تدوين الحديث عند الشيعة الإمامية

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

تمتاز أحاديث الشيعة بالدقة والضبط والإتقان ، والسبب في ذلك يعود للجهود الكبيرة التي بذلها علمائنا المتقدمون رضوان الله عليهم وشكر الله مساعيهم ، ولم تكن جهودهم منصبة للعناية بالحديث الشريف من حيث كميته فحسب ، بل ان الكيفية ايضا لعبت الدور الأكبر في هذا الميدان ...

فقد اهتم علمائنا بتدوين وكتابة الحديث الشريف ، ولم يعتمدوا على الحفظ والذاكرة كما فعل محدثوا أهل السنة وسيأتي الكلام عنهم بالتفصيل في الحلقة الثانية إن شاء الله تعالى ، وللمقارنة بين علماء المدرستين ننقل هذين النصين:

قال الشيخ الصدوق رضي الله عنه في مقدمة كتاب من لايحضره الفقيه (أحد الكتب الحديثية الأربعة التي عليها معول الاستنباط) ج 1 ص 3 قال:
بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - تقدس ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعول وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي وكتب على بن مهزيار الاهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه ونوادر محمد بن أبي عمير وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي ورسالة أبي - رضي الله عنه - إلي وغيرها من الأصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي - رضي الله عنهم - وبالغت في ذلك جهدي ، مستعينا بالله ، ومتوكلا عليه ، ومستغفرا من التقصير ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت .
انتهى

هذا نموذج لكتب علمائنا الحديثية ، ولنأخذ نموذجا من أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو صحيح البخاري:

* قال محمد بن الأزهر السجستاني: كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب فقيل لبعضهم ماله لا يكتب فقال يرجع إلى بخاري ويكتب من حفظه .
المصدر: مقدمة فتح الباري لابن حجر ص 479

* وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى: قال محمد بن إسماعيل يوما:
رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر .
فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله ؟
قال: فسكت .

المصدر: سير أعلام النبلاء للذهبي ج 12 ص 411


وهذه طائفة من الروايات تدل على ما ذكرت:

في الكافي ج 1 ص 52 للشيخ الكليني أعلى الله مقامه:
1 - بسنده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اكتبوا فانكم لا تحفظون حتى تكتبوا .

2 - وفيه بسنده عن عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها .

3 - وعن المفضل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : اكتب وبث علمك في إخوانك ، فإن مت فأورث كتبك بنيك ، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم .

4 - عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال: حدثوا بها فإنها حق .



وايضا ساق الحر العاملي قدس الله سره عدة روايات في وسائل الشيعة ج 18 ص 56 منها:
1 - وقد تقدم في الزيارات حديث محمد بن مارد ، عن أبي عبد الله عليه السلام في فضل زيارة أمير المؤمنين عليه السلام - إلى أن قال : ثم قال : يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب .

2 - وقد تقدم في الأمر بالمعروف في أحاديث إذاعة الحق مع الخوف - إلى أن قال : اكتب هذا بالذهب فما كتبت شيئا أحسن منه .

3 - وقد روى الصفار في ( بصائر الدرجات ) عنهم عليهم السلام حديثا في فضل الائمة عليهم السلام - إلى أن قال : يجب أن يكتب هذا الحديث بماء الذهب .

قال الحر العاملي عليه الرحمة: هذا كناية عن الاعتناء بتدوينه وحفظه وتعظيمه .

4 - وعن علي بن أسباط ، عن الرضا عليه السلام في حديث الكنز الذي قال الله عزوجل : ( وكان تحته كنز لهما ) قال: قلت له: جعلت فداك اريد أن أكتبه قال: فضرب يده والله إلى الدواة ليضعها بين يدى ، فتناولت يده فقبلتها وأخذت الدواة فكتبته .

