القرائن المفيدة لمعنى الحاكمية في حديث الغدير

أدب الحوار

New Member
18 أبريل 2010
126
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد



القرائن المفيدة لمعنى الحاكمية في حديث الغدير


بقلم: صوت الاستقامة


مقدمة البحث


بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على المبعوث رحمةً للعالمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.. وبعد :

فهذه دراسة موجزة تجمع بين دفَّتيها القرائن التي يُمكن من خلالها تعيين معنى "المولى" في حديث الغدير ، بنحو لا يُبقي مجالاً للريب في كون المراد من هذه المفردة هو التدليل على إمامة علي عليه السلام ، وليس مجرد إعلان وجوب مَحبَّته أو ما إلى هنالك من المعاني التي سعى المعترضون على خط الموالاة إلى طرحها..

ونمشي في هذه الدراسة الموجزة وفق المخطط التالي :

أولاً: حديث الغدير.. بعض متونه ومصادره .

ثانياً: صحته وتواتره .

ثالثاً: القرائن المُعيِّنة لدلالة "المولى" في معنى الحاكم والإمام .

ومن الله أستمدُّ العون ، وما توفيقي إلاَّ بالله ، عليه توكَّلتُ وإليه أنيب..



حديث الغدير.. بعضُ متونه ومصادره


1 ـ أخرج أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) في مسنده قال :
"حدثنا حسين بن محمد ؛ وأبو نعيم المعنى ، قالا : ثنا فِطْرٌ ، عن أبي الطفيل ، قال : جمع عليٌّ رضي الله تعالى عنه الناسَ في الرحبة ، ثم قال لهم : أنشد الله كلَّ امرِئٍ مُسلِمٍ سمع رسولَ الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول يوم "غدير خم" ما سمع لمَّا قام . فقام ثلاثون من النَّاس ، وقال أبو نعيم : فقام ناسٌ كثير ، فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهمَّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه . قال : فخرجت وكأنَّ في نفسي شيئًا ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إني سمعت عليًّا رضي الله تعالى عنه يقول : كذا وكذا . قال : فما تنكر؟!! قد سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول ذلك له"(1).

2 ـ وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده أيضاً (4/281) دار صادر ـ بيروت ، ما نصه :
"ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، أنا علي بن زيد ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال : كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكُسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين ، فصلى الظهر ، وأخذ بيد علىٍّ رضى الله تعالى عنه ، فقال : ألستم تعلمون أنِّى أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أنِّى أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى . قال : فأخذ بيد علىٍّ فقال : مَن كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهمَّ والِ مَن والاه ، وعاد من عاداه . قال : فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئاً يا ابن أبي طالب ؛ أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة . قال أبو عبد الرحمن : ثنا هدية بن خالد ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء ابن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه" .

وبمثل إسناده ومتنه أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" : (7/503) دار الفكر ـ بيروت .

وفي السند "علي بن زيد بن جدعان" ، في "تهذيب الكمال" للمزي أنَّ الترمذي قال : "صدوق" ، وفي "تهذيب التهذيب" لابن حجر عن الساجى : "كان من أهل الصدق" ، والبقيَّة مُضعِّفون له . وبقيَّة رجال الإسناد ثقات عن آخرهم(2).

3 ـ وأخرج النسائي (ت 303 هـ) في "الخصائص" برقم (99) المكتبة العصرية ـ بيروت ، قال :
"أخبرنا علي بن محمد بن علي ، قال : حدثنا خلف بن تميم ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو ذي مر قال : شهدت عليًّا بالرحبة ينشد أصحاب محمد : أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال؟ فقام أُناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كنت مولاه فإنَّ عليًّا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره" .
قال الحافظ الذهبي تعليقاً على هذه الرواية في "طرق حديث من كنت مولاه" ص28 ما نصُّه : "هذا سياق غريبٌ جداً ! مع نظافة إسناده"(3).

