الرد على الشيخ عبد الله بن سعيد الجنيد حول مسألة البداء

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

افتراء الجنيد على الشيعة وزعمه أنهم ينسبون الجهل إلى الله في قولهم بالبداء

قال الجنيد في كتابه حوار هادئ صفحة 107 :
( عقيدة البداء عند الشيعة )
وقال في هامش الصفحة المذكورة :
( البداء كلمة تعني أن الله بدا – أي ظهر له – علم جديد لم يكن قد خطر له من قبل ، بمعنى حصل له علم جديد لم يكن يعلمه من قبل ، وقد اعتقده اليهود في الله عزّ وجل وهي فكرة خبيثة تنفي عن الله علمه السابق لكل شيء ) .

أقول : إنّ القول بأنّ الشيعة ينسون الجهل إلى الله عزّ وجل في قولهم بالبداء فرية على الشيعة افتراها عليهم أعداؤهم قديماً وحديثاً ، وممن يروّج لهذه الفرية في وقتنا الحاضر أشباه المتعلمين ممن ينتسبون إلى الفرقة الوهابية أو من يسمون أنفسهم بالسلفية ! وعبد الله بن سعيد الجنيد هذا هو واحد من هؤلاء ، حيث كرر كالببغاء ما قاله أسلافه ضد الشيعة الإمامية الإثنى عشرية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام دون أن يرجع إلى كتب علماء الشيعة لمعرفة معنى البداء الذي يقولون به .

معنى البداء عند الشيعة الإمامية


إن معنى البداء عند الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ليس بالمعنى الذي يقول به مناؤوهم من أنه بمعنى (الظهور بعد الخفاء) أو بمعنى ( نشأة رأي جديد ) بل هو نسخ في التكوين لضرب من المصلحة تقتضيها حكمة الله عز وجل كالنسخ في التشريع يدل عليه قوله تعالى : { يَمْحو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ } ( الرعد : 39 ) .
وسيتضح معناه أكثر - إن شاء الله تعالى - عند سردنا لبعض أقوال علماء الشيعة حول معنى البداء .

نعم كيف يقول الشيعة بالبداء بالمعنى الذي يحاول أن يلصقه به خصومهم وهم يروون عن إمامهم الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قوله :
( من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (شرح أصول الكافي للمازندراني 6/89 ، بحار الأنوار 4/125 )
وقوله عليه السلام : ( من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فأبرؤوا منه ) ( كمال الدين وتمام النعمة 69 ، موسوعة الإمام الصادق 4/351 ، بحار الأنوار 4/111 ) .
وقوله عليه السلام : ( ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدوا له ) (الكافي 1/148 ) .
وقوله عليه السلام : ( لكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ، وليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إن الله لا يبدو له من جهل ) (موسوعة الإمام الصادق 4/347 ، تفسير العياشي 2/218 ، البحار 4/121 ) .


