واجباتنا في عصر الغيبة

19 أبريل 2010
25
0
0
1- معرفة الإمام المهدي (عليه السلام) حق المعرفة:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)(1).

وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله) قال: (القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني...)(2).

يستفاد من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن لمعرفة الإمام المعصوم أهمية عظيمة وأنها أساس لمعرفة الله عز وجل، وأن طريق الهداية للحق والثبات على الصراط المستقيم لا يتم إلا بمعرفة الإمام المعصوم واقتفاء أثره والسير على خطاه والاستضاءة بنوره والثبات على ولايته.

فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالاً!)(3 ).

ولكن ماذا تعني معرفة الإمام المعصوم حق معرفته؟

بالطبع ما دام لمعرفة الإمام كل هذه الأهمية الكبرى.. فليس المراد منها هو معرفة اسمه ونسبه فقط...! بل يتحتم أن يكون المقصود بالمعرفة شيء آخر أكبر من ذلك بكثير وأكثر أهمية وأعظم خطرا.

ويجيبنا على التساؤل السابق الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: (..وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي إلا درجة النبوة ووارثه، وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله، ويعلم أن الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنا ثم من بعدي موسى ابني ثم من بعده ولده علي وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة من ولد الحسن)(4).


2ـ الثبات على الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بالمذهب الحق:

من أهم تكاليفنا الشرعية في عصر الغيبة هو الثبات على موالاة أهل البيت (عليهم السلام) والثبات على العقيدة الصحيحة بإمامة الأئمة الاثني عشر وخصوصاً خاتمهم وقائمهم المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام)، كما يتوجب علينا عدم التأثر بموجات التشكيك وتأثيرات المنحرفين مهما طال زمان الغيبة أو كثرت ضروب المشككين.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا يشككه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني)(5).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة)(6).

ونحن نرى اليوم أن هناك الكثير من موجات وضروب التشكيك في وجود الإمام المهدي (عليه السلام) وإمامته وكذلك إمامة من سبقه من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) عبر الكثير من الكتب ووسائل الإعلام من فضائيات وشبكات الإنترنت وغيرها، فلابد هنا أن نُذكِّر بأقوال أئمتنا (عليهم السلام) وذلك حينما أخبرونا عن هذه الغيبة التي نعايشها وما يحدث فيها من تشكيك في العقائد والأصول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ولقد جاء في بعض الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) الحث على تجديد العهد والبيعة مع الإمام المهدي (عليه السلام) في كل يوم كما جاء في دعاء العهد الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً...)(7).

ومن الثبات على الولاية أيضاً ذكر فضائل الإمام المهدي (عليه السلام) وإشاعتها بين الناس والبراءة من أعدائه واللعن عليهم.

كما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أولياءه ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم أمتي علي يوم القيامة)(8).


3ـ الصبر على البلاء وانتظار الفرج:

من أهم تكاليفنا في زمان الغيبة هو انتظار الفرج وهو من أعظم العبادات كما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أفضل العبادة انتظار الفرج)(9)، وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً قال: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج)(10).


- ولكن ما معنى انتظار الفرج المذكور في الأحاديث الشريفة ؟

نحن نعلم أن المرء إذا كان ينتظر قدوم ضيوف أعزاء عليه فإنه يهيأ نفسه لهم بلبس أحسن الملابس والتطيب بأفخر أنواع الطيب وغير ذلك من تنظيف البيت وتهيئة الطعام والشراب والضيافة وما ينبغي تقديمه للضيوف الأعزاء، وكذلك المزارع الذي ينوي زراعة شجر ما وينتظر الحصول منه على أفضل الثمار فإنه يهيئ الأرض بحرثها وتسميدها وما يتطلب الزراعة من أمور قبل قيامه بعملية الزرع المنشودة.

إذاً انتظار الفرج يتطلب منا عمل ما يتوجب علينا القيام به، وليس القعود في البيت فقط وانتظار خروج الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) كما يتوهم البعض، ولانتظار الفرج عدة معاني وقد ذكرها السيد محمد صادق الصدر (قدس) في موسوعته عن الإمام المهدي وهي كالتالي(11):


أ ـ الانتظار القلبي:

بمعنى تهيئة النفس لقدوم الإمام المهدي وتوقع الظهور في أي وقت وبالتالي التسليم المطلق للإمام في حال ظهوره والاستعداد الكامل لتطبيق عدل الإمام على الشخص نفسه وتجهيز النفس لنصرته والجهاد بين يديه.


