السيرة النبوية برواية أئمة أهل البيت عليهم السلام

18 أبريل 2010
30
0
0
السيرة النبوية برواية أئمة أهل البيت عليهم السلام
بسم الله الرحمن الرحيم و عليه نتوكل و به نستعين .

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليماً .

و اللعن الدائم على أعداءهم أجمعين إلى يوم الدين .

***********

هذا الموضوع مخصص للحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وآله من خلال الروايات التي وردت عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ، والتي هي مبثوثة في ثنايا كتب الشيعة والسنة ، وأحببت أن أذكر هذه الروايات مع شرح ما يحتاج إلى الشرح ومناقشة ما يحتاج إلى النقاش السندي والدلالي .

وطبعاً هذا الموضوع مهم جداً ، و ذلك لتعريف أجيال شبابنا وشاباتنا بسيرة النبي صلى الله عليه و آله ، و إزالة اللبس عن فكرهم تجاه النبي صلى الله عليه و آله في حياته و سيرته ، إذ كثيراً ما شوّهت الأقلام الحاقدة نصاعة سيرته الخالدة ، فصوّرت هذه الأقلام أن الرسول صلى الله عليه وآله ما هو إلا شخصية عادية ، يغضب في غير موضع الغضب و يرضى في غير موضع الرضا ، وأنه يلعن و يسب ثم يعتذر و يدعو الله تعالى أن يجعل ذلك السب و اللعن زكاة للمسبوب والملعون ، وأنه يُستشار في بعض الأمور الزراعية فتفسد الزراعة عندما عمل المستشير بالاستشارة ، وأنه يتصرف كطفل ، وأنه رجل متناقض ، وأنه يحتاج إلى من يعلمه و يدير أموره ، و يشرف على شؤونه ، و يحل له مشاكله ، وأنه انسان ظالم قاسي ، وأنه وأنه .... وغير ذلك مما حملته تلك الروايات المزيفة ، والتي يُراد لها أن تُسوّق لطمس معالم النبوة ، مقدمة لهدم الاسلام من الأساس ، وهذه الخطة لم تكن وليدة اليوم ، وإنما من يوم بدأت الحرب على رسول الله وأهل بيته الكرام صلوات الله عليهم .

و طبعاً سأنقل الروايات من كتاب السيرة النبوية برواية أئمة أهل البيت للشيخ علي دعموش العاملي ، ولكن هذا الكتاب لم يتصد للشرح ولا المناقشة ، و جزى الله مؤلفه خيراً و حشره مع النبي صلى الله عليه و آله ، إنه سميع مجيب .

تاريخ ما قبل ميلاد النبي



الأوضاع العامة قبل البعثة



أ - الوضع الديني والاجتماعي

( 1 ) 1- الشريف الرضي في النهج - المصدر : نهج البلاغة : الخطبة رقم 1 .:

عن الإمام علي عليه السلام واصفاً أحوال الجاهلية قبل البعثة النبوية :

" إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ لِإَِنْجَازِ عِدَتِهِ (1) وَإِتَمامِ نُبُوَّتِهِ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ (2)، كَرِيماً مِيلادُهُ. وَأهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للهِِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِدٍ (3)في اسْمِهِ، أَوْ مُشِير إِلَى غَيْرهِ، فَهَدَاهُمْ بهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بمَكانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ. ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْ لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِالدُّنْيَا، وَرَغِبَ بِهَ عَنْ مُقَامِ البَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبيَاءُ في أُمَمِها، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً، بِغَيْر طَريقٍ واضِحٍ، ولاَعَلَمٍ (4) قَائِمٍ . "

شرح الكلمات :

1 الضمير في «عِدَتِهِ» لله تعالى، والمراد وعد الله بإرسال محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) على لسان أنبيائه السابقين.
2 سِمَاتُهُ: علاماته التي ذُكِرَتْ في كتب الانبياء السابقين الذين بشروا به.
3 المُلْحِدُ في اسم الله: الذي يميل به عن حقيقة مسماه.
4. العَلَمُ ـ بفتحتين ـ : ما يوضع ليُهتدى به.



والمعنى :

يقول الشيخ محمد جواد مغنية قدس سره في كتابه : ( في ظلال نهج البلاغة ) :

( الى ان بعث اللّه سبحانه محمدا رسول اللّه ( ص ) لانجاز عدته ، و تمام نبوته ) .
الضمير في عدته و نبوته يعود الى اللّه سبحانه ، و المعنى انه تعالى كان قد وعد ،
و أنبأ على لسان أنبيائه السابقين أن يبعث محمدا ( ص ) و قد بعثه إنجازا لوعده ،
و إتماما لما أنبأ به . قال الشيخ محمد عبده : « ان اللّه أنبأ بمحمد ، فهذا الخبر الغيبي قبل حصوله يسمى نبوءة ، و لما كان اللّه هو المخبر أضيفت النبوءة اليه » .
( مأخوذا على النبيين ميثاقه ) . ضمير ميثاقه يعود أيضا الى اللّه ، لأنه هو الذي أخذ العهد على أنبيائه أن يؤمنوا بمحمد ، و يأمروا الناس بالتبشير به و اتّباعه عند إدراكه ، و ليس من شك ان ذكر محمد كان يملأ جو الأنبياء السابقين كما يومئ اليه قولهم « اقررنا » الذي جاء في الآية 81 من سورة آل عمران : و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال أ أقررتم و أخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين » .
( مشهورة سماته ) و صفاته في الدنيا كلها و الى الأبد ، لا في الكتب السماوية فقط كما قال الشارحون ( كريما مولده ) لأنه كان خيرا على الانسانية جمعاء ،
و إيذانا بتحولها الخطير من الظلمات الى النور ، و ليست الكرامة في نسبه فقط كما شرح الشارحون .
( و أهل الأرض يومئذ ملل متفرقة ، و أهواء منتشرة ، و طرائق متشتتة الى قوله من الجهالة ) . كان الناس عند بعثة محمد ( ص ) على أديان شتى ، و مذاهب متعددة ، و تقاليد مختلفة ، فجاءهم النبي ( ص ) برسالة إلهية انسانية عامة لا تختص بأمة دون أمة ، و لا بشعب دون شعب . . و يلمح المتأمل هذا الشمول في جميع تعاليم الاسلام و مبادئه . فالقرآن الكريم و السنة النبوية يتضمنان من القواعد الكلية ، و الأحكام الجزئية ما يرشد الناس الى جميع المصالح التي يجهلون ، و يضع دائما و في كل وقت الحلول الأساسية لمشاكل الانسان و ضروراته : و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي‏ء 89 النحل .
أي ان اللّه سبحانه أودع في القرآن كل شي‏ء يلائم طبيعته في إرشاد الخلق لمصالحهم الفردية و الاجتماعية .
و قرأت في جريدة الجمهورية المصرية عدد 14 مايو « أيار » سنة 1970 :
قال برنارد شو الفيلسوف العالمي : ان دين محمد هو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه حائز على أهلية الهضم لأطوار الحياة المختلفة بحيث يستطيع أن يكون جاذبا لكل جيل . . ان محمدا يجب أن يدعى منقذ الانسانية ، و أعتقد أنه لو تولى رجل مثله زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشاكله بطريقة تجلب الى العالم السعادة و السلام ، ان محمدا أكمل البشر من السابقين و الحاضرين ، و لا يتصور وجود مثله في الآتين .
( ثم اختار سبحانه لمحمد ( ص ) لقاءه ، و رضي له ما عنده ) . أبدا لا مهرب من الموت لكبير أو صغير ، و لا لنبي أو شقي ، فهو الطالب الحثيث الذي لا يفوته المقيم ، و لا يعجزه الهارب ، و السعيد من سارع الى الخيرات .
( و خلف فيكم ما خلف الأنبياء في أممها ) بل خلف محمد ( ص ) ما لم يخلفه الأنبياء مجتمعين ، و كفى شاهدا على ذلك القرآن و شريعته معجزة المعاجز في التشريع ،
و من أجل هذا كانت رسالة محمد خاتمة الرسالات و الشرائع السماوية ، و كان هو خاتم الرسل و النبيين ، و أيضا من أجل هذا أثنى عليه تعالى بما لم يثن على نبي سواه ( اذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ، و لا علم بفتح العين و اللام قائم ) . لأن النبي إذا أهمل أمته من بعده يكون خائنا لها ، و ناكثا بعهد اللّه و ميثاقه .
و غريبة الغرائب أن يقول مسلم عن نبيه : انه مات بلا وصية . . و لماذا لم يوص محمد ؟ ألأن الوصية من المحرمات ، و هو القائل : من مات بلا وصية مات يهوديا أو نصرانيا ، أو لأنه ( ص ) لا يهتم بأمور المسلمين ، و هو القائل : من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ، و قال تعالى في وصف نبيه الكريم :
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم 128 التوبة . فهل ترك النبي ( ص ) الوصية حرصا على مصلحة المسلمين ، أو على مرضاة اللّه ؟





******************

( 2 ) 2- وعنه ( عليه السلام ) - المصدر : نهج البلاغة الخطبة رقم 2 .:

. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أرْسَلَهُ بِالدِّينِ المشْهُورِ، وَالعَلَمِ المأْثُورِ، وَالكِتَابِ المسْطُورِ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ، وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ، إزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ، وَاحْتِجَاجاً بِالبَيِّنَاتِ، وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ، وَتَخْويفاً بِالمَثُلاَتِ (1 ) ، وَالنَّاسُ في فِتَن انْجَذَمَ (2) فِيها حَبْلُ الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي اليَقِينِ (3) ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ (4) ، وَتَشَتَّتَ الْأَمْرُ، وَضَاقَ الْمَخْرَجُ، وَعَمِيَ المَصْدَرُ، فَالهُدَى خَامِلٌ، واَلعَمَى شَامِلٌ. عُصِيَ الرَّحْمنُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الْإِيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وَتَنكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، وَدَرَسَتْ (5) سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ (6) . أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ (7) ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ، في فِتَن دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا (8) ، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا (9) ، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا (10) ، فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ، فِي خَيْرِ دَارٍ، وَشَرِّ جِيرَانٍ، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بأَرْضٍ عَالِمُها مُلْجَمٌ، وَجَاهِلُها مُكْرَمٌ.