أقوال علماء الشيعة في معنى البداء

قال الشيخ الصدوق رحمه الله : ( ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك ، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء ، معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء ، ويبدأ بخلق غيره ، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه ، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها ، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك ، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به ، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم ، فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء ، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويأمر بما يشاء كيف شاء فقد أقر بالبداء .
وما عظم الله عز وجل بشيء أفضل من الإقرار بأنه له الخلق والأمر ، والتقديم والتأخير وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان .
والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا : إن الله قد فرغ من الأمر ، فقلنا : إن الله كل يوم في شأن ، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء ، والبداء ليس بداء ندامة ، وهو إنما هو ظهور أمر يقول العرب : بدا لي شخص في طريقي أي ظهر ، قال الله عز وجل : { وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكونوا يَحْتَسِبونَ } ( الزمر : 47 ) أي ظهر لهم ، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد الله في عمره ، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره ، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره ، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره ) ( التوحيد 335 – 336 ) .
وقال الشيخ الطوسي عليه الرحمة : ( البداء حقيقة في اللغة هو الظهور ، ولذلك يقال : بدا لنا سور المدينة ، وبدا لنا وجه الرأي ، وقال الله تعالى :{ وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلوا } ( الجاثية : 33 ) ويراد بذلك كله ظهر .
وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا وكذلك في الظن ، فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ، ومنه ما لا يجوز ، فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن ، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم ، أطلق على ذلك لفظ البداء ) (عن تعليقة البحار 4/125 ناقلاً عن كتاب العدة ) .
وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة .((قول الإمامية في البداء طريقة السمع دون العقل ، وقد جاءت الأخبار به عن أئمة الهدى عليهم السلام ، والأصل في البداء هو الظهور . قال تعالى : { وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكونوا يَحْتَسِبونَ } يعني به ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم وتقديرهم . وقال : { وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبوا وَحاقَ بِهِمْ } يعني ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم ذلك ، وتقول العرب : قد بدا لفلان عمل حسن ، وبان له كلام فصيح ، كما يقولون : بدا من فلان كذا ، فيجعلون اللام قائمة مقامه ، فالمعنى في قول الإمامية : بدا لله في كذا ، أي ظهر فيه ، ومعنى ظهر فيه أي ظهر منه ، وليس المراد منه تعقب الرأي ووضوح أمر كان قد خفي عنه ، وجميع أفعاله تعالى الظاهرة في خلقه بعد أن لم تكن فهي معلومة فيما لم يزل ، وإنما يوصف منها بالبداء ما لم يكن في الاحتساب ظهوره ولا في غالب الظن وقوعه ، فأما ما علم كونه وغلب في الظن حصوله فلا يستعمل فيه لفظ البداء ...

وقد يكون الشيء مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه ، قال الله تعالى : { ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ } فتبين أن الآجال على ضربين : ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { )وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ في كِتاب} ( فاطر : 11 ) وقوله سبحانه وتعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ } ( الأعراف : 96 ) فبين أن آجالهم كانت مشروطة في الامتداد بالبر ، والانقطاع بالفسوق ، وقال تعالى فيما أخبر به عن نوح عليه السلام في خطابه لقومه : { اسْتَغْفِروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً } إلى آخر الآيات ( نوح : 10 – 11 ) .

فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم ، الاستغفار ، فلما لم يفعلوا قطع آجالهم وبتر أعمارهم ، واستأصلهم بالعذاب .
فالبداء من الله يختص ما كان مشتركا في التقدير ، وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، ولا تعقب الرأي تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا ) (عن تعليقة البحار 4/126 ناقلاً عن كتاب تصحيح الاعتقاد ).
وقال العلامة المجلسي عليه الرحمة :
(ثم اعلم أن الآيات والأخبار تدل على أن الله خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات ، أحدهما : اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلا ، وهو مطابق لعلمه تعالى ، والآخر : لوح المحو والإثبات ، فيثبت فيه شيئا ثم يمحوه ولحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب ، مثلا يكتب فيه أن عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه أن مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره ، فإذا وصل الرحم مثلا يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللوح المحفوظ أنه يصل عمره ستون ، كما أن الطبيب الحاذق إذا اطلع على مزاج شخص يحكم بأن عمره بحسب المزاج ستين سنة ، فإذا شرب سما ومات ، أو قتله إنسان فنقص ذلك من عمره أو استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب ، والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمى بالبداء ) (بحار الأنوار 4/130 ) .
وقال الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء :
(( وأما البداء الذي تقول به الشيعة ... فهو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمرا يرسم في ألواح المحو والإثبات وربما يطلع عليه الملائكة المقربين أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي والنبي يخبر به أمته ، لم يقع بعد ذلك لأنه محاه وأوجد في الخارج غيره ، وكل ذلك جلت عظمته يعلمه حق العلم ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطلع عليه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ممتحن ، وهذا المقام من العلم هو المعبر عنه في القرآن الكريم بـ ( أم الكتاب ) المشار إليه وإلى المقام الأول بقوله : { يَمْحو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} ... ) (أصل الشيعة وأصولها 263 ) .
هذه نماذج من أقوال جمع من أساطين علماء الشيعة الإمامية الإثنى عشرية في معنى البداء الذي تعتقد وتؤمن به الشيعة ، وليس في قول واحد منهم ما يظهر منه نسبة الجهل إلى الله عز وجل .