ب ـ المساهمة الفعالة:

أي المساهمة في إيجاد شرائط الظهور والعمل لأجل خروج الإمام بالتمهيد لذلك قدر الاستطاعة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال الصالحة.


ج ـ إصلاح الشخص نفسه:

أي الالتزام الكامل بتطبيق الأحكام الشرعية في سائر العلاقات والمعاملات والعبادات.


د ـ الصبر على المحن والبلاء:

حيث أن عصر الغيبة الكبرى يتميز بتعاظم الجور والظلم والفساد بشكل ملحوظ. لذلك جاء الكثير من الأحاديث التي تؤكد على مبدأ الصبر وتحث عليه وخصوصاً في زمن الغيبة وتتحدث عن عظم أجر الصابرين كما في الأحاديث التالية.

عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال: (إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)(12).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (وانتظار الفرج بالصبر)(13).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول الله عز وجل ) وارتقبوا إني معكم رقيب( وقوله ) فانتظروا إني معكم من المنتظرين( فعليكم بالصبر فإنما يجيء الفرج على اليأس)(14).

فالمؤمن المترقب لفرج إمامه المنتظر (عليه السلام) يلاقي صعوبات كثيرة لتكذيب الناس له بوجود هذا الإمام المغيب، كما يلاقي صعوبات كثيرة لقيامه بواجباته الرسالية بعكس ذلك الشخص الجالس في بيته يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه بشيء.

ولذلك حينما سمع الإمام الصادق (عليه السلام) بعض أصحابه يتذاكرون جماعة منهم وقد ماتوا ولم يدركوا زمان القائم وهم يتحسرون على ذلك قال لهم: (من مات منكم وهو منتظرا لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه، ثم قال: لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف - وفي رواية أخرى كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)-)(15).

وعن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: ) يوم ندعو كل أناس بإمامهم( (16) فقال: (يا فضيل اعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره.. لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه)( 17).

4 ـ الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) والدعاء بتعجيل الفرج:

كما أن الإمام الحجة لا ينسانا من ذكره لنا في توجهه إلى الله عز وجل ويشملنا ببركة دعائه المقدس، فلذلك ينبغي لنا نحن أيضاً في المقابل أن ندعو له (عليه السلام)، ويتوجب علينا أن نلجأ إلى الله تعالى ونطلب منه سبحانه أن يحفظ إمامنا المغيب من شر شياطين الجن والإنس وأن يعجل فرجه وينصره على أعدائه من الكفار والجبابرة المتكبرين وأن يسهل مخرجه ويجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.

ومن ذلك الدعاء المعروف (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا)(18).

ولعل البعض يعترض بالقول ما فائدة دعائنا للإمام المهدي (عليه السلام) وهو الإمام المعصوم والمحفوظ من قبل الله عز وجل، وهو بالتالي مستجاب الدعوة عكسنا نحن العصاة المذنبون المفتقدين لأهلية استجابة الدعاء.

والجواب: نحن مأمورون بالدعاء للإمام (عليه السلام) كما جاء ذلك في كثير من الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ولعل ذلك من أجل بقاء الصلة والرابطة مع الإمام ولعل لذلك أيضاً آثاراً أخرى نحن لا نعلمها.

فعن يونس بن عبد الرحمن قال: أن الإمام الرضا (عليه السلام) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا الدعاء: (اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك بإذنك الناطق بحكمتك وعينك الناظرة في بريتك وشاهدك على عبادك الجحجاح المجاهد العائذ بك العابد عندك،...الخ)(19).

ومن ذلك أيضاً قول الله سبحانه وتعالى: ) إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما( (20).

فنحن مأمورون إذاً بالدعاء للنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته والصلاة عليهم وليس لأحد ما أن يعترض بالقول إذا كان الله تعالى مصلياً عليهم فلا فائدة لصلاتنا عليهم أو لدعائنا هذا لهم (عليهم السلام).

يقول السيد ابن طاووس الحسني (رض) بهذا الخصوص: (فإياك ثم إياك أن تقدم نفسك أو أحداً من الخلائق في الولاء والدعاء له (عليه السلام) بأبلغ الإمكان وأحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولى العظيم الشأن، وإياك أن تعتقد أنني قلت هذا لأنه محتاج إلى دعائك هيهات هيهات..!.

