بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
أبو بكر يوبِّخ الإمام علياً: أردتَ أن تشق عصا المسلمين؟
اللهم صل على محمد وآل محمد
أبو بكر يوبِّخ الإمام علياً: أردتَ أن تشق عصا المسلمين؟
متن الرواية:
حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء، وأبو محمد بن أبى حامد المقري قراءة عليه، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا عفان بن مسلم، ثنا وهيب، ثنا داود بن أبى هند، ثنا أبو نضرة، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا، قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت رضى الله عنه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإن الإمام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر رضى الله عنه فقال: جزاكم الله خيراً يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، ثم قال: أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم، ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبى بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، ثم انطلقوا، فلما قعد أبو بكر رضى الله عنه على المنبر، نظر في وجوه القوم فلم ير علياً رضى الله عنه، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر رضى الله عنه: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه؛ أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه. ثم لم ير الزبير بن العوام رضى الله عنه، فسأل عنه، حتى جاءوا به، فقال: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه؛ أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعاه.
أخبرنا أبو الحسن على بن محمد بن على الحافظ الإسفرائيني، ثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، أنبأ أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وإبراهيم بن أبى طالب، قالا: ثنا بندار بن بشار، ثنا أبو هشام المخزومي، ثنا وهيب، فذكره بنحوه.
المصدر:
السنن الكبرى للبيهقي، ج8، ص143، دار الفكر ـ بيروت . وقبله: الحاكم في المستدرك، ج3، ص76، دار المعرفة ـ بيروت.
ترجمة رجال الإسناد:
1 ـ أبو سعيد الخدري: صحابي، والصحابة عندهم في أعلى مراتب العدالة والتوثيق.
2 ـ أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، العوقي، البصري (ت 108 أو 109 هـ) ، من رجال مسلم والسنن، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة.
3 ـ داود بن أبي هند دينار بن عذافر، ويقال: طهمان القشيري مولاهم، أبو بكر، و يقال أبو محمد، البصري (ت 140 هـ وقيل قبلها) ، من رجال مسلم والسنن، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة متقن ، كان يهم بأخرة.
4 ـ وهيب هو: وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم، أبو بكر البصري، صاحب الكرابيس (ت 165 هـ وقيل بعدها) ، من رجال البخاري ومسلم والسنن، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة ثبت لكنه تغير قليلاً بأخرة.
5 ـ عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار البصري (ت بعد 219 هـ) ، حافظ ثقة ثبت، من رجال البخاري ومسلم والسنن، قال عنه ابن حجر: ثقة ثبت، و ربما وهم، قال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة.
6 ـ جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، أبو محمد البغدادي (189 ـ 279 هـ) ، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة عارف بالحديث.
7 ـ أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري (ت 346 هـ) ، إمام محدث شهير من أعلام علماء أهل السنة، ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء، ج15، ص452 .
8 ـ أبو عبد الله الحافظ هو: الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك (321 ـ 405 هـ) ، من كبار أئمة الحديث والحفاظ، ترجم له السبكي في طبقات الشافعية الكبرى فقال: كان إماماً جليلاً وحافظاً حفيلاً اتفق على إمامته وجلالته وعظم قدره.
الحكم على السند:
هذا إسناد صحيح، رجاله رجال الصحيح، إلا جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، وهو ثقة.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وأقره الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك.
وقال مقبل بن هادي الوادعي في تعليقته على المستدرك: (صوابه على شرط مسلم، فالبخاري لم يخرج لأبي نضرة، وهو المنذر بن مالك إلا تعليقاً، كما في تهذيب التهذيب) ، انظر: المستدرك بتعليق الواعي: ج3، ص86 ، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.
في ضوء هذه الرواية الصحيحة:
1 ـ ما الذي جعل أبا بكر يلوم ويعاتب ويعيِّر الإمام علياً ـ عليه السلام ـ بقوله: أردت أن تشق عصا المسلمين، فكيف عرف أو توقع أبو بكر أن الإمام علياً أراد أن يشق عصا المسلمين؟ ألا يدل هذا على صحة ما يعتقد به شيعة أهل البيت من أن الإمام علياً رفض البيعة، ولم يبايع إلا مضطراً.