إلى غير ذلك من ألفاظ هذا الحديث الشريف..

وفيما يلي قائمة بمصادر الحديث في كتب أهل السنة والجماعة(4):

1 ـ ابن عساكر : تاريخ ابن عساكر ترجمة علي عليه السلام ج2 ص5/ط. بيروت.
2 ـ ابن المغازلي : المناقب ص31/ ط. بيروت.
3 ـ ابن كثير : تفسير القرآن ج2 ص15/ ط. بيروت.
4 ـ الآلوسي : روح المعاني ج4 ص282/ ط. بيروت.
5 ـ السيوطي : تاريخ الخلفاء ص169/ ط. مصر.
6 ـ السيوطي : الحاوي للفتاوى ج1 ص106/ ط. بيروت.
7 ـ المحاملي : الأمالي ص85/ ط. الأردن.
8 ـ الطبري : ذخائر العقبى ص67/ ط.القاهرة.
9 ـ الذهبي : التلخيص ج3 ص109/ ط. بيروت.
10 ـ اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي ج1 ص422/ ط. بيروت.
11 ـ أحمد القيسي : شرح هاشميات الكميت ص197/ ط. بيروت.
12 ـ الصبان : إسعاف الراغبين ص111/مخطوط.
13 ـ البلاذري : أنساب الأشراف ج2 ص111/ بيروت.
14 ـ ابن كثير : البداية والنهاية ج5 ص209/ ط. بيروت.
15 ـ ابن عبد ربه : الاستيعاب ج3 ص1098/ ط. بيروت.
16 ـ المناوي : الكواكب الدرية ج1 ص69/ ط. القاهرة.
17 ـ محمد رشيد رضا : المنار ج6 ص464/ ط. بيروت.
18 ـ أحمد بن حنبل : العلل ومعرفة الرجال ج3 ص262/ ط. الرياض.
19 ـ النيسابوري : ثمار القلوب ج2 ص906/ ط. بيروت.
20 ـ السيوطي : الجامع الصغير ج2 ص66/ط. بيروت.
21 ـ السمهودي : جواهر العقدين ص236/ ط. بيروت.
22 ـ مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ص170/ ط. مصر.
23 ـ المناوي : كنوز الحقائق ج2 ص118/ ط. بيروت.
24 ـ القسطلاني : شرح المواهب اللدنية ج7 ص13/ ط. مصر.
25 ـ ابن الصباغ المالكي : الفصول المهمة ص40/ ط. بيروت.
26 ـ النسائي : فضائل الصحابة ص15/ ط. بيروت.
27 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال ج3 ص294/ ط. بيروت.
28 ـ السيوطي : الدر المنثور ج2 ص293/ ط. بيروت.
29 ـ الهيثمي : مجمع الزوائد ج9 ص129/ ط. بيروت.
30 ـ الخوارزمي : المناقب ص156/ ط. قم.
31 ـ البغوي : مصابيح السنة ج4 ص172/ ط. بيروت.
32 ـ الترمذي : نوادر الأصول ص289/ ط. بيروت.
33 ـ ابن طلحة الشافعي : مطالب السؤول ص4/مخطوط.
34 ـ الشاشي : المسند ج1 ص166/ط. المدينة المنورة.
35 ـ الخوارزمي : مقتل الحسين ج1 ص47/ ط. إيران.
36 ـ المتقي الهندي : منتحب كنز العمال ج5 ص30/ ط. المكتب الإسلامي.
37 ـ اليافعي : مرآة الجنان ص143/ ط. بيروت.
38 ـ البيضاوي : طوالع الأنوار ج1 ص585/ ط. مصر.
39 ـ البيهقي : الاعتقاد على مذهب السلف 217/ ط. بيروت.
40 ـ الصفار : بصائر الدرجات ص88/ ط. بيروت.
41 ـ الطبراني : المعجم الأوسط ج3 ص69/ ط. الرياض.
42 ـ النسائي : السنن ج5 ص130/ ط. بيروت.
43 ـ النسائي : خصائص علي عليه السلام ص43/ ط. إيران.
44 ـ ابن خلدون : المقدمة ص246/ ط. بيروت.
45 ـ البدخشاني : نزل الأبرار ص 54/ ط. بيروت.
46 ـ الشهرستاني : الملل والنحل ج1 ص163/ ط. بيروت.
47 ـ القندوزي : ينابيع المودة ج1 ص33/ ط. النجف.
48 ـ المناوي : فيض القدير ج4 ص358/ ط. بيروت.
49 ـ الشبلنجي : نور الأبصار ص78/ ط. المكتبة الشعبية.
50 ـ الزرندي : نظم درر السمطين ص93/ ط. النجف.
51 ـ التبريزي : مشكاة المصابيح ج3 ص1720/ ط. بيروت.
52 ـ الآمدي : غاية المرام ص375/ ط. القاهرة.
53 ـ الطبري : الرياض النظرة ج3 ص127/ ط. بيروت.
54 ـ العيني : عمدة القاري ج18 ص206/ ط. بيروت(5).



