((تدليس عائض الدوسري جهاراً على السيد الخوئي)) بخصوص الاستعانة بغير الله..(المستغلة)!

مرآة التواريخ

مرآة التواريخ
20 أبريل 2010
379
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطاهرين ، سفن النجاة .

لا أدري لم أراني تأخذني الصدفة بين الفينة والفينة لأستكشف تدليساً جديداً ، أو كذباً غير جديد للسلفيين ، بلا حياء منهم أو خجل ، ولا خوف من معاد !!

لا أطيل عليكم ...
smile.gif

كنتُ في وقت الاسترخاء ليلة البارحة (ليلة الأحد 29 / 4 / 1427 هـ) ، وإذا بي أسمع الشيخ السلفي المدعو "عائض الدوسري" على قناة المستغلة ، ينقل عن كتاب "البيان في تفسير القرآن" لأستاذ الحوزة العلمية السيد الخوئي أعلا الله مقامه الشريف ص 460 ،
قال الدوسري : يقول السيد الخوئي في كتاب البيان ص 460 :
(الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحداً سواه ، ولا يسأل حاجته إلا منه ، ولا يتكل إلا عليه ، ولا يستعين إلا به ، وإلا فقد أشرَكَ بالله ..)

محاولاً - أعني الدوسري - من خلال إيهام المستمع بأن السيد الخوئي قدس سره الشريف يذهب إلى نفس مذهب السلفيين بالقول في تكفير من استعان بغير الله ، والحكم عليه بالشرك والعياذ بالله !!.
ugone2far.gif


والحال أن السيد الخوئي كان في مقام بيان الاستعانة بغير الله - بالمخلوق - على نحو الاستقلالية عن الله تعالى ، وبيان أن هذا النوع من الاستعانة هو المحكوم - أي على المستعين - بشركه وكفره من هذه الناحية .
ولم يكن كلامه - قدس سره - عن الاستعانة المشروعة المأذون بها من قبل الله تعالى .

وستجد في طيّ كلام السيد الخوئي الذي سننقله لك - بطوله - هذا الأمر بأجلى بيان
414.gif


وقد أوضحَ الأخ الشيخ الأسدي هذا الأمر - الذي لا يختلف فيه شيعي - وأن الدوسري بتر الكلام ، وتلاعب باللفظ ، ولكن الهاشمي لم يترك له المجال لتبيان هذا الأمر - وإن كان أجلى من الشمس - فكلما حاول إيضاح هذا الأمر قطعه الهاشمي !!!! لأكثر من مرة
mad.gif
.. ومرة
mad.gif
.. ومرة !!
mad.gif


ملاحظة :
في ذهني أن الدوسري المدلس نقل قول السيد الخوئي من عند قوله (الإيمان يقتضي .... (الى قوله) .. فقد اشرك بالله) !
فلستُ متأكداً إن كان ذكر شيئاً قبل هذا النص أو بعده !!


فالنص الذي أتيقن - إن شاء الله - أن الدوسري نقله من كلام السيد الخوئي ، هو هذا :
(الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحداً سواه ، ولا يسأل حاجته إلا منه ، ولا يتكل إلا عليه ، ولا يستعين إلا به ، وإلا فقد أشرَكَ بالله )

فإن ذكر الدوسري قبل هذا النص شيئاً من كلام السيد الخوئي ، أو بعده فليفدنا أحد الاخوة وفقهم الله.

على كل حال ، نأتي الآن لننقل كامل كلام السيد الخوئي أعلا الله مقامه الشريف ، حتى يعرف المسلمون أننا كل يوم نزداد يقيناً على يقيننا بأن مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم هو المذهب الحق ، الذي لا ريب في اتباعه
smile.gif

وهو ما يجعل أعداء هذا المذهب يكذبون على الأحياء من أتباعه والأموات ، وكم لنا من أمثلة ذكرناها ، وسنذكرها لاحقاً بحول منه وقوة .




قال السيد الخوئي مبيناً معنى العبادة والاستعانة والشفاعة والتوسل

في كتابه العظيم
"البيان في تفسير القرآن"
طبع دار الزهراء ، ط6 ، 1412هـ/1992م ، بيروت ، لبنان
من ص457 - 483

( 3 )
تحليل آية
إياك نعبد وإياك نستعين - 5 .
***

اللغة


العبادة :
في اللغة تأتي لأحد معان ثلاثة :
الأول : الطاعة ، ومنه قوله تعالى :
" ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين 36 : 60 " .
فان عبادة الشيطان المنهي عنها في الآية المباركة إطاعته .
الثاني : الخضوع والتذلل ، ومنه قوله تعالى :
" فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون 23 : 47 " .




- ص 458 -

أي خاضعون متذللون ، ومنه أيضا إطلاق " المعبَّد " على الطريق الذي يكثر المرور عليه .

الثالث : التأله ، ومنه قوله تعالى :
" قل إنما أمرت أن أ عبد الله ولا أشرك به 13 : 36 " .
وإلى المعنى الأخير ينصرف هذا اللفظ في العرف العام إذا أُطلق دون قرينة .
والعبد : الإنسان وإن كان حرا ، لانه مربوب لبارئه ، وخاضع له في وجوده وجميع شؤونه ، وإن تمرد عن أوامره ونواهيه .
والعبد : الرقيق لأنه مملوك وسلطانه بيد مالكه .
وقد يتوسع في لفظ العبد فيطلق على من يكثر اهتمامه بشيء حتى لا ينظر إلا إليه ، ومنه قول أبي عبد الله الحسين عليه السلام : " الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم وإذا مُحِّصوا بالبلاء قل الديانون " ( 1 ) .

