عليٌّ وارث علم رسول الله صلى الله عليه وآله

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
عليٌّ وارث علم رسول الله صلى الله عليه وآله

بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي في كتابه الخصال صفحة 648- 649: ( حدثنا أبي ومحمد بن الحسن، وأحمد بن محمد بن يحيى العطّار رضي الله عنهم قالوا : حدثنا سعد بن عبد الله، يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس عن أبي بكر محمد بن الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: « إن رسول الله صلى الله عليه وآله علّم عليّاً ألف حرف، كل حرف يفتح ألف حرف، والألف حرف يفتح ألف حرف» ) .

نظرة في سند الحديث:
هذا الحديث حسب مصطلح علم الرّجال موثق لأن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضوان الله عليه، شيخ مشايخ الطائفة الإمامية الإثني عشرية، ويعترف جميع العلماء بوثاقته، وسمّوه صدوقاً، وقد ولد بدعاء الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو يروي هذا الحديث عن والده علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي وهو أيضاً شيخ المشايخ وثقة من الثقات، ويرويه أيضاً عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبو جعفر وهو ثقة عين جليل القدر، وكان شيخ القميين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم وعن أحمد بن محمد بن يحيى العطّار وقد وثقه العديد من فقهاء الطائفة وحكم بعضهم بصحة رواياته وآخرون بقبولها والاعتماد عليها وهم جميعاً رضي الله عنهم رووا الحديث عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف أبو القاسم وهو شيخ من مشايخ الطائفة ووجهاً من وجهائها وفقيهاً من فقهائها، جليل القدر، وهو عن يعقوب بن يزيد بن حمّاد الأنباري ، وهو ثقة صدوق، وهو عن محمد بن أبي عمير الأزدي، وكان من أوثق الناس جليل القدر عظيم المنزلة عابداً ورعاً زاهداً أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه وأقرّوا له بالفقه، وهو عن منصور بن يونس بن روح وهو ثقة إلاّ أنّه كان واقفيا، وهو عن أبي بكر محمد بن شريح الحضرمي وهو ثقة من الثقات من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وهو عن الإمام المعصوم محمد بن علي أبي جعفر الباقر عليه السلام .

النبي صلى الله عليه وآله يخص علياً بألف باب من العلم:
وهذا الحديث الشريف صريح في أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد خصّ الإمام عليّاً عليه السلام بعلوم ومعارف لم يخص بها أحداً من المسلمين في عصره، بل ظاهر الحديث يدل على أنّه صلى الله عليه وآله علّمه أصول وأسس الكثير من العلوم وجعل بيده مفاتيحها بحيث أنّه يستطيع بهذه الأصول والأسس والمفاتيح أن يعلم الكثير من العلوم والمعارف ويتوصل إلى معرفة الكثير من الحقائق، ودلّت الرّوايات على أنّ هذه الحادثة كانت في آخر أيّام حياة النبي صلى الله عليه وآله، بل في مرضه الأخير الذي توفي منه، منها ما رواه العلامة الشيخ الصدوق في كتابه الخصال صفحة 648 قال : (حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد وأحمد بن محمد بن يحيى العطّار رضي الله عنهم قالوا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء أبو بكر وعمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام حين دفن فاطمة عليها السلام – في حديث طويل – قال لهما: أمّا ما ذكرتما أنّي لم أشهدكما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فإنّه قال: لا يرى عورتي أحد غيرك إلاّ ذهب بصره فلم أكن لآذنكما لذلك، وأمّا إكبابي عليه فإنّه علمني ألف حرف، الحرف يفتح ألف حرف فلم أكن لأطلعكما على سر رسول الله صلى الله عليه وآله.
