بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خير خلقه محمدٍ وآله الطاهرين...
الحلقة (7) اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إلا بقيم
قال الدكتور: اعتقادهم في مصادر الإسلام....
الفصل الأول: اعتقادهم في القرآن الكريم:
في هذا الفصل نتناول - بمشيئة الله - أقوال الشيعة التي تبين اعتقادهم في كتاب الله سبحانه، فنعرض - أولاً - لمذهبهم في حجية القرآن وخروجهم في هذا الأمر عما أجمع عليه المسلمون، وذلك بقولهم: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم (هو أحد الاثني عشر)....
المبحث الأول: اعتقادهم في حجية القرآن
سنقسم هذا المبحث إلى مسائل ثلاث: الأولى: قولهم: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم، والثانية: حصر علم القرآن ومعرفته بالأئمة، والثالثة: زعمهم بأن قول الإمام يخصص عام القرآن، ويقيد مطلقه.. إلخ.
المسألة الأولى: اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إلا بقيم:
أثناء مطالعتي في كتب الشيعة رأيت هذه المسألة يؤكد عليها في أكثر من كتاب من كتبهم المعتمدة عندهم، وما كان يخطر بالبال أن تذهب طائفة من الطوائف التي تزعم لنفسها الإسلام إلى القول: "بأن القرآن ليس حجة" والله يقول - لمن طلب آية تدل على صدق الرسول -: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت، آية: 51.]..
فالقرآن العظيم هو الشاهد والدليل والحجة، ولكن شيخ الشيعة ومن يسمونه بـ"ثقة الإسلام" (الكليني) يروي في كتابه: أصول الكافي والذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أهل السنة [انظر: فصل "اعتقادهم في السنة" من هذا الكتاب.] يروي ما نصه: "... أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم: وأن علياً كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله" [أصول الكافي: 1/188.].
كما توجد هذه المقالة أيضاً في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال الكشي [رجال الكشي: ص420.]، وعلل الشرائع [الصدوق/ علل الشرائع: ص 192.]، والمحاسن [البرقي/ المحاسن: ص 268.]، ووسائل الشيعة [الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 18/141.]، وغيرها.
فماذا يعنون بهذه العقيدة: أيعنون بذلك أن النص القرآني لا يمكن أن يحتج به إلا بالرجوع لقول الإمام؟ وهذا يعني أن الحجة هي في قول الإمام لا قول الرحمن، أم يعنوان أن القرآن لا يؤخذ بنظامه إلا بقوة السلطان وهو القيم على تنفيذه؟ ولكن ورد عندهم في تتمة النص ما ينفي هذا الاحتمال وهو قولهم: "فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ، والقدري، والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم" [الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 18/141.].
ومعنى هذا أن قول الإمام هو أفصح من كلام الرحمن، ويظهر من هذا أنهم يرون أن الحجة في قول الإمام لأنه الأقدر على البيان من القرآن، ولهذا سموه بالقرآن الصامت وسمو الإمام بالقرآن الناطق، ويروون عن علي أنه قال: "هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق" [الحر العاملي/ الفصول المهمة: ص 235.]. وقال: "ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم أخبركم عنه ..." [أصول الكافي: 1/61.].... الخ كلامه
الملاحظة الأولى: النص الذي نقله الدكتور هو من كلام الراوي وليس الإمام عليه السلام!
وهذا هو نص الرواية:
روى الكليني رحمه الله عن: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور ابن حازم قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون بالله.
قال: صدقت.
قلت: إن من عرف أن له ربا، فينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة وأن لهم الطاعة المفترضة.
وقلت للناس: تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الحجة من الله على خلقه؟
قالوا: بلى.
قلت: فحين مضى رسول الله صلى الله عليه وآله من كان الحجة على خلقه؟
فقالوا: القرآن.
فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، فما قال فيه من شيء كان حقا.
فقلت لهم: من قيم القرآن؟
فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم.
قلت: كله؟
قالوا: لا.
فلم أجد أحدا يقال: إنه يعرف ذلك كله إلا علياً عليه السلام وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدرى، وقال هذا: أنا أدري، فأشهد أن عليا عليه السلام كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن ما قال في القرآن فهو حق.
فقال: رحمك الله.
الكافي ج 1 ص 168
وقول الدكتور: كما توجد هذه المقالة أيضاً في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال الكشي وعلل الشرائع والمحاسن ووسائل الشيعة.
فإنني بعد مراجعة هذه المصادر رأيت أنها كلها تذكر نفس الرواية!!!
الملاحظة الثانية: بعض آيات القرآن الكريم تحتاج إلا مفّسر معصوم
إنما أوردت نص الرواية بالكامل حتى يتبين تدليس الدكتور، وعدم دقته في النقل، وهو قد تعمد في نقل الرواية بالصورة المتقدمة حتى يخفي وجه الحقيقة والمعنى المراد للراوي...
