قصة أسرى بدر.. التي زعموا أن النبي أخطأ فيها ، وأصاب عمر !

18 أبريل 2010
48
0
0
بســم الله الرحمن الرحيم

قصة أسرى بدر التي زعم عمر أنه أصاب فيها وأن النبي صلى الله عليه وآله أخطأ!!

معركة بدر أول معركة فاصلة بين الإسلام والشرك ، وكان عدد جيش المسلمين فيها ثلاث مئة ونيفاً ، وكانت تجهيزاتهم بسيطة ، وجيش المشركين نحو ألف بأحسن تجهيز ، ومع ذلك انتصر المسلمون عليهم فقتلوا سبعين من فرسانهم ، وأسروا سبعين ، ثم أطلقوهم مقابل فدية مالية .
وقد سجَّل الله تعالى هذه المعركة في القرآن ، ووبَّخ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كانوا معارضين لخوضها خوفاً من قريش، وكانوا يريدون الغكتفاء بغنيمة القافلة واسر مرافقيها ، مع أن الله تعالى وعدهم النصر على القافلة أو على جيش قريش ! قال الله تعالى :
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ[5] يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ [6] وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ[7] لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[8] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ[9] وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[10] إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ[11] إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ[12] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[13] ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ[14] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ[15] وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[16] فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[17] ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ[18] إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شيئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ[19] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ[20]
فالآيات صريحة في أن عمل النبي صلى الله عليه وآله كان بتوجيه الله تعالى ووحيه ، ولم يَدَّعِ أحدٌ أنه صلى الله عليه وآله أخطأ في الحرب ، أو في أخذ أسرى ، أو في إطلاقهم مقابل فدية مالية ! لكن عمر ادعى في خلافته أنه كان نهى النبي صلى الله عليه وآله عن أخذ الأسرى القرشيين ، وعن أخذ الفدية منهم ، فلم يطعه النبي صلى الله عليه وآله ، فعاقبه الله في معركة أحد ، فانهزم جيشه وقتل منهم سبعون ، وأصيب النبي صلى الله عليه وآله ، ونزلت آيات توبخه على ذنبه في بدر ، وتؤيد رأي عمر !!

قال في مجمع الزوائد: 6/115: (وعن عمر بن الخطاب قال: فلما كان عام أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ! فقتل منهم سبعون ، وفر أصحاب رسول الله عن النبي(ص) ، فكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ،وأنزل الله عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ إني هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ، بأخذكم الفداء ! رواه الطبراني في آخر حديث عمر الذي في الصحيح في مسنده الكبير ). انتهى.

وهذا الكلام باطل لأمور:
أولاً
لأن التوبيخ في الآية ليس للنبي صلى الله عليه وآله بل للذين أرادوا غنيمة القافلة وأسر مرافقيها وخافوا من القتال ، ومنهم أبو بكر وعمر !
ففي صحيح مسلم:5/170: (عن أنس أن رسول الله (ص) شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ، قال فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه ، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله ، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا). (وروا أحمد:3/219 و320و357 والشوكاني في نيل الأوطار:8/45 ) .
وقولهم إن النبي صلى الله عليه وآله أعرض عنهما ، وحذفهم لكلامهما ، يدل على أنهما خافا وخوَّفا النبي صلى الله عليه وآله من حرب قريش ! ويتأكد ذلك بقرينة أنهم رووا سرور النبي صلى الله عليه وآله وإشراق وجهه بموقف المقداد بعد موقف أبي بكر وعمر !
ففي البخاري:5/4 أن المقداد قال: (لانقول كما قال قوم موسى إذهب أنت وربك فقاتلا ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك. فرأيت النبي(ص)أشرق وجهه وسره ذلك ). وفي الطبراني الكبير:10/213: (فرأيت وجه رسول الله(ص) انبسطت أساريره). انتهى.
ولم يكتفوا بحذف كلام أبي بكر وعمر ، حتى زوروه وقالوا إنهما قالا وأحسنا ! قال ابن حجر في فتح الباري:7/223: (لما وصل النبي(ص)الصفراء وبلغه أن قريشاً قصدت بدراً ، وأن أبا سفيان نجا بمن معه ، فاستشار الناس فقام أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام عمر كذلك ثم المقداد... ) ! (ونحوه في النهاية:3/320 ، وأسد الغابة:4/59 و409) .
على أن بعض الروايات صرحت بشئ من كلامهما! ففي الدر المنثور:3/165: (فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله إنها قريش وعزها ، والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت ، والله لتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته ، واعدد له عدته) ! (ورواه في عيون الأثر:1/327 ، والنهاية:3/321 ) .
وفي الصحيح من السيرة:5/21: (فقام أبو بكر ، فقال: يارسول الله ، إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، وما ذلت منذ عزت ، ولم تخرج على هيئة الحرب . فقال له رسول الله (ص): أجلس ، فجلس ، فقال (ص): أشيروا عليَّ ، فقام عمر ، فقال مثل مقالة أبي بكر . فأمره النبي(ص) بالجلوس فجلس ). ( عن مغازي الواقدي:1/48 ، والسيرة الحلبية:2/150 ، والدر المنثور:3/ 166 ودلائل النبوة للبيهقي ، والبحار: 19/ 247 ، وتفسير القمي:1/ 258 ).