ملاحظة: قول الإمام علي لأبي بكر: (لا تثريب) دليل على أن أبا بكر كان في موقف اللائم الموبِّخ المعيِّر؛ لأن التثريب هو اللوم والعتاب والتوبيخ والتعيير وذكر الذنب، راجع معاجم اللغة.
2 ـ يفترض أن الإمام علياً من أعظم الصحابة بإجماع المسلمين، والصحابة عند أهل السنة في أسمى مراتب العدالة والتوثيق، فكيف احتمل أبو بكر أن الإمام علياً أراد أن يشق عصا المسلمين، علماً أن شق عصا المسلمين من المعاصي التي لا خلاف في شناعتها عند السنة والشيعة؟ أم أن شق العصا كان سائغاً شرعاً فلهذا احتمله أبو بكر في حق علي؟ أم أن أبا بكر لم يكن يعتقد بعدالة واستقامة الإمام علي؟
3 ـ لاحظ أن الرواية فيها إيحاء قوي بأن الإمام علياً وكذا الزبير لم يحضرا للبيعة برغبتهما وبملء إرادتهما، بل تم إحضارهما، فعبارة (فأتوا به) وعبارة (جاءوا به) تدلان على ذلك، وهذا يؤيد ما رواه الطبري في تاريخه من أن عمر بن الخطاب أتى منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه، كما نستطيع أن نضيف رواية مصنف ابن أبي شيبة، ج8، ص572 ، والتي فيها أن الإمام علياً ومن معه لم يبايعوا إلا بعد أن قام عمر بالتهديد بحرق بيت فاطمة الزهراء بعد أن تحول إلى مقر لاجتماعات الصحابة الرافضين لبيعة أبي بكر.
4 ـ جاء في صحيح البخاري ما نصه: (كَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ) ، وهذه الرواية تدل على أن مبايعة الإمام علي الأولى لم تكن ذات أهمية ولا معنى؛ وإلا لما صح أن يقال إنه بايع وصالح بعد ستة أشهر ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فرواية البخاري تدل على أن تلك البيعة (الأولى) لم تكن بيعة حقيقية، بل كانت الأجواء أجواء توتر بين الإمام علي وبين أبي بكر، حتى وقعت المصالحة، وهذا يؤيد ما أشرنا إليه في النقطة الثالثة من أن البيعة الأولى وقعت من دون رضا من قبل الإمام علي عليه السلام.
5 ـ ومما يؤكد صحة ما ذكرناه من أن بيعة الإمام علي الأولى وقعت من غير رضا: هذه الرواية التي في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ج2، ص553، برقم 1291، قال:
حدثنا محمد بن إسحاق بن محمد المخزومي المسيبي [صدوق من رجال مسلم] ، نا محمد بن فليح بن سليمان [وثقه غير واحد، وهو من رجال البخاري والنسائي] ، عن موسى بن عقبة [ثقة فقيه، إمام فى المغازي، من رجال الستة] ، عن ابن شهاب [الزهري، الفقيه الحافظ متفق على جلالته و إتقانه، من رجال الستة] ، قال: وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر رضي الله عنه، منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما، فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما السلاح، فجاءهما عمر رضي الله عنه في عصابة من المسلمين، فيهم أسيد وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل، ويقال فيهم ثابت بن قيس بن الشماس أخو بني الحارث بن الخزرج فأخذ أحدهم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره. قال موسى بن عقبة [ثقة فقيه ، إمام فى المغازي، من رجال الستة] : قال سعد بن إبراهيم [ثقة عابد فاضل، من رجال الستة] : حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف [ثقة، من رجالهم إلا الترمذي] : أن عبد الرحمن كان مع عمر يومئذ وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير. والله أعلم.
أقول: والسند إلى الزهري صحيح، رجاله رجال الصحيح، وسند الرواية الثانية التي فيها إخبار بكون عبد الرحمن بن عوف كان معهم، هو أيضاً سند صحيح، رجاله رجال الصحيح.
وهذه الرواية تبين لنا سبب توبيخ أبي بكر للإمام علي بإرادة شق عصا المسلمين؛ فإن من يعتصم بالسلاح في بيته مع جماعة من الصحابة، فإن سلوكه هذا هو شق للعصا بلا أدنى تردد..