إن اعتقدت هذا فإنك مريض في اعتقادك وولائك، بل إنما قلت هذا لما عرفتك من حقه العظيم عليك وإحسانه الجسيم إليك، ولأنك إذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك ولمن يعز عليك كان أقرب إلى أن يفتح الله جل جلاله أبواب الإجابة بين يديك لأن أبواب قبول الدعوات قد غلقّتها أيها العبد بإغلاق الجنايات.

فإذا دعوت لهذا المولى الخاص عند مالك الأحياء والأموات يوشك أن يفتح أبواب الإجابة لأجله فتدخل أنت في الدعاء لنفسك ولمن تدعو له في زمرة فضله وتتسع رحمة الله جل جلاله لك وكرمه عنايته بك لتعلقك في الدعاء بحبله)(21).

ولقد ذكر آية الله الحاج ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني بعض الفوائد الحاصلة عند الدعاء للإمام المهدي (عليه السلام) وهي كالتالي(22):

* أنه سبب للحصول على شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وشفاعة صاحب الأمر إدخال السرور على الإمام الحجة (عليه السلام).

* أنه موجب لدعاء صاحب الأمر للداعي.

* تحصيل ثواب الدعاء وثواب النصرة للإمام.

* التعظيم لله بإظهار المحبة للإمام والولاء له.

* أنه موجب لدفع البلاء عن الداعي في زمن غيبة الإمام.

* أنه نوع من أداء حقه على المؤمنين.

ومن الواجب علينا أيضاً في زمان الغيبة هذا الذي نعيش فيه الدعاء بتعجيل فرج إمامنا المهدي (عليه السلام) أرواحنا فداه وأن نطلب من الله تعالى أن يجعلنا من أنصاره (عليه السلام) ومؤيديه كما جاء في التوقيع الشريف للإمام المهدي (عليه السلام) الذي خرج على يد محمد بن عثمان العمري: (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم)(23).

وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له عن بني إسرائيل حيث قال: (فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة، ثم قال (عليه السلام) هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه)(24).

كما ينبغي لنا الدعاء والطلب من الله عز وجل الثبات على ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والطلب من الله معرفة الإمام المهدي (عليه السلام) حق معرفته.

فعن زرارة بن أعين أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن زمان الغيبة حيث قال: (جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال (عليه السلام): يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء (اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)(25).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يُرى ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول (يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)(26).

وهناك الكثير من الأدعية الواردة في هذا المجال مثل دعاء العبرات ودعاء الندبة ودعاء العهد وغيرها من الأدعية.


5 ـ الارتباط الروحي بالإمام المهدي واحترامه وتقديسه والولاء له (عليه السلام):

جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا( (27) قال: (اصبروا على أداء الفرائض وصابروا على أذية عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر)(28).

فهو إمام العصر - أرواحنا له الفداء - وهو الإمام المناط به إقامة الدولة الإسلامية العالمية الموعودة منذ أول الدهر، والموكل له المهمة الكبرى التي من أجلها كان الخلق، فلابد أن نقدم له (عليه السلام) من التقدير والاحترام الشيء الكثير ولابد أن نظهر له من المحبة والولاء ما أمكننا ذلك، وينبغي لنا أن يكون ارتباطنا بإمامنا (عليه السلام) قوياً جداً قولاً وفعلاً وروحياً ومعنوياً ومن جميع الجوانب أيضا.

ولذلك جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) وجوب احترامه وتقديسه لدرجة أن الإمام الرضا (عليه السلام) حينما كان يستمع لقصيدة دعبل الخزاعي وذلك حينما أنشده قصيدته التائية وحينما وصل لهذا البيت:

خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم الله والبركات


قام الإمام الرضا (عليه السلام) على قدميه وأطرق رأسه الشريف إلى الأرض ثم وضع يده اليمنى على رأسه وقال: (اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وانصرنا به نصراً عزيزاً)(29).

وكذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وذلك حينما سُئل (هل ولد المهدي (عليه السلام)؟ فقال: (لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي)(30).

كما ينبغي لنا من ضمن احترام الإمام المهدي (عليه السلام) والتواصل معه المواظبة على زيارته في أيام الجمعة وغيرها بالزيارات الواردة في كتب الأدعية والزيارات كزيارة آل يس والزيارة الجامعة وزيارة صاحب الأمر وغيرها من الزيارات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام).


