كيف تتحول الإسرائيلات إلى عقيدة ، حديث ( نبوة ثم خلافة) نموذجاً

نظار

نظار
7 فبراير 2014
11
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم .
مما يلفت الانتباه أن بعض السنة – المتساهلين منهم خصوصاً – يستدلون على صحة مذهبهم بحديث نسبوه إلى النبي يقول فيه أن بعد النبوة خلافة وبعد الخلافة ملك بالرغم من أنه لم يرد بطرق يمكن الاعتماد عليها في بناء الدين والعقيدة ، بزعم أن فيه تصحيح لخلافة الخلفاء بعد النبي ، منهم ابن حجر في صواعقه ، وبعد مراجعة مصادر هذا الحديث ، والبحث عن الجو الذي صدر فيه ، وجدت أن أول من ذكر هذا المعنى هو كعب الأحبار إذ ورد عنه بطريق صحيح ، ثم تعاقب رواة بني أمية على روايته ، لكن بعد نسبته إلى النبي ، وفي تصوري فإن هذا الحديث يوضح كيف تسللت الإسرائيليات إلى عقائد المسلمين ، ومن هذه الجهة هو مهم ، لذلك حاولت أن أبذل جهدي لاستقصاء طرقه وتتبعها ، وقد بينت الخلل فيها ، وبعد الانتهاء من ذلك صرت لبيان الملاحظات على المتن .
أولاً : المناقشة السندية

اولاً : الحديث من طريق معاذ بن جبل وأبي عبيدة
الطريق الأول : في كتاب الفتن لنعيم بن حماد
حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَحَدُهُمَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ خِلافَةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ مُلْكًا عَضُوضًا " ؟ وَقَالَ أَحَدُهُمَا : " عَاضٌّ وَفِيهِ رَحْمَةٌ ، ثُمَّ جَبَرُوتٌ صَلْعَاءُ لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ ، تُضْرَبُ فِيهَا الرِّقَابُ ، وَتُقْطَعُ فِيهَا الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ ، وَتُؤْخَذُ فِيهَا الأَمْوَالُ " .
عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحمصي الشامي ، لم يلق أبا عبيدة ولا معاذ إذ الفارق بين سنة وفاته ووفاتهما حدود المائة عام ، فالرواية مرسلة .

الطريق الثاني
مسند الطيالسي
حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَدَأَ هَذَا الأَمْرَ نَبُوَّةً وَرَحْمَةً ، وَكَائِنًا خِلافَةً وَرَحْمَةً ، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا ، وَكَائِنًا عَنْوَةً وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الأَرْضِ ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ ، وَالْخُمُورَ ، وَالْحَرِيرَ ، وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ ".
وورد عن ليث بغير هذا الطريق ، وهو الليث بن أبي سليم القرشي ضعيف الأئمة
( أئمة الجرح والتعديل) ، وهو فوق ذلك مولى آل أبي سفيان ، وعبد الرحمن بن سابط كثير الأرسال وقد عنعن .
وقال أبي نعيم في معرفة الصحابة : وَرَوَاهُ مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ ، أَنَّهُ أَتَى أَبَا عُبَيْدَةَ وَبَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ يَتَحَدَّثَانِ
لا يبعد أن يكون الرجل المبهم الذي روى عنه حبيب هو الليث بن أبي سليم القرشي نفسه .

الطريق الثالث :
الفتن لنعيم بن حماد
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ خِلافَةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ مُلْكٌ عَضُوضٌ ، ثُمَّ تَصِيرُ جَبْرِيَّةً وَعَبَثًا " .
يحيى بن سعيد العطار ضعفه أئمة الجرح والتعديل .