صحة الحديث وتواتره


أورده السيوطي في "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" : ص76 ، برقم 102 ، دار الفكر ـ بيروت ، قال :
"102 ـ حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" . أخرجه : الترمذي عن زيد بن أرقم . وأحمد عن علي ، وأبي أيوب الأنصاري . والبزار عن عمر ، وذي مر ، وأبي هريرة ، وطلحة ، وعمار ، وابن عباس ، وبريدة . والبطراني عن ابن عمر ، ومالك بن الحويرث ، وحبشي بن جنادة ، وجرير ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي سعيد الخدري ، وأنس . وأبو نعيم عن جندع الأنصاري . وأخرج ابن عساكر عمر بن عبد العزيز ، قال : حدثني عدة أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه . وأخرج ابن عقدة في كتاب الموالاة عن زر بن حبيش قال : قال علي مَن ههنا من أصحاب رسول محمد؟ فقام اثنا عشر رجلاً منهم قيس بن ثابت ، وحبيب بن بديل بن ورقاء ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه . وأخرج أيضاً عن يعلى بن مرة قال : لما قدم علي الكوفة نشد الناس من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فانتدب له بضعة عشر رجلاً منهم يزيد أو زيد بن شراحيل الأنصاري" انتهى .

أقول : وأورده الكتاني في "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" ص206 ، برقم232 ، وأضاف على الطرق التي ذكرها السيوطي فقال :
"قلتُ : ورد أيضاً من حديث البراء بن عازب ، وأبي الطفيل ، وحذيفة بن أسيد الغفار ، وجابر" .

أقول : فالحديث مرويٌّ عن خمسة وعشرين صحابياً.. وهو متواتر في نظر السيوطي والكتاني..

ونصَّ الحافظ الذهبي في "طرق حديث من كنت مولاه" أنه متواتر عن علي عليه السلام.

وتتبُّع طرق الحديث في كتاب الذهبي يُعطي أنَّ السيوطي والكتاني فاتهما ما يلي من الصحابة :

26 ـ العباس بن عبد المطلب(6).
27 ـ الحسين بن علي عليهما السلام(7).
28 ـ أبو هريرة(8).
29 ـ عبد الله بن مسعود(9).
30 ـ عمران بن حصين(10).
31 ـ أبو ذر(11).
32 ـ سلمان(12).
33 ـ أسعد بن زرارة(13).
34 ـ خزيمة بن ثابت(14).
35 ـ سمرة(15).
36 ـ زيد بن ثابت(16).
37 ـ عبد الله بن يامين(17).
38 ـ عبد الأعلى بن عدي(18).

ونختتم هذا الموجز بالإشارة إلى أنَّ الذهبي صرح بتواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله(19).



