تاريخ الحديث وعلومه - مراحل تدوينه عند الاِمامية، ابتداءً من عصر الرسول حتى ش.الطوسي

مرآة التواريخ

مرآة التواريخ
20 أبريل 2010
379
0
0
منشور في مجلة تراثنا – العدد 47 و 48

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تاريخ الحديث وعلومه


[مراحل تدوين الحديث عند الشيعة الاِمامية، ابتداءً من عصر الرسول صلى الله عليه وآله ، وانتهاءً بعصر الشيخ الطوسي]




السيّـد ثامر هاشم حبيب العميدي




بسـم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الاَنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

تمهيـد:
إنّ السُنّة النبوية ـ قولاً، وفعلاً، وتقريراً ـ هي صنو القرآن الكريم وتالية له، فالقرآن الكريم يشرّع الاَُصول والقوانين، ويؤسّس القواعد الكلية للاَحكام والاَخلاق والآداب، بل لكلّ ما يتّصل بعلوم الدين ومعارفه ومناهجه التربوية والاجتماعية، والسُنّة المطهّرة تتناول تلك الاَُصول والقواعد فتفصّلها، وتوضّح مبهماتها، وتحلّ متشابهاتها، وتبيّن مجملاتها، مع ما تفرّعه عليها، بحيث لم تدع ملحظاً كليّاً أو جزئياً له صلة بالفرد أو المجتمع إلاّ وقد بيّنت حكمه وأرشدت إليه بكلّ دقّة وتفصيل، وبشكل يستحيل معه رفع اليد عن السُنّة النبويّة في فهم القرآن الكريم.



( 195 )

وعليه، فمحاولة فصل السُنّة عن القرآن الكريم: هي بمثابة الاِعراض عن كتاب الله عزّ وجلّ، والتعبير عن اللامبالاة بتعاليمه الآمرة بالاَخذ بمدلول السُنّة الشريفة: (ومَا آتاكمُ الرسولُ فخذوهُ ومَا نَهاكمْ عنه فانتهُوا)(1).
وعلى الرغم من وضوح هذه الحقيقة إلاّ أنّ محاولات فصل السُنّة عن القرآن الكريم قد وُجدت لها الاَعذار من الشريعة نفسها، واختُلقت لها المبرّرات التي سنقف عندها لنرى مدى صدقها وانطباقها مع أسباب ودوافع منع تدوين الحديث الشريف، الذي ظهر بُعَيد وفاة الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ اتُّخذ المنع عن كتابة الحديث منهجاً سياسياً طيلة قرنٍ من الزمان، بعدما كان تعاطي الحديث ونشره من قبل الصحابة أمراً طبيعياً جدّاً في العهد النبوي، بل تقتضيه طبيعة رسالة الاِسلام في كلّ حين، لعالميّتها (وَما أَرسلناكَ إلاّ رَحمةً للعالمين)(2).
نعم، لم يُمنع أحدٌ من كتابة الحديث الشريف في العهد النبوي الشريف، كما تدلّ عليه جميع الدراسات الموضوعية الخاصّة بدراسة تاريخ السُنّة المُطهّرة ومراحل تدوين الحديث، فقد جمعت تلك الدراسات أسماء المدوّنين والمدوّنات الحديثية في العهد النبوي، وبشكل مُلفت للنظر؛ لكثرتها في ذلك العصر المتقدّم من عمر الاِسلام، بخلاف ما قد يُظن من نُدرتها تبعاً لظروف التدوين ونُدرة وسائله حينذاك، مع استقراء الروايات الدالّة على إباحة التدوين.
وأمّا الروايات المخالفة لذلك، بنسبة المنع إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي
____________
(1) سورة الحشر 59: 7.
(2) سورة الاَنبياء 21: 107.



( 196 )

مكذوبة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا أصل لها في واقع التشريع، ويكذّبها القرآن الكريم، وتشنّ السُنّة المطهّرة ـ نفسها ـ حرباً شعواء على تلك الروايات وتدفعها؛ لمخالفتها الصريحة لتطلّعات دين الاِسلام نحو الكتابة والتعلّم والسعي في طلبه، وبيان فضله حتّى ورد في الخبر: « عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»(1) و «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المُهج وخوض اللجج»(2)، فضلاً عن مخالفتها لمقتضيات العقل السليم، وطبيعة الحضارات في كلّ زمان ومكان.
غاية ما في الاَمر.. أنّه ـ وبعد وفاة الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ مرّ حديثه الشريف بأَزْمةٍ خانقة، ومواقف سلبيّة أدّت إلى الحظر عليه روايةً، ومنعه تدويناً، حتّى اتّسمت تلك المواقف بتصرّفات شاذّة، كحرقهم صحائف الحديث الشريف، ودفنهم كتبه، وحبس الصحابة في مركز الخلافة خوفاً من تفشّي الحديث خارج المدينة المنوّرة، مع النهي العامّ عن تعاطي الحديث رواية وتدويناً!!
لقد تركت تلك المواقف آثارها السيّئة على واقع الحديث، إذ غُيّرت السُنّة، ومُحقت الشريعة، وذلك بتمهيد السُبل أمام الاَيدي الآثمة من الزنادقة، وأهل الاَهواء، لاَنْ تعبث بالحديث الشريف، فتضع ما شاء لها الهوى لا سيما مَنْ تَقرّبَ إلى بلاط الاَُمويين باختلاق الروايات التي تؤيّد عروشهم، وتنال من خصومهم السياسيين، كما تشهد عليه الكتب المؤلّفة في الموضوعات والوضّاعين.
وبدلاً من أن تجتمع الكلمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على صيانة
____________
(1) أُصول الكافي 1: 82 ح 8، باب 2 من كتاب فضل العلم.
(2) أُصول الكافي 1: 85 ح 5، باب 4 من كتاب فضل العلم.



( 197 )

حديثه الشريف من عبث العابثين، حدث العكس تماماً! كما سنرى في المواقف الحكومية الاَُولى من تدوين الحديث الشريف.






* * *




( 198 )




المواقف الحكومية الاَُولى



من تدوين الحديث الشريف


في تاريخ الحديث الشريف موقفان متعارضان، تميّز أحدهما بالتزام تدوين الحديث الشريف والحفاظ عليه، ويمثّله أهل البيت عليهم السلام ، وشيعتهم كما سيتّضح في ما بعد.
وتميّز الآخر ـ وهو الخطّ الحاكم الذي برز بعد أحداث السقيفة وامتدّ إلى زمان عمر بن عبدالعزيز الاَُموي (ت 101 هـ) ـ بمواقف سلبية متطرّفة جدّاً، حتّى مُنع الحديث روايةً وتدويناً، واتّخذ المنع صفته الرسمية طيلة تلك الفترة، وسنبتدىَ بدراستها وتقييمها على النحو الآتي:


موقف أبي بكر من الحديث الشريف:
عن عائشة، قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب... فلمّا أصبح قال: أي بُنَيَّة، هلمّي الاَحاديث التي عندكِ. قالت: فجئته بها، فدعا بنار فحرقها! فقلت: لِمَ أحرقتها؟!
قال: خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت [به]، ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد نقلت ذلك(1)!!

____________
(1) تذكرة الحفّاظ 1| 5، في ترجمة أبي بكر.



( 199 )


ويلاحظ هنا:
إنّ تصرّف أبي بكر بجمع خمسمائة حديث شاهد على عدم وجود النهي السابق بشأن تدوين الحديث، وإلاّ لكان ذلك الجمع مخالفاً للنهي عنه.
كما إنّ تعليله إحراق الاَحاديث بالنار لم يستند على نهي سابق عن التدوين، بل كان لاَجل خشيته من عدم مطابقة تلك الاَحاديث للواقع، وخوفه من المشاركة في حمل أوزارها.

وهذا ممّا لا يمكن قبوله للاَسباب التالية:
1 ـ إنّ من كان مثل أبي بكر لا يحتاج إلى مثل هذه الطريقة في جمع الاَحاديث قطعاً، إذ بإمكانه ـ وهو الخليفة المطاع أمره ـ أن يُوعِز إلى كبار الصحابة وأجلاّئهم وحفّاظهم بذلك، ويوكل لهم أمر التحرّي عن صدق ما يتناقله الناس من الحديث في عصره، وَيوكل إليهم مهمّة الجمع على غرار ما يروى من أنّه جمع المصحف الشريف، ودوّن بإشرافه.

2 ـ لو تنزّلنا عن ذلك، فإنّه لا يحتاج إلى الواسطة في رواية خمسمائة حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، بالقياس إلى فترة إسلامه المبكّر، ومن غير المعقول أن لا تكون لاَبي بكر مسموعات بلا واسطة من ضمن المقدار الذي جمعه، إذ من البعيد جدّاً أن يترك ما سمعه بنفسه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويقتصر على ما سمعه بالواسطة!
فظاهر الحال أنّه أحرق مسموعاته ومسموعات غيره، ولا أجد ـ مع هذا الفرض المقبول ـ تعليلاً في تكذيب الرجل نفسه، ليسوّغ له إحراق ما



( 200 )

سمعه بأُذُنِه.

3 ـ إنّه صرّح بوثاقة الناقل وأمانته في تأدية الحديث، وعليه فلا معنى للشكّ في صدقه أو التأمّل في وثاقته، ولا يبرّر هذا الشكّ حرق الاَحاديث، على أنّه يمكن له التأكّد من سلامتها بعرضها على مجموع الصحابة، فإنْ شهدوا بكذبها جميعاً فعليه التشهير بناقلها وتأديبه كما يقتضيه واجبه الشرعي، وإنْ قالوا بصحّتها فيمضي ما جمعه بلا إحراق؛ ليكون سُنّة حسنة تُقتفى من بعده.
كلّ هذا يدلّ على أنّ وراء حرق الاَحاديث سبب غير معلن، لعدم قبول الاَسباب المعلنة عقلاً.

وفي «تذكرة الحفّاظ» في ترجمة أبي بكر، إنّه جمع الناس بعد وفاة نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم وقال لهم: «إنّكم تحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه»(1).

وفيه:
إنّه عبّر عن رغبته في عدم انتشار الحديث، فنهى عنه بذريعة الاختلاف! ويَرِد عليه ما أوردناه سابقاً من إمكانية إزالة أسباب الاختلاف الحاصل في الاَحاديث بيسر وسهولة قبل أن تتفاقم بَعده، أمّا تركها على ما هي عليه من الاختلاف، والاكتفاء بمجرّد النهي، فليس هو الحلّ الاِسلامي
____________
(1) تذكرة الحفّاظ 1|3 رقم 1.



( 201 )

الذي ينبغي أن يُصار إليه.
ومن ثَمّ فإنّ نهيه عن التحديث المعلّل بوقوع الاختلاف، لو تمّ لزم منه أن يطّرد النهي لاطّراد العلّة، حتّى يشمل النهي القراءات المختلفة للقرآن الكريم التي كانت معروفة في عصره، وهي لا تقلّ خطراً عن اختلاف الحديث.
ثمّ كيف نجد التكييف الشرعي لهذا التصرّف مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم : رحم الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فحَفظها، فبلّغها عنّي»؟! وقوله الكريم بعد كثير من إرشاداته وتبليغاته: «فليبلّغ الشاهد الغائب»؟!
على أنّ هذا الموقف العجيب من السُنّة المطهّرة، قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، منبّهاً على كونه وشيك الوقوع، أي: قريبه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «يوشك الرجل متّكئاً على أريكته يُحَدَّثُ بحديثٍ من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عزّ وجلّ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه!! ألا وإنّ ما حرّم رسول الله مثل ما حرّم الله»(1).
وقد علمت مَن أقدم على حرق الاَحاديث، وقال مخاطباً أهلها: «بيننا وبينكم كتاب الله»!

موقف عمر من تدوين الحديث الشريف:
لقد استمرّ المنع من الحديث روايةً وتدويناً في عهد أبي بكر، ولمّا
____________
(1) سنن ابن ماجة 1|6 رقم 12، وسنن الترمذي 5|37 حديث 26663، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه من طريق آخر، وسنن أبي داود 4| 200 رقم 4604 و 4605 باب لزوم السُنّة، ومسند أحمد 6|8، والمستدرك على الصحيحين 1|108 قال: وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ورواه من طريق آخر وقال: وجدنا للحديث شاهدين بإسنادين صحيحين.




( 202 )

استخلف عمر بعهد الخلافة إليه، جرى عمر على سيرته حذو النعل بالنعل، وفاقه في تعميم المنع الصريح من الحديث روايةً وتدويناً على جميع الاَمصار الاِسلامية.
فعن عروة بن الزبير قال: «إنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهراً، ثمّ أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: إنّي كنت أردت أنْ أكتب السنن، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها، فتركوا كتاب الله تعالى، وإنّي ـ والله ـ لا ألْبِسُ كتاب الله بشيءٍ أبداً»(1)
.
ثمّ كتب عمر ـ على أثر ذلك ـ إلى المسلمين في جميع الاَمصار الاِسلامية: «من كان عنده منها ـ أي: السنن ـ شيءٌ فليمحه»(2).
كما إنّه عَلِمَ بوجود بعض المدوّنات الحديثيّة في أيدي الصحابة، فأمر أن يأتوه بها، فجاءوا بها إليه وظنّوا أنّه يقوِّمُها من الاِختلاف ثمّ يدوّنها في كتاب واحد، لكنّه أحرقها بالنار ثمّ قال: «أُمنيّة كأُمنيّة أهل الكتاب»(3).


الاقتداء بسنة عمر:
سار عثمان ومن والاه على طريقة عمر، ورأينا في عهدهما جملة من الصحابة كانوا يميثون صحائف الحديث المدوّنة بالماء، ويدفنون كتب الحديث المدوّنة تحت التراب! بلا حجّة ولا مبرّر معقول سوى أمر السلطة
____________
(1) تقييد العلم: 49.
(2) تقييد العلم: 53.
(3) تقييد العلم: 53.



( 203 )

واجتهادها في إبادة حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقد تعجّب ابن الجوزي ـ وحقّه أن يتعجّب ـ من هذا الصنيع الشاذّ، فوصفه بأنّه عناد عظيم للشريعة فقال: «فما عوندت الشريعة بمثل هذا»(1)، وأمّا عن دفن الكتب، فقد قال أحمد بن حنبل: «لا أعلم لدفن الكتب معنىً»(2).

ثمّ استمرّ منع الحديث كما يقول أبو زهو: «وقد تتابع الخلفاء على سُنّة عمر.. فلم يشأ أحدٌ منهم أن يدوّن السُنن، ولا أن يأمر الناس بذلك حتّى جاء عمر بن عبدالعزيز»(3).

أقول:
إنّ جميع من تعرّض لدراسة تاريخ السُنّة ومراحل تدوين الحديث الشريف فصّل موقف عثمان الموافق لمن سبقه بشأن الحديث وموقف معاوية المتشدّد إزاء كلّ حديث يروى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام أو في أهل البيت عليهم السلام وتابعه ملوك الاَُمويّين إلى زمان عمر بن عبدالعزيز الاَُموي.
وقد ارتأينا عدم الخوض في مواقف السلطة في تلك الحقبة الزمنية والاكتفاء بموقف من ذكرنا إزاء الحديث روايةً وتدويناً اختصاراً للكلام ومراعاةً لحجم البحث، مع فسح المجال لحديث أهمّ في صفحاته اللاّحقة.
غير إنّه لا بُدّ من التذكير بتعرّض بعض الصحابة بعد وفاة الرسول إلى
____________
(1) نقد العلماء ـ أو: تلبيس إبليس ـ: 314 ـ 316.
(2) تقييد العلم: 63، وانظر مزيداً من هذه الاَقوال في «تدوين السُنّة الشريفة» للسيّد محمد رضا الحسيني الجلالي، الفصل الخاصّ بالمنع عن التدوين.
(3) الحديث والمحدّثون: 126.