وإلا فإن الشيعة يقولون بأن القرآن الكريم فيه آيات محكمة لا تحتاج إلا من يبينها، وفيه ايضا آيات متشابهة تحتاج إلى تبيين، إستناداً إلى قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} آل عمران (7)
ولهذا فإننا عندما نرجع إلى تفاسير أهل السنة نجد لديهم اختلافات كثيرة جداً في تفسير الآية الواحدة، تصل في بعض الأحيان إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة أقوال وربما أكثر!!!
بل انهم اختلفوا حتى في تمييز المحكم والمتشابه!!!
يقول القرطبي: اختلف العلماء في المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة...
تفسير القرطبي ج 4 ص 9
ويقول ابن كثير: وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة...
تفسير ابن كثير ج 1 ص 352
وزعم ابن الجوزي ان هناك ثمانية أقوال، قال: المحكم المتقن المبين وفي المراد به هاهنا ثمانية أقوال...
زاد المسير ج 1 ص 300
وهذه طائفة يسيرة جداً من المواضع التي اختلفوا فيها سأنقلها عن تفسير القرطبي نصاً، وهو من أهم التفاسير عند أهل السنة، سأذكرها كمثال وما سأتركه أضعاف أضعاف ذلك:
1 - قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} البقرة (196) فيه اثنتا عشرة مسألة: الأولى: قال ابن العربي: هذه آية مشكلة، عضلة من العضل. قلت: لا إشكال فيها، ونحن نبينها غاية البيان فنقول...
تفسير القرطبي ج 2 ص 371
2 – قوله تعالى: {وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة (197) قال القرطبي: واختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا على أقوال ستة...
تفسير القرطبي ج 2 ص 410
3 – قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} البقرة (238)
قال القرطبي: واختلف الناس في تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 3 ص 209
4 – قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} البقرة (256) قال القرطبي: اختلف العلماء في [معنى] هذه الآية على ستة أقوال...
تفسير القرطبي ج 3 ص 279
5 - اختلف الناس في معنى قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} البقرة (284) على أقوال خمسة...
تفسير القرطبي ج 3 ص 421
6 – قال القرطبي: وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء عند أحد، هما آيتان فيهما ذكر التيمم [إحداهما] في (النساء) والأخرى في (المائدة).
فلا نعلم أية آية عنت عائشة بقولها: (فأنزل الله آية التيمم)!!!
ثم قال: وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلوما ولا مفعولا لهم.
قلت: أما قوله: (فلا نعلم أية آية عنت عائشة) فهي هذه الآية على ما ذكرنا، والله أعلم.
تفسير القرطبي ج 5 ص 233
7 - قال القرطبي في آية الوضوء: واختلف العلماء في تقدير مسحه (أي الرأس) على أحد عشر قولا، ثلاثة لأبي حنيفة، وقولان للشافعي، وستة أقوال لعلمائنا، والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم لما ذكرناه.
تفسير القرطبي ج 6 ص 87
8 - قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} الأعراف (172) أي واذكر لهم مع ما سبق من تذكير المواثيق في كتابهم ما أخذت من المواثيق من العباد يوم الذر. وهذه آية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها وأحكامها، فنذكر ما ذكروه من ذلك حسب ما وقفنا عليه...
تفسير القرطبي ج 7 ص 314
9 - قال القرطبي: واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أول هذه السورة (أي التوبة) على أقوال خمسة.
تفسير القرطبي ج 8 ص 61
10 - قوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} التوبة (41) قال: نصب على الحال، وفيه عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 8 ص 150
11 - قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} هود (40) قال: اختلف في التنور على أقوال سبعة...
تفسير القرطبي ج 9 ص 33
12 - قوله تعالى: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} هود (107) قال: في موضع نصب، لأنه استثناء ليس من الأول، وقد اختلف فيه على أقوال عشرة...
تفسير القرطبي ج 9 ص 99
13 - واختلف في {المُقْتَسِمِينَ} الحجر (90) على أقوال سبعة...
تفسير القرطبي ج 10 ص 58
14 - قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} الإسراء (110) قال: اختلفوا في سبب نزولها على خمسة أقوال...
تفسير القرطبي ج 10 ص 343
15 - قوله تعالى: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} طه (52) قالك اختلف في معناه على أقوال خمسة...
تفسير القرطبي ج 11 ص 208
16 - اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنكُم} النور (58) على ستة أقوال...
تفسير القرطبي ج 12 ص 302
17 - قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} النور (61) اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على أقوال ثمانية. أقربها: هل هي منسوخة أو ناسخة أو محكمة، فهذه ثلاثة أقوال...