القرائن المُعيِّنة لدلالة "المولى" في معنى الحاكم والإمام


ونوجزها بالذكر على الترتيب التالي :

القرينة الأولى :
إنَّ الحديث قيل في الطريق بين مكة والمدينة عند رجوع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ، وذلك ضمن خطاب عامٍّ ألقاه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في وقت الظهيرة في الحرِّ ، بعد أن أُقيمت صلاة الظهر ، ولم يتضمّن الخطاب النبوي مضموناً جديداً ، ما عدا "من كنت مولاه فعلي مولاه" ، فلو فُرض أنَّ هذا الخطاب أيضاً على تفسير لا يقتضي معنى جديداً ؛ لزم أن يكون ما قام به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغير حكمة.. والتالي باطل ، فالمُقدم مثله.

القرينة الثانية:
إنَّ النبيَّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم صدَّر كلامه عن عليٍّ عليه السلام بقوله : "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" ، فلما أقرُّوا بذلك قال لهم : "من كنت مولاه فعليٌّ مولاه..." ، ومكان الفاء كالصريح في أنَّ الولاية التي أخذ منهم الإقرار بها ؛ هي نفسُها التي أثبتها لعليٍّ عليه السلام ، ولا أقل من أنَّ التفريع ظاهر في هذا .

القرينة الثالثة:
إنَّه صلى الله عليه وآله وسلَّم بعد أن أخذ الإقرار منهم قال الجُملة الدالَّة على الفضيلة وهو آخذٌ بيد عليٍّ عليه السلام ورافعٌ لها ، وهذا يعني أنَّ القضية بمكان من الأهمية بحيث تحتاج إلى الإشهار الفعلي إضافة إلى الإعلان القولي ؛ وإلاَّ لو كان بصدد إثبات الولاية بمعنى المحبة والنصر ، لما احتاج إلى شيء من ذلك ، ولعُدَّ من المبالغة في غير محلِّها ، بل لربما اتهم بالتكلُّف ـ حاشاه ـ لتأكيد مودة أقربائه..

القرينة الرابعة:
إنَّ هذا الحديث المُسمَّى بحديث الغدير يُعَدُّ بإجماع المسلمين من خصائص الإمام عليٍّ عليه السلام ، ممَّا يعني أنَّ في هذا الحديث دلالةً على فضيلة يختصُّ بها هو عليه السلام دون غيره ، ومع حمل المولى على غير معنى الإمام يُصبح الحديث ذا معنى يشترك فيها جميع المؤمنين فضلاً عن الصحابة .

القرينة الخامسة:
إنَّ في الحديث دلالةً على أمر غير هيِّن ، وهو ما يجعل أبا الطفيل يقول : "فخرجتُ وكأنَّ في نفسي شيئًا" ! حتَّى يؤكِّد له زيد بن أرقم صِحَّة الحديث ! . وهذا يعني أن في هذا الكلام النبوي الشريف معنًى لا يستطيع تقبُّلَه البعض ولو انجرَّ ذلك إلى التشكيك في مصداقية الإمام علي (ع) نفسه ! ، ولو كان الحديث لا يعدو كونَهُ فضيلةً عادية لا تتَّسم ببُعْدٍ آخَرَ مُهِمٍّ لما استدعى إلى هذا الارتياب الشديد من سامعيه .

القرينة السادسة:
إنَّه قد ثبت أنَّ أبا أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) ـ وهو صحابي جليل ـ وأصحابَهُ فهموا من هذا الحديث أنَّهم وغيرهم من عليٍّ عليه السلام بمنزلة العبد من مولاه . فسلَّموا عليه بقولهم : "السلام عليك يا مولانا" ، فسألهم عليه السلام : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ أي أنَّكم أحرارٌ فكيف أكون لكم مولًى . فأجابوا بحديث الغدير ، ليقولوا بذلك إنهم ليسوا عبيدًا من حيث الأسر والسبي ، ولكنهم عبيدٌ لعليٍّ عليه السلام وهو مولاهم بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.. هذا الحكم الثابت بحديث الغدير . وهذه العبودية ليست عبوديةَ الرِّقِّ ، ولكنَّها عُبوديَّة الطَّاعة والانقياد لحكم الله تعالى(20).