( 204 )

الاستدعاء الرسمي من قبل المانعين الاَوائل لكي يعلموا جيداً اتّجاه السلطة ورغبتها في أن لا يشيع الحديث بين الناس، وقد استجابوا للسلطة على مضض، كأبي هريرة، وأبي مسعود، وابن مسعود، وأبي موسى الاَشعري، وأُبيّ بن كعب، وأبي الدرداء، بل وقد تعرّض بعضهم إلى الاِهانة من قبل السلطة مع تهديدها المباشر لهم إن لم يكفّوا عن إشاعة الحديث الشريف(1)!!


حجج المانعين عن التدوين:
لم تكن لدى المانعين حجّة شرعية يستندون إليها في مقام منع تدوين الحديث، ولكن اختُلقت لهم بعض الحجج في ذلك بنسبة المنع إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، مع أنّ أحداً من المانعين لم ينسب المنع قّط إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، مع كونهم أقرب الناس إلى عصر التشريع، وفي ذلك دليل على اختلاق تلك الروايات وافتعالها لصيانة الواقع التاريخي الذي ساد، وحفـظ كرامة السلف الماضين.

* ومن تلك الروايات، ما رووه عن أبي سعيد الخُدْري أنّه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»(2).
وهذا الحديث باطل من وجوه:
أمّا من حيث السند، فقد حكم الحفّاظ بأنّه من الموقوفات على أبي
____________
(1) راجع: تدوين السُنّة الشريفة: 434 تحت عنوان: «عمر يهدّد الصحابة ويهينهم».
(2) صحيح مسلم 4\ 2289 ح 72، باب التثبّت في الحديث من كتاب الزهد.



( 205 )

سعيد الخُدْري، وليس من المرفوعات حتّى يصح الاحتجاج به.
وأمّا من حيث الدلالة، فلم يتّفق لاَحد من علماء الحديث عند العامّة أنّ فهم منه المنع العام عن تدوين الحديث، بل حمل على المنع عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، خوف اختلاطهما على غير العارف في صدر الاِسلام.
ويكفي أنّ مسلماً ـ صاحب «الصحيح» ـ أورده في باب التثبّت في الحديث، وعنوان الباب صريح بأنّ مسلماً فهم منه مجرّد المحافظة على الحديث.
كما قيل بشذوذ الحديث أيضاً(1).

* ومنها أيضاً، ما رووه عن أبي سعيد كذلك من أنّه استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتابة الحديث فلم يأذن له(2).
وأوّل ما في هذه الرواية هو أنّ المنع خاصّ بأبي سعيد، فكيف يستفاد منها ـ على فرض صحّتها ـ المنع العام عن كتابة الحديث؟!
على أنّ راويها سفيان بن عيينة وهو متّهم بالتدليس.
إلى غير ذلك من الروايات الاَُخرى التي أشبعها السيّد الجلالي في «تدوين السُنّة الشريفة» بحثاً وتمحيصاً وانتهى إلى نتائج باهرة، بحيث يَسّر لغيره الوقوف على حقيقة تلك الروايات ومعرفة قيمتها العلمية سنداً ودلالة(3)،

____________

(1) هذه الوجوه من «تدوين السُنّة الشريفة»: 290 ـ باختصار ـ.
(2) تقييد العلم: 32.
(3) تدوين السُنّة الشريفة: 297 ـ 315.




( 206 )



معارضة المنع لاَحاديث الاِذن بالكتابة وإباحتها:
إنّ أحاديث منع التدوين المرفوعة والموقوفة معارضة لِما ورد في الصحيح الثابت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بشأن تدوين الحديث الشريف.
* من قبيل ما رواه رافع بن خديج قال: «قلت: يا رسول الله، إنّا نسمع منك أشياء، أفنكتبها؟ قال: اكتبوا ولا حرج»(1).

* وكذلك أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن تُكتَب خطبته الشريفة عند فتح مكّة، حين طلب أبو شاه ـ رجل من أهل اليمن ـ أن يكتبوا له الخطبة، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : «اكتبو لاَبي شاه»(2).

* ومنها، قول عبدالله بن عمرو بن العاص: «يا رسول الله، إنّا نسمع منك أشياءً لا نحفظها، أفنكتبها؟ قال: بلى، فاكتبوها»(3).

* وعن عبدالله بن عمرو، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «قيّدوا العلم بالكتاب»(4).

* وعنه أيضاً، قال: «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأُريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كلّ شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشر يتكلّم في الرضا والغضب!!؟ قال: أمسكت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أكتب، فوالذي
____________

(1) تقييد العلم: 73.
(2) صحيح البخاري 1: 40 ـ 41، وصحيح الترمذي 5| 39 رقم 2667.
(3) تقييد العلم: 74.
(4) تقييد العلم: 69، ورواه أنس بن مالك في «تقييد العلم»، وابن عبّاس في الكامل ـ لابن عدي ـ 2|792 ،كما في «تدوين السُنّة الشريفة».



( 207 )

نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ، وأشار صلى الله عليه وآله وسلم بيده إلى فيه»(1).

* ومنها: حديث أبي هريرة: «ما كان أحد أكثر حديثاً منّي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ ما كان من عبدالله بن عمرو، فإنّه كان يكتب ولم أكن أكتب»(2)‌.

* ومن ذلك أيضاً ما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة، قال: كان رجل من الاَنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسمع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الحديث، فيعجبه ولا يحفظه، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: يا رسول الله، إنّي لاَسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «استعن بيمينك» وأشار بيده إلى الخط(3).

معارضة المنع لاَُمور أُخرى:
كما إنّ أحاديث منع التدوين بالرغم من معارضتها إلى هذه الروايات وكثير غيرها، معارضة أيضاً لاِجماع أهل البيت عليهم السلام على إباحة التدوين، ومعارضة أيضاً لِما قام الدليل القاطع عليه، أعني وجود المدوّنين في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرفوا بأسمائهم وأُفردوا بدراسات خاصّة عند الفريقين، هذا فضلاً عن وجود الخطّ الآخر الملتزم بتدوين الحديث ونشره بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، مع عدم الرضوخ لاَوامر المنع ومقاومتها بكلّ قوّة كما سننبّه عليه في محلّه.

____________

(1) مسند أحمد 2|162، وتقييد العلم: 80 ـ 81.
(2) صحيح البخاري 1|36 باب كتابة العلم.
(3) صحيح الترمذي 5|39 رقم 2666.




( 208 )


ولاَجل هذه الاَُمور مجتمعة وجد مؤيّدو سياسة المانعين أنفسهم في أمسّ الحاجة إلى البحث عن مبرّرات معقولة ومقبولة تسوّغ ذلك التصرّف المريب إزاء الحديث الشريف رواية وتدويناً، فالتمسوها من أقوال المانعين أنفسهم! ولا بأس هنا من التطرّق اليها؛ لمعرفة قيمتها العلمية، مراعين بذلك الاختصار(1).







* * *


____________

(1) في كتاب «تدوين السُنّة الشريفة» للعلاّمة المحقق السيّد محمد رضا الحسينى الجـلالي جهد مميّز في متابعة أزمة منع تدوين الحديث الشريف، واستقراء ما في تاريخها من ملابسات، وما أفرزته تلك الاَزمة من مواقف العلماء والباحثين والمستشرقين حيالها، بما في ذلك مبرّرات المنع ومناقشتها.
ولمّا كان هذا المقال قد أُعدّ في الاَصل كجزء من مدخل لدراسةٍ موسعة عن مناهج المحدّثين، اقتضى الاَمر التنويه بالكتاب والاِشادة بما احتوى عليه من تحقيق، مع الاستفادة المباشرة منه فى أكثر من موضع.

( 209 )






مبررات منع تدوين الحديث


«مناقشة وتقييم»


المبرّر الاَوّل ومناقشته:
إنّ المنع عن كتابة الحديث كان لاَجل الحفاظ على القرآن الكريم، بمعنى الخشية من أن تؤدّي عملية تدوين الحديث إلى اختلاط الحديث بالقرآن، بحيث لا يُميّز أحدهما عن الآخر؛ ولهذا كان المنع عن تدوينه موفّقاً، وفي محلّه!

وفيه:
إنّ تصوّر المُراد بالتدوين الذي يُخشى من مغبّة اختلاطه بالقرآن الكريم، يمكن حصره بالتدوين الذي يكون في الصحائف التي دُوّن فيها القرآن الكريم، بحيث يكون الحديث بين الآية وأُختها من غير إشارة إلى أنّ هذا حديث، وهذا قرآن، ففي مثل هذه الحالة يتوجّه ما ذكروه من تبرير ـ بحقّ غير العارف ـ لو كان أمر التدوين محصوراً بها.
أمّـا لـو كان تدوين الحديث على حواشي وهوامش الصحائف القرآنية، متصدّراً ـ مثلاً ـ بقول المدوّن: قال الرسـول صلى الله عليه وآله وسلم كذا، قبيل كـلّ حديـث، فلا معنـى لاحتمـال اختلاطـه ـ مـع هذا الفرض ـ بالقـرآن الكـريـم.



( 210 )


وقد جرى بعض الصحابة على تحشية مصاحفهم بأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خصوصاً فيما يتّصل من الاَحاديث بالناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، ونحو ذلك، كمصحف ابن عبّاس، ومصحف ابن مسعود، ومصحف أُبيّ بن كعب، بل الثابت عند كثير من الاَعلام، أنّ مصحف أمير المؤمنين عليه السلام كان مليئاً بالاَحاديث الشريفة التي دونّها عليه السلام بيده الشريفة على حواشي مصحفه.
وأمّا لو أُريد به التدوين المستقلّ استقلالاً تامّاً عن صحائف القرآن، بحيث يكتب في صحائف أُخرى ثمّ يُعطى لها عنوان جامع مثل: «أحاديث الرسول» أو «السنن» ونحو هذا... فإنّ بُعد اختلاطها بالقرآن مسلّم لا ريب فيه، وهل سمعت أو رأيت أحداً يقول بضرورة حرق كتب الحديث مثلاً إذ يخشى منها أن تختلط بالقرآن؟!
ثمّ أين ذهب الاِعجاز القرآني الخالد الذي أبهر المشركين وحيّر عقولهم، لمّا سمعوا بعض آياته؟!
وهل يُعقل أن لا يُميّز كتاب الله العزيز عن كلام المخلوق وإنْ كان نبيّاً كنبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
إنّ بلاغة الحديث وإنْ بلغت الذروة، إلاّ أنّها دون بلاغة القرآن الكريم بلا ريب، ولا معنى لدعوى الاختلاط تلك إلاّ المساس بمعجزة الاِسلام الخالدة، بعد إنزال كلام الخالق منزلة كلام المخلوق! وبالتالي ليكون قابلاً للتحدّي المنفي بالاَصل في مواطن كثيرة من الذكر الحكيم.

المبرّر الثاني ومناقشته:
إنّ المنع عن كتابة الحديث جاء للتحرّز من إهمال المسلمين للقرآن



( 211 )

الكريم، وانشغالهم بالحديث الشريف دونه!

وفيه:
1 ـ قد تقدّم في أوّل الكلام أنّ السُنّة المطهّرة شارحة وموضّحة ومفصّلة للقرآن الكريم، وأنّه إذا تُركت، جُهلت أُصول الاِسلام وقوانينه وأنظمته وآدابه وأخلاقه وتعاليمه.
وعليه، فالاشتغال بالسُنّة هو عين الاشتغال بالقرآن، وأنّ فهمه والوقوف على مُراد الله تعالى فيه لا يتمّ دون الرجوع إلى السُنّة المطهّرة بالاِتّفاق.
2 ـ إنّ معنى ذلك ـ لو تمّ ـ هو أنّ القرآن الكريم لم يتغلغل في نفوس الصحابة، وهو اتّهام صريح لهم بأنّهم لم يعرفوا قدر الكتاب العزيز!
هذا، مع أنّهم سمعوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن شتّى يحثّهم على تلاوة كتاب الله وتدبّر آياته والنظر فيه، حتّى عُدَّ النظر إلى المصحف عبادة، وكان فيهم الكثير من حفّاظه، فكيف يُعقل اتّفاقهم على إهماله بسبب تدوين الحديث الشريف؟!
3 ـ إنّ قول الصحابة ـ عند العامّة ـ حجّة، ولو فرض أنّ الاشتغال بالحديث ليس هو عين الاشتغال بالقرآن الكريم، فكيف يكون قول من لا يعي قدر القرآن فيهمل آياته ويشتغل بغيرها حجّة؟!
وعليه، فلا بُدّ لهم من رفع اليد عن أحد الاَمرين، وإنْ كان في الواقع عن كليهما.



( 212 )


المبرر الثالث ومناقشته:
إنّ المنع عن تدوين الحديث جاء للحفاظ على مَلَكة الحفظ عند الصحابه؛ لاَنّ تدوين الحديث الشريف يؤدّي إلى ضعف الحافظة عندهم.

وفيه:
1 ـ إنّ مَلَكة الحفظ ليست شرعاً منزلاً يجب على الخليفة صيانتهُ مقابل التفريط بالسُنّة المطهّرة، والعكس هو الصحيح.
2 ـ إنّ بقاء مَلَكة الحفظ قويّة لدى الحفّاظ غير مسلّم، فهي تضعف تدريجياً مع تقدّم العمر، وبالتالي يفقد الحافظ الكثير من محفوظاته، فلو كان إلى جنب حفظه ديوان للحديث الشريف لاستعان به عند ضعف الحافظة، ولوقف على ما نساه، فالتدوين اذن يقوّي الحافظة ولا يضعفها، وقد جاء في الخبر: «إنّ القلب يتّكل على الكتابة»(1).
3 ـ ليس كلّ الصحابة من الحفّاظ كما مر في أحاديث إباحة التدوين. وإذا كان الحافظ في غنىً عن النظر إلى الكتاب، فماذا يصنع غير الحافظ الذي لا يجد من يسأله، وهو مكلّف بأُمور عليه معرفتها؟!
4 ـ إنّ صيانة أيّ علم من العلوم والاِحتفاظ به وتقديمه للاَجيال كما هو عليه من أدنى اختلاف أو زيادة ـ ولو في المعنى ـ لا يكون إلاّ عن طريق الكتابة، ولو كان الحفظ مقدّماً على الكتابة في ذلك؛ لاستعيض بالحفظ عن التدوين بالنسبة إلى القرآن الكريم، بينما نجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد
____________
(1) الكافي 1|42 ح 8.



( 213 )

ركّز اهتمامه على كتابة الآيات أوّلاً بأوّل ولم يتّكل على الحفظ في بقاء القرآن سالماً من الزيادة والنقصان.
هذا، وقد يبرّر بعضهم فعل أبي بكر وعمر، بعدم معرفة المحدّثين من الصحابة للكتابة، كما اختاره ابن حجر(1).
ولا يخفى ما فيه؛ لاَنّ النهي عن الكتابة لا يتوجّه إلى الاَُمّيّين؛ لاَنّه تكليف بمتعذَّر، فالرجل الاَُمّي لا يقال له: لا تكتب، فلا بُدّ من افتراض وجود العارف بالكتابة في مرحلة سابقة على ورود النهي.
ثمّ، كيف لا يوجد في الصحابة من يحسن الكتابة، وقد تعلّموها، وكتبوا المصحف في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ؟! بل كانت لبعضهم مصاحف معروفة، تعرّض لها السجستاني بكتابه «المصاحف».
هذا، فضلاً عن كون التدوين كان معروفاً عند عرب الحيرة والقرشيّين قبل الاِسلام(2).
هذه هي أهمّ المبرّرات التي تذرّع بها المانعون في منطق أنصارهم، وهي كما تقدّم لا تصحّ جميعاً في منطق الشرع والعقل لاَنّ تكون سبباً في إهمال السُنّة النبوية.


