تصريح أمير المؤمنين صلوات الله عليه بغدر وخيانة وكذب أبي بكر وعمر - ج1ج2

18 أبريل 2010
131
0
0
<B>

تصريح أمير المؤمنين صلوات الله عليه بغدر وخيانة وكذب أبي بكر وعمر




بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صل على محمدٍ وآل محمد

يسأل أحدهم فيقول:
لماذا لم يرو عن علي بن أبي طالب عليه رحمة الله وبركاته انه حدث عن نفاق في أبي بكر وعمر عليهما رضوان الله ، ثم كيف يزوج ابنته لعمر رضي الله عنه ، أرجو إجابه واضحة مختصرة مع الأدلة؟ وما لم تأتني فسأظل على ما أنا عليه محباً لهم ولأهل البيت وكارهالكل من يكرههم (طبعاكارهاً لكرهه وليس لشخصه) شكراً لكم . إنتهى!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك روايات واضحة صريحة، تخبرنا رأي أمير المؤمنين صلوات الله عليه في أبي بكر وعمر، ومن لف لفهم، ممن تعدى واغتصب الحق من أهله، منها ما يرويه مسلم في صحيحه ج: 3 ص: 1378: ح1757 بسنده عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ حَدَّثَهُ قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ قَالَ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ لِي يَا مَالُ إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ قَالَ قُلْتُ لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غَيْرِي قَالَ خُذْهُ يَا مَالُ قَالَ فَجَاءَ يَرْفَا فَقَالَ هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ قَالَ نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَقَالَ عَبَّاسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ فَقَالَ الْقَوْمُ أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ اتَّئِدَا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ قَالُوا نَعَمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فَقَالَ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ قَالَا نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ قَالَ { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } مَا أَدْرِي هَلْ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْ لَا قَالَ فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَكُمْ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ فَوَاللَّهِ مَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْكُمْ وَلَا أَخَذَهَا دُونَكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَتَعْلَمُونَ ذَلِكَ قَالُوا نَعَمْ ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا بِمِثْلِ مَا نَشَدَ بِهِ الْقَوْمَ أَتَعْلَمَانِ ذَلِكَ قَالَا نَعَمْ قَالَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُمَا تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ...إلخ.

من خلال هذا الحديث يتبين لنا يقيناً رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه والعباس بن عبدالمطلب رضوان الله تعالى عليه بحق أبي بكر وعمر وعلى لسان عمر بن الخطاب نفسه وهو أنهما:

كاذبين آثمين غادرين.

فبمجيء أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى أبي بكر مطالباً بحقه، ومعاودة المطالبة في خلافة عمر ، فيه معانٍ أهمهما بأنه يرى أبي بكر كاذباً خائناً للعهد وأن الحديث الذي أتى به لا يصح على رسول الله صلوات الله عليه وآله، وإلا لما طالبهما بحقه. وهذا يعد نصاً من قبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه بل وتقريراً منه بخيانة وكذب وغدر أبي بكر، ويتبين ذلك لكل لبيب.

والحديث له دلالات أخرى، ولكن أجيبك على حد سؤلك.

حديث آخر وهو تصريح أمير المؤمنين صلوات الله عليه بإستبداد أبي بكر واغتصابه الخلافة، كما جاء في صحيح البخاري ج: 4 ص: 1549 ،36 باب غزوة خيبر : ح3998 حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر فقال عمر لا والله لا تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر وما عسيتهم أن يفعلوا بي والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ولكنك استبددت علينا بالأمر..إلخ.

وكما هو معلوم من يستبد بأمر الخلافة دون مشورة السادة وأهل الحل والعقد يقتل، جاء في لسان العرب ج: 3 ص: 81 : و اسْتَبَدَّ فلان بكذا أَي انفرد به؛ وفـي حديث علـيّ، رضوان الله علـيه: كنا نُرَى أَن لنا فـي هذا الأَمر حقّاً فاسْتَبْدَدتم علـينا؛ يقال: استبَدَّ بالأَمر يستبدُّ به استبداداً إِذا انفرد به دون غيره. و استبدَّ برأْيه: انفرد به..!!