ويؤيدها أيضاً الرّواية التي رواها الشيخ الصدوق في نفس الكتاب صفحة 651 بسنده إلى الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الّذي توفي فيه ادعوا لي خليلي فأرسلت عائشة وحفصة إلى أبويهما فلمّا جاءا غطّى رسول الله صلى الله عليه وآله وجهه، فانصرفا فكشف رأسه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: ادعوا لي خليلي، فأرسلت حفصة إلى أبيها وعائشة إلى أبيها فلمّا جاءا غطّى رسول الله صلى الله عليه وآله وجهه فانطلقا وقالا: ما نرى رسول الله صلى الله عليه وآله أرادنا، قالتا: أجل إنما قال: ادعوا لي خليلي – أو قال حبيبي – فرجونا أن تكونا أنتما، فجاءه أمير المؤمنين عليه السلام وألزق رسول الله صلى الله عليه وآله صدره بصدره وأومأ إلى أذنه فحدّثه بألف حديث لكل حديث ألف باب ) .
كما دلّت الرّوايات على أنّ ذلك كان بأمر إلهي، ففي الرّواية التي رواها العلامة الكليني والعلامة الصفار في بصائر الدرجات كلاهما بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سمعته يقول فلمّا قضى محمد صلى الله عليه وآله نبوته واستكملت أيّامه، أوحى الله إليه؛ يا محمد قد قضيت نبوّتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والأيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب عليه السلام، فإني لم أقطع علم النبوّة من العقب من ذرّيتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء ) ( بصائر الدرجات صفحة 489 ، الكافي 1/293 ) .

علي باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله:
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بأنّ عليّاً عليه السلام باب مدينة علمه، وذلك في الحديث الصحيح المأثور عنه صلى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب)، وأخرج هذا الحديث الشريف من علماء أهل السنة جماعة منهم الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده إلى أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح قال: ( حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب) .
ثم قال الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ).
ثمّ ردّ على من حاول الطعن في هذا الطريق للحديث لوجود أبي الصلت الهروي فيه فقال: ( وأبو الصلت ثقة مأمون، فإني سمعت أبا العبّاس محمد بن يعقوب في التاريخ يقول سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدث عن أبي معاوية عن الأعمش أنا مدينة العلم؟ فقال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون.
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القباني إمام عصره ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول: وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال: دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت فسلم عليه فلما خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت؟ فقال: «هو صدوق»، فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها»، فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية عن الأعمش كما رواه أبو الصلت .
حدثنا بصحة ما ذكره الإمام أبو زكريا، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري، حدثنا الحسين بن فهم، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس، حدثنا محمد بن جعفر الفيدي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب» قال الحسين بن فهم: حدثناه أبو الصلت الهروي، عن أبي معاوية، قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أن الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري بإسناد صحيح.
حدثني أبو بكر محمد بن علي الفقيه الإمام الشاشي القفال ببخارى وأنا سألته، حدثني النعمان بن الهارون البلدي ببلد من أصل كتابه، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» ) ( المستدرك على الصحيحين 3/ 137- 138 ) .
وقال العلامة العلايلي في النقد الصريح – حسب ما نقله عنه الشيخ محمد ناصر الدني الألباني في هداية الرواة بعد أن ناقش بعض أسانيد الحديث - : ( والحاصل: إن هذا الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن أن يكون موضوعاً، ولم أجد لمن ذكره في الموضوعات طعناً مؤثراً في هذين السندين وبالله التوفيق ) ( هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة 5/428 من تخريج ناصر الدين الألباني وتحقيق علي حسن عبد الحميد الحلبي ) .
وقال العلامة الشوكاني: ( وقد سئل يحيى – ابن معين – عن هذا الحديث فقال: صحيح ) ( الفوائد المجموعة صفحة 349) .
وحسنه الحافظ السيوطي في غير واحد من مؤلفاته ثم حكم بصحته فقال : ( وقد كنت أجيب بهذا الجواب – يعني بحسن الحديث- دهراً إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في تهذيب الآثار مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عبّاس فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحديث من مرتية الحسن إلى مرتبة الصحة والله أعلم ) ( جامع المسانيد والمراسيل 16/259 ) .