وقد يطلق العبد على المطيع الخاضع ، كما في قوله تعالى :
" أن عَبَّدْتَ بني إسرائيل 26 : 22 " .
أي جعلتهم خاضعين لا يتجاوزون عن أمرك ونهيك .

الاستعانة :
طلب المعونة ، تتعدى بنفسها وبالباء، يقال استعنته واستعنت به ، أي طلبت منه أن يكون عونا وظهيرا لي في أمري
---------------------------------------------
* هامش *
( 1 ) البحاربابما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية ج 10ص189 . ( * )





- ص 459 -

الإعراب
" إياكَ " : في كلا الموردين مفعول قدم على الفعل لإفادة الحصر ، وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب .
والسر في ذلك أحد أمرين :
الأول : أن سابق هذه الآية الكريمة قد دل على أن الله سبحانه هو المالك لجميع الموجودات ، والمربي لها والقائم بشؤونها ، وهذا يقتضي أن تكون الاشياء كلها حاضرة لديه تعالى ، وأن يكون - سبحانه - محيطا بالعباد وبأعمالهم ليجازيهم يوم الدين بالطاعة أو بالمعصية ، واقتضى ذلك أن يظهر العبد حضوره بين يدي ربه ويخاطبه .

الثاني : ان حقيقة العبادة خضوع العبد لربه بما أنه ربه والقائم بأمره ، والربوبية تقتضي حضور الرب لتربية مربوبه ، وتدبير شؤونه .
وكذلك الحال في الاستعانة فإن حاجة الإنسان إلى إعانة ربه وعدم استقلاله عنه في عبادته تقتضي حضور المعبود لتتحقق منه الإعانة .
فلهذين الأمرين عدل السياق من الغيبة إلى الخطاب ، فالعبد حاضر بين يدي ربه غير غائب عنه .

التفسير
بعد أن مجد الله نفسه بالآيات المتقدمة لقَّن عباده أن يتلوا هذه الآية الكريمة وأن يعترفوا بمدلولها وبمغزاها ،
فهم لا يعبدون إلا الله ،
ولا يستعينون إلا به ،
فإن ما سوى الله من الموجودات فقير في ذاته ، عاجز في نفسه ،
بل هو لا شئ بحت ، إلا أن تشمله العناية الإلهية ،
ومَنْ هذا شأنه لا يستحق أن يُعبد ، أو يُستعان ،
والممكنات كلها - وان اختلفت مراتبها بالكمال والنقص - تشترك في صفة العجز اللازمة للإمكان ، وفي أن جميعها تحت حكم الله وإرادته :




- ص 460 -

" ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين 47 : 54 .
ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير 24 : 42 " .
من ذا الذي يعارضه في سلطانه وينازعه في أمره وحكمه ؟ وهو القابض والباسط ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ،
فالمؤمن لا يعبد غير الله ، ولا يستعين إلا به ، فان غير الله - أيّاً كان - مُحتاج إلى الله في جميع شؤونه وأطواره ،
والمعبود لا بد وأن يكون غنيّاً ، وكيف يعبد الفقير فقيراً مثله ؟ ! .

وعلى الجملة: الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحداً سواه ، ولا يسأل حاجته إلا منه ، ولا يتكل إلا عليه ، ولا يستعين إلا به ، وإلا فقد أشرَكَ بالله ، وحَكَّمَ في سلطانه غيره :
" وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه 17 : 23 " .


- ص 461 -

البحث الثاني
حول آية الحمد



- ص 462 -
العبادة والتأله .
العبادة والطاعة .
العبادة والخضوع .
السجود لغير الله .
دواعي العبادة .
حصر الاستعانة بالله .
الشفاعة .




- ص 463 -

العبادة والتأله :




مما لا يرتاب فيه مسلم : ان العبادة بمعنى التأله تختص بالله سبحانه وحده ، وقد قلنا : إن هذا المعنى هو الذي ينصرف إليه لفظ العبادة عند الإطلاق ، وهذا هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل ، وأنزلت لاجله الكتب :
" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله 3 : 64 " .

فالإيمان بالله تعالى لا يجتمع مع عبادة غيره ، سواء أنشأت هذه العبادة عن اعتقاد التعدد في الخالق ، وإنكار التوحيد في الذات ، أم نشأت عن الاعتقاد بأن الخلق معزولون عن الله فلا يصل إليه دعاؤهم ، وهم محتاجون إلى إله أو آلهة أخرى تكون وسائط بينهم وبين الله يقربونهم إليه ، وشأنه في ذلك شأن الملوك وحفدتهم ، فإن الملك لما كان بعيدا عن الرعية احتاجت إلى وسائط يقضون حوائجهم ، ويجيبون دعواتهم .

وقد أبطل الله سبحانه كلا الاعتقادين في كتابه العزيز ، فقال تعالى في إبطال الاعتقاد بتعدد الآلهة :


- ص 464 -

" لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا 21 : 22 . "
" وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون 23 : 91 " .

وأما الاعتقاد الثاني - وهو إنما ينشأ عن مقايسته بالملوك والزعماء من البشر - فقد أبطله الله بوجوه من البيان :
فتارة يطلب البرهان على هذه الدعوى ، وأنها مما لم يدل عليه دليل ، فقال :
" أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين 27 : 64 ."
" قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين 26 : 71 . قال هل يسمعونكم إذ تدعون : 72 . أو ينفعونكم أو يضرون : 73 . قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون : 74 " .
وأخرى بإرشادهم إلى ما يدركونه بحواسهم من أن ما يعبدونه لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، والذي لا يملك شيئا من النفع والضر ، والقبض والبسط ، والإماتة والإحياء ، لا يكون إلا مخلوقا ضعيفا ، ولا ينبغي أن يُتخذ إلها معبودا :
" قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم 21 : 66 . أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون : 67 . "
" قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا 5 : 6 . "
" ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين 7 : 148 " .