لسان العرب ج: 5 ص13 : وفـي حديث عمر، رضي الله عنه: أَيّما رجل بايَعَ آخَرَ علـى مشورة فإِنه لا يُؤَمَّرُ واحدٌ منهما تَغِرَّةَ أَن يُقْتلا؛ التَّغرّة مصدر غَرَرْته إِذا أَلقـيته فـي الغَرَر وهو من التَّغْرير كالتَّعِلّة من التعلـيل، قال ابن الأَثـير: وفـي الكلام مضاف مـحذوف تقديره خوف تَغرَّةٍ فـي أَن يُقْتلا، أَي خوف وقوعهما فـي القتل فَحَذَف الـمضافَ الذي هو الـخوف، وأَقام الـمضاف إِلـيه الذي هو تَغِرّة مقامه، وانتصب علـى أَنه مفعول له، ويجوز أَن يكون قوله أَن يُقْتَلا بدلاً من تَغِرَّة، ويكون الـمضاف مـحذوفاً كالأَول، ومن أَضاف تَغِرَّة إِلـى أَن يُقْتَلا فمعناه خوف تَغِرَّةِ قَتْلِهما؛
ومعنى الـحديث : أَن البـيعة حقّها أَن تقع صادرة عن الـمَشُورة والاتفاقِ، فإِذا استبدَّ رجلان دون الـجماعة فبايَع أَحدُهما الآخرَ، فذلك تظاهُرٌ منهما بشقّ العصا واطِّراح الـجماعة، فإِن عُقدَ لأَحد بـيعةٌ فلا يكون الـمعقودُ له واحداً منهما، ولْـيكونا معزولـين من الطائفة التـي تتفق علـى تميـيز الإِمام منها، لأَنه لو عُقِد لواحد منهما، وقد ارتكبا تلك الفَعْلة الشنـيعة التـي أَحْفَظَت الـجماعة من التهاونُ بهم والاستغناءِ عن رأْيهم، لـم يُؤْمَن أَن يُقْتلا؛ هذا قول ابن الأَثـير، وهو مختصر قول الأَزهري، فإِنه يقول: لا يُبايع الرجل إِلا بعد مشاورة الـملإِ من أَشراف الناس واتفاقهم، ثم قال: ومن بايع رجلاً عن غير اتفاق من الـملإِ لـم يؤمَّرْ واحدٌ منهما تَغرّةً بمكر الـمؤمَّر منهما، لئلا يُقْتلا أَو أَحدهما، ونَصب تَغِرّة لأَنه مفعول له وإِن شئت مفعول من أَجله، وقوله: أَن يقتلا أَي حِذارَ أَن يقتلا وكراهةَ أَن يقتلا؛ قال الأَزهري: وما علـمت أَحداً فسر من حديث عمر، رضي الله عنه، ما فسرته، فافهمه.. إنتهى!

فهل شاور أبو بكر وعمر أمير المؤمنين صلوات الله عليه، والعباس بن عبدالمطلب والأخرون بشأن الخلافة؟ وفهل سيقيم أهل السنة الحد بحق أبي بكر لإستبداده بأمر الخلافة دون مشورة أهل الحل والعقد؟

حديث آخر أيضاً بعد مقتل عمر بن الخطاب، ومحاولة تنصيب أمير المؤمنين صلوات الله عليه بشرط أن يبايع على سنة الشيخين، فرفض صلوات الله عليه، قال اليعقوبي في تاريخه ج 1 ص 162 :
" إن عبد الرحمن بن عوف قد خلا بعلي بن أبي طالب فقال : لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر " الخلافة " أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ! ! فقال علي أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ثم خلا بعثمان فقال له : لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال عثمان : لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر . . . وأعاد القول على الاثنين مرة ثانية فأجابا بمثل جوابهما أول مرة ، فصفق عبد الرحمن على يد عثمان كناية على اختياره للخلافة لأن عثمان قد التزم بأن يعمل بكتاب الله وسنة رسول الله وسيرة أبي بكر وعمر ، أما علي فقد التزم فقط بالعمل بكتاب الله وسنة رسول ولم يلتزم بالعمل بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر لذلك صرفت عنه الخلافة... إنتهى.

وفي مسند أحمد:1/75: (عن أبي وائل قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً ؟ قال: ما ذنبي، قد بدأت بعلي فقلت أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر؟ قال فقال: فيما استطعت . قال: ثم عرضتها على عثمان فقبلها ) . وفي فتح الباري:13/171: (فقال أي عبد الرحمن مخاطباً لعثمان: أبايعك على سنة الله وسنة رسوله وخليفتيه من بعده... فقال نعم فبايعه ). وفي الفصول للجصاص:4/55: (فقال علي: أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ، واجتهاد رأيي ، وعرضه على عثمان فقبله على ما شرطه عليه ).

لفت نظر: لقد دلّ الشرط الذي ذكر من البيعة على سيرة الشيخين وتأكيد ابن عوف عليه، على وجودِ تخالف بين سنّة رسول اللّه‏ صلوات الله عليه وآله وسيرة أبي بكر وعمر، فلو كانت سيرتهما كما أراد الله ورسوله صلوات الله عليه وآله، لما رفضهما أمير المؤمنين صلوات الله عليه، إنّ امتناع الإمام عليّ صلوات الله عليه عن قبول ذلك الشرط وعدم تسليم ابن عوف الخلافة له، يوضّح التباين المكشوف بين النهجين. نهج الصراط المستقيم من قبل الله ورسوله صلوات الله عليه وآله ومنهم أبي بكر وعمر، والأدلة على ذلك كثيرة، أحيل لأحد المواضيع التي تبين بأن منهج كل واحدٍ منهما مختلف عن الآخر، ومحال أن يكون الصراط المستقيم طريقان مضادان لبعضهما البعض، وهو إختلاف أبي بكر وعمر دليل على بطلان خلافتهما:
http://ansarweb.net/mofajr/topic.php?id2=84


الخطبة الشقشقية المشهورة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حيث يقول فيها:
أَمَا وَ الله لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه ُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ ـ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى ـ :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا * وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ


فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ الله بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ الله خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ . فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَ النَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا الله سُبْحَانَهُ يَقُولُ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بَلَى وَ الله لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ الله عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ .

قَالُوا وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الْإِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ] قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ .
فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَالله مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلَامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلَامِ أَلَّا يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ .

وهذه الخطبة ليست من هدر الشيعة كما يتهمنا البعض، ولكن وكما تعرفون ، فإن مصادر السنة الأساسية مثل الصحاح الستة ، تتجنب رواية أي شيء يتعلق بإثبات حق أمير المؤمنين عليه السلام ، حتى عن لسانه، ولذا لا نتوقع أن يرووا مثل خطبته الشقشقية الصريحة بإدانة أبي بكر وعمر ، وإن كان فلتت منهم بعض الروايات التي سجلت حقيقة موقف أمير المؤمنين عليه السلام من أبي بكر وعمر ، كالذي رواه مسلم من شهادة عمر بأن علياً عليه السلام والعبّاس قالا له ولابي بكر : إنكما غادران خائنان آثمان.

أما المصادر الأخرى للسنة فتجد فيها ما يثبت صدور هذه الخطبة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، كالذي ذكره ابن سلام في غريب الحديث ، وابن الاثير في النهاية قال : (ومنه حديث علي في خطبة له : تلك شقشقة هدرت ، ثم قرّت) .

وقد تتبع ذلك الشيخ الاميني رحمه الله في الغدير : 7/82 ، وج 4/197 ، و الشيخ المحمودي في نهج السعادة : 2/512.

قال الشيخ الاميني رحمه الله في الغدير : 7/82 حول هذه الخطبة : هذه الخطبة تسمى بالشقشقية ، وقد كثر الكلام حولها فأثبتها مهرة الفن من الفريقين ، ورأوها من خطب مولانا أمير المؤمنين الثابتة التي لا مغمز فيها ، فلا يُسمع إذن قول الجاهل بأنها من كلام الشريف الرضي ، وقد رواها غير واحد في القرون الأولى قبل أن تنعقد للرضي نطفته ، كما جاءت بإسناد معاصريه والمتأخرين عنه من غير طريقه و إليك اُمّة من اُؤلئك :
1 ـ الحافظ يحيي بن عبد الحميد الحماني ، المتوفّى 228 ، كما في طريق الجلودي في العلل والمعاني .
2 ـ أبو جعفر دعبل الخزاعي ، المتوفّى 246 ، رواها بإسناده عن ابن عبّاس ، كما في أمالي شيخ الطائفة/237 ، ورواها عنه أخوه أبو الحسن علي .
3 ـ أبو جعفر أحمد بن محمد البرقي ، المتوفّى 274 / 80 ، كما في علل الشرائع .
4 ـ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة ، المتوفّى 303 ، كما في الفرقة الناجية للشيخ ابراهيم القطيفي ، والبحار للعلامة المجلسي 8 : 161 .
5 ـ وجدت بخط قديم عليه كتابة الوزير أبي الحسن علي بن الفرات ، المتوفّى 312 ، كما في شرح ابن ميثم .
6 ـ أبو القاسم البلخي أحد مشايخ المعتزلة ، المتوفّى 317 ، كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/69 .
7 ـ أبو أحمد عبد العزيز الجلودي البصري ، المتوفّى 332 ، كما في معاني الاخبار .
8 ـ أبو جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم البلخي المذكور ، رواها في كتابه (الإنصاف) كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 69 وشرح ابن ميثم .
9 ـ الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفّى 360 ، كما في طريق القطب الراوندي في شرح نهج البلاغة .
10 ـ أبو جعفر ابن بابويه القمي ، المتوفّى 381 ، في كتابيه : علل الشرائع ومعاني الاخبار .
11 ـ أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري ، المتوفّى 382 ، حكى عنه شيخنا الصدوق شرح الخطبة في معاني الأخبار والعلل .

(لفت نظر) : عده السيد العلامة الشهرستاني في : (ما هو نهج البلاغة)/22 ، ممن روى الشقشقية ، فأرخ وفاته بسنة 395 ، وذكره في/23 فقال : من أبناء القرن الثالث . لا يتم هذا ولا يصح ذاك ، وقد خفي عليه أن الحسن بن عبد الله العسكري راوي الشقشقية هو : أبو أحمد صاحب كتاب الزواجر ، وقد توفّي سنة 382 وولد 293 ، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسكري صاحب كتاب « الاوائل » تلميذ أبي أحمد العسكري ، والتاريخ الذي ذكره تاريخ فراغه من كتابه (الاوائل) لا تاريخ وفاته . توجد ترجمة كلا الحسنين العسكريين في : معجم الاُدباء 8 : 233 ـ 268 ، وبغية الوعاة/221 .