إن القول بأن الشيعة ينسبون الجهل إلى الله عز وجل تكذبه الروايات التي رواها ثقات الشيعة والأجلاء من رواتهم وعلمائهم عن الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام ، فهم يروون عن أئمتهم الكثير من الروايات التي هي صريحة في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن أي جهل ، والتي تثبت أن علمه تعالى مطلق ، وأنه عالم بما كان وما يكون ولا منتهى لعلمه ، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وهذه نماذج من رواياتهم في هذا المجال :
نماذج من روايات الشيعة في نفي الجهل عن الله


روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن منصور بن حازم أنه قال : ( قلت له – أي الإمام الصادق عليه السلام - : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله ؟
قال : فقال : بلى ، قبل أن يخلق السماوات والأرض ) ( التوحيد : 135 ) .
وروى أيضاً بسنده عن منصور بن حازم قال : ( سألته – أي الإمام الصادق عليه السلام - هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله عز وجل ؟ قال : لا ، بل كان في علمه قبل أن ينشيء السماوات والأرض ) ( التوحيد : 135 – 136 )
وروى بسنده عن عبد الله بن مسكان قال : ( سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان أم علمه عندما خلقه وبعد ما خلقه ؟ فقال : تعالى الله ، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعدما كوّنه ، وكذلك علمه بجميع الأشياء كعلمه بالمكان ) ( التوحيد : 137 ) .
وروى أيضاً بسنده عن منصور الصقيل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( إن الله علم لا جهل فيه ، وحياة لا موت فيه ، نور لا ظلمة فيه ) ( التوحيد : 137 )
وفي رواية ينقلها السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان أن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء وعنده أم الكتاب ، وقال : كل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ، وليس شيء يبدو له إلا كان في علمه ، إن الله لا يبدو له من جهل ) (الميزان في تفسير القرآن 11/383 – 384 ) .
ويكذبه أيضاً أقوال علماء الشيعة الصريحة في إثبات العلم المطلق له سبحانه وتعالى ، والنافية لكل جهل عنه عز وجل ..

أقوال علماء الشيعة في علم الله ونفي الجهل عنه

قال الشيخ المفيد عليه الرّحمة : (( إن الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه وأنه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه ، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوما إلا وهو عالم بحقيقته ، وأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وبهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور ، والأخبار المتواترة من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو مذهب جميع الإمامية ) ( أوائل المقالات : 60 ) .

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله : (( ... وأنه تعالى عالم ، بمعنى أن الأشياء واضحة له حاضرة عنه غير غائبة عنه ، بدليل أنه فعـل الأفعال المحكمة المتقنة ، وكل مــن كان كذلك فهو عالم بالضرورة )) ( الرسائل العشر ، المقالة السادسة : 94 )

وقال العلامة المقداد بن عبد الله السيوري رحمه الله : (( الباري تعالى عالم بكل ما يصح أن يكون معلوما ، واجبا كان أو ممكنا ، قديماً أو حادثاً ) (النافع يوم الحشر : 13 ) .

وقال السيد عبد الله شبر رحمة الله عليه : (( ويكفي في ثبوت علمه تعالى الآيات المتضافرة والأخبار المتواترة ... أن الله تعالى عالم يعلم الأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها ، لا يخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى ، ما تكن الصدور ولا يجهل شيئا )) (حق اليقين 1/63 ) .

وقال السيد محسن الأمين العاملي قدس سره : (( وعلمه تعالى محيط بجميع الأشياء إحاطة تامة جزئياتها وكلياتها لا يمكن أن يخفى عليه شيء )) (نقض الوشيعة 515 ) .