وحسّنه الحافظ ابن حجر العسقلاني ( انظر الأسرار المرفوعة صفحة 118، الفوائد المجموعة صفحة 349، تنزيه الشريعة صفحة 378) .
وألّف العلامة أحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي مؤلفاً خاصاً في صحة هذا الحديث الشريف، أسماه : ( فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي) .
وقال عبد الله عبد القادر التليدي في كتابه (كتاب فضائل الصحابة والدفاع عن كرامتهم ) في هامش صفحة 166 ملقاً على حديث : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب) :
( رواه ابن جرير في تهذيب الآثار 1/ 90 ، والطبراني في الكبير 11 / 65– 66 ، والحاكم 3/ 126 والخطيب في تاريخ بغداد 4/ 348 ج 7/ 172—173 ج 11/ 48– 49 أربعتهم من طريق عبد السلام بن صالح الهروي عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس به، ورجاله ثقات، والهروي قال فيه ابن معين ثقة صدوق، وقال مرة : لم يكن أبو الصلت عندنا من أهل الكذب، انظر المستدرك 3/ 126– 127 ، وتاريخ الخطيب 11/ 48—49 وإنما لمزوه بالتشيّع لكنه لم يتفرد به فإن له متابعين أحدهما من رجال البخاري وهو محمد بن جعفر الفيدي، كما أن للحديث شاهدين عن علي نفسه رواه الترمذي (3495) وابن جرير في التهذيب 1/ 89 وصححه، وعن جابر رواه الحاكم 3/ 127 والخطيب 2/ 377 وصححه الحاكم أيضاً.
فالحديث حسن صحيح، ونظراً للقواعد الحديثية حسّنه جماعة من الحفاظ كصلاح الدين العلائي وابن حجر في الفتاوى، وفي لسان الميزان، والسيوطي في تاريخ الخلفاء، والسخاوي في المقاصد الحسنة، والمناوي في التيسير، كما صححه آخرون، كابن معين وابن جرير والسمرقندي والزركشي والسيوطي في الجامع الكبير، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة: إنّه من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، أمّا ابن الجوزي فأورده في الموضوعات، وللحافظ السيد أحمد بن الصديق رحمه الله تعالى كتاب في تصحيحه أجاد فيه وأفاد ) اهـ.
وعليه فلا يصغى لقول من زعم أنّ هذا الحديث الشريف موضوع أو ضعيف، فهؤلاء إنما يضربون على وتر النواصب – أخزاهم الله – الذين يبذلون كل ما في وسعهم لردّ خصائصه عليه السلام، فلا يرتاح لهم بال إلاّ إذا وجدوا حيلة يحتالون بها لردّ ما ثبت له من فضائل ومناقب وخصائص، خصوصاً تلك التي تميّزه على الثلاثة الذين يقدمونهم عليه، وهذا الحديث الشريف منها، فلا عجب إذاً إن يدّعوا ضعفه أو وضعه.
وفيه يصوّر النبي صلى الله عليه وآله علمه بالمدينة ثم يحصر طريق الدخول إليها بباب واحد وهو الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، ومعنى هذا أنّ كل مسائل الدين من أحكام شرعية ومسائل عقائدية وأخلاقية وتوجيهات دينية يجب أن يؤخذ من طريق علي عليه السلام، فهو الطريق الصحيح والسليم المضمون من الخطأ والاشتباه لذلك، وأنّ ما يؤخذ من غير طريقه عليه السلام فاحتمال الخطأ والاشتباه فيه وارد.
وتوجيه النبي صلى الله عليه وآله الأمّة في هذا الحديث الشريف إلى أخذ تعاليم الشريعة من طريق أمير المؤمنين علي عليه السلام على هذا النحو المطلق وبدون قيد أو شرط فيه دلالة على عصمته عليه السلام، فالنبي صلى الله عليه وآله إنّما جعله الطريق الوحيد لأخذ تعاليم الشريعة لكونه عليه السلام معصوماً من الذنب والخطأ والاشتباه والسهو والنسيان وذلك لضمان أخذ تعاليم الشريعة وأحكامها كما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله من عند ربّه.