تفسير القرطبي ج 12 ص 312
18 - قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} الفرقان (77) هذه آية مشكلة تعلقت بها الملحدة.
تفسير القرطبي ج 13 ص 84
19 - اختلف العلماء في تأويل قوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ} الأحزاب (52) على أقوال سبعة...
تفسير القرطبي ج 14 ص 219
20 - قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} سبأ (10) قال القرطبي: واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال...
تفسير القرطبي ج 14 ص 264
21 - قوله تعالى: {فَتَعْسًا لَّهُمْ} محمد (8) وفيه عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 16 ص 232
22 – قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} الحشر (5) قال القرطبي: اختلف في اللينة ما هي، على أقوال عشرة...
تفسير القرطبي ج 18 ص 8
23 – قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} القلم (9) قال: فهذه أثنا عشر قولا. ابن العربي: ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوال كلها دعاوى على اللغة والمعنى، أمثلها قولهم: ودوا لو تكذب فيكذبون، ودوا لو تكفر فيكفرون.
تفسير القرطبي ج 18 ص 230
24 - قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} المدثر (4) فيه ثمانية أقوال...
تفسير القرطبي ج 19 ص 62
25 – قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} التكاثر (8) قال القرطبي: واختلف أهل التأويل في النعيم المسئول عنه على عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 20 ص 176
إلى غير ذلك من اختلافاتهم الكثيرة جدا، ومن لطائف اختلافاتهم أنهم اختلفوا في دلالة آية الوضوء وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} المائدة (6)
فاختلفوا هل هي تدل على وجوب مسح الأرجل أو غسلها؟؟؟
فنرى ابن حزم يجزم بدون أي تردد في دلالة الآية على وجوب المسح فيقول:
وأما قولنا في الرجلين فان القرآن نزل بالمسح، قال الله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس: إما على اللفظ وإما على الموضع، لا يجوز غير ذلك، لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة، وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح يعني في الرجلين في الوضوء.
المحلى ج 2 ص 56
وفي المقابل نرى ان ابن كثير يجزم بدلالة الآية على وجوب الغسل فيقول: وعلى كل تقدير فالواجب غسل الرجلين فرضا لا بد منه للآية والأحاديث التي سنوردها.
تفسير ابن كثير ج 2 ص 27
وهذه مسئلة مهمة وخطيرة جداً إذا أن الصلاة وهي عمود الدين لا تصح دون وضوء صحيح، ومع ذلك فكل مفسر سني يفسر الآية الكريمة بتفسير يناقض تفسير الآخر و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}...
الملاحظة الثالثة: حديث الثقلين
والخلاصة من كل ما تقدم أن الرجوع إلى من معصوم يفسر القرآن الكريم أمر ضروري ولازم، وهذه إحدى وظائف النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } النحل (44)
وقال عز وجل: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} النحل (64)
ولم تتعطل هذه الوظيفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ أن القرآن الكريم لك ينزل للناس في عهده صلى الله عليه وآله فقط، وإنما هو للناس كافة إلى يوم الدين قال المولى عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الجمعة (3)
بل ان النبي صلى الله عليه وآله قد استخلف أفراد معينين يقومون بهذه المهمة، وهم أهل بيته عليهم السلام، فقد روى النسائي بإسناد صحيح على شرط الشيخين، قال:
أخبرنا محمد بن المثنى قال: ثنا يحيى بن حماد قال: ثنا أبو عوانة عن سليمان قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمع بأذنه.
السنن الكبرى ج 5 ص 45
قلت ورجال هذا الحديث رجال الصحيح، وقد أورد ابن كثير هذا الحديث ثم قال: تفرد به النسائي من هذا الوجه، قال شيخنا أبو عبدالله الذهبي وهذا حديث صحيح.
البداية والنهاية ج 5 ص 228
ومن هنا نعرف الشطحة الكبرى التي صدرت عن الدكتور بدافع حقده على الإمامية حين قال:
والمتأمل لتلك المقالة التي تواترت في كتب الشيعة يلاحظ أنها من وضع عدو حاقد أراد أن يصد الشيعة عن كتاب الله سبحانه، ويضلهم عن هدى الله. انتهى
فتنبين أنها ليست من وضع عدو حاقد، بل هي من أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى...
وإن زعم أنه لا يحتاج إلا معصوم يفسر بعض آيات القرآن الكريم فقد كذّب الله ورسوله صلى الله عليه وآله!!!