الطريق الرابع
أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، حَدَّثَنِي أَبُو وَهْبٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ دِينِكُمْ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ مُلْكٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ مُلْكٌ أَعْفَرُ ، ثُمَّ مُلْكٌ وَجَبَرُوتٌ يُسْتَحَلُّ فِيهَا الْخَمْرُ وَالْحَرِيرُ
وهذا الطريق مشهور عن مكحول ، إلا أنه عدا عن عداوته لعلي بن أبي طالب كما ذكر ذلك ابن ابي الحديد وصاحب الغارات ، وكما اثبته هو نفسه كما جاء عنه في بعض المصادر ، عدا عن ذلك فإني لا أعرف أحداُ وثقه غير ابن حبان وذلك وفق مبناه في توثيق من يروي عنه الثقات وتبعه ابن حجر ، وترجم له كثيرين دون توثيق بالرغم إمامته وفي ذلك ما فيه ، بل ذكر محمد بن سعد كاتب الواقدي وهو من محققيهم قال بعض أهل العلم: كان ضعيفا في حديثه ورأيه .
وسوى ذلك ، فإن مكحول معروف بكثرة إرساله ، قال الحاكم النيسابوري : أكثر روايته عن الصحابة حوالة ، وقال ابن حبان : ربما دلس ، وسبط ابن العجمي : مشهور بالإرسال عن جماعة لم يلقهم ، وابن حجر : كثير الإرسال .
وأوضح من كل ذلك ما قاله البيهقي : "لم يثبت سماعه من أبي الدرداء، وواثلة، وأبي أمامة، ومعاذ بن جبل " ، فهو لم يسمع من أبي ثعلبة الصحابي ، حيث أنهم أرخوا وفاة أبي ثعلبة سنة 75 ، في حين توفي أبو إمامة سنة 80 وواثلة سنة 85 ، فلا بد من الحكم بانقطاع الحديث بين مكحول وأبي ثعلبة ، يؤكد ذلك ما ذكره في تهذيب الكمال عند عد من رواه عنه مكحول قال : أبي ثعلبة الخشني ويقال مرسل ، ولا يبعد أن يكون الواسطة المحذوفة هو ما رواه ليث بن أبي سليم الضعيف ، وذلك أنه معاصر لمكحول وقد مكث هذا الأخير في العراق فترة ما . إضافة إلى أننا لا نجد طريقاً آخر لأبي ثعلبة غيره يمكن أن نقوم به إرسال مكحول .

الطريق الخامس :
غريب الحديث للخطابي
) وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ : " كَانَتْ نُبُوَّةَ رَحْمَةٍ ، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةَ رَحْمَةٍ ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا يُمَلِّكُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، ثُمَّ تَكُونُ بَزْبَزِيًّا قَطْعَ سَبِيلٍ وَسَفْكَ دِمَاءٍ ، وَأَخْذَ أَمْوَالٍ بِغَيْرِ حَقِّهَا " . يَرْوِيهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ ، نا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ بِشْرٍ ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَذْكُرُ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ , قَوْلُهُ : بَزْبَزِيًّا ، هَكَذَا رَوَاهُ لَنَا الْمُحَدِّثُ ، عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ .

يحتمل أن يكون الراوي عن أبي عبيدة هو عبد الله بن عمر وقد وقع التصحيف في اسمه ، وهذا الطريق غريب له ، ويكفي في هذا الطريق غرابته عن مثل عبد الله بن عمر وهو المكثر في مثل هذا الحديث وهو في صالحه ، إضافة إلى نكارة فيه لم يفهمها الراوي ( ثم تكون بزبزيا) ولا أظن هذا اللفظ عربياً أصلاً .
وغير ذلك فإنه فيه انقطاع بين المحدث أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب و موسى بن هارون ، ذلك أنهم عدوا أبا سليمان في الطبقة السادسة عشرة ، وموسى بن هارون في الطبقة الثانية عشرة ، ومعه لا يحتمل سماعه منه ، هذا اضافة إلى قول أبو سليمان "يرويه موسى بن هارون" المشعر بعدم سماعه منه إذ لو كان الأمر كذلك لقال : حدثنا .
إضافة إلى ذلك فإن في السند عمارة بن بشر ولم يوثقه أحد ، و عمير بن هانئ من ولاة بني أمية قال عنه الأوزاعي : لا بأس به ، ولا يعتد بتوثيق مثل الاوزاعي لاحد ولاة بني أمية ، ووثقه الجيلي وهو معروف بتساهله في التوثيق ، وقال الفسوي لا بأس به ، في حين قال أبو الحسن بن أبي الخواري إنى لأبغضه، كيف حدث عنه الأوزاعى وهو ظاهر في التضعيف . فمثل الرجل لا يقبل أنفراده عن ابن عمر في مثل هذا الحديث مع هذه العلل فيه . وفي كل الأحوال فالطريق ضعيف لغرابته وانقطاعه وجهالة بعض رواته وكون راويته من ولاة بني أمية وقد ضعف
وقال أبي نعيم في معرفة الصحابة
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَوْقُوفًا ، وَرَفَعَهُ ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ عُمَارَةُ بْنُ بَشِيرٍ .
ومنه يتضح أن الرواية موقوفة على بعض الطرق وكلها منقطعة بالنسبة لنا وقد حاولت أن أعثر على تتمة إسناده فلم أجده ، وأبو أمية الشعباني هو يحمد بن أخامرأو عبد الله بن أخامر ، وبه يتضح التصحيف في عبد الله بن عامر ، والرجل من الرواة عن كعب الأحبار ، وثقه ابن حبان وفقاً لمبناه وهو توثيق لا يركن إليه ، فيضاف إلى ما مر هاتين العلتين.

