تأملات في طبيعة المعجزة وشخصية الرسول ص

18 أبريل 2010
21
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله

في سكرة التأملات العميقة ، حاولت أن أتعمّق في مفهوم المعجزة ، عسى أن بنشرح قلبي.
كلنا بحاجة إلى تعمّق وقناعة في هذا المفهوم. صغيرنا و كبيرنا.
لماذا؟
لأنه احد أسس ديننا الحنيف لكونه مرتكز التصديق بالنبوة والرسالة، و بدونه تخرب الديانة من ناحية عقلية وشرعية.
رهيب ...
هذا موضوع مخيف للغاية ونحن نغفل عنه؟
لماذا نغفل ؟

لا اعرف سرا لغفلتنا عنه إلا لأننا أمنا فطريا بالله ورسوله، ولم نحتج إلى المعجز ليثبت لنا صدق الرسالة. هذه نظرة ابتدائية قد تكتنز معرفة حقة.
ولكن هل يكفي الإيمان الفطري ؟

العلماء يقولون: لا يكفي ؟ فإن دعوى النبوة غير كافية ما لم يصاحبها معجز يثبتها.
فماذا نفعل ؟
يجيبني عقلي الداخلي: لم أنت منزعج ، فقد حدثت المعجزة أمام أسلافنا وأقنعتهم ونحن نروي قناعتهم لقناعتنا بهم وبما شاهدوه.
هذا كلام سليم.

ولكنه لا يرضي علماءَ الكلام ولا المحققين الذي يقولون أن العقيدة أمر شخصي وجداني، يجب أن يعتقدها الشخص بالدليل.
واختلفوا في حجم الدليل بين الإجمال وبين التفصيل . ولكن للأسف كلها تبتني على أساس مهم، وهو صدق الرسالة ، وهذه مبنية على إدّعاء الرسالة والمعجز المساند لها فتثبت الرسالة. فرجعنا من حيث ابتدئنا.

قلت في نفسي يجب أن نقوم ببحثين منفصلين لا علاقة لأحدها بالأخر حتى نخلص من هذه الدوامة.

البحث الأول : ما مدى تأثير المعجزة على إسلام المسلمين الأوائل؟

الثاني : كيف نصوّر المعجزة في هذا الوقت بعيدا عن مشاهدة المعجزة التي حصلت في ذلك الوقت؟

إذن لا نبحث فيما يبحث به الناس عن المعجزة وطبيعتها الذاتية وهل هي خرق العادة أم المفاجئة أم بحصر المصدر بالغيب ؟
وهل المعجزة في العلم أم في الكلام أم في الأفعال ؟
وهل المعجزة في تحريك الشجرة أم المعجزة في القران؟
وما هي طبيعة إعجاز القرآن؟ هل هو الصرفة أم النظم أم المعنى أم السر الحرفي أم الأعداد والقيم الحسابية المعقدة؟
هذه بحوث جليلة وعظيمة ولكن يشوبها شائبة التعقيد وهي لا تناسب المسلم العادي .
فهل المعجز وجد للعلماء فقط أم للجميع؟

لهذا نحاول أن نفهم القضية بأسلوب آخر.

نأتي إلى البحث الأول : ما مدى تأثير المعجزة على إسلام المسلمين الأوائل؟
سيرعب الإنسان حين يكتشف بأن الإسلام لم يبنى على المعجزة وإنما بني على القناعة القلبية التي تفوق المعجزة ,
وسأبيّن الحال باختصار :
لو جردنا السيرة النبوية لوجدنا أن اغلب من طلب المعجز من رسول الله ص لم يؤمن به .. ولكن من آمن به لم يطلب المعجز .
فعلي بن أبي طالب آمن بالإسلام وكذا خديجة لمجرد أن سمعوا من الرسول النبوءة ، والسبب واضح هو شخصية الرسول النزيهة التي يعرفونها حق المعرفة. وهذا حدث مع كل الصحابة الأجلاء المقداد وأبي ذر وزيد وعمار وحمزة وأبي طالب وووووو الخ.

وأبو جهل وأبو سفيان وغيره من زبانية جهنم ، طلبوا المعجز مرارا ، فعمل لهم الرسول المعجز فيقولون ساحر وكبير السحرة. !!! ومن ادعى منهم الإيمان فهو نتيجة الهزيمة العسكرية وليس للإيمان نفسه.

إذن المعجزة لم تكن -بحدود ما درسنا من واقع- هي السبب في إيمان أعظم المسلمين، ولم تكن لتغيّر كفر الكافرين.

أليست هذه معضلة؟
ما الحقيقة إذن؟
يا إلهي أنر قلبي بشمس الحقيقة ( هذا هو دعاء كل مخلص حين يرى هذه المشكلة ، حيث لا يدي هل كلام أهل العقيدة صحيح أم هذا الواقع هو الصحيح) .

جوابي الجازم هو : أن كُلَ الرسولِ (ص) معجزٌ. فلهذا تاه علينا المعجز.
هذا فتحٌ قلبيٌ يجب أن نوضحه.
دعونا نتسائل : حين آمن علي (ع) بالرسول هل قال له كيف تثبت هذا؟
لا أبدا
وكذا جميع من عرفناهم من مخلصي صحابة رسول الله
لماذا كان منهم هذا التصرف؟
لأن نفس الرسول كان اشراقة نورانية على قلوبهم فلم يحتاجوا لمثل هذا السؤال.
إذن هنا فاعل عظيم وقابل كريم

والبحث في الفاعل وفي القابل .

ولكنه بحث يطول نتركه لتأملات المشاركين .
فأين أهل النظر بعين الله التي لا تنام ليدلونا الطريق
فأجيبوا داعي الله
وحاولوا أن تفكروا في الجواب الذي يحاول معرفة سر عدم إيمان من طلب المعجز. ومن آمن لم يطلبه ؟؟؟؟؟
وهلموا إلى أسرار أخرى
حلوة وعذبة وسلسة .

وهنا نأتي إلى البحث الثاني : كيف نصوّر المعجزة في هذا الوقت بعيدا عن مشاهدة المعجزة التي حصلت في ذلك الوقت؟

من خلال ما تقدم ننتقل من الماضي إلى الحاضر .

يقول النصارى أنكم تدعون إن القرآن معجزة ، فنقول لو سلمنا انه معجز لأهل العربية فكيف يكون معجزا لغيرهم حين لا يرون فيه أي ميزة وقد ترجم إلى عدة لغات فلم يكن ذا شأن أدبي عند الشعوب حتى المسلمين منهم.

يقول اليهود والنصارى إنكم تقولون بنفي ديانتنا لأن ديانتكم معجزتها متجددة و معجزتنا قد انتهت . فما تجيبون لو قيل لكم أن معجزتكم القرآن أصبحت محدودة بكم ومع ظهور تيارات الحداثوية أصبح القرآن متناقضا وليس بمعجز.

هل عندكم جواب يا أحبابي أم توافقون اليهود والنصارى على ما يقولون .

اليوم علينا تكّوين منظور فكري لدراسة طبيعة ما نراه فعلا من معجزة.

و الإضاءة الحقيقية جاءت من حياة الرسول ص حيث لم يحتج المؤمن إلى معجز ولم ينتفع الكافر والمنافق بالمعجز .

لنأتي ونفكر من جهة القابل أولا :
الفاعل الفياض بأي صورة كان فيضه سواء (علما أو بهجة أو وجودا) يعرفه كل من كبرت قابليته على اختزان فيضه.
فكما يقال كلما كبر الماعون زادت سعة الخزين من فيض الرحمة والمطر.
فالقابل له دخل كبير.. فسليم القلب يستوعب الفيض {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ومن شدة استغراقه بالنور يتحول هو إلى نور {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (12) سورة الحديد

ومظلم القلب لا ينتفع من النور كما تشير الآيات الكريم {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} (17) سورة البقرة

وهنا سؤال مهم.
كيف نقتنع برسالة السماء؟
هل نقتنع فقط بالمعجز الآني ؟
حسب تأملي بما حدث مع الرسول الجواب : لا.
القناعة نتيجة شبكة مترابطة من المعلومات، ولكنها ترتبط بالشخص المنتج للمعلومات ارتباطا وثيقا نتيجة سلوكه وفكره.
علينا أن ندرس جوانب المعجزة في شخص الرسول قبل أن ندرسها في القرآن الكريم وغيره. نعم ندرس معجزة الرسول في ما نقل أو فيما أنتج .

الإنسان ابن محيطه في كل شيء ، في الثقافة وفي الحياة وفي القيم وفي الأحكام وفي المظهر ... الخ
فإذا وجدنا أن إنسانا فاق محيطه وزمانه بشكل خارق كان هو المعجزة بحد ذاته ، وإذا بقي التفوق له إلى الزمن الذي نحن فيه فهو معجزة حقيقة لحد الآن.
وهكذا وجدنا الرسول صلى الله عليه وآله.
معجزة متحركة
ابن صحراء قاحلة .. لا علم فيها .. لا تقدم حضاري.. لا قيم أخلاقية.. لا اقتصاد ... لا إدارة ....إلخ

نراقبه .. نراقب كلماته .. نراقب إنتاجه.. نجده متفوقا في كل شيء
ما من علم إلا وله فيه كلمة صحيحة لم يبطلها علم
ما من فن إلا وله فيه كلمة صحيحة تهدي مسراه
القانون كله قد انبثق منه فجأة
الشريعة المعقدة سالت من بين أصابعه الشريفة
الحكمة تعدت حدود البشرية حيث عجز الناقلون عن نقل جميع حكمته
الإيمان ومراتبه فقد أعجز من جاء بعده في بلوغه
الصفات النفسية العظيمة لا مثيل لها فهي من أقصى الكرم والرأفة إلى أقصى الشدة في ذات الله .

إن من يدرس ما أثر عن الرسول ليدهش من اختراقه لحواجز الزمان والمكان.

إنها الرؤية الثاقبة لما وراء الحجب ، حيث يرى المستقبل كما يرى الحاضر، ويرى الباطن كما يرى الظاهر . ويرى الخفي كما يرى الجلي ، فلا علم يعتب عليه بعدم المرور ، ولا فن من فنون الرقي هرب من لمساته الشريفة.
عجيب .. عجيب هذا الرجل العجيب.
إنه اغرب من الخيال .
لا يستطيع أن يفلت منه شيء !!!
والأعجب من هذا انه علّم بعض صحبه منطق العقل ومساره الصحيح.
وورثناه.
وعرفنا بهذا المنطق العظيم كيف نميّز بين الحق والباطل فطريا . ولولا هذه الوراثة العظيمة لكنا الآن وهابية مجسمة نشرك الله ونصيح نحن أهل السنة بينما أهل السنة موحدون، وهؤلاء مشركون ، ولكن لأن خللا بالمنطق حاق بهم فجعلهم يرون الشرك إسلاما والإسلام شركا.

سبحانك اللهم ما أعظمك وأعظم صنعك بهذا المخلوق المقدس .
لقد تعلمنا منه أن نميّز بين الصادق في دعواه والكاذب .
ولهذا لم يحتج أبونا أمير المؤمنين عليه السلام للمعجز لأنه يعيش مع المعجزة المتحركة التي تطوي الأشياء كطي السجل .
فلا تخونه معرفة ولا تفوته حادثة ، ولو استشرف على التاريخ من طرفيه لحصل على ما يريد

فمن كان مع المعجز وهو يرى ويفهم المعجز فلا يطلب المعجز ، ومن كان أعمى لا يرى المعجز وهو معه وهو يطلب المعجز دائما، فلا ينفعه إعجاز .
مفارقة جميلة
حين اقرأ القرآن الكريم ينتابني شعور مزدوج.
اشعر بأنني أمام كلام عظيم
اشعر بأنني أمام رسول معجزة أوصل لنا هذا الكلام المعجز.
إن إيماني بتنوع القرآن وعظيم صنعته يربطني بالنبي محمد ص بعكس الكثير من المسلمين. الذين يخافون الربط بين القرآن والنبي محمد . لأنهم يعتقدون بأن الربط قد يوحي باختلاق النبي للقرآن .
رباه ما هذا الجهل ؟
أ يعقل أن كتابا يعجز عنه البشر من حيث التنوع يمكن أن ينتحله شخص إنساني؟
فإذا كان نفس الشخص معجزة فيستحيل أن يكون الكتاب منه لأن كونه معجزة فهو مرتبط بمن أعطى المعجزة وبالتالي فالقرآن معجزة وهو معجزة خارج قدرات البشر . فهما من سنخ واحد ، فكيف يمكن القول بأنه مخلوق له .
هذا جهل فضيع.
القرآن يهديني للرسول لأن كل حرف فيه هو الرسول .
الرسول يهديني للقرآن لأنني كلما أردت الرسول أجده في القرآن. وهو مفتاح أقفال القرآن والقرآن وجه من وجوهه النبرة.
هذه معادلات سهلة
ولكن هل القرآن يفقد معجزته بتغيير اللغة كما يقولون .
لو كانت المعجزة لغوية لقلنا لهم معكم الحق.
ولكن المعجزة هي المعرفة المترامية الأطراف التي تقنع كل عاقل به بدون أن يطلب معجزة . فضلا عن أن القران لسان وليس لغة.
القرآن مثل الرسول والرسول مثل القرآن
طريقتهما إقناع القلوب المشرقة وتحريك الأجسام الخامدة.
من دون التفكير بالمعجز
وهذه هي المعجزة بحد ذاتها
حين تقرأ القرآن يقنعك بوحدانية الله وبعلم الله ويوم الحساب وبأمور كثيرة هي جوهر دين الإسلام ببراهين تدخل القلب .
تنطبع في قلبك كل الحجج حتى لو كنت كافرا به .
إنها لغة تسيطر على العقل لتعطي أربعة جمل أو خمسة أساسية.. منها: (الله واحد) (الرسول حقيقية) (الإيمان طريق النجاة في الآخرة) وهكذا.
هذه العناوين يقتنع بها كل من يقرأ القرآن بقلب سليم .
ومن لا يؤمن بها ........فهذا لو نزل عليه جبريل عليه السلام وأجرى له المعجزة لقال أنها سحر ويخاف من الدخول في الإيمان لأنه يعتقده سحرا.
أليس معجزا أن تكون القناعة عن طريق القلب وليس عن طريق المعجز، وهي متعلقة بأمر خطير يحتاج إلى معجز لإثبات صدق الدعوى.
إن إثبات صدق الرسول والرسالة يحتاج إلى معجز وإلى آيات ولكن من يقرأ القرآن لا يحتاج للقناعة إلى معجز, أنه كتاب يدخل الجوانب الخفية من العقل ليبرم بإحكام كل عرى الإيمان ويجعلها في نقطة مضيئة ودائمة في عقل الإنسان . ولهذا دائما نفكر بأن دليل إعجاز القرآن نفسه هو قوته في الإقناع وقبوله عن قارئ سليم القلب والسريرة.
فالقرآن يفعل بنا نفس فعل الرسول بعلي بن أبي طالب وأبي ذر وسلمان وحذيفة وكل المؤمنين الذين لم يطلبوا برهانا لأنهم حصلوا على البرهان قبل النطق بالقضية. وهكذا القرآن يحمل صدقه معه ويحمل قدرته معه .

إن متشابهات القرآن مصدر تخريب للقرآن بيد المخربين، ولكن القرآن نفسه حمى نفسه بنفسه من هذا المعول . حيث لا يصح الجمع بين المتشابهات (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) هذه حصانة اسقطت كل التلاعب بالقرآن
إن من يفهم هذه الآية المباركة يدرك أن جميع من يريد تخريب القرآن إنما يقوم بالجمع بين المتشابهات والقرآن قد شخص هذه الحالة. وقال إن استخدامها لا ينفع. وهو زيغ وفتنة وتأويل الكتاب بالباطل . وليس لهم القيامة به ، فتأويله عند أولي الرسوخ الذين يفهمون التشابه.
هذه عصمة للقرآن بحيث أنه يستبطن رد كل ما قالوه عنه بجملة واحدة .
فلا راد للقرآن مطلقا.
وكل من يدعي الرد فهو قد جمع المتشابهات وهذه محسومة مسبقا.
والنتيجة السقوط .
ولا يوجد أبدا غير ذلك.
وهذا هو ما أجاب به مولانا الحسن العسكري ع للفيلسوف الكندي الذي مزق كتابه من كلمة صغيره قالها الإمام له مفادها : إن من يجمع بين المتشابهات ليس بناقض وهو ليس بعالم.
وهذا الجواب من القرآن نفسه.
إنها حصانة عجيبة تحمي الكتاب بكامله.
هل هناك كتاب يحمي نفسه بهذا المستوى؟

إذن المعجز اليوم هو نفسه المعجز في زمن الرسول ص .
لأنه نفس الطبيعة ونفس المسلك.
هو السيطرة على العقل الواعي لإنتاج قضايا دينية تسيطر علينا.
ومن هنا كانت خطورة القرآن.

إن التلاعب بالمتشابهات هو أعظم عدو لكتاب الله وهو التحريف الحقيقي الذي يقوم به المجرمون من سلفية وغيرهم .
ولهذا علينا أن نصادق القرآن الكريم ، ونشرب من منهله العذب لأنه هو نفس رسول الله ص في الطبيعية العقلية التي جعلت علياً يؤمن إلى درجة ما بعد اليقين فعلينا أن نستنطقه ليجعلنا نصل إلى رتبة اليقين. وعلينا أن نخضع له لا أن نطوّعه حسب أهوائنا باستخدام ما تشابه منه.


هذه تأملات بسيطة وغير مرتبة ولكنها ضرورية في بابها . ولا تقف التأملات عند هذا الحد ولكننا نقف عند حد الممل للقارئ الكريم .

أتمنى على الأحبة الكرام من أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفكروا و يستنتجوا و يبدعوا الأفكار ، من اجل الربط بين حقيقة المعجزة في حياة الرسول ص وبين إيماننا بمعجزة الإسلام الخالدة

وبقية البحث على أحباب الرسول صلى الله عليه وأله وسلم .

-----------------------

مصادر قد تٌعين مَن يريد التفكر في الرسول ص وفي سلوكه وفي كونه معجزا بجوانب كثيرة :

كتاب الله الكريم ، ادعوا لقراءته كأنه رسول الله ص حين يقنعنا .