الاَسباب الواقعية لمنع تدوين الحديث الشريف:
إنّ الاَسباب الواقعية، والدوافع الحقيقية وراء المنع المذكور، هي أسباب ودوافع سياسية اقتضتها مصلحة السلطة، وخلاصتها محاولة التعتيم
____________
(1) هدي الساري 1| 4.
(2) دراسات في الحديث والمحدّثين: 15 ـ 16.



( 214 )

على منزلة أهل البيت عليهم السلام ، والتقليل من شأنهم، وإبعادهم عن الحكم، وإخفاء حقِّهم واوْلويّتهم في خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
لاَنّ الناس إذا ما عرفوا ـ من خلال تدوين الاَحاديث الشريفة ـ أنّها تنصّ صراحة بالخلافة على أمير المؤمنين عليه السلام ، وتقديم أهل البيت عليهم السلام على سائر الناس، تأكّد لهم أنّ أحداث السقيفة التي مُني بها الاِسلام والمسلمون فيما بعد، لم تكن أحداثاً عادية، وإنّما أحداثاً خطيرة جدّاً في تاريخ الاِسلام السياسي إذ غيّرت مجرى الاَحداث، وأقصت أهل البيت عليهم السلام عن حقّهم الشرعي في الخلافة.
وهذا ما يشكّل خطراً حقيقياً على السلطة الحاكمة، وإدانة لها، بأنّها مغتصِبة، ويجب شرعاً إزاحتها وإعادة الحقّ إلى أهله، ومن هنا ابتُليت السُنّة المطهّره بالمواقف السابقة.
ويمكن أن يضاف إلى ذلك سببٌ آخر، وهو أنّ الخلفاء الثلاثة منحوا أنفسهم صلاحية واسعة في ميادين الاجتهاد في مقابل نصوص الشريعة الاِسلامية، مع تعرّضهم المستمرّ في بداية الاَمر إلى انتقادات الصحابة وإثبات أن تلك الاجتهادات مخالفة لِما هو ثابت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1)، وكان التراجع عمّا اجتهدوا به حليفهم، وباستمرار الحالة، فإنّها أخذت تشكل خطّاً بيانيّاً متصاعداً في الاستياء من تلك الاجتهادات المخالفة لروح الشريعة نصاً ومضموناً، ممّا حملهم على اتّخاذ الاِجراءات الحاسمة لوقف حالة الاعتراض والتذمّر عند رؤوس الصحابة وذلك بحسم مادّتها، وهو الحديث!

____________
(1) راجع «النصّ والاجتهاد» للسيّد شرف الدين، ففيه نماذج كثيرة جدّاً من اجتهادات الخلفاء الثلاثة في مقابل النصّ.



( 215 )

نعم، كان من المناسب جدّاً لبقاء السلطة أن تقوم بفعل كهذا وتبرّره على أساس حفظ القرآن الكريم تارة، وعدم إهماله أُخرى، ومراعاة الحفظ ثالثة؛ لاَنّ التراجع عن الرأي كلّما بان خطأُه، يشكلّ إدانة قويّة لهم في إحتلال مواقع غيرهم.
فلا محيص إذن من القول بمنع تدوين الحديث، لكي لا يكون بيد الصحابة أدنى سلاح حديثي يلوَّح به في وجه السلطة اعتراضاً على نمط سياستها ولون فقهها(1).


***


____________
(1) السبب الاَوّل من أسباب المنع الحقيقية، بُرهن عليه في أغلب كتب الشيعة وبحوثهم حول تاريخ السُنّة المطهّرة لاسيّما في كتاب تدوين السُنّة الشريفة للسيّد الجلالي، والثاني هو من إفادات السيّد علي الشهرستاني ـ صاحب كتاب «وضوء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم » ـ في بحث خطّيٍّ له عن تدوين السُنّة.


تاريخ تدوين الحديث الشريف وعلومه



أوّلاً: تاريخ تدوين الحديث الشريف وعلومه عند العامّة:
اختلف المؤرّخون لحركة تدوين الاَحاديث عند العامّة اختلافاً واسعاً في تعيين زمان التدوين الفعلي، بعد اتّفاقهم جميعاً على أنّ بذور التدوين الاَُولى قد غُرست بيد عمر بن عبدالعزيز الاَُموي (ت 101 هـ)، ثمّ نمت تدريجياً وأينعت في القرن الثالث الهجري، حين برزت عندهـم المدوّنـات الحـديثيـة المتداولـة اليوم من المسانيـد والصحاح وغيرها.
فعمر بن عبدالعزيز هو أوّل حاكم أُموي نبّه ـبعد فوات الاَوان ـ على الخطر الحقيقي الذي أحدق بالحديث الشريف نتيجة الحظر المضروب عليه من لدن أسلافه اقتداءً منهم بسُنّة الشيخين! ولهذا فقد أصدر أمراً بتدوينه، ولكن بعد مُضيّ قرن من الزمان على إهماله!

ويبدو أنّه انتدب لهذه المهمّة أكثر من واحد، ففي قول الخطيب البغدادي: أنّه أرسل رسالة إلى أبي بكر بن محمّـد بن عمرو بن حَزْم الاَنصاري الخزرجي، قاضي المدينة (ت 120 هـ) يقول فيها: انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه، فإنّي قد خشيت دروس العلم وذهاب العلماء(1).

____________
(1) تقييد العلم: 106.




( 217 )

وفي قول ابن سعد: أنّه كتب إلى مرّة بن كثير يأمره بذلك(1).
وفي قول القرطبي (ت 124 هـ): أنّه أمر ابن شهاب الزهري بتدوين الحديث(2))ع. كما قيل: أنّه أمر أهل المدينة بذلك.
ويرى البعض منهم تأخّر تدوين الاَحاديث إلى ما بعد وفاة عمر بن عبدالعزيز، فقد صرّح ابن حجر في مقدمة «فتح الباري» بأنّ أوّل من جمع الحديث ودوّنه بمكّة هو ابن جريح (ت 150 هـ).
ثمّ ذكر جماعة من مدوّني الحديث الاَوائل بحسب الاَمصار الاِسلامية التي نشط بها التدوين يومذاك، فكان أوّل من دوّنه منهم بالمدينة المنوّرة: ابن إسحاق (ت 151 هـ)، وبالبصرة حمّاد بن سلمة (ت 157 هـ)، وبواسط هشيم بن بشير السلمي (ت 183 هـ)، وباليمن مُعَمَّر (ت 153 هـ)، وبالريّ جرير بن عبدالحميد الضبّي (ت 188 هـ)، وبخراسان عبدالله بن المبارك (ت 181 هـ).
وهذه هي المرحلة الاَُولى من مراحل التدوين الرسمي للحديث الشريف، وقد اتّسمت تلك المرحلة بتدوين الاَحاديث المنسوبة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، مع أقوال الصحابة وفتاواهم جنباً إلى جنب دونما تنسيق أو تبويب.

ثمّ جاء دور المرحلة الثانية من التدوين:
وفيها أُفردت الاَحاديث المنسوبة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن أقوال الصحابة وفتاواهم، وذلك عن طريق جمع المسانيد وترتيبها، وقد ابتدأت تلك المرحلة من أواخر القرن الثاني
____________
(1) الطبقات الكبرى 7|447.
(2) جامع بيان العلم وفضله 1|76، وانظر تدوين السُنّة الشريفة: 16 ـ 17.




( 218 )

وامتدّت إلى الربع الاَوّل من القرن الثالث الهجري، ومن أعلام المدوّنين فيها عبدالله بن موسى الكوفي، وأسد بن موسى البصري، وأحمد بن حنبل (ت 240 هـ)، وغيرهم.

أمّا المرحلة الثالثة من تدوين الاَحاديث عند العامّة، فقد ابتدأت بعد انتهاء دور المرحلة الثانية، وانتهت في أوائل القرن الرابع الهجري، وقد اتّسمت تلك المرحلة بجمع الاَحاديث وتصنيفها على الاَبواب، بحيث جُعل لكلّ صنف من الاَحاديث التي تدور حول محور واحد باب خاصّ به، كما امتاز التصنيف فيها بجوّدة الترتيب بالقياس إلى المرحلتين السابقتين، هذا مع اختيار المحدّث ما يراه مناسباً للتدوين، كل بما يمليه عليه علمه واجتهاده ومنهجه.

ومن أهمّ كتب هذه المرحلة هي:
صحيح البخاري (ت 256 هـ)، وصحيح مسلم (ت 261 هـ)، وسنن ابن ماجة (ت 273 هـ)، وسنن أبي داود السجستاني (ت 275 هـ)، وسنن الترمذي (ت 279 هـ)، ومجتبى النسائي (ت 303 هـ)، وتسمى هذه الكتب ـ عند العامّة ـ بالصحاح الستّة، ويلحقها ـ في الرتبة والزمان ـ صحيح ابن خزيمة (ت 311 هـ)، وصحيح أبي عوانة (ت 316 هـ) وغيرهما.

ومع أنّ تحرّي الصحيح دون غيره من مستلزمات مدوّني الحديث لا سيّما في هذه المرحلة التي تعدّ من أهمّ مراحل التدوين عند العامّة، وكتبها من أصحّ كتب الحديث عندهم، إلاّ أنّها لم تسلم كغيرها من الاَحاديث الموضوعة، والضعيفة، بسبب الحظر المضروب على الحديث كما مرّ، ولكون أصحاب هذه الكتب اعتمدوا بشكل مباشر على مسموعات



( 219 )

ومدوَّنات المرحلتين السابقتين التي اختلط فيها الغثّ بالسمين نتيجة انفصالهما عن العصر النبوي الشريف فترة طويلة سخّر فيها معاوية وحزبه جملة من الصحابة لوضع الاَحاديث الجمّة في فضائل الثلاثة وتكريس آرائهم، مع النيل من خصومه السياسيّين بكل ما استطاع إليه سبيلاً، ولو بالكذب والبهتان.
ولهذا، فقد أدرك علماؤهم ضرورة البحث الرجالي، فألّفوا كتباً في الرجال، وذلك بعد سنة (260 هـ)؛ لاَنّ أوّل من تكلّم منهم في الرجال هو شعبة ـ المتوفّى في سنة (260 هـ) ـ كما نصّ على ذلك السيوطي في كتابه «الاَوائل»(1)، ثمّ توالى التأليف الرجالي عندهم بعد هذا التاريخ، كما أدركوا حاجتهم إلى علوم الدراية فظهر أوّل كتاب لهم وهو «المحدّث الفاصل» للقاضي أبي محمّد الرامهرمزي (ت 360 هـ)، ولم يكن كتابه جامعاً لعلوم الدراية، ثمّ جاء بعده الحاكم (ت 405 هـ) في «مصطلح الحديث»، ثمّ أبو نعيم الاَصبهاني (ت 430 هـ)، ثمّ الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في كتابه «الكفاية»، إلى أن جاء ابن الصلاح الشهرزوري (ت 643 هـ) فكتب مقدّمته الشهيرة في علوم الحديث حتّى عُدَّ الخاتمة في هذا الباب(2).

هذا هو مجمل نشاط العامّة في تاريخ تدوين الحديث وما يتّصل به من الدراية والرجال بعد رفع الحظر عن تدوينه، بعيداً عن الاِطناب المملّ،
____________
(1) راجع: تأسيس الشيعة لعلوم الاِسلام: 233.
(2) عُنِيَ العامّة بمقدّمة ابن الصلاح كثيراً، فقد شرحها الحافظ العراقي (ت 806 هـ) وكذلك السخاوي (ت 902 هـ)، واختصرها النووي الشافعي (ت 676 هـ) في كتابه «التقريب» الذي شرحه السيوطي (ت 911 هـ) في «تدريب الراوي»، كما اختصرها ابن كثير (ت 774 هـ) في كتابه «الباعث الحثيث على معرفة علوم الحديث»، وقد ردّ فيه على ابن الصلاح في مواطن كثيرة.




( 220 )

والاِسهاب المخلّ.


ثانياً: تاريخ تدوين الحديث وعلومه عند أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم:
يرجع تاريخ تدوين الحديث الشريف عند الشيعة الاِماميّة إلى وقت مبكّر جدّاً من عصر صدر الاِسلام، إذْ كان موقفهم صريحاً من الحظر المفروض على تدوين الحديث الشريف، فرفضوه رفضاً باتّاً جملة وتفصيلاً، ولم يلزموا أنفسهم به وقاوموه أشّد المقاومة، وسارعوا إلى نقضه، ولم تثن طلائعهم عن المضيّ قُدماً في تدوين السُنّة تلك الاَزمة الخانقة التي عاشها غيرهم مدّة قرن من الزمان أو أكثر، ولم توقف عملية التدوين عندهم تلك العواصف الكثيفة التي حاولت بمكرها ودهائها أن تميت السُنّة المطهّرة في مهدها، وتحجب أنوارها عن المسلمين، بل زاد إيمانهم بأنّ أهداف الحظر لم تكن لاَجل الحفاظ على سلامة القرآن الكريم، وإنّما كانت لصرف الناس عن أهل بيت نبيّهم صلى الله عليه وآله وسلم ، وما يستتبع ذلك من طمس معالم الدين وتعاليمه، وضياع الحقّ، وفقدان الجزء الاَعظم من الشريعة، ومن ثمّ إلباسها لباساً جديداً من البدع التي لا تمتّ بصلة إلى الواقع، فضلاً عن التسامح في الشرع بإضفاء القدسية على تصرّفات ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد ترسّم روّاد التشيع في منهجهم هذا المنهج القرآني السـليم، والسُنّة الكريمة الآمرة بالتدوين، مع اقتفاء خطى أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، فهو الرجل الاَوّل في الاِسلام الذي حرص غاية الحرص على الاَحاديث ودوّنها في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في كتابين تواتر النقل




( 221 )

عنهما، وهما:
1 ـ الصحيفة الجامعة: إنّ الثابت عن عليٍّ عليه السلام هو أنّه أوّل من دوّن الاَحاديث الشريفة في كتاب، وهو كتاب: (الجامعة) وقد يسمّى بـ: الصحيفة، أو: الصحيفة الجامعة، أو: كتاب عليّ عليه السلام ، وهو من إملاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ عليّ عليه السلام بيده.
فعن الاِمام الصادق عليه السلام : «إنّ عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإنّ الناس ليحتاجون إلينا، وإنّ عندنا كتاباً إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخطّ عليّ عليه السلام ، صحيفة فيها كلّ حلال وحرام»(1).
وقد سُميّت هذه الصحيفة بالجامعة كما في روايات «الكافي» «وبصائر الدرجات»، من ذلك قول الاِمام الصادق عليه السلام : «وإنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟! صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإملائه من فلق فيه، وخط عليّ بيمينه»(2).
وورد ذكر صحيفة الاِمام عليّ عليه السلام في صحيح البخاري، في باب كتابة العلم، وباب إثم من تبرّأ من مواليه(3) ، وهي غير الصحيفة الجامعة.

وقد اعتمد على كتاب عليّ عليه السلام أئمّة أهل البيت عليهم السلام في مواطن كثيرة، فقد روى عنه كلٌّ من:
الاِمام زين العابدين عليه السلام ، كما في الكافي، والفقيه، والتهذيب(4).
الاِمام الباقر عليه السلام ، كما في الكافي، والخصال، والتهذيب(5).

____________
(1) أُصول الكافي 1|241 ـ 242 ح 6، وبصائر الدرجات: 149 ح 14.
(2) أُصول الكافي 1|239 ح 1، وبصائر الدرجات: 151 ـ 152.
(3) صحيح البخاري 1|40 و 4|289.
(4) الكافي 7|40 ح 1، والفقيه 4|151، والتهذيب 9|211 ح 835.
(5) الكافي 4|135 ـ 136، والخصال: 124، والتهذيب 7|432.