ومن جملة الأخبار الدالة على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تلقى من النبي صلى الله عليه وآله طوال حياته علوماً كثيرة غير ما ذكرناه صحيحة أبي بصير التي رواها العلامة الصفار في بصائر الدرجات، قال: ( حدثنا العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه وآله فقال: علم النبي علم جميع النبيين وعلم ما كان وما يكون إلى قيام الساعة، ثم قال: والذي نفسي بيده إنّي لأعلم علم النبي صلى الله عليه وآله وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة) ( بصائر الدرجات صفحة 131)
وموثقة ابن فضال التي رواها العلامة الصّفار في بصائر الدرجات قال: ( حدثنا محمد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ الله تعالى علّم رسول الله صلى الله عليه وآله القرآن وعلّمه شيئاً سوى ذلك، فما علّم الله رسوله فقد علّم رسوله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام ) ( بصائر الدرجات 310) .
وصحيحة حمران بن أعين التي رواها الصّفار فقال: ( حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان وأحمد بن علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن أديم أخي أيوب ، عن حمران بن أعين قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى علّم رسول الله صلة الله عليه وآله الحلال والحرام والتأويل فعلّم رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً كلّه ) ( بصائر الدرجات صفحة 311) .

النبي يخص عليا بكاتبين فيهما أسماء أهل الجنة وأهل النار:
وخص رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام بكتابين يتضمن أحدهما أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، والآخر أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، أمّا أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يمتلك هذين الكتابين فهو مما اتفق على روايته الفريقان سنّة وشيعة، أمّا من جهة أهل السنة فقد أخرج الترمذي في جامعه الصحيح المعروف بسنن الترمذي رواية رواها بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلاّ أن تخبرنا.
فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال للذي في شماله هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإنّ صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير )
قال الترمذي : (وهذا حديث حسن غريب صحيح) ( سنن الترمذي 4/449 رواية رقم: 2141، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده 6/132 رواية رقم: 6563 وقال الشيخ أحمد محمد شاكر: إسناده صحيح، وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح الجامع الصغير وزياداته 1/79 رواية رقم: 88) .
وأمّا من طرق الشيعة فمنها صحيحة الحميري في قرب الإسناد قال: ( عنه- أي محمد بن عيسى – عن عبد الله بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله قابضاً على شيئين في يده، ففتح يده اليمنى ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من الرّحمن الرّحيم في أهل الجنة بأعدادهم وأحسابهم وأنسابهم، مجمل عليهم، لا ينقص منهم أحد، ولا يزاد فيهم أحد، ثم فتح يده اليسرى فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من الرّحمن الرّحيم في أهل النار، بأعدادهم وأحسابهم وأنسابهم مجمل عليهم إلى يوم القيامة، لا ينقص منهم أحد ولا يزاد فيهم أحد، وقد يسلك بالسعداء طريق الأشقياء حتى يقال: هم منهم، هم هم، ما أشبههم بهم! ثم يدرك أحدهم سعادته قبل موته ولو بفواق ناقة، وقد يسلك بالأشقياء طريق السعادة حتى يقال: هم منهم، هم هم ، ما أشبههم بهم! ثم يدرك أحدهم شقاوته ولو قبل موته ولو بفواق ناقة، وقال النبي صلى الله عليه وآله: العمل بخواتيمه، العمل بخواتيمه، العمل بخواتيمه) ( قرب الإسناد صفحة 24) .