شرح الكلمات :

1. المَثُلات ـ بفتح فضم ـ : العقوبات، جمع مَثُلَة بضم الثاء وسكونها بعد الميم.
2. انْجَذَمَ: انقطع.
3. السّوارِي: جمع سارية، وهي العَمُود والدِّعامة.
4. النّجْر ـ بفتح النون وسكون الجيم ـ : الاصل.
5. دَرَسَت، كانْدَرَسَتْ: انطَمَستْ.
6. الشّرُك: جمع شِراك ككتاب وهي الطريق.
7. المَنَاهِلُ: جمع مَنْهل، وهو مَوْرِد النهر.
8. الاخْفَاف: جمع خُفّ، وهو للبعير كالقدَم للانسان.
9. الاظلاف: جمع ظِلْف ـ بالكسر ـ للبقر والشاة وشبههما، كالخفّ للبعير والقدم للانسان.
10. السّنَابك: جمع سُنْبُك ـ كقُنْفُذ ـ وهو طَرَفُ الحافر.




المعنى ( حسب شرح الشيخ مغنية رحمه الله )

( و أشهد ان محمدا عبده و رسوله ) . لا غنى بكلمة التوحيد على عظمتها إلا مع الشهادة لمحمد بالرسالة ، و لا غنى بهذه الشهادة إلا مع كلمة التوحيد ،
و كل منهما جزء متمم للآخر و الاسلام يقوم عليهما و على الايمان باليوم الآخر .
( أرسله بالدين المشهور ) الظاهر على الدين كله و لو كره المشركون ( و العلم المأثور ) من الإيثار أي المختار ( و الكتاب المسطور ) القرآن ( و النور الساطع ،
و الضياء اللامع ) من صفات القرآن لأنه أخرج الناس من الظلمات الى النور ( و الأمر الصادع ) الكاشف عن الحق .
( إزاحة للشبهات ، و احتجاجا بالبينات ، و تحذيرا بالآيات ، و تخويفا بالمثلات ) .
هذه هي وظيفة المبلغ الحق ، يزيح الشبهات عن العقول و القلوب بمنطق الحس و العقل ، و يحذر من غضب اللّه و عذابه ، و يبشر برضوانه و ثوابه .


وقال حبيب الله الخوئي رحمه الله في منهاج البراعة :

.... فمعناه أنّه سبحانه أرسل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بعثه و الحال أنّ النّاس يومئذ كانوا في ضلالات و تشتت آراء ، و اختلاف أهواء
( انجذم ) أى انقطع ( فيها ) أى في تلك الفتن ( حبل الدّين ) و انفصمت عروة الشّرع المبين و تشبيهه الدّين بالحبل من جهة أنّ المعتصم به مأمون إذ هو حبل اللّه سبحانه و قد أمر اللّه بالاعتصام به حيث قال :
« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِه‏ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَ لا تَفَرَّقُوا » أى تمسكوا بدين اللّه أو بالقرآن أو بأهل البيت عليهم السّلام كما في الأخبار الكثيرة .. و بالجملة الدّين هو حبل اللّه المتين .

... و المراد بذلك الانجذام هو انحراف الخلق عن الحقّ و عدم تمسكهم به و عدولهم عن سواء السّبيل
( و تزعزعت ) أى تحرّكت و اضطربت
( سوارى اليقين ) أى دعائمه و اسطواناته ، و المراد باليقين هو الحق و العقايد اليقينية و اضطراب دعائمه كناية عن عدم استقامة النّاس عليه و تزلزل عقايدهم ، أو كناية عن موت أهل الدّين الذين كان بهم قوامه و انقراض العاملين الذين لم يأخذهم في اللّه لومة لائم

( و اختلف النّجر ) أى الاصل الجامع للخلق و هي الفطرة التي فطر النّاس عليها
( و تشتت الأمر ) أى تفرق أمر الدين بتفرق الأهواء و تشتت الآراء
( و ضاق ) للخلق بعد تورّطهم في فتن الشّبهات و اقتحامهم في الهلكات ( المخرج ) منها
( و عمي ) عليهم ( المصدر ) أى طريق الصّدور عنها و الخلاص منها .

و إسناد العمى إلى المصدر من باب المجاز العقلي و الاسناد إلى المحلّ ، إذ العمى في الحقيقة صفة البصر ، و المراد به هنا فقد البصيرة تشبيها للمعقول بالمحسوس فكما أنّ فاقد البصر لا يهتدى إلى مقاصده المدركة بحسّ البصر فكذلك انتفاء البصيرة يوجب الضّلالة عن طريق الحقّ و العجز عن الوصول إلى الواقع

( فالهدى خامل ) أى أعلام الهداية بينهم حال عماهم عن المصدر ساقطة و مندرسة و أنوار الدراية منكسفة و منطمسة

( و ) رين ( العمى شامل ) عليهم أى غشاوة الضّلالة محيطة بقلوبهم فهم مشتركون في تورّط الشّبهات مغتمرون في ظلم الجهالات

( عصي الرّحمن ) بخمول الهدى ( و نصر الشيطان ) بشمول العمى و اتّباع الهوى ( و خذل الايمان ) بانفصام عروته الوثقى .


( و ) لأجل خذلانه و اضطراب قواعده و أركانه ( انهارت دعائمه ) و سقطت سواريه ( و تنكرت معالمه ) و تغيرت آثاره و دعائم الايمان و معالمه ، كنايتان عن حملة الدين و دعاة الحقّ ، و انهيارهم كناية عن عدمهم أو عدم قبول قولهم ، و تنكرهم إشارة إلى عدم معرفة الخلق لهم لقلتهم

( و درست سبله ) و طرقه ( و عفت شركه ) و جواده فلم يبق له سبيل يوصل إليه و لا جادّة سالكة اليه ، و هذا كله مبالغة في ضعف الايمان و وهن الدّين

( أطاعوا الشيطان ) بمخالفة الاوامر و النّواهي و إتيان المعاصي و المناهي ( فسلكوا مسالكه ) و اتّبعوا آثاره ( و وردوا مناهله ) و شربوا من عيون ضلالته

( بهم سارت أعلامه و قام لواؤه ) و قوى شوكته و استحكم خبائله حيث كانوا من جنوده معاونين له شركاء معه ساعين في إطفاء نور الهداية و إعلاء لواء الضلالة

( في فتن ) .... شبّه عليه السّلام هذه الفتن بأنواع الحيوان فاستعار لها أخفافا و أظلافا و حوافر و قال : ( داستهم ) أى وطأتهم ( بأخفافها ، و وطأتهم بأظلافها ، و قامت على سنابكها ) أى أطراف حوافرها .

( فهم فيها ) أى في هذه الفتن ( تائهون ) ضالون عن القصد ( حايرن ) متحيرون في أن الصّواب في أىّ جهة .... ( جاهلون ) غير عالمين بالحقّ ، مفتونون بالفتن العمياء الصّماء ( في خير دار ) و هو مكّة زادها اللّه شرفا ( و شرّ جيران ) يعنى قريشا .

( نومهم سهود ، و كحلهم دموع ) صفتان للجيران ، قال المعتزلي : هو مثل أن يقول جودهم بخل و أمنهم خوف ، أى لو استتمّهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله النّوم لجادوا عليه بالسّهود عوضا عنه ، و لو استجداهم الكحل لكان كحلهم الذي يصلونه به الدّموع

( بأرض عالمها ) أى العارف بصدق محمّد صلّى اللّه عليه و آله و المؤمن به ( ملجم ) بلجام الخوف و التّقية ( و جاهلها ) أى الجاحد لنبوّته و المنكر له ( مكرم ) بكرامة العزّ و المكنة .



*********************

(3) 3- وعنه عليه السلام - المصدر : نهج البلاغة : الخطبة 26 :

إِنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ (1) بَيْنَ حِجارَةٍ خُشْنٍ (2) ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ (3) ، تشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ (4) ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ (5)


شرح الكلمات :

1. مُنِيخُون: مُقيمون.
2. الخُشْن: جمع خَشْنَاء من الخشونة.
3. وصف الحيّات «بالصّمّ» لانها أخبثها إذ لا تنزجر بالاصوات كأنها لا تسمع.
4. الكًدِر : الماء الآسن الوسِخ . الجَشِب: الطعام الغليظ أوما يكون منه بغير أدم ( إدام )
5. معصوبة:مشدودة.


المعنى ( بشرح حبيب الله الخوئي )

( انّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين ) خصّ النّذارة بالذّكر و اختارها على البشارة ، إذ المقصود في هذا المقام التّوبيخ للعرب و ترقيق قلوبهم المشتملة على الغلظة و الفظاظة ، و لا ريب أنّ الانذار أقوى في التّرقيق و الرّدع ، و ذلك لأنّ عامّة الخلق إلاّ قليلا منهم أنظارهم مقصورة على زخارف الدّنيا و شهواتها غافلون عن نعم الآخرة و لذّاتها ، فلا يرغبون عن النّعم الحاضرة بما يبشّرون بها من النّعم الغايبة ، و لا يقابلون اللّذايذ الموجودة بلذايذ الموعودة ، لكون هذه عندهم نقدا و تلك نسيئة و كان السّبب الأقوى في الرّدع و الالتفاف إلى اللّه إنّما هو الانذار و التّخويف فاختار كونه نذيرا على كونه بشيرا

( و ) اردفه بكونه ( أمينا على التّنزيل ) غير خائن و لا مقصّر في تبليغ آياته و لا مبدّل لكلماته ( و انتم معشر العرب على شرّ دين ) حيث عبدتم الأصنام و الأوثان و اتّخذتم للّه الأنداد و الشّركاء

( و في شرّ دار ) أراد بها تهامة أو نجد أو البوادي التي كانوا يسكنونها ، ثمّ فتح اللّه عليهم البلاد .