هذا باختصار.. والحمد لله رب العالمين.
حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء، وأبو محمد بن أبى حامد المقري قراءة عليه، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا عفان بن مسلم، ثنا وهيب، ثنا داود بن أبى هند، ثنا أبو نضرة، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا، قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت رضى الله عنه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإن الإمام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر رضى الله عنه فقال: جزاكم الله خيراً يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، ثم قال: أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم، ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبى بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، ثم انطلقوا، فلما قعد أبو بكر رضى الله عنه على المنبر، نظر في وجوه القوم فلم ير علياً رضى الله عنه، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر رضى الله عنه: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه؛ أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه. ثم لم ير الزبير بن العوام رضى الله عنه، فسأل عنه، حتى جاءوا به، فقال: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه؛ أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعاه.
أخبرنا أبو الحسن على بن محمد بن على الحافظ الإسفرائيني، ثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، أنبأ أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وإبراهيم بن أبى طالب، قالا: ثنا بندار بن بشار، ثنا أبو هشام المخزومي، ثنا وهيب، فذكره بنحوه.
المصدر:
السنن الكبرى للبيهقي، ج8، ص143، دار الفكر ـ بيروت . وقبله: الحاكم في المستدرك، ج3، ص76، دار المعرفة ـ بيروت.
ترجمة رجال الإسناد:
1 ـ أبو سعيد الخدري: صحابي، والصحابة عندهم في أعلى مراتب العدالة والتوثيق.
2 ـ أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، العوقي، البصري (ت 108 أو 109 هـ) ، من رجال مسلم والسنن، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة.
3 ـ داود بن أبي هند دينار بن عذافر، ويقال: طهمان القشيري مولاهم، أبو بكر، و يقال أبو محمد، البصري (ت 140 هـ وقيل قبلها) ، من رجال مسلم والسنن، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة متقن ، كان يهم بأخرة.
4 ـ وهيب هو: وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم، أبو بكر البصري، صاحب الكرابيس (ت 165 هـ وقيل بعدها) ، من رجال البخاري ومسلم والسنن، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة ثبت لكنه تغير قليلاً بأخرة.
5 ـ عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار البصري (ت بعد 219 هـ) ، حافظ ثقة ثبت، من رجال البخاري ومسلم والسنن، قال عنه ابن حجر: ثقة ثبت، و ربما وهم، قال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة.
6 ـ جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، أبو محمد البغدادي (189 ـ 279 هـ) ، وثقه غير واحد، وقال ابن حجر: ثقة عارف بالحديث.
7 ـ أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري (ت 346 هـ) ، إمام محدث شهير من أعلام علماء أهل السنة، ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء، ج15، ص452 .
8 ـ أبو عبد الله الحافظ هو: الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك (321 ـ 405 هـ) ، من كبار أئمة الحديث والحفاظ، ترجم له السبكي في طبقات الشافعية الكبرى فقال: كان إماماً جليلاً وحافظاً حفيلاً اتفق على إمامته وجلالته وعظم قدره.
الحكم على السند:
هذا إسناد صحيح، رجاله رجال الصحيح، إلا جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، وهو ثقة.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وأقره الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك.
وقال مقبل بن هادي الوادعي في تعليقته على المستدرك: (صوابه على شرط مسلم، فالبخاري لم يخرج لأبي نضرة، وهو المنذر بن مالك إلا تعليقاً، كما في تهذيب التهذيب) ، انظر: المستدرك بتعليق الواعي: ج3، ص86 ، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.
في ضوء هذه الرواية الصحيحة:
1 ـ ما الذي جعل أبا بكر يلوم ويعاتب ويعيِّر الإمام علياً ـ عليه السلام ـ بقوله: أردت أن تشق عصا المسلمين، فكيف عرف أو توقع أبو بكر أن الإمام علياً أراد أن يشق عصا المسلمين؟ ألا يدل هذا على صحة ما يعتقد به شيعة أهل البيت من أن الإمام علياً رفض البيعة، ولم يبايع إلا مضطراً.