أمّا ما يدل على أنّ النبي صلى الله عليه وآله قد خصّ عليّاً عليه السلام بهذين الكتابين فذلك مما ذكرته روايات أهل البيت عليهم السلام، ورد ذلك في رواية رواها العلامة الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح فقال: ( حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الصمد بن بشير قال: ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام بدو الأذان وقصة الأذان في إسراء النبي صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى السدرة، قال: فقالت: السدرة المنتهى ما جاوزني مخلوق قبلك، قال: [ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى*فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى] (النجم 8- 10) قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، قال: وأخذ أصحاب اليمين بيمينه ففتحه فنظر إليه فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، قال: فقال له: [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ] قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ] (البقرة: 285) قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: [رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا] (البقرة: 286)، قال: فقال الله: قد فعلت، قال: [رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا ...] إلى آخر السورة وكل ذلك يقول الله قد فعلت، قال: ثم طوى الصحيفة فامسكها بيمينه وفتح صحيفة أصحاب الشمال فإذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رب إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون، قال: فقال الله: [فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ] (الزخرف:89) قال: فلما فرغ من مناجاة ربه رد إلى بيت المعمور ثم قص قصة البيت والصلاة فيه ثم نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ) (بصائر الدرجات صفحة 190) .

الأئمة من أهل البيت ورثوا علم رسول الله من طريق علي عليه السلام:
وقد دونّ علي عليه السلام الكثير من العلوم التي تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وآله وانتقل علمه عليه السلام إلى الأئمة من بعده من خلال المشافهة وعن طريق هذه المدوّنات، دلّت على ذلك روايات عديدة منها على سبيل المثال صحيحة أبي بصير التي أخرجها ثقة الإسلام العلامة الكليني فقال: ( عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن الحجال، عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام ستراً بينه وبين بيت آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عمّا بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله علّم عليّاً عليه السلام باباً يفتح له منه ألف باب؟
قال: فقال: يا أبا محمد علّم رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.
قال: قلت: هذا والله العلم .
قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنّه لعلم وما هو بذاك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟
قال: قلت: جعلت فداك ما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج النّاس إليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إليَّ فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك فاصنع ما شئت.
قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا – كأنّه مغضب - .
قال: قلت: هذا والله العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ، ثم قال : وإنّ عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر ؟
قال : قلت: وما الجفر؟
قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل.
قال: قلت: إنّ هذا هو العلم، قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟
قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟
قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
قال: قلت: هذا والله العلم.
قال: إنّه لعلم وما هو بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.
قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟
قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة ( الكافي 1/238- 240، ورواه العلامة الصفار في بصائر الدرجات صفحة 171 – 172 ).
ومنها ما رواه العلامة الكليني في الكافي فقال : ( محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله برمانتين من الجنة، فلقيه علي عليه السلام فقال: ما هاتان الرّمانتان اللتان في يدك؟
فقال : أمّا هذه فالنبوّة؛ ليس لك فيها نصيب، وأمّا هذه فالعلم، ثم فلقها رسول الله صلى الله عليه وآله بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله نصفها ثم قال: أنت شريكي فيه، وأنا شريكك فيه.
قال: فلم يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله حرفاً مما علمه الله عزّ وجل إلاّ وقد علّمه عليّاً، ثم انتهى العلم إلينا، ثم وضع يده على صدره ) (الكافي 1/319، ورواه العلامة الصفار في بصائر الدرجات صفحة 280 وسنده صحيح ) .
ومنها ما رواه العلامة الكليني في الكافي بسند صحيح عن عمر بن أبان فقال: ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عمّا يتحدث الناس أنّه دفع إلى أم سلمة صحيفة مختومة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما قبض ورث علي عليه السلام علمه وسلاحه وما هناك، ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين عليهما السلام، قال: ثم صار إلى علي بن الحسين، ثم صار إلى ابنه، ثم انتهى إليك، قال: نعم ) ( الكافي 1/235، ورواه العلامة الصفار في بصائر الدرجات صفحة 206 بسند صحيح أيضاً ).