- ص 456 -

وهذا الحكم عقلي فطري شاءت الحكمة أن تنبه العباد عليه في هذه الآيات المباركة ، وهو سار في كل موجود ممكن محتاج ، وإن كان نبيا :
" وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب 5 : 116 . ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم : 117 " .

وأبطل هذا الاعتقاد مرة ثالثة ، بأن الله قريب من عباده يسمع نجواهم ويجيب دعواهم ، وأنه القائم بتدبيرهم وبتربيتهم ، فقال تعالى :
" ونحن أقرب إليه من حب الوريد 50 : 16 . "
" أليس الله بكاف عبده 39 : 36 . "
"أدعوني أستجب لكم 40 : 60 . "
"وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير 6 : 18 . "
"قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شئ قدير 3 : 29 . "
"وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله 10 : 107 . "
وإن يمسسك بخير فهو على


- ص 466 -


كل شئ قدير 6 : 17 .
الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر 13 : 26 .
إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين 51 : 58 .
ليس كمثله شئ وهو السميع البصير 42 : 11 .
ألا إنه بكل شئ محيط 41 : 54 .
فالله سبحانه غير معزول عن خلقه ، وأمورهم كلها بيده ، ولا يفتقر العباد إلى وسائط تبلغه حوائجهم ، ليكونوا شركاء له في العبادة ، بل الناس كلهم شرع سواء في أن الله ربهم وهو القائم بشؤونهم :
" ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا 58 : 7 .
كذلك الله يفعل ما يشاء 3 : 40 .
إن الله يحكم ما يريد 5 : 1 "

وعلى الجملة ، لا شك لمسلم في ذلك . وهذا ما يمتاز به المُوَحِّد عن غيره ، فمن عبد غير الله ، واتخذه رباً ، كان كافراً مشركاً. !


العبادة والطاعة :
لا شك أيضا في وجوب طاعة الله سبحانه ، وفي استحقاق العقاب عقلا على مخالفته ، وقد تكرر في القرآن وعد الله تعالى لمن أطاعه بالثواب ووعيده لمن عصاه بالعقاب .

وأما إطاعة غير الله تعالى فهي على أقسام :
الأول : أن تكون إطاعته بأمر من الله سبحانه وبإذنه كما في إطاعة الرسول


- ص 467 -

الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وأوصيائه الطاهرين عليهم السلام وهذا في الحقيقة إطاعة الله سبحانه ، فهو واجب أيضا بحكم العقل :
" من يطع الرسول فقد أطاع الله 4 : 80 .
" وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله 4 : 64 " .


ومن أجل ذلك قرن الله طاعة رسوله بطاعته في كل مورد أمر فيه بطاعته :
" ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما 33 : 71 .
" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم 4 : 59 " .

الثاني : أن تكون إطاعة غير الله منهيا عنها ، كإطاعة الشيطان وإطاعة كل من أمَرَ بمعصية الله ، ولا شك في حرمة هذا القسم شرعا ، وقبحه عقلا ، بل قد تكون كفرا أو شركا ، كما إذا أمر بالشرك أو الكفر :
" يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين 33 : 1 .
" فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا 76 : 24 . "
" وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما 31 : 15 " .

الثالث : أن تكون إطاعة غير الله مجردة لا أمر بها من الله ولا نهى ، وهي حينئذ تكون جائزة لا واجبة ولا محرمة .




- ص 468 -

العبادة والخضوع :
لا ينبغي الريب في أنه لا بد للمخلوق من أن يخضع ويتذلل لخالقه ، فإن ذلك مما حكم به العقل ، وندب إليه الشرع .
وأما الخضوع والتذلل للمخلوق فهو على أقسام :
أحدها : الخضوع لمخلوق من دون إضافة ذلك المخلوق إلى الله بإضافة خاصة وذلك : كخضوع الولد لوالده ، والخادم لسيده ، والمتعلم لمعلمه ، وغير ذلك من الخضوع المتداول بين الناس ، ولا ينبغي الشك في جواز هذا القسم ما لم يرد فيه نهي كالسجود لغير الله ، بل جواز هذا القسم مقتضى الضرورة ، وليس فيه أدنى شائبة للشرك ، وقد قال عز من قائل :
" واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا 17 : 24 " .

أفترى أنه سبحانه أمر بعبادة الوالدين ، حيث أمر بالتذلل لهما ؟ مع أنه قد نهى عن عبادة من سواه قبل ذلك :
" وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا 17 : 23 " .

أم ترى أن خفض الجناح من الذل - كما تفعله صغار الطير - هو من الإحسان الذي أمرت به الآية الكريمة ، وجعلته مقابلا للعبادة .؟
وإذاً فلا يكون كل خضوع وتذلل لغير الله شركا بالله تعالى .

ثانيها : الخضوع للمخلوق باعتقاد أن له إضافة خاصة إلى الله يستحق من أجلها أن يُخضع له ، مع أن العقيدة باطلة ، وأن هذا الخضوع بغير إذن من الله كما في خضوع أهل الأديان والمذاهب الفاسدة لرؤسائهم . ولا ريب في أنه


- ص 469 -

إدخال في الدين لما لم يكن منه ، فهو تشريع محرم بالأدلة الأربعة ، وافتراء على الله تعالى .
" فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا 18 : 15 " .