و وصفها بالشّرّ من حيث فساد أمر معاشهم فيها كما فسّره بقوله : ( منيخون ) أي مقيمون

( بين حجارة خشن ) صلب لا نداوة فيها و لا نبات ( و حيّات صمّ ) لأنّ أرض العرب على غلظتها و خشونتها ذات حيّات كثيرة ، و على التّركيب الوصفي فالمراد بها الحيّات التي لا تقبل العوذة و لا تنزجر بالصّوت لشدّة قوّتها .


قال البحراني : و وصفها بالصمّ لأنّ حيّات تلك الأرض على غاية من القوّة و حدّة السّموم لاستيلاء الحرارة و اليبس عليها .
و قال الشّارح المعتزلي : و يجوز أن يعنى به المجاز و هو الأحسن يقال للاعداء حيّات ، و الحيّة الصّماء أدهى من التي ليست بصمّاء لأنّها لا تنزجر بالصّوت و يقال للعدوّ أيضا إنّه لحجر خشن المسّ إذا كان ألدّ الخصام

( تشربون الكدر ) لأنّ غالب مياه العرب هو الغدران و الآبار ، أمّا الغدران فأصلها ماء المطر ينزل على الأودية السّبخة و القفار الملحة فيسيل حتّى يقع في تلك الغدران فيكون مرّا ملحا اجاجا ثمّ يتكدّر و يتعفّن من طول الزّمان و وقوع الشّمس عليه و تأثّره بها ، و أمّا الآبار فمضافا إلى وقوع ماء المطر الموصوف فيها ربّما تنزل العشاير حولها و ينيخون أباعرهم هنالك فيثور الرّياح أبوال الأباعر و أرواثها و ساير كثافات القوم بعد ارتحالهم من ذلك المكان حتّى تقع على تلك الآبار فيكون مياهها كثيفا كدرا ....

( و تأكلون الجشب ) فانّك تجد عامّتهم يأكل ما ذبّ من حيوان ، و بعضهم يخلط الشّعير بنوى التّمر و يطحنها و يتّخذ منها خبزا
قيل : كانت العرب لم تعرف طيّبات الأطعمة ، إنّما كان طعامهم اللحم يطبخ بالماء و الملح حتّى أدرك معاوية فاتّخذ ألوان الأطعمة قال أبو بردة : كانوا يقولون : من أكل الخبز سمن ، فلمّا فتحنا خيبرا جهضناهم عن خبزهم فقعدت عليه آكل و أنظر في اعطافي هل سمنت .

و قال خالد بن عمير العددي : شهدت فتح الاملة فاصبنا سفينة مملوّة جوزا فقال رجل ، ما هذه الحجارة ؟ ثمّ كسر واحدة فقال : طعام طيّب

و قال بعضهم : أصابوا جربا من الكافور فخالوها الملح فذاقوه فقالوا لا ملوحة لهذا الملح ففطن ناس من أهل الخبرة فجعلوا يعطونهم جرابا من ملح و يأخذون جرابا من الكافور

و قُدّم إلى أعرابيّ خبز عليه لحم فأكل اللحم و ترك الخبز و قال : خذ الطبق

و كان بنو أسد يأكلون الكلاب و لذلك قال الفرزدق :



إذا أسديّ جاع يوما ببلدة
و كان سمينا كلبه فهو آكله
و قال بعضهم نزلت برجل فأضافني فأتى بحيّة مشوية شوّاها فأطعمنيها ثمّ أتى بماء منتن فسقانيه فلمّا أردت الارتحال قال : ألا قمت لطعام طيّب و ماء نمير ؟

و كان أحدهم يتناول الشّعر المحلوق فيجعله في جفنة من الدّقيق ثمّ يأكله مع ما فيه من القمل قال شاعرهم :

بني أسد جائت بكم قملية
بها باطن من داء سوء و ظاهره
و من طعامهم الفظ و هو ماء الكرش

و قيل لأعرابي : ما تأكلون ؟ فقال : نأكل ما دبّ و درج إلا أمّ جبين فقال : لتهنّ ام جبين العافية

و قال أبو نواس :

و لا تأخذ عن الاعراب طعما
و لا عيشا فعيشهم جديب
و كان روبة يأكل الفار فقيل : لم لا تستقذره ؟ فقال : هو و اللّه لا يأكل إلاّ فاخرات متاعنا .

و بنو تميم يعيّرون بأكل الضب قال أبو نواس في هجوهم .


إذا ما تميمي أتاك مفاخرا
فقل عدّ عن ذا كيف أكلك للضبّ

قال الاصمعي : دنوت من بعض الأخبية في البادية فسقيت لبنا في إناء فلمّا شربته ، قلت هل كان هذا الاناء نظيفا ؟ فقيل : نعم نأكل منه في النّهار و نبول فيه باللّيالي فاذا أصبحنا سقينا فيه الكلب فلحسه و نقاه ، فقلت : لعنك اللّه و لعن هذه النظافة .


( و تسفكون دمائكم و تقطعون أرحامكم ) فانّ القتل و الغارة كان شعار العرب في أيّام الجاهليّة حتّى أنّ الوالد ربّما كان يقتل ولده و بالعكس قال سبحانه :
« و إذا الموؤدة سئلت بأيّ ذنب قتلت » قال ابن عبّاس المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة و قعدت على رأسها فان ولدت بنتا رمت بها في الحفرة و إن ولدت غلاما حبسته .

( الأصنام فيكم منصوبة و الآثام بكم معصوبة ) استعار لفظ العصب للزوم الآثام لهم في تلك الحال .





نكمل إن شاء الله .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .


------------------
ألا يوجد تنافٍ وتعارض بين قولي أمير المؤمنين عليه السلام في فقرة رقم 2 حيث يقول : ( فِي خَيْرِ دَارٍ، وَشَرِّ جِيرَانٍ ) ، مع ما في فقرة رقم 3 حيث يقول : ( وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ ) ؟

والجواب : إن قوله ( في خير دار ) يقصد بها مكة ، فالعرب الذين في مكة يعيشون في أطهر البلاد وأقدسها ، ولكنهم أساءوا جوار بيت الله تعالى وعبدوا الأصنام وانتهكوا الحرمات ، وأما قوله : ( في شر دار ) فهو يقصد بها البادية غير مكة ، لأن العرب قسمان : قسم مجاور بمكة ، وقسم يعيش في البادية ، والكل غارق في الجهل ، سواء من سكن في أطهر البلاد ومن لم يكن ساكناً بها .




--------------------
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين .


(4) 4 - عن أمير المؤمنين عليه السلام - المصدر : نهج البلاغة : الخطبة 95 .

قال :


بَعَثَهُ وَالنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَةٍ، وَحَاطِبُونَ (1) فِي فِتْنَةٍ، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الْأَهْوَاءُ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ (2) الْكِبْرِيَاءُ، وَاسْتَخَفَّتْهُمُ (3) الْجَاهِلِيِّةُ الْجَهْلاَءُ (4) ; حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مَنَ الْأَمْرِ، وَبَلاَءٍ مِنَ الْجَهْلِ، فَبَالَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي النَّصِيحَةِ، وَمَضَى عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَدَعَا إِلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.


شرح الكلمات :

1. حاطِبُون: جمع حاطب، وهو الذي يجمع الحطب، يقال لمن يجمع الصواب والخطأ: حاطِبُ ليل.
2. استَزَلَّتهُمْ: أدّت إلى الزّلَل والسقوط في المضَارّ.
3. استَخَفّتْهُم: طَيّشَتْهُمْ.
4. الجَهْلاَء: وصف مبالغة للجهل.



************

(5) 5- وعنه عليه السلام - المصدر : نهج البلاغة : الخطبة 191 .

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ (1) ، وَيَمُوجُونُ فِي حَيْرَةٍ، قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ (2) الْحَيْنِ (3) ، وَاسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ (4) .

شرح الكلمات :

1. ضَرَبَ في الماء: سبح، وضرب في الأرض: سار بسرعة وأبعد. والغَمْرة: الماء الكثير والشدّة ومايغمر العقل من الجهل، والمراد ـ هنا ـ : شدّة الفتن وبلاياها.
2. الأزِمّة: جمع زِمام، ما تقاد به الدّابّة.
3. الحَيْن ـ بفتح الحاء ـ : الهلاك.
4. الرَّيْن ـ بفتح الراء ـ : التغطية والحجاب، وهو هنا حجاب الضلال.




**************

(6) 6- قوله عليه السلام -المصدر : نهج البلاغة : الخطبة 147 :

فَبَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الاَْوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ، بِقُرْآن قَدْ بَيَّنَهُ وَأَحْكَمَهُ، لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ، وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ. فَتَجَلَّى سُبْحَانَهُ لَهُمْ(1) فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ، بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلاَتِ(2)، وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ!

شرح الكمات :

1. تجلى سبحانه لهم: ظهر لهم من غير أن يرى بالبصر.
2. المَثُلات ـ بــفتح فـضم ـ: العـقـوبـات




***************
(7) 7- الشيخ محمد بن يعقوب الكليني مصدر الرواية : الكافي ج 4 ص 211 ح 19 :

عن أبي علي الاشعري، عن محمد بن عبدالجبار قال: أخبرني محمد بن إسماعيل عن علي بن النعمان، عن سعيد الاعرج، عن أبي عبدالله (ع) قال:

إن العرب لم يزالوا على شيء من الحنيفية يصلون الرحم ويقرون الضيف ويحجون البيت ويقولون: اتقوا مال اليتيم فإن مال اليتيم عقال (1) ويكفون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة و كانوا لايملى لهم إذا انتهكوا المحارم وكانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم (2) فيعلقونه في أعناق الابل فلايجترئ أحد أن يأخذ من تلك الابل حيثما ذهبت ولايجترئ أحد أن يعلق من غير لحاء شجر الحرم، أيهم فعل ذلك عوقب ، وأما اليوم فأُملي لهم ، ولقد جاء أهل الشام (3) فنصبوا المنجنيق على أبي قبيس فبعث الله عليهم سحابة كجناح الطير فأمطرت عليهم صاعقة فأحرقت سبعين رجلا حول المنجنيق.