وقال السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي رحمه الله : (( وقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على أن الله تعالى لم يزل عالما قبـل أن يخلق الخلق بشتى أنواعــه بمقتضى حكم العقل الفطـري وطبقا للكتاب والسنة )) (محاضرات في أصول الفقه ( الفياض ) 5/333 ) .

وقال الشيخ العلامة جعفر السبحاني : (( اتفقت الإمامية تبعا لنصوص الكتاب والسنة والبراهين العقلية على أنه سبحانه عالم بالأشياء والحوادث كلها غابرها وحاضرها ومستقبلها كليها وجزئيها لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض ) ( الإلهيات : 566 ) .

وقال السيد محمد علي الحسيني العاملي : (( يجب الاعتقاد بأن الله عز وجل عالم بجميع الأشياء كبيرها وصغيرها الجزئية منها حتى الذرة وكليها ، محيط بها إحاطة حقيقية واقعية يعلم خطرات القلوب لحظات العيون ، ويعلم بكل حركة يتحركها حيوان في الأرض والسماء والبحار والأنهار ، ويعلم عدد الرمل والحصى ، ومحيط بأعضاء كل حيوان ، البعوضة منها وغيرها حتى الحيوانات التي لا ترى بالعين المجردة ، ويعلم بموتها وحياتها ، ونفعها وضرها وأعمارها وأرزاقها ، ويعلم بما هو موجود في الحال وما يصدر عنه في المستقبل ومحيط بكل ما خلقه من سماوات وأرض وجبال وأودية ، وكواكب وبحار وأنهار وما فيهن وما بينهن والأشجار والثمار وغيرها . قال الله تعالى : وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ ما في الْبَرِّ والْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلا في كِتابٍ مُبينٍ ( الأنعام : 59 ) وقوله سبحانه : اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغيضُ الأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ( الرعد : 8 ) وقال عز شأنه : إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ( الأنفال : 75 ) وقال جلت عظمته : يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ وَما تُخْفي الصُّدورُ ( غافر : 19 ) وغيرها من الآيات الكثيرة )) (دراسيات في عقائد الشيعة الإمامية 45 – 46 ) .

وقال العلامة عبد الواحد الأنصاري في كتابه عقيدتنا :
( الدليل على أنّه تعالى عالم هو أنّه لو لم يكن عالماً لكان جاهلاً ، والجهل من أهم عوامل النقص في الذات ، والذات لا تكتمل إلاّ بإزالة كل ما ينقصها ، واحتمال وجود النقص في ذات واجب الوجود يجعله مفتقراً إلى من يكمل فيه النقص ، وتشهد حكمته وتدبيره واتقانه خلق كل شيء على علمه ، فالدّقة في الصنعة والرّوعة في كل ما خلق من أكبر الأدلة على علمه بكل شيء كان وما سيكون وما هو كائن ) ( عقيدتنا صفحة 37 ) .

فهذا غيض من فيض من أقوال علماء الشيعة في علم الله سبحانه وتعالى ، وكما هو واضح من هذه الأقوال ؛ أن الشيعة ينزهون الله عز وجل عن الجهل بل ويؤكدون على أن علمه سبحانه مطلق لا تخفى عليه خافية صغيرة ولا كبيرة في غابر الزمان وحاضره ومستقبله .

