كيــف نفــرِّقُ بـيـن : مشهد [ العزة ] ومشهد [ الذلة ] ؟! (صدام)

مسهّر

مسهّر
26 يناير 2011
5
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

وصل على محمد وآله الطاهرين​


= مشى الطاغية إلى حبل المشنقة بخطى قصيرة متقاربة !

لكــنَّ !

قراءة الناس لهذا المشهد المختصر جاءت متفاوتة !

ـ فمنهم من يرى أن الطاغية قد كان في أروع صورة حيث التماسك والثبات والشجاعة !

ـ ومنهم من يرى عكس ذلك فقد كان الطاغية في صورة ذليلة منكسرة خانعة !

ـ ومنهم من وقف حائرا فذهب يستقصي عن بعض التفاصيل التي لم تظهر لعله يصل إلى صورة كاملة ليستطيع بعدها من الحكم على المشهد !

ولكـــــــــــن :

ـ أين الصواب من بين وجهات النظر المتفاوتة جدا ؟!

ولتحد يد الفكرة نصوغ هذا السؤال :

ـ كيف نفرق بين مشهد العز / ومشهد الذل ؟!

ـ هل ( العزة ) و ( الذلة ) حالة ( خارجية ) ؟

= أي :

ـ هل المرجع في انتزاع مفهوم ( العزة ـ أو الذلة ) ما نشاهده في الخارج فقط ؟

= للتوضيح :

إذا وقعت عينك على صورتين لـشخصين ( مقتولين ) وقد تمزقت أشلاء كــلِّ واحد منهما!

ـ ماالذي يجعلك تصف الأول بأنه شهيد قد ( أكرمه الله بالشهادة ) ؟!

ـ وماالذي يجعلك تصف الآخر بأنه قتيل قد ( انتقم الله منه شر انتقام )؟!


ـ هل ا لصورة الخارجية هي مانعتمده ـ فقط ـ في توصيف الحالتين ؟

بالطبع ( لا ) !

لأن الجثتين ممزقتان بمستوى واحد وبشكل متشابه !

ـ إذا كان الحال كذلك فما هو المرجع في تشخيص الحالتين ؟!

ـ لماذا اختلف التوصيف بين الحالتين ؟!

= الجواب:

إن المرجع الذي يعتمد في التفريق بين الحالتين هو ( القضية ) التي قـُتـل في سبيلها كل واحد ,

من أجل ذلك فإننا نلجأ إلى وضع كل صورة في ( إطارها الفكري وسياقها التاريخي ) لتكون الصورة الخارجية معبرة بموضوعية عن جمالها أو قبحها !

فهي في هذا الإطار تكتسب صفتها ( الحقيقية ) لأن الصورة الخارجية هي ( جــزء ) من ( قضية ) وليست منقطعة عن سياقها !


إن مشهد الطاغية وهو يسير إلى حبل المشنقة هو (جزء صغير) من لوحة فنية( كبيرة ) ترافقه وهو يخطو خطواته القصيرة !
أي أن هذا المشهد ليس هو كل الصورة بل جزء منها !

ومن يرى غير ذلك فهو ( سطحي ساذج ) وإنسان جاهل يفتقد ( حسن البصيرة ) !!

ـ ماهي الصورة الكاملة لمشهد الطاغية ؟

تكتمل الصورة عندما نضعها في هذا الإطار:

1ـ تـــاريــخ الطــــاغية .

2ـ القانون الإلهي الذي يتحكم بالطغاة .

إن الصورة تكتمل بالجمع بين هذين العنصرين ( التاريخ ) و( القانون الإلهي )

قال تعالى :

{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } (16) سورة الإسراء

ــ فقوله تعالى ( فَفَسَقُواْ فِيهَا )

يمثل الجزء المتعلق بتحرك الطغاة على الواقع وبه يتكون ( تاريخهم ).
ــ وقوله تعالى :

( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا )
يمثل الجزء المتعلق بـ ( القانون الإلهي ) المحيط والمسيطر على مصير الطغاة .


= المشهد الكامل :

ـ إنني حين أنظر للطاغية وهو يمشي ببطء نحو حبل المشنقة !

وحين يتركز نظري على ( يد السجان ) وقد أمسك بــ ( عنق الطاغية ) وهو يقوده بـ ( طواعــية ) إلــى ( حتفه ) دون أدنى ( مقاومة ) مع هذه الحركة القصيرة والتي تقترب فيها ( البداية من النهاية ) !

فإن الذي يتحرك أمام ناظري هما: ( التاريخ ـ والقانون الإلهي ) !