شرح الكلمات :

(1) اى يصير سببا لعدم تيسر الامور وانسداد ابواب الرزق ، والعقال معروف. ( مرآة العقول )
(2) " لايملى لهم " قال الجوهرى: أملى الله لهم اى أمهله وطول له.
واللحاء ممدودا ومقصورا: ما على العود من القشر. ( مرآة العقول )
(3) كان المراد باهل الشام اصحاب الحجاج حيث نصبوا المنجنيق لهدم الكعبة على ابن الزبير أى مع أنه أملى لهم لم تكن تلك الواقعة خالية عن العقوبة ، وهذا غريب لم ينقل في غير هذا الخبر ، ويحتمل أن يكون اشارة إلى واقعة اخرى لم تنقل ، وإن كان أبعد. ( مرآة العقول)

تعليق : يقصد الشيخ المجلسي في كتابه مرآة العقول في شرح الكافي من قوله : ( ويحتمل أن يكون إشارة إلى واقعة أخرى ) أن المقصود بهذه الواقعة هو ما حصل من ابرهة الحبشي وارادته هدم الكعبة عن طريق استخدام الفيل ، ولكن الله تعالى لم يمهله فقضى عليه عن طريق الأبابيل .

وعلى كل حال : فهذه الرواية المروية عن الصادق عليه السلام تبين أن حال العرب في بعض الأمور المحدودة يتبعون الحنيفية ، وإلا فهم في بقية أمورهم كما وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام .




************

(8) 8- الشيخ محمد بن علي بن بابويه الملقب بالصدوق - المصدر : عيون أخبار الرضا ج 2 ص 180 ، ح 1 ، البحار : ج 11 ص 83 - 84 ، ح 8 .

عن تميم القرشي ، عن أبيه ، عن حمدان بن سليمان ، عن علي بن محمد بن الجهم ، عن الرضا عليه السلام في حديث : فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن ، فأخبرني عن قول الله عز و جل : ( ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك و ما تأخر ) ( الفتح - 2 ) .
قال الرضا عليه السلام : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً ، فلما جاءهم ( صلى الله عليه وآله ) بالدعوة إلى كلمة الاخلاص ، كَبُرَ ذلك عليهم و عَظُم ، وقالوا : ( أجَعَلَ الآلهة إلهاً واحداً ، إن هذا لشيء عجاب ، و انطلق الملأ منهم : أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، إن هذا لشيء يُراد ، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إنْ هذا إلا اختلاق ) ( ص : 5-7 )
.



*************

(9) 9- الشيخ محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة - المصدر : كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ، باب 17 ، ص 296 - 297 ، البحار : ج 52 ، ص 362 ، ح 131.
:

أخبرنا ابو العباس أحمد بن بن محمد بن سعيد بن عقدة ، قال : حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم ، قال حدثني محمد بن عبدالله بن زرارة ، عن محمد بن مروان ، عن الفضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :
إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله صلى الله عليه وآله من جهال الجاهلية .
قلت : و كيف ذلك ؟
قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتى الناس و هم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة ، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأوّل عليه كتاب الله يحتج عليه به .
ثم قال : أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر .


( القر : البرد ) .


-----------------------------

(10) 10- النهج من الخطبة 198: عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال :

ثُمَّ إِنَّ اللهِ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) بالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الانْقِطَاعُ، وَأَقْبَلَ مِنَ الاْخِرَةِ الاْطِّلاَعُ(1)، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاق، وَقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاق، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ(2)، وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ(3)، فِي انْقِطَاع مِنْ مُدَّتِهَا، وَاقْتِرَاب مِنْ أَشْرَاطِهَا(4)، وَتَصَرُّم(5) مِنْ أَهْلِهَا، وَانْفِصَام(6) مِنْ حَلْقَتِهَا، وَانْتِشَار مِنْ سَبَبِهَا(7)، وَعَفَاء مِنْ أَعْلاَمِهَا (8)، وَتَكَشُّف مِنْ عَوْرَاتِها، وَقِصَر مِنْ طُولِهَا.
جَلَعَهُ اللهُ تعالى بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ، وَكَرَامَةً لاِمَّتِهِ، وَرَبِيعاً لاِهْلِ زَمَانِهِ، وَرِفْعَةً لاَِعْوَانِهِ، وَشَرَفاً لانْصَارِهِ.


شرح الكمات :

1. الاطّلاع: الاتيان، اطّلع فلان علينا: أي أتانا.
2. خُشونة المِهاد: كناية عن شدة آلام الدنيا.
3. أزِف ـ كفرح ـ: أي قرب، والمراد من القِياد انقيادها للزوال.
4. الاشراط ـ جمع شَرَط كسبب ـ أي: علامات انقضائها.
5. التصرّم: التقطع.
6. الانفصام: الانقطاع، وإذا انفصمت الحَلْقة انقطعت الرابطة.
7. انتشار الاسباب: تبددها حتى لا تُضْبَط.
8. عَفَاء الاعلام: اندراسها.


وقال الشيخ المجلسي في بحار الأنوار ج 18- ص 225 :

بيان : على ساق ، أي على شدة ، والمهاد : الفراش ، قوله عليه السلام : وأزف منها قياد أي قرب منها انقياد للانقطاع والزوال ، وأشراط الساعة : علاماتها ، والتصرم : الانقضاء والانفصام ، الانقطاع ، وكنى بالحلقة عن نظامها واجتماع أهلها بالنواميس والشرائع والسبب : كل شئ يتوصل به إلى غيره ، وانتشاره كناية عن فساد أسباب ذلك النظام والعفاء : الدروس والهلاك ، ويمكن أن يكون المراد بالاعلام العلماء والصلحاء . قوله من طولها ، أي من امتدادها ، وقرئ الطول بكسر الطاء وفتح الواو بمعنى الحبل


-----------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآله
والعن أعداءهم أجمعين .

*************

انتهينا من الحديث عن الوضع الديني والاجتماعي قبل البعثة .

و الآن آن الأوان للحديث عن الوضع الثقافي قبل البعثة .

**************

ب- الوضع الثقافي

(11) 11- الشريف الرضي في النهج - الخطبة 33 : عن علي عليه السلام - متحدثاً عن حكمة بعثة النبي صلوات الله عليه وآله الطاهرين :

( إنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله )، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً، فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ (1)، وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ(2)، وَاطْمَأَنَّتْ صِفَاتُهُمْ. )

شرح الكلمات :

1. بَوّأهُمْ مَحَلّتَهم: أنْزَلَهُمْ منزلتهم.
2. القناة: العود والرمح، والمراد به القوة والغلبة والدولة، وفي قوله: (استقامت قناتهم) تمثيل لاستقامة أحوالهم.


**************

(12) 12- الشريف الرضي في النهج - الخطبة 104 :

عن علي عليه الصلاة والسلام ، قال :

( أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله)، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً وَلاَ وَحْياً .. )

************


(13) 13 - النهج الخطبة 164 : عن علي عليه السلام قال :

( .. و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة :
لا في الدّين يتفقّهون ، و لا عن اللّه يعقلون ، كقيض بيض فى أداح : يكون كسرها وزرا ، و يخرج حضانها شرّا )


شرح الكلمات :

قيض البيضة : قشرها الأعلى . و الأداح جمع أدحى : افعول من الدحو ، و هو : الموضع الذى تفرّخ به النعامة .

و شبّههم على تقدير كونهم كجفاة الجاهلية ، بقشر البيضة من الأفعى و نحوه .

و وجه الشبه : انّها ان كسرها كاسر اثم لتأذّي الحيوان به . و قيل : لأنّه يظّن بيض القطا فيأثم كاسره ، و ان لم يكسر يخرج حضانها أفعى قاتلاً و هو شرّ ، فكذلك هؤلاء لا يحل لأحد اذاهم لحرمة ظاهر الاسلام عليهم ، و إن هم تركوا على ما هم عليه من الجهل و قلة الأدب خرجوا شياطين .

****************

(14) 14- النهج - الخطبة 151 : عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحلُّونَ الْحَرِيمَ، وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ، يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَة، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةِ!

معاني الكلمات :

« لا يوازي » أي لا يساوى فضله و لا يبلغه أحد . و « الجبر » إصلاح العظم من كسر . و « الغالبة » في بعض النسخ بالياء المثنّاة أي المجاوزة عن الحدّ . و « الجفوة » غلظ الطبع و قساوة القلب و الوصف للمبالغة كشعر شاعر . و المراد بالفترة هنا انقطاع الوحي أو ترك الاجتهاد في الطاعات . .

*************

(15) 15- النهج الخطبة 25 : عن علي عليه السلام قال :

( ... فَالاْحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ، وَالاْيْدِي مُخْتَلِفَةٌ، وَالْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ، فِي بَلاَءِ أَزْل(1)، وأَطْبَاقِ جَهْل! مِنْ بَنَات مَوْءُودَة(2)، وَأَصْنَام مَعْبُودَة، وَأَرْحَام مَقْطُوعَة، وَغَارَات مَشْنُونَة (3)

شرح الكلمات :

1. بلاء أزل، على الاضافة، والازل: الشدة ، اي بلاء شديد .
2. مؤودة: من وأد بنته ـ كوعد ـ: أي دفنها وهي حية إلى أن تموت .
3. شنّ الغارة: صبّها من كل وجه ، الذي يلازم السلب والاغتصاب والتخريب .