قال الحر العاملي: ومثل هذا كثير جدا في أنهم كانوا يكتبون الأحاديث في مجالس الأئمة عليهم السلام بأمرهم ، وربما كتبها لهم الائمة عليهم السلام بخطوطهم .

5 - وعن ابن فضال ، وعن يونس جميعا قالا : عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه السلام على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال : هو صحيح .

6 - وعن أبي عمرو المتطبب قال : عرضته على أبي عبد الله عليه السلام - يعني كتاب ظريف في الديات . ورواه الصدوق والشيخ بأسانيدهما الاتية وذكرا أنه عرض على أبي عبد الله وعلى الرضا عليهما السلام .

7 - وعن يونس بن عبد الرحمن ، في حديث قال : أتيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين فسمعت منهم واحدا واحدا ، وأخذت كتبهم فعرضتها بعد على الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث .

8 - وعن أحمد بن أبي خلف قال : كنت مريضا فدخل على أبو جعفر عليه السلام يعودني عند مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة ، فجعل يتصفحه ورقة ورقة حتى أتى عليه من أوله إلى آخره وجعل يقول : رحم الله يونس ، رحم الله يونس ، رحم الله يونس .

9 - وعن داود بن القاسم الجعفري ، قال : أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه وتصفحه كله ، ثم قال : هذا ديني ودين آبائي كله ، وهو الحق كله .

10 - وعن الملقب بقوراء ، أن الفضل بن شاذان كان وجهه إلى العراق إلى جنب به أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام فذكر أنه دخل على أبي محمد عليه السلام فلما أراد أن يخرج سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في رداء له ، فتناوله أبو محمد عليه السلام ونظر فيه وكان الكتاب من تصنيف الفضل ، فترحم عليه وذكر أنه قال : اغبط أهل خراسان لمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم .

11 - وعن أبان بن أبي عياش قال : هذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثم الهلالي دفعه إلى أبان بن أبي عياش وقرأه وزعم أبان أنه قرأه على علي بن الحسين عليهما السلام فقال : صدق سليم ، هذا حديث نعرفه .

12 - وعن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام أنه سئل عن كتب بني فضال فقال : خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا .

13 - وعن أبي هاشم الجعفري ، قال : عرضت على أبي محمد العسكري عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي : تصنيف من هذا ؟ قلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين ، فقال : أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة .

14 - وعن الحسن بن محمد بن الوجنا قال : كتبنا إلى أبي محمد عليه السلام نسأله أن يكتب أو يخرج لنا كتابا نعمل به فأخرج لنا كتاب عمل ، قال الصفواني : نسخته فقابل به كتاب ابن خانبه زيادة حروف أو نقصان حروف يسيرة ، وذكر النجاشي أن كتاب عبيدالله بن على الحبلي عرض على الصادق عليه السلام فصححه واستحسنه .




وكتب العلامة المحقق الشيخ آقا بزرك الطهراني قدس الله سره بحثا علميا قيما في موسوعته الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 2 ص 125 قال:
(الأصل)
هو عنوان صادق على بعض كتب الحديث خاصة ، كما أن الكتاب عنوان يصدق على جميعها ، فيقولون له كتاب أصل أو له كتاب وله أصل أو قال في كتاب أصله أو له كتاب وأصل وغير ذلك . واطلاق الأصل على هذا البعض ليس بجعل حادث من العلماء بل يطلق عليه الأصل بما له من المعنى اللغوي ، ذلك لان كتاب الحديث إن كان جميع أحاديثه سماعا من مؤلفه عن الإمام عليه السلام أو سماعا منه عمن سمع عن الإمام عليه السلام فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع مؤلفها وجود أصلي بدوي إرتجالي غير متفرع من وجود آخر فيقال له الأصل لذلك وإن كان جميع أحاديثه أو بعضها منقولا عن كتاب آخر سابق وجوده عليه ولو كان هو أصلا وذكر صاحبه لهذا المؤلف انه مروياته عن الإمام عليه السلام واذن له كتابتها وروايتها عنه لكنه لم يكتبها عن سماع الأحاديث عنه بل عن كتابته وخطه فيكون وجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع هذا المؤلف فرعا عن الوجود السابق عليه وهذا مراد الأستاذ الوحيد البهبهاني من قوله: (الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي عنه) .