كتاب الحق المبين للشيخ الكوراني حفظه الله وفيه لمحات لطيفة
http://www.shiaindex.net/alhag/

كتاب الصحيح من سيرة الرسول ص عشرة أجزاء وفيه تصورات عن حيات الرسول ومن آمن معه وكذا الأئمة الطاهرين ع
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2941.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2942.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2943.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2944.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2945.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2946.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2947.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2948.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2949.html
http://www.yasoob.com/books/htm1/m025/29/no2950.html


كتاب المجازات النبوية فيه دراسات لنصوص الرسول حيث يبيّن جوانب الإبداع فيها.
http://www.yasoob.com/books/htm1/m012/10/no1009.html



وكتب أخرى تتعلق بحكمة ودقة الرسول في استشراف الأحداث وهي كثيرة وعليكم بالبحث عنها وتلقفها بالقراءة والفهم.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراً للإخوة الكرام

أجوبة للأخوة:

الأشتر وفقك الله: القرآن معجزة بحد ذاته. ومعرفة حقيقة إعجازه يحتاج إلى معجزة ، ولكنني اتفق معك في عدم اعتبار المعجزة قائمة في الأسلوب فقط أو نفس النص، إذا كان يقصد به مجرد البيان والبلاغة .
ولكن ما هو المعجز في القرآن ؟

اعتقد بأن عدم قدرة أهل الكتاب على الاستجابة للتحدي حين نزول القرآن، يعتبر دليلا دامغا على عدم القدرة على الإتيان بمثله وهذا معجز حقاً، و يجب أن يدرس هذا بمعزل عن فهمنا المعاصر لمفردات اللغة وأساليبها لأننا بعيدون عن القدرة على استيعاب اللغة ، وقد بان بُعد المجتمع الإسلامي عن اللغة العربية في زمن أمير المؤمنين عليه السلام حين طلب منه أبو الأسود الدؤلي أن يضع قواعد لتقويم لسان الناس، بعد اعوجاجه نتيجة انتشار الاسلام ودخول مجتمعات أعجمية عليه. وقد توضّح بشكل جلي في الفترة العباسية حيث أصبحت اللغة العربية تختلف تماما عن العهد القرآني .

إن عدم استجابة المشركين، وأرباب الأديان المحيطة والمعادية للرسول في ذلك الوقت، للتحدي بالإتيان بمثله، لهو دليل قاطع على عدم تمكنهم من ادارة صراع فكري مع القرآن ، وذلك لوجود كل مقومات الاستجابة للتحدي من وفرةٍ وتمكنٍ في اللغة، ومن تبحر في الديانات ومن عداء للإسلام ومن محاولة حثيثة لإبطال نبوة النبي محمد ص . بل وصفوه بانه كتاب ليس من صنف كلام الناس ولا الجان.

وهذا يجعلنا نسأل عن طبيعة المعجزة في القرآن ، وقد اختار اغلب علماء المسلمين أن المعجزة بلاغية وهذا لم يثبت، واختار بعضهم الصرفة، لعدم ثبوت معجزة بلاغية في بعض الآيات كآيات سورة الفاتحة والإخلاص والناس والفلق وغيرها ، ومعنى الصرفة أن الله يصرف من يريد تحدي القرآن بقوته وقدرته، ولكن هذا غير صحيح، فقد تصدى الكثير لوضع قرآن مناهض للقرآن وقد فشل وتحول إلى أضحوكة واختفى قرآنه من التاريخ كمحاولة ابن أبي العوجاء وابن المقفع وقريبا قبل 120 سنة كان قرآن هاشم العربي النصراني المعارض وغيرها مما لا يحضرني . فلم يكن في الحقيقة هناك صرفة بالمعنى الدقيق، ولكن كل من حاول فشل رغم القوة البلاغية والعلمية لبعض الأسماء المذكورة.

وقد نأتي مستقبلا إلى التصورات الحقيقية لمعجزة القرآن ولعلّي أميل لحد الآن إلى كون المعجزة هنا ليست لعامل واحدٍ، وإنما هي عوامل كثيرة وكبيرة لا تحصر. يجمعها كلمة ( شمول) لأن شمولية القرآن عجيبة ، فسورة الفاتحة معجزة لأنها أداة معرفية، تكوّن هوية عظيمة لتختصر مفهوم الإسلام بدون اختزال لمعطياته

وهناك أمر قد نبحثه، وهو مهم وله دخل في المعجزة، يتعلق بقيمة المحكم والمتشابه في القرآن، الذي يعتبره من لا خبرة لهم في الوقت الحاضر مسقطا للقرآن من الداخل، أمثال يوسف سمعان وعوض سمعان الكاتبان المكلفان لرد القران وتهديم كيانه الديني . فقد اعتبر هذان القسان إن وجود المتشابه منقصة للقرآن تفرّغه من معناه، وهذا يوافق رأي المشركين السلفية قبحهم الله كما يفعل الأستاذ الفلينة النسر وغيره بنفي المعاني اللغوية في القرآن والحديث، باستخدام المتشابه بل صرّح النسر أن لا قدرة للسان العربي على تعيين خليفة للرسول لأنه لا يوجد أي تعبير يدل على النص الحقيقي للخليفة . وكل هذا نتيجة الاشتراك اللغوي والتخالف في المدلول اللغوي (التشابه).
هذا الموضوع يحتاج إلى دراسات معمقة والى وضع النقاط على الحروف ، ولكن الجواب الطريف الذي أنقدح في ذهني والذي أجيب به القسين هو:
إذا كان المتشابه يحطم القيمة النصية نهائيا للقرآن فما هو المحكم الذي في سفر نشيد الأَنشاد مثلا؟
وهل من المحكم وصف أهل غلاطية بالأغبياء، لأنهم يعملون بشرعة الله وناموسه ولا يصنعون المعجزات (القوات)، إذن لماذا يطالب المسيحيون الالتزام بالمسيحية إذا كان الالتزام بالشريعة غباء؟
بينما في متي 5:17 (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمّل ) . وهذا الكلام يفهمه المؤلفان المذكوران.

ومن أجل عدم فتح مجال للف والدوران في هذه القضية نقول إن المعجزة الحقيقية هو النبي نفسه، وبعد ذلك فكل ما كان وسيطاً به أو صدر منه فهو معجز حقا بالتبعية (باستثناء القرآن فله خصوصية) ، لأن ظرفه البدوي المتخلف يستحيل أن ينتج مثله، وبما انه نبع من هذا الظرف فهو معجزة حقيقية.
وما يقال عن السيرة الشخصية المشوهة يمكن تطبيقها على الطرف الأخر فتكون نفس النتيجة التي يرتقبونها، كما فعل اليهود في ادعاءاتهم على مريم وعيسى ويحيى، وهذا فساد في الفكر لا يقبل به عاقل ، ولهذا نحن نحترم البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي اعترف بالإسلام ديانة سماوية ثالثة ودعا المسلمين لتبوء مركز الدين السماوي في لجنة الحوار، واعتذر عن الحروب الصليبية الباطلة التي هي منشأ هذا الكلام، وهو يختلف عن دعاة الفرقة بما لا يفقهون من الكلام، فما يشكلون به علينا أشكله اليهود على سيدنا عيسى عليه السلام وبنفس الحيثيات وزيادة.

والسؤال المهم هو : هل النبي المعجزة هو نبي الحشويين أم نبي الشيعة؟
الناقدون للإسلام الحاقدون اعتبروا النبي الحقيقي هو نبي الحشويين الذي لا يمكن أن يكون معجزة لأنه لا يتصف بمواصفات إنسان سوي فضلا عن كونه نبيا .

ولهذا يدجّل بعض الناقدين للإسلام فيعتبر أن سيرة الرسول الشخصية لا تدل على أي معجزة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار ما ذُكر من إساءات للرسول ولشخصه الكريم، كأن يكون يشتهي النساء حين تمر عليه امرأة فيدخل على زوجته ويواقعها ثم يخرج يخبر أصحابه بذلك وغير ذلك مما لا يعقل من رسول كريم.
إن هذه الروايات لا يمكن جعلها التعريف الحقيقي بشخصية النبي الكريم ، إنها روايات من لا يؤمن بعصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولن نسلم بها على أنها تحديد شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

نحن نتكلم عن رسول الشيعة صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم، وعلى من يناقش الإسلام أن يناقشنا حول هذا الرسول لا حول رسول يتكلم الشيطان بلسانه ويقذف الشيطان في أمنيته ورغبته.

طبعا سيفرح بعض المشركين السلفية (فقهاء البوكيمون) فيقولون : ها أنتم تقولون أن نبينا غير نبيكم !
وها نحن نختصر عليهم الطريق لنقول أن مواصفاتكم للنبي لا تجتمع مع مواصفاتنا للنبي.. فالنبي محمد الذي نؤمن به معصوم عندنا، وكل روايات الأمويين المشوِهة لصورته لا نؤمن بها، فنبيكم المشوه هو غير نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم السليم المعصوم المعجز. فأي معجزة فيمن يجن ويتكلم الشيطان على لسانه و يراقص زوجته علنا، وعلى كل حال فهو غير معصوم عندكم، وهذا يكفي أن لا يكون هو نفسه نبينا النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعلكم تتكلمون عن شخص آخر لا نعرفه أو تكذبون على نبينا نبي الرحمة . قبحكم الله من كَذَبَة على الأنبياء كما فعل اليهود لعنهم الله.

وبهذه اللعبة المكشوفة يحاول بعض المتطفلين على العلم كالقسسة المذكورين وغيرهم التهجم على شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من خلال إنتاج الحشويين، نافين إن يكون سلوكه الشخصي صلى الله عليه وآله وسلم معجزة بل هو اقل من إنسان عادي حسب هذه الروايات المكذوبة على رسول الله (وبالصحاح طبعا) .
فكان هذا هو نتاج فعل الحشويين السيئ على نبينا وديننا الكريم . ولعلنا نقف متأملين لهذا التخادم العجيب بين الحشويين وبين الحاقدين على نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من متطرفين بمختلف الديانات.
يا مشركي الوهابية إذا كان رسول الله بهذه الصورة فكيف تثبتون الإسلام من أساسه ؟
أثبتوه لي رجاءً بغير عصمة الرسول الشاملة لأثبت لكم غباءكم وتعدّيكم على الإسلام.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ولن نتجنى عليكم ، وذلك لأنكم تمسخون شخصية الرسول فتمسخ أصول الرسالة ولن يكون الإسلام مقنعا عبر الطريق الذي سلكتموه أبدا .
إن دوركم في تحطيم الإسلام لا يقل عن دور أي عدو لمحمد وللإسلام يعمل ليل نهار في سبيل إيقاف نمو الإسلام الحقيقي القائم على المعجزة الحقيقية . وليس معاجز الأرقام وغير ذلك مما لا يثبت للنقاش أمام العلم فنتحول إلى أضحوكة جديدة .
على كل ما دخلكم انتم بالإسلام حتى نتوقع منكم كف الشر عنه؟

الأخ الكريم فتح الخير
بارك الله فيك
ما تقوله ليس عاطفيا وإنما هو اشراقة القلوب السليمة ونور الله في قلب من قرّبه الله.
وهذا حجة شخصية على من أنقذف فيه النور، ولكننا نبحث عن حجة للعموم ممن لم ينبعث فيه هذا النور.
فاستمر في التفكير معي بارك الله فيك.

الأخ الكريم عشاق الحق
بارك الله فيك يا أخي الحبيب
ولكن لمَ لمْ تتهم فهمك قبل أن تتهم النص المذكور بالخطأ

النص المذكور: يعني بكل صراحة أنه إذا اهتزت صورة النبي فلا إسلام ولا قرآن .
فيجب بحث إثبات نبوة النبي محمد قبل البحث في القرآن وما فيه.
وهذا هو التقدم الرتبي والموضوعي.
فإذا لم نثبت صحة النبوة فيصبح القرآن هباءً. وهذا حال القرآن عند من لم يؤمن بالإسلام.
القرآن يثبت نفسه عند العارفين لأنه نظام لغوي معنوي وهذا لا يفهمه الفلاّح القبطي المصري في أسيوط رغم انه يجيد اللغة العربية . بل لا يفهمه العربي المثقف الآن . ولهذا ترى العلماء يؤمنون برسالة النبي حين يقرأون القرآن لأنه علم حقيقي لا يدركه جاهل، بينما لو قُرأ أياما على جاهل فلا يفهم هذا الدليل ولكن لو أعطيته صورة وحجم الرسول وحجم إنجازه من تصوير بيّئته فسيكون أول المسارعين للإسلام.
ثم كيف تريد أن تثبت القرآن للوهابية الذين يقولون كما يقول اليهود والنصارى أن متشابهات القرآن تسقط معانيه؟

فلو واجهت شابا مغررا به وقد ارتد من الإسلام السني إلى الوهابية المشركة. وقال لك أنتم تقولون أن القرآن حمّال ذو وجوه ، فكيف تستدلون بالقرآن؟ فقد سقط القرآن من الاستدلال، ولا قيمة له كما يواجهوننا يوميا بمثل هذا. لإسقاط الدليل على الحق. فبماذا تجيب هذا المغرر به؟ وكيف تعيده إلى الإسلام؟ سواء كان سنيا أو شيعيا، لا يهم، المهم أن تنقذه من الشرك وعبادة الإله راكب البعوضة الستيني الأمرد ذو اللحية وهو في الحقيقة طاووس اليزيديين إبليس لعنه الله. الذي يبث بين أتباعه إن هذا القرآن فاقد للمعاني ويستدل بمثل هذه الأمور.
هذه أسئلة خطيرة جدا يجب تشغيل الخيال لإدراك غورها.

سيدنا أبو نارد: حفظك الله ، وشكرا لك ثقتك بأخيك ، وألف مبروك لعروستنا ، واعتبر هذا البحث هدية عرسها فليس لنا في عالم النت أكثر من الكلمة الطيبة ولا يوجد أطيب من الصلاة على محمد وآله وذكره، بما يثبت جهل الجاهلين وعلو المؤمنين ، فألف مبروك لها.

الأخ الكريم الصيف
أحسنت بارك الله فيك
تلخيصك مهم
وربطك من المعجزة والمعجز لطيف جدا
استمر معنا بالتفكير للدفاع عن دينك.


---

عندي بعض الخواطر المهمة في الموضوع وهذه واحدة منها :

جرت عادة الكثير من علماء الإسلام عموما وخصوصا من السنيين على اعتبار أن أمية الرسول معجزة ، حيث إن رجلا أميا ينتج دينا كبيرا دان به العلماء، يعتبر معجزة حقيقية. وهو كلام له وجاهة ولكنه محل تأمل من عدة وجوه :
وذلك لعدة أسباب :

الأول: العلماء في الأمم دانوا لمبادئ خرافية في أممهم أما جريا على العادة أو خوفا من شعوبهم فلا دليل بديانة العلماء على صحة دين معين، فهذه اليابان وغيرها ممن يدين علمائها بالبوذية الخرافية!

ولكن أن يدافع العلماء عن كل شارة وواردة عن الدين بطرق علمية فهذا مختلف وهو الذي يحدث في الإسلام. وهذا لا علاقة له بأمية أو بكتابة ، وإنما له علاقة بطبيعة الأطروحة المعجزة في الدين الإسلامي عموما. فينبغي أن يقال إن النبي معجزة سواء كان أميا أو أنه يقرأ ويكتب؟ فالمعجزة أن يخرج علم في ظرف الجهل المطبق كما حدث لمولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس أن يخرج علم في ظرف عدم الكتابة لانعدام السنخية بين الموضوعين.

الثاني: أن القراءة والكتابة وجودا وعدما، لا تقلل من معجزة الرسول ولا شعرة ، فلم تكن القراءة والكتابة يوما مولِّدة لدين عظيم وإنتاج هائل في كل ميادين الحياة والعلوم! فالقرآن والأحاديث الشريفة التي نرويها عن الرسول والفقه المتولد منها والعلوم الكثيرة من أخلاق ومنطق وسياسة وعقيدة سليمة موحدة لله لا يستطيع الإتيان بها مجرد من يقرأ ويكتب، بل لا يستطيع عالم أن يلم بها و يأتي بها جميعا .
ففي زمننا العجيب الذي توفرت فيه الإمكانات العلمية وأدواتها والبحوث المدعومة واتساعها، لا يستطيع عالم أن يأتي بما أتى به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، رغم أن بعض العلماء يقرأ بحدود 15 ساعة يوميا كما هو حال المراجع عندنا في الغالب ، وبعمر يناهز التسعين سنة مع أنه يبتدئ قراءة العلوم من سن السادسة ، ومع ذلك لا يستطيع أن يجاري مهمة الرسول في جانب من جوانبه ، وهو قد ابتدأ النبوة في سن الأربعين واستشهد في سن الثالثة والستين .
فالقراءة والكتابة لا تزيد ولا تنقص مع وجود مثل هذه القدرة الهائلة التي يشعر إزائها كل العلماء أنهم نقطة في بحر علوم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

فما نراه الآن من صراع الديكة بين المسيحيين وبعض المسلمين حيث يحصرون المعجزة في الأمية فهذا غير سليم مطلقا، وما يدعيه بعض النصارى من أهمية دليل القراءة والكتابة للنبي لسقوط نبوته باعتباره يقرأ ويكتب لا صحة له
وكذا نتيجة ذلك من دعوى: أنه ما هو إلا رجل دين مسيحي متعلم تمرد على الديانات حوله .
وهذه الحجة غريبة إذا كانت تصدر عن عالم ، ولكنها ليست بمستبعدة إذا كانت تصدر من جاهل أحمق.