--------------
(16)16- ومن خطبة له عليه السلام - نهج البلاغة - الخطبة 195 :

( وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ وَأَعْلاَمُ الْهُدَى دَارِسَةٌ، وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ، فَصَدَعَ بِالْحَقِّ، وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ، وَهَدَى إِلَى الرُّشْدِ، وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ ،(صلى الله عليه وآله وسلم). )

شرح الكلمات :

أعلام : المنارات والجبال يستدل بها على الطريق : أي أن تعاليم الأنبياء قد اندرست وانمحت وحل محلها ترهات الجاهلية وسفاسفها .

مناهج : السبل الواضحة ، أي أن شرائع الدين قد انطمست واندرست رغم وضوحها وعدم معارضتها للفطرة الآنسانية بل هي متناغمة معها .

صدع : أصله الشق يظهر ما تحته ، وهو هنا بمعنى كشف و بيّن ، فقد ابان صلى الله عليه وىله ما عنده من العقائد والأحكام والتشريع .

الرشد : خلاف الغي ، يعني الهداية للوصول إلى الحقيقة ، والوصول إلى جادة الصواب والسداد والخير.

القصد : العدل ، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله بالاعتدال في الأمور والاستقامة فيها فلا افراط في أمر الدين ولا تفريط .

***************

(17)17- وعنه عليه السلام في النهج - الخطبة 196 :

( بَعَثَهُ حِينَ لاَ عَلَمٌ قَائِمٌ، وَلاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ، وَلاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ. )

شرح الكلمات :

العلم : ( محركة بالفتح في العين واللام ) هي ما ينصب في الطريق ليهتدى به ، فأعلام الدين والهدى قد أركسا إلى الحضيض لتقديم الناس شهواتهم وافكارهم الباطلة على تلك الأعلام الواضحة .

المنار : موضع النور ، العلم الذي يجعل في الطريق ليهتدى به . ويقصد بهم الأنبياء الذين ينقلون رسالات الله تعالى ، إذ هم المنارات العظيمة التي ترشد الناس بنورها الساطع إلى طاعة الله تعالى .

المنهج : الطريق الواضح ، فهذه الشرائع بعد انقطاع الأنبياء عنها - ليُختبر الناس في هذه الشرائع فيحيى من حيّ عن بينه و يهلك من هلك عن بينة - لم تبق على طهرها ، بل تلوثت وتحرّفت ودخلت فيها الخرافات والأساطير .


**********

(18)18 - ومن خطبة له عليه السلام - الخطبة 158 :

( أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَة مِنَ الاُْمَمِ، وَانْتِقَاض مِنَ الْمُبْرَمِ، فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ.
ذلِكَ الْقُرْآنُ ...
)

شرح الكمات :

الفترة : ما بين الرسولين ، إذ أرسل الله نبيه صلى الله عليه وآله بعد أن انقطع الوحي من أيام عيسى عليه السلام ، وهي مدة طويلة ليس فيها داعية من قِبل الله تعالى .

الهجعة : النومة الخفيفة ، وقد تستعمل في النوم المستغرق ، فالأمم بعد انقطاع الوحي في هذه الفترة غفلت عن تعاليم السماء وتكاليفها ، وضيعت الكثير من أساسيات الشريعة وأركانها ، و لم يبق منها إلا رموز واشارات يساء فهمها وتطبيقها .

النقض : الهدم ، أو حلّ الشيء ، فقد تحللت أحكام الدين من النفوس ، بعد أن كانت محكمة قوية .

المبرم : المحكم ، الحبل المفتول بإحكام .

بتصديق : أي جاء النبي صلى الله عليه وآله مصدقاً لما تقدم من تعاليم الأنبياء وكتبهم من التوراة والانجيل ، إذ اساسيات الأديان واحدة .

النور : وصف القرآن بأنه نور لأنه يضيء درب السالكين و يكشف ظلمات الجهل والجاهلية ، وهو الذي يجعل دستوراً للحياة .


**********

(19)19- و من خطبة له عليه السلام - الخطبة 161 :

( أَرْسَلَهُ بِحُجَّة كَافِيَة، وَمَوْعِظَة شَافِية، وَدَعْوَة مُتَلافِيَة .
أَظْهَرَ بِهِ الشَّرائِعَ الْـمَجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ، وَبَيَّنَ بِهِ الاَْحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ
)

شرح الكلمات :

بحجة كافية : أرسل الله نبيه صلى الله عليه وآله بأدلة و براهين كافية على صحة ما يدعيه من النبوة .

موعظة شافية : هو القرآن الكريم الذي يشفي من أمراض الجهل والتخلف والبعد عن الله والتمرد على حكم العقل .

الشرائع المجهولة : التي كانت في الأديان السابقة ، ولكن يد التحريف والتغيير أتت عليها فطمست معالمها وأماتت وجودها ، و قد يراد بها أنها التي لم يهتد إليها الناس بعقولهم فجاء النبي صلى الله عليه و آله فأظهرها لهم و بيّنها لعيونهم .

قمع : قهر و غلب .

البدع المدخولة : المغشوشة و المعيوبة و المخترعة ، فقد قمع الله بنبيه صلى الله عليه وآله ما كان في الجاهلية مما قد اخترعوه من أصنام وما كان في الأديان الأخرى من رهبانية ابتدعوها .

بيّن : أوضح و أظهر .

المفصولة : الواضحة التي فصّلها الله ، اي الأحكام والتعاليم و التشريعات التي قضى بها على عباده .



****************************
(20) 20- سيرة ابن هشام - ج 1 ص 208 :

قال ابن إسحاق : وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن عبد الله بن العباس ، عن نفر من الأنصار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ماذا كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به ؟ قالوا : يا نبي الله كنا نقول حين رأيناها يرمى بها : مات ملك ملك ملك ولد مولود مات مولود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك كذلك ولكن الله تبارك وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه حملة العرش فسبحوا ، فسبح من تحتهم فسبح لتسبيحهم من تحت ذلك فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيسبحوا ثم يقول بعضهم لبعض مم سبحتم فيقولون سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم فيقولون ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا ؟ فيقولون مثل ذلك حتى ينتهوا إلى حملة العرش فيقال لهم مم سبحتم ؟ فيقولون قضى الله في خلقه كذا وكذا ، للأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيتحدثوا به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم به فيخطئون ويصيبون فيتحدث به الكهان فيصيبون بعضا ويخطئون بعضا .

ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها ، فانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة .

قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه بمثل حديث ابن شهاب عنه .

الشرح :

نلاحظ في هذا الحديث كيف أن الناس في الجاهلية يتداولون الأمور الخرافية التي قد سيطرت عليهم فجعلتهم تائهين متخبطين ، فتراهم يفسرون الأمور بجهل وعناد عن طريق الكهانة والسحر والقيافة و التنجيم ، وتراهم يرهقون انفسهم بهذه الخرابيط التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وقد نهى الشرع الشريف عن الرجوع لهؤلاء البطّالين و شدد على الناس بتركهم وعدم تصديقهم .


*******************************

(21) 21- كتاب دعائم الاسلام للقاضي النعمان ج 2 ص 142 :

و عن علي (عليه السلام) أنه قال : كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات ليلة إذ رمي نجم فاستضاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للقوم ما كنتم تقولون في وقت الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا قالوا كنا نقول مات عظيم و ولد عظيم ، فقال : فإنه لا يرمى بها لموت أحد و لا لحياة أحد و لكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش فقالوا قضى ربنا بكذا فيسمع ذلك أهل السماء التي تليهم فيقولون ذلك حتى يبلغ ذلك أهل سماء الدنيا فتسترق الشياطين السمع فربما اعتلقوا شيئا فأتوا به الكهنة فيزيدون و ينقصون فتخطئ الكهنة و تصيب ، ثم إن الله منع السماء بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة و تلا قول الله عز و جل إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ و قوله جل ثناؤه ( وَ أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً ) .

انتهى الحديث عن الوضع الثقافي في الجاهلية .


--------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين

************

ج - وأد البنات :

(22) 22- الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي ج 1 ص 162 :
عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إني قد ولدت بنتا وربّيتها حتى إذا بلغت فألبستُها و حلّيتُها ، ثم جئت بها إلى قليب ( القليب : البئر ) فدفعتها في جوفه ، وكان آخر ما سمعت منها وهي تقول : يا أبتاه . فما كفارة ذلك؟ قال : ألك ام حيّة؟ قال: لا، قال: فلك خالة حيّة؟ قال: نعم، قال: فابرُرْها فإنها بمنزلة الأم يُكَفّر عنك ما صنعت ، قال أبوخديجة: فقلت لابي عبدالله (عليه السلام): متى كان هذا ؟ فقال: كان في الجاهلية وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين .

*********

(23) 23- الشيخ الكليني في الكافي ج 1 ص 60 :

عن محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن ابي عبدالله عليه السلام قال :


قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأنزل إليه الكتاب بالحق وأنتم أمّيون عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله .. إلى أن قال ( عليه السلام ) : فالدنيا في وجوه أهلها مُكفهرّة (1) ، مُدبرة غير مقبلة، ثمرتها الفتنة، وطعامها الجيفة، و شعارها الخوف، ودثارها السيف ، مُزّقتم كل ممزق ، وقد أعمت عيون أهلها، وأظلمت عليها أيامها، قد قطعوا أرحامهم، وسفكوا دمائهم، ودفنوا في التراب الموؤدة بينهم (2) من أولادهم، يجتاز دونهم طيب العيش (3) ورفاهية خفوض الدنيا (4)، لا يرجون من الله ثوابا ولا يخافون والله منه عقابا، حيّهم أعمى نجس (4) وميّتهم في النار مبلس (6) ...