إن هذين العنصرين هما اللذان ( يتحكمان ) في هذا المشهد !

وهما اللذان يسيطران سيطرة تامة على حركة ( الطاغية ) ويجعلانه يسير / مستسلما / طائعا !

فليس ( أمريكا ) ولا (الحكومة العراقية ) ولا ( السجـَّان ) ولا ( شجاعة الطاغية ) لاشئ من ذلك مسيطر على الحدث !

ولا أحد من البشر يسيطر على هذا المشهد !

ـ إنها القضية التي تتجلى فيها القدرة المطلقة لله :

{ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } (5) سورة البلد

ـ وهي اللحظة التي اكتمل فيها الاستدراج :


{ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } (182) سورة الأعراف

فقد تم [الاستدراج] عبر الحقبة التاريخية التي قضاها الطاغية في ( السفك والهتك ) ففي عمق هذه الأفعال الإجرامية يكمن ( الاستدراج ) !

إلى أن بلغ مرتبة أحاطت به خطيئته :

{ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (81) سورة البقرة

ـ مامعنى أن ( تحيط ) بـه الخطيئة ؟!

إن اللحظة التي تبلغ عندها مسيرة الطاغية أن ( تحيط ) به ( الخطيئة ) يكون قد استفذ كل ( إرادته / واختياره ووسائله ) في تحقيق ( ذاته) مقابل إرادة ( الله تعالى ) !

وبعد أن يقطع الطاغية هذا الشوط الطويل من طغيانه يكون قد وصل نقطة [ تتـوقـَّـف ] عندها [ إرادته ] واختياره / وتفقد وسائله صلاحيتها على الفعل !
فيكون غير قادر على ( المضي قدما ) وغير قادر على ( التراجع ) !!

= نعـــم :

تتوقف إرادة الطاغية فليس اللحظة ملكا له لأنه دخل في دائرة تسيطر عليها ( سنن التاريخ ـ إرادة الله تعالى )

ـ فالموقف لم يكن موقف الشجاع البطل !

ـ ولا موقف الثابت المطمئن !


جاهل أحمق , ومكابر أشـِـرٌ من يصف الطاغية بذلك !

فهو لم يكن يمشي نحو ( المشنقة ) بإرادته لأنه لايملك الخيار , فكيف يقال بإنه شجاع !

وليس بين يديه قضية ( مقدسة ) ليقال إنه مطمئن ثابت !



ـ إن من استحضر ـ عند لحظة الإعدام ـ تاريخ الطاغية بإنصاف وموضوعية ,

ـ ثم أدرك ــ بعمق ووعي ــ إحاطة الله سبحانه ومراقبته تعالى لأفعال الطغاة ,


سيطمئن أن هذه الصورة التي تتحرك أمامه هي صورة ( انتصار ) !

تتنصر فيها ( سنة الله ) و(عدل الله ) على ( الظلم ) و ( الظالمين ) !

وسيفرح بهذه الحقيقة :

{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }

ولكـــــــــــــــن :

( وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) (8) سورة المنافقون!!!


إن من يحاول أن ينفخ في ( شهادة الطاغية ) بعد أن تشهد لحظة الإعدام ليبني عليها برجا من التوبة بناه الطاغية وأن هذه توبة وأن الله تعالى يقبلها !

هذا المنطق مصدره هذه المجموعات :

1ـ أصحاب النظرة السطحية والذين لاتتجاوز قدرتهم على النظر موطئ أقدامهم وهؤلاء يصفهم القرآن بـ (
الذين في قلوبهم مرض )

{
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } (53) سورة الحـج

فهم سريعوا التأثر والانجرار مع الصيحات المرتفعة دون وعي !

2ـ أصحاب النفسيات المريضة التي نشأت وترعرعت على العبودية للطغاة فهي تميل إليهم وتبكي عليهم ومثل هؤلاء كثيرون في أوساط المسحوقين والمستعبدين !
وهؤلاء يصفهم القرآن بـ (
المستضعفين ) !

{
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } (31) سورة سبأ

هم صنف من المستضعفين يمثلون الأرضية التي تقوم عليها حكومات الطغاة !

3ـ أو نفعيون عاشوا على موائد الطاغية وشاركوه في مشروعه الظالم فهم مشدودن معه في المصير !
وهؤلاء يصفهم القرآن بـ (
المترفين ـ و الملأ ) !

{
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } (34) سورة سبأ

{
وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } (127) سورة الأعراف

هذه الأصناف الثلاثة هي التي تشوَّه الموازين وتضِّيع الحقوق وتفسد منظومة العدل !