وذلك إن تعلّم الكتابة لا يمكن أن تَصنَع نبيا أو حتى أن تكوّن عالما، فمن يقول بهذه الاشكالات يكتب ويقرأ ولكنه جاهل بأبسط قواعد العقل وهو الملاحظة الخارجية لحال القضية المبحوثة، فهو لا يدري إن من يقرأ ويكتب لا يمكن أن يكون فاضلا وعالما ما لم يتحلى بحلية العلم نفسه، والقراءة وسيلة بسيطة. فكم من حكيم متين عالم لا يقرأ ولا يكتب. وكم من كاتب متعلم وهو جاهل أحمق لا يفهم ما يقرأ ولا يستطيع تفسير كلام الناس فضلا عن كلام العظماء أو كلام الله. فهذا القائل نفسه لم يلتفت لنفسه انه جاهل هذا الجهل مع أنه يقرأ ويكتب. فكيف يعتبر القراءة والكتابة دليل علم بالأديان السابقة وإحاطة بالتشريعات تسمح للقارئ الكاتب أن يكوّن دينا عملاقا يأسر القلوب ويسيطر على العقول ويقيم حجته من نفسه بنفسه .
ولو سألناهم : ما الموجب لرفع المعجزة عن الرسول إذا كان يقرأ ويكتب؟ وكيف يمكن تصوير ذلك ؟
فهم يجيبون بجواب اغرب من الخيال ، يقولون أن النبي كان عالما بالديانات وذكيا ولهذا كوّن دينا يلفق بين الديانات ويخلط بينها. وليس دينه من الله.
وهنا نسألهم كيف تعلم؟ وما حجم التعلم ؟ وما هو الدين الأساسي له ليقوم بالتلفيق بين الديانات؟
وجوابهم هو : إن النبي تعلم من بحيرا الراهب ومن ورقة بن نوفل وكلاهما مسيحي . وأما حجم العلوم فهو كل الديانات المسيحية واليهودية وغيرها، وأما الدين الأساسي فغير معروف ولكن شيوخه مسيحيون .
وهنا لنتأمل هذه الأجوبة :
فقد اجتمع الرسول ببحيرى الراهب في بصرى سويعات، وكان معه جده عبد المطلب ، فهل كان يمتلك بحيرى قمعا لزق العلوم العجيبة بدماغ الناس في ساعة واحدة؟ لا نعرف كيف يصدق جاهل هذه الحجة. ولم يثبت أبدا تتلمذه على بحيرى وإنما القصة تقول إن بحيرى توسّم في محمد النبوة و أوصى جده برعايته. فأين هذه القصة من دعوى تعلمه عليه وأخذه الدين منه وتمرده على الديانة النصرانية.
ورقة بن نوفل لم يكن على علاقة بالرسول متماسة وإنما كان عم خديجة زوجة الرسول ولم يكن على علاقة به، والأقرب عندي انه مسيحي رغم شك الكثير من الباحثين بمسيحيته ، وذلك لورود نص بأنه من القسيسين وهذا لا يطلق على غير المسيحي وقد ورد انه متنصّر بروايات غير واضحة الثبوت، وأما قصة بدء الوحي التي ترويها السيد عائشة ، فهي رواية غير مصدَّقة من قبلنا لأن فيها منافيات العقل والدين والأدب. ومع ذلك فليس فيها أكثر من اقتراح أمنا السيدة خديجة سلام الله عليها، أن تعرض أمر ما عراه على ورقة، فأشار عليها ورقة إن هذه علامات النبوة، وبيّن لها الاختبار بنزع الخمار أمام المَلَك كما تدّعي الرواية، فأين ما يزعمون من التعلم والدراسة؟
وهناك سيناريو لطيف يستدلون به على تعلمه من ورقة ، وهو: بما إن القس ورقة هو الذي تولى عقد قران ابنة أخيه خديجة على الشاب محمد وكان قبل نبوته بسنين وقد قال أبو طالب شعرا بهذا الزواج ، وبما أنه رضي الزواج فهذا دليل على انه علّمه الديانة النصرانية لأنه (لا بد من تعميده) وهذا يعني دخوله النصرانية ، فكان نصرانيا ثم ارتد عنها.
وهذا الكلام من الأمية الفكرية كما لا يخفى.
وعلى كل حال فلم يكن ورقة هو الذي أجرى عقد القران بل هي خديجة نفسها وأمام الجمع ولم يعلم إن خديجة كانت نصرانية حتى تطلب التعميد بل العكس صحيح، وقد ورد في خطبة أبي طالب أنهم على دين الحنفاء ومذهب أبناء إسماعيل، و لم يكن القس ورقة قابلا بالزواج كما يدّعون فقد تلجلج فاعترضت خديجة عليه وزوجت نفسها من النبي مباشرة، ولم يكن أبو طالب قد قال الشعر في الزواج وإنما شاعر آخر اسمه عبد الله بن غنم ، ولم يكن من لقاء يذكر في التأريخ مع ورقة حتى يثبت التعلّم ، فلم يُذكر انه تردد عليه أو تعلم منه أو حتى ذكره في شيء من قول أو فعل بعكس عمه وجده.

وهذه هي الرواية التي تتكلم عن زواجه من اجل أن نعرف مدا الحماقة في قراءة الروايات ومدا الأمية الفكرية التي هي معجزة الجهلة.

الكافي - الشيخ الكليني ج 5 ص 374 :
9 - بعض أصحابنا ، عن علي بن الحسين ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال : الحمد لرب هذا البيت ، الذي جعلنا من زرع إبراهيم ، وذرية إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا ، وجعلنا الحكام على الناس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ، ثم إن ابن أخي هذا - يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلا في المال فإن المال رفد جار وظل زائل وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل ، ثم سكت أبو طالب وتكلم عمها ((وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين)) فقالت خديجة مبتدئة : يا عماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود، فلست أولى بي من نفسي ، ((قد زوجتك يا محمد نفسي ))، والمهر علي في مالي فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك قال أبو طالب : أشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها ، فقال بعض قريش يا عجباه المهر على النساء للرجال ، فغضب أبو طالب غضبا شديدا وقام على قدميه وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه ، فقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طُلبت الرجال بأغلا الأثمان وأعظم المهر وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجو إلا بالمهر الغالي ، ونحر أبو طالب ناقة ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأهله وقال رجل من قريش يقال له : عبد الله بن غنم : -
هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت * لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوجته خير البرية كلها * ومن ذا الذي في الناس مثل محمد
وبشر به البر ان عيسى بن مريم * وموسى بن عمران فيا قرب موعد
أقرت به الكتاب قدما بأنه * رسول من البطحاء هاد ومهتد

سلام الله عليك يا أبا طالب من عظيمٍ تقول كلمةً عظيمة: (إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طُلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي) أي والله محمد يُشترى بأغلى الأثمان وأمثال زعماء السلفية كأبي جهل خال الخليفة وأبي سفيان عابد إبليس مما يباع بأبخس الأثمان ولا تقبله امرأة إلا بأغلى المهور.

فالخلاصة أن دعوى أهمية القراءة والكتابة للنبي، واتصال الرسول بعلماء مسيحيين كلام ضعيف ، وغير علمي ولا يستحق المناقشة. والغريب إن النصارى يجهدون في اعتبار القراءة والكتابة دليل نقص في النبوة بينما عيسى نفسه كان يقرأ ويكتب وكان يدرس في الكتاتيب وقد درّس اليهود وقرأ لهم الكتب وكلام القدماء وطالبهم بقراءة ما في الكتب ووبخهم بقوله أما قرأتم عدة مرات وعيرّهم بعدم الدقة في قراءة الكتب: (و قال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب و لا قوة الله )، وكل الأنبياء هم ممن يكتب ويقرأ ويؤلف الكتب ، فأين الضير في نبوة أو ربوبية من يعتقدون إذا كان يقرأ أو يكتب كيسوع مثلا؟؟؟
المسألة ليست أكثر من فكر الوهابية فهم كثيرا ما يعتبرون أمرا ما فضيلة لمن يمجدّونه. ونفسه بعينه منقصة لمن لا يحبون. ومنها كتابة الحديث. ولا ننسى إن المنهج المسيحي في التفكير سابق على وجود الوهابية الفكرية مع اتحادها في الطبيعية الفكرية . وقد يعطي هذا تصورا عن طبيعة النشأة والهدف.

الثالث : وهو إننا نقول بأن النبي يعلم القراءة والكتابة ولكنه لم يؤثر عنه كتابة معينة إلا عموم علمه بالكتابة. ولعله لم يكتب تعمدا لدفع شبهة نسخ كتب أهل الكتاب وهذا لا علاقة له بالعلم بالكتابة ولعل هذا هو معنى الآية الشريفة : {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(العنكبوت/48).
أي لو كنت تقرأ في كتبهم وتكتبها بيدك لارتابوا من دينك، ولكنهم يعلمون بأنك لم تنسخ كتبهم فلهذا لا يستطيعون بث الارتياب من هذه الجهة. وهذا تصريح قرأني واعتراف بان النبي لم يقرأ كتب النصارى واليهود وهو تحرز من شبهة قد تقوم، وهنا ارى معجزة حقيقية لأن هذه الدعوى لم يكذبها اعداء النبي محمد في حينه، وهي قائمة بزمنه وبين ظهرانيهم، فيكون القرآن الذي يتعرض لقصصهم بعيدا كل البعد عن اصول تلك الديانات ويكون هو المعيار لصدق وكذب ما ورد فيها من قصص.

وقد ذهب الشيخ المفيد إلى احتمال عدم إحسانه القراءة والكتابة قبل النبوة أما بعدها فقد علمها، وهو رأي قسم من الشيعة ممن يفرّق بين علمه بها قبل النبوة فلا، وبعدها فنعم. والذي أراه أنه لم يمارسها وليس لم يعلمها وهذا مقتضى الاحتجاج في الآية، وهي لا تنفي العلم ، والله العالم.

الرابع: الأدلة على كونه يقرأ ويكتب هي :
أولا : وجود روايات معتبرة بهذا المعنى منها رواية علي بن اسباط ومرسلة الصوفي التي ذكرها في الفصول المهمة وهذا نصها 1 - محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات ، عن أحمد بن محمد عن أبي عبد الله البرقي ، عن جعفر بن محمد الصوفي ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا ع ، وقلت له : يا بن رسول الله لم سمي النبي ، الأمي ؟ قال ما يقول الناس ؟ قلت : يقولون : إنما سمي الأمي لأنه لم يكتب فقال : كذبوا ، عليهم لعنة الله ، أنى يكون ذلك والله تعالى يقول في محكم كتابه : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فكيف يعلمهم ما لم يحسن ؟ والله لقد كان رسول الله ( ص ) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لسانا وإنما سمي الأمي لأنه كان من مكة ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله في كتابه : ( لتنذر أم القرى ومن حولها ) : الفصول المهمة ج 1 - الحر العاملي ص 412 : باب 103 - إن النبي ( ص ) كان يقرأ ويكتب بكل لسان.

ثانيا : (ومن الدليل على ذلك أن الله تعالى جعل النبي ( ص ) حاكما بين الخلق في جميع ما اختلفوا فيه فلا بد أن يعلمه الحكم في ذلك ، وقد ثبت أن أمور الخلق قد يتعلق أكثرها بالكتابة فتثبت بها الحقوق وتبرئ بها الذمم وتقوم بها البينات وتحفظ بها الديون وتحاط بها الأنساب ، وأنها فضل تشرف المتحلي به على العاطل منه ، وإذا صح أن الله - جل اسمه - قد جعل نبيه بحيث وصفناه من الحكم والفضل ثبت أنه كان عالما بالكتابة محسنا لها ) أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 136 . ولعل من هذا الباب الحاجة لمعرفة العقود والكتابات الشخصية.
وثالثا: عدم قيام دليل قطعي على وجود هذا النقص في الرسول (وهو جهل القراءة والكتابة) بل الظروف التاريخية ضد هذا الادعاء فهو من أسرةٍ تقرأ وتكتب وهو معلّم الإمام علي والإمام علي يقرأ ويكتب، ولم يثبت لنا تعليم غير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام .

الخامس : لعل من المفيد التوقف عند آيتين تدل على انه لا يقرأ ولا يكتب، كما يقول المفسرون وهم يستدلون بقوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي (الأُمِّيِّينَ) رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}(الجمعة/2).
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ (الأُمِّيَّ) الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف/157).

باعتبار أن الأمي والأميين وصف لمن لا يقرأ ولا يكتب .
وهذا المعنى بهذا الشكل لا يستقيم لأن معنى الآية الأولى سيكون أنه بُعث لمن لا يقرأ ولا يكتب وهو رجل منهم لا يقرأ ولا يكتب .
فهو رسول الجهلة بالقراءة والكتابة !!!
وهذا المعنى غريب حقا .
روايتنا تقول أن المعنى أنهم أهل مكة أو بني هاشم أو بني إسماعيل .
وهذا الكلام صحيح 100% وذلك لأن مكة تسمى أم القرى فيصح نسبة الأميين لها، ولأن اليهود يسمون بني إسماعيل والعرب الأميين والأمميين .
في مطلع شبابي طالعت كتابا يحاول إثبات أن الرسول أمي بمعنى لا يقرأ ولا يكتب، ليثبت عظيم المعجزة للنبي محمد. والكاتب شيعي معروف. فقررت تتبع الكلمة فوجدت إن اليهود يسمون غير اليهودي بالأممي أو الأمي فراجعت العهد القديم والعهد الجديد فتأكدت أنهم يطلقون لفظ الأممي على كل من لم يكن من بني إسرائيل . وهذا يفسر الآيات جيدا فيكون معناها بعث في غير اليهود رجل منهم وهذه قضية مستغربة عند اليهود لأنهم يعتقدون أن لا نبوة في غيرهم، وكأنها حكر عليهم ، وبهذا المعنى يمكن تفسير الآيات الأخرى التي تعرضت للأميّن حيث تدل على أنهم غير بني إسرائيل وهي الآيات :
قوله تعالى : {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(آل عمران/75).
ومعنى (قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) أي هم ليسوا منا ولا نلتزم تجاههم بشيء وهذا المعنى ذكر أيضا (وذهب أبو علي إلى أن قولهم : ليس علينا في الأميين سبيل ، إنما يعنون به ليس علينا لهم سلطان ولا قدرة ، فلا يجب علينا أتباعهم ولا النزول تحت حكمهم ، يريدون بذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه ، فلذلك استحلوا أموالهم . انتهى . ) تفسير التبيان ج 1 ص 213

وقوله تعالى : {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران/20).

وهنا المعنى الذي ذكرناه يوضح أن الأميين قسيم لأهل الكتاب (أي قسم آخر غيرهم) ، فالآية تشير إلى عموم الدعوة الإسلامية سواء لبني إسرائيل أوغيرهم من الناس. فمن آمن فقد اهتدى بهدى الله ومن تولى فالله بصير بالعباد.

وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى (وَيُزَكِّيهِمْ [وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ] وَالْحِكْمَةَ) بأنه يستحيل أن يعلّم وهو لا يعلم الكتاب. والكتاب هو المكتوب وهذا نص على معرفة الكتابة، ورد بعضهم بأن التعليم قد يراد به التلاوة من الحافظة، ولكن هذا بعيد في معنى الكتاب وتعليمه خصوصا إذا تمعنا قصة عرضة القران والعرضة الأخيرة ومصحف حفصة الذي ورثته من النبي ولعله بخط النبي نفسه، وعلى كل حال لا ينكر الاستيناس بهذا المعنى لمعرفة المكتوب في الكتاب. وكل ما قيل من أدلة عدم المعرفة بالكتابة مثل انه لم يعرف المكتوب في كتاب علي يوم الحديبية حتى وضع إصبعه. فهو قصة غامضة وغير دالة . فلعله قال له أين كتبت هذا الكلام ؟ وعلى كل حال تحتاج القصة إلى ألف دليل لتثبت. لأن فيها الكثير من الغمز بالنبي وعلي..... وظهور أبطال عقائديين أفضل من النبي في ذلك الموقف !!! فيحمل هذا على ذاك.

فلا حاجة لما يقوم به المسلمون من استماتة لإثبات أمية الرسول بدون دليل قوي ، لأن إثبات الأمية أو القراءة والكتابة لا تقدم ولا تؤخر، و لا دخل لها في تقييم عطاء الرسول، ولا يمكنها أن تكون دليلا على إعجاز النبي كما يحاول الكثير من المسلمين تأكيده،ويقولون أن القول بعلمه بالكتابة يسقط هذا الإعجاز كما يفهمون.
ولا يمكن أن يكون علمه بالقراءة والكتابة دليلا على عدم النبوة وانه مجرد قس مسيحي ضل طريقه كما يريد تصويره النصارى في هذا الزمان لإيقاف موجة (الأسلمة) وتغيير الدين التي لا يقبلون بها ويتهمون المسلمين بالتعصب وأن أحكام الردة غير إنسانية بينما هم يحكمون على من يرتد بالقتل كما فعلوا قبل مدة في مصر ، ويحاولون تثبيت أبنائهم بالكذب والجهل فهم يوحون لأبنائهم بأن النبي محمد كاذب لأنه يقرأ ويكتب . فما علاقة هذه بتلك؟؟
ونحن نقول القراءة والكتابة لا تصنع نبيا ........... فاغلب أغبياء الأرض الآن يقرءون ويكتبون حتى وصلت الكتابة لقرن الشيطان وبهائم الصحراء ففقدت رونقها وأصبحت سيفا على رقاب الشرفاء.
بينما كل علماء العالم لم يستطيعوا أن يأتوا بما أتى به النبي محمد رغم علمهم بما هو ابعد بكثير من القراءة والكتابة، وهذا الكلام لا يفهمه جاهل وإنما لأنه متعلق بالعلماء فيفهمه أهل العلم الذين يدرسون العلوم التي صدرت من النبي محمد ص ، فمن يريد أن نفهمه هذا الكلام عليه أن يدرس الفقه والعقيدة والأخلاق والتاريخ وكل زوايا وخبايا العلوم التي تطرق لها وعلى الأخص الفقه وعليه أن يدرس القرآن بطريقة الحصول على معنى، بحمله على بعضه، وتبيان النصوص له، لا بطريقة ضرب المتشابه بالمتشابه فيكون بلا معنى . وأن يتمعن في معنى السعادة الإنسانية بالتقيّد بالشريعة السمحاء الخالية من إلزامات التحريم الشخصي كما يفعل بني إسرائيل أو إلزامات الرهبنة كما يفعل القسس .

تحياتي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الكرام
الأخوين القصدي وباحث مسلم بارك الله بكم

حقيقة تم إثراء الموضوع بشكل متميز وأنا أسف حيث لم اشعر بدخولكما الموضوع لأنني لم أر تحركا في الموضوع على بوابات الواحة الإسلامية ، وتبين انه خطأ من البرنامج .

الأخ باحث مسلم أعتقد انك فهمت رسالة الموضوع بشكل جيد بعكس أخينا القصدي فقد شطح به الخيال واستخدم أدواته العلمية ولكنه حفر بعيدا عن المنجم.

الأخ القصدي بارك الله فيك .
طبعا اعرف تماما منطلقات الفكر القصدي وصداقتي بأربابه متينة بل ازيدك علما بأنني اكتشفت الفكر القصدي ونقدت تأسيسه قبل أن يؤسس بعشر سنوات ، وكان لذلك دواع فكرية وفلسفية منها قصور علوم الدلالة وجمالية الأداء اللغوي عن الوصول إلى كنه إدراك القرآن، وعلى كل حال فهو لم يغب عن الذهن . ولا يلزمني السير وفقه لأن رتق فتقه يصعب على الراقع. وهذا رأيي بصراحة وقد أبلغته لصديقنا الدكتور أبي زينب وغيره مرارا بل قل لا يكاد لقاء يخلو من المناقرة فيه. ولن يغيّر هذا من نظري الحسن بهذا المسلك الذي يحاول أن يستكشف العمق القرآني من خلال حياة اللغة وقدرتها على التعشيش في العقل وقدرتها الفائقة في بناء هندسة علاقات معنوية بروابط لغوية رائعة لينتج لنا العلوم بطريقة (عقلية – نفسية- رياضية- هندسية) مع غلاف جميل من عدم القدرة العقلية على الكشف الحقيقي. ولو حدثتك بالمخاض العسير الذي أنتج عندي الفكر القصدي قبل نقده وقبل قصدية النيلي رحمه الله (وما أكثر اشتباهاته في نظري) وذلك قبل أكثر من ثلاثين عاما، لتعجبت من الأسباب والنتائج وعلى كل حال كان بعض السبب هو التعمق في دراسة الأسفار للملا صدر رحمه الله والتعليقات القوية للملا محمد هادي السبزواري في شرح الأسماء الحسنى في تفكيك بنية النص لصالح عمق المعنى مع مقارنتها بنصوص أهل البيت عليهم السلام والقرآن الكريم، فبدأت التركيبة تختل فتكونت فكرة وحدانية الكلمة في القرآن وانهارت نظم اللغة نفسها ليرتفع نظام القرآن بتفرده في لغة حية موحاة وهي لغة خطيرة تزيد المؤمن إيمانا والشرير شرا . بسبب الدخول (عليه وله) وفق النظام أو عكس النظام. ولهذا كنت أخاف من القرآن الكريم جدا حيث إن الطريق إليه يجب أن يكون وفق نظامه هو لا وفق نظامنا نحن . لأن الرؤية ستكون معكوسة للصورة القرآنية ليس عكسا بصريا كتحوّل اليمين إلى شمال، ولكنه عكس الحقيقة لتحوّل الشر خيرا والخير شرا. وكانت انطلاقتي كانطلاقة المرحوم النيلي والدكتور أبي زينب من خلال قصور العرض العلمي و الفهم اللغوي وتحريف المعاني بموجب قواعد لغوية صارخة في التعدي على حرمة القرآن. ولكن بعد دراسات تبين لي وجه المفارقات وكيفية التكييف لإنتاج معرفة دقيقة جدا وتبين لي طريقا أفضل من القصدية التي اهتديت اليها قبل النيلي بما لا يقل عن عشر سنوات.