12 ـ أبو عبد الله المفيد ، المتوفّى 412 ، اُستاذ الشريف الرضي ، رواها في كتابه (الإرشاد)/135 .
13 ـ القاضي عبد الجبار المعتزلى ، المتوفّى 415 : ذكر في كتابه (المغنى) تأويل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها على الطعن في خلافة من تقدم على أمير المؤمنين من دون أي إيعاز إلى الغمز في إسنادها .
14 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه ، المتوفّى 416 ، كما في طريق الراوندي في شرح النهج .
15 ـ الوزير أبو سعيد الآبي ، المتوفّى 422 ، في كتابه : (نثر الدرر ونزهة الاديب) .
16 ـ الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي الاكبر ، توفّي سنة 436 ، ذكر جملة منها في الشافي/203 فقال : مشهور . وذكر صدرها في/204 فقال : معروف .
17 ـ شيخ الطائفة الطوسي ، المتوفّى 460 ، رواها في أماليه/327 عن السيد أبي الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، المترجم في مستدرك العلامة النوري 3 : 509 من طريق الخزاعيين . وفي تلخيص الشافي .
18 ـ أبو الفضل الميداني ، المتوفّى 518 ، في مجمع الامثال/383 ، قال : ولامير المؤمنين علي رضي الله عنه خطبة تعرف بالشقشقية لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال له حين قطع كلامه : يا أمير المؤمنين ! لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت . فقال : هيهات يا بن عبّاس ! تلك شقشقة هدرت ثم قرّت .
19 ـ أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادي ، الشهير ب ـ : ابن الخشّاب ، المتوفّى 567 ، قرأها عليه أبو الخير مصدق الواسطي النحوي ، وسيوافيك بعيد هذا كلامه فيها .
20 ـ أبو الحسن قطب الدين الراوندي ، المتوفّى 573 ، رواها في شرح نهج البلاغة من طريق الحافظين : ابن مردويه ، والطبراني ، وقال : أقول : وجدتها في موضعين تاريخهما قبل مولد الرضي بمدة : أحدهما : أنها مضمنة كتاب « الانصاف » لابي جعفر ابن قبة ، تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة ، وكانت وفاته قبل مولد الرضي . الثاني : وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات ، وكان وزير المقتدر بالله ، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة ، والذي يغلب على ظني أن تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة .
21 ـ أبو منصور الطبرسي ، أحد مشايخ ابن شهر اشوب ـ المتوفّى 588 ـ في كتابه « الاحتجاج » /95 ، فقال : روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس .
22 ـ أبو الخير مصدق بن شبيب الصلحي النحوي ، المتوفّى 605 ، قرأها على أبي محمد ابن الخشّاب وقال : لما قرأت هذه الخطبة على شيخي أبي محمد ابن الخشاب .. .. الخ .
23 ـ مجد الدين أبو السعادات ابن الاثير الجزري ، المتوفّى 606 ، أوعز إليها في كلمة « شقشق » في النهاية : 2 : 294 ، فقال : ومنه حديث علي في خطبة له : تلك شقشقة هدرت ثم قرت .
24 ـ أبو المظفر سبط ابن الجوزي ، المتوفّى 654 ، في تذكرته/73 ، من طريق شيخه أبي القاسم النفيس الانباري باسناده عن ابن عبّاس ، فقال : تعرف بالشقشقية ، ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخل بالبعض ، وقد أتيت بها مستوفاة . ثم ذكرها مع اختلاف ألفاظها .
25 ـ عز الدين ابن أبي الحديد المعتزلي ، المتوفّى 655 ، قال في شرح النهج 1 : 69 : قلت : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي ، إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة . ووجدت أيضاًكثيراً منها في كتاب أبي جعفر ابن قبة ، أحد متكلمي الامامية ، وهو الكتاب المشهور بكتاب « الانصاف »، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجوداً .
26 ـ كمال الدين ابن ميثم البحراني ، المتوفّى 679 ، حكاها عن نسخة قديمة عليها خط الوزير علي بن الفرات ، المتوفّى 312 ، وعن كتاب« الانصاف » لابن قبة ، وذكر كلمة ابن الخشاب المذكورة ، وقراءة أبي الخير إياها عليه .
27 ـ أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأفريقي المصري ، المتوفّى 711 ، قال في مادة (شقشق) من كتابه (لسان العرب) : 12 : 53 : وفي حديث علي رضوان الله عليه في خطبة له : تلك شقشقة هدرت ثم قرت .
28 ـ مجد الدين الفيروزآبادي ، المتوفّى 816 / 17 ، أوعز إليها في القاموس : 3 : 251 ، قال : والخطبة الشقشقية العلوية ؛ لقوله لابن عباس ـ لما قال له : لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت ـ : يا بن عباس ! هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت .

ـ وقال الشيخ المحمودي في نهج السعادة : 2/512 : (ليُعلم أن الخطبة الشريفة قد رواها جماعة كثيرة من علماء السنة والإمامية ، ومن عجائب الدهر أنه مع كثرة الدواعي على إخفاء أمثال هذا الكلام ، واستقرار ديدنهم على تغطيته وستره ، وتمزيق أصله وإحراق مصادره ، ومع ذلك كله قد تجلّى في اُفق كتب كثير من أهل الإنصاف من علماء أهل السنة ، وتلألأ بدره التام بحيث ينفذ شعاعه في حاسة العميان فضلا عن أهل البصائر والضمائر ..

فرواها الحافظان : ابن مردويه ، والطبراني ـ كما يأتي ـ .

ورواها ابن الخشاب عبد الله بن أحمد ، واعترف بأنها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وأنه وجدها في كتب العلماء وأهل الأدب بخطوطهم قبل أن يُخلق الرضي بمائتي سنة ، كما ذكره عنه ابن أبي الحديد في شرح الخطبة .

وكذلك ذكر ابن أبي الحديد في الشرح : : 1/69 : أنه وجد كثيراً من ألفاظ الخطبة في تصانيف إمام البغداديين من المعتزلة الشيخ أبي القاسم البلخي .

وأيضا رواها سبط ابن الجوزي يوسف بن قزغلي الحنفي في أول الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص/133 ، عن شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري ، ثم ذكر الخطبة بما يستفاد منه تعدد الطرق لها .

ورواها أيضاً الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ، المتوفّي عام 382 ، كما رواها عنه الشيخ الصدوق في علل الشرائع ومعاني الأخبار ، وكذلك العلامة الحلي في المطلب الخامس من كتاب كشف الحق : : 2/40 ، وكذلك نقلها عنه في المقدمة الثالثة من كتاب الدرجات الرفيعة ،/37 .

