أبو بكر في الغار.. هل هذه فضيلة؟ (شبهات معروفة وإجابات موجزة)

أدب الحوار

New Member
18 أبريل 2010
126
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

أبو بكر في الغار.. هل هذه فضيلة؟

هذه بعض الأسئلة والشبهات الشائعة في هذا الموضوع مع إجابات سريعة لها:

قال المستضعَف:
وصفه الله تعالى بثاني اثنين.. الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر.

والجواب:
هذه استعراض رقمي للموجودين، ولا فضيلة في أن أكون الأول أو الثاني من حيث الترقيم، فحيثما يكون الإنسان فقد يكون ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، أو رابع أربعة وهكذا..

قال المستضعَف:
وقول رسول الله "حدثنا عفان قال حدثنا همام قال أخبرنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
فان كان الله سبحانه ثلاثهما (الله ثم رسول الله وأبو بكر الصديق) ولم يكن هذا فضل فلعمرى ما عساه يكون؟

والجواب:
إنَّ الله تبارك وتعالى هو مع الناس جميعهم بمعنى أنه تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية، فهو قد أحاط بكل شيء، قال تعالى في سورة المجادلة/ 7 : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ، فعندما يكون هناك - مثلاً - نبيٌّ يتحاور مع آخرين سواء كانوا مؤمنين أو كفار فإنَّ الله يعلم نجواهم، وهو بهذا المعنى ثالثهم أو رابعهم أو خامسهم.. وهكذا، فهل يعقل أن الكافر يكتسب فضيلة بسبب أنه الثاني والله هو الثالث؟!!!

وإذا تمعَّنا في قوله (ص) : (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) مع ملاحظة آية سورة المجادلة لعلمنا أن رسول الله (ص) لا يريد أن يطمئن أبا بكر بل يريد أن يُهدِّده، فهو يريد أن يقول له: لا تحسبنَّ أننا لوحدنا فإنَّ الله شاهد معنا وهو ثالثنا، فلو أنك فعلت ما يكشف أمرنا باضطرابك الشديد، فإنَّ الله سوف يجازيك على هذا الجرم فإنه (يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، وبهذا ينسجم الحديث النبوي مع القرآن الكريم.

قال المستضعَف:
وصفه بالصاحب (إذ يقول لصاحبه) ، والمتكلم هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وصاحبه هو أبو بكر رضي الله عنه، والتزكية من الله تعالى بوصفه: صاحبه.

الجواب:
لفظ صاحب تعني المجاور بالمكان (المرافق)، فأيُّ فضيلة في هذا؟ لعمري إنه لا يقول بهذا إلا مُتعصِّب مُتكلِّفٌ، أو قليل الاطلاع.

فوصف الصاحب يُطلق على المؤالف والمخالف، والعدو والصديق.. فيوسف عليه السلام أطلقه على صاحبيه في السجن مع أنهما لم يكونا مؤمنين، فقال: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار..

بل وصف الله النبي بأنه صاحب الكفار في قوله تعالى:
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ) الأعراف : 184

ومعنى الآية ـ كما في بعض تفاسير أهل السنة ـ :
أولم يتفكر هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا فيتدبروا بعقولهم، ويعلموا أنه ليس بمحمد جنون؟ ما هو إلاَّ نذير لهم من عقاب الله على كفرهم به إن لم يؤمنوا، ناصح مبين.

إلى غير ذلك من الأمثلة التي تدل على أن وصف الصاحب لا يتضمن أي اشتراط لأي نوع من الموافقة، ما عدا المرافقة، والتي يكفي فيها المعية المكانية..

قال المستضعَف:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله (معنا) ، ولم يقل معي، وهذه تزكية لأبي بكر رضي الله عنه بأن الله أيضا معه.

الجواب:
إن كان المقصود بالمعية هي معية المكان، فهذا - فضلاً عن كونه باطلاً في نفسه - فإنَّه يُقال للسلفي المجسِّم: إن الله في السماء - حسب عقيدتك - فكيف أصبح في الغار؟

وإن كان المقصود بالمعية معية التأييد؛ فمن الواضح أنَّ أبا بكر لم يكن مؤيَّداً، وإلاَّ لما كان خائفًا.

وإن كان المقصود بالمعية معية النصر؛ فضمير الجمع لا يدل على فضيلة لأبي بكر، حتى على القول بدخوله في المراد من الضمير، وذلك لأنَّ النصر قد يكون للمؤمنين (معنا) ، ويكون من ليس منهم معهم فينتصر ويغنم، فلا يكون النصر فضيلة إلاَّ بضميمة الإيمان، وإيمان أبي بكر مختلف فيه، فالزيدية والاثني عشرية تنفيانه، ولا يثبته إلا شيعة أبي بكر (أهل السنة) ، وقولهم هذا ليس حجة على غيرهم بلا بينة صحيحة.

قال المستضعَف:
أنزل الله سكينته، والسكينة لا تنْزل إلاَّ على الخائف فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم تزل السكينة عليه؛ باعتبار أنه لم يكن خائفاً، فعلمنا أنها نزلت على الذي يحتاج إليها، وهو أبو بكر.

الجواب:
السكينة تنْزل على الرسول وعلى المؤمنين على حد سواء؛ لأنهم يحتاجون إليها على الدوام، والسكينة ليست هي هدوء الجوارح والأعضاء، بل هي التأييد الإلهي الروحي للمؤمنين، وهذا يحتاجه الرسول والمؤمنون سواء بسواء، ولهذا أنزل الله سكينته على رسوله والمؤمنين كما في سورة التوبة: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين..) مع أنه لم يقل أحد أن رسول الله كان مضطربا وخائفًا في معركة (حنين)، بل هو أشجع الناس وأربطهم جأشًا. وهكذا في قصة الفتح وسورة الفتح قال الله تعالى: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين..) ، مع أنه لم يقُل أحدٌ إنَّ رسول الله كان مضطربًا لأجل أن يحتاج إلى السكينة.

وفي الآية التي نحن بصددها دلالةٌ واضحة على أنَّ المراد بالسكينة هو رسول الله صلى الله عليه وآله؛ فالآية تقول: (.. فأنزل سكينته عليه وأيَّده بجنود لم تروها..) ، فواضحٌ أن الضميرين مرجعهما واحد، أي أن الذي أُيِّد بالجنود هو نفسه الذي نزلت سكينة الله عليه، والذي أيِّد بالجنود هو النبي بلا خلاف؛ فيكون هو الذي نزلت السكينة عليه، وتفسير أحد الضميرين بمعنى وإرجاع الآخر إلى شخص آخر هو خلاف ظاهر الآية، فيكون من التأويل غير المستند إلى دليل.

وهنا يبقى التساؤل: فإذا كان الله - كما لاحظنا في الآيات السابقة - ينْزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، فلماذا لم ينْزل سكينته هنا على أبي بكر؟

أليس هذا دليلاً واضحًا على انتفاء صفة الإيمان عنه..؟

هذا باختصار..

والحمد لله رب العالمين.