ويكذبه الكثير من عبارات الأدعية التي يلهج بها الشيعة عقيب صلواتهم ، وأثناء ممارستهم للدعاء والمناجاة لله عز وجل في ساعات الليل والنهار . ففي بعض الأدعية عبارات واضحة الدلالة في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل جهل ، وأن علمه غير محدود ، وأنه عالم بكل ما يمكن أن يكون معلوما .
ففي دعاء الصباح لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو الدعاء الذي يدعو به الكثير من الشيعة يومياً عقيب صلاة الصبح .. يقول أمير المؤمنين عليه السلام : (( ... يا من قرب من خطرات الظنون ، وبعد عن لحظات العيون ، وعلم بما كان قبل أن يكون ... )) .
وفي الدعاء المعروف بدعاء ( كميل ) وهو الدعاء الذي علمه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لتلميذه ( كميل بن زياد النخعي ) ويدعو الشيعة بهذا الدعاء في كل ليلة جمعة ، يمارسونه فرادى أو جماعات ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : (( اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ، بقوتك التي قهرت بها كل شيء ، وخضع لها كل شيء ، وذل لها كل شيء ، وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء ، وبعزتك التي لا يقوم لها شيء ، وبعظمتك التي ملأت أركان كل شيء ، وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء ، وبعلمك الذي أحاط بكل شيء ) .
وفي الدعاء المروي عن الإمام الباقر عليه السلام وهو من الأدعية التي يدعى بها في ليلة النصف من شعبان : (( يا من إليه ملجأ العباد في المهمات ، وإليه يفزع الخلق في الملمات ، يا عالم الجهر والخفيات ، يا من لا يخفى عليه خواطر الأوهام وتصرف الخطرات ، بارئ الخلائق والبريات ... )).
ومن كل ذلك يظهر لنا زيف ما رمى به هؤلاء الجهلة الأفاكون الشيعة من أنهم ينسبون الجهل إليه سبحانه في قولهم بالبداء .

نعم إن هؤلاء المفترون من أتباع المذهب الوهابي أو من يتسمون بالسلفية ! يفسرون ( البداء ) بمعنى مخالف للمعنى الذي تقول به الشيعة ، يفسرونه عمداً بمعنى فيه نسبة الجهل إلى الله عز وجل - تعالى الله عن ذلك - ويتهمون الشيعة ويفترون عليهم بأنهم ينسبون الجهل إلى الله في قولهم بالبداء ومن ثم يضللون الشيعة ويفسقونهم بل ويكفرونهم ، يدفعهم لكل ذلك الكراهية والبغضاء والحقد الدفين المكنون في صدورهم ضد أتباع عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مع أن الشيعة براء من كل ما ينسبه لهم هؤلاء الجهلة المتعصبون .

أهل السنة يقولون بالبداء

إن هؤلاء الذين يشنعون على الشيعة الإمامية الإثنى عشرية في قولهم بالبداء كأنهم قد خفي عليهم أن أهل السنة يقولون بالبداء وبالمعنى الذي تقول به الشيعة وإن كانوا لا يصرحون بذلك .
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - والقصة طويلة نأخذ منها موضع الشاهد - قال : ( بدا لله ... ) ( صحيح البخاري 2/259 ) فالرسول نسب ( البداء ) وبالمعنى الذي تقول به الشيعة إلى الله عز وجل .. فهل سيرد هـــؤلاء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! أليس البداء عقيدة إسلامية وفي انتقادها انتقاد لعقيدة من عقائد الدين الإسلامي ؟
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية الكريمة : { يَمْحو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ } فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لأقرن عينيك بتفسيرها ، ولأقرن عين أمتي بتفسيرها ، الصدقة على وجهها ، وبر الوالدين ، واصطناع المعروف ، يحول الشقاء سعادة ، ويزيد في العمر ، ويقي مصارع السوء ) ( كنز العمال 1/251 ) .

