شبهة إعزاز الإسلام بإسلام عمر بن الخطاب

أدب الحوار

New Member
18 أبريل 2010
126
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد


شبهة إعزاز الإسلام بإسلام عمر بن الخطاب



من الأوهام التي تمَّ زرعها في عقلية كثير من المسلمين: أنّ النبي - صلى الله عليه وآله – دعا بأن يعزَّ الله الإسلام بعمر بن الخطاب، فقال – حسب زعمهم - : (اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ بعمر بن الخطاب)، فاستجاب الله تعالى، وكان دخول عمر في الدين الإسلام – حسب هذه الدعاية – سبباً لعزة الإسلام..! ونحن في هذه الوقفة نريد أن ننتقد هذه الكذبة التاريخية ونبيِّن وجوه الخلل فيها، ممَّا يدلِّل على أنَّها جزء من نسيج الأكاذيب التي أراد أئمة الضلال أن يغطوا بِها على أعين الناس.

وإليك دراستنا النقدية التي نبينها عبر الوجوه التالية:

الوجه الأوَّل: الرواية مُعارَضة برواية إعزاز الإسلام بإسلام حمزة رضي الله عنه، الذي كان (أعز قريش وأشدها شكيمة) [كما في رواية أسد الغابة 2 : 46] ، وفي أسد الغابة : (فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه) ، وقد أسلم حمزة قبل عمر، أفكان الإسلام بعد حمزة في حاجة إلى عمر مع ضعف الأخير الذي ستعلمه في النقاط التالية..؟

الوجه الثاني: هناك العديد من الشواهد على أنَّ عمر بن الخطاب كان ضعيفاً مهيناً يُضرب مراراً، وإليك بعض الشواهد على ذلك:

الشاهد الأول: جاء في كتاب ابن الجوزي (مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ص 24) أنَّ عمر كان يُضرب بعد إسلامه مراراً.. ما يعني أنه لم يكن بذاك المكان من القوة والمهابة، ومن كان حالُه هذا كيف يعز الإسلام به؟

الشاهد الثاني: في كتاب ابن الجوزي أيضاً (ص25) أنَّ عمر كان بعد إسلامه خائفاً، بحيث يظهر الخوف فيه، ولولا أن حماه العاص بن وائل، ما كان يؤمَلُ له النجاة.. وهذا واضح في أنه هو نفسه كان بحاجة إلى من يجيره ويحميه ، فكيف يقوى الإسلام به؟

الشاهد الثالث: وفي كتاب ابن الجوزي (ص27) أنَّ حمزة رضي الله عنه قال عن عمر قُبيل إسلام عمر: (...فإن يرد الله بعمر خيراً يُسلم، ويتبع النبي، وإن يرد غير ذلك يكُنْ قتلُه علينا هيِّناً) ، فمن كان قتلُه هيِّناً قبل إسلامه وعند المستضعفين، فمن أين له المنعة بعد إسلامه وفي نظر المستكبرين؟ وفاقد الشيء لا يعطيه..

الشاهد الرابع: لقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره (4/193) أنَّ عمر بن الخطاب كان من الفارِّين يوم أُحد، فمثله أحرى أن يكون مُضراً مُضعفاً للإسلام، لا أن يكون عزّاً له.

الشاهد الخامس: لقد رووا في عدة مصادر رجوعَ عمر بن الخطاب وقد هزمه يهودُ خيبر، فرجع وأفراد جيشه يجبِّنونه، أي يصفونه بالجبن، ممَّا يدلِّل على أنَّه في نظرهم فارٌّ أو هو بحكم الفارّ، ويؤيِّده وصفُ النبي لعليٍّ ـ كما في بعض الطرُق ـ حين بعثه بعد عمر بـ (ليس بفرّار) ؛ فإنه ظاهر في التعريض بمن سبقه. انظر: المصنف لابن أبي شيبة (8/521) و المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/38) .. وغيرهما. وفي بعض الطرُق أنَّ أبا بكر كان قد ذهب قبل عمر، وكان مثل تاليه في الانهزام، فيشمله التعريض النبوي. انظر: المصنف لابن لأبي شيبة (7/497) والمستدرك للحاكم (3/37) ، وأورده الهيثمي (9/124) عن الطبراني والبزّار. وبناء عليه نقول: هذا الرجل الجبان في نظر أفراد جيشه، كيف يُتصوَّر أنّ الله يعزُّ به الإسلام؟!