القرينة السابعة:
لقد رُوي أنَّ أبا بكر وعمر قاما بتهنئة الإمام علي عليه السلام ، فجاء في الرواية : "فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئاً يا ابن أبي طالب ؛ أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة"(21)، وهذا نصٌّ صريح في أنهم فهموا من حديث الغدير معنى يقتضي أنَّ علياً اكتسب مرتبة تستدعي التهنئة ، ولو لم نحمل المولى على الإمام والحاكم ؛ لزم تفريغ هذه التهنئة من محتواها ، بل جعلُها سخرية ظاهرةً ، لأن المولى بمعنى الحبيب أو الناصر ليس بالذي اكتسبه عليٌّ بمقتضى نص الغدير ، وإنما هو ثابت له قبله ، بل لجميع المؤمنين فضلاً عن الصحابة..

القرينة الثامنة:
قد رُوِيَ بأسانيدَ أنَّ "الحارث بن نعمان الفهري" اعترض على الولاية التي أثبتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام في "غدير خم" ، فقال الحارث لرسول الله صلى الله عليه وآله : "يا محمَّد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّك رسول الله فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلي خمسًا فقبلناه منك ، وأمرتنا بالحج فقبلناه ، ثُمَّ لم ترضَ بهذا حتى رفعتَ بضبعي ابن عمِّك ، ففضلته علينا ، وقلتَ : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه . فهذا شيء منك أم من الله عز وجل؟ فقال صلى الله عليه وآله : والذي لا إله إلاَّ هو إنَّ هذا من الله . فولَّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللَّهم إن كان ما يقوله محمد حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فما وصل إليها حتَّى رماه اللهُ بحجرٍ فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله . وأنزل الله عزَّ وجل : (سأل سائلٌ بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع)"(22).

وهذا كالصريح في أنَّ معنى المولى هو الإمام ، وإلاّ فلا محل لتفضيل عليٍّ الذي يعترض عليه الفهري ؛ إذ غير الإمامة من معاني المولى يشترك فيه كثيرٌ..

كما أنَّ معنى الإمامة هو الذي يُسوِّغ الاعتراض ؛ إذ تحويل الخلافة إلى البيت العلوي هو ما يمكن أن يُسقط طموحات الطامعين في نصيب من المُلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله..

كما أنَّ الكفر الذي تنسبه الآية الكريمة إلى خط الفهري ليس يناسب إنكار مقام الحبيب والناصر لعليٍّ ، بل ذلك أوفق بإنكار مقام الإمامة ، وكونها جعلاً من الله تعالى ، فمن أنكرها كشف بهذا عن عدم إيمانه ، وذلك على وفاق قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب : 36]

هذا بعض ما تيسّر في عجالة الأمر وضيق المجال..

والحمد لله رب العالمين..

ـــــــــــــــــــ
الهوامش:

