المستملى ثنا أبو رجاء قتيبة ابن سعيد ثنا ابراهيم بن أبى حية عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتانى جبريل عليه السلام فأمرني ان اقضي باليمين مع الشاهد وقال ان يوم الاربعاء يوم نحس مستمر ( وقد قيل ) عن جعفر ابن محمد عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.

السنن الكبرى ج 10 ص 170

وفي مسند أحمد:
حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسحق يعنى ابن الطباع قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه:
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد ان يسافر لم يسافر الا يوم الخميس.

مسند أحمد ج 6 ص 390

وفي سنن أبي داود:
باب متى تستحب الحجامة؟
قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، ثنا سعيد بن عبدالرحمن الجمحى، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء).

وقال: حدثنا موسى بن إسماعيل، أخبرني أبو بكرة بكار بن عبد العزيز، أخبرتني عمتى كبشة بنت أبى بكرة، وقال غير موسى كيسة بنت أبى بكرة، أن أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ.

سنن أبي داود ج 2 ص 220

وقد صنف البيهقي كتابا أسماه "فضائل الأوقات" جمع فيه عدد من الروايات، ومما فيه:
باب ما روي في التوسيع على العيال في يوم عاشوراء:
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن السقا الفقيه الإسفراييني حدثنا أبو بكر محمد ابن عبد الله البزاز ببغداد حدثنا جعفر بن محمد بن كزال حدثني علي بن مهاجر البصري حدثنا هيصم بن شداخ الوراق حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه في سائر سنته.

باب في الاكتحال يوم عاشوراء:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد العزيز بن محمد بن إسحاق حدثنا علي بن محمد الوراق حدثنا الحسين بن بشر حدثنا محمد بن الصلت حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا قال الشيخ رضي الله عنه وكذلك رواه بشر بن حمدان بن بشر بن القاسم النيسابوري عن عمه الحسين بن بشر ولم أر ذلك في رواية غيره وجويبر ضعيف والضحاك لم يلق ابن عباس والله أعلم.


وفي صحيح مسلم بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماهذا اليوم الذى تصومونه فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
صحيح مسلم ج 3 ص 150

وروى ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، ثنا عيسى بن يونس ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن بسر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم . فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب ، أو لحاء شجرة ، فليمصه.
سنن ابن ماجة ج 1 ص 550

وقال الخطيب البغدادي: أخبرنا الجوهري أخبرنا محمد بن العباس حدثنا محمد بن القاسم الكوكبي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال سألت يحيى بن معين عن عمر بن مجاشع فقال شيخ مدائني لا بأس به قلت حدثنا إبراهيم بن ناصح عن شبابة عن عمر بن مجاشع عن تميم بن الحارث عن أبيه قال كان علي يكره ان يتزوج الرجل أو يسافر في المحاق أو إذا نزل العرب فلم ينكر يحيى بن معين هذا الحديث قلت ليحيى ما المحاق قال إذا بقي من الشهر يوم أو يومان.
تاريخ بغداد ج 11 ص 184

وهناك روايات كثيرة جدا في كتبهم المختلفة فإن كان وجود هذه الروايات في كتب طائفة يدل على شركهم كما يزعم الدكتور، فإن أهل السنة كلهم مشركون!!!