( 222 )

الاِمام الصادق عليه السلام ، كما في الكافي، والفقيه، وعلل الشرائع، والتهذيب، والاستبصار، والوسائل، والبحار(1).
كما صرّح أصحاب الاَئمّة عليهم السلام برؤية الصحيفة الجامعة عند الاَئمّة عليهم السلام ، فقد شهد بذلك أبو بصير بأنّه رأى الصحيفة الجامعة عند الاِمام الباقر عليه السلام ، وسأله عنها، فقال له: «هذه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط عليّ عليه السلام »(2).
ونظير هذه الشهادة شهادة عبدالملك بن أعين(3)، ومحمّد بن مسلم في مواضع متعدّدة من كتبنا الاَربعة(4).
كما رأى الحكم بن عيينة ـ أو: عتيبة ـ أبو محمّد الكندي الكوفي الزيدي البتري (ت 114 هـ أو 115 هـ) كتاب عليٍّ عليه السلام عند الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ، روى ذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن عذافر(5).
وتوجد قطعة من هذا الكتاب ـ الذي هو من إملاء الرسول، وخطّ عليٍّ صلوات الله عليهما في أمالي الشيخ الصدوق، أوردها في المجلس السادس والستّين(6).
كما توجد نسخة من صحيفة الاِمام عليّ عليه السلام ـ وهي كتاب في
____________
(1) الكافي 4|9 ح 4 و 4|304 ح 7 و 8، والفقيه 2|117، وعلل الشرائع 2| 160، والتهذيب 5|355 و 9|2، والاستبصار 2|202، و 4|59، والوسائل 9|438 و 16|334، وبحار الاَنوار 10|254.
(2) بصائر الدرجات: 144.
(3) بصائر الدرجات: 162 و 165.
(4) الكافي 7|93 و 113، والفقيه 4|192، والتهذيب 9|270 و 380.
(5) رجال النجاشي: 359 ـ 360 رقم 966.
(6) أمالي الشيخ الصدوق: 344 ـ 352 المجلس رقم 66، والفقيه 4 : 2 | 1.




( 223 )

الديات ـ عند السيّد حسن الصدر؛ إذ صرّح بذلك فقال: «وعندي منه نسخة»(1).
والظاهر أنّ هذه الصحيفة الاَخيرة هي التي روى عنها البخاري كما تقدّم وليست هي الصحيفة الجامعة التي فيها كلّ حلال وحرام حتى ارش الخدش، فهي غيرها وإن اشتبه بها الكثيرون.

2 ـ كتاب الجَفْر: وإلى جانب ذلك، يوجد كتاب آخر لعليٍّ عليه السلام باسم كتاب «الجَفْر»، والجَفْرُ لغةً: من أولاد الشاء إذا عَظُم واستكرش، قال أبو عبيد: إذا بلغ ولد المعزى أربعة أشهر وجَفَرَ جنباه، وفُصل عن أُمه، وأُخذ في الرعي فهو جَفَرٌ(2).
والمراد منه في الحديث على حذف مضاف، أيّ: جلد الجفر، ولعلّه صار كالعلم على جلد مخصوص لثور أو شاة؛ لكثرة الاستعمال(3)، وحقيقة الجَفْر:هو كتاب كُتِب على جلد الجَفْر أيّ: جلد ثور أو شاة، ولذا سمّي بكتاب الجفر، وهو أيضاً من إملاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ الوصيّ عليه السلام ، وعلى ذلك تضافرت الروايات عند الشيعة.

واعترف بهذا الكتاب بعض علماء العامة أيضاً:
قال الشريف الجرجاني (ت 816 هـ) في«شرح المواقف» لعضدالدين الاِيجي (ت 756 هـ) عن كتاب الجفر والجامعة: «وهما كتابان لعليٍّ رضي الله عنه ـ إلى أن قال: ـ وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه عليّ
____________
(1) تأسيس الشيعة لعلوم الاِسلام: 279.
(2) لسان العرب 2|304.
(3) أعيان الشيعة 1|94.

 

مرآة التواريخ

مرآة التواريخ
20 أبريل 2010
379
0
0
( 224 )

بن موسى الرضا رضي الله عنهما إلى المأمون: إنّك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك، فقبلت منك عهدك، إلاّ أنّ الجفر والجامعة يدلاّن على أنّه لا يتمّ»(1).

كما اعترف به صاحب «كشف الظنون»، وقال عن العلم المودع في الجفر بعد كلام له: «وهذا علم توارثه أهل البيت، ومن ينتمي إليهم.. وكانوا يكتمونه عن غيرهم كلّ الكتمان، وقيل: لا يقف [لا يفقه] في هذا الكتاب حقيقة إلاّ المهديّ المنتظر خروجه في آخر الزمان» ثمّ نقل قصّة الاِمام الرضا عليه السلام مع المأمون وقوله عليه السلام : الاّ أنّ الجفر والجامعة يدلاّن على أنّ هذا الاَمر لا يتمّ.
فعقّب عليه بقوله: «وكان كما قال؛ لاَنّ المأمون استشعر فتنة من بني هاشم فسمَّه، كذا في «مفتاح السعادة».
ثمّ قال: قال ابن طلحة: الجفر والجامعة كتابان جليلان، أحدهما ذكره الاِمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يخطب بالكوفة على المنبر، والآخر أسرَّه [إليه] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمره بتدوينه.
إلى أن قال: ومن الكتب المصنّفة فيه، الجفر الجامع والنور اللامع للشيخ كمال الدين أبي سالم محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي، المتوّفى سنة 652 اثنتين وخمسين وستّمائة»(2).

كما اعترف بكتاب الجفر ابن خلدون الاَُموي (ت 808 هـ) في تاريخه، مشيراً إلى ما كان من تحذير الاِمام الصادق عليه السلام لبني الحسن
____________
(1) شرح المواقف 6|22 في المقصد الثاني، مبحث العلم الواحد الحادث هل يجوز تعلّقه بمعلومين؟
(2) كشف الظنون 1|591 ـ 592 تحت عنوان: «علم الجفر والجامعة».




( 225 )

وإخبارهم بمصارعهم استناداً إلى آثار النبوّة(1).

ولاَبي العلاء المعرّي ابيات شعرية يردّ فيها على من ينكر حقيقة العلم الموجود في كتاب الجفر، يقول فيها:


لقد عـَجِبوا لاَهلِ البيتِ لمّا * أروهُمْ عِلمَهُمْ في مَسْكِ جَفْرِ
وَمِرآةُ المُنَجِّمِ وهي صُغرى * أَرتْهُ كُلَّ عَامِرَةٍ وَقَفْرٍ(2)


وأمّا عن أحاديث الجَفْر في كتب الشيعة فلا شكّ في تواترها عن أهل البيت عليهم السلام ، ففي «بصائر الدرجات» وحده أكثر من عشرين طريقاً متّصلاً بأبي عبدالله الصادق عليه السلام ، في خصوص كتاب الجفر(3)، هذا فضلاً عمّا في غيره(4).

وبالجملة، فإنّ لاَهل البيت عليهم السلام اهتماماً بالغاً في صيانة حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وخير ما يدلّك على هذا ما رواه محمّد بن جرير الطبري الآملي في «دلائل الاِمامة» مسنداً إلى ابن مسعود أنّه قال: «جاء رجل إلى فاطمة عليها السلام ، فقال: يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندك شيئاً تطرفينيه؟ فقالت عليها السلام : يا جارية، هات تلك الجريدة؛ فطلبتها فلم تجدها، فقالت عليها السلام : ويحكِ اطلبيها، فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً؛
____________
(1) تاريخ ابن خلدون 1|589 الفصل 53.
(2) لزوم ما لا يلزم 2|748 طبعة دمشق، وانظر: أعيان الشيعة 1|96، والمَسْك ـ بفتح الميم ـ هو الجلد.
(3) بصائر الدرجات: 170 ـ 181 ح 1 ـ 7 و 9 ـ 16 و 19 ـ 22 و24 و 30 و 31 و 33 و 34.
(4) انظر: أُصول الكافي 1|185 ـ 188 ح 1 و 3 ـ 7، و1|249 ح 2، وكمال الدين 2|352 ح 50، والفقيه 4|300 ح 910 والغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ: 167 ح 129 وبحار الاَنوار 51|21 ح 9 وقد أحصى السيّد الاَمين في أعيان الشيعة 1| 96 طرق الجفر فبلغت أكثر من أربعين طريقاً.




( 226 )

فطلبتها، فإذا هي قد قممتها في قمامتها، فإذا فيها:
قال محمّد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ليس من المؤمنين من لم يأمن جارُه بوائِقَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت، إنّ الله يُحبّ الخيِّر الحليم المتعفف، ويبغض الفاحش البذّاء السائل الملحف، إنّ الحياء من الاِيمان والاِيمان من الجنّة، وإنّ الفحش من البذاء والبذاء في النار»(1).

ومن الجدير بالاِشارة، هو أنّ الكتب التي وصلت إلى آخر أئمّة أهل البيت عليهم السلام وهو الاِمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، لم تكن محصورة بما ذكرناه من الجَفْر والجامعة، بل وصلت إليهم عليهم السلام كتب وصحف كثيرة ورثوها كابراً عن كابر.

وممّا يؤيّد هذا في كتب العامّة، هو ما أخرجه القندوزي الحنفي (ت 1270 هـ) عن «فرائد السمطين» للجويني الشافعي (ت 730 هـ) بسنده عن الاِمام الباقر، عن أبيه، عن جَدِّه أمير المؤمنين عليهم السلام ، أنّه قال:
«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عليّ! أُكتب ما أُملي عليك.
قلت: يا رسول الله، أتخاف عَلَيَّ النسيان؟
قال: لا، وقد دعوت الله عزّ وجلّ أن يُحَفِّظك ولا يُنَسِّيك، ولكن أُكتب لشركائك.
قلت: ومن شركائي يا نبيّ الله؟
قال: الاَئمّة من ولدك...»(2).

____________
(1) دلائل الاِمامة: 1، وانظر: مستدرك الوسائل 12|80 ـ 81 ح 13571 (4) من الباب|71.
(2) فرائد السمطين 2|259 باب 50 ح 527، وانظر: ينابيع المودّة 1|73 ح 8 باب 3 من الطبعة المحقّقة.




( 227 )

وممّا يؤيّده في أحاديث الشيعة، ما أخرجه الصفّار (ت 290 هـ) بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في وصف ما عنده من الصحائف والكتب التي ورثها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه: «أيم الله، لو أنشط، ويؤذن لي لحدّثتكم حتّى يحول الحول لا أُعيد حرفاً.
وأيم الله، عندي لصحف كثيرة، قطائع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »(1).

وهناك عشرات الاَحاديث الصحيحة في كتب الشيعة الروائية المعتبرة، كالبصائر، والكافي، والاِرشاد، وغيرها تعكس ـ وبصورة واضحة ـ اهتمام كلّ إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام بتلك الكتب والصحائف اهتماماً منقطع النظير بحيث يجعلها في مقدّمة وصاياه إلى من سيخلفه من ولده، وقد جمع العلاّمة المجلسي تلك الاَحاديث، وأوردها في بحار الاَنوار، فراجع.
____________
(1) بصائر الدرجات: 149.

مراحل تدوين الحديث عند الشيعة:
مرّ تدوين الحديث الشريف عند الشيعة بمراحل متعدّدة قبل تدوين كتبهم الحديثيّة الاَربعة، ابتداءً من العصر النبوي الشريف، وانتهاءً بحلول الغيبة الصغرى سنة 260 هـ.

وهذا يعني امتياز الشيعة عن غيرها من الاتجاهات الفكرية والسياسية والعقائدية بميزتين أساسيّتين، وهما:
1 ـ النشأة، ويدلّ عليها ما جاء في كتاب «الزينة» لاَبي حاتم سهل





( 228 )

بن محمّد السجستاني (ت 250 هـ) من أنّ أوّل اسم ظهر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو اسم الشيعة، قال: وكان هذا لقب أربعة من الصحابة، وهم: أبوذرّ، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الاَسود، وعمّار بن ياسر(1).

2 ـ النشاط العلمي، ويدلّ عليه، أنّ السبق الزمني إلى ميادين التدوين كان حليف الشيعة منذ نشأتها.

فقد عُرف عن أبي ذرّ الغفاري جندب بن جنادة (ت 32 هـ)، وسلمان الفارسي (ت 36 هـ) بأنّهما أوّل من صنّف في الآثار، إذ صنّف أبوذر رحمه الله كتاباً عُرف باسم «الخطبة» ذكر فيه ما جرى من أُمور بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
كما صنّف سلمان رحمه الله كتاباً بعنوان «حديث الجاثليق»، ذكرهما الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في ترجمتيهما في كتابه «الفهرست».

وأمّا فيما يتّصل بدورهم ونشاطهم الحديثي، فإنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ تاريخ تدوين الحديث عندهم لم يمرّ بفترة انقطاع بخلاف ما عرفناه عند غيرهم.

وقد مرّ أنّ أوّل من دوّن الحديث في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سماعاً عنه وإملاءً من فلق فيه الشريف، هو سيّد الموحّدين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
ومن هنا برز دور الشيعة في تدوين الحديث؛ لاقتدائهم بهدي القرآن الكريم الذي أمر بآياته، كآية النفر، وبسورهِ كسورة القلم، وغيرها بالتعلّم والتعليم، واهتداءً بالسُنّة المطهّرة الآمرة بالتدوين، وبفعل
____________
(1) راجع: تأسيس الشيعة لعلوم الاِسلام: 280.




( 229 )

أمير المؤمنين عليه السلام .
فقد صنّف مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحب أمير المؤمنين عليه السلام وخازنه على بيت أموال المسلمين بالكوفة، الصحابي الجليل أسلم أبو رافع، كتاباً بعنوان «كتاب السنن والاَحكام والقضايا»، واشتمل هذا الكتاب المبوّب على أبواب الصلاة والصيام، والحجّ، والزكاة، والقضايا، على الاَحاديث الشريفة المصنّفة على تلك الاَبواب.

مات أبو رافع رضي الله عنه بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام سنة 40 هـ، وقيل في أوّل خلافته عليه السلام ، أي: في سنة 35 هـ.
ومنه يعلم أنّه أوّل من دوّن الحديث مبوّباً بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو من شيعته بلا خلاف بين سائر أرباب الرجال والتراجم.

وبهذا تكون المرحلة الاَُولى من مراحل تدوين الاَحاديث عند الشيعة قد ابتدأت وانتهت في عصر صدر الاِسلام.

ثمّ جاءت المرحلة الثانية، ويمثّلها خلّص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من الّذين لم يدركوا العصر النبوي، بل كانوا من رؤوس التابعين، فخلّفوا لمن جاء بعدهم كتباً كثيرة في الحديث الشريف،
وقد برز منهم:
الاَصبغ بن نباتة،
والحرث بن عبدالله،
وربيعة بن سميع،
وسُلَيم بن قيس الهلالي،
وعُبيدالله بن الحرّ،
وعُبيدالله بن أبي رافع،
وأخوه عليّ بن أبي رافع ـ وكانا كاتبيّن لعليٍّ عليه السلام ـ
ومحمّد بن قيس البجلي،
وميثم التمّار (ت 60 هـ)
ويعلى بن مرّة،
وغيرهم.
وقد انحصر التدوين في هذه المرحلة في النصف الثاني من القرن الاَوّل الهجري، بعد اشغال النصف الاَوّل منه بمدوّنات الاَوائل من الصحابة الشيعة، إذ كان عمر التدوين في هاتين المرحلتين ممتدّاً على طول زمان




( 230 )

الحظر الرسمي عليه من لدن السلطة، إذ مرّ أنّ أوّل من رفع الحظر المضروب على الحديث هو عمر بن عبدالعزيز الاَُموي (ت 101 هـ).