ثالثها : الخضوع للمخلوق والتذلل له بأمر من الله وإرشاده ، كما في الخضوع للنبي صلى الله عليه واله وسلم ولأوصيائه الطاهرين عليهم السلام ، بل الخضوع لكل مؤمن ، أو كل ما له إضافة إلى الله توجب له المنزلة والحرمة ، كالمسجد والقرآن والحجر الأسود وما سواها من الشعائر الإلهية .

وهذا القسم من الخضوع محبوب لله فقد قال تعالى :
" فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين 5 : 45 " .

بل هو لدى الحقيقة خضوع لله ، وإظهار للعبودية له .
فمن اعتقد بالوحدانية الخالصة لله ، واعتقد أن الإحياء والإماتة والخلق والرزق والقبض والبسط والمغفرة والعقوبة كلها بيده ، ثم اعتقد بأن النبي صلى الله عليه واله وسلم وأوصياءه الكرام عليهم السلام :
" عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 21 : 27 " .
وتوسل بهم إلى الله، وجعلهم شفعاء إليه بإذنه ، تجليلاً لشأنهم ، وتعظيما لمقامهم ، لم يخرج بذلك عن حدّ الإيمان ، ولم يعبد غير الله .

ولقد علم كل مسلم أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يقبل الحجر الأسود ، ويستلمه بيده إجلالا لشأنه وتعظيما لأمره .
وكان صلى الله عليه واله وسلم يزور قبور المؤمنين والشهداء والصالحين ، ويسلم عليهم ، ويدعو لهم .


- ص 470 -

وعلى هذا جرت الصحابة والتابعون خلفا عن سلف ، فكانوا يزورون قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم ويتبركون به ويقبلونه ، ويستشفعون برسول الله ، كما كانوا يستشفعون به في حياته .

وهكذا كانوا يفعلون مع قبور أئمة الدين وأولياء الله الصالحين ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة ، ولا أحد من التابعين أو الأعلام ، إلى أن ظهر أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني فحرَّمَ شدَّ الرِّحال إلى زيارة القبور ، وتقبيلها ، ومسها ، والاستشفاع بمن دفن فيها ، حتى أنه شدد النكير على من زار قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم أو تبرك به بتقبيل أو لمس ، وجعل ذلك من الشرك الأصغر تارة ومن الشرك الأكبر أخرى .

ولما رأى علماء عصره عامة أنه قد خالف في رأيه هذا ما ثبت من الدين ، وضرورة المسلمين ، لانهم قد رووا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حثه على زيارة المؤمنين عامة وعلى زيارته خاصة بقوله صلى الله عليه واله وسلم : " من زارني بعد مماتي كان كمن زارني في حياتي " وما يؤدي هذا المعنى بألفاظ أخر ( 1 ) تبرأوا منه ، وحكموا بضلاله ، وأوجبوا عليه التوبة ، فأمروا بحبسه إما مطلقا أو على تقدير أن لا يتوب .

والذي أوقع ابن تيمية في الغلط - إن لم يكن عامداً لتفريق كلمة المسلمين - وهو تخيّله أن الأمور المذكورة شرك بالله ، وعبادة لغيره . !!
ولم يدرك أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأعمال يعتقدون توحيد الله ، وأنه لا خالق ولا رازق سواه ، وأن له الخلق والأمر ، وإنما يقصدون بأفعالهم هذه تعظيم شعائر الله ، وقد علمت أنها راجعة إلى تعظيم الله والخضوع له والتقرب إليه سبحانه ، والخلوص لوجهه الكريم ، وأنه ليس في ذلك أدنى شائبة للشرك ، لان الشرك - كما عرفت - أن يعبد الإنسان غير الله .

والعبادة إنما تتحقق بالخضوع لشيء على أنه ربّ يُعْبَد، وأين هذا من تعظيم النبي الأكرم وأوصيائه الطاهرين - ع - بما

---------------------------------------------

* هامش *
( 1 ) انظرالتعليقة رقم ( 17 ) للوقوف على الروايات التي استفاضت في جواز زيارة القبور ، وقد ذكر جملة منها عبد السلام بن تيمية - في قسم التعليقات . ( * )





- ص 471 -


هو نبي وهم أوصياء ، وبما أنهم عباد مكرمون ، ولا ريب في أن المسلم لا يعبد النبي أو الوصي فضلا عن أن يعبد قبورهم .

وصفوة القول : أن التقبيل والزيارة وما يضاهيهما من وجوه التعظيم لا تكون شركا بأي وجه من الوجوه ، وبأي داع من الدواعي ، ولو كان كذلك لكان تعظيم الحي من الشرك أيضا، إذ لا فرق بينه وبين الميت من هذه الجهة - ولا يلتزم ابن تيمية وأتباعه بهذا - وللزم نسبة الشرك إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم وحاشاه فقد كان يزور القبور ، ويسلم على أهلها ، ويقبل الحجر الأسود كما سبق .

وعلى هذا فيدور الأمر بين الحكم بأن بعض الشرك جائز لا محذور فيه ، وبين أن يكون التقبيل والتعظيم - لا بعنوان العبودية - خارجا عن الشرك وحدوده ، وحيث أنه لا مجال للأول لظهور بطلانه ، فلا بد وأن يكون الحق هو الثاني ، فإذاً تكون الأمور المذكورة داخلة في عبادة الله وتعظيمه :
" ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقول القلوب 22 : 32 " .
وقد مرت الروايات الدالة على استحباب زيارة قبر النبي وأولياء الله الصالحين .