وليت شعري إن كان غنياً عن تفسير المعصوم عليه السلام، فلماذا تقع بينهم اختلافات في تفسير الآية الواحدة قد تصل في بعض الأحيان إلى عشرة أقوال أو أكثر؟؟؟
ولماذا يصف بعض علمائهم بعض الآيات بأنها: مشكلة، أو معضلة؟؟؟
ولماذا يتمسك بعض الملاحدة ببعض الآيات الكريمة؟؟؟
الملاحظة الرابعة: حجية ظواهر القرآن الكريم
يقول العلامة المظفر قدس سره: ان القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله، والموجود بأيدي الناس بين الدفتين هو الكتاب المنزل إلى الرسول بالحق لا ريب فيه هدى ورحمة {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ} فهو -إذن- الحجة القاطعة بيننا وبينه تعالى، التي لا شك ولا ريب فيها، وهو المصدر الأول لأحكام الشريعة الإسلامية بما تضمنته آياته من بيان ما شرعه الله للبشر.
وأما ما سواه من سنة أو إجماع أو عقل فإليه ينتهي ومن منبعه يستقي.
ولكن الذي يجب أن يعلم: أنه قطعي الحجة من ناحية الصدور فقط لتواتره عند المسلمين جيلا بعد جيل. وأما من ناحية الدلالة فليس قطعيا كله، لأن فيه متشابها ومحكما.
ثم (المحكم) : منه ما هو نص، أي قطعي الدلالة. ومنه ما هو ظاهر تتوقف حجيته على القول بحجية الظواهر.
ومن الناس من لم يقل بحجية ظاهره خاصة، وإن كانت الظواهر حجة.
ثم ان فيه ناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومطلقا ومقيدا، ومجملا ومبينا. وكل ذلك لا يجعله قطعي الدلالة في كثير من آياته.
أصول الفقه ج 2 ص 47
إذا فالرأي المعروف الذي عليه أكثر الشيعة أن ظواهر القرآن الكريم حجة، لكن أنكر ذلك بعض المحدثين، قال السيد الإمام الخوئي قدس سره في بحث حجية ظواهر القرآن الكريم:
لا شك أن النبي صلى الله عليه وآله لم يخترع لنفسه طريقة خاصة للإفهام مقاصده، وأنه كلم قومه بما ألفوه من طرائق التفهيم والتكلم وأنه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه، وليتدبروا آياته فيأتمروا بأوامره، ويزدجروا بزواجره، وقد تكرر في الآيات الكريمة ما يدل على ذلك، كقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (27) سورة الزمر
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} سورة الشعراء
وقوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) سورة آل عمران
وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (58) سورة الدخان
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر
وقوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب العمل بما في القرآن ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره.
ومما يدل على حجية ظواهر الكتاب وفهم العرب لمعانيه....
ثم ذكر رحمه الله أربعة أدلة ثم قال: وقد خالف جماعة من المحدثين، فأنكروا حجية ظواهر الكتاب ومنعوا عن العمل به، واستدلوا على ذلك بأمور...
ثم ذكر أدلتهم ونقضها، راجع البيان في تفسير القرآن ص 263
فتبين إذا أن الدكتور قد أخطأ في أمرين اساسيين:
الأمر الأول:
أنه نسب القول بعدم حجية الظواهر إلى كل الشيعة، بينما هو رأي لجماعة من الإخباريين وليس كلهم، والدكتور نفسه يعترف بأن الإخباريين أقلية قليلة، فهو يقول في هامش إحدى صفحات كتابه: كما أن من كبار شيوخ الطائفة الأصولية الذين يمثلون الكثرة الغالبة: محسن الحكيم، وشريعت مداري، والخوئي، والخميني وغيرهم. انتهى.
الأمر الثاني:
أنه لم يفهم رأي هذه الأقلية القليلة، أو أنه فهمها لكنه تعمد التظاهر بعدم الفهم، وهذا هو الأقرب، فزعم أنهم يعتقدون بعدم حجية القرآن مطلقاً، والحال أنهم يعتقدون بحجية الآيات المحكمة، وأما الآيات الغير محكمة فيعتقدون بحجيتها ولكن بعد الرجوع لأقوال المعصومين عليهم السلام، حذراً من الوقوع في محذور تفسير القرآن بالرأي الذي ورد النهي عنه من طرق الشيعة والسنة، قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، أخبرنا سويد بن عمرو الكلبى، أخبرنا أبو عوانة، عن عبدالأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار. هذا حديث حسن.
سنن الترمذي ج 4 ص 268
فلا يجوز إتهامهم بالتآمر على الإسلام وعلى القرآن بسبب رأي رأوه حتى وإن أخطأوا لوجود الشبهة كما تقدم... وهذه اختلافات علماء أهل السنة بين بعضهم البعض وبين الواحد منهم ونفسه (فالإمام الشافعي لديه مذهبان في الفقه قديم وجديد!!!) أقول: اختلافاتهم قد ملئات الدنيا، حتى بلغ بهم الأمر إلى تكفير بعضهم البعض...
والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به...
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خير خلقه محمدٍ وآله الطاهرين...