شرح الكلمات :



(1) المكفهر من الوجوه القليل اللحم الغليظ الذي لا يستحيى والمعتبس. ( كتاب مرآة العقول - الشيخ المجلسي )
(2) هي البنت المدفونة حية وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لخوف الاملاق أو العار
(3) في أكثر النسخ بالجيم والزاى من الاجتياز بمعنى المرور وفي بعض النسخ بالحاء المهملة والزاى من الحيازة وفي بعضها بالخاء المعجمة والراء المهملة أي كان من يختار طيب العيش و الرفاهية يجتنبهم ولا يجاورهم وقيل: يعني أرادوا بدفن البنات طيب العيش وفي بعض النسخ [طلب العيش] بدل طيب العيش.
(4) الخفوض جمع الخفض وهو الدعة والراحة والسكون.
(5) بالنون والجيم ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة من النحوسة ، وربما يقرء بالباء الموحدة و الخاء المعجمة المكسورة من البخس بمعنى نقص الحظ وهو تصحيف. ( مرآة العقول ).
(6) الابلاس الغم والانكسار والحزن والاياس من رحمة الله تعالى. ( كتاب الوافي - الشيخ الفيض الكاشاني )




-------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

**************

د - الفتن والحروب :

(24) 24 - الشريف الرضي عن علي عليه السلام في الخطبة رقم 89 :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَة مِنَ الاُْمَمِ، وَاعْتِزَام مِنَ الْفِتَنِ، وَانْتَشَار مِنَ الاُْمُورِ، وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ، عَلَى حِينِ اصْفِرَار مِنْ وَرَقِهَا، وَإِيَاس مِنْ ثَمَرِهَا، وَاغْوِرَار مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ أعْلامُ الْهُدَى، وَظَهَرَتْ أَعْلاَمُ الرِّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لاَِهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا، ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ ، وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ ، وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ.

فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللهِ، وَاذْكُرُوا تِيكَ الَّتي آبَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ ، وَعَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ.


************

شرح الكلمات :

الفترة : مدة زمنية انقطع فيها الرسل بين النبي عيسى عليه السلام والنبي محمد صلى الله عليه وآله .

هجعة من الأمم : النوم ليلاً ، وهو يعني أن الأمم - الجماعة من الناس أو الجيل من الناس - بعد انقطاع الرسل عنها نامت عن مصالحها و منافعها وما يقربها من الله

اعتزام : أراد من العزم وهي الارادة ، فيكون المعنى أن الفتن لشدتها كأنها المريدة لما يقع بين الناس ، وهي الموجهة لهم نحو الشر والرذيلة ..

انتشار من الأمور : اي الفوضى وعدم الضوابط بين الناس ، إذ انعدمت القوانين و سادت شريعة الغاب وقانون الناب .

تلظّ من الحروب : التلهّب والاشتعال ، فالحروب تستعر وتندلع بينهم لأتفه الأسباب وأحقرها ، وتأتي على الحرث والنسل مثل حرب البسوس التي ندلعت من أجل ناقة !!!

كاسفة : من كسف الشمس إذا ذهب نورها ، والمعنى : أن الدنيا مظلمة فلا هادي يأخذ بيدها إلى الهدى و ينقذها من الردى ، إنها تعيش الجهل والانحراف والعصبية التافهة .

الغرور : الأباطيل ، بمعنى أن الدنيا رغم انعدام الهدى فيها حتى أصبحت ظلاماً ، نجد أنها مع هذه الحالة السيئة تخدع أبناءها و تمنّيهم ويعيشون على وعودها وآمالها فنرى الناس تنصرف إلى غير مرضاة الله .

على حين اصفرار من أوراقها وغياس من ثمرها واغورار من مائها :
يعني أن هذه الدنيا قبل وعند بعثة النبي صلى الله عليه كالشجرة التي اصفر ورقها وامتنعت من حمل الثمار حتى يئس الناس منها ، و جفّت مياه الحياة حتى كادت أن تيبس ، فهي شجرة انقطع فيها الأمل ، فلا منظر يبهج النظر ، ولا فائدة تنفع البشر ، فالدنيا كانت على العرب صعبة شديدة ليس لهم منها الضروريات فضلاً عن الكماليات ، فلا استقرار و لاعدل ، فكيف تأتي الرفاهية من ذلك .

درست منار الهدى : أي فقدت الأنبياء والرسل والمبشرون الذين كانوا يحملون الشرائع .

ظهرت أعلام الردى : ارتفعت أصوات المبطلين والمضللين من عرّافين و منجمين استولوا على عقول الناس بالتوافة والظنون والأمور الباطلة المهلكة .

متجهمة : فالدنيا في هذه الفترة تلقى الناس بوجه كريه ، فلا هي تصفو لطالبها ولا يأنس بها عاشقها ، إذ الكدورة والمرارة قد مزجا بالصفو والحلاوة ، فلا تريح اهلها ولا تؤنسهم بل تزعجهم و تقلقهم .

ثمرها الفتنة : أي النتائج التي يجنيها الناس من وراء الدنيا هو الوقوع في فخ الفتن التي لا تنتهي ،

طعامها الجيفة : أي أن طعام أبنائها الخبائث مما كانت تجنيه سيوفهم من خلال الغزو والاعنداء على الآمنين .

شعارها الخوف : شعارها الملتصق بها الذي تعيشه في كل لحظة هو الخوف ، لأن كل فرد من افرادها مهدد هو وعائلته و أمواله و كرامته بمن يتسلط عليه من المجرمين الأقوياء .

دثارها السيف : أي بعد الخوف الذي يعيش في قلوبهم يأتي السيف من ورائها لتدفع عن انفسها الغزو ، وتستعمل قوتها في وجه من يريد القضاء عليها ، ولذا تستمر الحروب ( الفعل و ردة الفعل وعدم الخروج عن هذه الدوامة القاتلة ) .


*****************

(25) 25 - وقال عليه السلام - نهج البلاغة الخطبة 150 :

( وَطَالَ الاْمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ; حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الاْجَلُ، وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ، وَأَشَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ، لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللهِ بِالصَّبْرِ ... )


يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظله في شرح نهج البلاغة ج 5 ص 467 :

( ما يبدو مناسباً في تفسير هذا القسم : هو أن الامام عليه السلام نظر إلى ناس العصر الجاهلي ومن ثم عصر ظهور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، فقسّم أهل ذلك الزمان إلى ثلاث طوائف : الضالون ، وضعاف الإيمان ، والمؤمنون الشجعان الأشداء ، فقال بشأن الطائفة الأولى : ( وَطَالَ الاْمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ ) ، نعم فأحياناً يترك الله الأفراد الذين يصرون على سلوك سبيل العصيان و الطغيان ليبلغوا قمة الفضيحة فيستوجبوا العقاب الالهي .

و قد اشارت الآيات القرآنية إلى هذه الطائفة في عدة موارد ، واصطلحت على عقابهم بالاستدراج ....
) انتهى موضع الحاجة ، و تفصيل ذلك في الشروح المختلفة للنهج .



-------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين


*********

هـ : عادات و تقاليد :

(26) 26 - العياشي في تفسيره المشهور ( تفسير العياشي ج 1 ص 121 ) :

( عن أبى بكر الحضرمى عن أبى عبدالله ( عليه السلام )قال: لما نزلت هذه الآية " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " جئن النساء يخاصمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقلن : لا نصبر، فقال لهنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كانت احديكن اذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دويرها في خدرها ثم قعدت، فاذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتتها ثم اكتحلت بها ثم تزوجت ، فوضع الله عنكن ثمانية أشهر ) .

الشرح :


هذه الرواية تبين عادة من عادات العرب في الجاهلية ، وهذه العادة تتمثل في أنه إذا مات زوج المرأة فإنها تأخذ بعرة الشاة فتلقيها في مكان نومها ( خدرها ) محتفظة بها ، ثم تقعد في هذا البيت لا تخرج منه إلى سنة ، فإذا جاء اليوم الذي توفي فيها زوجها جاءت إلى تلك البعرة ففتتها وحطمتها و كسرتها بحيث تجعلها طحيناً ، و بعدما تجعلها كذلك تكتحل بها اعلاناً بانتهاء فترة الحداد ، ثم تتزوج من شاءت بعد ذلك .
ولكن الاسلام أثبت العدة على المرأة المسلمة إذا توفي زوجها و ألزمها بالحداد عليه و ذلك بترك الزينة فقط ، ( فلا يجوز لها التزين والذي طبعاً ليس منه التنظف عن الأوساخ والاستحمام باستخدام الصابون والمعجون والشامبو - مع كراهة خروج المرأة من بيت عدة الوفاة الذي تعتد فيه إلا لضرورة - كما هو الرأي المشهور بين العلماء - ، فإنه حينئذ ترتفع الكراهة ، وإن كان بعض الفقهاء ( هو الشيخ زين الدين قدس سره ) يحتاط احتياطاً وجوبياً في حرمة الخروج من المنزل بالنسبة للمعتدة عدة الوفاة إلا لضرورة - ) ولكن الاسلام لم يتابع العرب في المدة التي جعلوها للحداد ، بل خفضها إلى اربعة اشهر و عشرة ايام ، ولكنه لم يُقر الناس على تلك العادات التي يفعلونها في العدة من الأمور الخرافية الزائفة من مثل ما ورد في الرواية من عمل الكحل من فتات بعر الغنم .