ملاحظة: قول الإمام علي لأبي بكر: (لا تثريب) دليل على أن أبا بكر كان في موقف اللائم الموبِّخ المعيِّر؛ لأن التثريب هو اللوم والعتاب والتوبيخ والتعيير وذكر الذنب، راجع معاجم اللغة.
2 ـ يفترض أن الإمام علياً من أعظم الصحابة بإجماع المسلمين، والصحابة عند أهل السنة في أسمى مراتب العدالة والتوثيق، فكيف احتمل أبو بكر أن الإمام علياً أراد أن يشق عصا المسلمين، علماً أن شق عصا المسلمين من المعاصي التي لا خلاف في شناعتها عند السنة والشيعة؟ أم أن شق العصا كان سائغاً شرعاً فلهذا احتمله أبو بكر في حق علي؟ أم أن أبا بكر لم يكن يعتقد بعدالة واستقامة الإمام علي؟
3 ـ لاحظ أن الرواية فيها إيحاء قوي بأن الإمام علياً وكذا الزبير لم يحضرا للبيعة برغبتهما وبملء إرادتهما، بل تم إحضارهما، فعبارة (فأتوا به) وعبارة (جاءوا به) تدلان على ذلك، وهذا يؤيد ما رواه الطبري في تاريخه من أن عمر بن الخطاب أتى منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه، كما نستطيع أن نضيف رواية مصنف ابن أبي شيبة، ج8، ص572 ، والتي فيها أن الإمام علياً ومن معه لم يبايعوا إلا بعد أن قام عمر بالتهديد بحرق بيت فاطمة الزهراء بعد أن تحول إلى مقر لاجتماعات الصحابة الرافضين لبيعة أبي بكر.
4 ـ جاء في صحيح البخاري ما نصه: (كَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ) ، وهذه الرواية تدل على أن مبايعة الإمام علي الأولى لم تكن ذات أهمية ولا معنى؛ وإلا لما صح أن يقال إنه بايع وصالح بعد ستة أشهر ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فرواية البخاري تدل على أن تلك البيعة (الأولى) لم تكن بيعة حقيقية، بل كانت الأجواء أجواء توتر بين الإمام علي وبين أبي بكر، حتى وقعت المصالحة، وهذا يؤيد ما أشرنا إليه في النقطة الثالثة من أن البيعة الأولى وقعت من دون رضا من قبل الإمام علي عليه السلام.
5 ـ ومما يؤكد صحة ما ذكرناه من أن بيعة الإمام علي الأولى وقعت من غير رضا: هذه الرواية التي في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ج2، ص553، برقم 1291، قال:
حدثنا محمد بن إسحاق بن محمد المخزومي المسيبي [صدوق من رجال مسلم] ، نا محمد بن فليح بن سليمان [وثقه غير واحد، وهو من رجال البخاري والنسائي] ، عن موسى بن عقبة [ثقة فقيه، إمام فى المغازي، من رجال الستة] ، عن ابن شهاب [الزهري، الفقيه الحافظ متفق على جلالته و إتقانه، من رجال الستة] ، قال: وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر رضي الله عنه، منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما، فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما السلاح، فجاءهما عمر رضي الله عنه في عصابة من المسلمين، فيهم أسيد وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل، ويقال فيهم ثابت بن قيس بن الشماس أخو بني الحارث بن الخزرج فأخذ أحدهم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره. قال موسى بن عقبة [ثقة فقيه ، إمام فى المغازي، من رجال الستة] : قال سعد بن إبراهيم [ثقة عابد فاضل، من رجال الستة] : حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف [ثقة، من رجالهم إلا الترمذي] : أن عبد الرحمن كان مع عمر يومئذ وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير. والله أعلم.
أقول: والسند إلى الزهري صحيح، رجاله رجال الصحيح، وسند الرواية الثانية التي فيها إخبار بكون عبد الرحمن بن عوف كان معهم، هو أيضاً سند صحيح، رجاله رجال الصحيح.
وهذه الرواية تبين لنا سبب توبيخ أبي بكر للإمام علي بإرادة شق عصا المسلمين؛ فإن من يعتصم بالسلاح في بيته مع جماعة من الصحابة، فإن سلوكه هذا هو شق للعصا بلا أدنى تردد..
هذا باختصار.. والحمد لله رب العالمين.