الحلقة (7) اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إلا بقيم
قال الدكتور: اعتقادهم في مصادر الإسلام....
الفصل الأول: اعتقادهم في القرآن الكريم:
في هذا الفصل نتناول - بمشيئة الله - أقوال الشيعة التي تبين اعتقادهم في كتاب الله سبحانه، فنعرض - أولاً - لمذهبهم في حجية القرآن وخروجهم في هذا الأمر عما أجمع عليه المسلمون، وذلك بقولهم: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم (هو أحد الاثني عشر)....
المبحث الأول: اعتقادهم في حجية القرآن
سنقسم هذا المبحث إلى مسائل ثلاث: الأولى: قولهم: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم، والثانية: حصر علم القرآن ومعرفته بالأئمة، والثالثة: زعمهم بأن قول الإمام يخصص عام القرآن، ويقيد مطلقه.. إلخ.
المسألة الأولى: اعتقادهم أن القرآن ليس حجة إلا بقيم:
أثناء مطالعتي في كتب الشيعة رأيت هذه المسألة يؤكد عليها في أكثر من كتاب من كتبهم المعتمدة عندهم، وما كان يخطر بالبال أن تذهب طائفة من الطوائف التي تزعم لنفسها الإسلام إلى القول: "بأن القرآن ليس حجة" والله يقول - لمن طلب آية تدل على صدق الرسول -: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت، آية: 51.]..
فالقرآن العظيم هو الشاهد والدليل والحجة، ولكن شيخ الشيعة ومن يسمونه بـ"ثقة الإسلام" (الكليني) يروي في كتابه: أصول الكافي والذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أهل السنة [انظر: فصل "اعتقادهم في السنة" من هذا الكتاب.] يروي ما نصه: "... أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم: وأن علياً كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله" [أصول الكافي: 1/188.].
كما توجد هذه المقالة أيضاً في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال الكشي [رجال الكشي: ص420.]، وعلل الشرائع [الصدوق/ علل الشرائع: ص 192.]، والمحاسن [البرقي/ المحاسن: ص 268.]، ووسائل الشيعة [الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 18/141.]، وغيرها.
فماذا يعنون بهذه العقيدة: أيعنون بذلك أن النص القرآني لا يمكن أن يحتج به إلا بالرجوع لقول الإمام؟ وهذا يعني أن الحجة هي في قول الإمام لا قول الرحمن، أم يعنوان أن القرآن لا يؤخذ بنظامه إلا بقوة السلطان وهو القيم على تنفيذه؟ ولكن ورد عندهم في تتمة النص ما ينفي هذا الاحتمال وهو قولهم: "فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ، والقدري، والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم" [الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 18/141.].
ومعنى هذا أن قول الإمام هو أفصح من كلام الرحمن، ويظهر من هذا أنهم يرون أن الحجة في قول الإمام لأنه الأقدر على البيان من القرآن، ولهذا سموه بالقرآن الصامت وسمو الإمام بالقرآن الناطق، ويروون عن علي أنه قال: "هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق" [الحر العاملي/ الفصول المهمة: ص 235.]. وقال: "ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم أخبركم عنه ..." [أصول الكافي: 1/61.].... الخ كلامه
الملاحظة الأولى: النص الذي نقله الدكتور هو من كلام الراوي وليس الإمام عليه السلام!
وهذا هو نص الرواية:
روى الكليني رحمه الله عن: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور ابن حازم قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون بالله.
قال: صدقت.
قلت: إن من عرف أن له ربا، فينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة وأن لهم الطاعة المفترضة.
وقلت للناس: تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الحجة من الله على خلقه؟
قالوا: بلى.
قلت: فحين مضى رسول الله صلى الله عليه وآله من كان الحجة على خلقه؟
فقالوا: القرآن.
فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، فما قال فيه من شيء كان حقا.
فقلت لهم: من قيم القرآن؟
فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم.
قلت: كله؟
قالوا: لا.
فلم أجد أحدا يقال: إنه يعرف ذلك كله إلا علياً عليه السلام وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدرى، وقال هذا: أنا أدري، فأشهد أن عليا عليه السلام كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن ما قال في القرآن فهو حق.
فقال: رحمك الله.
الكافي ج 1 ص 168
وقول الدكتور: كما توجد هذه المقالة أيضاً في طائفة من كتبهم المعتمدة كرجال الكشي وعلل الشرائع والمحاسن ووسائل الشيعة.
فإنني بعد مراجعة هذه المصادر رأيت أنها كلها تذكر نفس الرواية!!!
الملاحظة الثانية: بعض آيات القرآن الكريم تحتاج إلا مفّسر معصوم
إنما أوردت نص الرواية بالكامل حتى يتبين تدليس الدكتور، وعدم دقته في النقل، وهو قد تعمد في نقل الرواية بالصورة المتقدمة حتى يخفي وجه الحقيقة والمعنى المراد للراوي...