ورواها أيضاً أبو علي الجبائي وأبو هلال العسكري الحسن بن عبد الله بن سهل ، المتوفّي بعد سنة 395 ، في كتاب الأوائل ، كما نقل عنه في إحقاق الحق ، نقلا عن هدية الأحباب .

وكثيرا منها ذكره الأدباء واللغويون ؛ فذكر قطعا منها في مادة : « جذ » و « حذ » و « حضن » و « نفج » و « نفخ » و « شقشق » من القاموس ، ولسان العرب ، وتاج العروس ، ومجمع الأمثال : /169 .

وقطعا كثيرة منها ذكرها ابن الأثير في النهاية ؛ فانظر منه المواد التالية : « جذ » و« حذ » و« حضن » و« نفج » و« نفخ » و« نثل » و« خضم » و« شقشق » و« عفط » و« حلأ » و « سفف » و« شنق » .

وقال الفيروزآبادي في مادة : (شقق) من كتاب القاموس : والخطبة الشقشقية العلوية ؛ لقوله لابن عباس ـ لما قال له : لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت ـ : يا بن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت ! ! !

وقال في باب الاستعانة من الجزء الثالث من كتاب تحرير التحبير ،/383 : وأما الناثر فإن أتى في أثناء نثره ببيت لنفسه سمّى ذلك : تشهيراً ، وإن كان البيت لغيره سُمّي : استعانة ، كقول علي عليه السلام في خطبته المعروفة بالشقشقية : [ فيا عجبا ] بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته [ ثم قال ] :
شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر ، فهذا البيت للأعشى ، استعان به علي عليه السلام كما ترى.

أما بخصوص التزويج، فقد اشبع هذا البحث بما يكفي:
أولاً: هذا الزواج، لا يسبب إحراجاً للشيعة ولأهل البيت صلوات الله عليهم إن وقع، لـــمـــاذا..؟؟ لأنه كان تحت التهديد لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، فالحرج يقع على الطرف الآخر!

ثانياً: عليهم أن يوافقوا على كل الروايات وكل التفاصيل لهذه القضية، أنهم يجب أن لا ينكروا أموراً ويقبلوا أموراً أخرى، ومن تلك :
إذا قبلت بهذا الزواج فعليكم بقبول كل الأخبار التي تتحدث عنه في كتبكم، وعليكم أن تلتزموا بسائر التفاصيل الواردة في نفس الواقعة ، التي تكون نتيجتها : أن عمر رجل فاسق فاجر متهور ، وذلك لما روي من تفاصيل في هذا الزواج :
أولاً: ففي بعض رواياتهم : أن عمر هدّد عليّاً ، كما في ذخائر العقبى ص: 168 !
ثانياً : أن عمر لما بلغه منع عقيل عن ذلك قال : ويح عقيل سفيه أحمق، كما في مجمع الزوائد ج: 4: ص272 .!!
ثالثاً: التهديد بالدرّة، كما في الذرية الطاهرة ص: 158.
رابعاً: أنها لمّا ذهبت إلى المسجد ليراها عمر، قام إليها فأخذ بساقها، وقبّلها، كما في تاريخ بغداد ج 6 ص: 182!
أو : وضع يده على ساقها فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا ؟ لو لا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، أو : لطمت عينيك، كما في الإستيعاب ج4: 1954 ، أسد الغابة ج5 / 615 ، الإصابة!
أو: أخذ بذراعها !! أو: ضمّها إليه !!!

فراجعوا هذا الرابط لكتاب ظلامة أم كلثوم عليها الصلاة والسلام:
http://www.mezan.net/books/s-j-b/zoulamat.htm

فهل تقبلوا بهذه الأمور لله أبوكم..؟؟

والجذير بالذكر بأن عمر قد سعى أيضاً ـ كما يروي أهل السنة ـ إلى التزوج من أم كلثوم بنت أبي بكر، فلم يمكنهم دفعه عن ذلك، حتى توسلت عائشة بعمرو بن العاص، فدفعه عنها بطريقته الخاصة:
فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أنا أكفيك.
فذهب إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، لو جمعت إليك امرأة.
فقال : عسى أن يكون ذلك.
قال : من ذكر أمير المؤمنين؟
قال : أم كلثوم بنت أبي بكر.
قال : ما لك ولجارية سعى إليك إياها بكره عيش؟
فقال عمر : عائشة أمرتك بذلك؟
قال : نعم.
فتركها، فتزوجها طلحة بن عبيد الله الخ.. فراجع الروضة الفيحاء في تواريخ النساء ص303 وكنز العمال ج13 ص626 عن ابن عساكر.

فإن قيل: إن هذا كذب..

فإنه يقال: إن الشيعة لم يدونوا ذلك في كتبهم، ولا رووه في أخبارهم، وإنما رواه لهم أهل السنة، فلماذا يكذب أهل السنة على عمر، وأي نفع له أو لهم في ذلك؟

أرجو مراجعة الصواعق العلوية والفاطمية للمزيد من المواضيع التي لها علاقة بالموضوع.