فالأصل من كتب الحديث: هو ما كان المكتوب فيه مسموعا لمؤلفه عن المصعوم أو عمن سمع منه لا منقولا عن مكتوب فانه فرع منه . ويشير إلى اعتبار السماع كلام النعماني الآتي في أصل سليم كما أن أصل كل كتاب هو المكتوب الأولي منه الذي كتبه المؤلف وكل ما ينتسخ منه فهو فرع له فيطلق عليه النسخة الأصلية أو الأصل لذلك .

من الواضح ان احتمال الخطاء والغلط والسهو والنسيان وغيرها في الأصل المسموع شفاها عن الإمام أو عمن سمع عنه أقل منها في الكتاب المنقول عن كتاب آخر لتطرق احتمالات زائدة في النقل عن الكتاب فالاطمينان بصدور عين الألفاظ المندرجة في الأصول أكثر والوثوق به آكد ، فإذا كان مؤلف الأصل من الرجال المعتمد عليهم الواجدين لشرائط القبول يكون حديثه حجة لا محالة وموصوفا بالصحة كما عليه بناء القدماء .

ذكر الشيخ البهائي في مشرق الشمسين الأمور الموجبة لحكم القدماء بصحة الحديث (وعد منها) وجود الحديث في كثير من الأصول الأربعمئة المشهورة المتداولة عندهم (ومنها) تكرر الحديث في أصل أو أصلين منها بأسانيد مختلفة متعددة (ومنها) وجوده في أصل رجل واحد معدود من أصحاب الاجماع .

وقال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة والعشرين من رواشحه بعد ذكر الأصول الأربعمئة: (وليعلم أن الأخذ من الأصول المصححة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية) فوجود الحديث في الأصل المعتمد عليه بمجرده كان من موجبات الحكم بالصحة عند القدماء وأما سائر الكتب المعتمدة فانها يحكمون بصحة ما فيها بعد دفع سائر الاحتمالات المخلة بالاطمينان بالصدور ولا يكتفون بمجرد الوجود فيها وحسن عقيدة مؤلفيها ، فالكتاب الذي هو أصل ممتاز عن غيره من الكتب بشدة الاطمينان بالصدور والأقربية إلى الحجية والحكم بالصحة .

هذه الميزة ترشحت إلى الأصول من قبل مزية شخصية توجد في مؤلفيها ، تلك هي المثابرة الأكيدة على كيفية تأليفها والتحفظ على ما لا يتحفظ عليه غيرهم من المؤلفين وبذلك صاروا ممدوحين عند الأئمة عليهم السلام كما في حديث مدح أهل البصرة بدخولهم وسماعهم وكتابتهم ، ولذا نعد قول أئمة الرجال في ترجمة أحدهم ان له أصلا من ألفاظ المدح له لكشفه عن وجود مزايا شخصية فيه من الضبط والحفظ والتحرز عن بواعث النسيان والاشتباه والتحفظ عن موجبات الغلط والسهو وغيرها والتهيؤ لتلقي الأحاديث بعين ما تصدر عن معادنها على ما كان عليه ديدن أصحاب الأصول كما ظهر من حديث دخول أهل البصرة الذي مر في مقدمة الكتاب .

وروى السيد رضي الدين علي بن طاوس في مهج الدعوات بإسناده عن أبي الوضاح محمد بن عبد الله بن زيد النهشلي عن ابيه انه قال: (كان جماعة من أصحاب أبي الحسن (الكاظم) عليه السلام من أهل بيعته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن بكلمة أو أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوه منه في ذلك) .

وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين: (قد بلغنا عن مشايخنا قدس سرهم أنه كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا عن أحد من الائمة عليهم السلام حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام) .

وقال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة والعشرين من رواشحه: (يقال قد كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحدهم عليهم السلام حديثا بادروا إلى ضبطه في اصولهم من غير تأخير) .

إن المزايا التي توجد في الأصول ومؤلفيها دعت أصحابنا إلى الاهتمام التام بشأنها قراءةً وروايةً وحفظاً وتصحيحاً والعناية الزائدة بها وتفضيلها على غيرها من المصنفات ، يرشدنا إلى ذلك تخصيصهم الأصول بتصنيف فهرس خاص لها وإفرادهم مؤلفها عن سائر الرواة والمصنفين بتدوين تراجمهم مستقلة كما صنعها الشيخ أبو الحسين احمد بن الحسين بن عبيد الله بن الغضائري المعاصر للشيخ الطوسي ، وقد ذكره الشيخ في أول فهرسه ثم اعتذر هناك عن جمعه في فهرسه بين أصحاب الأصول والمصنفين مع ان الاولى إفرادهم بكتاب مستقل بلزوم التكرار قال: (لان في المصنفين من له أصل فيحتاج أن يذكر في كل من الكتابين) فكان الاهتمام بالأصول كذلك مستمرا إلى ان جمعت أعيان تلك الأصول بموادها مرتبة مبوبة في المجاميع القديمة فاستغنوا عن أعيانها كما سنذكره .

يؤسفنا جدا أنه لم يتعين لنا عدة أصحاب الأصول المؤلفين لها تحقيقا يل ولا تقريبا ، قال الشيخ الطوسى في أول الفهرس (وإني لا أضمن الاستيفاء لان تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تنضبط لكثرة إنتشار أصحابنا في البلدان) فإذا كان مثل شيخ الطائفة ذلك البحاثة الشهير يعترف بالعجز عن الاستيفاء فنحن أحرى بالعجز لانه مع قرب عهده إلى أصحاب الأصول كان متمكنا من الوصول إلى تلك الأصول بعينها وهي في مكتبة سابور التي أسست للشيعة بكرخ بغداد ، وكان الشيخ مقدمهم ، ولم تكن في الدنيا مكتبة أحسن كتبا من تلك المكتبة كانت كلها بخطوط الائمة المعتبرة وأصولهم المحررة كما ذكر جميع ذلك في معجم البلدان في حرف الباء في مادة "بين السورين" هذا مع تمكنه ؟ من خزانة كتب أستاده الشريف المرتضى المشتملة على ثمانين الف كتاب سوى ما أهدي منها إلى الرؤساء كما صرح به كل من ترجمه ، وقد أشرنا إلى العجز عن تعيين عدة أصحاب الأصول في المقدمة .

نعم أن الشهرة المحققة تدلنا على أنهم لم يكونوا أقل من أربع مئة رجل . قال الشيخ أمين الاسلام الطبرسي المتوفى سنة 548 في إعلام الورى: روى عن الإمام الصادق عليه السلام من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان وصنف من جواباته في المسائل أربع مئة كتاب تسمى الأصول رواها أصحابه وأصحاب إبنه موسى الكاظم عليه السلام .

وقال المحقق الحلي المتوفى سنة 676 في المعتبر: كتبت من أجوبة مسائل جعفر بن محمد أربع مئة مصنَف لأربع مئة مصنِف سموها أصولا .

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى: (إنه كتبت من أجوبة الإمام الصادق عليه السلام أربع مئة مصنَف لاربع مئة مصنِف ، ودون من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل) .

وقال الشيخ الحسين بن عبد الصمد في درايته ص 40 (قد كتبت من أحوبة مسائل الإمام الصادق عليه السلام فقط أربع مئة مصنَف لاربع مئة مصنِف تسمى الأصول في انواع العلوم) .