وإلا فإن الشيعة يقولون بأن القرآن الكريم فيه آيات محكمة لا تحتاج إلا من يبينها، وفيه ايضا آيات متشابهة تحتاج إلى تبيين، إستناداً إلى قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} آل عمران (7)
ولهذا فإننا عندما نرجع إلى تفاسير أهل السنة نجد لديهم اختلافات كثيرة جداً في تفسير الآية الواحدة، تصل في بعض الأحيان إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة أقوال وربما أكثر!!!
بل انهم اختلفوا حتى في تمييز المحكم والمتشابه!!!
يقول القرطبي: اختلف العلماء في المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة...
تفسير القرطبي ج 4 ص 9
ويقول ابن كثير: وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة...
تفسير ابن كثير ج 1 ص 352
وزعم ابن الجوزي ان هناك ثمانية أقوال، قال: المحكم المتقن المبين وفي المراد به هاهنا ثمانية أقوال...
زاد المسير ج 1 ص 300
وهذه طائفة يسيرة جداً من المواضع التي اختلفوا فيها سأنقلها عن تفسير القرطبي نصاً، وهو من أهم التفاسير عند أهل السنة، سأذكرها كمثال وما سأتركه أضعاف أضعاف ذلك:
1 - قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} البقرة (196) فيه اثنتا عشرة مسألة: الأولى: قال ابن العربي: هذه آية مشكلة، عضلة من العضل. قلت: لا إشكال فيها، ونحن نبينها غاية البيان فنقول...
تفسير القرطبي ج 2 ص 371
2 – قوله تعالى: {وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة (197) قال القرطبي: واختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا على أقوال ستة...
تفسير القرطبي ج 2 ص 410
3 – قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} البقرة (238)
قال القرطبي: واختلف الناس في تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 3 ص 209
4 – قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} البقرة (256) قال القرطبي: اختلف العلماء في [معنى] هذه الآية على ستة أقوال...
تفسير القرطبي ج 3 ص 279
5 - اختلف الناس في معنى قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} البقرة (284) على أقوال خمسة...
تفسير القرطبي ج 3 ص 421
6 – قال القرطبي: وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء عند أحد، هما آيتان فيهما ذكر التيمم [إحداهما] في (النساء) والأخرى في (المائدة).
فلا نعلم أية آية عنت عائشة بقولها: (فأنزل الله آية التيمم)!!!
ثم قال: وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معلوما ولا مفعولا لهم.
قلت: أما قوله: (فلا نعلم أية آية عنت عائشة) فهي هذه الآية على ما ذكرنا، والله أعلم.
تفسير القرطبي ج 5 ص 233
7 - قال القرطبي في آية الوضوء: واختلف العلماء في تقدير مسحه (أي الرأس) على أحد عشر قولا، ثلاثة لأبي حنيفة، وقولان للشافعي، وستة أقوال لعلمائنا، والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم لما ذكرناه.
تفسير القرطبي ج 6 ص 87
8 - قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} الأعراف (172) أي واذكر لهم مع ما سبق من تذكير المواثيق في كتابهم ما أخذت من المواثيق من العباد يوم الذر. وهذه آية مشكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها وأحكامها، فنذكر ما ذكروه من ذلك حسب ما وقفنا عليه...
تفسير القرطبي ج 7 ص 314
9 - قال القرطبي: واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أول هذه السورة (أي التوبة) على أقوال خمسة.
تفسير القرطبي ج 8 ص 61
10 - قوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} التوبة (41) قال: نصب على الحال، وفيه عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 8 ص 150
11 - قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} هود (40) قال: اختلف في التنور على أقوال سبعة...
تفسير القرطبي ج 9 ص 33
12 - قوله تعالى: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} هود (107) قال: في موضع نصب، لأنه استثناء ليس من الأول، وقد اختلف فيه على أقوال عشرة...
تفسير القرطبي ج 9 ص 99
13 - واختلف في {المُقْتَسِمِينَ} الحجر (90) على أقوال سبعة...
تفسير القرطبي ج 10 ص 58
14 - قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} الإسراء (110) قال: اختلفوا في سبب نزولها على خمسة أقوال...
تفسير القرطبي ج 10 ص 343
15 - قوله تعالى: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} طه (52) قالك اختلف في معناه على أقوال خمسة...
تفسير القرطبي ج 11 ص 208
16 - اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنكُم} النور (58) على ستة أقوال...
تفسير القرطبي ج 12 ص 302
17 - قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} النور (61) اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على أقوال ثمانية. أقربها: هل هي منسوخة أو ناسخة أو محكمة، فهذه ثلاثة أقوال...