السجود لغير الله :
لقد اتضح مما قدمنا أن الخضوع لأي مخلوق إذا نهي عنه في الشريعة لم يجز فعله ، وإن لم يكن على نحو التأله ، ومن هذا القبيل السجود لغير الله ، فقد أجمع المسلمون على حرمة السجود لغير الله ، قال عز من قائل :
" لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون 41 : 37 " .
فإن المستفاد منه أن السجود مما يختص بالخالق ، ولا يجوز للمخلوق وقال تعالى :


- ص 472 -

" وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا 72 : 18 " .
ودلالة هذه الآية الكريمة على المقصود مبنية على أن المراد بالمساجد المساجد السبعة ، وهي الأعضاء التي يضعها الإنسان على الأرض في سجوده وهذا هو الظاهر ، ويدل عليه المأثور ( 1 ) وكيف كان فلا ريب في هذا الحكم وأنه لا يجوز السجود لنبي أو وصي فضلا عن غيرهما .

وأما ما ينسب إلى الشيعة الامامية من أنهم يسجدون لقبور أئمتهم ، فهو بهتان محض ، ولسوف يجمع الله بينهم وبين من افترى عليهم وهو أحكم الحاكمين ، ولقد أفرط بعضهم في الفرية ، فنسب إليهم ما هو أدهى وأمض ، وادعى أنهم يأخذون التراب من قبور أئمتهم ، فيسجدون له!! ، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ( 2 )

وهذه كتب الشيعة : قديمها وحديثها ، مطبوعها ومخطوطها ، وهي منتشرة في أرجاء العالم متفقة على تحريم السجود لغير الله ، فمن نسب إليهم جواز السجود للتربة فهو إما مفتر يتعمد البهت عليهم ، وإما غافل لا يفرق بين السجود لشيء والسجود عليه .

والشيعة يعتبرون في سجود الصلاة أن يكون على أجزاء الأرض الأصلية : من حجر أو مدر أر رمل أو تراب ، أو على نبات الأرض غير المأكول والملبوس ويرون أن السجود على التراب أفضل من السجود على غيره ، كما أن السجود على التربة الحسينية أفضل من السجود على غيرها .

وفي كل ذلك اتبعوا أئمة مذهبهم الأوصياء المعصومين ( 3 ) ومع ذلك كيف تصح نسبة الشرك إليهم وأنهم يسجدون لغير الله ( 4 ) .
---------------------------------------------
( 1 ) راجع الوسائل باب حد القطع من أبواب حد السرقة ج 3 ص 448 .

( 2 )
انظر التعليقة رقم ( 18 ) للوقوف على التهمة التي ألصقها الالوسي بالشيعة في صيامهم - في قسم التعليقات .
( 3 )
راجع الوسائل باب162من أبواب ما يسجد عليه ص 236 .
( 4 )
انظر التعليقة رقم ( 19 )بشأن حوار جرى بين المؤلف وأحد علماء الحجاز حول التربة الحسينية - في قسم التعليقات . ( * )





- ص 473 -

والتربة الحسينية ليست إلا جزء من أرض الله الواسعة التي جعلها لنبيه مسجدا وطهورا ( 1 ) ولكنها تربة ما أشرفها وأعظمها قدرا ، حيث تضمنت ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسيد شباب أهل الجنة من فدى بنفسه ونفيسه ونفوس عشيرته وأصحابه في سبيل الدين وإحياء كلمة سيد المرسلين .

وقد وردت من الطريقين في فضل هذه التربة عدة روايات عن رسول الله ( 2 ) .
وهب أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا عن أوصيائه ما يدل على فضل هذه التربة ، أفليس من الحق أن يلازم المسلم هذه التربة ، ويسجد عليها في مواقع السجود ؟ فإن في السجود عليها - بعد كونها مما يصح السجود عليه في نفسه - رمزا وإشارة إلى أن ملازمها على منهاج صاحبها الذي قتل في سبيل الدين وإصلاح المسلمين .!

آراء حول السجود لآدم :
بقي الكلام في سجود الملائكة لآدم ، وكيف جاز ذلك ؟ مع أن السجود لا يجوز لغير الله، وقد أجاب العلماء عن ذلك بوجوه:
الرأي الأول : إن سجود الملائكة هنا بمعنى الخضوع ، وليس بمعنى السجود المعهود .
ويرده : أن ذلك خلاف الظاهر من اللفظ ، فلا يصار إليه من غير قرينة ، وأن الروايات قد دلت على أن ابن آدم إذا سجد لربه ضجر إبليس وبكى ، وهي دالة على أن سجود الملائكة الذي أمرهم الله به ، واستكبر عنه إبليس كان بهذا المعنى المعهود ، ولذلك يضجر إبليس ويبكي من إطاعة ابن آدم للأمر وعصيانه هو من قبل .
---------------------------------------------
( 1 ) راجع سنن البيهقي باب التيمم بالصعيد الطيب ج 1 ص 212 ، 213 .

( 2 )
راجع الوسائل باب استحباب السجود على تربة الحسين - ع - 1 ص 236 ، انظرالتعليقة رقم ( 20 ) بشأن فضيلة تربة الحسين - ع -في قسم التعليقات . ( * )



- ص 474 -

الرأي الثاني :
إن سجود الملائكة كان لله ، وإنما كان آدم قبلة لهم ، كما يقال : صلى للقبلة ، أي إليها . وقد أمرهم الله بالتوجه إلى آدم في سجودهم تكريما له وتعظيما لشأنه .
ويرده : أنه تأويل ينافيه ظاهر الآيات والروايات ، بل ينافيه صريح الآية المباركة . فإن إبليس إنما أبى عن السجود بادعاء أنه أشرف من آدم ، فلو كان السجود لله ، وكان آدم قبلة له لما كان لقوله :
" ءأسجد لمن خلقتَ طينا 17 : 61 " .
معنىً ، لجواز أن يكون الساجد أشرف مما يستقبله .