******************************

(27) 27 - الشيخ الكليني في الكافي ج 6 ص 118 ح 10 ، بسنده عن :



حميد، عن ابن سماعة عن محمد بن أبي حمزة، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: جاء‌ت امرأة إلى أبي عبدالله عليه السلام تستفتيه في المبيت في غير بيتها وقد مات زوجها، فقال : إن أهل الجاهلية كان إذا مات زوج المرأة أحدّتْ عليه امرأته اثنا عشر شهرا ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله رحم ضعفهن فجعل عدتهن أربعة أشهر وعشرا ، و أنتن لا تصبرن على هذا




الشرح :

يعني يريد الامام عليه السلام من هذه المرأة و من غيرها القول بأن الاسلام احترم مشاعر المرأة ، وذلك بأن خفّض المدة التي كانت في عرف الجاهلية من اعتداد المرأة المتوفى عنها زوجها سنة كاملة ، وذلك من أجل أن لا يضغط عليهن في القضية الجنسية من خلال طول المدة المعمول بها عندهم ، فجعل لها هذه المدة - وهي فترة اربعة اشهر و عشرة ايام - ، وهي المدة التي تصبر فيها المرأة عن الزوج ، ولكنه أيضاً لا يريد الغاء العدة كما هو ظاهر طلب بعض هؤلاء النساء ، لأنه يريد أن تحترم المرأة زوجها المتوفى ، فلا يشطب الشرع على تلك العُشرة بجرة قلم ، والخلاصة : الاسلام يراعي الأمور من كل الجهات بدون تمييز .

**********************************

(28) 28- علي بن ابراهيم القمي في تفسيره : عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى ( والمستضعفين من الولدان ) :

( والمستضعفين من الولدان) فإن أهل الجاهلية كانوا لا يورّثون الصبي الصغير ولا الجارية من ميراث آبائهم شيئاً ، وكانوا لا يعطون الميراث إلا لمن يقاتل ، وكانوا يرون ذلك في دينهم حَسَناً، فلمّا أنزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجداً شديداً ( الوجد : هو شدة الحزن ) ، فقالوا : انطلقوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنذكّره ذلك لعلّه يدعه أو يغيّره . فأتوه ، فقالوا : يارسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها ، ويُعطى الصبي الصغير الميراث ، وليس أحد منهما يركب الفرس ولا يحوز الغنيمة ولا يقاتل العدو ، فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله ) : بذلك أُمرت، وأما قوله ( وأن تقوموا لليتامي بالقسط ) فإنهم كانوا يفسدون مال اليتيم ، فأمرهم الله أن يصلحوا مالهم .

الشرح :


نلاحظ في هذه الرواية كيف كان الظلم مستحكماً في النفوس !!!!! إذ كانوا يُورّثون الأموال إلى الرجال الذين يشاركون في النهب والسلب و إذلال الناس و التعدّي عليهم وأخذ ما ليس بحق والاثراء غير المشروع ، و يحرمون المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة ، فجاءت أوامر السماء حاسمة في هذا المجال بإعطاء كل ذي حقه وإن حزُنَ مَنْ حَزُن و رفض من رفض واستاء من استاء ، فهذه العادة الجاهلية لا بد من تغييرها إلى الطريقة المُثلى التي تعطي كل ذي حق حقه .

*************

(29) 29 : وفيه أيضاً ( ج 1 ص 134 ) :

عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كَرْهَاً ) فإنه كان في الجاهلية في أول ما أسلموا من قبائل العرب إذا مات حميم ( يعني : القريب والصديق ) الرجل وله امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذى كان أصدقها ، فكان يرث نكاحها كما يرث ماله ، فلما مات ابوقيس بن الأسلب ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة ابيه وهي كبيثة بنت معمر بن معبد ، فورث نكاحها ، ثم تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها ، فأتت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : يا رسول الله مات أبوقيس بن الأسلب فورث ابنه محصن نكاحي ، فلا يدخل عليّ ولا ينفق عليّ ولا يُخلّى سبيلى ، فألحقُ بأهلي ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله) : ارجعي إلى بيتك ، فإنْ يحدث الله في شأنك شيئأ أعلمتكِ به ، فنزل ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) فلحقت بأهلها ، وكانت نساء في المدينة قد ورث نكاحهن كما ورث نكاح كبيثة ، غير أنه ورّثهن عن الأبناء ، فأنزل الله " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها " .

الشرح :


نلاحظ استحكام العادات الجاهلية في النفوس ، بحيث أن الرجل يرث أباه أو قريبه أو صديقه حتى في الزوجة ، والاسلام لم يحارب تلك العادة الجاهلية مباشرة ، بل كان ديدنه التدرّج في طرح الأحكام ، حتى إذا حدثت حادثة معينة كانت فرصة للشرع الشريف في إبداء الحكم الحاسم في هذه العادة الجاهلية ، وهذا ما حدث فعلاً في هذه العادة المذكورة في الرواية ، حيث أن الاسلام ورّث القريب من أموال قريبه ، ونهى الصديق عن أخذ الارث من أموال صديقه ، و حرّم على القريب كالابن مثلاً والصديق أن يرثا زوجية المرأة التي كانت على ذمة قريبهم أو صديقهم ، لأن المرأة ليست متاعاً يورّث كما تورّث بقية الأموال ، بل للمرا’ كرامة عند الله تعالى ، ولا يصح على أساس ذلك التلاعب بمشاعرها واخضاعها لأحكام جاهلية لا قيمة لها وليس لها هدف إلا لتحكّم الرجل في المرأة وجعلها هي والمتاع شيئاً واحداً .


---------------------
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين


***********************************

(30) 30 - صحيفة الرضا عليه السلام - ( مستدرك الوسائل ج 15 ص 147 باب 35 من أبواب أحكام ألأولاد ح 1 )

عن الرضا عليه السلام بإسناده عن آبائه ، عن علي بن الحسين عليهم السلام ، عن أسماء بنت عميس - في حديث ولادة الحسن عليه السلام - عن رسول الله صلى الله عليه و آله : أنه أطلى رأسه بالخلوق ، ثم قال : يا اسماء الدم فعل الجاهلية .

و كذلك روت عنه في ولادة الامام الحسين عليه السلام .



الشرح :

إن قول النبي صلى الله عليه و آله ( الدم فعل الجاهلية ) إنما يشير إلى عادة جاهلية في أمر الصبي المولود حديثاً ، فقد كان العرب يستخدمون بعض العادات الجاهلية السارية عندهم في أمر ولادة الصبي ، إذ كانوا كما في بعض الشروح : ( إذا ذُبِحَت العقيقة اُخِذَت منها صُوفَةٌ واستُقبلَت بها أوداجُها ، ثمّ تُوضعُ على يافُوخِ الصبيّ ليَسيل على رأسِه مثلُ الخيط ، ثمّ يُغسل رأسُه بعدُ ويُحلَقُ ) ، ولكن النبي صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك ، وقال بأن هذه الطريقة هي طريقة الجاهلية ، واستبدل بها شيئاً حسناً ، و ذلك أنه بعد أن يحلق الشعر لهذا الصبي فإن النبي صلى الله عليه وآله يأمر بطليه و دهنه بتلك المادة العطرية المسماة بالخلوق ( طيب مركب يتذخ من الزعفران و غيره من أنواع الطيب ، والغالب عليه الصفرة أو الحمرة ) ، كل هذا بدلاً عن طريقة الجاهلية التي كانت جارية على تلطيخ رأس الصبي بدم العقيقة بالطريقة التي مر شرحها .

*******************

(30) 30 - الشيخ الكليني في الكافي - ج 4 ص 542 :

محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه ، عن العباس بن عامر ، عن أحمد بن رزق الغشاني ، عن عبدالرحمن بن الاشل بياع الانماط ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

كانت قريش تلطخ الاصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر ، وكان يغوث قبال الباب ، وكان يعوق عن يمين الكعبة ، وكان نسر عن يسارها ، وكانوا إذا دخلوا خرّوا سجدا ليغوث ولا ينحنون ، ثم يستديرون بحيالهم إلى يعوق ، ثم يستديرون بحيالهم إلي نسر ، ثم يلبون فيقولون : " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك "

قال : فبعث الله ذبابا أخضر له أربعة أجنحة فلم يبق من ذلك المسك والعنبر شيئا إلا أكله وأنزل الله تعالى : " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " .




------------------

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين


*****************************

و - العداوة بين تيم و عدي :

(32) 32- كنز العمال - ج 2 ص 285 .

عن كثير النواء ‏، ‏ قال قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) ‏:‏ إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي‏:‏ ‏{‏ ونزعنا ما في صدورهم من غل‏ }‏ قال ‏:‏ والله إنها لفيهم أنزلت ، وفيمن تنزل إلا فيهم ‏؟‏ قلت فأي غل هو ‏؟‏ قال غل الجاهلية ، إن بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية ، فلما أسلم القوم تحابوا ، فأخذت أبا بكر الخاصرة ، فجعل علي يسخن يده فيكمد بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية ‏.‏

********************


(33) 33- نفس المصدر :

عن علي ( عليه السلام ) في قوله : {‏ ونزعنا ما في صدورهم من غل‏ } قال : نزلت في ثلاثة أحياء من العرب : في بني هاشم ، وبني تيم ، و بني عدي ، وفي ابي بكر وعمر .


التعليق :

قال السيد الشهيد التستري في الصوارم المهرقة ص 229 - طبعة دار البلاغ و دار سلوني :


لا يخفى أن سوق الاية يدل على ان الضمير في صدورهم راجع الى الجمع المدلول عليه قبل ذلك بقوله " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " .

وأما كون المنزول فيهم : ( مجموع أبي بكر وعمر وعلي ) فغير مُسلّم عندنا .

وكون ذلك مرويا عن الباقر عليه السلام ممنوع موضوع عليه .

وإنما الرواية الصحيحة ما في مسند أحمد بن حنبل من انها نزلت في على عليه السلام .

وأيضا :

إنْ اُريد ان مفاد الآية : نزع بعض أقسام الغل عن صدورهم فلا يفيدكم .

وإن اُريد نزع مطلق الغل فغير مُسلّم .

كيف !! والمذكور في ضمن هذا الخبر : أن المراد نزع الغل والعداوة التي كانت بينهم في الجاهلية .