ومثل هؤلاء بعيدون كل البعد عن روح الإسلام وقيمه العادلة , ولو تـُــرك التشريع لهم لفسدت السماوات والأرض !

إنهم الذين يمتطي الشيطان على ظهورهم لينفخ في حدث إعدام الطاغية لتتحول القضية العادلة إلى قضية ظالمة , ويصير الظالم مظلوما !


إن المجموعة الثالثة هم (
جنود الشيطان ) يتحركون بشكل أكبر في الميدان وهم الذين يتلبس بهم الشيطان فينطق على ألسنتهم :

{
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } (16) سورة الأعراف

ويستعملون عدة أساليب :
1ـ (
التزيين ) :

{
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } (39) سورة الحجر

2ـ (
الاستفزاز ) أي الاستثارة :


{
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } (64) سورة الإسراء


مما يدهش المتابع والمتامل كيف تجلت هذه الأساليب الشيطانية لحظة إعدام الطاغية !

فالتزيين :

قد لاح في تسويق الشهادة التي نطق بها لحظة الإعدام وكأنها شهادة صدرت من أحد أولياء الله المخلصين وقد سعت هذه الجماعة في تسليط الضوء على الشخصية من خلال هذه الشهادة الجوفاء وكأن تاريخه من هنا يبدأ وعلى هذه ينتهي !

والاستفزاز :


ومما يثر الدهشة هذا المقطع من الآية الكريمة ( بصوتك ) !
فمن تابع بدقة كيف تم عرض المشهد في وسائل الإعلام وكيف تمت صياغة التعليقات على الحدث يشعر بأن (
صوت الشيطان ) رفيع جدا وذلك حين سمعه الجميع وهو يصرخ لـ ( يستفز ) ضعفاء النفوس قائلا :
(
اسمعوا الصلاة على محمد وآل محمد ) !

وبالفعل فقد كانت (
الصلاة على محمد وآل محمد ) مصدرا لفزع القوم وهاجوا كالشياطين لإثارة كل النعرات الطائفية والقومية وأطلقوا كل التهديات ضد من أطلق ( الصلوات ) !

وفي أجواء نعيق الشياطين تحولت ( ا
لصلوات ) إلى ظاهرة كفرية تريد القضاء على الأمة المسلمة في رموزها !!!!

في مثل هذه الأجواء وأمام هذه الأحداث يتسلل الشيطان لينفخ نفخة لها القدرة على النفاذ في النفوس الضعيفة لتحرفها عن روح الحدث وتجرهم كالبهائم إلى وليمة من العلف تسر القطيع السائب وتشغله عن وليمة الكرام التي حملها الحدث الكبير المؤثر في النفوس الكبيرة التي تتلقفه بوعي !



إن لحظة إعدام الطاغية هي لحظة تاريخية قد نقل لنا القرآن الكريم درسا في هذه المادة من أجل تحصين المؤمنين الواثقين من وعد ربهم في نصرهم على طغاة الزمان !

{
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (90) سورة يونس


( حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ) ( قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )

فهل استطاع الطاغية بهذه الشهادة أن يدخل في
حصن ( لا إله إلا الله ) ؟!

(
أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني * فمن جاء منكم بشهادة : ألا إله إلا الله بالإخلاص , دخل حصني * ومن دخل حصني أمن من عذابي ) كلمة الله ـ الشهيد السيد حسن الشيرازي ص 30


إن القرآن في مثل هذا الحدث يحفظ لنا نموذجا تربويا تثقيفيا على صعيد (
العدل ) !

فالقرآن حين لايقبل مثل هذه الشهادة يوضح لنا السبب :
{
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } (91) سورة يونس


فسبب رفض هذه الشهادة هو ( تاريخ الطاغية ) الذي حاول القوم أن يغيـّبوه ويـُلغوه خلف غبار الحدث :

وقد سبق الحديث في بداية الموضوع أن الطاغية قد أحاطت به خطيئته فهو في الحقيقة صار محاطا بسياج غليظ لا يمكنه الخروج من هذه الإحاطة فقد صار في (
حصن الخطيئة ) ولايستطيع الخروج !
فكيف يستطيع الدخول في حصن ( لا إله إلا الله ) قبل الخروج من (
حصن الخطيئة )!

وكيف السبيل إلى الخروج من حصن الخطيئة وقد هجم عليه الموت وهو في سياج الجرائر والجرائم ؟!

{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ } (18) سورة النساء


ليطمئن المؤمنون أن الأصوات المرتفعة في الخارج هي مزامير الشيطان !



دمتم بســــلام


مسهّر