6 ـ القيام بالأعمال الخيرية وإهداء ثوابها للإمام المهدي (عليه السلام):

وهذا ما ذكره بعض العلماء الأجلاء في كتبهم من أمثال العلامة المجلسي (قدس) في البحار حيث نقل استحباب إعطاء الصدقة نيابة عنه أو بنية التقرب إلى الله من أجل حفظه (عليه السلام)، كما ذكر المرحوم آية الله السيد الشيرازي (قدس) في كتابه الإمام المهدي (عج) استحباب الحج نيابة عنه.

ومن ذلك أيضاً ما رواه قطب الدين الراوندي في الخرائج عن أبي محمد الدعلجي حيث ذكر أنه قد دُفع له ثمن حجة ليحج بها عن صاحب الزمان (عليه السلام) وذكر أن ذلك كان من عادة الشيعة وقتئذ، فلما ذهب للحج وكان بالموقف التقى بالإمام هناك ووصف من شأنه أنه كان (عليه السلام) (شاباً حسن الوجه، أسمر اللون، بذؤابتين، مقبلاً على شأنه في الدعاء والابتهال والتضرع وحسن العمل)(31).

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (ما من شيء أحب إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإن الله ليجعل له الدرهم في الجنة مثل جبل أحد، ثم قال: إن الله تعالى يقول في كتابه ) من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة( (32) قال: هو والله في صلة الإمام خاصة)(33).

كما ينبغي لنا في عصر الغيبة هذا أن يعمل كل واحد منا ما يقربه من الإمام المهدي (عليه السلام) وكل في مجاله من خطابة وإقامة المجالس التي تخدم أهل البيت (عليهم السلام)، وتأليف الكتب، وإقامة المؤسسات الخيرية والاجتماعية والمشاريع الإصلاحية التي تصب في خدمته وخدمة الأمة الإسلامية جمعاء.


7 ـ ملازمة الحزن على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام):

إذ أن الحزن هو حليف المؤمنين والصابرين وخصوصاً في عصر الغيبة هذا الذي نعايشه، فنحن في زمن نفقد فيه لطفاً إلهياً كبيراً، المتمثل بوجود الإمام المعصوم بين الناس بحيث يمكنهم التواصل معه والانتفاع بشخصه الكريم، كما يعز علينا ما يناله إمامنا المغيب (عليه السلام) من أحزان وهموم ورزايا وما يجري عليه من محن ومصائب على مر الأيام وتطاول الدهور والأزمان.

وكما جاء في دعاء الندبة: (عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيزٌ عليّ أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى...، عزيزٌ عليّ أن أجاب دونك وأناغى، عزيزٌ عليّ أن أبكيك ويخذلك الورى، عزيزٌ عليّ أن يجري عليك دونهم ما جرى، هل من معين فأُطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأُساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عينٌ فساعدتها عيني على القذى)(34).

فالإمام المهدي (عليه السلام) يعايش الناس ويتألم لما يصيبهم من مصائب ومحن وبعينه (عليه السلام) ما جرى على هذه الأمة من رزايا طوال هذه القرون، وهو مع ذلك صابر على ما يراه من فساد وظلم ولا يستطيع دفعه في كثير من الأحيان ويبقى منتظراً لأمر الله عز وجل له بالخروج حين تتهيأ لذلك الظروف المناسبة.

كما يعز عليه - أرواحنا له الفداء - فقد الكثير من العلماء العظام والمؤمنين المجاهدين الذين قُتلوا أو استشهدوا طوال هذه العصور المتتابعة وربما فقد هو أيضاً الكثير من أولاده وأهل بيته وقرابته باعتبار أنه (عليه السلام) ربما لا يترك سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الزواج خلال فترة الغيبة الكبرى هذه.

ولقد تحدثت لنا الروايات عن حزن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) الشديد كلما جاءوا على ذكر الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته وتحمله لأنواع البلاء والمحن.

فمن ذلك ما نقله الصقر بن أبي دلف عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه قال: (إن الإمام بعدي ابني علي أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه ثم سكت، فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر)(35).

ومن ذلك أيضاً ما رواه سدير الصيرفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وذلك حينما دخل عليه هو مع جماعة من أصحابه فرأوه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، فلما سألوه عن ذلك زفر (عليه السلام) زفرة عظيمة انتفخ منها جوفه ثم قال: (نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده (عليهم السلام)، وتأملت منه مولد قائمنا وغيبته وإبطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان وتولد الشك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم...إلى أن قال: فأخذتني الرقة واستولت عليّ الأحزان)(36).