ومنها ما رواه العلامة الكليني في الكافي بسند صحيح فقال : ( عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، وحميد بن زياد، عن الحسن بن محمد كلهم عن علي بن رئاب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شيء من الفرائض فقال لي : ألا أخرج لك كتاب علي عليه السلام؟ فقلت: كتاب علي عليه السلام لم يدرس؟ فقال: يا أبا محمد إنّ كتاب علي لم يدرس فأخرجه فإذا هو كتاب جليل ... ) (الكافي 7/ 119 ) .
ومنها صحيحة محمد بن مسلم التي أخرجها العلامة الكليني في الكافي فقال : ( علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن جميعاً، عن صفوان، أو قال عن عمر بن أذنية، عن محمد بن مسلم قال: أقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده ...) ( الكافي 7/93) .
ومنها صحيحة أبي الصباح التي أخرجها العلامة الصفار في بصائر الدرجات فقال : ( حدثنا محمد بن الحسين، عن صفوان، عن أبي الصباح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : بلغنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي: أنت أخي وصاحبي وصفيي ووصيي وخالصي من أهل بيتي وخليفتي في أمتي، وسأنبئك فيما يكون فيها من بعدي، يا علي إني أحببت لك ما أحبّه لنفسي وأكره لك ما أكرهه لها.
فقال لي أبو عبد الله عليه السلام : هذا مكتوب عندي في كتاب علي، ولكن دفعته (دفنته) أمس حين كان هذا الخوف وهو حين صلب المغيرة) ( بصائر الدرجات صفحة 168) .
ومما يدل من روايات أهل السنة على أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد ورثوا بعض الكتب عن أمير المؤمنين عليه السلام ما رواه عبد الرّزاق الصنعاني عن الإمام الباقر عليه السلام في مصنفه فقال: (عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: في كتاب علي الجراد والحيتان ذكي ) ( مصنف عبد الرزاق 4/523)
وسند هذه الرّواية صحيح عندهم فرواتها كلهم ثقات .

علي عليه السلام ملهم ومحدث:
ولم يكن مصدر علم أمير المؤمنين عليه السلام هو ما تلقاه من رسول الله صلى الله عليه وآله فقط وإنما لعلمه عليه السلام مصادر أخرى، فعلي عليه السلام كان ملهماً أيضاً ، ومن جملة الرّوايات الدّالة على ذلك صحيحة محمد بن مسلم التي رواها العلامة الصفار في بصائر الدرجات صفحة 254 فقال : ( حدثنا محمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله، فإذا ورد شيءٌ والحادث الذي ليس في الكتاب ولا في السّنة ألهمه الله الحق فيه إلهاماً ، وذلك من المعضلات)
وكان صلوات الله وسلامه عليه محدثاً أيضاً ومن الرّوايات الدّالة على ذلك صحيحة حمران بن أعين التي أخرجها ثقة الإسلام العلامة الكليني فقال : (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران بن أعين قال: قال: أبو جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام كان محدثا ، فخرجت إلى أصحابي فقلت : جئتكم بعجيبة ، فقالوا : وما هي ؟ فقلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ، كان علي عليه السلام محدثا فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ، فرجعت إليه فقلت : إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ؟ ، فقال لي : يحدثه ملك ، قلت : تقول : إنه نبي ؟ قال : فحرك يده - هكذا - : أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين ، أو ما بلغكم أنه قال : وفيكم مثله)
ومنها ما رواه العلامة الصفار بسند صحيح فقال : ( حدثنا محمد بن الحسين، عن صفوان، عن عبد الله بن مسكان، عن حجر بن زائدة، عن حمران بن أعين، أنّه قال لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ فلاناً حدّثني أنّ أبا جعفر عليه السلام حدّثه أنّ عليّاً عليه السلام والحسن كانا محدّثين.
قال: كيف حدّثك ؟
قلت: حدثني أنّه كان ينكت في أذنيهما.
قال: صدق ) ( بصائر الدرجات صفحة 341).