الوجه الثالث: هناك رواية أخرى ساقوها لتلميع هذه الكذبة، وهي عن أنس، اشتملت على الدعاء له، وهي في ص26 من كتاب ابن الجوزي المذكور، إلا أنها اشتملت على ما لا يمكن التصديق به، وذلك أن أخت عمر تشترط عليه - وهو لم يسلم بعد - أن يغتسل أو يتوضأ ليستطيع أنَّ يمس القرآن الكريم لأنه - حسب تعبيرها - : رجسٌ ولا يمسه إلا المُطهَّرون، فيتوضأ عمر - وهو كافر - ثم يمس القرآن الكريم.. فكيف يصح التصديق بأنَّ الكافر ترتفع نجاسته بالغسل أو الوضوء؟! ثم إنهم يقولون إنه كان جلفاً للغاية، وكان من أشدِّ الناس على النبي صلى الله عليه وآله، فرجل بهذا العتو، كيف يقبل أن يتنازل لحكم إسلامي فروعي، وهو في غاية الحقد على الدين كلِّه؟!

الوجه الرابع: في تلك الروايات تهافت ظاهر؛ لأنَّ في بعضها قول عمر إنهم كانوا مترددين في إدخاله على النبي خوفاً على رسول الله، وفي بعضها أن حمزة رضي الله عنه قال إن قتل عمر هين..! فمن يكون قتله هيناً كيف يُخاف منه على النبي صلى الله عليه وآله؟ ثم ما وجه الخوف على النبي وحوله أبطال الإسلام من أمثال حمزة والإمام علي عليه السلام؟

الوجه الخامس: في تلك الروايات تهافت آخر؛ حيث في بعضها أنهم أدخلوه على النبي صلى الله عليه وآله، وفي أخرى أن النبي خرج إليه.

الوجه السادس: لقد اشتملت بعض الروايات على ما يفيد أنَّ عمر كان شديد العداء للنبي والإسلام، فقد رووا أنه خرج مرة يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وآله، ورووا أنه قال إن شدته كانت معروفة على رسول الله..! أقول: فمن كان بهذا القدر من الطغيان والعتو، كيف يهديه الله إلى الإسلام، والله تعالى يقول: (والله لا يهدي القوم الظالمين) وقد كان عمر من أشد الظالمين، ويقول: (والله لا يهدي القوم الكافرين) وقد كان عمر من أعتى الكافرين، ويقول: (والله لا يهدي القوم الفاسقين) ولا ريب أن عمر كان من شرِّ الفاسقين، ويقول: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) وكيف يكون في قلب من يريد قتل النبي خيرٌ؟ ومثله قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . فهذه الآيات وغيرها صريحة في أنَّ الهداية لا تتحقق لأهل العناد والعتو والطغيان، وقد كان عمر بن الخطاب منهم باعترافه.. فقصته هذه إمَّا أنها اختلاق محض، والرجل لم يهتد قط، وإما أنَّ القاعدة التي أسسها القرآن الكريم غير صحيحة، وهيهات أن يخطئ المعصوم.

الوجه السابع: أنَّ إحدى تلك الروايات سيقت كتفسير لقوله تعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ...) [الأنعام: 122] ، كالذي رواه ابن أبي حاتم، وهي لا تصمد أمام الوجوه الأخرى المذكورة في تفسير الآية. وسيوافيك نقد إسنادها أيضاً، فانتظر.