ثانياً
إن الدليل الذي استدلوا به على فضيلة عمر ، وضمنوه الطعن على النبي صلى الله عليه وآله دليل متهافت ، ففي الدر المنثور:3/163: (أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبي مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي الأنصاري قال: قال لنا رسول الله(ص) ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال: ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا ، فخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين أمرنا رسول الله(ص)أن نتعادَّ ففعلنا فإذاً نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فأخبرنا النبي(ص)بعدتنا فسرَّ بذلك وحمد الله ، وقال: عدة أصحاب طالوت. فقال: ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ؟ فقلنا يا رسول الله لاوالله مالنا طاقة بقتال القوم ، إنما خرجنا للعير... الى أن قال: فقتلنا وأسرنا ، فقال عمر: يا رسول الله ما أرى أن تكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون ، فقلنا معشر الأنصار إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا ، فنام رسول الله(ص)ثم استيقظ ثم قال: أدعوا لي عمر فدعي له فقال له: إن الله قد أنزل عليَّ: ما كان لنبي أن تكون له أسرى.. الآية). انتهى. (وهو في الطبراني الكبير:4/174، وحسَّنه في مجمع الزوائد:6/73 ).
ويرد على ذلك إشكالات ، منها: أن قول عمر يدل على أنه كان معارضاً لأصل أخذ الأسرى ، وأنه أراد إطلاقهم لتأليف قلوب قريش ، وهذا معنى قوله (ما أرى أن تكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون) !
ومنها: أن الرواية تقول إن عمر اعترض في بدر بعد المعركة فنزلت الآية مؤيدة لرأيه ، ونهت النبي صلى الله عليه وآله عن أخذ الأسرى ، لأن معركة بدر لم تكن إثخاناً كافياً يحلل أخذ الأسرى ! فدعا النبي صلى الله عليه وآله عمر فقرأها له وأقر بأن رأيه كان خطأ ورأي عمر صواباً ، ومع ذلك خالف النبي صلى الله عليه وآله الآية وعصى أمر ربه، وساق الأسرى الى المدينة ثم أخذ منهم الفداء !

وفي مسند أحمد:1/30: (فلما كان يومئذ والتقوا فهزم الله عز وجل المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً وأسر منهم سبعون رجلاً فاستشار رسول الله(ص)أبا بكر وعلياً وعمر فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة على الكفار ، وعسى الله أن يهديهم فيكونون لنا عضداً . فقال رسول الله(ص)ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم .
فهويَ رسول الله(ص)ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت ، فأخذ منهم الفداء فلما أن كان من الغد قال عمر: غدوت إلى النبي(ص)فإذا هو قاعد وأبو بكر رضي الله عنه وإذا هما يبكيان ! فقلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما !
قال فقال النبي(ص): الذي عرض عليَّ أصحابك من الفداء ! لقد عرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة ، وأنزل الله عز وجل(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، إلى قوله: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم ) من الفداء ، ثم أحل لهم الغنائم ، فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب النبي(ص)عن النبي(ص)وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه ، وأنزل الله تعالى ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها ) الآية.. بأخذكم الفداء ) !! (ورواه مسلم:3/158 و170 ومجمع الزوائد: 6/113 و115 و118 ورواه أحمد :1/32 ونحوه في سنن أبي داود:1/608).

ويَرِدُ عليه إشكالات عديدة ، منها: أنه وافق ادعاء عمر فطبَّق قوله تعالى (فيما أخذتم) على أخذ النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين أسرى بدر أو فداءهم !
وهذا لايصح لأنه مسبوق بقوله( لولا كتاب من الله) أي أن الأخذ لم يتحقق ، لأن لو حرف امتناع لامتناع ، فلا بد أن يكون هذا الأخذ التقديري أخذهم لمرافقي القاقلة ، الذي أرادوه ونجاهم الله منه برحمته وكتابه الذي سبق .

ومنها: أن عمر ادعى أن رأيه كان قتل الأسرى وأن الوحي وافقه ! لكن النبي صلى الله عليه وآله عصى ربه ولم يقتلهم وساقهم الى المدينة ثم أخذ منهم الفداء ! وهذا مناقض للرواية الحسنة المتقدمة التي تدل على أن عمر عارض أصل أخذ الأسرى !

ومنها: أنه اتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه أخَذَ الأسرى باجتهاد منه بدون أمر ربه ، عملاً برأي أبي بكر ، أو طمعاً بفدائهم المالي، ثم نهاه ربه فعصى وأصر على رأيه!
وهذا تحريفٌ للآية ، لأن التوبيخ فيها ليس للنبي صلى الله عليه وآله بل للذين خافوا من مواجهة قريش وأرادوا غنيمة القافلة ، وهم أبو بكر وعمر ومن وافقهم ! فهم الذين أرادو عرض الحياة الدنيا ، وأخْذ القافلة وأسْر مرافقيها ، ولو فعلوا ذلك لمسهم فيما أخذوا عذاب عظيم !

أما النبي صلى الله عليه وآله فقد أخذ أسرى بعد الإثخان في الأرض ، وأي إثخان أبلغ من سفره مسافة مئة وخمسين كيلو متراً الى بدر ، وإمعانه في قتل المشركين ؟!
وهذا المعنى واضح من آيات بدر: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ . وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. الى قوله: مَاكَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم . لَّوْلاَكِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيم) .

ومنها: أن الرواية تقول إن النبي صلى الله عليه وآله أخذ من الأسرى الفداء في الغد ، فنزلت عليه الآية توبخه وتنذره بالعذاب ، فقعد هو وأبو بكر يبكيان على ذنبهما ! بينما عاد النبي صلى الله عليه وآله بالأسرى الى المدينة ، وأخذ منهم الفداء بعد مدة !

ثالثاً
إن كل غرضهم من روايات القصة مدح عمر ولو بتخطئة النبي صلى الله عليه وآله ! وقد وضعوا لذلك حديثاً مكذوباً على رسول الله صلى الله عليه وآله اًنه قال ( لو نزل العذاب لما نجا منه إلا ابن الخطاب) . ومع أن نُقَّادهم حكموا بوضعه كما في؟؟؟؟
إلا أن عامة علمائهم يستشهدون به ويصححونه عملياً ، لافرق في ذلك بين كبيرهم وصغيرهم !

قال السيوطي في الدر المنثور:3/202: (وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر قال....فأخذ رسول الله(ص)بقول أبي بكر ففاداهم رسول الله فأنزل الله: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم . فقال رسول الله: إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ، ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر ).

وقال السرخسي في المبسوط:10/139: (وقال(ص)لو نزل العذاب ما نجى منه إلا عمر فإنه كان أشار بقتلهم واستقصي في ذلك) !!

وقال الغزالي في المستصفى ص170: (وقال (ص) في قصة أسارى بدر حيث نزلت الآية على وفق رأي عمر: لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر).

وقال الكاشاني في بدائع الصنائع:7/119: (وأشار سيدنا عمر إلى القتل فقال رسول الله: لو جاءت من السماء نار ما نجى إلا عمر ! أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن الصواب كان هو القتل) .

وفي زاد المسير لابن الجوزي:3/258: (وروي عن ابن عمر قال: لما أشار عمر بقتلهم وفاداهم رسول الله(ص)أنزل الله تعالى: ما كان لنبي، إلى قوله حلالاً طيباً. فلقي النبي(ص)عمر فقال: كاد يصيبنا في خلافك بلاء ). انتهى.

وقال الجصاص في أحكام القرآن:3/94: بعد ذكر حديث عمر المزعوم في بكء النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر: ( وذكر في حديث عبد الله بن مسعود وابن عباس الآخر أن الوعيد إنما كان في عرضهم الفداء على رسول الله(ص)وإشارتهم عليه به والأول أولى بمعنى الآية لقوله تعالى لمسكم فيما أخذتم ولم يقل فيما عرضتم وأشرتم ومع ذلك فإنه يستحيل أن يكون الوعيد في قوله قاله رسول الله(ص)لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ومن الناس من يجيز ذلك على النبي(ص)من طريق اجتهاد الرأي
ويجوز أيضاً أن يكون النبي(ص)أباح لهم أخذ الفداء وكان ذلك معصية صغيرة فعاتبه الله والمسلمين عليها ) .

وقد حاول القرطبي أن يبعد التوبيخ عن النبي صلى الله عليه وآله فجعله تارة على الذين أشاروا عليه ثم على الذين باشروا الحرب ، ثم جعله على النبي صلى الله عليه وآله واعتذر عنه بأنه انشغل عن الإثخان بالحرب وقتل الأسرى !
قال في تفسيره:8/45: (والمعنى: ماكان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي(ص)أسرى قبل الإثخان ، ولهم هذا الإخبار بقوله: تريدون عرض الدنيا . والنبي(ص)لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب ، ولا أراد قط عرض الدنيا ، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب ، فالتوبيخ والعتاب إنما كان متوجهاً بسبب من أشار على النبي بأخذ الفدية .
هذا قول أكثر المفسرين ، وهو الذي لا يصح غيره . وجاء ذكر النبي(ص)في الآية حين لم ينه عنه حين رآه من العريش ، وإذ كره سعد بن معاذ وعمر بن الخطاب وعبد الله بن رواحة ، ولكنه عليه السلام شغله بَغْتُ الأمر ونزول النصر ، فترك النهي عن الإستبقاء ، ولذلك بكى هو وأبو بكر حين نزلت الآيات . والله أعلم ) !! انتهى.

وهو تناقض وتخبط واضح وقع فيه عدد من مفسريهم ! ولو سألتهم: ما دام قتل الأسرى واجباً كما قال عمر ، والذي استبقاهم غير النبي صلى الله عليه وآله والنبي معذور لأنه انشغل عن الأمر بقتلهم ، فما له استبقاهم بعد نزول آية التوبيخ وإقر اره بها لعمر ، وقعد يبكي هو وأبو بكر خوفاً من نزول العذاب ، ثم ساق الأسرى معه وجعل عليهم غلامه شقران ؟!
والواقع أن تبرئة النبي صلى الله عليه وآله ليست مهمة عندهم بمقدار إثبات فضيلة لعمر ! لذلك تراهم يحكمون بخطئه صلى الله عليه وآله وارتكابه المعصية في أسر أسرى بدر وفدائهم ، وترى التقي فيهم يحاول تبرئته صلى الله عليه وآله بما يخطر بباله ولو بالتخبط ، لكنهم يجمعون على تأكيد إصابة عمر ، ولذلك أورد القرطبي بعد كلامه السابق أحاديثهم المزعومة وقال: (وفي رواية فقال رسول الله(ص): (إن كاد ليصيبنا في خلاف ابن الخطاب عذاب ، ولو نزل عذاب ما أفلت إلا عمر)!!
وقد كانت هذه عقيدتهم في تفضيل عمر على النبي صلى الله عليه وآله وكان أهل البيت عليهم السلام يستنكرون هذا الطعن برسول الله صلى الله عليه وآله ويردونه ، بل روينا أن المأمون استنكره على في مناظرتهم لهم:

(قال آخر: قد قال النبي (ص): لو نزل العذاب ما نجى إلا عمر بن الخطاب. قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً ، لأن الله تعالى يقول لنبيه: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، فجعلتم عمر مثل الرسول ، قال آخر: فقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة فقال المأمون: لو كان هذا كما زعمتم لكان عمر لايقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا ؟ فإن كان قد قال له النبي أنت من أهل الجنة ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة فصدق حذيفة ولم يصدق النبي(ص) ، فهذا على غير الإسلام ، وإن كان قد صدق النبي (ص) ، فلمَ سأل حذيفة ؟!)! (عيون أخبار الرضا:1/203)

ولم أر من وافقنا في تنزيه النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك إلا الفخر الرازي ، قال في المحصول:6/15: ( مسألة إذا جوزنا له (ص) الإجتهاد فالحق عندنا أنه لا يجوز أن يخطئ ، وقال قوم يجوز بشرط أن لا يقر عليه .
لنا: أنا مأمورون باتباعه في الحكم لقوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، فلو جاز عليه الخطأ لكنا مأمورين بالخطأ ، وذلك ينافي كونه خطأ .
واحتج المخالف بقوله تعالى: عفا الله عنك لم أذنت لهم ، فهذا يدل على أنه أخطأ فيما أذن لهم ، وقال تعالى: في أسارى بدر: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم فيه عذاب عظيم ، فقال عليه الصلاة والسلام: لو نزل عذاب من الله لما نجا إلا ابن الخطاب ، وهذا يدل على أنه أخطأ في أخذ الفداء ، ولأنه تعالى قال: قل إنما أنا بشر مثلكم ، فلما جاز الخطأ على من غيره جاز أيضاً عليه ، ولأن النبي(ص) قال: إنكم تختصمون لديَّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من غيره فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذنه إنما أقطع له قطعة من النار ، فلو لم يجز أن يقضي لأحد إلا بحقه لم يقل هذا ، ولأنه يجوز أن يغلط في أفعاله فيجوز أن يغلط في أقواله كغيره من المجتهدين!
والجواب: عن هذه الوجوه مذكور في الكتاب الذي صنفناه في عصمة الأنبياء ، فلا فائدة في الإعادة ).انتهى.

وقال أبو الفتح الكراجكي في التعجب من أغلاط العامة ص 61: (ومن عجيب كذبهم ومفرط غلوهم دعواهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لو نزل العذاب ما نجى إلا عمر بن الخطاب ! وهذا تصريح بالكفر والردة والخروج عن الملة ، لأنهم أوجبوا أنه لولا عمر بن الخطاب لهلك جميع الناس ، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال الله تعالى فيه: وما كان ليعذبهم وأنت فيهم ! وفيهم أهل بيته المكرمون الذين شهد بطهارتهم التنزيل في قول الله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا .
هذا والمحفوظ عن عمر أنه دعا بالويل والثبور عند احتضاره ، وتمنى لو كان تراباً وأن أمه لم تلده ، فلولا أنه رأى بوادر ما توعد به على سئ أعماله وأشرف على مقدمات العذاب وأهواله ، لم يقل هذا عند احتضاره ، فكيف يصح القول بأنه لولا من هذه صفته لعذب الله خلقه الذين فيهم خيرته وصفوته ؟! وهل يخفى هذا الإفتعال إلا على العمي والجهال) ؟! انتهى.
(راجع أيضاً الصحيح من السيرة:5/110، والنص والإجتهاد ص319 ففيهما تفصيلات مفيدة) .


الأسئلة
1- هل يمكنكم أن تفسروا آيات معركة بدر بدون أن تطعنوا في عصمة نبيكم صلى الله عليه وآله وتتهمونه بالمعصية ومخالفة أمر ربه ؟!

2- ما معنى قوله تعالى: يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ...تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ . لَوْلاَكِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيم . فما هو الحق الذي تبين لهم ، ومن هم البدريون المجادلون لنبيهم صلى الله عليه وآله بعد ما تبين لهم الحق ، وهل هم الذين كانوا يريدون أخذ القافلة وأسر مرافقيها وعرض الدنيا بدون إثخان في الأرض؟!

3- لماذا حذف الرواة رأي أبي بكر وعمر عندما شاورهما النبي صلى الله عليه وآله في مواجهة قريش ؟ وهل كان رأيهما ذات الشوكة أو غير ذات الشوكة ؟!

4- هل تقبلون قول عمر إن النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر قعدا يبكيان على ذنبهما أو خوف نزول العذاب ؟ وماذا كان ذنبهما ؟!

5- كيف تفسرون قول عمر: (يا رسول الله ما أرى أن تكون لك أسرى ، فإنما نحن داعون مؤلفون)؟! وما معنى داعون مؤلفون ؟!

6- قال عمر: (فلما كان عام أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ! فقتل منهم سبعون ، وفر أصحاب رسول الله عن النبي(ص) فكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه) . انتهى.

فهل تقبلون هذا الكلام الصريح في أن العقوبة نزلت على النبي صلى الله عليه وآله بسبب ذنبه ومعصيته لربه ولعمر ؟!

7 - كيف تقبلون نسبة المعصية والخطأ الى النبي صلى الله عليه وآله والله تعالى يقول ( وما ينطق .. فخذوه .. أطيعوا .. يحكموك ) فهل أمرنا الله بإطاعته وهو يعصي ويخطئ؟!

8- هل تقبلون الحديث المزعوم: ( لو نزل العذاب لما نجا منه إلا ابن الخطاب) ، وهل كان العذاب يشمل النبي وآله صلى الله عليه وآله ؟!

9- قال عمر إن العذاب نزل العذاب في أحد على النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين ، وقد وصف نفسه يومذاك كما في الدر المنثور:2/88: (أخرج ابن جرير عن كليب قال: خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى قوله: إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ، قال: لما كان يوم أحد هزمناهم ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس يقولون قتل محمد) ! انتهى .

فهل نجا عمر من العذاب ، أم شمله قوله تعالى: وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ؟!

قال ابن هشام: وكان ضرار بن الخطاب لحق عمر بن الخطاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول انج يا بن الخطاب لا أقتلك ؟! فكان عمر يعرفها له بعد الإسلام رضي الله عنهما ؟!! .

10- قال ابن أبي الحديد في شرح النهج:14/176: ( وأما الحديث الذي فيه ( لو نزل عذاب لما نجا منه إلا عمر ) ، فالواقدي وغيره من المحدثين اتفقوا على أن سعد بن معاذ كان يقول مثل ما قاله عمر ، بل هو المتبدئ بذلك الرأي ورسول الله (ص)بعدُ في العريش ، والمشركون لم ينفضَّ جمعهم كلَّ ذلك الإنفضاض ، فكيف خص عمر بالنجاة وحده دون سعد ؟) . انتهى.

والسؤال: لماذا خصصتم عمر بالنجاة من العذاب دون سعد ؟ وهل تقبلون ما رواه ابن زيد قال: فقال رسول الله(ص): لو نزل عذاب من السماء ما نجا منكم غير عمر وسعد بن معاذ ) . ( مجمع البيان:4/495 )

11- قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . فهل نُسخت هذه الآية بقول النبي صلى الله عليه وآله الذي ادعيتموه ؟!