الرد على الشيخ عبد الله الجنيد حول التوسل والاستعانة بالأولياء

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الجنيد : ( ... وحفظوا وصيّةً أخرى يقول فيها : > إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله < ، فأخلصوا دعاءهم وعبادتهم لله ، ولم يترددوا على قبور الأموات ليسألوهم من دون الحي الذي لا يموت الذي بيده الضر والنفع وحده ) ( حوار هاديء صفحة 22 ) .
أقول :
أولاً : لقد أوضحنا أنّ زيارة القبور جائزة لا شبهة ولا إشكال على جواز زيارتها ، ومع ورود الدليل على ذلك فلا إشكال أيضاً على جواز التردد إليها ، أما بالنسبة للتوسل بغير الله عزّ وجل من الأنبياء والأئمة والأولياء والصالحين من عباد الله وطلب قضاء الحوائج منهم والاستعانة والاستشفاع بهم فلا إشكال في مشروعية ذلك وجوازه سواء كانوا أحياء أو أمواتاً ، فضلاً عن أن يكون محرماً أو شركاً به سبحانه كما يزعم الوهابيون .


ثانياً : لا إشكال عند المسلمين قاطبة بما فيهم ابن تيمية الحراني ومن حذى حذوه من أتباعه اليوم ومنهم الجنيد في جواز التوسل والاستعانة والاستشفاع والاستغاثة بدعاء الحي ، ولا يمكن لهم إنكار ذلك بعد قيام الأدلة الصحيحة الصريحة عليه من الكتاب والسنة النبوية الشريفة ، وإنما ينكرون من ذلك :
1- التوسل والاستشفاع والاستعانة بالمخلوق أوبجاهه أو بحرمته وما في معنى ذلك ، كأن يقول اللهم إني أسألك بنبيك أو بجاه أو حرمة نبيك ، فهذا ابن تيمية الحراني يقول في مجموع فتاواه 1/222 : ( والثاني السؤال به – أي بالمخلوق – فهذا يجوّزه طائفة من الناس ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف وهو موجود في دعاء كثير من الناس لكن ما روي عن النبي (ص) في ذلك كله ضعيف بل موضوع ... ) .
فابن تيمية يعترف أن التوسل والاستشفاع والاستعانة بالمخلوق إلى الله عزّ وجل جائز عند طائفة من المسلمين وأن هناك آثار فيه من السلف وأن الكثير من المسلمين يفعلونه في دعائهم ، وكل حجة ابن تيمية في عدم جوازه أنه لم يرد فيه خبر صحيح كما يزعم فهل يا ترى لم يرد في جوازه دليل كما يدعي إبن تيمية ؟
الحق أن في مصادر أهل السنة العديد من الأدلة الصحيحة والحسنة على مشروعية ذلك منها :
وما رواه الطبراني المعجم الصغير ( 1/306 حديث رقم : 508 ) بسنده عن عثمان بن حنيف : ( أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رض) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلي فيه ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد (ص) نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك ربي جل وعز فيقضي لي حاجتي وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له عثمان ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال حاجتك فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة وقال ما كانت لك من حاجة فأتنا ثم ان الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في .
فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله (ص) وأتاه ضرير فشكا عليه ذهاب بصره فقال له النبي (ص) فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي فقال له النبي (ص) إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات قال عثمان فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط )
قال الطبراني : ( لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة وهو الذي يحدث عن ابن أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأبلي وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس بن شعبة والحديث صحيح ) .
والرواية صريحة في جواز التوسل بذات النبي (ص) والتوجه به إلى الله عزّ وجل ، قال العلامة الشوكاني في تحفة الذاكرين : ( وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله إلى الله عزّ وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ، وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ) ( عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي 10/25 ) .
وما وراه البخاري في صحيحه 1/342 برقم : 964 و 3/1360 برقم : 3507 بسنده عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون ) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 2/497 : ( ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة ) .
وما رواه الطبراني في المعجم الكبير 24/351 برقم : 871 والأوسط 1/67 برقم : 189 ) بسند حسن عن أنس بن مالك قال : ( لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب دخل عليها رسول الله (ص) فجلس عند رأسها فقال : رحمك الله يا أمي كنت أمي بعد أمي وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسك طيباً وتطعميني تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة ، ثم أمر أن تغسل ثلاثاً فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله (ص) بيده ثم خلع رسول الله (ص) قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه ثم دعا رسول الله (ص) أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون فحفروا قبرها فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله (ص) بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله (ص) فاضطجع فيه ثم قال : الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت أغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر ... ) .