الوجه الثامن: قال صاحب (السيرة الحلبية) (2/14) دار المعرفة – بيروت، ما نصه : (وعن عائشة رضى الله تعالى عنها، قالت: إنما قال صلى الله عليه وسلم: اللهم أعز عمر بالإسلام؛ لأن الإسلام يعِزُّ ولا يُعزُّ. ولعلَّ قولَ عائشة ما ذُكر نشأ عن اجتهاد منها، بدليل تعليلها واستبعادها أن يُعزَّ الإسلام بعمر، فليتأمل) انتهى. أقول: فهذا القول من عائشة دليل على أنه لم يصح عندها المتن المذكور، ولو كان مشهوراً معروفاً لما صح الاجتهاد إزاءه، بل هي تراه منافياً لأصالة عزة الإسلام، فالإسلام عزيزٌ بذاته وبفضل الله تعالى، ولا ينتظر كافراً أن يسلم حتى يكتسب عزّةً.. وهذا وجه وجيه يستحق التدبر. وستعرف في الوجه التالي أنهم رووا عن عائشة نفسها خلاف ذلك! وهذا ممَّا يزيد روايات الباب ضعفاً ويصبغها بطابع الريبة.

الوجه التاسع: الرواية عند ابن ماجة في سننه 1 : 39 برقم 105 ، على النحو التالي: (حدثنا محمد بن عبيد أبو عبيد المديني . ثنا عبد الملك بن الماجشون . حدثني الزنجي بن خالد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب خاصة) انتهى.

وفي السند عبد الملك بن الماجشون، ضعَّفه غير واحد. وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو مُضعَّفٌ بشدة.

وشيخ ابن ماجة لا توثيق معتبر فيه، وقال فيه أبو حاتم: شيخ، ويرجح أن يكون مرادُه تليينه، فربما استعملوا هذا التعبير للحكاية عن حال الليِّن (انظر: شفاء العليل في بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل: 140) .

وقد عرفت في الوجه السابق لهذا أنَّه روي عن عائشة إنكارها صحة هذه الرواية، فهذه معارضة ظاهرة بين المرويَّين عن عائشة، فاقرأ واعجب!

الوجه العاشر: الرواية في مسند أحمد 2 : 95 ، هي بالإسناد التالي: ثنا أبو عامر ثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم أعز الاسلام... الخ الرواية.

ومن الطريق نفسه أخرجه الترمذي في سننه 5 : 279 .

و(خارجة) ضعَّفه أحمد بن حنبل والدارقطني، وقال ابن الجوزي: كثير الْمُنكر.

وقد أخرجه الحاكم من وجهين آخرين عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، فقال في المستدرك (3/89) :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، ثنا شبابة بن سوار ، ثنا المبارك بن فضالة ، عن عبيد الله ابن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله قال... فذكر الحديث.

ثم قال الحاكم :
حدثنا أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ محمد بن غالب ، ثنا سعيد بن سليمان ، ثنا المبارك بن فضالة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله... فذكر الحديث .

وقد وقع في الإسنادين: (مبارك بن فضالة) ، وهو قد ضعَّفه النسائي، وقال ابن سعد: كان فيه ضعف، وقال الساجي: فيه ضعف، وقال الدراقطني: ليِّن كثير الخطأ، وعن أحمد أنه قال عنه ليس بذاك. وكان كثير التدليس لا يقبلون منه إلا التصريح بالتحديث، وقد عنعن في هذه الرواية.

الوجه الحادي عشر: الرواية التي في تفسير ابن أبي حاتم بتفسير آية الأنعام 122، ضعيفة السند بسبب جهالة الراوي بعبارة (عمن حدّثه) ، فالسند فيه كما يلي: (حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أنا خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ (ت: 169 هـ) ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ...) .

الوجه الثاني عشر: أنَّ معظم المروي في الباب هو عن ابن عمر وعن زيد بن أسلم الذي هو عبد عمر بن الخطاب، والذي يروي عن ابن عمر هو نافع الذي هو عبد ابن عمر، وممَّن يرويه عن نافع: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أي حفيد عمر بن الخطاب.. وهذا يعني أنَّ عمر وحفدته وعبيده هم أصحاب اليد الطولى في رواية هذا، وهذا يجعلنا نرتاب في الرواية ونحتمل أنها ممَّا افتعلوه.

وبذلك تعلم أن هذه الرواية مدارها على الضعفة، فضلاً عن اشتمالها على إشكاليات عديدة في متنها كما تقدم أن أوضحنا.

والحمد لله رب العالمين.