ثانياً : الحديث من طريق ابن عباس
وليس له طريق غير ما ذكره الطبراني في المعجم الكبير
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ الْعَسْكَرِيُّ ، ثنا سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ ، ثنا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ هَذَا الأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ يَكُونُ خِلافَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلانُ"
وورد في نسخ أخرى من الطبراني بدل ابن شهاب (أبي شهاب) . وأكتفي في بيان حال هذه الرواية بإيراد ما ذكره شيخهم الدكتور أبو صهيب خالد بن محمود الحايك المتخصص في الحديث :
( أخرج الطبرانيّ في "المعجم الكبير" وهو في "الصحيحة" (3270) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أوّل هذا الأمر نبوّة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكاً ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادُمَ الحُمُرِ، فعليكم بالجهاد، وإنّ أفضل جهادكم الرباط، وإنّ أفضل رباطكم عسقلان". وعسقلان عرفت منذ أقدم العصور التاريخيّة... قلت: وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث: (ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر) هو من أعلام ودلائل نبوّته، وقوله (عليكم بالجهاد) فدل النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المخرج من أزمة الفتن التي يعيشها المسلمون حين تتوج بفتن الخروج على ولاة الأمر، وفيها إشارة إلى ضعف دين المسلمين، وأنّهم يتنازعون السلطة، بسبب التفرّق والاختلاف، وانتشار الحزبيّة بينهم، ممّا يعني ضرورة العودة إلى الدين ولا يتأتّى ذلك إلا ببناء العقيدة السلفيّة الصحيحة أوّلًا، والرباط على ذلك، وبذل الجهد في نشر دعوة الحق، ... إلخ كلامه!!

قلت: هذا الحديث الذي صححه العارف تبعاً للألباني حديثٌ منكرٌ لا يصح!!
قال الطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/88): حدثنا أحمد بن النضر العسكري، قال: حدثنا سعيد بن حفص النفيلي، قال: حدثنا موسى بن أعين، عن أبي شهاب، عن فطر بن خليفة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكاً ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر، فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان)).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/190): "رواه الطبراني ورجاله ثقات".
وقال الشيخ الألباني في ((الصحيحة)) رقم (3270): "وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي؛ ففيه كلام يسير، وقد وثقه ابن حبان (8/268)، وأخرج له في ((صحيحه)) ثلاثة أحاديث، والذهبي، والعسقلاني فقال: ((صدوق تغير في آخر عمره))".
قلت: تفرد سعيد بن حفص عن موسى بن أعين لا يقبله أهل النقد! فأين أصحاب موسى الثقات عن هذا الحديث، فيتفرد به من هو متكلّم فيه؟!
وكذلك فإن موسى لا يُعرف أنه روى عن أبي شهاب الحنّاط! وأبو شهاب سمع من مجاهد، فلم يرويه عنه بواسطة فِطر؟!
فإسناد هذا الحديث منكر، وكذلك ما جاء فيه: (وإن أفضل رباطكم عسقلان) فمنكر أيضاً.
http://www.addyaiya.com/uin/arb/View...?ProductId=308
إذن الرواية منكرة متناً وسنداً ، إضافة إلى أن فيه سعيد بن حفص لم يسبق لأحد أن وثقه قبل ابن حبان وهو معروف بطريقته الخاصة في توثيق أمثاله ، نعم وثقه مسلمة بن قاسم الأندلسي أيضاً إلا أنه ضعيف فلا يعتد بتوثيقه ، وذكر أبو عروبة الحراني أنه تغير في آخر عمره .وربما لكل ذلك عد علامتهم السيوطي الحديث بسنده ومتنه موضوعاً وأودعه في مناقب البلدان الموضوعة .
هذا على فرض كون الراوي عن فطر في الحديث هو (ابو شهاب) ، أما لو كان (أبي شهاب) الزهري راوية بني أمية ومحدثهم في الكلام فيه أوضح .