وبعد انقضاء المرحلة الثانية، تلتها المرحلة الثالثة في تدوين الاَحاديث عند الشيعة، وكان طلائع تلك المرحلة قد عاشوا زمان الانفتاح على التدوين عند العامّة، وبعبارة أدقّ، أنّهم عاشوا في الفترة الممتدّة من عصر الاِمام السجّاد زين العابدين عليه السلام (ت 95 هـ) إلى سنة 150 هـ، بحيث أدركوا زمان الاِمام السجّاد عليه السلام ورووا عنه.
ومن أعلام المدوّنين في هذه المرحلة للاَحاديث الشريفة:
زيد الشهيد سنة 122 هـ رحمه الله،
وجابر الجعفي (ت 127 هـ)،
والحسين بن ثور،
وأبان بن تغلب (ت 141 هـ) وكان من أشهر المحدّثين والفقهاء من أصحاب الاَئمّة عليهم السلام في ذلك العهد،
وزياد بن المنذر المعروف بأبي الجارود (ت 150 هـ)، وغيرهم.

وبعد هذه المراحل الثلاث جاء دور تلاميذ الاِمامين الباقر (ت 114 هـ) والصادق (ت 148 هـ) عليهما السلام ، ليشكّلوا مرحلة رابعة في تاريخ تدوين الحديث عند الشيعة، وهم كثيرون جدّاً،
إلاّ أنّ أشهرهم:
زرارة بن أعين (ت 150 هـ)،
ومحمّد بن مسلم (ت 150 هـ)،
وعبدالمؤمن بن القاسم الاَنصاري (ت 147 هـ)،
ويحيى بن القاسم، يكنّى أبا بصير،
وبسّام الصيرفي،
وزكريّا بن عبدالله،
وجحدر بن المغيرة،
وحجر بن زائد،
وعبدالله بن ميمون القدّاح،
ومعاوية بن عمّار (ت 175 هـ)،
وغيرهم الكثير من الّذين تركوا كتباً في الحديث لا زالت أسماؤها محفوظة، والطرق إليها معلومة.

ثمّ توالى التدوين بعد ذلك بشكل منقطع النظير لا سيّما في عصر




( 231 )

الاِمام الصادق عليه السلام كما سنشير إليه في محلّه.
لقد بيَّنَتْ فهارس الكتب الشيعية ـ كفهرست النجاشي، وفهرست الشيخ الطوسي ـ أسماء المدوّنين في تلك المراحل الاَربع وما بعدها، مع أسماء مدوّناتهم بكلّ دقّة وتفصيل.

كما فصّل السيّد حسن الصدر في «تأسيس الشيعة» مؤلّفات الشيعة المتقدّمة في ذلك العهد من عمر التدوين، مع ترتيبها بحسب المراحل التاريخية.

وبالجملة، فإنّ المدوّنات الشيعية لاَحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ابتداءً من عصر صدر الاِسلام وانتهاءً بسنة 260 هـ، بلغت أكثر من ستّة آلاف وستّمائة كتاب، فيما أحصاه المحدّث الشهير والفقيه المتتبّع الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله في آخر الفائدة الرابعة من خاتمة «وسائل الشيعة»(1).

وفي «نهاية الدراية» للسيّد حسن الصدر ما يؤيّد هذا العدد حيث سمّى المؤلّفَ من الرواة، وعدد ما ألّفه من الاَُصول، أو الكتب، أو المجاميع، أو المسانيد، ونحوها كما قاله هو نفسه رحمه الله في «تأسيس الشيعة»(2).
وقد نصّ ابن النديم على بعض ما اشتهر منها في كتابه «الفهرست»(3).

____________
(1) وسائل الشيعة 30|165، الفائدة الرابعة من الخاتمة.
(2) تأسيس الشيعة: 288.
(3) فهرست ابن النديم: 275 ـ 278، وفيه أكثر من خمسين مصنّفاً من مصنّفات الشيعة الاَوائل.




( 232 )

وممّا لا شكّ فيه أنّ عدداً وافراً من مجموع الاِحصاء الذي ذكره الشيخ الحرّ رحمه الله قد أُلّف في عصر الاِمام الصادق عليه السلام ، إذ بلغ النشاط العلمي للشيعة الاِمامية في عهده عليه السلام ـ وعلى يده ـ الذروة والقمّة، خصوصاً وقد وجد الاِمام العظيم متنفّساً بخلاف ما كان عليه آباؤه الكرام الّذين أحاطت بهم عيون السلطة الحاكمة من كلّ جانب!
وكدليل على ذلك النشاط، هو ما قاله الشيخ المفيد (ت 413 هـ): «إنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل»(1).

وقد تصدّى ابن عقدة الحافظ (ت 333 هـ) إلى جمع أسماء الرجال الّذين رووا عنه عليه السلام ، في كتابه المعروف بـ «اسماء الرجال الّذين رووا عن الصادق عليه السلام » فبلغوا أربعة آلاف رجل، وقد ذكر فيه لكلّ واحد فيهم الحديث الذي رواه(2).

وقال المحقّق الحلّي في كتاب «المعتبر» واصفاً دور الاِمام الصادق عليه السلام في نشر العلم والمعرفة على أوسع نطاق، وما خرّجته مدرسته العلمية من الفضلاء والفقهاء والعلماء بشتى فنون الشريعة:
«فإنّه انتشر عنه من العلوم الجمّة ما بهر به العقول، حتّى غلا فيه جماعة وأخرجوه إلى حدّ الاَلوهية، وروى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل، وبرز بتعليمه من الفقهاء جمّ غفير، كزرارة بن أعين، وأخويه: بُكير وحمران، وجميل بن درّاج، ومحمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية،
____________
(1) الاِرشاد 2|179، ومناقب ابن شهرآشوب 4|247، وإعلام الورى: 384 الفصل الرابع.
(2) رجال العلاّمة الحلّي: 203 ـ 204 رقم 13 من القسم الثاني.




( 233 )

والهشامين (هشام بن سالم، وهشام بن الحكم)، وأبي بصير، وعبيدالله ومحمّد الحلبيّين، وعبدالله بن سنان، وأبي الصباح الكناني، وغيرهم من أعيان الفضلاء. كُتِبَ من أجوبة مسائله أربعمائة مُصَنَّفٍ، سمّوها: أُصولاً»(1).

وفي ترجمة الحسن بن عليّ بن زياد الوشّاء، الثقة الجليل، ما يدلّ على كثرة من تخرّج من المحدّثين على يد الاِمام الصادق عليه السلام ، فقد شهد على نفسه بأنّه أدرك في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ، كلٌّ يقول: «حدّثني جعفر ابن محمّد عليهما السلام (2).

ولا يبعد أن يكون معظم أصحاب الاَُصول الاَربعمائة من جملة المشايخ الّذين أدركهم الوشّاء، وسمع عنهم في مسجد الكوفة.
____________
(1) المعتبر: 26 من المقدّمة.
(2) رجال النجاشي: 39 ـ 40 رقم 80.

الاَُصول الاَربعمائة:
إنّ من المسلّم به عند علماء الشيعة هو اشتهار أربعمائة مُصَنَّفٍ ـ من بين تراثهم الحديثي المدوّن في عصور الاَئمّة عليهم السلام ـ لاَربعمائة مُصَنِّفٍ من أصحاب الاِمامين الباقر (ت 114 هـ) والصادق (ت 148هـ) عليهما السلام .

أو من أصحاب سائر الاَئمّة الاَطهار عليهم السلام على رأي آخر، والاَوّل هو الاَشهر.
ولا يخفى أنّ (الاَصل) مأخوذ فيه لغةً معنى الاعتماد، كما عرّفه الاَُصوليّون بأنّه: ما يبتنى عليه غيره، فيكون بمثابة الاَساس لذلك الغير.





( 234 )

وعلى هذا تكون الاَُصول الاَربعمائة هي المعوّل عليها والمرجع والمعتمد لدى أصحاب المجاميع الحديثية المتأخّرة عنها، كالكتب الاَربعة وغيرها.
وقد جاء في «زاد المجتهدين»: «إنّك لا ترى بالاستقراء أحداً من أهل الاَُصول قد رُمي بالضعف أصلاً، إلاّ شاذّاً شديد الشذوذ كالحسن بن صالح بن حيّ، ولعلّه ممّن اتّفقت له حالتان كما في كثير منهم، وبأنّ أكثر هذه الاَُصول مرويّة عن ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، والحسن بن محبوب ونظرائهم»(1).

إذن، ما يميز الاَُصول الاَربعمائة عن غيرها من المؤلّفات الاَُخرى ـ في ذلك الحين ـ، هو وثاقة جُلّ مؤلّفيها حتّى اختار بعضهم القول بحسن من له «أصل» وإنْ لم يرد فيه توثيق، وقال آخرون بوثاقته، هذا مع شدّة اعتماد العلماء عليها وتقديمها على غيرها.

والمهمّ في الاَُصول الاَربعمائة هو الاِجماع على عدّها حاكية لكلام المعصوم عليه السلام ، بصورة مباشرة، وبلا واسطة في السماع غالباً، مع صحّة نسبتها ـ عند علماء الشيعة الاِمامية ـ إلى مؤلّفيها، بل تواترها عنهم على ما صرّح به كثير من الاَعلام.
وقد اختصّت الاَُصول الاَربعمائة بتدوين الاَحاديث الشريفة دون سيرة المعصوم عليه السلام أو آثاره الاَُخرى، بخلاف المؤلّفات الاَُخرى التي تجمع مع الحديث آثار الاِمام وسيرته عليه السلام .
وربّما تكون ـ على ما قيل ـ مختصّة بمطلق آثار الاِمام المعصوم عليه السلام ولكن من غير تبويب، بخلاف الكتب التي تكون عادة مبوّبة ومفصّلة على
____________
(1) زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدّثين: 164.




( 235 )

أبواب الفقه وفصوله.
وهذا لا يمنع من أن تكون للاَُصول طريقة خاصّة في الترتيب، كما يظهر من كلام الشيخ الطوسي في ترجمة أحمد بن محمّد بن نوح، قال: «وله كتب ـ في الفقه ـ على ترتيب الاَُصول»(1).

ومن مميّزات الاَُصول أيضاً أنّها خالية من آراء مصنّفيها وترجيحاتهم بخلاف كتب الحديث التي لا تكاد تخلو من آراء مصنّفيها، أو ترجيحاتهم، أو بياناتهم لبعض المطالب الغامضة، كشرح عبارة في حديث، ونحو ذلك(2).


أمّا متى سمّيت تلك المؤلّفات بالاَُصول الاَربعمائة؟
فالظاهر أنّها لم تكن معروفة بهذا الاسم في زمان مصنفيها بل عرفت به فيما بعد.
وأقدم نصّ ـ وقفت عليه ـ يصرّح بلفظ الاَصل، هو ما ذكره الشيخ النعماني محمّد بن إبراهيم، من أعلام القرن الرابع الهجري، ومن تلاميذ ثقة الاِسلام الكليني، قال في تقريظ كتاب سُليم بن قيس الهلالي: «وليس بين جميع الشيعة ـ ممّن حمل العلم ورواه عن الاَئمّة عليهم السلام ـ خلاف في أن كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الاَُصول التي رواها أهل
____________
(1) فهرست الشيخ الطوسي: 37 رقم 117.
(2) راجع معنى قولهم: «له أصل» في كتب الدراية الشيعية، مع كتب الرجال، كهداية المحدّثين: 307، وفوائد الوحيد: 32، وزاد المجتهدين 1|158 و 164، ومعراج أهل الكمال: 17، وعدّة الرجال 1|95، ومنتهى المقال 1|69، ورجال الخاقاني: 22، ومقباس الهداية 3|20، وقاموس الرجال 1|64 فصل 22.




( 236 )

العلم من حملة حديث أهل البيت عليهم السلام ، وأقدمها؛ لاَنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الاَصل إنّما هو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمير المؤمنين عليه السلام .
وهو من الاَُصول التي ترجع الشيعة إليها، وتعوّل عليها...»(1).

ويظهر من هذا الكلام، أنّ الاَُصول كانت معروفة قبل زمان الشيخ النعماني رحمه الله، وأنّها كانت مميّزة عن غيرها عند أصحاب الاَئمّة عليهم السلام ، ولكن لا يُعلم مَن أطلق عليها اسم (الاَُصول الاَربعمائة) ومتى؟
نعم، يُحتمل أن تكون تسميتها بذلك قد صدرت من محقّقي التراث الشيعي الّذين عاشوا في أواخر عصر الاَئمّة عليهم السلام ، وبعضهم في فترة الغيبة الصغرى (260 هـ ـ 329 هـ) من أمثال أحمد بن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسن الصفّار، والحميري، وابن قولويه، وسعد بن عبدالله بن أبي خلف، وعلي بن الحسين بن موسى بن بابويه، ومجدّد المذهب على رأس المائة الثالثة ثقة الاِسلام الكليني، ونظرائهم من أقطاب التشيّع في ذلك الحين في المدينة المنوّرة، والكوفة، وبغداد، وقم، والريّ، وغيرها.
وقد تكون تلك التسمية راجعة إلى مشايخ الشيعة من القمّيّين دون غيرهم، نظراً لما اشتهروا به من كونهم أشدّ الناس حرصاً على محاكمة الآثار وتقييمها.
ومهما يكن، فإنّ الاَُصول الاَربعمائة كانت معروفة متداولة في زمان المحمّدين الثلاثة أصحاب الكتب الاَربعة وهم:
الكليني (ت 329 هـ)،
والصدوق (ت 381 هـ) ،
والطوسي (ت 460هـ)
رحمهم الله تعالى.

____________
(1) كتاب الغيبة ـ للنعماني ـ: 101 ـ 102 ذيل الحديث 30، من الباب الرابع.


( 237 )


التدوين المبكّر عند الشيعة في علمَي الرجال والدراية:
لقد حرص علماء الشيعة أشدّ الحرص على تحقيق الغاية من تدوين الاَحاديث الشريفة وصيانتها، وذلك لاَجل الوصول إلى الحكم الشرعي ومعرفته؛ ولهذا تتبّعوا أحوال الرواة واحداً بعد آخر، وبالغوا في ذلك أشدّ المبالغة، ولم يكفهم التصريح بكذب الكاذب، ولعن الغلاة، والبراءة منهم على رؤوس الاَشهاد، والتحذير منهم ومن مرويّاتهم، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير لا سيّما في مدينة قم حاضرة الشيعة في أواخر عصر النصّ.

فقد تميّزت قم عن غيرها بكونها من حصون التشيّع المنيعة، مع ملاحقة مشايخها لكلّ من يُتّهم في حديثه، ولهم في ذلك مواقف عجيبة من المنحرفين تعدّت حدود إهانتهم أمام الناس وضربهم، وطردهم من قم كلّها، كما حصل ذلك مع الحلاّج الكذّاب على يد فقيه القمّيّين وشيخهم عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي(1)، حتّى وصلت إلى درجة ترصّد أخبار من يُشكّ بكذبهم وغلوّهم، فإذا ما ثبت لهم العكس تركوه(2)، وإلاّ تربّصوا به الدوائر(3)؛ لكفره بالكذب على الله ورسوله وأهل بيته مع الخروج بهم عليهم السلام إلى حدّ الاَلوهية عن كونهم (عباد مُكرَمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)(4).
ويكفي في ذلك، أنّهم أخرجوا من قم بعض مشايخها الاَجلاّء
____________
(1) كتاب الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ: 402 رقم 377.
(2) كما في رجال النجاشي: 329 رقم 891.
(3) كما في رجال الكشّي 2|807 رقم 1006.
(4) سورة الاَنبياء 21: 26 ـ 27.