(1) أورده محمد فؤاد عبد الباقي في "مناقب علي والحسنين" : ص29 ، وقال : "أخرجه الإمام أحمد في مسنده ص370 ج4 ط. الحلبي" . أقول : وإسنادُه صحيح ، رجالُه كلُّهم ثقات .
(2) ولا يبعد أنَّ تضعيفهم لعلي بن زيد مبنيٌّ على كونه مَرميًّا بالتشيع والترفض ، فقد أنكروا عليه روايته لحديث "إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه" ، انظر : "تهذيب التهذيب" 7/285 دار الفكر ـ بيروت .
(3) ولكن محقق الخصائص ضعَّف الإسناد لكون أبي إسحاق مرميًّا بالتدليس وقد رمي بالاختلاط ، وعمرو بن مرة : مجهول .
(4) مأخوذة من كتاب التشيع للسيد عبد الله الغريفي : 108 ـ 110 .
(5) انتهت القائمة كما هي في "التشيع" للسيد الغريفي ، وفيها ما فيها ، وأعجب ما فيها : إقحام "بصائر الدرجات" برقم (40) ! ولو لا ضيق الوقت لما ساغ الاعتماد على هكذا قائمة..
(6) طرق حديث من كنت مولاه : 63 .
(7) المصدر نفسه : 63 .
(8) المصدر نفسه : 76 .
(9) المصدر نفسه : 89 .
(10) المصدر نفسه : 90 .
(11) المصدر نفسه : 96 .
(12) المصدر نفسه : 96 .
(13) المصدر نفسه : 97 .
(14) المصدر نفسه : 97 .
(15) المصدر نفسه : 100 .
(16) المصدر نفسه : 100 .
(17) المصدر نفسه : 101 .
(18) المصدر نفسه : 103 .
(19) المصدر نفسه : 11 .
(20) الرواية أخرجها أحمد بن حنبل في "المسند" : (5/419) دار صادر ـ بيروت . وعنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" : (9/103 ـ 104) وقال : "رواه أحمد والطبراني.." ثم قال : "ورجال أحمد ثقات" . وقالت أم شعيب الوادعية في "الصحيح المسند من فضائل أهل بيت النبوة" ص59 : "هذا حديث حسن ، وأخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (ج2 ص572) ، وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1355)" انتهى ما أفادته أمُّ شعيب . أقول : تحسينها الحديث من التعنُّت ؛ والصواب أنَّه صحيح ، فرجاله جميعًا ثقات كما قال الحافظ الهيثمي .
(21) تقدمت الرواية فيما سبق ، فراجع . وقد عرفتَ هناك أن في السند بعض الضعف لمكان "علي ابن زيد" ، إلاّ أنَّ هذا لا يفرح به ناصبي ؛ فقد عرفتَ أن زيداً ليس مجمعاً على ضعفه ، بل قد وصف بالصدق ، ومثله يمكن أن يُعتبر حديثه بالمتابعات والشواهد ، وقد تابعه أبو هارون عن عدي ، ويظهر أنه أبو هارون العبدي ، وذلك في الرواية التي أوردها الذهبي في "طرق حديث من كنت مولاه" برقم94 ، وقال الذهبي : "إسناده حسن" .
(22) أورده الشيخ الشبلنجي الشافعي في "نور الأبصار" : ص119 دار الكتب العلمية ـ بيروت ، عن تفسير أبي إسحاق الثعلبي ، قال الشبلنجي : "ونقل الإمام أبو إسحاق الثعالبي رحمه الله في تفسيره أنَّ سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى سُئل عن قوله تعالى : (سُئل سائلٌ بعذاب واقع) [المعارج : 1] فيمن نزلت؟ فقال للسائل : لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحدٌ قبلك . حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه.." فذكرَ الروايةَ . والرواية رويت بسند آخر بلفظ أكثر اختصارًا من هذا عند الحاكم الحسكاني في "دعاء الهداة إلى أداء حقِّ الموالاة" كما أورده عنه العلامة الأميني في "الغدير" : (1/240) ، وسند الحاكم الحسكاني : "قرأت على أبي بكر محمد بن محمد الصيدلاني فأقرَّ به ، حدثكم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الأسدي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي (ابن ديزل) ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان بن سعيد (الثوري) ، حدثنا منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : ..." . ورواه الحاكم الحسكاني في "شواهد التنزيل" : (2/385) بسنده آخر ، قال : "وأخبرنا عثمان ، أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البجلي ، حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهدي ، حدثنا محمد بن أبي معشر المدني ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : ..." . وذكر الحاكم الحسكاني أنَّ في الباب عن سعد بن أبي وقاص وابن عباس أيضًا ، انظر شواهد التنزيل : (2/383) .