فتمعن في قوله (ص) : ( بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ) الصريح في التوسل بحقهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
وما رواه ابن ماجة في سننه ج 1 ص 256 حديث رقم : 778 بسند حسنه جمع من حفاظ أهل السنة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ( من خرج من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسالك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك ) .
وما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 672 حديث رقم : 4228 بسنده عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله (ص) : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك ) قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد ) .
2- النوع الآخر من التوسل والاستشفاع الذي حرّمه ابن تيمية وأتباعه ورموا المسلمين ومنهم الشيعة بالشرك والكفر هو ما يكون الخطاب فيه موجهاً إلى العبد كأن يقول : يا رسول الله إشفني من مرضي ، أو إقض ديني أو ما شاكل ذلك ، وهذا النوع من التوسل لا إشكال فيه ولا حرمة أيضاً ، فإن المسلم الموحّد لله عزّ وجل يؤمن ويعتقد بأن ما سوى الله عزّ وجل لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، وهو لا يقصد من التوجه إلى من ارتضاه الله واجتباه وفضله على خلقه من أنبياء وأئمة وصالحين إلاّ الشفاعة والدعاء لتسيير وتعجيل قضاء حاجته .
فلو قال : يا محمد أو يا حسين أو يا علي إقضي حاجتي أو شافني من مرضي وما شابه ذلك من دعاء فإنما هو من باب إسناد الفعل إلى السبب كالقول المشهور : ( أنبت الربيع البقل ) فالله عزّ وجل هو المنبت للبقل إلاّ أن الربيع سبب آخر أيضاً للإنبات لكنه غير مستقل فصح أن يسند إليه الفعل ، فالمؤمن يعلم حقيقة العلم أن هؤلاء ليست لهم استقالالية في قضاء الحوائج وإجابة الطلبات وأن غير الله لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً ، وإنما كل ذلك يكون بإذن من الله عزّ وجل .
فهذا مسلم بن الحجاج يروي في صحيحه 1/353 عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه سأل رسول الله (ص) بقوله : ( أسألك مرافقتك في الجنة ) ولم ينكر عليه رسول الله (ص) هذا الطلب والسؤال ومعلوم أن مرافقة المسلم لرسول الله (ص) في الجنة بيد الله عزّ وجل مثل شفاء المريض وغفران الذنب .
فدعاء النبي أو الإمام أو غيرهم من الأولياء والاستغاثة والاستعانة والتوسل بهم بمثل ما ذكرناه راجع إلى طلب الشفاعة والدعاء من النبي أو الإمام أو الولي إلى الله عزّ وجل ولا مانع من ذلك عقلاً وشرعاً .
وقد حرّم ابن تيمية الحراني وأتباعه أيضاً التوسل والاستعانة والاستشفاع والاستغاثة بالأنبياء والأئمة والأولياء بعد موتهم واعتبروه شركاً بالله عزّ وجل وهذا من جهلهم فلا فرق في ذلك بين كونهم أحياء أو أموات ولنا على ذلك أدلة عديدة نحتج بها على المخالف منها :
1- روي عن ابن عباس عن النبي (ص) : ( ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلاّ عرفه فردّ عليه السلام ) .
وهذا الحديث صححه العيني في عمدة القارىء 8/69 ، وابن عبد البر كما في تفسير ابن كثير 3/439 ، والحافظ العراقي كما ذكر المناوي في فيض القدير 5/487 .
2- قال ابن كثير في تفسيره 3/439 : ( وثبت عنه (ص) لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المسلم السلام عليكم دار قوم مؤمنين وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد ( هامش : أقول : فيكون السلام عليهم لغوٌ وحاشا لنبي الإسلام أن يدعو المسلمين إلى فعل ما هو لغو ) والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الاثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر ... ) .
3- روى مسلم بن الحجاج في صحيحه ج 1 ص 218 حديث رقم : 249 عن أبي هريرة : ( أن رسول الله (ص) خرج إلى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) .
وهذا دليل على أنهم يسمعون وهم في قبورهم سلام من يسلم عليهم ، وإلاّ كان السلام عليهم لغواً فهل يأتي رسول الله (ص) بما هو لغو ؟ حاشاه من ذلك .
4- دل القرآن الكريم على أن الشهداء أحياء في حياتهم البرزخية يرزقون يقول تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } .
5- روى البخاري في صحيحه ج 1 ص 462 برقم : 1304 عن ابن عمر قال : ( اطلع النبي (ص) على أهل القليب ( هامش : قتلى بدر من المشركين الذين أمر النبي بهم أن يلقوا في قليب بدر ) فقال : وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟
فقيل له : تدعو أمواتاً ؟
فقال : ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون ) .

6- أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 457 حديث رقم : 3577 وصححه بسنده عن ابن مسعود عن النبي (ص) قل : ( أكثروا علي الصلاة في يوم الجمعة فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته ) .
وفي رواية أخرى أخرجها ابن ماجة في سننه ج 1 ص 524 برقم : 1637 عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله (ص) : ( أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحداً لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها .
قال : قلت وبعد الموت ؟
قال : وبعد الموت ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق ) .
7- وفي مجمع الزوائد للهيثمي 9/4 ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي (ص) قال : ( إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام ، قال : وقال رسول الله (ص) : حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ) قال الهيثمي : ( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ) .
8- وفي صحيح مسلم 4/1845 حديث رقم : 2375 عن أنس بن مالك قال : ( قال رسول الله (ص) : مررت على موسى وهو يصلي في قبره ) .
9- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد 8/211 عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (ص) : ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ) قال : ( رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات ) .

10- وفي صحيح ابن حبان ج 3 ص 195 حديث رقم : 914 عن ابن مسعود قال : قال رسول الله (ص) : ( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام ) .

11 - قوله تعالى : [ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَموا أَنْفُسَهُمْ جاءوكَ فاسْتَغْفَروا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدوا اللَّهَ تَوّاباً رَحيماً ] ( النساء : 64 )
وذلك يشمل حياته ومماته (ص) ، قال الشوكاني في نيل الأوطار 5/178 : ( احتج القائلون بأنها – زيارة قبر النبي (ص) - مندوبة بقوله تعالى : [ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَموا أَنْفُسَهُمْ جاءوكَ فاسْتَغْفَروا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ ] ووجه الاستدلال بها أنه (ص) حي في قبره بعد موته كما في حديث الأنبياء أحياء في قبورهم وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزءاً ، قال الأستاذ أبو منصور البغدادي : قال المتكلمون المحققون من أصحابنا : إن نبينا (ص) حي بعد وفاته انتهى ) .
وقال ابن حجر المكي في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف المكرّم وهو بصدد ذكر الأدلة على مشروعية زيارة النبي الأكرم (ص) : ( أما الكتاب فقوله [ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَموا أَنْفُسَهُمْ جاءوكَ فاسْتَغْفَروا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدوا اللَّهَ تَوّاباً رَحيماً ] دلّت على حث الأمة على المجيء إليه (ص) والاستغفار عنده ، واستغفاره لهم ، وهذا لا ينقطع بموته ، ودلّت أيضاً على تعليق وجدانهم الله تواباً رحيماً بمجيئهم واستغفارهم واستغفار الرسول لهم ) ( شفاء الفؤاد بزيارة خير العباد صفحة 43 ) .
ولقد صرح علماء أهل السنة بأن نبينا (ص) وبقية الأنبياء أحياء في قبورهم :
قال القسطلاني : ( ولا شك أن حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثابتة معلومة مستمرة ونبينا أفضلهم ، وإذا كان كذلك فينبغي أن تكون حياته أكمل وأتم من حياة سائرهم ) ( المواهب اللدنية 3/413 ) .