وبالنسبة لمداخلاتك فهي خارج موضوعي ، وبعضها فهمٌ غيرُ قصدي لقصدي . وللطريفة فقد اطلعت الأخ الدكتور أبو زينب حين زارنا هنا قبل أن يلتحق بكم في بلادكم وقبل أن انزل الموضوع بساعات وقد اعترض على نقاط معينة متهماً البحث بمجاملة طريقة التحليل الفلسفي للنص فأوضحت له بعض خفايا الموضوع وطرحت عليه أسئلة محرجة، فاقتنع وسحب اعتراضه.

رأيي أن أعظم المعاجز هو القرآن وانه معجزة خالدة ، ولكن لا تُفهم معجزته إلا لمن رزق فهم ذلك ، نعم تفهم عظمته بشكل عام، وهذا غير ذاك.
وخلافك معي هنا غير واقعي . وحتى على فهمك القصدي، فهو نفسه يحتاج إلى فهمٍ، والى نخبوية ضيقة حتى يسلّم به . على انه غير مسلّم عند أهل ملتك فكيف تريد أن نُدخل هذا في مخاطبة من نرسل لهم الرسالة ، وقد فهمها أخيك باحث مسلم وعرف إنها رسالة الإسلام لمن لا يعرفه ولمن يفكر بطريقة غير إسلامية وغير روحية. وإنها بداية انطلاقة لطريقة حوار جديدة مع خصوم الإسلام وليس مع أتباع الإسلام فهذه لا تنظر إليهم.
وأؤمن بأن الإسلام نفسه معجزة وهو معجزة خالدة، وان النبي محمد معجزة وهو معجزة خالدة والبحث في هذا يحتاج إلى مقدمات وأذن واعية.
وبهذا علينا أن نبحث بطريقة غير تقليدية و هو ما أدعو إليه عسى أن يُوفق المسلمون له.
حسب تقديرك هل نبدأ من القرآن لإثبات الإسلام؟ أم نبدأ من الإسلام لإثبات القرآن ؟ أم نعرف القرآن بمعزل عن الإسلام؟
فماذا تقول لو قيل لك أن المتشابه يسقط البنية القرآنية (وهذا يقول به من يدعي انه مسلم) فكيف بمن يكفر بالإسلام؟
وما رأيك بأن من أعاظم المسلمين من يقول بأن المحكم هو غير المفصّل؟ هل تعرف معنى ذلك؟
فهل تنقذه القصدية؟ وهي نفسها من المتشابه إذا فهمت قصدي!!
وهل نستعين بنظام المصفوفات التي رآها النيلي دليلا؟
كان من واجبك التوازي لا التعامد معي لأن النيلي نفسه في ص 142 في النظام القرآني- في المنهج اللفظي طبعة دار إسامة يفسر ظاهرة خروج شباب الأمة إلى ميادين الحداثة هربا من المجهول والصعب الغامض بما تحت الثقافة الإسلامية فسقطوا في وحل العشوائية. وقد شبه نصوص الحداثة المناهضة لسيرة المسلمين: كمن يريد تحطيم عدوه فحطم تمثاله للتدليل على خواء الطرفين.
فبأي معيار ستناقشني هل بمعيار العلوم الآلية وأنت لا تؤمن بها أم بمعيار الحداثة وأنت تحتقرها أم بمعيار القصدية وأنت لا تستطيع فرضها لأنك لم تقنعنا بها أصلا . على أن موضوعك سابقا لنفي المجاز كان خطأ تقنيا في الفكر القصدي نفسه لأن المنهج اللفظي للنيلي ينفي المجاز في النظام القرآني لا في النظام اللغوي المخاطبي البشري كما تصورت، رغم عظيم المجازفة بهذا النفي .
ولهذا لن أحاورك في القصدية ولا في غيرها و اعرف أنك تستطيع ان تكتب عشرات الصفحات وأستطيع أن أجيبك عنها بجملة واحدة وهي إن كل أجوبتك خارجة عن المعيار الصحيح في تقييم الأفكار لدورانها بين ما ترفضه وما نرفضه، و عليك أن تنسجم مع أفكارك حين الحوار فلا يجوز أن تحاورني بمعايير لا اسلّم لك بها . أو بمعايير لا تقبلها لنفسك. وما حدث كله كذلك لو دققت بعمق بارك الله فيك.

المشكلة في كيفية إثبات معجزة القرآن؟
طبعا ألمحتُ في المشاركة السابقة إلى طريقة الحل ولا أريد أن اكرر.

يبقى رأيك: إن إيمان العجائز يكفي وغير ذلك فهذا بعيد عن بحثنا.
نحن نريد بحث قضية مهمة جدا وهي: هل نأخذ الإسلام بطريقة التفكير العقلي السليم أم بطريقة خرق العادة .
وهنا يأتي إشكال عليك محير: كيف انتقدت الإيمان الفطري بمعجزة شخصية الرسول ثم استدللت بصحة إيمان العجائز؟

أما بالنسبة للمعجزة فحقيقة أنني لم اعرّفها جيدا ولهذا أريد منك أن تتفرغ لبحث تعريف المعجزة .
فأكلفك تكليفا شرعيا أن تتفرغ لتعريف المعجزة وما قيل فيها وكيفيتها وما هو رد الفعل تجاهها.
فهل هي مجرد خرق العادة وهذه تشمل السحر وكل حقيقية خفية مثل حقائق الكيمياء والفيزياء ، أم هي كما يدعون من تلازم دعوى النبوة مع خرق العادة ليعطي الدليل التام على صحة النبوة.
فهل ما يعمل به مشعوذوا الهند والكهنة المسيحيون واليهود إلا هذا ؟
ابن تيمية اقترح أن هذا إنما يكون لأن المعجز يقع على يد الشيطان وليس من الله ؟ فما هو دليله؟ وكيف نفرّق إذن؟ فإذا كنت لا تقبل باقتراح المشرك ابن تيمية فبماذا ستحل مشكلة عدم انطباق التعريف في هذه الموارد الخطيرة.
وكيف يكون المعجز دليلا؟
هذه أسئلة يجب أن يجيب عليها المسلم .
وبدونها يكون إسلامه إسلام العجائز الذي يعجز عن مقارعة حجة الخصوم.
لو قال لك مجرم إن فكرك القصدي مبني على كون القرآن كتاب الله فيه روح الأرواح وسر الأسرار ولهذا أنت تتلذذ بنصوصه وتخترع طرقا للمقارنة بين مصفوفات الألفاظ والمعاني كما فعل النيلي ص 30-33، وليس هو ككلام المخلوقين عندك، وأنا لا انطلق من هذا وإنما من كونه كلاما عاديا لا يأخذ بقلبي ، فعند هذا المجرم أن الاية: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} فيها خطأ معنوي وبلاغي لأنها وردت جوابا على غير التكذيب فما علاقة الجبال والكون والأمم والعدالة بالتكذيب ؟ فهل إذا كانت الجبال شاهقة والأرض مزروعة وخُلق الإنسان من ماء مهين يجب تصديق القرآن أو رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فهذا انعدام علاقة بموجب علوم البلاغة والقصدية كذلك، ولأنها تمثل إرهابا فكريا حيث يرفض الحوار قبل التصديق، فالتكذيب بما هو تكذيب ليس موجبا للعقاب وانما تكذيب الصدق هو الموجب للعقاب ، وهذا هو محل البحث. فالخطأ المعنوي هو كونه يريد التصديق قبل التصديق.
هل تعتقد ان النصارى واليهود وغيرهم لم يقولوا هذا ومثله ؟ أذن انت مشتبه فانظر ما يقولون وانظر لضعف محاوريهم من المسلمين لأنهم لا يعرفون ميزة اسلامهم.
فهل ستجيبه بالقصدية التي أساسها التصديق بالقرآن وهذا دور؟ أو تجيبه بالبلاغة التي تثبت كلام الكفار بصور شتى؟ زانت ترفض هذا المبنى.

نحن مدعون جميعا لملئ فراغ خطير في الفكر الإسلامي، نتيجة نزاعات فارغة وترك أمور مغفلة دخل منها المعادون للإسلام.
فشمر عن ساعد الجد الإسلامي وفكر في طرق الرد عليهم لا الرد على من يؤيدك فتظن انه يخذلك.

ولا اعلق على كلامك بالخصوصيات إلا بمقطوعة طريفة واحدة وهي :

اقتباس (10):
-------------
إقتباس:
والإضاءة الحقيقية جاءت من حياة الرسول ص حيث لم يحتج المؤمن إلى معجز ولم ينتفع الكافر والمنافق بالمعجز .
-------------
نعتقد بأن الاضاءة الحقيقية هي في ما جاء به الله تعالى لأجل أن يُصدَّقَ محمّد (ص).. إنها في نفس القرآن.. علينا أن نبحث عنها فيه لا في حياة محمّد (ص).. لأن القرآن هو الذي شكّل لنا المعجزة الأخرى التي اسمها (محمد) و(علي) و(فاطمة).. عليهم من الله السلام التام..
فالأمر هو عكس ما تقوله يا مولانا الكريم.. القرآن أولاً ثم الرسول..)
انتهى كلامك

وهنا أسألك : حين جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخديجة عليها السلام هل أقنعها بالقرآن (بقوله اقرأ ...) أم بحالته ؟
فان قلت بالقرآن فالتأريخ والواقع يخالفك ، وإذا قلت بحالته فأين نظريتك ( القرآن أولاً ثم الرسول..)
فمن دون تمحّل بالقول أن كلمة (اقرأ) تختلف عن (انظر وفكر واعلم واكتب) الخ... لنغوص بسر إعجاز قوله اقرأ ، فهذه لا تنفع في هذا المقام.
طبعا سأطالبك بأسماء الصحابة الذين امنوا برسول الله بواسطة المعجزة ؟ لأنني لم اعثر عليهم وأنت استنكرت هذا وكأن المعجزة صنعت لنا أنصارا وجيوشا من البشر، وفسرت الأمر بالنسبة لعلي عليه السلام بأنه توأم النور ، ولكن رسالتي لمن لا يفهم النور أصلا، وعلى هذا الآساس ننطلق فنقول: إن علي بن أبي طالب عليه السلام هو من اعقل العقلاء فلماذا لم يطلب إثبات النبوة بالطريقة التي يقول بها علماء الكلام وأصحاب العقائد؟ وكذا خديحة وكذا هند بن أبي هالة ومن بعدهم من المسلمين.
هذا جوهر السؤال .
ولماذا بمجرد وفاة رسول الله تبين أن الناس لا يحفظون القران ولا يعرفون حتى الصلاة وإن عمران بن الحصين حين صلى خلف علي عليه السلام في البصرة قال ذكرّنا بصلاة رسول الله ص أي أن الصحابة نسوا صلاة رسول الله وذكرهم بها وبسمتها عليّ عليه السلام ، فهل تفكر في معنى هذا الكلام؟ إنه السطحية في تناول الإسلام عند الأوائل حيث لم يتميزوا بالعمق الذي يفترض فيمن يواجه المعجزة أمامه. فأين هذا التمسك بالكلام والفعل المعجز؟
حين نريد أن نكتب يجب أن نكتب نظرية متكاملة منسجمة. لا مجرد لمعات فكرية جميلة تبرق في زاوية من الدماغ فتولد معرفة نرجسية جميلة نثبتها فورا.
أرجو أن لا تتعجل بالكتابة أيدك الله .

يا سيدي المعجزة القرآنية يجب دراستها بشكل شامل لا بنظام قرآني وحده ولا تاريخي ولا اجتماعي ولا قانوني ولا علمي . فقد وصف جوانب منها سماحة الشهيد محمد باقر الصدر كما نقل الأخ باحث مسلم وفقه الله.
وقد نمر عليها بشكل تفصيلي. إذا وفقنا في هذا المقال.
فلهذا اعتبر إن مثلك من المثقفين لا يجوز أن يتمسك ببعض الألفاظ ويفهمها على غير حقيقيتها ويناقش . فأنت اجل من هذا بكثير. ولا انس أبدا أن أشيد ببعض اللمعات الفكرية الجيدة التي طرحتها وبالنفس الواعي والمتحمس للإسلام . وعلى كل حال كانت مناقشاتك مفيدة جدا ومهمة ، ولكن أحب أن تركز على حل المعضلات التي لا يفكر بها البسطاء بل يزيدها إعضالا. فقد اطلعت في النت على حوارات حول معجزة الإسلام فإذا بالمسلمين يقولون للمسيحيين بأن الحديث الشريف يقول كذا ويدافعون عن أحاديث هي سبب المعضلة وسبب هبوط قيمة الرسول بحسب تلك الأحاديث التي تصور الرسول بما دون قيمة الإنسان العادي.
وكم أتمنى مثل مشاركات أبي مصعب والأشتر وباحث مسلم وبقية الإخوة الذين اثروا الموضوع ممن فاتني اسمهم لتعجلي في الكتابة.

الأخ باحث مسلم
شكرا لك على النقل الرائع للنص الرائع.
خلاصة النص أن شمولية الرسالة وجمالية وشمول القرآن اكبر من أن تخرج من إنسان عادي في ظروف البادية والقرية البعيدة عن سبل الحضارة وهذا ما يحتم علينا النظر لإنتاج هذا الإنسان البديع على انه تسديد قوة إلهية كبرى ، فإذا وصلنا إلى هذه الصنارة وغمزت فينا، فلا مناص من النظر بعين التفحص للإبداع والقيمة الكبيرة لما هو مطروح من إنتاج (قرآن ، حديث، سلوك، فكر، اقتصاد ، عسكرية ، إدارة ، تاريخ، دولة، لياقة، ووووووووووو) ، وهنا تبدأ معجزة تجر معجزة:
القرآن
التشريع
الأخلاق
السلوك الإنساني
التقدم العلمي .

إن نقطة حساسة أشرتُ إليها بطرق متعددة ، قد ذكرها سيدنا الصدر وهي انعدام المقدمات المعرفية والحضارية لنشوء حضارة فجائية على يد الرسول بشكل قرآني . وأضيف بأن هذه الحضارة حين امتدت الى حضارات أصيلة لم تذب فيها بل ذوبت الحضارات مما يعني قوتها الهائلة التي أسقطت مفاهيم أمم تطورت وترسخت خلال آلاف السنين وبمختلف أنواع المعانات والحروب والأموال والرجال والصروح والأوراق والمجالس والمجتمعات المتلاقحة.
أليس غريبا أن تأتي امة غازية فتصحح طريق حضارات متعددة بصورة طوعية وتبنيها بناءً جديدا، بعكس العادة من تأثير الأمم الحضارية في غيرها حتى لو هزمت في المعركة .
وأضيف إلى ما قاله سيدنا الصدر رحمه الله :
(إذا قيل شيء من هذا القبيل فهو أمر معقول وقد يكون مقبولا، غير أنّ هذا إنّما يفسّر سير الأحداث، ولا يفسّر الرسالة نفسها.)
أقول وأنه قد يفسر نجاحات آنية لقيادات ليست بمستوى العالمية بعد الرسول وليس يفسر سير الأحداث فقط . وهذا أمر مهم يحير الكثير حيث يعتقدون إن نجاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بسبب هذه الظروف التي ذكرها السيد بدليل نجاح من بعده على نفس المنوال مع أنهم لا يساوون قلامة ظفر منه. والحقيقة ان نجاحهم كان امتدادا لإنتاج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونجاحه من منجزات حضارية من الصفر ومن ظروف أنية ذكرها السيد سلسلت كل نجاح إلى نجاح ثان .
ولا تنس اخي باحث مسلم بأن الشهيد الصدر لم يتطرق لإعجاز القرآن مجردا من شخصية الرسول، فهو اعتبر الأمر مزدوجا بين علو مرتبة القرآن في الكلام وبين وساطته من رجل في بيئة لا تتحمل هذا العلو . وقد أشار إلى إعجاب وعجز الفصحاء في وقته من أسلوب وصياغة القرآن الكريم وعدم شكهم بأن هذا ليس كلام محمد ص وهذا يثبت مطلوبا مهما وهو كون القرآن لا ينفك عن شخصية الرسول
ولكننا سنبحث عن إعجاز القرآن بمفرده من باب تحديد الميزات المعروفة لنا لا التي لا تفهم من أسرار كتاب الله العجيبة ، إذا شاء الله

أرجو أن اقرأ للأخ القصدي التعريف والإشكالات حول المعجزة
وشكرا للجميع



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخوة الكرام

أرى إن لبساً قد حصل عند بعض الإخوة، وهو أنهم حين يقرؤن أسئلتي التي انقل فيها أقوال الكفرة والملحدين حول القرآن وشخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، يعتقد البعض أنني متحيّر بها .

هذا الموضوع أساسا هو لتدريب المثقفين المسلمين على الجواب عما ينتشر الآن خصوصا في النت من إشكالات على الرسول( ص) والرسالة والكتاب الكريم.
ومهمته تجميع أفضل الأفكار للمشاركة الواعية في الرد والنقض على ما يبرمه أعداء الإسلام.
كما انه دعوة لتقوية الإيمان وحضور الدليل لدى المسلم لمن يسأله عن الدليل.

ولهذا اطرح أسئلتهم وقد اضمّنها الإجابة بتلميح أو اختصار حتى لا أكون آثما بترسيخ شبهة ولو مؤقتا .
والحقيقة إنني لا اطرح الموضوع بشكل أكاديمي وإنما بمطارحة أفكار دائمة المراجعة.

وأحب أن أبين أهمية وخطورة الموضوع واقصد به موضوع المعجزة واثبات النبوة ، وقد عبرّت عنه عدة مرات، وقد فهم بعضهم تعبيري عن الأهمية......[ بأن موضوعي أهم من القرآن!!!!] وهذه قراءة بعيدة عن الخبرة.

الآن في النوادي الثقافية ونتيجة العولمة أصبحت الشبهات تطرق كل باب ، وبعض الشبهات يعجز عنها المثقف العادي . وأهم ما يقوم به أتباع الديانات كالمسيحية واليهودية والهندوسية هو إثارة الشبهات على موضوعين يحسبون أنهما يهدمان الإسلام من أساسه.