أرأيت أيها القاريء المنصف كيف أنّ الجنيد كذب على الشيعة وافترى عليهم ونسب إليهم ما هم منه براء ؟!
أرأيت يا شيخ عبد الله الجنيد كيف أنّك كنت مجانباً للحق في رميك الشيعة بنسبة الجهل إلى الله في قولهم بالبداء ؟
حقاً لقد أردت أن تفضح فافتضحت .
فلماذا الكذب والإفتراء على الآخرين ؟!
فهل أردت بهذا الكذب والإفتراء وجه الله ؟!
وهل وجه الله يطلب عن هذا الطريق ؟!
فهلا تبت إلى الله من ذلك ؟!
أيها الشيخ إن كنت تعلم أنّ الشيعة لا يقولون بالبداء بالمعنى الذي نسبته إليهم ولكنك رميتهم بذلك بغية التشهير بهم فقد احتملت وزراً عظيماً ، وخالفت قولك في مقدمة كتابك : ( إنّني أوجه هذه الرسالة بعيداً عن الأهواء والعصبيات والتقليد الأعمى للآباء والأمهات أبتغي بها وجه الله تعالى وتبيين الحق للجميع بعيداً عن التّحيّز والإنجرار وراء العواطف ... ) وهذه مصيبة كبرى عليك ، وإن كنت لا تعلم بأنهم يقولون بذلك وإنما أخذت ذلك من أفواه وكلمات وكتابات غيرهم من أعدائهم ونسبته إليهم دون الرجوع إلى أقوال علمائهم أو كتب العقيدة عندهم ودون أن تتحقق من صحة ما نسب إليهم فالمصيبة عليك أعظم ، لأن من وضع نفسه في مثل الموضع الذي وضعتها أنت فيه بجعلك نفسك ناقداً لعقائد الآخرين ، فاللازم عليه أولاً وقبل كل شيء أن يتأكد من صحة أو عدم صحة ما نسب من عقيدة إلى هذه الفرقة أو تلك ، ويتأكد من ذلك بالرجوع إلى ما كتبه علماء هذه الفرقة بالرجوع إلى كتب العقيدة لديها ، ثم وبعد التأكد من صحة ما نسب إليها له الحق في أن ينتقد عقيدتها هذه أما قبل ذلك فلا .




وشهد شاهد من أهلها

ولا بأس بنقل كلام للدكتور أحمد علي السالوس من كتابه ( مع الشيعة الإثنى عشرية في ألأصول والفروع ) ، وهو من أتباع نفس الفرقة التي ينتمي إليها صاحبنا الجنيد ، وهو وإن كان لا يفترق عنه من حيث موقفه العدائي للشيعة الإمامية الإثنى عشرية إلاّ أنّه أنصف الشيعة في كونهم لا ينسبون الجهل إلى الله سبحانه وتعالى في قولهم بالبداء ، وصرّح بأنهم يؤمنون بأنّ علمه سبحانه وتعالى محيط بكل شيء حيث قال بعد أن أشار إلى المعنى اللغوي للفظة البداء : ( ... ولكنني أرى أنّهم – يقصد الشيعة الإمامية الإثنى عشرية – لا يقصدون على الإطلاق نسبة الجهل إلى الله سبحانه ، فهم يرون أن الله عز وجل يحيط علمه بكل شيء ، وأنّ اللوح المحفوظ المشار إليه بأم الكتاب فيه كل ما كان وما يكون ، وذكر لما يثبت وما يمحى { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب } فالمحو والإثبات ليس في أم الكتاب ، فنقوشه محفوظة مستمرة .
وقد جاء في باب البداء من كتاب الكافي عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال : ( ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو شيء له ) وقال : ( إن الله لم يبد له من جهل ) . وسئل : هل يكون ليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس ؟ قال : قال : لا ، من قال هذا فأخزاه الله ، قيل : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله ؟ قال : بلى قبل أن يخلق الخلق ( أقول : علق الدكتور السالوس في هامش الصفحة على هذه الروايات بقوله : ( عقب أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة – رحمه الله – على نسبة مثل هذه الأخبار إلى الإمام الصادق بقوله : ( إن هذه الأخبار في مجموعها تدل على أن البداء في نظر الصادق هو أن يظهر للناس ما أكنه الله تعالى في علمه ، وذلك لا ينافي علم الله تعالى ) ( الإمام الصادق ص 236 ) .
يقول الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء : ( البداء وإن كان جوهر معناه هو ظهور الشيء بعد خفائه ، ولكن ليس المراد به هنا ظهور الشيء لله جل شأنه بعد خفائه عنه ، معاذ الله ، وأي ذي حريجة ومسكة يقول بهذه المعضلة ؟ بل المراد ظهور الشيء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم ، وقولنا ( بدا لله ) أي بدا حكم لله ، أو شأن لله ) .
فالبداء بهذا التفسير لا يتعارض وعلم الله التام بكل شيء ، وظهور أحكام لله كانت خافية علينا شيء يسلم به كل المسلمين ، وقد نسب البداء إلى الله سبحانه وتعالى في حديث شريف ورد في صحيح البخاري ، فقد روى عن أبي هريرة ( رض ) أنّه سمع رسول الله (ص) يقول : ( إن ثلاثة في بني إسرائيل ، أبرص وأقرع وأعمى ، بدا لله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً ، فأتى الأبرص ... ) إلى آخر الحديث الشريف ) ( مع الشيعة الإثنى عشرية في الأصول والفروع 1/313 – 314 ) .
فهذا السالوس ينفي أن يكون الشيعة في قولهم بالبداء ينسبون الجهل إلى الباريء عز وجل ويصرّح بأن البداء بالمعنى الذي يقولون به هو مسلم به عند كل المسلمين ، وأن محمد بن إسماعيل البخاري روى في صحيحه - الذي يعتبر عند القوم من أصح كتاب بعد كتاب الله ! حسب زعمهم - رواية من طريق أبي هريرة ينسب فيها البداء إلى الله ، طبعا بالمعنى المراد عن الشيعة ، وعليه فهل يتوقف القوم بعد أن تبين لهم الحق في هذه المسألة عند هذا الحد ولن نجد لكتابهم وعلمائهم من يفتري مرة أخرى على الشيعة بمثل هذا الإفتراء ، أو أنهم لن يتوقفوا عن ذلك وسيستمرون في إفترائهم هذا وتدليسهم على القراء والبسطاء من الناس ، أنا شخصياً لمعرفتي بهؤلاء القوم وطبيعتهم وأساليبهم أقول جازماً أنهم لن يتوقفوا عند هذا الحد ، بل ستظهر لنا بين الفينة والأخرى كتابات ضد الشيعة الإمامية الإثنى عشرية لا تخلو من مثل هذه الأكاذيب .

