ارتد الناس إلا .....

18 أبريل 2010
30
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة والسلام على البشير

النذير المصطفى و العترة الطاهرين

عظّم الله أجوركم في هذا اليوم العظيم ( يوم الأربعين )

الرواية المشهورة التي ورد فيها : ( أن الناس ارتدوا إلا ثلاثة ) ، قد وقع الكلام فيها من حيث تفسيرها ، و اتخذت هذه الرواية كسيف مصلّت على رؤوس شيعة أهل البيت عليهم السلام ، و أنهم يكفرون الصحابة و يحكمون بارتدادهم إلا ثلاثة من الأصحاب الخّلّص ، وهم سلمان و أبو ذر والمقداد .

ولكن هل هذه الرواية بهذا التفسير مُسلّم و يكون حجة على شيعة أهل البيت عليهم السلام ، بحيث ما إن تتكلم مع بعضهم إلا و يُقدّم لك هذه الرواية مع ذلك الفهم ليصفعك بها ، و يقول لك كيف أتحدث مع من يُكفر المسلمين الأوائل و روّاد الدين الأعاظم .

و لكن في مقام البحث ، فإنه يجب أن يكون معلوماً و محسوماً أن من المقدمات الضرورية - و التي يعرفها طلاب العلم - عند البحث عن دلالة المتون الحديثية أنه لا بد من البحث الجدّي لمعرفة مقيدات الكلام و مخصصاته ، فلا يصح لأحد أن يتمسك بإطلاق أو عموم دليل قبل الفحص و البحث ، و من تمسك بإطلاق أو عموم متن الحديث - مع غض النظر عن هذه المُسلّمة عمداً و قصداً - فإنه لا شك سيكون من فئة زائغي القلوب ( و أما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) .

و في مقام البحث عن هذا الحديث بالخصوص ، فإن الاحتمال الذي يتبادر إلى الذهن في تفسير الحديث ، وهو أن الحكم بالارتداد هو االحكم بالكفر على بقية اصحاب النبي صلى الله عليه و آله غير الثلاثة ، و الكفر هنا هو الخروج عن الدين ، فهل هذا الاحتمال صحيح أم لا ؟

و هل فعلاً أن بقية اصحاب النبي صلى الله عليه و آله محكوم عليهم بالارتداد إلا هؤلاء الثلاثة ؟ و بعبارة أخرى : هل أن العدد فقط هم الذين سلموا من مقص الكفر و غيرهم قد ارتدوا فعلاً ؟

و الجواب : و كما قلنا لا يصح التمسك باطلاق أو عموم قبل الفحص ، وقد وجدت بأن هذه الرواية التي تضمنت الحكم بالارتداد إلا على ثلاثة من الأصحاب هي رواية لا يمكن الأخذ بما يتبادر إلى الذهن من الحكم بارتداد الجميع إلا ثلاثة ( = الكفر و الخروج عن الملة ) ، و ذلك لورود الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام حاكمة حكماً خاصاً ، و هو الحكم على من خالف أمير المؤمنين عليه السلام بالإسلام دون الكفر و الخروج عن الملة ، و إن كانوا فعلاً مفتونين بالفتنة الشيطانية التي قلبت الموازين و تنكرت للدين ، فقد ذكر الشيخ المجلسي في البحار هذه الرواية :

( وقام إليه رجل فقال : [ يا أمير المؤمنين ] أخبرنا عن الفتنة وهل سألت عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) ؟ فقال عليه السلام : لما أنزل الله سبحانه قوله : * ( ألم أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) * [ 1 - 2 / العنكبوت : 29 ] علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أظهرنا فقلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها ؟ فقال : يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي .
فقلت : يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت عني الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي : أبشر فإن الشهادة من ورائك ؟ فقال لي : إن ذلك لكذلك فكيف صبرك إذا ؟ فقلت : يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر ! ! وقال : يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم ويتمنون رحمته ويأمنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والاهواء الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع .
فقلت : يا رسول الله فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك أبمنزلة ردة أم بمنزلة فتنة ؟ فقال : بمنزلة فتنة )

فهذه الرواية تبين لنا أن أمير المؤمنين عليه السلام مأمور بأن يعامل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله معاملة المسلم ، و إن كان ليس هو المسلم الصالح ، و إنما المسلم المفتون بالدنيا المغتر بها .

و عليه فتكون هذه الرواية قرينة على أن المراد برواية موضوعنا ( ارتد الناس ) هو هذا المعنى لا ذلك المعنى المتبادر ، و من المعلوم أن التبادر حجة ما لم يرد دليل يصرف المعنى إلى معنى آخر ، و هذا ما تحقق فعلاً .


و أما بالنسبة للسؤال الثاني الذي يتحدث عن إيمان ثلاثة أشخاص من الصحابة فقط ، فإن المقصود من الحصر بالثلاثة هنا هو أن هؤلاء الثلاثة قد وصلوا إلى قمة الايمان ، و إلا فيوجد في الصحابة المنتجبين من هم على درجة عالية إلا أنهم لم يصلوا إلى الدرجة التي يتمتع بها الثلاثة ( سلمان أبو ذر المقداد ) ، و هذا ما دلت عليه الرواية التي رواها الشيخ الكليني في الكافي : ( عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك ما أقلَّنا ! لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ! فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك: المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ، وأشار بيده ، ثلاثة ! قال حمران فقلت: جعلت فداك ما حال عمار ؟ قال: رحم الله عماراً أبا اليقظان ، بايع وقتل شهيداً . فقلت في نفسي: ما شئ أفضل من الشهادة . فنظر إليَّ فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة ، أيهات أيهات ) .

و إذا لم تقبل بذلك و أن ذكر الثلاثة يفيد الحصر و أن القرينة قائمة من خلال سياق الكلام على أن الامام عليه السلام في مقام التحديد و أنه يلحظ خصوصية العدد بذاته ولا يريد أزيد من ذلك ، فإنه توجد عندنا رواية تنفي هذا الحصر و أن هذه القرينة السياقية غير مأخوذ بها ، فقد ورد عن مولانا الصادق عليه السلام قوله في رواية صحيحة رواها الكشي : ( عن أبي بصير ، قال قلت ك لأبي عبدالله عليه السلام : ارتد الناس إلا ثلاثة أبو ذر و سلمان و المقداد ، قال : فقال ابو عبدالله عليه السلام : فأين ابو ساسان و ابو عمرة الأنصاري ؟ ) حيث نفهم من هذه الرواية ، أن الامام عليه السلام بصدد بيان تخطئة من يقول بأن الذين ثبتوا على ولاية الأمير عليه السلام ليس فقط هذا العدد المشهور ( = ثلاثة ) ، بل هناك أرقام لم تُلحظ في المقام من مثل من ذكرهم الامام عليه السلام في الحديث الآنف .