ثالثاُ : الحديث من طريق عمر بن الخطاب
وأورد فيه ما ذكره الشيخ الدكتور خالد الحايك بلفظه :
((رواه الحاكم في ((المستدرك)) (4/520) دون ذكر عسقلان، من طريق إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا عبدالعزيز بن عبيدالله بن حمزة بن صهيب، قال: سمعت سالم بن عبدالله بن عمر يحدِّث عن أبيه: أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: ((إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة، ثم يعود إلى خلافة، ثم يعود إلى سلطان ورحمة، ثم يعود ملكاً ورحمة، ثم يعود جبرية تكادمون تكادم الحمير، أيها الناس عليكم بالغزو والجهاد ما كان حلواً خضراً قبل أن يكون مراً عسراً، ويكون تماماً قبل أن يكون رماماً، أو يكون حطاماً، فإذا أشاطت المغازي وأكلت الغنائم واستحل الحرام فعليكم بالرباط فإنه خير جهادكم)).
قلت: وهذا إسناد منكر! آفته عبدالعزيز، وهو منكر الحديث، ضعفه يحيى وغيره.
قال عبدالرحمن بن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/387): سألت أبي عن عبدالعزيز بن عبيدالله؟ فقال: "يروي عن أهل الكوفة وأهل المدينة، ولم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش، وهو عندي عجيبٌ، ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه، يروي أحاديث مناكير، ويروي أحاديث حساناً".
قال عبدالرحمن: سألت أبا زرعة عن عبدالعزيز بن عبيدالله؟ فقال: مضطرب الحديث، واهي الحديث".
ورواه نُعيم بن حماد في كتاب ((الفتن)) (1/99) عن الحكم بن نافع البهراني، عن سعيد ابن سنان، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة أبي شجرة الحضرمي، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب، مثله.
قلت: وهذا ليس بشيء، وآفته سعيد بن سنان الحمصي.
قال عبدالرحمن بن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (4/28): سألت أبي عن أبي مهدي سعيد بن سنان الحمصي؟ فقال: "ضعيف الحديث، منكر الحديث، يروي عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من ثلاثين حديثاً أحاديث منكرة".
قلت: وقد تتبعت أحاديثه بهذا الإسناد فوجدت معظمها في الفتن والملاحم!! وهي منكرة جداً!!)) انتهى كلامه
ويضاف إلى ما ذكره ما رواه أبو نعيم الأصفهاني في أخبار أصبهان :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ ، ثنا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا : " هَذا الأَمْرُ بَدأ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً ، وَسَيَعُودُ سُلْطَانًا وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً " .
إسماعيل بن عمرو ضعفوه وهو يروي الغرائب عن سفيان الثوري.
وما رواه في مسند عمر بن عبد العزيز للباغنيدي :
حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَرْوَزِيُّ ، ثنا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي قُتَيْلَةَ ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ ، عَنْ إٍسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ عَفِيفٍ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ خِلافَةً ، ثُمَّ يَكُونُ سُلْطَانًا ، وَيَكُونُ مُلْكًا ، ثُمَّ يَكُونُ جَبْرِيَّةً ، ثُمَّ يَكُونُ جَائِزَةً " .
ويكفي فيه إسماعيل بن رافع متروك ضعفوه و عفيف المزني لم يوثقه أحد وضعفه ابن حجر.


رابعاً : الحديث من طريق حذيفة بن اليمان
الطريق الأول :
الفتن لنعيم بن حماد
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ هَذَا الأَمْرَ بَدَأَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ خِلافَةً وَرَحْمَةً ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا ، يَشْرَبُونَ الْخُمُورَ ، وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ ، وَيَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ ، وَيُنْصَرُونَ وَيُرْزَقُونَ ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ "

وفيه أنه مرسل إذ بين سعيد بن أبي هلال وحذيفة فاصل زمني بعيد ، إضافة لتضعيفهم لابن لهيعة