الرأي الثالث :
إن السجود لآدم حيث كان بأمر من الله تعالى فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له .
وبيان ذلك : أن السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع ، ولذلك قد خصه الله بنفسه ، ولم يرخص عباده أن يسجدوا لغيره ، وإن لم يكن السجود بعنوان العبودية من الساجد ، والربوبية للمسجود له .
غير أن السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله كان في الحقيقة عبادة له وتقربا إليه ، لانه امتثال لأمره ، وانقياد لحكمه ، وإن كان في الصورة تذللا للمخلوق .
ومن أجل ذلك يصح عقاب المتمرد عن هذا الأمر ، ولا يسمع اعتذاره بأنه لا يتذلل للمخلوق ، ولا يخضع لغير الآمر ( 1 ) .
وهذا هو الوجه الصحيح : فإن العبد يجب أن لا يرى لنفسه استقلالا في
---------------------------------------------
( 1 ) انظرالتعليقة رقم ( 21 ) بشأن تأويل آية السجود من قبل بعض أصحاب الكشف - في قسم التعليقات . ( * )





- ص 475 -

أموره ، بل يطيع مولاه من حيث يهوى ويشتهي . فإذا أمره بالخضوع لأحد وجب عليه أن يمتثله ، وكان خضوعه حينئذ خضوعا لمولاه الذي أمره به ( 1 ) .

ونتيجة ما قدمناه :
أنه لا بد في كل عمل يتقرب به العبد إلى ربه من أن يكون مأمورا به من قبله بدليل خاص أو عام . وإذا شك في أن ذلك العمل مأمور به كان التقرب به تشريعا محرما بالأدلة الأربعة .
نعم إن زيارة القبور وتقبيلها وتعظيمها مما ثبت بالعمومات ، وبالروايات الخاصة من طرق أهل البيت عليهم السلام الذين جعلهم النبي صلى الله عليه واله وسلم قرناء للكتاب في قوله :
" إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ( 2 ) .
وتؤكد جوازها أيضا سيرة المسلمين وجريهم عليها من السلف والخلف ، وما قدمناه من الروايات عن طرق أهل السنة .

كيف يتحقق الشرك بالله ؟
تنبيه : إذا نهي عن خضوع خاص لغير الله كالسجود ، أو عن عبادة خاصة كصوم العيدين ، وصلاة الحائض ، والحج في غير الأشهر الحرم كان الآتي به مرتكبا للحرام ومستحقا للعقاب ، إلا أنه لا يكون بذلك الفعل مشركا ولا كافرا ، فليس كل فعل محرم يقتضي شرك مرتكبه أو كفره .
وقد عرفت أن الشرك إنما هو الخضوع لغير الله بما أن الخاضع عبد والمخضوع له رب، فمن تعمد السجود لغير الله بغير قصد العبودية لم يخرج بعمله هذا المحرم عن زمرة المسلمين ، فإن الإسلام يدور مدار الإقرار بالشهادتين ، وبذلك يحرم ماله ودمه .
---------------------------------------------
( 1 ) انظرالتعليقة رقم ( 22 ) لمعرفة ما قاله تعالى لابليس في ترك السجود - في قسم التعليقات .

( 2 )
تقدم بعض مصادر الحديث في الصفحة 18 ، 398 من هذا الكتاب . ( * )





- ص 476 -

والروايات الدالة على هذا متواترة من الطريقين ( 1 ) ، ومع ذلك كيف يجوز الحكم بشرك من زار قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم وأوصياءه - ع - متقربا إلى الله وهو يشهد الشهادتين ؟!! :
" ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لستَ مؤمناً 4 : 94 " .
ولسوف يحكم الله بين عباده بالحق وهو أحكم الحاكمين .

دواعي العبادة :
العبادة فعل اختياري ، فلا بد لها من باعث نفساني يبعث نحوها ، وهو أحد أمور :
1 - أن يكون الداعي لعبادة الله هو طمع الإنسان في إنعامه ، وبما يجزيه عليها من الأجر والثواب ، حسبما وعده في كتابه الكريم :
" ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار 4 : 13 . "
" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم 5 : 9 " .

2 - أن يكون الداعي للعبادة هو الخوف من العقاب على المخالفة :
" إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم 10 : 15. "
" إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا 76 : 10 " .

وقد أشير إلى كلا الأمرين في عدة من الآيات الكريمة :
---------------------------------------------
( 1 ) انظرالتعليقة رقم ( 23 ) لمعرفة ان الاسلام يدور مدار الشهادتين - في قسم التعليقات . ( * )





- ص 477 -

" تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا 32 : 16 . "
"وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين 7 : 56 . "
" يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه 17 : 57 " .