ومنها ما رواه العلامة الصفار بسند صحيح فقال : ( حدثنا أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف والحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير قال: كان علي عليه السلام محدّثاً، وكان سلمان محدّثا.
قال : قلت : فما آية المحدث ؟
قال: يأتيه الملك فينكت في قلبه كيت وكيت) ( بصائر الدرجات صفحة 342) .
وروى العلامة المجلسي في بحار الأنوار نقلاً عن بصائر الدرجات بسند صحيح فقال: ( بصائر الدرجات : عباس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ أباك حدّثني أنّ عليّاً والحسن والحسين عليهم السلام كانوا محدّثين ؟
قال: فقال: كيف حدّثك؟
قلت: حدثني أنّه كان ينكت في آذانهم .
قال: صدق أبي ) ( بحار الأنوار 26/69 ) .

علي عليه السلام أعلم الأمة بالقرآن تنزيلاً وتأويلاً:
ولسعة علمه، وعلمه بالكثير من الحقائق والأمور مما حدث في غابر الزمان وما يحدث في حاضره ومستقبله، ولأنّه ملهم ومحدث كان صلوات الله وسلامه عليه يصرّح ويقول : ( سلوني قبل أن تفقدوني) بهذا جاءت الأخبار ، وقد صح عند المخالفين لنا وروي عندهم بأسانيد صحيحة رجالها ثقات، قال ابن كثير : ( ... يقول شعبة بن الحجاج عن سماك، عن خالد بن عرعرة أنّه سمع عليّاً رضي الله عنه، وشعبة أيضاً عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل أنّه سمع عليّاً رضي الله عنه، وثبت أيضاً من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ أنبأتكم بذلك ... ) ( تفسير ابن كثير 4/232) .
وقال ابن عبد البر : ( حدثني أحمد بن فتح، قال: حدثنا حمزة بن محمد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً رضي الله عنه وهو يخطب ويقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما منه آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل ... )
قال محقق الكتاب الشيخ أبو الأشبال الزهيري: (إسناده صحيح ورجاله ثقات ) ( جامع بيان العلم وفضله 1/464 رواية رقم: 726) .
وقال : ( وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال: ما كان أحد من الناس يقول : سلوني غير علي بن أبي طالب )
قال محقق الكتاب أبو الأشبال الزهيري: ( إسناده صحيح رجاله ثقات ) ( جامع بيان العلم وفضله 1/463 رواية رقم: 725).
وروى عبد الرّزاق الصنعاني في تفسيره بسند رجاله ثقات فقال: ( عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، قال: شهدت عليّاً وهو يخطب وهو يقول سلوني، فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل ... ) ( تفسير عبد الرزاق 3/241) .
وكيف لا يكون عالماً حقيقة العلم بتفسير آيات الكتاب المجيد وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وآله بأنّه يقاتل على تأويل القرآن الكريم، بهذا صحت الرواية عند مخالفينا، فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين فقال: (أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني بالكوفة من أصل كتابه، حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، حدثنا أبو غسان، حدثنا عبد السلام بن حرب، حدثنا الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: ابن أبي غرزة وحدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطعت نعله، فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلا ثم قال: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال أبو بكر: أنا هو؟، قال: «لا»، قال: عمر أنا هو؟ قال: «لا ولكن خاصف النعل» يعني عليّاً، فأتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ه
قال الحاكم النيسابوري : (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) ( المستدرك على الصحيحين 3/132 رواية رقم: 4621) .
وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: (على شرط البخاري ومسلم) .
وأخرج ابن حبّان في صحيحه فقال: ( أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله»، قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: «لا»، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكن خاصف النعل» قال: وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها) .
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: ( إسناده قوي) (صحيح ابن حبّان 15/385 رواية رقم: 6937).
وفي مسند أحمد بن حنبل قال: (حدثنا حسين بن محمد، حدثنا فطر، عن إسماعيل بن أبي رجاء الزبيدي، عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلّف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه فقال: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر فقال: «لا، ولكنه خاصف النعل» قال: فجئنا نبشره، قال: وكأنّه قد سمعه ).