والحمد لله رب العالمين

</B>



الرد الثاني: تصريح أمير المؤمنين صلوات الله عليه بغدر وخيانة وكذب أبي بكر وعمر


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صل على محمدٍ وآله الطاهرين


يقول السائل الكريم:
لم يشف الجواب الذي رايته آنفا غليلي فالحقيقة ارى انكم تسعون دوما للاجابة من كتب الحديث الصحيحة التي هي لدينا دون الاخذ بعين الاعتبار اننا لا يمكن لاحدنا نحن الذين نتبعها ان يفسرها بدون دراسة علم الاصول مثلا اي حديث موجود في صحيحي البخاري ومسلم لا يمكن اخذ معناه من ظاهره على ان يكون مطلوب مناتنفيذ ما فيه لانه صحيح دون معرفة ما يدور حوله من اصول ، فالاصول هي فهم للغة العربية ، وفهم للاحاديث الصحيحة السند المعمول بها بشكل متواتر وخاصة في القرون الثلاثة الاولى ، ثم دراسة حالة الحديث على انها قد تكون خاصة غير عامة.
الان بالعودة الى سؤالي هل ابو بكر وعمر خائنين منافقين، ارى انكم جئتم بحديث من صحيح مسلم يذكر فيه الخليفة عمر ان عليا والعباس اعتبراه وابا بكر قبله خائنين .... هذا الحيث صحيح وفيه من قبل اتهام العباس لعلي على انه كاذب وهذا اما الصحابة الكرام( حين قال: اقض بيني و بين هذا الكاذب) ولم يعترض احد على ما قاله العباس لان السياق يوضح انه: ان قال هذا باعتبار علي بمثابة ابنه وعلى انه ان فعل هذا بقصد فهو بمثابة ما قال عنه يعني بقصد ردعه عما يعتقد انه مخطئٌ فيه وهذا حقيقة الامر ، ولا يصح ان يقول احد عن علي انه كاذب وهذا طبعا مما امرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. رواه مسلم. و اخر: خير الناس قرني ثم الذي يلونهم ، و آخر: خير الناس القرن الذي بعثت فيه ، كما انه في صحيحي البخاري ومسلم بابا كاملا عن فضائل الصحابة فهل اخذ هذا الحديث بظاهر معناه واترك كل ماوردعن فضلهم .....اني اذا لفي ضلال مبين وعلى ما ذكرت في مقولة العباس نفسه اقيسه على قول عمر لعلي والعباس عن خيانته وخيانة ابي بكر فهو في من باب ان لا يطلبا منه ان يفسمه بينهما حتى لا صدقة من بعده اي هو مافق لقول ابي بكر قبله ووافقه عثمان في عمله هذا في خلافته، والجدير بالذكر ان عليا لم يغير شيئا مما قضاه ابو بكر وعمر وعثمان قبله. وحدث مع ابو العباس السفاح انه: لَمَّا خَطَبَ أَوَّل خُطْبَة قَامَ بِهَا قَامَ إِلَيْهِ رَجُل مُعَلِّق فِي عُنُقه الْمُصْحَف فَقَالَ : أَنْشُدك اللَّه إِلَّا مَا حَكَمْت بَيْنِي وَبَيْن خَصْمِي بِهَذَا الْمُصْحَف فَقَالَ : مَنْ هُوَ خَصْمك ؟ قَالَ : أَبُو بَكْر فِي مَنْعه فَدَك , قَالَ : أَظَلَمَك ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَمَنْ بَعْده ؟ قَالَ : عُمَر : قَالَ : أَظَلَمَك ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَقَالَ : فِي عُثْمَان كَذَلِكَ , قَالَ : فَعَلِيّ ظَلَمَك ؟ فَسَكَتَ الرَّجُل فَأَغْلَظَ لَهُ السَّفَّاح ( رواه ابو داوود) كنت قد سالت الله ان يجعل الصواب على لسانكم ، اسال الله ان يجعلنا من اهل الصواب، واساله ان تصلحو هذه النظرة الخاطئة عن صحابته، واظن ان يمتلك علما كعلمكم حري به ان يكون عقله لينا للصواب مهما كانت النتائج فهو محترم لعقله.. إنتهى!



الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمدٍ وآله الطاهرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

أولاً: أحب أن أنوه، بأن الحق لا يعرف العاطفة، ولا يحب الميل بغير حقٍ، فعلينا إتباع الدليل أينما مال نميل.

فأرجو مراجعة الرد على هذا الرابط:
http://ansarweb.net/mofajr/topic.php?id2=214

ثانياً: لا يجب تقديس الصحابة وعصمتهم من الزلل والخطأ، إلا ما يكون في حقه نص صريحة بعصمته على لسان رسول الله صلوات الله عليه وآله وهو العظيم الذي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} الآية 3 و4 من سورة النجم.

ثالثاً: الأحاديث التي أشير إليها، قد شرحت وبينت مفرداتها، في كتبكم، سواءً بالتأويل الحقيقي أو البعيد عن الحق، وربما حرف معناها، بل ربما حذف كلمات في الأحاديث خشية بيان الحق والحقيقة، كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.

رابعاً: أراكم أغضضتم الطرف عن كثير مما قلنا، فلماذا يا أخي؟

بالنسبة لكملة العباس بن عبدالمطلب رضوان الله تعالى عليه (اقض بيني و بين هذا الكاذب).

ببسم الله أقول:
أولاً: هذه زيادة من قبل الرواة، فالعبارة لا يمكن قبولها، لأنها ليست ثابتة، فهناك إضطراب في نصوصها:
1) فتارة كان النص (اقض بيني وبين هذا)، ولا يوجد فيها أي كلمة تسيء إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه من قبل العباس رضي الله تعالى عنه، وهذا يرويه البخاري في صحيحه ، وفي أيضاً في كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، وغيرهم من الكتب الحديثية.