الطريق الثاني :
مسند أحمد
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ ، فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ ، فَقَالَ : يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ ، أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُمَرَاءِ ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ ، فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا ، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ " . ثُمَّ سَكَتَ . قَالَ حَبِيبٌ : فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي صَحَابَتِهِ ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، يَعْنِي عُمَرَ ، بَعْدَ الْمُلْكِ الْعَاضِّ وَالْجَبْرِيَّةِ ، فَأُدْخِلَ كِتَابِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَسُرَّ بِهِ ، وَأَعْجَبَهُ .
هذا الطريق أنفرد به دواد بن إبراهيم الواسطي ، عن حبيب بن سالم .
أما الأول منهما فلم يوثقه غير أبو داود الطيالسي وهو وإن كان أحد أعلام المحدثين لكنه ليس من المتخصصين في الجرح والتعديل.
وأما الثاني ، وهو حبيب بن سالم ، فهو كاتب ومولى النعمان بن بشير أحد ولاة بني أمية ، وثقه الرازي وأبو داود في حين قال البخاري : فيه نظر ، وقال ابن عدي : حبيب بن سالم هذه الأحاديث التي أمليتها له قد خولف في أسانيدها وليس في متون أحاديثه حديث منكر بل قد اضطرب في أسانيد ما يروي عنه.
إذن الرجل متكلم فيه مضطرب الإسناد ، وقد ذكر هذه الرواية لو صحت عنه في محضر عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي ، وقد جاءت هذه الرواية وفيه زيادة ليست في غيرها من الأحاديث موافقة لأحلامه في أن يكون خليفة راشد جديد ، رابع بحسب زعمه ،لذلك نجده ق، والمراجع لسيرة عمر بن عبد العزيز يعرف عنه هذا الهاجس الذي دفعه لترك المجون واللعب والتوجه لتقريب العلماء والزهاد ، فالرواية صادرة عن أحد عمال بني أمية المتكلم فيهم يتقرب بها للحاكم الأموي ، يرضي بها غروره وطموحه، وإني والله استغرب من تصحيحهم لمثل هذه الأحاديث فضلاً عن بناء دينهم عليها . وفوق كل ذلك فإن الراوي عن حذيفة هو النعمان بن بشير أحد ولاة بني أمية وقضاتهم .

الطريق الثالث :
المعجم الأوسط للطبراني
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، ثَنَا الْعَلاءُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْغَنَوِيُّ ، حَدَّثَنِي مُهَنَّدُ الْقَيْسِيُّ ، وَكَانَ ثِقَةً ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكُمْ فِي نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ ، وَسَتَكُونُ خِلافَةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا ، يَشْرَبُونَ الْخُمُورَ ، وَيَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ ، وَفِي ذَلِكَ يُنْصَرُونَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمِنْهَالِ إِلا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ

وهذا في رأيي أنظف أسانيد هذا الحديث ، إذ كل ما مر كان واضح الارتباط ببني أمية ، وسيتضح أن مصدر هذه الرواية هو راويتهم كعب الأحبار ، ومع ذلك فإن هذا الحديث جاء عن طريق زيد بن الحباب وهو كثير الخطأ ، قال عنه ابن حبان : يخطئ يعتبر حديثه إذا روي عن المشاهير وأما روايته عن المجاهيل ففيها المناكير ، وروايته هذه بالرغم من كونها عن موثق إلا أنها ليست عن مشهور . وقال ابن حنبل : كان صدوقا، ولكن كان كثير الخطأ ، وقال ابن حجر : يخطئ في حديث الثوري ، و الذهبي: قد يهم ، وابن معين: كان يقلب حديث الثوري ، ولا أعرف لماذا خصص هذا الحكم بالثوري ، فإن من تنقلب عنده الأسانيد توهماً ، لا معنى لتخصصيه في روايته عن احد ما .
ثم إن العلاء بن المنهال لم يوثقه غير أبي زرعة ، وهو –أي العلاء - بدوره وثق شيخه مهند بن هشام القيسي مع حاجته في نفسه للتوثيق ، ووثق مهنداً هذا بن حبان أيضاً . فاعتماد روايته مع ذلك صعب ، خصوصاً بلحاظ أنفراده في رواية هذا الخبر عن قيس بن مسلم وهو كثير الحديث كثير التلاميذ
وقد ورد هذا الحديث أيضاً في بعض كتب الفتن عن شمر بن عطية (وهو عثماني جداً إضافة إلى أنه أرسل عن بعض الصحابة ولم يذكر في تهذيب الكمال أنه روى عن أنس) عن أنس موقوفاً عليه فلا داعي لذكر سنده .

[line]-[/line]

ثانياً الملاحظات على المتن


أولاً : أن هذا الحديث لو صح –وهو ليس كذلك - فغاية ما يظهر منه أن النبي كان في مقام بيان طريقة الحكم التي سيتبعها المسلمون بعده ، وإلا فلا خلاف بين الشيعة ومشهور السنة ومحققيهم أن النبي لم يستخلف أبا بكر .
ثانياً : أن هذا الحديث بهذا اللفظ ورد بطريق صحيح عن كعب الأحبار الذي نعتقد أنه أحد المروجين للاسرائيلات بمباركة من الحكومة الأموية ، وأحد المتملقين لهم ورواتهم ، جاء في الفتن لنعيم بن حماد . حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ كَعْبًا ، يَقُولُ : " أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ خِلافَةٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ سُلْطَانٌ وَرَحْمَةٌ ، ثُمَّ مُلْكٌ جَبْرِيَّةٌ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَبَطْنُ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا .
وبعد مراجعة أسانيد الرواية ، نجد أنها تكاد تنحصر في الشاميين والمرتبطين ببني أمية ،بالرغم من ضعفها كما بينا ، ولو كان الكلام صدر من النبي فعلاً لذكر ذلك كعب أو نوه إليه ، وهو أول من روي عنه هذا الخبر ، قياساً بمكحول وليث و عمير بن هانئ وحبيب بن سالم والبقية ، ومعه يغلب الظن ، بل نكاد نطمئن إلى أن مصدر هذه الرواية وأصلها هو كعب نفسه ، أما نسبتها إلى رسول الله فهو فعل رواة بني أمية ولحقهم بعض الضعفاء والمستفيدين وبعض المخلِّطين . وهو رأي يتفق معنا فيه الدكتور خالد الحايك حيث يقول (والرواية في هذا الباب ليّنة. وكأن أصل هذه الروايات من قول كعب الأحبار.)
بالنسبة لي فإني أرى أن هذا الحديث من أوضح مصاديق الإسرائيلات التي سعى بنو أمية لترويجها في وسط المسلمين ، ولا يضرنا أن البعض بنى عليها عقيدته ، ما دام الأمر مكشوفاً بالنسبة لنا .
ثالثاً : هذه الرواية معارضة للرواية المتواترة الناصة على أن الخلفاء بعد النبي أثنا عشر خليفة ، والطريق الوحيد للجمع بينهما أن نقول أن الخليفة الأموي الذي يتم به العدد12 يختم المرحلة الأولى وهي مرحلة الخلافة وما بعده من الخلفاء يحققون مرحلة الملك ، وهذا واضح البطلان ، كما أن عد خلافة عثمان بالرغم من سيطرة الأمويين عليها ولعبهم فيها بمقدرات الأمة و إهانة جملة من الصحابة خلافة على منهاج النبوة واضح البطلان ، بل عد خلافة من سبقه كذلك

رابعاً : هذه الرواية معارضة لما تواتر معنوياً عن النبي بما يدل على فساد الحكم بعده وعدم رضاه عنه ، من قبيل ما صح أنه قال لأمير المؤمنين أن الامة ستغدر به بعده وما شابهه ، وما صح أنه شهد لشهداء أحد ولم يشهد لغيرهم فسأله أبو بكر فقال "لا يدرى ما تحدثون بعدي" ، وما صح عن أبي بن كعب يروي عنه قيس بن عباد قال بَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ بِالْمَدِينَةِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ، فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي جَبْذَةً فَنَحَّانِي وَقَامَ مَقَامِي ، فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلاتِي ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، فَقَالَ : يَا فَتَى ، لا يَسُوءُكَ اللَّهُ إِنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا أَنْ نَلِيَهُ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَقَالَ : " هَلَكَ أَهْلُ الْعَقْدِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلاثًا " ، ثُمَّ قَالَ : " وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِمْ آسَى ، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا.
وما صح عن عمر بن الخطاب بل استفيض عنه بطرق صحيحة أنه كان يقول "ليتها كانت كفافاً لا لي ولا علي" يريد حياته ، أو حياته بعد رسول الله ، ومنها ما رواه البخاري أنه قال لأبي موسى ( هل يسرك أن إسلامنا مع رسول الله وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلنا معه يرد لنا وأن كل عمل عملنا بعده نجونا منه كفافاً رأساً برأس ... ثم قال : أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك يرد لنا وإن كل شيء عملنا بعده نجونا منه كفافاً رأساً برأس)فلو كان يعلم أنه خليفة رسول الله حقاً لما تمنى ذلك .
وما صح عن حذيفة بن اليمان أنه سأل رسول الله هل بعد هذا الخير شر قال نعم ، فسأله عن ذلك فقال سَيَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِ ، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، وَسَيَقُومُ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ رِجَالٍ فِي جُثْمَانِ إِنْسَانٍ.
وما صح عن ابن مسعود أنه سمع رسول الله يقول سَيَلِي أُمُورَكُمْ بَعْدِي رِجَالٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ ، وَيَعْمَلُونَ بِالْبِدْعَةِ ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا وأوضح منه عن أبي ذر الغفاري ، وغير ذلك