الأول: يركز على نصوص بعض المسلمين في شخصية الرسول و سيرته الدالة على عدم علوه في مرتبة البشرية .
والثاني : هو نبذ فكرة الإعجاز القرآني والتركيز على عدم صحة هذا الإعجاز. بدعوى عدم وجود ميزات فيه تجعله كتابا مميزا فضلا عن كونه متناقضا وغير محدد الدلالة باعتراف المسلمين كما يقولون.


والحقيقة لو تمت هذه الإشكالات لكانت ناقضة للإسلام ، ولكن بحمد الله فهي غير تامة. إلا إن لها أصولا في مصادر المسلمين يجب أن نعترف بها وهي اشكالات خلقها بعض من ينتمي للإسلام بعلم منه أو بدون علم.

منها مثلا الروايات التي تدل على شهوانية الرسول، وتزلزل إيمانه، وكونه لا يفرّق بين الشيطان وجبرائيل وغير ذلك، وهذه موجودة في كتب المسلمين، بل موجودة فيما يسمى بالصحاح ، مثلا هل هناك شك في تفسيرهم لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. فقد اجمع المفسرون من أهل الحشو أئمة السلف الطالح على كون الشيطان يلقي في قلب النبي حاشاه بعكس تفسير أهل البيت عليهم السلام الذي يحل المشكل. ولكن الجماعة يصنعون المشكل ويرون أنهم يحسنون صنعا بضبط السند كما يدعون.

وبالنسبة للقرآن فهم تارة يدعون أن بعض الآيات نزلت بعد أن قالها صحابي ويسمونها موافقة الصحابي للقرآن وهي في الحقيقة موافقة القرآن للصحابي ضد النبي كما يصورون. وقد يكون حسب نقلهم قول من أقوال العرب كاقتربت الساعة وانشق القمر وغيرها. وقد يطعنون بالدلالة فيقولون أن المتشابه والعام والمطلق لا تحديد فيه فلا معنى له ، وقد يطعنون في القرآن فيغنون ويطربون على التهمة السخيفة التي يتهمون بها الشيعة بأنهم يقولون بتحريف القرآن والشيعة يردون عليهم بأنكم تقولون بالفعل بتحريف القرآن ونقصه وزيادته ويأتونهم بآيات مثل الرضاع والرجم ووادي الذهب وسورة الحفد وغير ذلك.


فيكون مجموع الحاصل من معركة الطرفين أن لا ثقة بالقرآن ولا معنى له حسب ما يقوله المسلمون أو من يدعون الإسلام.

هذه العبثية في تناول أهم موضوع في الإسلام وهو الموثوقية والصدقية والبرهان العملي ، لهي عبثية مدمرة يقوم بها مسلمون بدوافع طائفية وأخرى حزبية وأخرى لنصرة سلطان جائر وشيطان فاجر. إنه عدم الشعور بالمسؤولية تجاه الإسلام والعبثية في الصراع الإسلامي- الإسلامي من دون تأمل بنتائج الأعمال وبتربص الأعداء.


إن أي تجميع لما يسمى بالفضائح للطرف الآخر إذا لم تكن محددة على ما دون المساس بالكيان الإسلامي، فهي جريمة ينقلب العبث فيها إلى تدمير حقيقي للإسلام، رضي بذلك العابث أم أبى.
فمن يصر على مواضيع تحريف القرآن وتمييع الدلالة القرآنية والتوسع في النسخ وتثبيت وتصحيح روايات تسيء للرسول والرسالة لا يمكن حمله على محمل البساطة والعفوية في الطرح خصوصا بعد تنبيهه.


إن من يراقب الحوار الطائفي المسيحي مع المسلمين يلاحظ بسهولة إن جميع إشكالاتهم تنشأ بعد أن يغرق الطائفيون الحشويون ساحات الثقافة بإشكالات موجّهة للشيعة ولكنها في الحقيقة موجهة للإسلام. فترى الطائفيين النصارى يوردون نفس الاشكالات بنفس المواضيع ويعتبروها ردا على الإسلام مثل التحريف والنسخ والتشابه وذوبان الدلالة، ويوردون ردود الشيعة أيضا عليهم فيستعملونها لنقض الإسلام باعتبار أنهم يصرّون على اعتبار الفكر الحشوي هو الإسلام وكل رد عليه هو رد ونقض للإسلام.


وهذه لعبة هابطة لا يلتفت لها المسلمون ولا يتصدى لها المخلصون. ولا يستحي منها الطائفي الهابط كما يحدث في قناة الحياة من أكاذيب واعتداءات على الإسلام بهذه الطريقة. وأكاد اجزم بأن جميع ما يورده ذلك القمص هو من نفس شواهد العراك السني الشيعي بحذافيره. وكأن هذا القمص السخيف يصر على اعتبار روايات الإساءة للرسول على أنها هي حقيقة الرسول مستغلا الدفاع المستميت لتصحيح هذه الروايات الساقطة الهابطة التي تصف الرسول بشتى الأوصاف المهينة.


ولعل في أخوتنا المحاورين من هو متخصص في الحوار مع هؤلاء الطائفيين ويعرف مدى الإحراج حين يستدلون بمواد الحوار بين المتصارعين المسلمين . ويستطيع أن يشرح معاناته وصعوبة التفاهم والدفاع، نتيجة توفير هذه المواد بين أيديهم مثل التحريف وسيرة الرسول. فإذا وجد بين الأخوة من يمارس مثل هذا الحوار فلا بأس أن يشرح لنا ما يسببه هؤلاء الحمقى الحشويين المجسمة من إحراج وتضعيف للدليل الإسلامي.


فعلينا أن نكوّن قاعدة بيانات في قضية مهمة تضع جميع ما يتعلق بصحة النبوة وحقيقة المعجزة. موضع الدراسة والتنقيب.


الأخ الكريم نجم الحجة
بارك الله بك
إن تسلسلك في عدم قبول المقولات غير الثابتة في المعجزة وفي اقامة الرهان على صحة الرسالة ممتاز.
ولكن في البداية قد يبدو للقارئ إرادتك النقص والانحراف، ولكن بعد ذلك يتبين أنك تريد أن هناك معيارا غائبا عن الذهن وهو الروح القدس بين ثنايا القرآن والإسلام. وأنت تريد تثبيته جزاك الله خيرا.

ولكن قد يتأمل الباحث في عدم اعتبارك للتحدي ابتداءً ذي قيمة. وإن كنت وسعت من موضوع التحدي في الأخير باعتبار توفر الروح القدس (النغمة إلهية) . إلا أن تصريحك الأول يدل على عدم أهمية التحدي في إثبات شيء. وهذا محل تأمل وقد قدمت التلميح لأهمية هذا من زاوية معينة.

واحمد لك تنبهك لقضية خطيرة جدا قد نتكلم عنها ، وهي هل أن المعجزة مجرد خرق للعادة كما هو التعريف أم تغيير للنظام ، وما هو فعل موسى في تحويل العصا إلى حية ، هل هو مجرد صورة أم تحوّل حقيقي وما مقدار هذا من خرق العادة؟
وشكرا لك.

الأخ الكريم على نهج علي
أحسنت كثيرا فلا بد من ديمومة المعجزة وديمومة الدليل على صحة الديانة ، حتى تكون الديانة مبرأة للذمة. وهذا مرحلة متقدمة يجب الوصول إليها.
وما نورّت به المقال من نقل عن سيدنا الخوئي نور الله ضريحه باعتبار القرآن كتاب هداية، فهذا يؤخذ بنظر الاعتبار ولكنه جزء من كيان شامل.
قلنا أن المعجز يجب أن ينظر له بشمول عام ابتداء من الرسول وظرفه وبيئته وانتهاءً إلى معجزة الكتاب الكريم. فالكل في الكل ينتج معجزة حقيقية وأساسها معجزة الرسول نفسه. ومفادها أنه من غير الممكن أن يكون بشرا عاديا بدون الوصل بالله قادر على إنتاج هذا التنوع العجيب في المنجزات الهائلة ومنها معجزة القرآن نفسه الذي عجز عن مجاراته البلغاء والمفكرون.
وقد أوضح ذلك سيدنا الصدر رضوان الله عليه ببيان بديع وتسلسل رائع نقله لنا الأخ الباحث المسلم.


سيدنا الكريم السيد مهدي زادك شرفا

يا أبا نادر لقد أردتُ أن ابسِّط الأمر فقلتُ كلمات مختصرة. ولو أردت أن أشرح الكلام لدخلنا بالتخصص، وفقدنا لذة الحوار القلبي.
وقد يصعب التبسيط لموضوع معقد، وسأحاول جهد الإمكان استجابة لطلبكم الكريم، وأعتذر إليكم مسبقا راجيا قبول هذه الوجيزة فيما سألت يا سيدنا سلام الله على آبائك الطاهرين.

فحبا وكرامة لك سيدنا وسأحاول قدر الإمكان تبسيط الموضوع وأوضح ما طلبت توضيحه.

المقصود بجملة ((..قصور علوم الدلالة وجمالية الأداء اللغوي ...))
هو إن علوم اللغة (نحو، صرف ، لغة) وعلوم المنطق والبلاغة والأصول اللفظية ، هي علوم الدلالة وعلوم جمالية الأداء اللغوي.

هذه العلوم فيها ضوابط للأداء اللغوي وجماليته وإبداعه وهي ضوابط دقيقة ومتشعبة ، ولكنها للأسف لا يمكنها أن تفرّق بين كلام الخالق والمخلوق .
بل يمكن أن تثمن عاليا بيتا للمتنبي أعلى من تثمين عشرة آيات قرآنية بسبب وقوع بيت الشعر وفق الضوابط لتلك العلوم أي وفق معيار الصناعة، وعلى الأخص علم البلاغة. بخلاف الآيات القرآنية، وهذه المشكلة يعرفها الضليعون في البلاغة . وهذا يدل على أن عدم الاستجابة للتحدي مع وجود دواعيه لم يكن بسبب البلاغة والبيان وإنما بسبب أعمق منها بكثير.
فإذا كانت المعايير توصلنا لهذه النتيجة فلن يستطع بلاغي أن يرفع من كفة القرآن على ديوان ابن الرومي أو المتنبي.
رغم تسليمه الداخلي بالرفعة الحقيقية، ولكن صناعته تحدده بهذا المستوى.
فهو يقول إن بيت الشعر الفلاني للمتنبي فيه عشرة أغراض بلاغية بينما سورة الفاتحة أو الإخلاص بكاملها، فيها بضع أغراض بلاغية. بموجب ما هو مقنن، ولا يوجد معيار يعتبرُ غرضا معينا واحدا يعادل عدة أغراض مقابله.
فلا يوجد تمايز كيفي بين المعايير نفسها، بقدر ما يوجد تمايز كمي بينها بتعدد النكات والأغراض . بمعنى لا يمكن القول أن التشبيه في القرآن يعادل خمسة اغراض من المجاز والتورية والطي والنشر وحسن التخلص . فاذا ورد في اية غرض واحد كالتشبيه او الاستعارة وورد في بيت شعر لابي تمام خمسة اغراض كالمذكورات انفا فانه بحسب الصناعة يكون بيت الشعر ابلغ من الاية الكريمة، وهنا مبدأ الخطأ.
وهذا هو عذر البلاغي أو المنطقي أو اللغوي حين يميل إلى الكم في تجميع الأغراض دون الكيف في القيم. وإن كان يبحث الكيف في القيمة ذاتها كأن تكون هذه الاستعارة أجمل من تلك فهذا يتحقق في العنوان الواحد لا العناوين المتعددة .
وهذا لا يناسب قرآننا الكريم فلا يحق أن تقاس قداسته ومعجزته بهذه المعايير.

وأما قولي : ((...وقدرتها الفائقة في بناء هندسة علاقات معنوية بروابط لغوية رائعة لينتج لنا العلوم بطريقة (عقلية – نفسية- رياضية- هندسية) مع غلاف جميل من عدم القدرة العقلية على الكشف الحقيقي.)).

فهذا يحتاج إلى شرح مستفيض ليس بالمقدور نشره بالكامل، ولكن لا بأس باختصاره وشرح أسسه.

وسأبدأ بشرح مختصر لنظريتي القريبة من القصدية والتي اكتشفت عدم وفائها بالمطلوب بسرعة.
في سنة 1972 تولدت لدي فكرة (بعد أن عرفت الضوابط الدلالية وعدم قدرتها على التمييز بين كلام الخالق والمخلوق)، مفادها أنه لا بد من وجود نظام بديل لهذه النظم اللغوية المعروفة، يجب أن يكون له قابلية التمييز، وتكون فيه العلاقات أكثر تعقيدا وتحديدا.
وهو يتأسس على أساس أن اللغة داخل الإنسان جزء من كيانه الحيوي فهي كائن حيوي كبقية الأحاسيس الحيوية العصبية غير انه قابل للنقل والانتقال والمبادلة، تحكمه قوانين متعددة منها قوانين ذات طبيعة عصبية من تأثير الصورة والصوت وانتقال الحس، ومنها عقلية مثل المعنى ، والعلاقة بين اللفظ والمعنى والتركيب ، ومنها نفسية ذات طابع جمالي سواء حسي او نفسي أو معماري. ومنها هندسية ورياضية تتحكم بضرورة العلاقات بين المعاني والألفاظ سواء مع بعضها أو مع غيرها.
وهذا الكائن الحي لا تكون له حياة خارج عقل الإنسان كما هو سلوك الفيروس الذي لا يكون في الخارج إلا بلورات ملحية، ولكنه في داخل جسم الإنسان يكون كائنا نشطا فعالا جدا.
وهذا الكائن اللغوي مكون من أجزاء الكلمات ومن أجزاء المعاني وهي مفرداتها الأساسية ولها معاني بذاتها وأساس كل لغة هي الحروف المفردة كالحروف الهجائية، فيمكن للحرف المعيّن أن يدل على الدفع أو على القبض أو على أي فعل أو صفة أساسية في الكون والتي تفسر بنظام الحركة، فالحروف لها معان أساسية. وحين تتألف لا تتألف بطريقة عشوائية اعتباطية (غير قانونية) وإنما بحسب نظام المعاني الخاصة بتلك الحروف ، فنحن كبشر لم يكن اختراعنا للمعاني من تركيب الألفاظ بدون قانون تأليف أساسيات هذه اللغة المكونة من حروف لها معان خفية بذاتها يمكن أن تستكشف، وهذا يعني أن تركيب اللغة تشابه تركيب المواد الكيميائية أو المواد الهندسية الفيزيائية من مفردات أساسية بموجب قوانين مرنة قابلة للإبداع كما هو التعامل مع المنتجات الهندسة والكيميائية.
فلا يوجد ما يسمى بالوضع الاعتباري الجزافي والقبول به اجتماعيا.
واللغة التي على الكرة الارضية أصلها لغة واحدة تفرعت إلى لغات متعددة بحكم قابلية الإبداع ، وقد قلت في موضوع عبد الصبور شاهين وقصة آدم إن احد الأدلة على الأصل الواحد لجميع البشر هي المفردات اللغوية الواحدة والبناء اللغوي الواحد.
فلم تكن العلاقة بين الشعوب هي توحيد (قابلية اللغة) بل توحيد (مفردات اللغة) وهذا يمكن البرهنة عليه بالاستقراء لمدى تطابق الألفاظ الأساسية في المعاني بين اللغات، مثل ألفاظ الطفولة العجيبة (بابا ، ماما) التي وجدت حتى في الجزر النائية التي يفترضون أنهم من اصل غير اصل هذا الإنسان أساسا، وقد اختلفوا في التزاوج بين الإنسانين على مر الدهر ، وهذه اللغة المشتركة تبطل هذا الفرض وتؤكد وحدة الأصل، ولكن مما يدل بوضوح وجود كلمات وحروف أساسية بين جميع اللغات، فليس من قبيل الصدفة أن يكون فعل الملكية (حاز) موجود في جميع اللغات مثل هاز وهاس وآس . وغيرها كثير يطول بها الشرح.

وهذا النظام له وجهان.
الأول: هو جهة المتلقي
والثاني: هو جهة المنشئ.
ولا يقتصر في الاعتماد على ضوابط قائمة على أساس النص بما هو نص، ولا على علاقة اللفظ بالمعنى، بشكله المعهود.
وهنا لا بد من الاتجاه إلى فكرة الشكل (المحْكم) للنص ومساحته المحيطة وعمقه.
ففي جهة المتلقي هناك قواعد كثيرة تتحكم في تحليله للنص وهي تتكون من (أساسيات اللغة التصورية والتصديقية والجدية (المراد الجدي) + مجموعة القواعد الأساسية لتحليل + إرادة وأهمية المنشئ) ، ودور المتلقي هو التحليل وليس الإنشاء.
وأما من جهة المنشئ (الملقي) فهناك قواعد كثيرة تتحكم في طريقة الربط بين اللفظ والمعنى ولكنه هو من يتحكم بها .
بمعنى أنه هو من (ينشأ) أو يتعهد بوضع اللفظ إزاء المعنى بحسب الطريقة و التركيب لينتج نتائج فردية لنصوص مفردة متعلقة به، ولهذا فلكل منشئ ومتكلم طابعه الخاص. ومبدأ هذه النظرية هو مسلك التعهد المنسوب للأمير السيد علي بن فتح الله النهاوندي المتوفى سنة 1322هـ 1904 م . وهو مسلك يبرر العلاقة السببية في الترابط بين اللفظ والمعنى ذهنا، وقد تبناها السيد الخوئي ونقدها السيد الصدر واعتمد نظرية القرَن المخصوص، ونقدها السيد السيستاني وأبدلها بنظريته (الاعتبار الأدبي) وتحوّل الاعتبار إلى حالة تكوينية تدمج اللفظ في المعنى (مرحلة الهو هوية في الربط الحاصلة من مقدمات ثلاث: 1 - الجعل. 2 - الاستعمال مع القرينة. 3 - التلازم.) . ولكن بحسب المنظور العلمي فإن بإمكان مسلك التعهد أن يجيب عن الإشكالات الموجهة له، بضبط معنى التعهد بمعنى الالتزام في الإرادة الجدية الابتدائية من جهة الملقي وإرادة هذه الإرادة الجدية من جهة المتلقي، وعلى كل حال فإن هذا المسلك وغيره يفسّر اللغة أفضل مما فسره دوسيسير بالبنيوية وتحليل الكتلة وجومسكي بالقابلية اللغوية التطورية فهي لا تتكفل تفسير العلاقة وانما تقر بالعلاقة فقط، وإن كانت هذه النظريات مندمجة في الجملة مع نظريات الاعلام خصوصا مبدأ القابلية اللغوية المتنامية منذ الطفولة.