( 238 )

لمجرّد شبهة الغلوّ فيهم، كما حصل لهم مع الثقة الجليل أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 274 أو 280 هـ) ثمّ أعادوه إليها مكرّماً مبجّلاً بعد أن تحرّوا أخباره ومحّصوا آثاره.

كما سعى القمّيّون وغيرهم من علماء الشيعة إلى التصنيف الرجالي المبكّر، فقد أدركوا بوضوح حاجتهم إلى هذا النوع من التأليف، لا سيّما بعد نموّ واتّساع حركة الاِجتهاد عندهم بعد انتهاء عصر النصّ.

علماً أنّ العناية بهذا العلم كانت في عصور الاَئمّة عليهم السلام ، فقد صنف عليّ بن الحسن بن فضّال ( ت \ 224 هـ ) كتاباً في الرجال، وهو ممّن أدرك زمان الاِمام الرضا عليه السلام (ت 203 هـ).

وصنّف أبو محمّد عبدالله بن جبَلَة بن أبْجَر بن الكِناني كتاباً في الرجال، وهو أسبق كتاب رجاليّ صُنّف في الاِسلام، إذ كانت وفاة مصنّفه رحمه الله سنة 219 هـ، وكان فقيهاً ثقة مشهوراً أدرك عصر الاِمام الكاظم عليه السلام .

كما صنّف شيخ الشيعة وعالمُهم، وكبير القمّيّين في وقته وفقيههم، الشيخ محمّد بن أحمد بن داود بن عليّ كتاب «الممدوحين والمذمومين»، وللشيخ الجليل البرقي (ت 274 هـ) كتاب في الرجال، ولثقة الاِسلام الكليني (ت 329 هـ) كتاب في الرجال، وللعيّاشي (ت 320 هـ) كتاب «معيار الاَخبار»، إلى غيرها من الكتب الكثيرة التي نصّت عليها فهارس كتب الشيعة.

ولهذا نجد الشيخ الطوسي يصرّح باهتمام علماء الشيعة الاَوائل بهذا العلم، قال: «إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الاَخبار، فوثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقوا بين من يُعتمد على حديثه



( 239 )

وروايته، ومن لا يُعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذمّوا المذموم، وقالوا: فلان متّهم في حديثه، وفلان كذّاب، وفلان مُخَلّط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، أو غير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنّفوا في ذلك الكتب»(1).

وهنا لا بُدّ من الاِشارة السريعة إلى رجوع الفضل في معرفة أُصول الحديث وأصناف الرواة إلى أهل البيت عليهم السلام لا سيّما أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا زالت كتب الشيعة الاِمامية تحتفظ له عليه السلام إلى اليوم بأقدم وثيقة درائية ورجالية في الاِسلام.
ففي «نهج البلاغة» من كلام لاَمير المؤمنين عليه السلام ، وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقال عليه السلام :
«إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكَذِباً، وناسخاً ومنسوخاً، عامّاً وخاصّاً، ومحكَماً ومتشابهاً، وحِفظاً ووهماً، ولقد كُذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده، حتّى قام خطيباً فقال: من كَذَبَ علَيَّ متعمِّداً فليتبوّأ مقْعَدَهُ من النار.
وإنّما أتاك بالحديث أربعةُ رجالٍ ليس لهم خامسُ:
* رجلٌ منافق مظهرٌ للاِيمانِ متصنِّعٌ بالاِسلام، لا يتأثّمُ ولا يتحرّجُ، يَكْذِبُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمِّداً، فلو عَلِمَ الناس أنّهُ منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يُصدِّقوا قولَهُ؛ ولكنَّهم قالوا: صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى وسمع منه ولَقِفَ عنه! فيأخذون بقوله.
وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك.

____________
(1) عدّة الاَُصول ـ الشيخ الطوسي ـ مخطوط، ج2 ورقة 53| أ.




( 240 )

ثم بقوا بعدَه عليه وآله السلام فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزُور والبهتان، فولَّوْهُمُ الاَعمال وجعلوهم حكاماً على رقاب النّاس، أكلوا بهم الدنيا، وإنّما الناسُ مع الملوكِ والدنيا إلاّ من عصم الله، فهو أحد الاَربعة.
* ورجلٌ سَمِعَ من رسول الله شيئاً لم يحفَظْه على وجهه، فَوهِمَ فيه، ولم يتعمّد كذباً، فهو في يديه، ويرويه، ويعمل به، ويقول: أنا سَمِعْتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فلو عَلِم المسلمون أنّه وَهِمَ فيه لم يقبلوا منه، ولو علم هو أنّه كذلك لَرَفَضَهُ.
* ورجل ثالثٌ سَمِعَ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً يأمرُ به ثمّ نهى عنه، وهو لا يعلم. أو سَمِعَه ينهى عن شيءٍ، ثمّ أمر به وهو لا يعلم. فَحَفِظَ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ.
فلو عَلِمَ أنّه منسوخٌ لَرَفَضَهُ، ولو علم المسلمون إذْ سَمِعُوهُ منه أنّه منسوخٌ لَرَفَضُوهُ.
* وآخر رابعٌ لم يَكْذِبْ على الله ولا على رسوله، مبغضٌ للكَذِب؛ خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يَهِمْ(1) بل حَفِظَ ما سَمِعَ على وجهه، جاء به على سَمْعِه لم يزد فيه، ولم يَنْقُصْ منه. فحفظ الناسخ فَعَمِلَ به، وحفظ المنسوخَ فَجَنَّبَ عنه، وعرف الخاصَّ والعامّ. فوضع كلَّ شيءٍ موضعه، وعرف المتشابه ومحكمه.
وقد كان يكونُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلامُ له وجهان: فكلام
____________
(1) لم يهم: لم يخطىَ، ولم يظنّ خلاف الواقع.




( 241 )

خاصٌّ، وكلام عام. فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به، ولا ما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيحملهُ السامعُ ويُوَجِّهَهُ على غير معرفة بمعناه، وما قُصِد به، وما خرج من أجله.
وليس كلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان يسألُهُ ويستفْهِمُهُ، حتّى أن كانوا ليحبُّونَ أنْ يجيءَ الاَعرابيُّ والطارىَُ فيسألَهُ عليه السلام حتّى يسمعوا. وكان لا يَمُرُّ بي من ذلك شيءٌ إلاَّ سألتُ عنه، وحفِظتُهُ.
فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافِهم وَعِلَلِهِمْ في رواياتهم»(1).

وإلى جانب هذا النصّ الذي يُعّدُّ كقاعدة ينطلق منها الرجاليّون في تقييمهم للرواة مع ما اشتمل عليه من مفردات علم دراية الحديث، توجد نصوص أُخرى تمثل النواة الاَُولى لعلوم الحديث دراية ورواية، وكلّها مرويّة بالاِسناد عن أهل البيت عليهم السلام .


وفيما يأتي بعض المطالب العلمية المبحوثة في كتب الدراية الشيعية، وكان لها أصل في أحاديث أهل البيت عليهم السلام المدوّنة في المصادر المعتمدة:

أهميّة علم الدراية:
قال أمير المؤمنين عليه السلام : «اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإنّ رواةَ العلم كثيرٌ ورعاته قليلٌ»(2).

____________
(1) نهج البلاغة 1|449 شرح محمّد عبده، وشرح ابن أبي الحديد 11|38 خطبة 2030، وأُصول الكافي 1|114 ح 1، الغيبة ـ للنعماني ـ 75|10 من الباب الرابع، الخصال: 255 ح 131 باب الاَربعة.
(2) نهج البلاغة| قصار الحكم (98).




( 242 )


الحث على ذِكر الاِسناد عند التحديث:
عن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا حدّثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدّثكم، فإنْ كان حقاً فلكم، وإنْ كان كذباً فعليه»(1).
وهذا الحديث يُشعر بضرورة تجنّب الارسال في الاَحاديث.

ضبط الحديث والاَمانة في روايته:
سئل الاِمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: (الَّذينَ يستَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ)(2).
فقال عليه السلام : «هو الرجل يسمع الحديث فيحدّث به كما سمعه، لا يزيد فيه ولا ينقص منه»(3).

طلب الاِسناد العالي:
قال الاِمام الصادق عليه السلام لجميل بن درّاج: «ما سمعت منّي فاروه عن أبي»(4).
وهذا القول يدلّ على أُمور كثيرة:
منها: أنّ كلامهم عليهم السلام واحد.

____________
(1) أُصول الكافي 1|103 ح 7.
(2) سورة الزمر 39: 18.
(3) أُصول الكافي 1|102 ح 1.
(4) أُصول الكافي 1|102 ح 4.




( 243 )

ومنها: التقيّة؛ لاَنّ ذلك أبعد من الشهرة التي تؤدّي إلى المؤاخذة.
ومنها: أنّ علوّ الاِسناد وقربه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ممّا له رجحان عند الناس في قبول الرواية، خصوصاً عند اختلافها مع غيرها من الروايات.
ومنها: التحرّز عن إيهام الكذب فيما إذا سُمع من الاَب شيءٌ، ثمّ سُمعَ بخصوصه من الابن من غير نسبة إلى أبيه عليهما السلام .
والمعنى: أنّ المسموع من أبي أحبُّ إليَّ من روايته عنّي؛ للوجوه المذكورة(1).

بيان الاِمام الصادق عليه السلام سند أحاديثه:
عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيرهما، قالوا: سمعنا أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليهم السلام ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ»(2).

التحذير من التدليس في الحديث:
عن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال: «إيّاكم والكذب المفترع، قيل له: وما الكذب المفترع؟ قال عليه السلام : أنْ يحدّثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدّثك به»(3)، أيّ: عن الشيخ الذي حدّثك الرجل بحديثه.
قال العلاّمة المجلسي: «قيل: يريد أن يرفع حديثه بإسقاط
____________
(1) مرآة العقول 1|176 شرح الحديث الرابع.
(2) أُصول الكافي 1|103 ـ 104 ح 14.
(3) أُصول الكافي 1|103 ـ 104 ح 12.




( 244 )

الواسطة، أو المراد به الكذب الذي يزيل عن الراوي ما يوجب قبول روايته»(1).


* الأمر بترك شواذّ الاَخبار والاَخذ بالمشهور:
في مقبولة عمر بن حنظلة، عن الصادق عليه السلام : «... ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمَع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمَع عليه لا ريب فيه...»(2).

* جواز نقل الرواية بالمعنى:
سأل محمد بن مسلم الاِمام الصادق عليه السلام قائلاً: «أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال: إنْ كنت تريد معانيه فلا بأس»(3).
وعن داود بن فرقد قال: «قلت لاَبي عبد الله عليه السلام : إنّي أسمع منك، فأُريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء؟ قال: فتعمّد الكذب؟ قلت: لا. فقال: تريد المعاني؟ قلت: نعم. قال: فلا بأس»(4).
وهذان الحديثان وغيرهما دالاّن على جواز نقل الحديث بالمعنى بالنسبة للعالم بحقائق الاَلفاظ ومجازاتها، ومنطوقها ومفهومها، ومقاصدها، ومع هذا فإنّه لا يجوز لمن يتعمّد ترك النصّ في نقل معناه.

____________
(1) مرآة العقول 1|181 شرح الحديث الثاني عشر.
(2) أُصول الكافي 1|120 ح 10.
(3) أُصول الكافي 1|102 ح 2.
(4) أُصول الكافي 1|102 ح 3.

طرق تحمل الحديث الشريف:
* السماع والاِجازة: عن عبدالله بن سنان قال: «قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : يجيئني القوم فيستمعون منّي حديثكم فأضجر ولا أقوى، قال: فاقرأ عليهم من أوّله حديثاً، ومن وسطه حديثاً، ومن آخره حديثاً»(1).
وهذا الحديث يدلّ على جواز الاِجازة في الحديث، التي هي من طرق التحمّل وأعلاها السماع من المحدّث بلا خلاف.

* المناولة: عن أحمد بن عمر الحلال، قال: قلت لاَبي الحسن الرضا عليه السلام : الرجل ـ من أصحابنا ـ يعطيني الكتاب، ولا يقول: اروه عنّي، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: إذا علمت أنّ الكتاب له فاروه عنه»(2).

* الوجادة: سأل محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينُولة الاِمام الجواد عليه السلام ، قائلاً: «جعلت فداك، إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام ، وكانت التقيّة شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا؟ فقال عليه السلام : حدِّثُوا بها فإنّها حق»(3).
وهذا الخبر يدلّ على صحّة تحمّل الحديث ونقله بالوجادة، وفيه إشارة إلى جواز العمل بأخبار الآحاد.
ونظيره، الخبر المرويّ عن الاِمام العسكري عليه السلام ، فقد سُئل عن كتب
____________
(1)أُصول الكافي 1|102 ح 3.
(2) أُصول الكافي 1|102 ـ 103 ح 6.
(3) أُصول الكافي 1|104 ح 15.




( 246 )

بني فضّال وهم من الفطحية الثقات، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم، وبيوتنا منها ملاء؟ فقال عليه السلام : «خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا»(1).

وممّا تقدّم يعلم أنّ أهل البيت عليهم السلام قد أرشدوا أصحابهم من حملة أحاديثهم إلى الكثير من مفردات دراية الحديث:
كمعرفة مختلف الحديث، وتمييز الخبر الصحيح عن غيره من جهة التعرّف على درجة وثاقة رواته.
وبيان المرجّحات عند تعارض الخبرين، وهي ما تسمّى عند أهل الدراية بالمرجّحات المنصوصة.
والتأكيد على ضرورة الاِسناد بذِكرهِ في كلّ حديث.
ونبذ تعمّد الاِرسال.
والتحذير من الكذب في نقل الحديث.
وتوضيح معنى التدليس.
وجواز نقل الرواية بالمعنى بالنسبة إلى العالم بالاَلفاظ ومداليلها، ونحو ذلك.
وبيان طرق تحمّل الحديث وآداب نقله عن طريق السماع والاِجازة والمناولة والوجادة عند معرفة صاحب الكتاب.

وبالجملة، فإنّ جميع مفردات علوم الحديث داخلة تحت قول أمير المؤمنين عليه السلام : «اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل».
هذا، في الوقت الذي لم تكن حاجة الشيعة فيه إلى معرفة تلكم
____________
(1) كتاب الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ: 399 ح 350.





( 247 )

الاَُمور كحاجة غيرهم إلى معرفتها، وذلك لاستمرار عصر النصّ عند الشيعة الاِمامية أكثر من ثلاثة قرون، وإن انحصر بعد وفاة الاِمام الحسن العسكري عليه السلام في سنة 260 هـ بالتوقيعات الخارجة من الاِمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف على أيدي سفرائه الاَربعة رضي الله عنهم طيلة فترة الغيبة الصغرى التي انتهت في سنة 329 هـ.

وهذا يعني إمكان رجوع الشيعة الاِمامية إلى مصدر النصّ نفسه لحلّ ما يشكل عليهم في بعض النصوص، بينما لا نجد ذلك عند غيرهم من العامّة لانتهاء عصر النصّ عندهم بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الحادية عشرة من الهجرة المشرّفة، زيادةً على طول مدة الحظر الرسمي على تدوين الحديث عندهم، مع تفشّي الوضع وكثرة الكذب بين الرواة على عهد معاوية وبتشجيع منه.

ومن هنا برزت الحاجة مع تدوين الحديث ـ عند رفع الحظر عنه ـ إلى التصنيف في علومه، من رجال ودراية عند العامة.

ومع هذا فقد تقدّم الشيعة الاِمامية عليهم في التصنيف الرجالي كما مرّ، وكذلك التصنيف في مسائل علم دراية الحديث.
فقد صنّف أبان بن تغلب كتاب «من الاَُصول في الرواية على مذهب الشيعة»(1)4، وأبان من متقدّمي الشيعة وأجلاّئهم، مات سنة 141 هـ.
وقد يكون في كتاب «اختلاف الحديث» لابن أبي عمير (ت 217 هـ)، وكتاب «معيار الاَخبار» للفقيه العيّاشي (ت 320 هـ) بعض المباحث في دراية الحديث أيضاً.