فنحن نلاحظ في مثل هذه الروايات تكرار القول (فبكى بكاء شديدا) مما يدل على حزن الأئمة (عليهم السلام) البالغ على غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) وتعاطفهم الشديد مع ما يلاقيه الشيعة والمؤمنون من محن وبلايا بانقطاعهم عن إمامهم المعصوم وقيادته الحكيمة.


8 ـ التوسل بالإمام المهدي (عليه السلام) وجعله شفيعا في قضاء الحوائج:

قال تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة( (37). حيث أنه ما منا أحد إلا وهو مبتلى بالكثير من الذنوب والخطايا والمعاصي فلا بد لنا من أن نجد شخص يكون وجيهاً عند الله عز وجل نستشفع به في دعائنا ونتوسل به إلى الله عند حلول المصائب وفي المهمات ليفرج سبحانه به عنا البلاء ويستجيب لنا الدعاء ويتقبل تقربنا ويغفر لنا به الخطايا والذنوب.

قال تعالى: ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما( (38).

لذلك ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام) العديد من الاستغاثات والتوسلات بأهل البيت عموماً وبالإمام المهدي على وجه الخصوص، فهم علة الإيجاد وسبب للفيض الإلهي كما ورد في دعاء الندبة (أين السبب المتصل بين الأرض والسماء).

فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله عز وجل وهو قوله عز وجل ) ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها( (39))(40).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا حضرت أحدكم الحاجة فليصم يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، فإذا كان يوم الجمعة اغتسل ولبس ثوباً نظيفاً ثم يصعد إلى أعلى موضع في داره فيصلي ركعتين ثم يمد يده إلى السماء ويقول: اللهم إني حللت بساحتك... اللهم إني أتقرب إليك بنبيك... إلى أن قال (عليه السلام): وأتقرب إليك بالبقية الباقي المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك، الطيب الطاهر الفاضل الخير، نور الأرض وعمادها، ورجاء هذه الأمة وسيدها، الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، الناصح الأمين، المؤدي عن النبيين، وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين...)(41).


9 ـ الرجوع في الأحكام الشرعية إلى العلماء المجتهدين:

حيث أن تقليد الفقهاء والعلماء المجتهدين في غير أصول الدين هو واجبنا الشرعي في عصر الغيبة الذي نعايشه، وذلك لمن لا يمكنه الاجتهاد أو العمل بالاحتياط المبرئ للذمة في أحكام الدين وفروعه.

فلقد جاء في التوقيع المروي عن الإمام المهدي (عليه السلام) والذي خرج لإسحاق بن يعقوب في فترة الغيبة الصغرى: (.. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)(42).

وورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) في كتاب التفسير المنسوب إليه: (..فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه)(43).

ولقد كان الأئمة (عليهم السلام) يشجعون أصحابهم على الاجتهاد وإعمال الفكر في كثير من الأحيان، بل ويدلونهم على أشخاص معينين من العلماء الأعلام ليستفتوهم في أحكامهم الشرعية وليرجعوا لهم في القضاء والمخاصمات.

فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول، وعليكم أن تفرعوا) وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع)(44).

وعن أبن أبي يعفور في صحيحته قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنه ليس كل ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه، فقال: (ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيها)(45).

ومن ذلك أيضا ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال بعد أن بين حرمة التخاصم أو التحاكم إلى الظالمين: (ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما)(46).

وفي صحيحة أبي خديجة ومشهورته أيضاً جاءت معاني مشابهة لهذا القول الوارد في مقبولة عمر بن حنظلة الكوفي السابقة الذكر.

ولقد جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) مدح العلماء من المؤمنين في عصر الغيبة ووصفهم بأجمل الصفات كما في الرواية التالية.

عن الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قال: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل)(47).

الهوامش:

1- غيبة النعماني ص 130، الكافي ج 2 ص 21 ح 9، نور الثقلين ج 1 ص 503.

2- كمال الدين ج2 ص 411، إعلام الورى ص 399، منتخب الأثر ص 183 ح 4.

3- الكافي ج 1 ص 181 ح 4، ميزان الحكمة ج 1 ص 120 ح 144.

4- كفاية الأثر ص 263، نهج السعادة ج 8 ص 41، بحار الأنوار ج 2 ص 120.

5- كمال الدين ج 1 ص 51، إثبات الهداة ج 3 ص 459، بحار الأنوار ج 51 ص 68 ح 10.

6- كمال الدين ج 1 ص 303 ح 14، إعلام الورى ص 400، منتخب الأثر ص 255 ح 3.