وقال المحقق الداماد في الراشحة المذكورة آنفا: (المشهور أن الأصول أربع مئة مصنَف لاربعة مئة مصنِف من رجال أبي عبد الله الصادق عليه السلام بل وفي مجالس السماع والرواية عنه ورجاله زهاء اربعة آلاف رجل وكتبهم ومصنفاتهم كثيرة إلا أن ما استقر الامر على اعتبارها والتعويل عليها وتسميتها بالأصول هذه الاربعة مئة) .

وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية: (استقر أمر المتقدمين على اربع مئة مصنف لاربع مئة مصنف سموها أصولا فكان عليها اعتمادهم ) .

ومرت عبارة الشيخ البهائي في ذكر الأصول الاربع مئة وتأتي عبارة الشيخ المفيد وغير ذلك من كلمات الاعلام في ذكر الأصول الاربع مئة .

لم يتعين في كتبنا الرجالية تاريخ تأليف هذه الأصول بعينه ولا تواريخ وفيات أصحابها تعيينا وإن كنا نعلم بها على الاجمال والتقريب كما يأتي نعم الذي نعلمه قطعا أنه لم يؤلف شئ من هذه الأصول قبل أيام أمير المؤمنين عليه السلام ولا بعد عصر العسكري عليه السلام إذ مقتضى صيرورتها أصولا كون تأليفها في أعصار الائمة المعصومين عليهم السلام وكونها مأخوذة عنهم أو عمن سمع عنهم من أصحابهم ، وحينئذ فلنا أن نخبر بان تأليف هذه الأصول كان في عصر الائمة عليهم السلام من أيام أمير المؤمنين عليه السلام إلى عصر العسكري عليه السلام وهذا الاخبار مراد شيخنا المفيد من عبارته المنقولة في اول معالم العلماء وهى: (صنفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عصر أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام اربع مئة كتاب تسمى الأصول وهذا معنى قولهم له أصل) ، ولم يرد الشيخ المفيد حصر جميع مصنفاتهم في مجموع تلك المدة في هذه الكتب الموسومة بالأصول إذ هو أعلم بكتبهم وبأحوال الاشخاص المكثرين منهم في التأليف كهشام الكلبي المؤلف لاكثر من مئتي كتاب والفضل بن شاذان الذي له مئة وثمانون كتابا ، وابن دؤل الذي له مئة كتاب ، والبرقي الذي له ما يقرب من مئة كتاب ، وابن أبي عمير الذي له تسعون كتابا وجمع كثير ممن لهم ثلاثون كتابا أو أكثر ، وكتب هؤلاء فقط تزيد على العدد المذكور باضعافه ، وكذا لم يرد أن تأليف هاتيك الأصول كان موزعا على جميع تلك المدة كما توهمه كلمتا من وإلى ، بل إنما أخبر بانه الفت الأصول بين هذين العصرين فلا مخالفة بين كلامه وبين تصريح الشيخ الطبرسي ، والمحقق الحلي ، والشهيد ، والشيخ الحسين بن عبد الصمد ، والمحقق الداماد وغيرهم من أعلام علماء الاصحاب بأن الأصول الاربع مئة الفت في عصر الصادق عليه السلام من أجوبة المسائل التي كان يسأل عنها ولم يصرح أحد من الاصحاب بخلاف ما قالوه .