تفسير القرطبي ج 12 ص 312
18 - قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} الفرقان (77) هذه آية مشكلة تعلقت بها الملحدة.
تفسير القرطبي ج 13 ص 84
19 - اختلف العلماء في تأويل قوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ} الأحزاب (52) على أقوال سبعة...
تفسير القرطبي ج 14 ص 219
20 - قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} سبأ (10) قال القرطبي: واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال...
تفسير القرطبي ج 14 ص 264
21 - قوله تعالى: {فَتَعْسًا لَّهُمْ} محمد (8) وفيه عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 16 ص 232
22 – قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} الحشر (5) قال القرطبي: اختلف في اللينة ما هي، على أقوال عشرة...
تفسير القرطبي ج 18 ص 8
23 – قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} القلم (9) قال: فهذه أثنا عشر قولا. ابن العربي: ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوال كلها دعاوى على اللغة والمعنى، أمثلها قولهم: ودوا لو تكذب فيكذبون، ودوا لو تكفر فيكفرون.
تفسير القرطبي ج 18 ص 230
24 - قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} المدثر (4) فيه ثمانية أقوال...
تفسير القرطبي ج 19 ص 62
25 – قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} التكاثر (8) قال القرطبي: واختلف أهل التأويل في النعيم المسئول عنه على عشرة أقوال...
تفسير القرطبي ج 20 ص 176
إلى غير ذلك من اختلافاتهم الكثيرة جدا، ومن لطائف اختلافاتهم أنهم اختلفوا في دلالة آية الوضوء وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} المائدة (6)
فاختلفوا هل هي تدل على وجوب مسح الأرجل أو غسلها؟؟؟
فنرى ابن حزم يجزم بدون أي تردد في دلالة الآية على وجوب المسح فيقول:
وأما قولنا في الرجلين فان القرآن نزل بالمسح، قال الله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس: إما على اللفظ وإما على الموضع، لا يجوز غير ذلك، لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة، وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح يعني في الرجلين في الوضوء.
المحلى ج 2 ص 56
وفي المقابل نرى ان ابن كثير يجزم بدلالة الآية على وجوب الغسل فيقول: وعلى كل تقدير فالواجب غسل الرجلين فرضا لا بد منه للآية والأحاديث التي سنوردها.
تفسير ابن كثير ج 2 ص 27
وهذه مسئلة مهمة وخطيرة جداً إذا أن الصلاة وهي عمود الدين لا تصح دون وضوء صحيح، ومع ذلك فكل مفسر سني يفسر الآية الكريمة بتفسير يناقض تفسير الآخر و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}...
الملاحظة الثالثة: حديث الثقلين
والخلاصة من كل ما تقدم أن الرجوع إلى من معصوم يفسر القرآن الكريم أمر ضروري ولازم، وهذه إحدى وظائف النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } النحل (44)
وقال عز وجل: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} النحل (64)
ولم تتعطل هذه الوظيفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ أن القرآن الكريم لك ينزل للناس في عهده صلى الله عليه وآله فقط، وإنما هو للناس كافة إلى يوم الدين قال المولى عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الجمعة (3)
بل ان النبي صلى الله عليه وآله قد استخلف أفراد معينين يقومون بهذه المهمة، وهم أهل بيته عليهم السلام، فقد روى النسائي بإسناد صحيح على شرط الشيخين، قال:
أخبرنا محمد بن المثنى قال: ثنا يحيى بن حماد قال: ثنا أبو عوانة عن سليمان قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمع بأذنه.
السنن الكبرى ج 5 ص 45
قلت ورجال هذا الحديث رجال الصحيح، وقد أورد ابن كثير هذا الحديث ثم قال: تفرد به النسائي من هذا الوجه، قال شيخنا أبو عبدالله الذهبي وهذا حديث صحيح.
البداية والنهاية ج 5 ص 228
ومن هنا نعرف الشطحة الكبرى التي صدرت عن الدكتور بدافع حقده على الإمامية حين قال:
والمتأمل لتلك المقالة التي تواترت في كتب الشيعة يلاحظ أنها من وضع عدو حاقد أراد أن يصد الشيعة عن كتاب الله سبحانه، ويضلهم عن هدى الله. انتهى
فتنبين أنها ليست من وضع عدو حاقد، بل هي من أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى...
وإن زعم أنه لا يحتاج إلا معصوم يفسر بعض آيات القرآن الكريم فقد كذّب الله ورسوله صلى الله عليه وآله!!!