3 - أن يعبد الله بما أنه أهل لأنْ يُعبد ، فإنه الكامل بالذات والجامع لصفات الجمال والجلال . وهذا القسم من العبادة لا يتحقق إلا ممن اندكت نفسيته فلم يرَ لذاته إنية إزاء خالقه ، ليقصد بها خيرا ، أو يحذر لها من عقوبة ، وإنما ينظر إلى صانعه وموجده ، ولا يتوجه إلا إليه ، وهذه مرتبة لا يسعنا التصديق ببلوغها لغير المعصومين - ع - الذين أخلصوا لله أنفسهم ، فهم المخلصون الذين لا يستطيع الشيطان أن يقترب من أحدهم :
" ولأغوينهم أجمعين 15 : 39 . إلا عبادك منهم المخلصين : 40"

قال أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه : " ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا طمعا في جنتك ، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك " ( 1 ) ، وأما سائر العباد فتنحصر عبادتهم في أحد القسمين الأولين ، ولا يسعهم تحصيل هذه الغاية .

وبذلك يظهر بطلان قول من أبطل العبادة إذا كانت ناشئة عن الطمع أو الخوف ، واعتبر في صحة العبادة أن تكون لله ما هو أهل للعبادة ،
ووجه بطلان هذا القول :
أن عامة البشر غير المعصومين لا يتمكنون من ذلك فكيف يمكن تكليفهم به ! وهل هو إلا تكليف بما لا يطاق ؟ !
---------------------------------------------
( 1 ) مرآة العقول باب النية ج 2 ص 101 . ( * )





- ص 478 -

أضف إلى ذلك أن الآيتين الكريمتين المتقدمتين قد دلتا على صحة العبادة إذا صدرت عن خوف أو طمع . فقد مدح الله سبحانه من يدعوه خوفا أو طمعا وذلك يقتضي محبوبية هذا العمل وأنه مما أمر به الله تعالى وأنه يكفي في مقام الامتثال .
وقد ورد عن المعصومين عليهم السلام ما يدل على صحة العبادة إذا كانت ناشئة من خوف أو طمع ( 1 ) .

وقد أوضحنا - فيما تقدم - أن الآيات السابقة من هذه السورة قد حصرت الحمد في الله تعالى من جهة كماله الذاتي ، ومن جهة ربوبيته ورحمته ، ومن جهة سلطانه وقدرته ، فتكون فيها إشارة إلى منا شئ العبادة ودواعيها أيضا ،
فالعبادة إما ناشئة من إدراك العابد كمال المعبود واستحقاقه العبادة بذاته وهي عبادة الأحرار ، وإما من إدراكه إنعام المعبود وإحسانه وطمعه في ذلك وهي عبادة الاجراء ، وإما من إدراكه سطوته وقهره وعقابه وهي عبادة العبيد .

حصر الاستعانة بالله :
لا مانع من استعانة الإنسان في مقاصده بغير الله من المخلوقات أو الأفعال ، قال الله تعالى :
" واستعينوا بالصبر والصلاة 2 : 45 . "
" وتعاونوا على البر والتقوى 5 : 2 . "
" قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة 18 : 95 " .


وإذن فليست الاستعانة بمطلقها تنحصر بالله سبحانه ، بل المراد منها استمداد القدرة على العبادة منه تعالى ، والاستزادة من توفيقه لها حتى تتم وتخلص
---------------------------------------------
* هامش *

( 1 ) انظرالتعليقة رقم ( 24 ) للوقوف على أقسام الدوافع للعبادة - في قسم التعليقات . ( * )




- ص 479 -

والغرض من ذلك إثبات أن العبد في أفعاله الاختيارية وسط بين الجبر والتفويض فان الفعل يصدر عن العبد بإختياره ، ولذلك أسند الفعل إليه في قوله تعالى :
" إياك نعبد "
إلا أن هذا الفعل الاختياري من العبد إنما يكون بعون الله له وبإمداده إياه بالقدرة آنا فآنا :
" عطاء غير مجذوذ "
بحيث لو انقطع المدد عنه في آن لم يستطع إتمام الفعل ، ولم تصدر منه عبادة ولا حسنة .

وهذا هو القول الذي يقتضيه محض الإيمان ، فان الجبر يلزمه أن يكون العقاب على المعاصي عقابا للعبد من غير استحقاق ، وهذا ظلم بيِّن :
" سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا 17 : 43 " .

وإن التفويض يلزمه القول بخالق غير الله فان معناه أن العبد مستقل في أفعاله ، وأنه خالق لها ، ومرجع هذا إلى تعدد الخالق وهو شرك بالله العظيم .
والإيمان الحق بالله هو الحد الوسط بين الإفراط والتفريط ، فالفعل فعل العبد وهو فاعله باختياره ، ولذلك استحق عليه الثواب أو العقاب ، والله سبحانه هو الذي يفيض على العبد الحياة والقدرة وغيرهما من مبادئ الفعل إفاضة مستمرة غير منقطعة ، فلا استقلال للعبد ، ولا تصرف له في سلطان المولى ، وقد أوضحنا هذا في بحثنا عن إعجاز القرآن ( 1 ) .
هذه هي الاستعانة المنحصرة بالله تعالى ، فلولا الإفاضة الإلهية لما وُجِدَ فعل من الأفعال ولو تظاهرت الجن والإنس على إيجاده ، فإن الممكن غير مستقل في وجوده ، فيستحيل أن يكون مستقلا في إيجاده ،
وبما ذكرناه يظهر الوجه في تأخير جملة : " إياك نستعين " عن قوله : " إياك نعبد " فإنه تعالى حصر العبادة بذاته أولا ، فالمؤمنون لا يعبدون إلا الله ، ثم أبان لهم أن عباداتهم إنما تصدر
---------------------------------------------
( 1 ) في الصفحة 33 من هذا الكتاب . ( * )




- ص 480 -


عنهم بعون الله وإقداره ، فالعبد رهين إفاضة الله ومشيئته ، والله أولى بحسنات العبد من نفسه ، كما أن العبد أولى بسيآته من الله ( 1 ) .