إذا يسعنا دعوى العلم الاجمالي بان تاريخ تأليف جل هذه الأصول إلا أقل قليل منها كان في عصر أصحاب الإمام الصادق عليه السلام سواء كانوا مختصين به أو كانوا ممن أدركوا أباه الإمام الباقر عليه السلام قبله أو ممن أدركوا ولده الإمام الكاظم عليه السلام بعده والذي يورثنا هذا العلم الاجمالي بعد ما مر من عدم تصريح أحد من أعلام الاصحاب بخلافه هو سير تاريخ الرواة والمصنفين في الظروف القاسية الحرجة ، وما عانوه من المحن والمصائب فيها وعدم تمكنهم من أخذ معالم الدين عن معادنها ثم ما مكنهم الله تعالى منه في عصر الرحمة ، عصر النور ، عصر إنتشار علوم آل محمد صلى الله عليه وآله ، عصر ضعف الدولتين واشتغال أهل الدولة بأمور الملك عن أهل الدين ذلك العصر هو من أواخر ملك بني أمية بعد هلاك الحجاج بن يوسف سنة 95 ، إلى إنقراضهم بموت مروان سنة 113 ثم اوائل ملك بنى العباس إلى اوائل أيام هارون الرشيد الذي ولي سنة 170 ، وهو المطابق لاوائل عصر الإمام الباقر عليه السلام المتوفى سنة 114 . وتمام عصر الإمام جعفر الصادق عليه السلام المتوفى سنة 148 وبعض عصر الكاظم عليه السلام المتوفى في حبس هارون الرشيد سنة 184 إذ كان قد قبض عليه الرشيد من المدينة في سفر حجه ، فكانت فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنين آمنين على أنفسهم مطمئنين متجاهرين بولاء أهل البيت عليهم السلام معروفين بذلك بين الناس ، ولم يكن للائمة عليهم السلام مزاحم لنشر الأحكام فيحضر شيعتهم مجالسهم العامة والخاصة للاستفادة من علومهم عليهم السلام وفي تلك المدة القليلة كتبوا عن أئمتهم أكثر ما ألفوه ، وبسعيهم نشرت علوم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فشكر الله مساعيهم بسعة رحمته في العقبى وأخلد ذكرهم في الدنيا بما كتبت من تراجمهم بعد عصرهم في الكتب الرجالية القديمة مثل "كتاب الرجال" لعبد الله بن جبلة الكناني المتوفى سنة 219 ، و "مشيخة" الحسن بن محبوب المتوفى سنة 224 ، و "رجال" الحسن ابن فضال المتوفى سنة 224 ، و "رجال" ولده علي بن الحسن و "رجال" محمد بن خالد البرقي ، و "رجال" ولده احمد بن محمد بن خالد الذي توفى سنة 274 ، و "رجال" احمد العقيقي المتوفى سنة 280 ، لكنه لم تكن هذه الكتب مستوفاة كما صرح به الشيخ الطوسي في أول فهرسه ورجاله ، ولذا ضاعت تراجم كثير من مؤلفي الأصول ولم يذكر الشيخ الطوسي إلا تراجم جملة ممن ذكر في حقه أن له أصلا بعضها في كتاب رجاله وأكثرها في فهرسه الذي جمع فيه المصنفين للكتب مع أصحاب الأصول كما صرح به في أوله .
وأما فضلاء الشيعة السابقون على هؤلاء أو اللاحقون بهم ، وإن كانوا في كثرة هؤلاء أو يزيدون لكنهم كانوا بحسب المقتضيات الوقتية متسترين غالبا والائمة عليهم السلام منزوين عنهم لا يتمكن من الأخذ عنهم شفاها إلا قليل من الخواص فلم يكتب عنهم إلا كتب قليلة لجمع يسير وقد ذكرت تراجم المعروفين منهم أيضا في الكتب الرجالية المذكورة وأما سائر فضلاء الشيعة المتسترين فكانوا يكتفون بالأخذ عن الوسائط المعتمدة ويكتبون عنهم إلى أن ماتوا في استتارهم وخفيت كتبهم وآثارهم ، لا يدلنا على حياتهم إلا ذكرهم فيما وصل الينا من أسانيد الأحاديث المروية ولا نعرف من حالهم وطبقتهم إلا بمن أخذوا عنه الحديث أو بمن أخذ عنهم ، وكتبت بعد تلك الكتب كتب رجالية أخرى مثل كتاب حميد الدهقان المتوفى سنة 310 وكتاب الكشي المتوفى سنة 328 ورجال الكليني المتوفى سنة 329 ، وقد بلغ الغاية في رجاله الشيخ أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة المولود سنة 249 والمتوفى سنة 333 فجمع فيه من ثقات اصحاب الإمام الصادق عليه السلام ومعاريفهم أربعة آلاف رجل أوردهم الشيخ الطوسي في رجاله كما ذكره مفصلا شيخنا في خاتمة المستدرك وغير ذلك مما كتب في الرجال إلى القرن الخامس الذي الفت فيه الأصول الرجالية: النجاشي ، واختيار الكشي ، والرجال ، والفرست للشيخ الطوسي ، والضعفاء المنسوب إلى ابن الغضائري وكلها مجموعة في منهج المقال للاسترابادي وغيره من المتأخرين وفيها من تراجم خصوص من عد من أصحاب الائمة عليهم السلام أربعة آلاف وخمس مئة رجل تقريبا والمصنفون من مجموع اصحابهم لا يتجاوزون عن الف وثلاثمئة رجل .