وحين نأتي للقرآن نجد فيه ميزات كبيرة وفق هذه نظرية (الإحكام الدلالي) إن صح التعبير.
منها: أن منشئ القرآن هو الله وقد وضع نظاما نصيا له خاصية التخليق في المجال الحيوي للمتلقي وليس فقط التحليل. وهذا محسوس وجدانا.
فهو أشبه ما يكون ببرنامج مضغوط حين يدخل لعقل الإنسان يبدأ بعمليات تخزين وترتيب وإنتاج ذاتي لبيانات خفية وظاهرة . بحيث يؤثر تكوينا في المجال العقلي والنفسي التكويني للإنسان. فالله الخالق حين يبعث حزمة بيانات نصية يختلف كليا عن إنسان عادي حين ينشأ نصا يريد أن يصوغ فيه أفكاره بحدودها الواقعية (سواء كانت عالية الجناب أو منخفضة القيمة) .
ومن هنا لا بد أن يُدرس كلام الله ليس بطريقة التحليل فقط، وإنما برصد الفاعلية الكونية في ذات المتلقي ، وهنا ينبغي أن يكون المتلقي يقضاً لجملة قواعد، أهمها أن كل لفظ في أي موقع يختلف بالمعنى مع نفسه في موقع آخر وأنه لا تصدق نظرية سيبويه بتقسيم الاستخدام اللغوي إلى ما كان متغير النمط وما كان ثابت النمط على القرآن الكريم فالجميع متغير النمط (المعنوي) ومتغير المعنى في الحقيقة وفق هذه النظرية (إلا إذا كان يقصد بالنمط المعنى العام مثل الفاعلية والمفعولية)، لأن كل مفردة وكل نص محدد القيمة المعنوية ولهذا تصح في القرآن لغة خرق الثوبُ المسمارَ فصح (إن هذان لساحران) (والمقيمين الصلاة) لعدم الاختلاط المعنوي. وبهذا فلا تكرار في القرآن ولا خطأ ولا اختلاف، ويمتزج الاستعمال بالحقيقة إلى درجة تكاد تذيب أحداهما في الأخر لأن الاستعمال يكون ذو وظيفة محددة تكاد أن تكون منشئة لمعنى جديد. والاستخدام القرآني هو المرجع في فهم حدود المعنى.

ومن الميزات لهذا النظام أن يستخدم نظام المصفوفات الرياضية الهندسية لكشف المعاني وذلك سبب مهم جدا.
وهو إن في اللغة العربية ألفاظ متقاربة المعنى أو لنقل معانٍ متقاربة بألفاظ مختلفة ، وكذلك هناك معان متعددة للفظ واحد، وبموجب (الإحكام) الذي هو أساس قراءة القرآن المختلفة عن قراءة أي نص أدبي . لا بد من تحديد معنى واحد للفظ واحد في الموقع الواحد تحت ظرف واحد وبشرط واحد.
وتطبيق هذا بلا نظام لا يمكن الجزم به في القرآن، باعتبار عدم القدرة الحقيقة لاستيضاح الأمر، لأن المنشئ جل أن نصل إليه . وهنا لا بد من اعتماد نظام مصفوفات يتكون من المحور السيني للمعنى والمحور الصادي للفظ وقد ينقلب ليأخذ صيغة هندسية جديدة. من اجل الوصول الى التقاطعات الواضحة التي تقلل من المعاني غير المستخدمة. والقيم السالبة للمعنى.

وبعد تفكير وتطبيقات على نصوص قرآنية تبين عدم كفاية هندسة السطوح وانما يحب اعتبارها هندسة مجسمة لوجود بعد ثالث (البعد العيني)، وهو الظرف أو الشرط. فأصبحت المصفوفة معقدة ولكنها مفيدة . فلو أخذنا مثال عن تركيب وليس عن لفظة مفردة وابتعدنا عن التطبيق على الحروف (لكون الحرف بعيد المنال فعليا) .
مثلا لو درسنا هذا المقطع من الآية { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فهنا لكل لفظ مكان في البعد الصادي في المصفوفة . ص1 لا ينال ص2 عهدي ص3 الظالمين . فمعنى ينال في النقطة ص1 س1 هي (وصَلَ إلى العهد) وفي النقطة ص1 س2 (وصَلَ إلى الظالم) ، وفي ص2 س1 (العهد بمعنى النبوة ) وفي ص2 س2 (العهد بمعنى الإمامة)، وفي ص3 س1 (الظالمون فاعل) وفي ص3 س2 (الظالمون مفعول) . وبما أن النص وقع جوابا لطلب الإمامة فيكون معنى العهد الامامة تحديدا ، وبما إن الصياغة النحوية حددت إن الظالم مفعول لكونه منصوبا وهذا بعد ثالث حدد اتجاه المعنى في كلمة ظالم، فإن الترابط أصبحت نقاط اللقاء والتقاطع هي ص1س2 و ص2 س2 و ص3 س2 ،وهذا يعني أن العهد هو الفاعل المتلبس بصفة الوصول فيكون العهد كيانا معنويا يتحرك باتجاه الإنسان فإذا كان ظالما لا يصل إليه ولا يتلبس به. وهنا تظهر جمالية اختيار (الظالم) مفعولا وهو الكشف عن كون الإنسان لا يملك الوصول إلى العهد المخصوص بنفسه لأنه ليس فاعلا فيه، والعهد ليس بمتناول يده، إنما العهد هو من يختاره، وهو من بيده الامر، وهذا يعني بالضرورة كذب من يدعي أنه اخذ العهد من الله بنفسه، وليس باختيار الله، فيصبح لازم (ينال) بهذا التركيب أن العهد أمر جعليٌ له شروط الخاص وهو (عدم الظلم)، فتم التضييق على احتمالات كثيرة بطريقة الاستبعاد نتيجة التقاطع والظروف والشروط.
هذه فكرة بسيطة قد لا تكون دقيقة لسرعة الكتابة ، ولكنها تعطي فكرة أولية عن تحليل النص على أساس المصفوفات. وهذا ليس كل شيء لأننا قلنا أن من خصائص القرآن انه فاعل داخل المتلقي.
فماذا تفعل جملة { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} عقليا ونفسيا وسلوكيا ، الجواب : إنه إنشاء منظومة العدل الفكرية بالتوافق مع المنظومة العقلية المستقبِحة للظلم ، ومن الناحية النفسية فهو الارتياح لاستبعاد الظالم عن جائزة العهد وعن إدارة المجتمع، ومن الناحية السلوكية هو القناعة بعدم طلب العهد ورفض التصدي بدون عهد جعلي.
إذن خلَقَ النص حالة راسخة من القناعة برفض تولي الظالم لسلطات الله على البشر. وهذا يسمى الاعتقاد، وهو أساس الكيان الإنساني وسلوكه. ويعرف هذا من خلال خصوصية موقع (الظالمين) بالنسبة للفعل (ينال) الذي يبادل بين الفاعل والمفعول. (لأنه عبارة عن تواصل يصح من أي من الطرفين) فهنا وجد بعد ثالث يقرن بين منتجات الخط السيني فهو يحكم ويحدد اتجاه النص ويولد معان كثيرة من خلال نفي هذا الاقتران تحت ظرف معين. (وهذا مثال بسيط غير معقد). وهذا الأمر يمارسه الإنسان بدون شعور منه بالتعقيد أم التكلف الفكري.
وفي سبيل تهيئة مصفوفات منتجة ينبغي إجراء جملة أمور منها جرد احصائي للمفردات المشابهة المستخدمة في القرآن للتأكد من كون المفردة محددة باستخدام معين فيه أو أن لها أكثر من استخدام (يعني بمعزل عن المعنى اللغوي العام وإنما بالاستخدام القرآني)، وهذا يعقد شبكة المصفوفات . وهنا ينبغي استخدام الذكاء أو ما يعرف حاليا بالذكاء الصناعي في قراءة المصفوفات الكبيرة، مثل خوارزمية (ألفا بيتا) القائمة على أساس استبعاد اكبر كمية من النقاط غير المنتجة والإبقاء على نقاط التقاطع البياني (المنتِج). وبهذه الطريقة ستتحدد المعاني أكثر بل يمكن الادعاء انحصارها بها في أغلب الأحيان. فلا يوجد هذا الكم الكبير من الاحتمالات التي تضيّع مقاصد القرآن الكريم. ولكن في حالة المتشابه نحتاج إلى اعمال نظر وقوة ملاحظة بخلاف الاستخدام البسيط في المثال الذي ذكرناه الذي هو من المحكم.
ولا يقتصر نظام دراسة النص القرآني على هذا الجانب وإنما هناك جوانب أخرى كثيرة لا تقل أهمية ، مثل تحديد نحو القرآن ، ومنطق القرآن وبلاغة القرآن المختلفة عن البلاغة العادية. ولعل أهم قضية هي كيفية خلق الأحاسيس لا نقلها كما يذهب السيد السيستاني، القرآن خلاّق أحاسيس وبينما الكلام العادي ينقل الأحاسيس. والفرق بينهما دقيق فنقل الأحاسيس يمكنك أن تضيف له أحاسيس إضافية ولكنك مقيد بما ينقله الإحساس، وأما القرآن فهو يريد أن يخلق عند القارئ إحساس معين مثل الإحساس بخطورة النار فيعطيها اسماءً ذات نبرة خاصة (الحطمة، الصاخة، الغاشية ، حامية، الموقدة، المطلعة على الأفئدة، الطامة الكبرى ، الجحيم ......) فالله سبحانه جل أن يكون له أحاسيس ينقلها إلينا، وإنما يريد خلق الأحاسيس فينا. فإحساس المسلم قارئ القرآن بالنار إحساس مصنوع يصل إلى حد المشاهدة العيانية وبنظام متكامل من خلال خلق الإحساس بمراقبة العمل وبجزاء العمل وبحجم الجزاء بما يشكل وحدة ذهنية واحدة . فالنار دائما تناسب عمل الشر وحجمه، فكلما كانت صورة النار أضخم كان الإحساس بحجم الشر اكبر. وكلما كان إحساس الإنسان بالنار ضعيفا كان الإحساس بحجم الذنب والشر ضعيفا فتسهل اعمال الشر عند الإنسان. ولهذا قال العقلاء أن الدين رادع قوي عن الجرائم، وهذا من خلال رصد المفعول القوي للنص للتصوير الهام لطبيعة الجزاء بحيث يتحول إلى صورة ماثلة عند المؤمن.
وهذا نوع من الإحكام الذي يناقض سلوك المفسرين بالتحيّر أمام هلامية المعاني والألفاظ. وتعدد الاحتمالات التي قال عنها الفخر الرازي في سورة النساء بأن لا يمكن الاستفادة من القرآن أحكاما واضحة بل يستفاد بضميمة السنة والاجماعات. فهو يُشكل على قوله تعالى (حرمت عليكم امهاتكم) في سورة النساء بعدة إشكالات ينتهي أن دلالتها على تحريم الأم على ابنها غير واضحة من القرآن، ولا يمكن التمسك بها!!!! وإنما يصار إلى الفقه والحديث الشريف ليحدد المعنى.
فهذا موجز ما فكرت فيه في ذلك الوقت .

ولكن بعد مدة قليلة من التفكير في هذا النظام وجدته قاصرا ، فهو يجازف في دعوى تغير الأنماط دائما وهذا خلاف الوجدان، ولا يعطي تفسيرا حقيقا للحروف ، ويبقى حتى في المجال الهندسي اقل قدرة على تفسير كلام الله بشكل كبير . وهو لا يفي بظروف كثيرة للنص مثل أسباب النزول والقرائن والسياق والظروف المحيطة بالنص.

وعلى سبيل المثال لو عتمدنا مثالا آخر مثل (إِنَّمَا يريد اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) على نظام المصفوفات قد لا يكون موفقا ، (لأن السياق والموقع والنصوص المشابهة تختلق لنا شبهة كبيرة في البعد عن المعنى الحقيقي.) ولا بد من استعمال حل آخر لتصحيح الوضع للاقتراب من المعنى الظاهر المؤيد. وقد قمت بدراسة هذا المثال ولكن لأنه كبير جدا اترك الأمر لفهم الإخوة ومن يتعذر عليه الفهم أشجعه على البحث وتجميع النصوص القرآنية وسيجد بعض الأسرار في الفرق بين الرجز والرجس مما يفصل في المعنى ولكن على كل حال يحتاج البحث إلى نوع ثان من التأصيل الفكري للتحليل اللغوي.
لهذا فقد اتجه النظر إلى النظام الشامل ، وهو يعتمد (تكميم) اللغة بمعنى أن مفردات اللغة هي مفردات معيارية كميّة كما هي مفردات الفيزياء والكيمياء وعلى هذا فقد تم علم الكم (الفيزيائي و الفيزيائي الكيميائي) ، فالمعاني الأساسية للغة هي في الحقيقة لا تخرج أبدا عن مبدأ (الكتلة- القوة- الزمن- الضغط - القوة الكهربائية - وقوة الضوء) وهو يعني بكل بساطة أنه ما من فعل أو مشتقاته إلا وهو يمثل (الحركة) ولوازمها، وبتفكيك الحروف والكلمات والمعاني نجد إمكانية الوصول لتكميم اللغة بحيث تعبّر عن قيم حسابية يمكن إعادة ترجمتها من جديد إلى المعنى، وبهذا فإن المعالجة اللغوية عبارة عن معالجة حسابية عميقة ومعقدة جدا، تعتمد مبدأ التحليل الكمي للحروف والكلمات والمعاني وحساب طاقاتها ومساراتها وموارد اجتماعها وامتناعها، والعلاقة بينهما جوهريا هي التطابق الرقمي أو القيمي، سواء كان مبدأ التخزين والتحليل يعتمد نظام المفتاح الفيزيائي (مفتوح – مغلق) أو نظام البروتين كما يقترح كثير من العلماء الآن ليكون نظام التخزين أكثر فاعلية عبر الأحماض الأمينية لأنها أكثر عددا كمفردات تخزين، فتختصر البيانات بشكل مدهش كما هو حال كتاب خلقة المخلوق (الجين الوراثي [الكروموسوم]) الذي يحتوي على أعجوبة حقيقية بالنسبة لنظام التخزين البياني حجما ودقة ونظاما. ولا نعلم بالضبط ما يجري في الدماغ فهل له علاقة بالكروموسوم أم له طرق أخرى إضافية. فهذا لا يعنينا بقدر ما يعنينا تحليل اللغة إلى قيم حسابية لأن أسسها كلها خاضعة للتقييس الحسابي وبالتالي فهي جزء من هندسة رياضية غاية في التعقيد والتطور لم يبدأ البحث فيها جديا لحد الان، وانما عندي تصورات ومنهجية للبحث لنظرية كم اللغة. ليس إلا . وهذا يفسر جزيا ما اطلعنا عليه من علم الجفر ونظام التحويل اللفظي إلى قيم حسابية وإجراء المعادلات المتعاقبة ومن ثم تحويل القيم الناتجة إلى حروف ولقد اثبتوا عجائبَ من الأجوبة المهمة لأسئلة محددة، وهذا يدل على أن الجفر اما أن يكون مماسا لسطح التكميم أو انه يعرف سر التكميم، وقطعا فان علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام بالجفر يختلف عما رأيناه من جفر رغم كونه أعجوبة حقيقية ولا يبعد عندي أنهم عليهم السلام يعرفون قيمة الطاقة الحقيقية لكل حرف ومعرفة المعادلات المنتجة للمعاني التي تتكون منها اللغة والعلوم وهو ما يفسر كون كتاب الجفر عندهم يجيب عن كل شيء وبحسب عموم قولهم فهو الذي يفسر القرآن بصورة حقيقية. (فلعله يدخل الآية بطريقة جفرية لتخرج الاجوبة الحقيقية) وقد قال الامام (وهو الجفر وفيه علم الاولين والاخرين وهو عندنا) وقد نص الامام الكاظم عليه السلام على الامام الرضا ووصفه بأنه (ينظر في الكتاب الجفر معى وليس ينظر فيه الا نبى أو وصى نبى وقال الصادق عليه السلام (وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى احد) وقال (ما من شئ يحتاج إليه الا وهو فيه). يراجع الكافي و بصائر الدرجات.
وبالنسبة لنظام المصفوفات فقد وجدت أن النظام الأقرب هو نظام الطبقات المصفوفة layers وهو أشبه بنظام GIS (النظام المعلوماتي الجغرافي) حيث تنفصل طبقات المعاني الثلاثية الأبعاد لعدة طبقات شفافة وكلما كان التكرار والتقاطع واضحا ومكررا كانت القيمة اقرب للجزم بالتخصيص، وهنا يكون الوضع معقدا جدا لا يفي به التبسيط الذي شرحته آنفا.
ولهذا لا يعتمد هذا النظام نظام (الإحكام) بالطريقة السابقة نتيجة استنطاق معنى الحرف وقوة الترابط ، لما فيه من سلبيات لا مجال لذكرها ولكنه يعتمد نظام (الشمول) وهو لا يعتمد إحكاما كاملا، بل يقرّب النتيجة إلى اقرب نقطة تكون حجة عقلية وشرعية بإفراغ الذمة في فهم النص (وهذا يتناسب مع نظرية معرفة متطورة تختلف عن نظرية المعرفة المعمول بها حاليا والتي تعتمد على أن معنى العلم الحقيقي هو القطع)، فإذا تحقق الإحكام فبها ونعمت، وإذا لم يتحقق لا يسقط النظام كما هو في الفرض السابق، ولكنه سيحقق اقرب النتائج المعتبرة عقلا وشرعا. وهذه نظرية نمارسها كبشر عمليا بصورة غير واعية ولهذا نحس بأن القرآن لا يمكن أن يدانيه كلام حتى لو كان الكلام منمقا أكثر من القرآن، لوجود قوة عجيبة في عقل الإنسان ذات قدرة على التحليل الرياضي وعمل طبقات متعددة ثلاثية الأبعاد تدرس فيها النقاط بما يشبه التقدير النقطي لمتوسط مجتمع في علم الإحصاء. وبنفس الوقت حيث تزداد الطبقات والعينات النقطية يقوم بعملية التقدير المجالي لمتوسط مجتمع، للحصول على (مجال الثقة) لمتوسط مجتمع. كل هذا يقوم به العقل بصورة طبيعية ولا إرادية، ولكن فيما لو أعملنا الإرادة الواعية فستتحول النظم إلى دراسات معقدة تعتمد المعادلات والنظريات الإحصائية العالية، لتقريب النتيجة إلى اقرب قيمة، وبذلك يكون المعنى الناتج وفق هذا النظام اقرب للصواب وابعد ما يكون عن العشوائية وعن تكثير الاحتمالات غير المنتجة التي يتمسك بها ذووا الغايات المنحطة لتكوين مذهبيات كرتونية مبنية على أساس اللعب على القيمة المعنوية للنصوص. ففي آية (إِنَّمَا يريد اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) حاولوا العبث بالآية لأن البيانات الظاهرة على السطح تعطي نتائج مشوشة، ولا بد من تركيب مصفوفات معقدة جدا على شكل طبقات شفافة متعددة، لنحدد القيمة الحقيقية للنص. وقد استخدم الوهابية البيانات الظاهرة على السطح بصور شتى لتفريغ النص من قيمته. مثل أن هذه الإرادة تشريعية وأن التطهير لا يعني العصمة من الذنب وان الأهل تعم النساء، وهي بيانات مبنية على معطيات قرآنية في بعض الأحيان مثل الإرادة والتطهير لوجود نص مشابه يستخدم معنى التطهير من الحدث وولإرادة استخدمت في مواقع أخرى بمعنى الإرادة الشرعية ، بالإضافة لتعقيد استعمال الإرادة بين التكويني والشرعي في القرآن بشكل يحتاج إلى دراسة مستقلة معمقة للخروج بنتيجة حاسمة. ولولا التطويل والملل لذكرت هذا المثال بتفاصيله الكبيرة.