2) زاد شعيب ويونس (فاستب علي وعباس)

3) وفي رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض (اقض بيني وبين هذا الظالم ؛ استبا)

4) وفي رواية جويرية (وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن).

فأيها نقبل؟

قال الالباني في تمام المنة ص 17 : القاعدة الثانية: ( رد الحديث المضطرب )
علم مما سبق آنفا أن من شروط الحديث الصحيح أن لا يكون معللا ، فاعلم أن من علل الحديث الاضطراب ، وقد قالوا في وصف الحديث المضطرب : هو الذي تختل الرواية فيه ، فيرويه بعضهم على وجه ، وبعضهم على وجه آخر مخالف له.

إلى أن يقول: ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع ذلك في راو واحد ، وقد يقع من رواة له جماعة ، والاضطراب موجب ضعف الحديث ، لإشعاره بأنه لم يضبط !

ثانيا: علماؤكم ردوا هذا المقطع، وقالوا بأنه وهم من الرواة، فيقول بن حجر العسقلاني في فتح الباري - ج6 ص205 : ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء بخلاف ما يفهم قوله في رواية عقيل (استبا).

ثم تابع ابن حجر قائلا :
واستصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث وقال : لعل بعض الرواة وهم فيها ، وإن كانت محفوظة.

إلى أن يقول:
ولا بد من هذا التأويل لوقوع ذلك بمحضر الخليفة ومن ذكر معه ولم يصدر منهم إنكار لذلك مع ما علم من تشددهم في إنكار المنكر.. إنتهى.

وقال ابن حجر أيضًأ في فتح الباري - ج13 ص280 :
قال ابن التين : معنى قوله في هذه الرواية ( استبا ) أي نسب كل واحد منهما الآخر إلى أنه ظلمه وقد صرح بذلك في هذه الرواية بقوله ( اقض بيني وبين هذا الظالم ) قال ولم يرد أنه يظلم الناس وإنما أراد ما تأوله في خصوص هذه القصة ولم يرد أن عليا سب العباس بغير ذلك لأنه صنو أبيه ، ولا أن العباس سب عليا بغير ذلك لأنه يعرف فضله وسابقته ،

وقال المازري : هذا اللفظ لا يليق بالعباس وحشا عليا من ذلك فهو سهو من الرواة ، وإن كان لا بد من صحته فليؤول بأن العباس تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر...إنتهى!

وقال الكرماني في شرح صحيح البخاري - مجلد 12 - ج25 ص50:
( استبا ) أي تخاشنا في الكلام وتكلما بغليظ القول كالمستبين.. إنتهى!

إلى غيرها من كلمات العلماء.

وغاية المعنى كما صرح به القاضي عياض في شرح على قول بن عباس كما في إكمال إكمال المعلم للوشتاني الآبي 5 : 74:
وإن صحت هذه الألفاظ فأوجه ما فيها أن يقال : إنّها صدرت من العباس على وجه الدالة على ابن أخيه ، لأنّه في الشرع بمنزلة أبيه...إنتهى!

ثالثاً: لا يمكن تأويلك قول العباس رصوان الله تعالى عليه لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله على النحو الذي تريد تأويله لقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه والعباس بحق أبي بكر وعمر:
1) كلمتهما تجاه أبي بكر وعمر، كانت واضحة المعاني إذ أنهما أصحاب قضية، فهم يعتبرانهما مغتصبين للحقوق ويكذبان فيما يدعيانه بأنه لا نصيب لأهل بيت رسول الله صلوات الله عليه من تركة رسول الله صلوات الله عليه وآله، ولنا في هذا الشأن مواضيع ببراهين ناصعة جلية، فدونكم الصواعق الفاطمية فراجعوها.

2) المازري جعل من هذه الكلمة في حق أبي بكر وعمر ما لها من غموض وتمويه لتحريف المعنى، فقال إكمال إكمال المعلم للوشتاني الآبي 5 : 75:
ويجب عندي تأويل قول عمر هذا في أبي بكر ، وقوله على نفسه مثل ذلك.

ثم تكلف في التوجيه ما زاد الحال في الغموض والتمويه.

3) وجدنا البخاري وقد حرف وحذف الكلمات من أساس، وبعض الروايات وضع كلمة ( كذا وكذا ) أو كلمة (فرأيتماه إلى آخرة، فرأيتماني إلى آخره).. صحيح البخاري : ثم قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله ، هل تعلمان ذلك ؟ قال عمر : ثم توفى الله نبيه ، فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول الله ، والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق . فأين صارت الجملة : فرأيتماه . . . والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق . ثم توفى الله أبا بكر ، فكنت أنا ولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي ، أعمل فيها بما عمل رسول الله ، وما عمل فيها أبو بكر ، والله يعلم إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق . فرأيتماه إلى آخره . . . فرأيتماني إلى آخره..إلخ.

لاحظ كيف البتر والتحريف في النص؟!

وفي حديث آخر: فتوفى الله نبيه فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله ، فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله ، ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا وليه وولي رسول الله ، فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول الله وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع . . . إلى آخره . فلا يوجد : فرأيتماه كذا وكذا . . . والله يعلم إنه بار راشد تابع للحق ، فرأيتماني كذا وكذا والله يعلم أني بار راشد تابع للحق ، فلا هذا موجود ولا ذاك موجود .