وبعد فرض اختصاص أربعة آلاف منهم بالإمام الصادق عليه السلام لا يبقى لسائر الائمة عليهم السلام إلا الخمس مئة وبعد اخذ نسبة مؤلفيهم إليهم ونسبة مؤلف خصوص الأصل من سائر المؤلفين يتم لنا المعلوم بالاجمال من أن تاريخ تأليف جل الأصول كان في عصر اصحاب الإمام الصادق عليه السلام .

هذه الأصول كلها موجودة جملة منها بالهيئة التركيبية الأولية التي وجدت موادها بها والبقية باقية بموادها الأصلية بلا زيادة حرف ولا نقيصة حرف ضمن المجاميع القديمة التي جمعت فيها مواد تلك الأصول مرتبة مبوبة منقحة مهذبة تسهيلا للتناول والانتفاع حيث لم يكن للأصول ترتيب خاص لان جلها من إملاآت المجالس وجوابات المسائل النازلة المختلفة المتفرقة من أبواب الفقه والأصول كما نرى في الموجودة أعيانها اليوم ولم يرد الشيخ من قوله في الفهرس في ترجمه أحمد بن محمد بن نوح: (له كتب في الفقه على ترتيب الأصول وذكر الاختلاف فيها) أن للأصول ترتيبا خاصا بل إنما أراد ان كتبه الفقهية لم تكن مرتبة على ترتيب أبواب الفقه الذي اختاره القدماء في مجاميعهم بل كانت على نسق الأصول في عدم الترتيب ، ثم انه بعد جمع الأصول في المجاميع قلت الرغبات في استنساخ أعيانها لمشقة الاستفادة منها فقلت نسخها وتلفت النسخ القديمة تدريجا ، وأول تلف وقع فيها إحراق ما كان منها موجودا في مكتبة سابور بكرخ فيما احرق من محال الكرخ عند ورود طغرل بيك أول ملوك السلجوقية إلى ؟ بغداد سنة 448 كما ذكره في معجم البلدان بعد ما مر من كلامه وذلك كان بعد تأليف شيخ الطائفة التهذيب والاستبصار وجمعهما من تلك الأصول التي كانت مصادر لهما ثم بعد التأريخ هاجر هو من الكرخ وهبط النجف الاشرف وصيرها مركز العلوم الدينية إلى اثنتي عشرة سنة وتوفى بها سنة 460 .

وكان أكثر تلك الأصول باقيا بالصورة الأولية إلى عصر محمد بن ادريس الحلي وقد استخرج من جملة منها ما جعله مستطرفات السرائر وحصلت جملة منها عند السيد رضي الدين علي بن طاوس المتوفى سنة 664 كما ذكرها في كشف المحجة وينقل عنها في تصانيفه ، ثم تدرج التلف وتقليل النسخ في أعيان هذه الأصول إلى ما نراه في عصرنا هذا ولعله يوجد منها في أطراف الدنيا ما لم نطلع عليها ، والله العالم