الشفاعة :
تدل الآيات المباركة على أن الله سبحانه هو الكافل بأمور عبيده ، وأنه الذي بيده الأمر ، يدبر شؤون عبده ويوجهه إلى كماله برحمته ، وهو قريب منه ، يسمع نداءه ويجيب دعاءه :
" أليس الله بكاف عبده 39 : 36 . "
"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون 2 : 186 " .
وعلى هذا فليس لمخلوق أن يستشفع بمخلوق مثله ، ويجعله واسطة بينه وبين ربه ، ففي ذلك تبعيد للمسافة ، بل وفيه إظهار للحاجة إلى غير الله ، وماذا يصنع محتاج بمحتاج مثله ؟ وماذا ينتفع العاصي بشفاعة من لا ولاية له ولا سلطان ؟
بل :
" لله الأمر من قبل ومن بعد 30 : 4 . "
" قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض 39 : 44 " .

هذا كله إذا لم تكن الشفاعة بإذن من الله سبحانه ، وأما إذا أذن الله بالشفاعة لأحد فإن الاستشفاع به يكون نحواً من الخضوع لله والتعبّد له
smile.gif
،
ويستفاد من القرآن الكريم أن الله تعالى قد أذن لبعض عباده بالشفاعة ، إلا أنه لم ينوه بذكرهم عدا الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ، فقد قال الله تعالى :
---------------------------------------------
* هامش *

( 1 ) انظر رقم ( 25 ) للوقوف على الأمر بين الأمرين في كسب الحسنات وارتكاب السيئات - في قسم التعليقات . ( * )




- ص 481 -

" ولا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا 19 : 87 . "
"يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن 20 : 109 . "
"ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له 34 : 23 . "
"ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما 4 : 64 " .

والروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وعن أوصيائه الكرام - ع - في هذا الموضوع متواترة .

أحاديث الشفاعة عند الإمامية :
أما الروايات من طريق الشيعة الإمامية فهي أكثر من أن تحصى ، وأمر الشفاعة عندهم أوضح من أن يخفى ، ونكتفي بذكر رواية واحدة منها :
روى البرقي في المحاسن بإسناده عن معاوية بن وهب ، قال : " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : " لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا 78 : 38 " .
قال : نحن والله المأذون لهم في ذلك ، والقائلون صوابا .
قلت : جعلت فداك وما تقولون إذا كلمتم ؟ .
قال : نمجد ربنا ، ونصلي على نبينا ، ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا " .

وروى محمد بن يعقوب في الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام مثله " ( 1 ) .
---------------------------------------------
( 1 ) البحار باب الشفاعة ] 3ص 301 . ( * ) ( البيان - 31 )





- ص 482 -

أحاديث الشفاعة عند العامة :
وأما الروايات من طرق أهل السنة فهي أيضا كثيرة متواترة ( 1 ) نتعرض لذكر بعضها :
1 - روى يزيد الفقير ، قال : أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا . . وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة . . " ( 2 ) .

2 - روى أنس بن مالك ، قال : " قال النبي صلى الله عليه واله وسلم أنا أول شفيع في الجنة " ( 2 ) .

3 - روى أبو هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لكل نبي دعوة وأردت إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " ( 4 ) .

4 - وروى أيضا قال : " قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنا سيد ولد آدم عليه السلام يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع " ( 5 ) .

5 - وروى أيضا ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الشفعاء خمسة : القرآن ، والرحم ، والامانة ، ونبيكم ، وأهل بيته " ( 6 ) .

----------------------------------------------------

( 1 ) في المجلد السابع من كنز العمال ص215 ، 270 من هذه الروايات مايزيد على ثمانين رواية .
( 2 ) صحيح البخاري كتاب التيمم باب 1 ج 1 ص 86 .
( 3 ) صحيح مسلم باب أن النبي أول من يشفع في الجنة ج 1 ص 130 .
( 4 ) انظر التعليقة رقم ( 26 ) لاستقصاء مصادر هذه الرواية - في قسم التعليقات .
( 5 ) صحيح مسلم باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق ج 7 ص 59 .
( 6 ) كنز العمال : الشفاعة ج 7 ص 214 . ( * )






- ص 483 -

6 - روى عبد الله بن أبي الجدعاء قال : " قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم " ورواه الترمذي والحاكم ( 1 ) .

ومن هذه الروايات يُستكشف أن الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه واله وسلم وبأهل بيته الكرام - ع - أمر ندبَ إليه الشرع ، فكيف يُعدُّ ذلك من الشرك ؟ !!
cool.gif


عصمنا الله من متابعة الهوى وزلل الأقدام والأقلام .
---------------------------------------------
( 1 ) نفس المصدرالسابق ص 215 . ( * )

((انتهى كامل كلام السيد الخوئي قدس الله سره الشريف بنصه))




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول أنا مرآة التواريخ :
بعد هذا النقل لكامل نص السيد الخوئي قدس الله سره الشريف وحشره مع أجداده الطاهرين يتضح للقراء مورد التدليس في نقل الدوسري السلفي !!

ولسنا بحاجة لمزيد من التعليق والإيضاح فالنص يكفي لإظهار كذب الدوسري وفضحه أمام الناس جهاراً !!
وكشف أن هؤلاء ممن لا يخافون وعيداً ولا معاداً ، وأن من يحتاج للكذب على خصومه لحقيق بأن تكون حجته أوهن من بيت العنكبوت .