وليت شعري إن كان غنياً عن تفسير المعصوم عليه السلام، فلماذا تقع بينهم اختلافات في تفسير الآية الواحدة قد تصل في بعض الأحيان إلى عشرة أقوال أو أكثر؟؟؟
ولماذا يصف بعض علمائهم بعض الآيات بأنها: مشكلة، أو معضلة؟؟؟
ولماذا يتمسك بعض الملاحدة ببعض الآيات الكريمة؟؟؟
الملاحظة الرابعة: حجية ظواهر القرآن الكريم
يقول العلامة المظفر قدس سره: ان القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله، والموجود بأيدي الناس بين الدفتين هو الكتاب المنزل إلى الرسول بالحق لا ريب فيه هدى ورحمة {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ} فهو -إذن- الحجة القاطعة بيننا وبينه تعالى، التي لا شك ولا ريب فيها، وهو المصدر الأول لأحكام الشريعة الإسلامية بما تضمنته آياته من بيان ما شرعه الله للبشر.
وأما ما سواه من سنة أو إجماع أو عقل فإليه ينتهي ومن منبعه يستقي.
ولكن الذي يجب أن يعلم: أنه قطعي الحجة من ناحية الصدور فقط لتواتره عند المسلمين جيلا بعد جيل. وأما من ناحية الدلالة فليس قطعيا كله، لأن فيه متشابها ومحكما.
ثم (المحكم) : منه ما هو نص، أي قطعي الدلالة. ومنه ما هو ظاهر تتوقف حجيته على القول بحجية الظواهر.
ومن الناس من لم يقل بحجية ظاهره خاصة، وإن كانت الظواهر حجة.
ثم ان فيه ناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومطلقا ومقيدا، ومجملا ومبينا. وكل ذلك لا يجعله قطعي الدلالة في كثير من آياته.
أصول الفقه ج 2 ص 47
إذا فالرأي المعروف الذي عليه أكثر الشيعة أن ظواهر القرآن الكريم حجة، لكن أنكر ذلك بعض المحدثين، قال السيد الإمام الخوئي قدس سره في بحث حجية ظواهر القرآن الكريم:
لا شك أن النبي صلى الله عليه وآله لم يخترع لنفسه طريقة خاصة للإفهام مقاصده، وأنه كلم قومه بما ألفوه من طرائق التفهيم والتكلم وأنه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه، وليتدبروا آياته فيأتمروا بأوامره، ويزدجروا بزواجره، وقد تكرر في الآيات الكريمة ما يدل على ذلك، كقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (27) سورة الزمر
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} سورة الشعراء
وقوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) سورة آل عمران
وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (58) سورة الدخان
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر
وقوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب العمل بما في القرآن ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره.
ومما يدل على حجية ظواهر الكتاب وفهم العرب لمعانيه....
ثم ذكر رحمه الله أربعة أدلة ثم قال: وقد خالف جماعة من المحدثين، فأنكروا حجية ظواهر الكتاب ومنعوا عن العمل به، واستدلوا على ذلك بأمور...
ثم ذكر أدلتهم ونقضها، راجع البيان في تفسير القرآن ص 263
فتبين إذا أن الدكتور قد أخطأ في أمرين اساسيين:
الأمر الأول:
أنه نسب القول بعدم حجية الظواهر إلى كل الشيعة، بينما هو رأي لجماعة من الإخباريين وليس كلهم، والدكتور نفسه يعترف بأن الإخباريين أقلية قليلة، فهو يقول في هامش إحدى صفحات كتابه: كما أن من كبار شيوخ الطائفة الأصولية الذين يمثلون الكثرة الغالبة: محسن الحكيم، وشريعت مداري، والخوئي، والخميني وغيرهم. انتهى.
الأمر الثاني:
أنه لم يفهم رأي هذه الأقلية القليلة، أو أنه فهمها لكنه تعمد التظاهر بعدم الفهم، وهذا هو الأقرب، فزعم أنهم يعتقدون بعدم حجية القرآن مطلقاً، والحال أنهم يعتقدون بحجية الآيات المحكمة، وأما الآيات الغير محكمة فيعتقدون بحجيتها ولكن بعد الرجوع لأقوال المعصومين عليهم السلام، حذراً من الوقوع في محذور تفسير القرآن بالرأي الذي ورد النهي عنه من طرق الشيعة والسنة، قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، أخبرنا سويد بن عمرو الكلبى، أخبرنا أبو عوانة، عن عبدالأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار. هذا حديث حسن.
سنن الترمذي ج 4 ص 268
فلا يجوز إتهامهم بالتآمر على الإسلام وعلى القرآن بسبب رأي رأوه حتى وإن أخطأوا لوجود الشبهة كما تقدم... وهذه اختلافات علماء أهل السنة بين بعضهم البعض وبين الواحد منهم ونفسه (فالإمام الشافعي لديه مذهبان في الفقه قديم وجديد!!!) أقول: اختلافاتهم قد ملئات الدنيا، حتى بلغ بهم الأمر إلى تكفير بعضهم البعض...
والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به...