لاحظ إلى ما فعله البخاري؟ وضع كلمة (كذا وكذا)!

فلماذا إخفاء هذه الحقيقة وهذا الأمر؟

وفي حديث آخر: أنشدكما بالله ، هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، ثم توفى الله نبيه فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله ، فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله ، وأنتما حينئذ ، وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا ، والله يعلم إنه فيها صادق بار راشد تابع للحق .

ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا ولي رسول الله وأبي بكر ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع . . .

ففي بقية الحديث لا يوجد ما قالاه بالنسبة إلى عمر نفسه : فرأيتماني . . . ؟؟ لماذا؟

فهذا حديث واحد ، والقضية واحدة ، والراوي واحد .

فلماذا هذا التحريف والحذف والتزوير؟

فراجع صحيح البخاري 4 / 108، صحيح البخاري 5 / 207، صحيح البخاري 7 / 114، صحيح البخاري 8 / 267، صحيح البخاري 9 / 178.

فمعنى الكلمة واضحٌ وإن أولوها على ما لا تتحمل، ولذا وجدنا علماءكم يشرقون ويغربون في تأويل النص، بل ويحرفونه ويحذفونه ويزورونه.

أما قولك (والجدير بالذكر ان عليا لم يغير شيئا مما قضاه ابو بكر وعمر وعثمان قبله)، نعم صحيح، أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لم يرجع فدكاً، ولذلك لإقامة الحجة، وجعل الأمر ظلامة لأهل البيت صلوات الله عليهم إلى يوم القيامة، فالله سبحان وتعالى الآخذ بحقهم ممن ظلمهم، وهذا ما سوف يواجهونه يوم القيامة مع الزهراء صلوات الله عليها، حيث تقول في خطبتها المجلجلة:
فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً. تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَ الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ ما تَخْسِرُونَ، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}

ومع ذلك أذكر هذه النقاط
أولاً: أين وجه القول بأن أمير المؤمنين صلوات الله عليه رضي أو حكم بما قام به أبو بكر وعمر وعثمان؟

ثانياً: كيف ظلمه أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ ألسكوته عن المطالبة فحق زوجته صلوات الله عليها؟

ثالثاً: لقد صرح أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقال بأن فدكاً قد غصبت من أهل البيت عليهم السلام، فقال عليه السلام (شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 16 : 208)
بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين.

رابعاً: أهل البيت صلوات الله عليهم قد بينوا سبب سكوت أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن المطالبة بحقه وبحق زوجته صلوات الله عليهما وآلهما حتى بعد إن جاءت إليه الخلافة تسعى وهو ضاربٌ بها عرض الجدار إلا أن يقيم حقاً أو يدفع باطلاً: روى شيخنا الأجل ابن بابويه رضوان الله عليه في أوائل كتاب العلل بإسناده الى موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته لم لم يسترجع أمير المؤمنين عليه السلام فدكاً لما ولى الناس ؟ فقال لإنا اهل بيت لا يأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا الله تعالى ، ونحن أولياء المؤمنين نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم. وفي رواية آخرى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أهل البيت لا نسترجع شيئاً أخذ منا ظلماً فكذلك لم يسترجع فدكاً لما ولى..!

خامساً: لا يوجد نص واحد يقول بأن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد عمل بما قام به أبو بكر وعمر ومن لف لفهم بمنع حقوق أهل البيت صلوات الله عليهم.

سادساً: ما بال عمر بن عبدالعزيز قد حاول إرجاع حقوق أهل البيت صلوات الله عليهم والتي منعها عنهم أبو بكر وعمر وعثمان؟

جاء في طبقات ابن سعد ج 5 / 287 – 288: كتب عمر بن عبد العزيز إلى ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قاضي المدينة أن يفحص له عن الكتيبة أكانت خمس رسول الله من خيبر ام كانت لرسول الله خاصة ؟ ففحص عنها واجاب : ان الكتيبة كانت خمس رسول الله ، فارسل إليه عمر بن عبد العزيز اربعة آلاف دينار أو خمسة وامره ان يضم إليها خمسة آلاف أو ستة آلاف دينار يأخذها من الكتيبة حتى يبلغ مجموعها عشرة آلاف ويقسمها على بني هاشم ويسوي بينهم الذكر والانثى والصغير والكبير ففعل.

وروى أبو يوسف في كتاب الخرج ص25 قال : ان عمر بن عبد العزيز بعث بسهم الرسول وسهم ذوي القربى إلى بني هاشم.

قال ابن سعد في طبقاته ج5: ص288 : فكتبت فاطمة بنت حسين تشكر له ما صنع وتقول : لقدا خدمت من كان لا خادم له واكتسى من كان عاريا ، فسر بذلك عمر.
وقال : قال عمر بن عبد العزيز . ان بقيت لكم اعطيتكم جميع حقوقكم.

قال ياقوت بمادة فدك من معجم البلدان : لما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره برد فدك إلى ولد فاطمة ( رض )

وفي رواية لما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة ، كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن ابى طالب وقيل بل دعا علي بن الحسين ( ع ) فردها عليه وكانت بيد اولاد فاطمة ( ع ) مدة ولاية عمر بن عبد العزيز.. راجع شرح النهج 4 / 81.

أكتفي بهذا القدر. فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ... سورة هود لآية 17.

قال تعالى في سورة يونس، الآية 108: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ.

والحمد لله رب العالمين،،