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : ( حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير فطر) ( مسند أحمد 3/82 رواية رقم: 11790) .
وقال الشيخ حمزة أحمد الزّين : ( إسناده صحيح) ( انظر مسند أحمد 10/108 طبعة دار الحديث بالقاهرة شرح وتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر وحمزة أحمد الزين ).
وأخرج أبو يعلى في مسنده فقال: ( حدثنا عثمان، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله»، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال:«لا»، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنه خاصف النعل» وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها )
قال الشيخ حسين سليم أسد: ( إسناده صحيح) ( مسند أبي يعلى 2/341 رواية رقم: 1086).
وأخرج النسائي في خصائص علي فقال : ( أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن قدامة – واللفظ له- عن جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله، فرمى بها إلى علي، فقال: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله»، فقال أبو بكر: أنا؟ قال: «لا»، قال عمر: أنا؟ قال: «لا، ولكن خاصف النعل» )
قال محقق الخصائص الداني بن منير آل زهوي أبو عبد الله السلفي: ( إسناده حسن، والحديث صحيح ) (خصائص علي صفحة 116- 117 رواية رقم: 156، وطبعة أخرى بتحقيق الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري صفحة 134 رواية رقم: 152، وقال المحقق المذكور : (إسناده صحيح) ).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/186 : ( وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله»، فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال: «لا»، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنه خاصف النعل» وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها)
ثم قال الهيثمي: ( رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح) .
وقال أيضاً في نفس المصدر9/133 : ( عن أبي سعيد الخدري قال: كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علينا من بعض بيوت نسائه قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا معه فقال: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله» فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر فقال: «لا، ولكنه خاصف النعل» قال: فجئنا نبشره، قال: فكأنّه قد سمعه).
ثم قال الهيثمي: ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة) .
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلته الصحيحة بعد أن تكلم على بعض أسانيد الحديث: (فالحديث صحيح لا ريب فيه) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/640 برقم: 2487).
ففي هذه الرواية دلالة على أنّ عليّاً عليه السلام عارفاً معرفة تامة بتأويل القرآن الكريم، إذ لو لم يكن كذلك فكيف يقاتل على التأويل وهو جاهل به؟
بل دلّت الروايات الصحيحة عندنا على أنّه صلوات الله وسلامه عليه كان عالماً بكتب الأنبياء السالفين كالتوراة والإنجيل، ففي رواية صحيحة سنداً رواها العلامة الصفار في بصائر الدرجات قال: ( حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد الله البرقي، عن خلف بن حمّاد، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو ثنى الناس لي وسادة كما ثني لابن صوحان لحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الإنجيل بالإنجيل حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت ما بين أهل الفرقان بالفرقان حتى يزهر ما بين السماء والأرض ) ( بصائر الدرجات صفحة 136- 137 ) .
والرواية صريحة في دلالتها على أنّه عليه السلام عالم بالتوراة والإنجيل والقرآن الكريم حقيقة العلم وعارف بأدلة الأحكام فيها تمام المعرفة، إذ لو لم يكن كذلك لما أمكنه الحكم بها . .
ولم يخصه صلى الله عليه وآله بهذه العلوم والأصول ولم يلهم ويحدّث إلاّ لأن له منصب الولاية الكبرى والإمامة العظمى فهو القائم مقام رسول الله صلى الله عليه وآله على هذه الأمّة وقائدها والقائم بأمورها وشئونها الدينية والدنيوية من بعده النبي صلى الله عليه وآله، يقول الإمام الصادق عليه السلام ضمن خطبة طويلة له يبين فيها حال الإمام القائم بوظائف الإمامة : ( ... فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدّجى ومعميّات السنن، ومشبهات الفتن ...) ( الكافي 1/ 203)

المصدر كتاب : ( الأربعون حديثاً ).