____________
(1) فهرست ابن النديم: 308 في أوّل الفنّ الخامس من المقالة السادسة.




( 248 )

على أنّ الشيخ المفيد (ت 413 هـ) قد تعرّض في كتابه «التذكرة في أُصول الفقه» إلى بعض الاَُمور الدرائية، وقد أكثر منها الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في «عدّة الاَُصول»، ومثله المحقّق الحلّي (ت 676 هـ) في «معارج الاَُصول».

ثمّ تطوّر علم الدراية عند الشيعة الاِمامية على يد الفقيه المحدّث السيّد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس الحسني (ت 673 هـ)، فكان أوّل من وضع الاصطلاح الجديد في أقسام الحديث المعروفة، وتابعه العلاّمة الحلّي (ت 726 هـ) في مصنّفاته الاَُصولية والرجالية على هذا التقسيم، وبعضهم من نسب التصنيف الجديد إلى العلاّمة نفسه رحمه الله.

ثمّ جاء بعد العلاّمة الحلّي تلميذه السيّد عليّ بن عبد الحميد الحسيني النجفي، من أعلام القرن الثامن الهجري، فصنّف «شرح أُصول دراية الحديث»، وبعده الشهيد الثاني (ت 966 هـ) الذي صنّف كتاب «الدراية في علم الرواية»، ثمّ تعاقب على التأليف بعد ذلك جملة من علماء الدراية وصولاً إلى عصرنا الحاضر.

ومن هنا يُعلم أنّ بذور التصنيف الاَُولى في علم دراية الحديث قد ظهرت على أيدي الشيعة الاِمامية قبل أن يستوعب الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ) مسائل هذا العلم في كتابه «معرفة علوم الحديث»، على أنّ الحاكم نفسه متنازَع فيه بين الشيعة والعامة، إذ لم يثبت ـ بنحو القطع، على كثرة ما قيل حوله ـ انتماؤه إلى أحد الفريقين، وإن كان ظاهر مستدركه عدم الاعتقاد بالتشيّع.





* * *


( 249 )





أقسام الخبر عند الشيعة الاِمامية


بعد أن تعرفّنا على نبذة مختصرة من تاريخ الحديث الشريف وعلومه، وانتهى بنا الكلام إلى مؤلّفات الشيعة في رواية الحديث وتطوّر مصطلحه عندهم، فلا بأس إذن من الوقوف على أقسام الخبر عندهم، لكي يتّضح أنّ معنى الصحيح عند القدماء ـ الذي كان يخضع لاعتبارات علمية متعدّدة وقرائن كثيرة ـ لا يستلزم منه أن يكون صحيحاً بحسب الاصطلاح الجديد للخبر، فنقول:
الخبر، والحديث، والاَثر، وإن اختلفت تعريفاً وتمييزاً عند بعضهم إلاّ أنّها تلتقي على معنىً واحد وهو نقل مضمون السُنّة الشريفة أو نصّها، وعلى هذا تكون من الاَلفاظ المترادفة في الحكاية عن السُنّة.

ولتحصيل السُنّة طرق متعدّدة، قطعية وظنّية، ومايعنينا منها هو ما يدخل في تقسيماتهم للخبر، كالمتواتر، والمحفوف بالقرائن، وخبر الآحاد.
وهنا يجب التنبيه على أنّ معظم التقسيمات والتفريعات المبحوثة في كتب الدراية الشيعية وغيرها إنّما هي في خصوص خبر الآحاد دون غيره لكثرة الابتلاء به أكثر بكثير من غيره.

ولهذا سيكون التركيز على أهمّ أقسام خبر الآحاد من بين هذه الاَقسام الثلاثة الآتية:
* أمّا المتواتر: فهو ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة




( 250 )

اتّفاقهم على الكذب، بحيث تتحقّق تلك الكثرة في جميع طبقات السند وصولاً إلى المعصوم عليه السلام ، ولا تنحصر الكثرة بعدد خاصّ(1).
ومن شروط تحقّقه: أن يكون ضرورياً لا مظنوناً، ومستنداً إلى محسوس، وأن لا يسبق سامعه بشيء من شبهة أو تقليد، إذ قد يدّعى تواتر أخبار لا أصل لها في الواقع، كما يزعم مثلاً في تواتر أخبار المسح على الخفّين في الوضوء، مع أنّ الخفّ لا يسمّى رِجلاً، والمأمور به هو مسح الرجلين، كما ستبرهن عليه ( تراثنا ) في ذخائر التراث بعددها الميمون هذا.

وتواتر الخبر يكون على نحوين:
أحدهما: التواتر اللفظي: ويراد به اتّحاد ألفاظ المخبرين في خبرهم عن المعصوم عليه السلام .
والآخر: التواتر المعنوي: ويراد به اشتراك ألفاظ المخبِرين في معنىً واحد مشترك بين تلك الاَلفاظ الدالّة عليه بالتضمّن أو الالتزام(2).

* وأمّا الخبر المحفوف بالقرائن القطعية، فهو على نحوين تبعاً لاختلاف القرائن المحتفّة به، إذ تارة تكون القرائن قطعية دالّة على القطع بصدور الخبر عن المعصوم، فيكون الخبر صحيحاً في نفسه؛ كما لو أخبر أحدهم مثلاً بأنّ الاِمام الصادق عليه السلام قال له: يا فلان! إنّي سأُقيم مأتماً على جدّي الحسين عليه السلام صبيحة يوم غد، فادعُ ثقات أصحابي إلى الحضور.
ثمّ شوهد في صبيحة اليوم التالي توجُّه مثل زرارة ومحمّد بن مسلم
____________
(1) الدراية: 12، ووصول الاَخيار لاَصول الاَخبار: 97، والرواشح السماوية: 40 من الراشحة الاَُولى.
(2) مقباس الهداية 1|115 و 116.




( 251 )

إلى بيت الاِمام عليه السلام ، وسمع بعض المارّة بكاءً ونحيباً في بيت الاِمام عليه السلام مع وجود بعض الاَمارات الدالّة على الحزن وإقامة المأتم، كتعليق السواد على باب الدار مثلاً.

وتارة تكون القرائن قطعيّة دالّة على صحة مضمون الخبر، كموافقته للكتاب العزيز، أو السُنّة المقطوع بها، أو الاِجماع، أو الدليل العقلي ومقتضاه.
والفرق بينهما: هو أنّ الخبر في الاَُولى نجزم بصدوره عن المعصوم عليه السلام ، بينما لا نجزم به في الحالة الثانية، بل يحكم بصحّة مضمونه وإن فرض عدم صدوره.
كما أنّ القرائن الاَُولى أغلبها غير موجود اليوم لانحصار معظمها في عصور الاَئمّة عليهم السلام ، بخلاف القرائن الثانية، فهي موجودة في كلّ عصر وجيل.

* وأمّا خبر الآحاد: فهو ما لا ينتهي إلى حدّ المتواتر من الخبر سواء كان الراوي واحداً أو أكثر(1).
وخبر الآحاد على قسمين:
أحدهما: ما ذُكر فيه السند بتمامه واتّصل بالمعصوم عليه السلام ، ويسمّى المسند.
والآخر: ما لم يذكر فيه السند بتمامه، أو لم يذكر فيه السند أصلاً، وله أسماء مختلفة تختلف باختلاف عدد الساقط من الرواة واختلاف طبقاتهم في السند، وسوف نشير إلى أهمّها في أقسام خبر الآحاد غير
____________

(1) الدراية: 15، ووصول الاَخيار: 102، ومقباس الهداية 1|5.




( 252 )

المسند.

فخبر الآحاد إذن سواء كان مسنداً أو غير مسند له أقسام متعدّدة باعتبارات مختلفة:


أقسام خبر الآحاد مسنداً


أوّلاً: باعتبار حال رواته:
ذكر علماء الدراية أقساماً أربعة لخبر الواحد المسند باعتبار ما يتّصف به رواته من العدالة والوثاقة والضبط وغيرها، وهذه الاَقسام هي التي أدخلها السيّد ابن طاووس قدس سره في دراية الحديث عند الشيعة الاِمامية، وقد نسبها بعضهم للعلاّمة الحلّي قدس سره ، وهي:

الخبر الصحيح: وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل الاِمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات. وقد يُطلق على سليم الطريق بما ينافي الاتّصال بالعدل الاِمامي وإن اعتراه إرسال أو قطع، كقولهم: في صحيحة ابن أبي عمير كذا، مع أنّك قد تجد الرواية مرسلة(1).
وهذا التعريف لا ينطبق على متعارف المتقدّمين على السيّد ابن طاووس في إطلاق الصحيح كما أشار إليه جملة من علماء الشيعة.
فهم يطلقون الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه، أو بما يورث العلم
____________
(1) مقباس الهداية 1|146 و 157، وانظر: الدراية: 19، والرواشح السماوية: 40، ووصول الاَخيار: 92.




( 253 )

بمضمونه، نحو:
1 ـ وجوده في أكثر الاَُصول الاَربعمائة.
2 ـ تكرّره في أصل أو أصلين.
3 ـ وجوده في أصل معروف الانتساب إلى واحد ممّن أجمعت الشيعة على تصديقهم وتصحيح ما يصحّ عنهم، والاِقرار لهم بالفقه والعلم، لكونهم من أشهر فقهاء أصحاب الاَئمّة عليهم السلام ، كزرارة ومحمّد بن مسلم وأمثالهما.
4 ـ وجوده في أحد الكتب المعروضة على الاَئمّة عليهم السلام فأثنوا على مؤلّفيها، ككتاب عبدالله الحلبي المعروض على الاِمام الصادق عليه السلام ، وكتابَي يونس بن عبدالرحمن والفضل بن شاذان المعروضَين على الاِمام العسكري عليه السلام .
5 ـ أو كون الخبر مأخوذاً من أحد الكتب التي شاع اعتمادها بين قدماء فقهاء الشيعة وأعلامهم، سواء كانت من كتب الشيعة الاِمامية ككتاب «الصلاة» لحريز بن عبدالله السجستاني، وكتب ابنَي سعيد الاَهوازيّين، أو من كتب غيرهم، ككتاب الحسين بن عبدالله السعدي، وكتاب «القبلة» لعليّ بن الحسن الطاطري، وكتاب حفص بن غياث القاضي العامّي(1).
6 ـ أن يكون الخبر شائعاً بينهم بنقل الثقات.
هذا وقد مرّ أنّ في بعض القرائن التي تحتف بالخبر ما يفيد صحّة مضمونه.

____________
(1) انظر: منتقى الجمان 1|14، والفوائد المدنية: 53، ومشرق الشمسين: 270، وجامع المقال: 35، والوافي 1|22 ـ 23، وخاتمة المستدرك 3|464 الفائدة الرابعة (الطبعة المحققة)، ومقباس الهداية 1|143.




( 254 )

الخبر الحَسِن: وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم عليه السلام بإمامي ممدوح مدحاً معتدّاً به من غير نصّ على عدالته، مع تحقّق ذلك في جميع مراتب السند، أو في بعض مراتبه ولو في واحد، مع كون باقي رجال السند من رجال الصحيح(1).

وقد يطلق عند بعض المتأخّرين اصطلاح: حسن كالصحيح، ويراد به: أن يكون أوائل رجال السند من الاِمامية المنصوص عليهم بالتوثيق وأواخرهم من الممدوحين بمدح غير بالغ درجة الوثاقة، مع كونهم واقعين بعد أحد الجماعة المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهم(2)، وهم الفقهاء الّذين ذكرهم الكشّي في رجاله من أصحاب الاَئمّة عليهم السلام .

المُوثَّق ـ ويقال له: القوي ـ: وهو ما دخل في طريقه من نصّ الاَصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ـ كثقات الواقفية، والناووسية، والفطحية ونحوهم ـ ولم يشتمل باقي السند على ضعيف(3).

وقد يُميّز بين القويّ والموثّق، باطلاق القويّ على مرويّ الاِمامي الذي لم يُمدح ولم يُذّم بكتب الرجال، فيكون القوي اعم من الموثق.

الضعيف: وهو ما لم تجتمع فيه شروط الصحيح، أو الحسن، أو الموثَّق؛ بأن يشتمل طريقه على مجروح، مجهول الحال، وما دون ذلك كالوضّاع(4).

____________
(1) الدراية: 21، ووصول الاَخيار: 95، والرواشح السماوية: 41، ومقباس الهداية 1|160، ونهاية الدراية: 59.
(2) نقله الشيخ المامقاني قدس سره في مقباس الهداية 1|175، عن الاسترآبادي.
(3) الدراية: 33، ووصول الاَخيار: 97، والرواشح السماوية: 41 ومقباس الهداية 1|168، ونهاية الدراية: 164.
(4) الدراية: 240.




( 255 )

والضعيف أعمّ من كونه مسنداً أو غير مسند، وأدرجناه في أقسام خبر الآحاد المسند بهذا الاعتبار.

ثانياً: باعتبار عدد رواته:
يقسّم الخبر الواحد المسند بهذا الاعتبار الناظر إلى عدد الرواة في كلّ طبقة من طبقات السند إلى الاَقسام التالية:
الخبر المستفيض: وهو ما زادت رواته على ثلاثة أو اثنين في كلّ مرتبة من مراتب السند من أوّله إلى منتهاه(1)، وإذا اتّحد لفظ المخبرين في الخبر سمّي بالمستفيض اللفظي، وإن اختلفت ألفاظ الخبر مع اتّحادها في معنىً واحد فهو المستفيض المعنوي، ويسمّى المشهور أيضاً، وقد يغايَر بينهما على أساس تحقّق الوصف المذكور في المستفيض دون المشهور لاَنّه أعمّ من ذلك، كحديث «إنّما الاَعمال بالنيات» فهو مشهور غير مستفيض، للانفراد في نقله ابتداء، وطروء الشهرة عليه بعد ذلك، ولك أن تقول: إنّ كلّ مستفيضٍ مشهورٌ، وليس كلّ مشهورٍ مستفيض.

الخبر الغريب: وهو ما انفرد بروايته الثقة في أيّ مرتبةٍ كان من مراتب السند، فإن كان رجال السند رجال الصحيح، عُدّ الخبر من الصحيح الغريب، وإن كانوا من رجال الحَسِن، سمّيُ بالحَسِن الغريب، وهكذا الحال في الموثّق الغريب، أو الضعيف الغريب(2).

الخبر العزيز: وهو ما يرويه اثنان من الرواة، عن اثنين، عن اثنين، وهكذا وصولاً إلى المعصوم عليه السلام ، وأمّا لو رواه عن المرتبة الثانية أو
____________
(1) الدراية: 32، ونهاية الدراية: 188، ومقباس الهداية 1|128.
(2) مقباس الهداية 1|33، والدراية: 16.




( 256 )

الثالثة في السند أكثر من ذلك، فهو العزيز المشهور(1).


ثالثاً: باعتبار اشتراكه مع غيره:
توجد أقسام أُخرى من الخبر تشترك مع غيرها من الاَقسام الاَربعة المتقدّمة في الاعتبار الأوّل، ولا تختصّ بالضعيف منها، وسوف نقتصر بالذكر على أهمّها، وهي:

المعنعن: وهو ما يقال في سنده: فلان عن فلان... إلى آخر السند، من غير بيان متعلّق الجار من رواية أو تحديث أو إخبار أو سماع. وحكمه حكم المتّصل، وقيل: إنّه بحكم المرسل حتّى يتبيّن اتّصاله بغيره، وما عليه الاَكثر هو الاَوّل.