فيجوز أن يكون في صدور الشيخين غل الحسد مع علي عليه السلام على ما آتاه الله من فضله ، كما ذكره هذا الشيخ الناسي ( يقصد به ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة ) عند ذكر الآية في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، وصرّح بمثله في مواضع أخرى قد أشرنا إليها آنفاً ، فتذكر .


وأيضا :

ينافى كون المنزول فيهم من ذكر ظاهر ما سيذكر بعد ذلك رواية عن محمد بن حاطب من أنه سأل عليا عليه السلام في من قتل عثمان ؟ وكان متكئا ، فقال : يا ابن حاطب ، والله إنى لأرجو أن أكون أنا وهو كما قال الله تعالى " ونزعنا ما في صدورهم من غل " .
فإنه لو كان علي عليه السلام من جملة المنزول فيهم لكان دخوله في الاية محقّقا عنده لا مرجواً له .
اللهم إلا أن يقال : إن رجاءه لذلك انما كان باعتبار ضمه لعثمان معه .

أو يقال : إن الضمير الغائب أعني هو في قوله " أنا وهو " ليس راجعا الى عثمان ، بل هو راجع الى من قتل عثمان وهو محمد بن أبي بكر مع بعض اصحابه ، وحينئذ يكون المراد بالغل المنزوع عداوة الاسلام لا عداوة عثمان .

ضرورة ان عداوة عثمان عند أهل البيت عليهم السلام من كمال الاسلام وشرائط الايمان ، كما روى " أنه قال رجل لعلي عليه السلام : أحبك وأتولى عثمان ، فقال له : الآن أنت اعور ، فاما ان تعمى وأما ان تبصر "

على ان الظاهر من توسيط قوله تعالى : " ونزعنا ما في صدورهم من غل " بين قوله " اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون " وبين قوله : " تجرى من تحتهم الانهار " أن كلاً من نزع الغل من صدورهم وجريان الانهار من تحتهم مما يتصفون به في الجنة ، لا في أرض الحجاز .

وقد صرح بذلك أيضا صاحب الكشاف حيث قال : " أي من كان في قلبه غل من أخيه في الدنيا نزع منه فسلمت قلوبهم فطهرت ولم يكن الا التواد والتعاطف . وعن علي كرم الله وجهه : لأرجو ان أكون وعثمان وطلحة والزبير منهم " انتهى

فمع توجّه ما أريناكه من أقسام الاختلال على ذلك الاستدلال كيف يعقل اسناده الى الامام المؤيد المعصوم عليه السلام ؟ بل يمنع عن اسناده إليه عليه السلام أيضا قوله " ففيمن نزلت إلا فيهم ؟ " ، فإنه يدل على أنه لم يكن في طوائف الاصحاب وآحادهم من يصلح نزول الاية المذكورة فيهم ، مع أن نظير هذه الآية قد ورد في شان الأوس والخزرج من الأنصار الذين كان بينهم في الجاهلية من الغل والاغتيال ، ما لا يخفى على متتبع الاحوال ، فهذه العبارة التى لا يرضى بها الفصيح تدل ايضا على انه موضوع عليه السلام . انتهى موضع الحاجة .


------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين

***************************

مـــــــــكــــــــــة :

(34) 34 - الشيخ الكليني في الكافي ج 4 ص 225 :

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الاعرج عن أبي عبدالله (ع) قال: إن قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قرائته ، حتى دعوا رجلاً فقرأه ، فإذا فيه : أنا الله ذو بكّة حرّمتها يوم خلقت السماوات والأرض ، ووضعتها بين هذين الجبلين ، وحففتها بسبعة أملاك حفا

الشرح :

يقول الشيخ ناصر الشيرازي في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل المجلد 2 ص 603 :

« بكة » مأخوذة أصلاً من « البك » : وهو الزحم ، وبكّه : أي زحمه ، وتباكّ الناس : أي ازدحموا، وإنما يقال للكعبة أو الأرض التي عليها تلك البنية المعظمة بكّة لإزدحام الناس هناك ، ولا يستبعد أن هذه التسمية أطلقت عليها بعد أن اتخذت صفة المعبد رسمياً لا قبل ذلك.

وفي رواية عن أبي عبدالله (الصادق) (عليه السلام) قال : «موضع البيت بكّة، والقرية مكة».

وقد إحتمل بعض المفسّرين أيضاً أن تكون « بكّة » هي « مكّة » أبدل ميمها باء، نظير «لازب» و «لازم» اللتين تعنيان شيئاً واحداً في لغة العرب.

وقد ذكر في علة تسمية «الكعبة» وموضعها ببكّة وجه آخر أيضاً ، هو أنها سميت « بكّة » لأنها تبك أعناق الجبابرة، وتحطم غرورهم ونخوتهم ، لأن البك هو دق العنق، فعند الكعبة تتساقط وتزول كلّ الفوارق المصطنعة ، ويعود المتكبرون والمغرورون كبقية الناس ، عليهم أن يخضعوا لله ، ويتضرعوا إليه شأنهم شأن الآخرين ، وبهذا يتحطم غرورهم . انتهى .

وهذه البلدة الطيبة قد حرّمها الله تعالى ، فجعل لها احكاماً خاصة معروفة لا يُسمح بتجاوزها .

وفي الرواية أن هذا التكريم لهذا البلد الأمين كان منذ بدء خلق السماوات و الأرض
.

********************

(35) 35 - الشيخ الكليني في الكافي ج 4 ص 244 :


الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام قال : لم يكن لدور مكة أبواب وكان أهل البلدان يأتون بقطرانهم فيدخلون فيضربون بها ، وكان أول من بوّبها معاوية .


الشرح :

قال الشيخ المجلسي في المرآة ج 17 ص 109 :

قوله عليه السلام : ( بقطرانهم ) : كأنه جمع القطار على غير القياس ، أو هو تصحيف قطرات .

قال في مصباح اللغة :
القطار من الابل عدد على نسق واحد ، والجمع قطر ، مثل كتاب وكتب ، والقطرات جمع الجمع .

قوله عليه السلام : ( فيضربون بها ) أي خيمهم .




---------------------
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين

***************************


أسماء مكة :

(36) 36 : الشيخ الصدوق في الخصال ج 1 ص 278 ح 22 : عن أبيه ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : حدثنا أيمن بن محرز ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أسماء مكة خمسة : أم القرى ، ومكّة ، وبكّة ، والبسّاسة (1) إذا ظلموا بها بستهم أي أخرجتهم وأهلكتهم ، وأم رحم كانوا إذا لزموها رحموا .


(37) 37 : في تفسير الرازي : عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ( رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ) ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه ( وآله ) و سلم ، قال : إن الله تبارك وتعالى بعث ملائكته فقال : ابنوا لي في الأرض بيتاً .... قبل خلق آدم ... ثم قال تعالى ( لَلَذّي بِبَكَّة ) ... سمّيت مكّة بكّة : لأنهم يتباكّون فيها ، اي يزدحمون في الطواف ، وهو قول محمد بن علي الباقر .

******************************


( 1 ) : قال الشيخ الكاشاني في تفسير الصافي :

وفي رواية الكافي كانت تسمى بكة لأنها تبك أعناق الباغين إذا بغوا فيها ، والعياشي عن الصادق (ع) : سمّيت بكّة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً بالأيدي . وعن الباقر (ع) أن بكّة موضع البيت ومكّة جميع ما اكتنفه الحرم . والبس بالموحدة الطم وبالنون الطرد ، ويروى بهما ، والرحم بالضم الرحمة قال الله تعالى : ( وأقرب رحما ) وربما يحرك . اهـ

وقد مرّ علينا في المشاركة السابقة ما قاله الشيخ الشيرازي في التفسير الأمثل .




-------------------
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
اللهم صلّ على محمد وآله الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين


***************************

بناء الكعبة :


(38) 38 : دلائل النبوة ج 2 ص 55 - 56 :

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : حدثنا بكر بن محمد الصيرفي ، بمرو قال : حدثنا أحمد بن حيان بن ملاعب قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، ومحمد بن سابق ، قالا : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة قال :

سأل رجل عليا رضي الله عنه ، عن ( أول بيت وُضع للناس للذي ببكّة مباركاً ) ، هو أول بيت وضع في الأرض ؟
قال : لا ، ولكنه أول بيت وضع فيه البركة والهدى ، ومقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا وإن شئت أنبأتك كيف بناؤه :

إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى إبراهيم ، عليه السلام : أن ابن لي بيتا في الأرض ، فضاق به ذرعا (1) ، فأرسل الله عز وجل ، إليه السكينة ، وهي ريح خجوج (2) لها رأس ، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت ، ثم تطوقت إلى موضع البيت تطوّق الحية ، فبنى إبراهيم ، فكان يبني هو ساقاً كل يوم حتى إذا بلغ مكان الحجر قال لابنه : ابغني (2) حجرا ، فالتمس (3) ثَمّ حجرا حتى أتاه به ، فوجد الحجر الأسود قد ركب ، فقال له ابنه : من أين لك هذا ؟ قال : جاء به من لم يتكل على بنائك ، جاء به جبريل ، عليه السلام من السماء فأتمه .


*******************************

(1) ضاقَ به ذَرْعاً : ضَعُفَتْ طاقَتُه ولم يَجِدْ من المَكْروهِ فيه مَخْلَصا .
(2) وقال الأَصمعي الخَجُوجُ الريح الشديدةُ المرِّ وقال ابن شميل هي الشديدة الهبوب الخَوَّارَةُ لا تكون إِلا في الصيف وليست بشديدة الحر .
(3) ابغني : اطلب لي .
(4) التمس الشيء : طلبه .


**********************************

(39) 39 : كنز العمال ج 17 ص 88 :

عن علي ( عليه السلام ) قال : أقبل ابراهيم من أرمينية ، و معه السكينة تدله على موضع البيت كما يتبوأ العنكبوت بيتها ، فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعده ، ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلاً .