معاوية بن يزيد بن معاوية..حدث هز الدولة الاموية !

18 أبريل 2010
48
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم


معاوية الثاني كشف جرائم جده وأبيه.. فاتهموه بالتشيع وقتلوه !


قال اليعقوبي في تاريخه:2/253: ( ثم ملك معاوية بن يزيد بن معاوية ، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة ، أربعين يوماً وقيل بل أربعة أشهر ، وكان له مذهب جميل فخطب الناس فقال: أما بعد حمد الله والثناء عليه أيها الناس ، فإنا بلينا بكم وبليتم بنا فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا ، ألا وإن جدي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله وأحق في الاسلام ، سابق المسلمين وأول المؤمنين وابن عم رسول رب العالمين وأبا بقية خاتم المرسلين ، فركب منه ما تعلمون وركبتم منه ما لا تنكرون ، حتى أتته منيته وصار رهناً بعمله . ثم قلد أبي وكان غير خليق للخير فركب هواه واستحسن خطأه وعظم رجاؤه ، فأخلفه الأمل وقصر عنه الأجل فقلت منعته وانقطعت مدته وصار في حفرته رهناً بذنبه وأسيراً بجرمه .
ثم بكى وقال: إن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول وأباح الحرمة وحرق الكعبة ، وما أنا المتقلد أموركم ولا المتحمل تبعاتكم فشأنكم أمركم ، فوالله لئن كانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظاً ، وإن تكن شراً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها . فقال له مروان بن الحكم: سُنَّها فينا عُمَرية ! قال: ما كنت أتقلدكم حياً وميتاً ومتى صار يزيد بن معاوية مثل عمر ومن لي برجل مثل رجال عمر ! وتوفي وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وصلى عليه خالد بن يزيد بن معاوية ، وقيل بل عثمان بن محمد بن أبي سفيان ، ودفن بدمشق وكان بها ينزل). (فأقر عمال أبيه ولم يولِّ أحداً ، ولم يزل مريضاً حتى مات... وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان) . (ابن خياط/255).

(وكان قدرياً ، لأنه أشخص عمراً المقصوص فعلمه ذلك فدان به وتحققه ، فلما بايعه الناس قال للمقصوص: ما ترى؟ قال: إما أن تعتدل وإما أن تعتزل . فخطب معاوية فقال: إنا بلينا بكم وابتليتم بنا وإن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحق فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله ثم تقلده أبي ولقد كان غير خليق به فركب ردعه واستحسن خطأه ، ولا أحب أن ألقى الله بتبعاتكم فشأنكم وأمركم ولوه من شئتم ، فوالله لئن كانت الخلافة مغنماً لقد أصبنا منها حظاً وإن كانت شراً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها ! ثم نزل وأغلق الباب في وجهه وتخلى للعبادة حتى مات بالطاعون في سنة أربع وستين عن اثنتي وعشرين سنة... فوثب بنو أمية على عمرو المقصوص وقالوا أنت أفسدته وعلمته فطمروه ودفنوه حياً) . (البدء والتاريخ:6/16).

(وإنما كُنِّيَ أبا ليلى تقريعاً له لعجزه عن القيام بالأمر ، وكانت العرب تفعل ذلك بالعاجز من الرجال.. بويع في اليوم الذي هلك فيه أبوه يزيد... وكان ربعة من الرجال نحيفاً يعتريه صفار).(التنبيه والإشراف/265) .
(وقد كان عقد لابنه معاوية بن يزيد بالعهد بعده فبايع له الناس وأتته بيعة الآفاق إلا ما كان من بن الزبير وأهل مكة ، فولي ثلاثة أشهر ويقال أربعين ليلة ولم يزل في البيت لم يخرج إلى الناس كان مريضاً ! فكان يأمر الضحاك بن قيس الفهري يصلي بالناس بدمشق ، فلما ثقل معاوية بن يزيد قيل له: لو عهدت إلى رجل عهداً واستخلفت خليفة؟ فقال: والله ما نفعتني حياً فأتقلدها ميتاً... ولكن إذا متُّ فليصلِّ عليَّ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وليصل بالناس الضحاك بن قيس حتى يختار الناس لأنفسهم ويقوم بالخلافة قائم . فلما مات صلى عليه الوليد وقام بأمر الناس الضحاك بن قيس ، فلما دفن معاوية بن يزيد قام مروان بن الحكم على قبره فقال أتدرون من دفنتم؟قالوا: معاوية بن يزيد فقال: هذا أبو ليلى! فقال أزنم الفرازي:

إني أرى فتناً تغلي مراجلها فالملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
واختلف الناس بالشام فكان أول من خالف من أمراء الأجناد ودعا إلى ابن الزبير: النعمان بن بشير بحمص وزفر بن الحارث بقنسرين ، ثم دعا الضحاك بن قيس بدمشق الناس سراً ، ثم دعا الناس إلى بيعة بن الزبير علانية فأجابه الناس إلى ذلك وبايعوه له). (الطبقات:5/39).

(وقال المدايني: يقال إن القرشي إذا كان ضعيفاً يقال أبو ليلى وإنما ضعف معاوية لأن ولايته كانت ثلاثة أشهر. قال: وأما عثمان بن عفان فيقال له أبو ليلى لأن له ابنة يقال لها ليلى).(لسان العرب:11/609).
ولم أجد ليلى في بنات عثمان ! فلعلهم اخترعوها ليبعدوا عنه تهمة الضعف !


التناقض الأموي والتعتيم على آراء معاوية الثاني !

الصورة التي قدمها رواة الخلافة لمعاوية الثاني ، أنه ضعيف الشخصية زاهد في الحكم ، اختار الإنزواء والعبادة ، ومرض ومات ورفض أن يوصي الى أحد !
لكن ابن قتيبة في الامامة والسياسة:2/10، قدَّم صورة أخرى مختلفة تماماً ! قال: (فلما مات يزيد بن معاوية استخلف ابنه معاوية بن يزيد ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة فلبث والياً شهرين وليالي محجوباً لا يرى ، ثم خرج بعد ذلك فجمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إني نظرت بعدكم فيما صار إلي من أمركم وقلدته من ولايتكم فوجدت ذلك لايسعني فيما بيني وبين ربي أن أتقدم على قوم فيهم من هو خير مني وأحقهم بذلك وأقوى على ما قلدته ، فاختاروا مني إحدى خصلتين: إما أن أخرج منها وأستخلف عليكم من أراه لكم رضاً ومقنعاً ولكم الله عليَّ ألا آلوكم نصحاً في الدين والدنيا. وإما أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها . قال: فأنفَ الناس من قوله وأبوْا من ذلك وخافت بنو أمية أن تزول الخلافة منهم فقالوا: ننظر في ذلك يا أمير المؤمنين ونستخير الله ، فأمهلنا . قال: لكم ذلك ، وعجِّلوا عليَّ . قال فلم يلبثوا بعدها إلا أياماً حتى طُعِن(مرض مرض الموت)فدخلوا عليه فقالوا له: إستخلف على الناس من تراه لهم رضاً . فقال لهم: عند الموت تريدون ذلك؟ لا والله لا أتزودها ! ما سعدت بحلاوتها فكيف أشقى بمرارتها ثم هلك رحمه الله ولم يستخلف أحداً) .
وهذا يدل على أنه رجل قويٌّ جداً وصاحب مشروع جرئ ! وأن خطته كانت أن يأخذ تعهداً من بني أمية بقبول (شخص) يراه أكفأ منه للخلافة ، ثم يعزل نفسه ويعلن خلافته ، وقد أبقى إسم ذلك الشخص سراً ، لأن بني أمية لم يقبلوا رأيه ، لخوفهم أن يكون من غيرهم ! فمن هو ذلك (الشخص)ياترى؟!
من المؤكد أنه لم يكن أموياً ، لأنهم حاولوا معه كثيراً أن يستخلف شقيقه خالد فلم يقبل: ( وسألته أمه بثدييها(أقسمت عليه بحليبها)أن يستخلف أخاه خالد بن يزيد بن معاوية فأبى وقال: لا أتحملها حياً وميتاً). (تاريخ دمشق:59/303).

وبهذا تعرف أن معنى إبائه عن تحملها حياً وميتاً أنه ليس مستعداً أن يعطيها لغير أهلها ، وأنه ترك رئاسة أمبراطورية واسعة مدى العمر ، ثم عرض حياته لخطر الموت من أجل أن يوصل الخلافة الى صاحبها الشرعي ، أو يسجل موقفه ويدفع حياته ثمناً له ! وهذا غاية في البذل والتضحية والشجاعة !

ولهذا يترجح عندنا أنه كان شيعياً وأنه أراد أن يعطي الخلافة للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام،
ويؤيده أن عقيدته التي أعلنها في علي والعترة عليهم السلام والتي شهد بها أستاذه هي التشيع وليست عقيدة الجبرية الذين اتهم بأنه منهم !
ويتضح ذلك من خطبته التي رواها الدميري في حياة الحيوان:1/98، وابن الدمشقي في جواهر المطالب:2/261 ، واللفظ للأول: (وذكر غير واحد أن معاوية بن يزيد لما خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلاً ثم حمد الله وأثنى عليه بأبلغ ما يكون من الحمد والثناء ، ثم ذكر النبي بأحسن ما يذكر به ، ثم قال:
يا أيها الناس، ما أنا بالراغب في الإئتمار عليكم لعظيم ما أكرهه منكم، وإني لأعلم أنكم تكرهوننا أيضاً لأنا بلينا بكم وبليتم بنا ! ألا إن جدي معاوية قد نازع في هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره لقرابته من رسول الله وعظم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قدراً وأشجعهم قلباً وأكثرهم علماً وأولهم إيماناً وأشرفهم منزلة وأقدمهم صحبة . ابن عم رسول الله وصهره وأخوه ، زوَّجه النبي ابنته فاطمة وجعله لها بعلاً باختياره لها وجعلها له زوجة باختيارها له أبو سبطيه سيدي شباب أهل الجنة وأفضل هذه الأمة ، تربية الرسول وابني فاطمة البتول من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية ، فركب جدي منه ما تعلمون وركبتم معه ما لاتجهلون، حتى انتظمت لجدي الأمور فلما جاءه القدر المحتوم واخترمته أيدي المنون بقي مرتهناً بعمله فريداً في قبره ، ووجد ما قدمت يداه ورأى ما ارتكبه واعتداه ! ثم انتقلت الخلافة إلى يزيد أبي فتقلد أمركم لهوى كان لأبيه فيه ، ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه غيرخليق بالخلافة على أمة محمد ، فركب هواه واستحسن خطاه وأقتحم على ما أقدم من جرأته على الله ، وبغيه على من استحل حرمته من أولاد رسول الله ، فقلَّت مدته وانقطع أثره ، وضاجع عمله وصار حليف حفرته رهين خطيئته وبقيت أوزاره وتبعاته ، وحصل على ما قدَّم ، وندم حيث لا ينفعه الندم ، وشغلنا الحزن له عن الحزن عليه ، فليت شعري ماذا قال وماذا قيل له هل عوقب بإساءته وجوزي بعمله وذلك ظني ! ثم خنقته العبرة فبكى طويلاً وعلا نحيبه ثم قال: وصرت أنا ثالث القوم والساخط عليَّ أكثر من الراضي ، وما كنت لأتحمل آثامكم ، ولا يراني الله جلت قدرته متقلداً أوزاركم وألقاه بتبعاتكم ، فشأنكم أمركم فخذوه ، ومن رضيتم به عليكم فولوه ، فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم . والسلام . فقال له مروان بن الحكم وكان تحت المنبر: أسنةً عمريةً يا أبا ليلى؟ فقال أغدُ عني ! أعن ديني تخدعني؟ فوالله ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرع مرارتها ! ائتني برجال مثل رجال عمر ، على أنه ما كان حين جعلها شورى وصرفها عمن لايشك في عدالته ظلوماً . والله لئن كانت الخلافة مغنماً لقد نال أبي منها مغرماً ومأثماً ، ولئن كانت سوءً فحسبه منها ما أصابه . ثم نزل فدخل عليه أقاربه وأمه فوجدوه يبكي فقالت له أمه: ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك . فقال: وددت والله ذلك ثم قال ويلي إن لم يرحمني ربي .
ثم إن بني أمية قالوا لمؤدبه عمر المقصوص: أنت علمته هذا ولقنته إياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علي وأولاده ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسنت له الباع حتى نطق بما نطق وقال ما قال ! فقال: والله ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي ! فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حياً حتى مات ) ! انتهى.
وفي جواهر المطالب: (ثم نزل فدخل الخضراء فقالت له أمه: ليتك كنت حيضة ! فقال: والله لوددت أن كنت ذلك ولم أعلم أن لله ناراً يعذب بها من عصاه ، إن لم يرحم الله أبي وجدي فويلٌ لهما . ثم إنه مات بعد أربعين يوماً فوثب بنو أمية على مؤدبه المعروف بعمر المقصوص وقالوا له: أنت علمته هذا ! فقال: لا والله ، وإنه لمطبوع عليه والله ما حلف قط إلا بمحمد وآل محمد وما رأيته أفرد محمداً منذ عرفته) !
(وبهامشه: من أول الخطبة إلى هاهنا رواه اليعقوبي بمغايرة طفيفة لفظية في حوادث سنة 64من تاريخه:2/240. وذيل الكلام رواه أيضاً المسعودي في حوادث سنة64 من كتاب مروج الذهب:3/73 . ورواه في كتاب الأضواء/116عن كتاب حياة الحيوان:2/61 ورواه بأتم منهم ابن العبري في كتابه تاريخ مختصر الدول/111 ، ثم قال في ذيل القصة: فوثب بنو أمية على عمر المقصوص وقالوا أنت أفسدته وعلمته ! فطمروه ودفنوه حيا ! وانظر ترجمة عمر بن نعيم العنسي من النسخة الأردنية من تاريخ دمشق:13/365. ورواه موجزاً ابن حجر في كتاب الصواعق/134).

أقول: ولا يعارض الحكم بتشيعه المفاهيم التي تضمنتها روايتهم لكلامه ، فلا يُعتمد على مارووه في هذه النقطة لأن مقصودهم التعتيم ، وكثير من رواتهم يستحلون الكذب لتغطية فضائل أهل البيت عليهم السلام ومدح مخالفيهم ! وقد رأيت تناقض روايتهم في رأيه في عمر بن الخطاب . ولا مجال لبسط البحث في معاوية الثاني ، لكنه ظاهرة بارزة وشاهدٌ من أهلها على فداحة ظلامة أهل البيت^بيد قريش وأمية ، وشاهد على بطشهم بمن خالفهم حتى لو كان ابنهم وخليفتهم !


أستاذه الملقب بالمقصوص هو عمر بن نعيم العنسي

أما إسم أستاذه الذي قتلوه ولقبوه بالمقصوص ، فهو عمر بن نعيم العنسي معلم أولاد يزيد ، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان ، وروى عن أسامة عن أبي ذر، وروى عنه مكحول وغيره ، وفي تاريخ دمشق لابن منظور:12/جزء23/10: (عمر بن نعيم العنسي ويقال القرشي ، معلم بني يزيد بن معاوية) انتهى. وقد روى عنه أحمد:5/174، والحاكم:4/257 ، وابن الجعد/489 ، وابن حبان:2/393 ، والطبراني في مسند الشاميين:1/124، و:4/368، وابن عساكر:8/89 ، و:45/351 . وترجم له: بخاري في الكبير:6/202، والرازي في الجرح والتعديل:2/284، وابن حبان في الثقات:7/179، والخطيب في تاريخه:3/117 ، وابن حجر في تعجيل المنفعة/27 ، والحسيني في الإكمال/310 ، وغيرهم).

(من مواضيع المجلد الثالث من كتاب جواهر التاريخ)