وبهذا اكتشفت أن النظام الحقيقي لاستكشاف علم جديد، يفرّق بين كلام المخلوق وكلام الخالق لا زال كامنا في داخلنا، لم يخرج بصيغة علمية ورياضية بشكلها الدقيق، ولكن نظام (الإحكام) يمكن أن يكون احد مفردات النظام الشامل إذا أدى إلى نتيجة قطعية غير مكيّفة، وبقواعد أدق وأكثر مرونة. و نظام الإحكام الذي يعتمد على الجدية في الإرادة يمكن تطبيقه على القرآن إلى حد كبير، ولا يمكن تطبيقه على غيره بشكل دقيق، للفرق بين منابع الإرادة الجدية، حيث أن هذه إذا كانت من العالِم تختلف عنها إذا كانت من الجاهل ، فكيف بالفرق بين الله والإنسان؟

سيدي أبو نادر :
وبعد مدة تزيد عن عشرين عاما اكتشف أن أفاضل في الحلة وبغداد من العراق خرجوا إلى خارج العراق و أنبئوني بقيام محاولة في أواخر الثمانينات لإيجاد نظام فاعل في تحليل النصوص أسموه المذهب القصدي يشابه إلى حد بعيد ما توصلت إليه سابقا ، وقد اطلعت على كتاباتٍ اغلبها جميل وفيها ذكاء رائع، ولكن يشوب العملية أخطاء كثيرة ومجازفات واشتباهات تجعلها في بداية الطريق من أجل التصويب، ولكن الذي اكتشفته في المجموعة القائمة على البحوث أنها تجزم بقوة ولا تقبل النقاش وترفض المخالف بشكل سريع وقاطع. وهذه مشكلة بحد ذاتها.

ملخص فكرة القصدية و ما فهمته من خلال كتاباتهم:
إن آدم حين خُلق خلَقَ الله معه قدرة عجيبة تفوق قدرة الملائكة ، وهي قدرة توليد اللغة وثبات معاني الحروف بذاتها داخل العقل، واللغة تبدأ من معنى الحرف (اللازم) ، فينبغي لمن يريد أن يستكشف معاني الحروف الحقيقية عليه أن يدرس اللغة الموحدة وأن يحاول التبحر والمتابعة لكل لفظة في كل لغة وتحليلها فنستخرج من هذا الاستقراء معنى الحرف، فكل حرف له معنى مثلا الالف له معنى الزمان والمكان والباء له معنى انبثاق الحركة فجائيا بقوة والراء تفيد تكرار الحركة وهكذا. وبتركيبها يتكون معنى منها لا يمثل جزئاتها ولكنه يمثل مجموعها.
و بما إن القرآن الكريم كلام الله فلا بد آن يكون قد استعمل الحروف وفق النظام الأساسي الصحيح، وليس بحسب أخطاء الاستعمال ، والفرق هنا بين ما توصلت إليه سابقا وبين القصدية أنهم يقولون بأن تغيّر الاستعمالات ليس (للإبداع) وإنما (للأخطاء) لأنهم يقولون بأن النظام الأساسي عند ادم هو قمة الصواب والبقية تحريفات ، و اللغة العربية عندهم حاولت المحافظة على القواعد الحرفية الصحيحة إلى حد ما، لأنها بقيت في نفس الأرض التي نشأت منها اللغة الأم، وهذا العامل الجغرافي مهم .
وحين نزل القرآن نزل بالقواعد الصحيحة، فيمكن من لفتات الاستعمال القرآني مع المقارنة مع اللغات الأخرى نستكشف جوهر معنى الحرف، وبهذا يمكن إرجاع البحث في القرآن نفسه على هذا الأساس ، بمعنى أننا حين نمتلك هذه الأدوات الأساسية في عمق جذور اللغة نتمكن من معرفة القرآن نفسه بطريقة جديدة فيكون القرآن كاشفا عن نفسه بنفسه في نظام فريد.

وبعد ذلك يؤكد الفكر القصدي على مرحلتين من المنظور للمعاني
الأول يتعلق بـ (جهة الملقي والمتلقي والعلاقة بين اللفظ والمعنى)
والثاني هو (نظام التجميع والتفكيك الهندسي).

ففي المنظور الأول رأوا أنه في زمننا أن الملقي هو الله والمتلقي هو (آدم المحرّف) وليس أم الدقيق الخالي من شوائب الانحراف الإنساني في اللغة ، ولهذا علينا أن ندرك عملية إعادة بناء ادم الحقيقي فينا. وذلك بدراسة العلاقة الحقيقية بين اللفظ والمعنى وإدراك مفرداتها.
وهم هنا يتشددون ويرون الخطأ الفاحش لنظريات الكثير من علماء الأصول في العلاقة بين اللفظ والمعنى، فهم يلومون جميع علماء الأصول باستبعادهم لمعنى الحرف بذاته (وليس المعنى الحرفي المعروف) ، ويستنكرون بشدة القائلين بأن جوهر العلاقة هو الاعتبار كالشيخ الآخند أو التعهد كالسيد الخوئي أو القرن كالشهيد الصدر ، ولكنهم يرتاحون جدا لنظريات قديمة تقول بذاتية العلاقة أو باتحاد اللفظ في المعنى اتحادا اندماجيا لا تفريق فيه في الهوية بحيث يكون هو هو . وهذا ما يقول به السيد السيستاني بتفصيل عنده. وهي نظرية قديمة قدم الفكر اليوناني والبابلي وغيره.

وفي المنظور الثاني :
يعتمد النظام على الإحصاء والاستنتاج لجميع استخدامات اللفظة بالنظر لحروفها وتركيبها الحرفي، ويقيم النظام جدولا للحروف بحسب معانيها في الحركة والاتجاه والزمن والمكان وغيرها، ثم ينتقل ليقيم اقترانات معنوية ولفظية بمراعاة الحروف ومعانيها . وعندهم مرحلتان قد تتعاقبان مكررا على في نفس المعالجة وهي التفكيك والتجميع. فأما التفكيك فيعمدون فيه إلى تفكيك اللفظ إلى جذره الصرفي ثم يفكك كل حرف إلى معانيه الأساسية المطابقة للمعاني العقلية، ثم يُدرس الحرف وموقعه وقيمته، ويستنتج منه (اتجاه معنى) يقوم بعد ذلك (بإنتاج معنى) بالمزاوجة من خلال النصوص المعالجة لنفس القضية ، وقد يضطر المحلل إلى التفكيك من جديد حين تتداخل الألفاظ والمعاني. فلو جاء لفظ يعرف بأنه استخدام مجازي فلا يسلّمون مطلقا بهذا الحكم فيقومون بالتفكيك ثم التجميع ثم التفكيك ثم التجميع حتى يصلون إلى أن معنى الكلمة الأعم من الاستخدام اللغوي الدارج فيكون الاستخدام القرآني استخدام في (الأعم) ولهذا فلا مجاز ولا اشتراك ولا ترادف ، لأنه ينطبق عليه بمفرده على الحقيقة.
ويستخدمون من أجل ذلك الجداول الثنائية الأبعاد في الغالب ، وحتى لا ابخسهم حقهم أرى إنهم يستخدمون فعلا عمليات معقدة لها أبعاد ثلاثية للجدول بحيث لا يكون المسار خطيا. لأن البعد العيني يغير موقع النقطة ارتفاعا وهبوطا بحسب القيمة المسلطة عليه. ولا يشيرون إلى استخدام الطبقات المعقدة. ويجب أن ننتبه إلى إن أساس القواعد عندهم وهي معاني الحروف مستنبطة بطرق ظنية يعتقدون أنها وصلت لمرتبة القطع.
للمثال على ذلك كلمة (قوامون) في الآية الشريفة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ....}(النساء/34). يتم إرجاع الكلمة إلى جذرها الصرفي وهو قوَم وقوَم مكونة من ثلاثة حروف ( ق – و – م) فالقاف هي الحركة باتجاه محدد والواو هو الحركة المستديمة (الاستدامة) والميم هو التمام المكاني أو الهالة التامة المحيطة بالشيء وهذا التركيب يعني السلطة والنفوذ والاحاطة والإدامة. فيكون معنى القوامون هنا ممارسة النفوذ في ترتيب الأسرة وإدامتها ، وهذا المعنى يختلف عما يفهمه أهل اللسان ببعض الخصوصيات، وبما أن الباء في قوله (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) هي باء سببية عندهم وأن التفضيل هو تفضيل العقول والحزم في إدامة الأسرة فيكون المعنى هو إن السلطة بإدامة الأسرة بيد الرجل إذا كان أفضل عقليا وإلا فهي بيد المرأة إذا كانت أفضل من هذه الجهة، فهم يقولون إن هذه الآية تمثل قراءة الواقع، ولا تمثل تشريعا، ويغضون الطرف عن المقطع الأخر (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) الذي يمثل تشريعا قطعا وهو عنوان النفقة والذي فسر به الفقهاء معنى القوامة فالقوامة عندهم النفقة. ولكن الحق يقال أن هنا أمرا محيرا وهو عطف (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) على (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) والذي يدل على انه قسيم له وليس قسما منه، فلا يصح أن يكون مفسرا له كما فهمه الفقهاء، فلا بد إن التفضيل غير النفقة ولكن أما كلاهما قراءة للواقع أو كلاهما تشريع، وهذا لا يمكن الجزم به وهو محل تأمل ، غير إن القصديين يرون أن التفضيل قراءة واقع ولا يتطرقون للنفقة، كما بدا لي من الحوار معهم.

وفي سنة 1998 م تم طبع النظام القرآني من قبل المجموعة، وهو كتاب يجمع بين الروعة والاشتباهات بشكل يشوش الذهن.
يحاول الكتاب أن يستكشف النظام القرآني على أساس (عدم التكرار وعدم التعدد في المعاني وإنما قصدٌ واحد للفظ واحد) بحسب نظام الإحكام.
و بقدر ما أبدع هذا النظام وأثار الذهن في نواحٍ فقد فشل فشلا ذريعا في نواح أخرى.
ويجب الاعتراف بأنه محاولة مهمة للتوصل إلى معايير للإعجاز القرآني مهما اختلفنا في النتيجة .
وسآتيك بمثالين واحد للفشل وآخر للإبداع غير الموظّف .

المثال الفاشل :

في المحاولة الأولى لإبطال المترادفات أعطى مثالا وخلص إلى نتيجة غريبة ومجازفة علمية لا يمكن أن نسلّم بها. وسوف انقل لك الكلام وبعد ذلك اعلق :

قال في صفحة 37 من النظام القرآني :
(نلاحظ الآن الاختلاف في الترتيب لحدث واحد في آيتين:
سورة البقرة\ 58
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ
فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً
وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ
نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ
وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}

سورة الأعراف\161
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ
وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ
وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا
نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ
سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
نلاحظ هنا أن الاختلاف لم يقتصر على التركيب عموما بل على كل مركب فيه وأن الاختلاف لم يقتصر على الترتيب بل شمل التغيير بالألفاظ مما يؤكد عند التطبيق الواسع التفصيلي للمنهج على الآيتين أن القرآن لم يكرر الحدث بل الحدث نفسه كان مكررا في واقعه التاريخي – حيث كانت النتيجة من تكرار الأوامر بصورة مختلفة، ثبات القوم على نفس النهج - لأن المركب الذي يتلو ذلك والذي هو شطر من الآية اللاحقة هو الوحيد الذي لم يطرأ عليه أي تغيير لا في الترتيب ولا في الألفاظ وهو قوله تعالى :
البقرة \59 فبدّل الذين ظلموا الأعراف \162 فبدّل الذين ظلموا)
انتهى النقل.

وبعد ذلك حاول إثبات وحدة النتيجة لحدثين مختلفين. وخلص أن من خلال تبدل الحروف والكلمات والأسلوب بالتقديم والتأخير والإضافة والحذف لا بد من القول بوجود حدثين يتكلم عنهما القرآن. وليس حدثا واحدا بصياغتين لغويتين فلا تكرار.

والتعليق واضح جدا ، إن المجازفة في اعتبار القضية حدثين منفصلين من خلال التغاير التركيبي واللفظي ، والإصرار عليها من دون اعتماد أي دليل، حتى انه لم يستأنس بشيء تاريخي، بما لا يمكن تبريره .
اعتقد أن هذا المثال خير دليل على الفشل في التطبيق على القاعدة، فكيف يجازف هذه المجازفة ويدعي بأن الله لم يكرر الكتلة النصية إلا لأن الحدثين مكرران؟ وكل حدث صاغه بشكل مختلف! فهل يمكن أن نستنتج من الاختلاف هذه النتيجة؟
لو قال انه يُحتمل. لقلنا نعم قد يكون.
و اختلاف التعبير عن الحدث الواحد لا يعتبر دليلا على تعدده في ذاته مهما قلنا بحيوية الحروف ومعانيها، ومع أننا نؤمن انه لا تكرار، ولكن ليس بهذه الطريقة، وإنما نحتمل أن الإعادة للقصة كانت لغرض ثان ولمقصد آخر غيره في تلك القصة ففي القصة الأولى هي جزء من قصة الخروج بصيغة المعاناة وجدلية بني إسرائيل وعدم اعتنائهم بالنعمة والثانية تتعلق بعلاقة بني إسرائيل بالإسلام فهي تذكرهم أن هذا هو الرسول الذي بشركم به الله والذي انعم عليكم سابقا بالمن والسلوى والذي أوجد لكم طريقة للخلاص من الذنوب بباب حطة.

فهذان غرضان يجعلان القصة غير مكررة في واقعها من ناحية نفسية وموضوعية. فما الداعي لاعتبارهما قصتان مختلفتان؟
وإن أدنى مراجعة للقصتين في القرآن تكشف البعد عن الحقيقة لما قام به السيد النيلي من تويلف فكرة الحدثين.

وهذه هي الآيات لمن لا يجد في نفسه همة في مراجعة القرآن :
أيات سورة البقرة:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ* وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * [ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ] 58 * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة/61).

آيات سورة الأعراف:

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنْ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * [وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ] 161 * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ * وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ * وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الأعراف/174).



المثال الناجح والمبدع:

في قاعدته بنفي المجاز في القرآن أورد عدة أمثلة منتقاة بعناية ، فبغض النظر عن كونه اختار آيات يمكن المناقشة فيها وقد غفل عن آيات لا يمكن المناقشة في مجازيتها مثل بعض الآيات التي تنسب الأعضاء إلى الله أو الحالات مثل الاستهزاء و السخرية فهذه لا يمكن اعتبارها استعمالا حقيقيا قطعا، إلا بمجازفة تغيير المعاني المخصوصة إلى عموميات غير منصوصة، وهذه مجازفة اكبر من مجازفة نفي المجاز كليا. وهذا تهرب من الحقيقة وإخفاء لإخفاق الدعوى في هذا المجال.
لقد بحث المعنى المجازي المدعى في آية (القرية) وحاول أن يوجد قاعدة بيانات ذات امتداد طويل، ولطيف، ليثبت إن ورود كلمة قرية لم يكن مجازا أو يحتاج إلى تقدير كلمة (أهل) قبل القرية.
بل هي نفسها تأتي بمعنى الأهل (يبقى مشكلة ورود إضافة الأهل إليها في نصوص قرآنية وقد عالجها بصورة مقبولة)

وهذه هي الاية :
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}(النحل/112).

في هذه الآية رأى أنهم لم يستطيعوا تقدير محذوف لأن الأحكام كانت متعلقة بالقرية نفسها (آمنة ، رزقها، فكفرت ، فأذاقها) ولو تم تقدير محذوف لوجب تبديل كل هذه الكلمات(أمنوا ، رزقهم، فكفروا ، فأذاقهم) . بناءً على أن معنى القرية هي البناء والحيطان ، وعليه فلا بد هنا من ورودها مجازا بإطلاق اسم المحل على أهله.
ولكن النيلي لم يقبل أساسا معنى القرية بمعنى الحيطان والبناء ، بل هي بمعنى السكان عنده وأقام أدلة لطيفة من تقاطع بيانات قرآنية .
منها وصف القرية بالخاوية على عروشها ، الذي يوافق وصف الإنسان كما ورد في الآية الشريفة (كأنهم أعجاز نخل خاوية) ثم يصعّد من المعنى بذكاء مفرط حيث يلتقط الآية الكريمة في سورة الحج 45
{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}
فقال لو كان الخواء صفة البنيان لما صح النص على عدم تهدم البنيان، فالبئر معطلة وليست عاطلة والقصر مشيد يعني مجصص الجدران، وهذا دليل الحداثة في الصنع والسلامة. فلا بد أن المقصود من الخواء هو موت السكان بطاعون مثلا بمعنى موت أهل القرية دون تأثر القرية نفسها بشيء. فتكون القرية هي نفس السكان وليس المساكن.
طبعا هذا المعنى لطيف جدا ومبتكر ، ولكنه لم يوظفه بشيء عدا نفي المجاز، بينما قد اكتشفت هذا المعنى مبكرا لنفس أسلوب المعالجة قبل اكثر من عشرين عاما، ووظفته وبنيت عليه فكرة فقهية جديدة في حينه، ملخصها أن الفكر والفقه الإسلامي لا يقول بالشخصية الاعتبارية المعنوية في الفقه بخلاف القانون العالمي المعاصر، وهذه الآية تشير الى شخصية معنوية بكل وضوح، وهذا حل لأكبر أزمة فقهية تواجه الفقه الإسلامي ، حيث إن عدم اعتراف الفقهاء بالشخصية المعنوية يعني كوارث قانونية في العصر الحديث، وحلهم للقضية غير مجدٍ، فهم يحلونها: بأن الشركات والمؤسسات والدول محكومة لقاعدة اليد، وليس لها شخصية معنوية تملك وتجازى، فالاعتبار لصاحب اليد على المؤسسة بأي نظام كان.
وهذا يجعل من الإسلام دين لا يوافق العصر مطلقا لأن أساس كل التصرفات القانونية الآن في جميع العالم هو الشخصية المعنوية، لإقامة المؤسسات والشركات والدول المحكومة لنظم داخلية ودساتير توزع الصلاحيات والمنافع على المساهمين أو الشركاء أو عموم ذوي الحقوق كالشعب مثلا. ولا حل لهذا إلا بالاعتراف بالشخصية المعنوية، حتى تصحح التصرفات وإلا فإن الإسلام يكرس الدكتاتورية والتصرف الفردي والمسؤولية الفردية.
وقضية القرية حين يكون معناها المجتمع وان المجتمع (يجازى ويرزق ويمنع) أي يملك فهو عين الشخصية المعنوية، ونص القرية اعتراف بكلي الأمة وشخصيتها المعنوية، وحين تأتي نصوص تنص على (أهل القرية) فهذه لا تنفي كون القرية هي المجتمع المعنوي وانما قد يكون لمناسبة ما استخدم القرية بمعنى التجمع السكاني لا المجتمع من أجل أن تعني بأن الفرد هو جزء صغير من المجتمع وليس شخصية الأمة بما هي أمة لتحميله المسؤولية الشخصية وليس للمجتمع.
فالمجتمع له شخصية اعتبارية معتبرة عند الشارع المقدس وهذا يكفي لأن يؤيد الدليل العقلي القائل أن الملكية وغيرها أمر اعتباري يمكن أن يتعلق بأمر اعتباري كلي سواء كان عوضا أو مالكا.