وقال السمهودي : ( لا شك في حياته – النبي محمد (ص) - بعد وفاته ، وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم ، حياة أكمل من حياة الشهداء التي أخبر الله تعالى بها في كتابه العزيز ، ونبينا (ص) سيّد الشهداء ، وأعمال الشهداء في ميزانه ، وقد قال (ص) : ( علمي بعد وفاتي كعلمي في حياتي ، رواه الحافظ المنذري ) ( وفاء الوفاء 4/1349 ) .

فاتضح من كل ذلك أن الأموات أحياء في قبورهم ، وإذا ثبت ذلك جاز التوسل والاستعانة والاستشفاع بمن لديه مكانة ومنزلة وكرامة وقرب عند الله سبحانه وتعالى كالأنبياء والأئمة وغيرهم من الأولياء والصالحين ، وقد مرّ عليك حديث عثمان بن حنيف الذي هو حديث صحيح في جواز التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبي (ص) بعد وفاته ، وهذه جملة من تصرحات جماعة من علماء أهل السنة في جواز كل ذلك به (ص) بعد وفاته :

قال القسطلاني : ( ينبغي للزائر أن يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل به (ص) فجدير بمن استشفع به أن يشفعه الله )
وقال : ( ثم أن كلاً من الاستغاثة والتوسل والتشفع والتوجه بالنبي – كما ذكره في تحقيق النصرة ومصباح الظلام – واقع في كل حال ، قبل خلقه وبعد خلقه ، في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث ... ) ( المواهب اللدنية 3/417 ) .
وقال المراغي : ( إنّ التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي (ص) واقع في كل حال قبل خلقه وفي مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ ، وبعد البعث وعرصات القيامة ) ( تحقيق النضرة بتلخيص معالم دار الهجرة صفحة 113 ) .
وقال الحافظ تقي الدين السبكي : ( وأقول إن التوسل بالنبي (ص) جائز في كل الأحوال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة ... ) ( شفاء السقام صفحة 161 ) .
قال تقي الدين الحصيني الدمشقي : ( ومن أنكر التوسل والتشفع به _ النبي محمد (ص) - بعد موته وأن حرمته زالت بموته فقد أعلم الناس ونادى على نفسه أنه أسوأ حالاً من اليهود الذين يتوسلون به قبل بروزه إلى الوجود ، وأن في قلبه نزعة هي أخبث النزعات ) ( دفع الشبهة عن الرسول والرسالة صفحة 137 ) .
فهل بعد هذا يحق لابن تيمية وأتباعه اليوم ( الوهابية ) أن يرموا المسلمين بالشرك أوالكفر بسبب توسلهم بنبيهم أو أئمتهم أو الصلحاء منهم بعد قيام الأدلة عندهم على جواز ذلك بل واستحبابه ؟

أمّا بالنسبة لما نقله من قول مروي عن النبي (ص) > إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله < فإنه لا يمكن تفسيره على ظاهره ، وإلاّ لزم منه حرمة السؤال لغير الله أو الاستعانة بغيره مطلقاً ، فهل يدّعي الجنيد ومن هم على مثل رأيه ذلك ؟!
هل يقول الجنيد بعدم جواز سؤال التلميذ لأستاذه أو الضال للطريق عن طريقه ، أو بحرمة الاستعانة بالطبيب للعلاج والمداوات أو بالسيارة وسائقها للسفر ؟! إن تفسير هذا القول على ظاهر ألفاظه يعني عدم جواز الأخذ بالأسباب والاستعانة بها وهذا باطل من جميع الوجوه ولا يقول به أحد أبدا.
والصواب أنه ليس المقصود بهذا القول النهي عن السؤال لغير الله أو الاستعانة بغيره وإنما مراد النبي (ص) أنّ أولى من يستعان به ويسأل هو الله فهو كقول (ص) : ( لا تصاحب إلاّ مؤمناً ولا يأكل طعامك إلاّ تقي ) فهذا الحديث لا يدل على حرمة مصاحبة غير المؤمن ولا على حرمة تقديم الطعام لغير التقي كيف وقد رخص الله سبحانه وتعالى في كتابه إطعام الأسير الكافر بل ومدح فاعله في قوله : [ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا ] .

التلميذ