المدرج: وهو على أقسام أربعة، وقع الاَوّل منها في كتبنا الاَربعة، ويسمّى في الاصطلاح مندرج المتن، ويراد به ما أُدرج في متن الحديث من كلام بعض الرواة، سواءً في أوّل المتن أو آخره أو في وسطه، كتفسير كلمة من المتن بأُخرى، ممّا يتوهم البعضُ أنّ الكلّ من متن الحديث وهو ليس كذلك.

العالي، والنازل: ويراد بالاَوّل اصطلاحاً ما كان قليل الواسطة من المحدّث إلى المعصوم، والثاني بخلافه، ويطلق على الاَوّل «قرب الاِسناد» أو «علو الاِسناد» ـ والقرب أخص باعتبار النسبية في العلو ـ وطلبه من قبل المحدّثُ سُنّة مؤكَّدة حتّى قال بعضهم: «قرب الاِسناد قربة إلى الله تعالى»(2).

____________
(1) الدراية: 16، ومقباس الهداية 1|134، ونهاية الدراية: 164.
(2) مقباس الهداية 1|243 ـ 244، وانظر هامشه.




( 257 )

المسلسل: وهو ما تتابع رجال إسناده على نقل صفة واحدة أو حالٍ معينة إمّا للرواية أو للرواة(1).

المشترك: وهو ما كان أحد الرواة فيه مشتركاً بين الثقة وغيره تارة، وبين الثقات فقط تارة أُخرى، وفي الاَوّل لا بُدّ من التمييز، بخلاف الثاني(2).


رابعاً: باعتبار ذِكر اسم من اُسند إليه:
للخبر قسمان بهذا الاعتبار(3) وهما:
المصرّح: وهو ما ذُكر في نهاية سنده اسم المعصوم عليه السلام الذي أسند له الخبر.
المضمر: وهو ما أُخفي فيه المسؤول أو صاحب الحديث إماماً كان أو غيره، بأن يعبّر عنه تارة بالضمير البارز، كقول زرارة: قال: «قلت له: الرجل ينام وهو على وضوء»، وأُخرى بالضمير المستتر، مثل حديث سماعة، قال: «قال: إذا سها الرجل في الركعتين»(4).
والاِضمار في الحديث لا وجود له في أحاديث العامّة، بل هو مختصّ بأخبارنا، ومن أوجه أسبابه، التقيّة، وتقطيع الاَخبار.
هذا تمام الكلام في ما يعنينا من أقسام خبر الآحاد المسند، وأمّا غير
____________
(1) الدراية: 38، ووصول الاَخيار: 101، ومقباس الهداية 1|159.
(2) مقباس الهداية 1|258.
(3) انظر: أُصول الحديث: 96 مُخَطّط أقسام الخبر.
(4) قواعد الحديث: 215.




( 258 )

المسند فهو على أقسام:

أقسام خبر الآحاد غير المسند

وهو على أقسام كثيرة نذكر منها ما يأتي:
* المعلّق: وهو ما حذف من أوّل إسناده واحد أو أكثر على التوالي.
وشرط اندراجه ضمن أقسام خبر الآحاد غير المسند هو عدم معرفة اسم المحذوف من السند، وأمّا مع معرفته فإنّه يكون من المسند قطعاً.

* الموقوف: وهو على نحوين: مطلق، ومقيّد.
أمّا الاَوّل: فهو ما رواه أحد أصحاب المعصوم عليه السلام من دون أن يتّصل السند به، ويسمّى الموقوف المطلق.
وأمّا الثاني: فهو ما روي عن غير صاحب المعصوم عليه السلام مع الوقوف عليه، ويسمّى المقطوع(1).

* المُعَضَّل: وهو ما حُذف من سنده اثنان أو أكثر(2)، فلو كان المحذوف أقلّ من اثنين في أوّل السند فهو المعلّق، واما لو كان الحذف في آخره فهو المرسَل.

* المرسَل: وهو بمعناه العام: كلّ حديث حُذفت رواته أجمع، أو بعضها، واحد أو أكثر، وكذا لو ذكر في السند أحد الرواة بلفظ مبهم، مثل: عن رجل أو شيخ ونحوه.

____________
(1) الدراية: 45، وانظر: مقباس الهداية 1|319، وقواعد الحديث: 215.
(2) وصول الاَخيار: 108، ونهاية الدراية: 200، ومقباس الهداية 1|335.




( 259 )

وبناءً على هذا التعريف فالمرسَل يشمل ما ذكرناه من أقسام الخبر غير المسند جميعها.
وعرّفه بعضهم بـ: ما رواه عن المعصوم عليه السلام مَن لم يدركه.
وأمّا المرسَل ـ بالمعنى الخاصّ ـ: فهو كلّ حديث أسنده التابعي إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من غير ذكر الواسطة، ولكن الشائع عندهم هو استعمال المرسَل في معناه العامّ(1).

وبهذا نكون قد أعطينا صورة واضحة عن تاريخ الحديث الشريف وعلومه، وتطوّر مصطلحه عند الشيعة الاِمامية، مع تفانيهم في الحـرص عليه، ورعايته، وبثّه في الآفاق وسبقهم إلى تدوينه في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعهد الوصيّ عليه السلام ، مع استمرار نشاطهم الحديثي في سائر عصور الاَئمّة عليهم السلام ، ممّا سهّل لاَقطابهم ـ فيما بعد ـ جمعه وإفراده في موسوعاتهم الحديثيّة الكبرى المعروفة لدى سائر المسلمين.





والحـمـد لله أولاً وآخـراً



والصلاة والسلام على حبيبنا محمّـد المصطفى،



وعلى بضعتـه سيّـدة النسـا، وخلفائـه المعصومين أهـل الوفـا.





____________
(1) الدراية: 47، ونهاية الدراية: 189، ومقباس الهداية1 | 338.




( 260 )







جدول أقسـام الخبـر المهمّـة








( 261 )




فهرس المصادر والمراجع


1 ـ القرآن الكريم.
2 ـ نهج البلاغة| شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، وشرح محمّـد عبده، المطبعة الرحمانية، مصر.
3 ـ الاِرشـاد في معرفـة حجـج الله على العباد| الشيخ المفيد (ت 413 هـ)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث، قم.
4 ـ الاستبصار| الشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، دار الكتب الاِسلامية، طهران.
5 ـ أُصول الحديث| الاَُستاذ الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي، الطبعة الثانية، موَسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر، 1416 هـ.
6 ـ إعلام الورى| الطبرسي، دار الكتب الاِسلامية، طهران.
7 ـ أعيان الشيعة| السيّـد محسن الاَمين العاملي (ت 1373 هـ)، دار التعارف للمطبوعات، بيروت.
8 ـ الاَمالي| الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) مكتبة الداوري، قم.
9 ـ بحار الاَنوار| المجلسي (ت 1110 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
10 ـ بصائر الدرجات| الصفّار (ت 290 هـ)، نشر مؤسّسة الاَعلمي، طهران.
11 ـ تاريخ ابن خلدون| ابن خلدون (ت 808 هـ)، دار الكتاب




( 262 )

اللبناني، والدار الاَفريقيّة العربيّة.
12 ـ تأسيس الشيعة لعلوم الاِسلام| السيّـد حسن الصدر (ت 1354 هـ)، شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة، 1370 هـ.
13 ـ تدوين السُنّة الشريفة| السيّـد محمّـدرضا الحسيني الجلالي، الطبعة الاَُولى، مركز النشر، مكتب الاِعلام الاِسلامي، 1413 هـ، قم. (وقد اقتبست منـه ما يرجع إلى المصادر الآتية بالاَرقام: 15 و17 و61 فهو الواسطة إليها لعدم وقوعها بيدي أثناء البحث، والبيانات المثبتة إزائها هي بيانات المصدر المذكور باختصار).
14 ـ تذكرة الحفّاظ| الذهبي (ت 748 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
15 ـ تقييد العلم| الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، دار إحياء السُنّة النبويّة. (راجع التسلسل 13).
16 ـ تهذيب الاَحكام| الشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، دار الكتب الاِسلامية، طهران.
17 ـ جامع بيان العلم وفضله| ابن عبدالبرّ (ت 463 هـ)، المطبعة المنيرية، مصر. (راجع التسلسل 13).
18 ـ جامع المقال في ما يتعلّق بأحوال الرجال| الطريحي (ت 1085 هـ)، تحقيق محمّـدكاظم الطريحي، مطبعة الحيدري، طهران.
19 ـ الحديث والمحدّثون| أبو زهو، دار الكتاب العربي، بيروت.
20 ـ خاتمة مستدرك الوسائل| الميرزا حسين النوري (ت 1320 هـ)، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم.
21 ـ الخصال| الشيخ الصدوق (ت 381 هـ)، جماعة المدرّسين في




( 263 )

الحوزة العلميّة، قم.
22 ـ دراسات في الحديث والمحدّثين| السيّـد هاشم معروف الحسني، دار التعارف، بيروت.
23 ـ الدراية فى علم مصطلح الحديث| الشهيد الثاني (ت 966 هـ)، مطبعة النعمان، النجف الاَشرف.
24 ـ دلائل الاِمامة| الطبري، المطبعة الحيدرية، النجف الاَشرف.
25 ـ رجال الخاقاني| الشيخ علي الخاقاني (ت 1334 هـ)، مطبعة الآداب، النجف الاَشرف.
26 ـ رجال العلاّمة الحلّي| العلاّمة الحلّي (ت 726 هـ)،المطبعة الحيدرية، النجف الاَشرف.
27 ـ رجال النجاشي| النجاشي (ت 450 هـ)، جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة، قم.
28 ـ الرواشح السماوية في شرح الاَحاديث الاِمامية| المحقّق الداماد (ت 1041 هـ)، منشورات المكتبة المرعشيّة، قم 1405 هـ.
29 ـ زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدّثين| الشيخ أحمد البحراني القطيفي (ت 1315 هـ)، تحقيق ونشر ضياء بدر آل سنبل، ط 1، قم 1414 هـ.
30 ـ سنن الترمذي| الترمذي (ت 279 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
31 ـ سنن أبي داود| أبو داود (ت 275 هـ)، تعليق محمّـد محيّ الدين عبدالحميد، دار إحياء السُنّة النبويّة.
32 ـ سنـن ابن ماجـة| ابن ماجة القزويني (ت 273 هـ أو 275 هـ)،




( 264 )

دار إحياء الكتب العربيّة، مصر.
33 ـ شرح المواقف (لعضدالدين الايجي)| الجرجاني (ت 816 هـ) مطبعة أمير، قم، مصوّرة عن الطبعة الاَُولى بمطبعة السعادة، مصر.
34 ـ صحيح البخاري| البخاري (ت 256 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
35 ـ صحيح مسلم| مسلم بن الحجّاج النيسابوري (ت 261 هـ)، دار الفكر، بيروت.
36 ـ الطبقات الكبرى| ابن سعد (ت 230 هـ)، دار صادر، بيروت.
37 ـ عدّة الاَُصول| الشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، مصوّرة نسخة مخطوطة محفوظة في خزانة مخطوطات مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث برقم 4575|54|353|17.
38 ـ عـدّة الرجـال| السيّـد محسن الاَعرجي الكاظمي (ت 1227 هـ)، مؤسّسة الهداية، قم.
39 ـ علل الشرائع| الشيخ الصدوق (ت 381 هـ)، المطبعة الحيدرية، النجف الاَشرف.
40 ـ كتاب الغيبة| الشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، مطبعة بهمن، قم.
41 ـ كتاب الغيبة| الشيخ النعماني، من أعلام القرن الرابع الهجري، مكتبة الصدوق، طهران.
42 ـ فرائد السمطين| الجويني الشافعي (ت 730 هـ)، مؤسّسة المحمودي، بيروت.
43 ـ الفوائـد المدنيـة| المولـى محمّـد أمين الاسترآبـادي (ت 1036 هـ)، مطبعة أمير، قم، 1405 هـ، أُوفسيت على الطبعة الحجرية.




( 265 )

44 ـ الفهرست| الشيخ الطوسي (ت 460 هـ)، منشورات الشريف الرضي، قم.
45 ـ الفهرست| ابن النديم (ت 385 هـ)، المطبعة الرحمانيّة، مصر.
46 ـ قاموس الرجال| التستري (ت 1416 هـ) مؤسّسة النشر الاِسلامي، قم.
47 ـ قواعد الحديث| السيّـد محيّ الدين الموسوي الغريفي، ط 1، مطبعة الآداب، النجف الاَشرف.
48 ـ الكافـي| ثقة الاِسلام الكليني (ت 329 هـ)، دار الاَضواء، بيروت.
49 ـ كشف الظنون| حاجي خليفة (ت 1061 هـ)، دار الفكر، بيروت.
50 ـ كمال الدين| الشيخ الصدوق (ت 381 هـ)، مؤسّسة النشر الاِسلامي، قم.
51 ـ لزوم ما لا يلزم| أبو العلاء المعرّي (ت 449 هـ) شرح نديم عدي، ط 2، دمشق، 1988 م.
52 ـ مرآة العقول| المجلسي (ت 1110 هـ)، مطبعة خورشيد حيدري، طهران.
53 ـ المستدرك على الصحيحين| الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)، دار الفكر، بيروت.
54 ـ مستدرك الوسائل| العلاّمة النوري (ت 1320 هـ) تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث، قم.
55 ـ المسند| لاَحمد بن حنبل (ت 240 هـ)، دار الفكر، بيروت.




( 266 )

56 ـ المعتبر| المحقّق الحلّي (ت 676 هـ)، ط 1، إيران، 1317 هـ.
57 ـ معـراج أهـل الكمـال| المحقّـق البحراني الماحـوزي (ت 1121 هـ)، مطبعة سيّـد الشهداء عليه السلام ، قم.
58 ـ مقباس الهداية| المامقاني (ت 1351 هـ)، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث، قـم.
59 ـ المناقب| ابن شهرآشوب (ت 588 هـ)، طهران.
60 ـ منتقى الجمان في الاَحاديث الصحاح والحسان| الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني (ت 1011 هـ)، ط 1، جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة، قم، 1404 هـ.
61ـ نقـد العلـم والعلمـاء (تلبيـس إبليـس)| ابن الجوزي (ت 597 هـ)، المطبعة المنيرية، مصر. (راجع التسلسل 13).
62ـ نهاية الدراية (شرح الوجيزة للشيخ البهائي)| السيّـد حسن الصدر (ت 1354 هـ)، تحقيق الشيخ ماجد الغرباوي، نشر المشعر، مطبعة اعتماد، قم.
63ـ هداية المحدّثين (مشتركات الكاظمي)| محمّـد أمين بن محمّـدعليّ الكاظمي، من أعلام القرن الحادي عشر، نشر المكتبة المرعشيّة، قم.
64ـ هدي الساري|ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، مصر، 1383 هـ.
65ـ الوافي| الفيض الكاشاني (ت 1091 هـ)، منشورات المكتبة المرعشيّة، قم، 1404 هـ، مع الطبعة الاَُولى، أصفهان، 1406 هـ.




( 267 )

66ـ وسائل الشيعة| الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104 هـ)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث، قم.
67ـ وصول الاَخيار الى أُصول الاَخبار| الشيخ حسين بن عبدالصمد العاملي (ت 984 هـ)، تحقيق السيّـد عبداللطيف الكوهكمري، نشر مجمع الذخائر الاِسلامية، مطبعة الخيام، قم 1401 هـ.
68ـ ينابيع المودّة| القندوزي الحنفي (ت 1270 هـ) مؤسّسة الاَعلمي للمطبوعات، بيروت، والطبعة المحقّقة، قم 1416 هـ.






ـــــــــــــــــــــ انتهى البحث بكامله ـــــــــــــــــــــــ


والحمد لله رب العالمين


ونسألكم الدعاء ،،

نقله بتمامه/
مرآة التواريخ
مساء الخميس ، ليلة الجمعة
15 ذو القعدة 1429هـ
13/11/2008م