فهذان مثالان احدهما للفشل والآخر للإبداع ، وعلى العموم هناك اشتباهات كبيرة في المنهج القصدي يجب أن نعترف بها عسى أن تتطور وتحسن إلى طريقة أكثر فاعلية، وأعظم قدرة على أداء جيد في التفريق بين كلام المخلوق وكلام الخالق.


ويجب أن نعرف أن المنهج القصدي يتوجه لعقول تؤمن بأن القرآن كلام الله باعتراف أصحابه، دون غيرها من عقول الشكاك والرافضين.
و في نفس الوقت يكرر السيد النيلي أنه نظام يثبت إعجاز القرآن!!
وقد يُرد عليه إن من يؤمن لا يحتاج لهذا الإثبات ومن لا يؤمن لا يعتمد هذا النظام ... فكيف تحل القضية؟
فالقضية فيها مشكلة التوجه أي لمن نثبت القرآن ؟ هل نثبته لمن يخالفنا ويقيم علينا الشبهات أم نثبته لأنفسنا؟ وفي الثاني لا نجد حاجة له إلا بمقدار التسلح أمام الشكاك والأول لا يقتنع بهذه الطريقة.
فالسيد النيلي لم يحل المشكلة كما يبدو ، وهذا قوله بالحرف الواحد ص9:
(من يؤمن بها [مبادئ القرآن والإسلام] يقال له عليك أن تؤمن بالنظام الهندسي المحكم للقرآن على ضوء تلك المبادئ وإن كنت لا تدرك هذا النظام قبل اليوم. ومن لا يؤمن يقال له : هذا هو النظام القرآني وعليك أن تؤمن به وبتلك المبادئ – وكل ذلك إنما هو احتجاج لا غير فلا إكراه في الدين كما هو معلوم. )

فبالله عليك يا سيد مهدي كيف يمكن لهكذا واقع أن يحقق إعجاز القرآن لأول مرة في التأريخ؟ ولمن نخاطب في الحقيقة؟

ولعلنا ندافع عنه بطريقة ثانية ونقول إن تثبيت النظام القرآني يكشف عن دقة في الاستخدام يعجز عنها البشر وبهذا يثبت الإعجاز بما هو إعجاز بغض النظر عن جهة الخطاب.
إن المنهج القصدي يجبر المؤمن على إتباع المنهج القصدي ويقترح على الكافر التفكير به لأنه لا يملك عليه سلطانا، بينما نرى أن القرآن في الحقيقة له سلطان نفسي على الجميع ولكنه سلطان من نوع مخصوص،بخلاف هذا الطرح، كما قال في مرسل البحار عن مولانا الصادق عليه السلام : (لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون ) ، فالقرآن له سلطة تكوينية وصورة ذهنية تكوينية مختلفة حين يسمعه الإنسان حقيقة ، وليس لقلقة لسان أو طرب لصوت. حيث اعتقد إن القرآن يشكّل طبقات كبيرة داخل عقل الإنسان من المصفوفات البيانية النقطية والمعلوماتية تتداخل مع كل كيان الإنسان وما على العبد إلا إن يصغي إليه جيدا وان لا يستخدمه استخداما سيئا لأن هذه الجداول نفسها يمكن إن تداخل معلوماتها مع الغير (حين لا يتبع نظاما هندسيا صحيحا) وتنتج إنتاجا معاكسا. وهذه هي طبيعة كل جدول بيانات معقد , فأما أن تقرأ صحيحا فتأخذ نتائج صحيحة وإما أن تقرأه خطأ فتأخذ نتائج خاطئة، و المشكلة كما قلت، أن القرآن يتداخل تكوينا مع العقل البشري وهذا بالتجربة والمشاهدة والمراقبة العقلية والنفسية لعينات كثيرة. وقد ورد في موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جوابه للمقداد : (فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق [[ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار]] وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره ، ينج من عطب ويتخلص من نشب فإن التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص.)
رغم أن كل الرواية شاهد على ما نقول إلا أن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار) شاهد مخصوص على أن القرآن يفعل مفعولين متعاكسين، وللتنبيه هنا فإن كلمة ساقه تعني فعلا ايجابيا، فيكون معنى الكلام التقدم على القرآن بالتطويع للنص والتسخير والتبرع بالشر ، وليس بمعنى تركه خلفه من دون اعتناء، لأن السوَق هو من فعل نفس القرآن لا من الابتعاد عنه إذا تأملت جيدا. ولهذا فأنا أؤمن حقيقة إن من يقرأ القرآن وهو شرير كالوهابية وأمثالهم من المجسمة المشركين الأشرار محبي دماء المسلمين، فإنه يسوقهم إلى النار ولن يهديهم إلا إلى جهنم وبئس المصير، وهذا بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وكل من يفتخر بمجرد قراءة القرآن اعتبره نصف مجنون لأن قراءة القرآن الحقيقية هي التدبر بآيات الكتاب واستكشاف عجائبه كما قال مولانا رسول الله في هذه الرواية الموثقة الحجة في العمل، وليس بلقلقة اللسان وتحسين الصوت وتكثير القراءة.

ويبقى عليّ أن اثني على منتجي فكرة النظام القرآني فهو محاولة جديدة تستحق المشاركة والتطوير،وفيها بذرة جيدة للتفكير في إيجاد طريقة جديدة لفهم الإعجاز القرآني، ولكن للأسف ينبغي أن يغيّر أصحابها من بعض طباعهم مثل العجلة والغضب والحدة في الحكم و تصعيد الظنيات إلى قطعيات التي جلبت لهم عداوات كثيرة، كما أحب أن يغيروا من نوع تعاملهم مع العلماء واحترام أرائهم، ومناقشتها بدون سب وتحقير لهم وهذا ظاهر حتى في كتاب النظام القرآني. حتى أن الأخ القصدي حفظه الله تعالى رغم انه لا يعرفني ولا اعرفه شخصيا ولكنني اعرف بعض أصحاب التيار المحترمين وأحبهم وقد حدثوني عنه فأحببته، فقد جابهني بشيء عجيب حيث اعتبر إخباري البريء له، بأنني اعرف الفكر القصدي وأصوله، بأنه جواب مني (للطوب!) الذي رماني به، ويشهد الله إني لم ألتفت انه يقصدني بكلامه القائل (وأجزم بأننا قد تهنا عن معجزة القرآن لا لشيء إلاَّ لأنّه رينٌ على قلوبٍ تعلمت من أهل العقيدة شكّاً مبطناً لا ينطق عنه اللسان إلاَّ نادراً وبخوف!! وما ذاك إلاَّ لأن: (حذار أمية أن تقطعه).. وكم من أمية في القلوب الوالهة؟!!.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.)


وما كان ظني بأدبه الرفيع أن يقول أنه (طوب) لي. مع أنني لم يخطر ببالي ذلك. واترك التقدير لكم بجملته (الطوب!) . ولعله لا يعرف أننا ومنذ أن هدانا الله للإسلام كنا حربا على أمية منذ بدر وأحد والأحزاب وحتى صفين وما بعدها.
والحقيقة إنني أحسست حين دخل الموضوع أنه يريد أن يقول أنكم جميعا جهلة والحل عندي ولكن اقبضوه مني مؤجلا. فقررت أن امتحنه بجملةٍ عسى أن يفهم معناها لعلاقتها بالمطروح القصدي. فتبين لي انه ذهب لوادٍ آخر.


فقد قلت له (فأكلفك تكليفا شرعيا أن تتفرغ لتعريف المعجزة وما قيل فيها وكيفيتها وما هو رد الفعل تجاهها. )

وكنت اقصد لغزين أو أكثر في الجملة ولكنه لم يلتفت إليها وغضب ولم يقبل من احد إطلاقا أن يطلب منه تكليفا شرعيا، فلم يحتمل أبدا أن من يخاطبه قد تكون له الأهلية للحكم الشرعي، وقد اجمع الجميع على إن حكم الحاكم نافذ حتى على المجتهدين إذا كان بدون تقصير في المقدمات، وما كلفته به أمر لا تقصير فيه لأنه تكليف بالخير والبحث العلمي. ومع احتمال عدم الاهلية فإن هناك ألغازا في الجملة.
اللغز الأول: أن السيد النيلي لم يقبل تعريف منهجه وقال لا يمكن تعريفه إلا بالتطبيق مع انه يدعي إن هذا المنهج هو المثبت للمعجزة القرآنية فكيف يعرّف المعجزة بمنهج لا يمكن تعريفه؟ مع أن المعجزة لا تعريف لها بحسب الظاهر.
قال النيلي : (ولا يمكن إعطاء تعريف لهذا المنهج أو وصفه بأسطر ولا يمكن كذلك تحديد غاياته فمن طبيعة هذا المنهج أن التعريف به وتحديد غاياته وخصائصه وطريقة عمله ونتائجه تتم سوية من خلال تطبيقاته التي لا حدود لها).
فكيف يطالبنا الأخ القصدي بالتعريف؟ إذا كان منهجه نفسه لا يؤمن بضرورة التعريف؟ ومن ثم ينقل لنا : (إن التردد في تعريف الموضوع يعني التردد في ذات الموضوع) فهذا لا يتطابق مع ذاك!
واللغز الثاني : أنني حين طلبت منه التكليف أردت أن اعرّض بطريقتهم الغريبة في تكليفهم الناس شرعا بحكم إلزامي، بمنهج لفظي تحليلي يتفردون به يرونه صوابا.
فخذ ما قاله النيلي رحمه الله : ( لا يجوز تفسير أو شرح مفردة أو لفظ بلفظ آخر ....... شرح القاعدة : وضَعَ المنهج في نصوص قواعده عبارة (لا يجوز) ليوحي للقارئ أنه يؤمن بحرمة هذا العمل لما يحتمه عليه النظام القرآني كما سترى)
فبالله عليكم يا أهل الإيمان ، هل يعقل هذا الكلام من التحريم والتشريع بناءً على ما يحتمه النظام؟ الذي يقول إن باب حطة وقعت مرتين لاختلاف النصين لفظا!
فكيف يقبل أخونا القصدي أن يكلفنا بتكاليف شرعية ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يقبل منا أن نكلفه تكليفا مماثلا في أمر عقلائي راجح محتمل التكليف شرعا؟!!. حيث انه طالبنا بتعريف المعجزة فقلنا له نكلفك شرعا بتعريفها لأن من يطلب كأنه يعرف ما يريد، واللطيفة أنه لا يعلم إن المعجزة غير معرّفة اصطلاحا وانما هي على ما جرى عليه اللسان اللغوي (ظهور ما يخرق العادة) . والأمر ليس في التعريف ولكنه في البحث الفلسفي في طبيعة المعجزة ومفاد (خرق العادة).
فهل هو بمعنى خلاف ما يظهر من نظام؟ أم هو تغيير النظام؟
فإذا كان الأول فهذا يشمل الخدع السحرية وما شابه
وإذا كان الثاني فهذا كلام كبير يحتاج إلى أكثر من تأمل بل يحتاج إلى دراسات وتأصيل لوجود قدرة على خرق النظام الكوني وتغييره.
ولهذا فإن بعض المعتزلة نفوا المعجزة وقالوا أن الله لا يخرق نظامه من أجل شخص حتى لو كان نبيا وقالوا ان معجزة النبي الوحيدة هي القرآن لأن الله تحدى به ولم يستطع احد يثبت أمام التحدي. وقد نقض أهل السنة قولهم بدليل الإجماع على وجود المعجزة كمعجزة الناقة في تبوك وغيرها. وردهم الشيعة بعدم التسليم بمقدمتهم فإن تغيير النظام ما دام مقدورا لله فلا مانع من منحه لعبده الخاص، كما منح عموم عباده النظام نفسه، وهو ملكه والقادر على منعه. ولهذا فلا مانع من المعجز غير القرآن في طور الامكان وقد وقع فعلا في طور الحدوث فيكون كلامهم مجرد فلسفة لسانية لا محصل منها.
وهنا قد يبحث بشكل دقيق هل ما تسمى معجزات إسلامية مثل معجزة القرآن هو أمر مغيّر للنظام الكوني؟ أم انه يسمى معجزة مجازا بمعنى عدم قدرة الإنسان من الإتيان بمثله، لا أنه خرق لنظام الكون، كما هي العصا حين تحولت إلى حية حقيقية.
والجواب على هذا يتوقف على فهم طبيعة المعجزة القرآنية فمن يؤمن بأنه يحدث تغيرا تكوينيا في الإنسان وفي أشياء لا نفهمها كما قال تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فهذا يعني أنه يغيّر نظام الكون وهو ما أؤمن به بحسب المعطيات بين يدي ، وأما إذا قيل بأن إعجازه مجرد رفعة لا يصل إليها إنسان ولا يحدث تغييرا تكوينيا، فهذا ليس تغييرا للنظام فهو إما مجاز بناء على كون خرق العادة هو تغيير النظام أو انه حقيقة ولكن بناء على كون خرق العادة معناه عمل غير المعتاد.
وهذا يحتاج إلى دراسة واسعة ننبه لها من يريد التعمق.
بقي أن أقول إن المنهج القصدي حين نشر في النجف وجهت إليه اتهامات كثيرة ابسطها المروق عن الدين وغير ذلك، وهذا لسببين الأول: عدم وضوح عرض الفكرة من قبل اربابها، والثاني: عجلة الحاكمين عليه نتيجة السبب الأول والتقاعس عن التنقيب لمعرفة الحقيقة. فليس معنى أن هناك اشتباهات يعني المروق من الدين. والخطأ الكامل ، فانا شخصيا أرى أخطاء منهجية وتطبيقية في المنهج اللفظي القصدي ولكنني لا أرى فيه مروقا أو إساءة للدين بل هو محاولة مخلصة لتصحيح الانحرافات الدينية وللمساهمة في فهم عظمة القرآن الكريم، لأن المنهج القصدي يريد أن يعيد صياغة العلوم على أساس من حل اللغز القرآني الكامن في سر حروفه ومعانيه. وهذه نية حسنة وليس من حقنا أن ندعي سوء النية لأننا نختلف مع النتائج، وكان رد فعل القصديين عنيفا على منتقديهم بحيث خرجوهم عن العقيدة والدين السليم واتهموهم بالتحريف المتعمد لفكر أهل البيت وما شابه ذلك. وكل هذا لم يكن له موجب، نسأل الله الهداية للجميع.
وكم اتمنى من كل قلبي أن يتطور هذا المنهج لنصل إلى أجوبة حقيقية غير قابلة للنقاش .
=============
الأخ القصدي بارك الله فيك ووفقك لمراضيه
يبدو علينا الاتفاق في كثير مما هو مطروح ولا خلاف فيما نتفق، ولكن ما اختلفنا فيه فهو على ميزانك القصدي وهو غير مسلّم عندي في الجملة، وقد اتفق معك في بعض التفصيلات.
ومما لا بد أن أنبهك عليه هو أنك قلتَ: (إن منهجية السيد الشهيد المبرور محمد باقر الصدر رحمه الله تعالى في إثبات هذه القضية هي منهجية مبتكرة وفذّة ولا شك.. ولكن من قال إن الاستقراء يعطيك نتيجةً جازمةً إلاَّ أن يكون هو تاماً.. وهو ما ذكره رحمه الله تعالى أيضاً كما هو واضح.. فهل استقرأنا حياة الرسول (ص) جميعها.. وهل يسعنا ذلك؟.. وماذا تقول لمن يستشكل على استقراءك بتفاصيله، وهو استقراءٌ لم تعاينه، بل نقل لك نقلاً عبر المؤلفات المختلف فيها أيضاً؟!!....)

وهذا تشكيك في منهج السيد محمد باقر الصدر الذي طرحه بروعة وسلاسة، وهو منهج جميع الشيعة في إثبات النبوة والمعجزة ومعجزة القرآن بالاستقراء ، وحتى بناء على النظام القرآني بالتفسير القصدي فانك مجبر لأن تحرر المسألة بالطريقة التي شرحتها وهي أن نظاما محكما بهذا الشكل لا يصدر من رجل عادي غير متصل بالله، وهو المعجزة الحقيقية أي معجزة كونه يد الله الضاربة لعقول البشر. ولو نفيت عنه كونه معجزة فأنت تنفي عنه بالضرورة كونه متصلا بالله، وفهمك بان اختلافنا إنما هو في التقديم والتأخير صحيح ولكن الصواب بعيد عن فكرة تقديم القرآن عن دراسة ظرف الرسول، فظرفه هو الذي يجعل صدور القرآن منه مستحيل أبدا ، والنظام القرآني يثبت الإحكام في القرآن فيما لو تم التسليم بأن قواعد الأحكام لم تؤخذ من نفس القرآن لأنها دورية وهذا هو مدعى المنهج القصدي أي أن المنهج نفسه مستنبط من نفس القرآن.
ثم إن ردك مبني على عدم صحة الاستقراء مع اعتماد صحة المنهج اللفظي القصدي وهو منهج استقرائي أيضا. والفرق أن ذاك استقراء أحداث ونصوص وهذا استقراء نصوص وكلاهما بنفس القدر من القيمة العلمية.
فهذه مجازفة كبيرة منك ، فأنت تهدم هنا ولا تستطيع أن تبني... إلا بدعوى إن عندك الحل ، وحلك قد يحتاج عشرة مجلدات من الكتابة وفي النهاية يقال لك نحن لا نسلّم لك. فيصبح إسلامك بفعلك عاريا عند إخوانك المسلمين وتبقى أنت وحدك مقتنع بأن الحل عندك وهو صحيح.
فهل تقبل هذا لنفسك؟
ولو التفتَ إلى دليل النقض لوجدته لا يمكن اعتباره وهو (شرط المشاهدة) وعدم اعتماد النقل. وهذا نقض لدليل الاستقراء الذي ذكره المرحوم السيد الصدر بما لا يصح مطلقا. ولا يستحق النقاش. لأنه يغفل عن ابسط أمر في العلم وهو التواتر.
واكرر شكر لك ومحبتي الدائمة التي لا يشوبها شيء.
واقتصر على هذا لما له دخل في صلب الموضوع. والبقية جزاؤها الصفح.


الشكر للاخ باحث مسلم ولله دره


===============================
ملاحظة: اعتذر على التأخير بسبب خلل في جهازي ، وهو يصعّب علي التصحيح نتيجة عدم استقراره وإيقاف تشغيله ذاتيا وبشكل مستمر . وسوف أرسل التصحيحات إلى المحرر الإسلامي حفظه الله إذا تمكنت من إصلاح الجهاز.