قال الجنيد في صفحة 107 من حواره الهاديْ :

( إنّ الأكثرية الساحقة من أبناء الشيعة لا يعرفون معنى البداء غير أنّهم لم ينتبهوا إلى أنّهم قد يكررونها في اليوم عشرات المرات لا سيما عند مخاطبتهم الأئمة في قبورهم ، يقولون عند قبر الإمام : > السلام عليكما يا من بدا لله فيكما < ، وذلك عندما يدخلون إلى مرقد الإمامين علي التقي الإمام العاشر والحسن العسكري الإمام الحادي عشر ، ويتلون هذه العبارة من كتب الأذكار التي تتلى عادة عند زيارة مراقد الأئمة )

أقول : بل إنّ كلّ الشيعة الإمامية الإثنى عشرية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام لا يعرفون البداء بالمعنى الذي يقول به خصومهم ، والذي يفسرونه بمعنى فيه نسبة الجهل إلى الله عزّ وجل ، فالشيعة عقيدتهم في علم الله أنّ علمه مطلق ، فكل معلوم في حاضر الزمان وغابره ومستقبله يعلمه سبحانه ، أما البداء بالمعنى الوارد في كتاب الله عزّ وجل وقول نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام والذي معناه الإظهار بعد الإخفاء فهم يعرفونه حق المعرفة ويؤمنون به حق الإيمان ، وفيما ما نقلنا من كلمات الأئمة والعلماء ما يكفي لمن كان منصفاً .
وأما قوله أنّ الشيعة يقولون أثناء زيارتهما للإمامين الهادي والعسكري : ( السلام عليكما يا من بدا لله فيكما ) فجوابه : -
أولاً : أنّ الزيارة المذكورة ليس لها سندٌ أصلاً فلا يعلم صحة صدورها عن المعصوم عليه السلام ، فكل من ذكرها لم يذكر لها سنداً ، وذكرها صاحب كامل الزيارات صفحة 520 رواية رقم ( 802 ) مرسلة فقال : ( روي عن بعضهم أنّه قال : ... ) وذكر الزيارة المذكورة ، وفيه : ( يا من بدا لله في شأنكما ... ) كما نقل هذه الزيارة غير واحد من العلماء وليس فيها عبارة : ( السلام عليكما يا من بدا لله فيكما ) .
ثانياً : إنّ الشيعي الذي يقرأ هذه العبارة قطعاً لا يريد بالبداء المعنى الذي ينسبه المفترون على الشيعة إليهم ، فالعامي الشيعي – فضلاً عن العالم – يعلم بأنّ علم الله سبحانه مطلق لا يتطرق إلى ذاته جهل قط ، وإنما يريد به البداء بمعنى إظهار الله عزّ وجل أمراً من أمور وشؤون الإمامين المذكورين كان خافياً عن الناس وغير معلوم لديهم .