7- مصباح الزائر ص 169، البلد الأمين ص 82، مصباح الكفعمي ص 550.

8- غيبة الطوسي ص 275، كمال الدين ج 1 ص 286، تفسير نور الثقلين ج 2 ص 505.

9- كمال الدينج 1 ص 278، ينابيع المودة ج 3 ص 397، بحار الأنوار ج 52 ص 125 ح 11.

10- الإمامة والتبصرة ص 163، مستدرك الوسائل ج 3 ص 527، كمال الدين ص 644.

11- تاريخ الغيبة الكبرى ص 316، 361.

12- صحيح الترمذي ج 2 ص 437، كنز العمال ج 11 ص 118، مجمع الزوائد ج 7 ص 282.

13- منتخب الأثر ص 498، وسائل الشيعة ج 19 ص 75، بحار الأنوار ج 52 ص 122 ح 1.

14- تفسير العياشي ج 2 ص 20، كمال الدين ج 2 ص 645، منتخب الأثر ص 496.

15- كمال الدين ج 2 ص 338 ح 11، المحاسن ص 174، غيبة النعماني ص 200 ح 15.

16- سورة الإسراء الآية 71.

17- الكافي ج 1 ص 371، غيبة النعماني ص 329، غيبة الطوسي ص 276.

18- الإقبال ص 85، مصباح الكفعمي ص 146، فلاح المسائل ص 46.

19- بحار الأنوار ج 92 ص 333، مصباح المتهجد ص 409، جمال الأسبوع ص 311.

20- سورة الأحزاب الآية 56.

21- كتاب فلاح السائل ص 45.

22- كتاب وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام ص 31.

23- كمال الدين ج 2ص 485، إعلام الورى ص 423، غيبة الطوسي ص 176.

24- بحار الأنوار ج 4ص 118، مستدرك الوسائل ج 5 ص 239، تفسير الصافي ج 2 ص 460.

25- الكافي ج 1 ص 337 ح 5، غيبة النعماني ص 166 ح 6، دلائل الإمامة ص 293.

26- كمال الدين ج 2 ص 351 ح 49، إعلام الورى ص 406، إثبات الهداة ج 3 ص 475.

27- سورة آل عمران الآية 200.

28- غيبة النعماني ص 27، المحجة ص 52، ينابيع المودة ص 421، البرهان ج 1 ص 334.

29- منتخب الأثر ص 506، مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 629، الذريعة ج 23 ص 247.

30- غيبة النعماني ص 252، إعلام الورى ص 129، عقد الدرر ص 233 ح 268.

31- الخرائج والجرائح ج 1 ص 480، الصراط المستقيم ج 2 ص 213، وسائل الشيعة ج 8 ص 147.

32- سورة البقرة الآية 245.

33- الكافي ج 1 ص537 ح 2، بحار الأنوار ج 24 ص 279 ح 7، تفسير الصافي ج 1 ص 273.

34- بحار الأنوار ج 99 ص 104، مصباح الزائر ص 230، المزار الكبير ص 190.

35- كمال الدين ج 2 ص 378، منتخب الأثر ص 223، إعلام الورى ص 409.

36- كمال الدين ص 354، ينابيع المودة لذوي القربى ج 3 ص 310.

37- سورة المائدة الآية 35.

38- سورة النساء الآية 64.

39- سورة الأعراف الآية 180.

40- الاختصاص ص 252، مستدرك الوسائل ج 5 ص 228، بحار الأنوار ج 91 ص 22 ح 17.

41- مصباح المتهجد ص 287 - 292، التهذيب ج 3 ص 183 ح 416، الفقيه ج 1 ص 556.

42- غيبة الطوسي ص 291، كمال الدين ج 2 ص 483، إعلام الورى ص 423، كشف الغمة ج 3 ص 321.

43- تفسير الإمام العسكري ص 300، وسائل الشيعة ج 27 ص 131، الاحتجاج ج 2 ص 263.

44- وسائل الشيعة ج 27 ص 62، مستدرك سفينة البحار ج 1 ص 143، ميزان الحكمة ج 1 ص 549.

45- بحار الأنوار ج 2 ص 249 ح 60، رجال الكشي ج 1 ص 383، وسائل الشيعة ج 18 ص 105.

46- الكافي ج 1 ص 54، الاحتجاج ص 355، وسائل الشيعة ج 18 ص 98، تهذيب الأحكام ج 6 ص 302.

47- الاحتجاج ج 1 ص 10، المحجة البيضاء ج 1 ص 32، حلية الأبرار ج 2 ص 455.