قال الجنيد في صفحة 107 – 108 :
( أما سبب تسرّب فكرة البداء إلى المذهب الشيعي فإنّ ذلك عائد إلى أنّ الإمامة حسب التسلسل الموجود عند الشيعة تنتقل من الأب إلى الإبن الأكبر ، غير أنّه لمّا مات ( إسماعيل ) الإبن الأكبر للإمام جعفر الصادق في حياة أبيه ، انتقلت من بعده إلى موسى بن جعفر ابنه الأصغر ، وهذا التغيير في مسار الإمامة التي هي منصب إلهي يسمّى > بداء < حصل لله .
فانتقلت الإمامة بموجبه من إسماعيل إلى موسى بن جعفر ولم تأخذ طريقها الطبيعي الذي هو انتقال الإمامة من الأب إلى الإبن الأكبر .
وبما أنّ منصب الإمامة أمر إلهي لا شورى فيه بين الناس – عند الشيعة – فقد نسبوا هذا التغيير إلى الله عزّ وجل ، وقالوا : بدا لله بذلك حكم يختلف عن الحكم الأول ، ومن هنا حدث الشقاق بين فرق الشيعة ، أدّى إلى نشوء الفرقة الإسماعيلية ... ) .


أقول : إنّ الجنيد يهرف بما لا يعرف ، وينسب للشيعة أموراً لا يقولون بها ، فلا يوجد عالم من علماء الشيعة يقول بأنّ الإمامة تنتقل من الأب للإبن الأكبر ، فالشيعة يقولون بإمامة الإمام الحسين عليه السلام بعد الإمام الحسن عليه السلام وهو أخوه وليس ابنه الأكبر ، ويقولون بإمامة الإمام علي بن الحسين زين العابدين وهو ليس الابن الأكبر للإمام الحسين عليه السلام فللحسين ابن آخر يسمى علي أكبر من أخيه الإمام زين العابدين عليه السلام وقد قتل مع أبيه الحسين عليه السلام بكربلاء ، فلو كان هذا المبدأ – وهو أنّ الإمامة لا بد وأن تنتقل من الإب إلى الإبن الأكبر – موجوداً عند الشيعة ويقولون به ، وكان الهدف من قول الشيعة بالبداء ما ذكره لقالوا بالبداء قبل زمان الإمام الصادق عليه السلام ، في زمان الإمام الحسين عليه السلام أو زمان الإمام زين العابدين عليه السلام .
ولكن { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } .
إن الإمامة ليست مورداً للبداء ، يقول الشيخ المفيد عليه الرّحمة : ( ... وأمّا الإمامة فإنه لا يوصف الله فيه بالبداء ، وعلى ذلك إجماع فقهاء الإمامية ، ومعهم فيه أثر عنهم عليهم السلام أنهم قالوا : > مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوّته ولا إمام عن إمامته ، ولا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه ... ) ( الفصول المختارة صفحة 309 ) .