دعوني والتمسوا غيري

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي الحمد ومستحقه وصلواته على خير خلقه محمد وآله الطاهرين

قال الشريف الرضي رحمه الله: ومن خطبة له عليه السلام لما أُريد على البيعة بعد قتل عثمان: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً.
نهج البلاغة - الخطبة رقم 92


والكلام حول هذه الخطبة من جهتين:


الجهة الأولى: السند:
هذه الخطبة رواها الشريف الرضي قدس الله سره في نهج البلاغة مرسلة كشأن سائر روايات هذا الكتاب، وروها سيف بن عمر الضبي باختلاف يسير في كتاب الفتنة، ونقلها عنه ابن جرير الطبري ولفظه:
كتب إليَّ السري: عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة قالا: فقالوا لهم دونكم يا أهل المدينة فقد أجلناكم يومين فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غداً علياً وطلحة والزبير وأناساً كثيراً... فغشى الناسُ علياً فقالوا نبايعك، فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى.
فقال علي: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول.
فقالوا: ننشدك الله! ألا ترى ما نرى؟! ألا ترى الإسلام؟! ألا ترى الفتنة؟! ألا تخاف الله؟!
فقال: قد أجبتكم لما أرى، واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم.
تاريخ الطبري ج 3 ص 456

وقد اتفق علماء الجرح والتعديل على تضعيف سيف بن عمر، قال أبونعيم: سيف بن عمر الضبي الكوفي: متهم في دينه، مرميٌ بالزندقة، ساقط الحديث، لا شيء.
كتاب الضعفاء ص 91

وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة... يروى الموضوعات عن الأثبات.
كتاب المجروحين ج 1 ص 345

وقال المزي: قال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ضعيف الحديث.
وقال أبو جعفر الحضرمي، عن يحيى بن معين: فلس خير منه.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث، يشبه حديثه حديث الواقدي.
وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال النسائي والدارقطني: ضعيف.
وقال أبو أحمد بن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق.
تهذيب الكمال ج 12 ص 326



إذن فهذه الرواية ضعيفة السند لأنها إما مرسلة لا يعرف من الذي رواها كما في نهج البلاغة أو لضعف بعض رواتها كما في كتاب الفتن لسيف، وقد ثبت بالكتاب وبالأحاديث الصحيحة أن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله هو أمير المؤمنين علي عليه السلام فمن الكتاب قول الله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} ومن الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) وحديث: (وهو وليكم بعدي) وحديث المنزلة: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وغير ذلك، وبهذا ثبت أنه هو الإمام والخليفة دون سواه.

هو إمام الناس سواء قبلوا بذلك أم لم يقبلوا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فهو إمام قام أو قعد.

وعليه فإذا فرض أن الخطبة تتعارض مع كل هذه النصوص فلا بد من طرح الخطبة، فإن اليقين لا ينقض بالشك.







الجهة الثانية: الدلالة:
الخطبة لا تدل على أكثر مما ذكره الإمام علي عليه السلام يوم الشورى بعد مقتل عمر بن الخطاب، حين اشترط عليه عبدالرحمن بن عوف أن يعمل بسيرة أبي بكر وعمر، فإن علياً عليه السلام يريد أن يعمل بما يعلمه هو لا بما يريدونه منه، وهذا ما ورد في الخطبة بشكل صريح وواضح: (واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب).

يحاول البعض أن يوهم نفسه أو يوهم الآخرين أن أمير المؤمنين عليه السلام يريد أن ينفي وجود النص بهذا القول، إذ لو كان النص موجوداً لما وسعه إلا أن يقبل بالخلافة على كل حال!

وهذا توهم باطل!

فقد ثبت حتى عند المخالفين أن الإمام علي عليه السلام قد تخلف عن مبايعة أبي بكر لمدة ستة أشهر على الأقل لأنه كان يرى حقه مغتصبا.

ثم إنه لم يكن للإمام عليه السلام غرض من الخلافة سوى إقامة الحق ودفع الباطل، روى الشريف الرضي: عن عبد الله بن العباس قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام: والله لهي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.
نهج البلاغة


وقد أراد الإمام عليه السلام بخطبته أن يفرض عليهم شروطه لا أن يفرضوا عليه شروطهم، أراد أن يعلمهم أن سيرته هي امتداد لسيرة الأنبياء عليهم السلام ولن ينالوا ما اعتادوا عليه في زمن الخلفاء الثلاثة فعليهم أن يوطنوا أنفسهم عليها... ولهذا نقضوا بيعتهم حين رأوا عدل الإمام عليه السلام!

فهذا هو أقصى ما يستفاد من الخطبة.



موقف الإمام علي عليه السلام يوم الشورى:
ومن المناسب أن ننقل موقف الإمام عليه السلام يوم الشورى، وهو موقف مشهور مذكور في معظم كتب التاريخ التي أرخت لتلك الفترة ومذكور في بعض كتب الحديث، روى الشيخ الطوسي قدس الله سره بإسناده عن أبي الطفيل:
فقال عبد الرحمن: هلم يدك يا علي، تأخذها بما فيها، على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر.
فقال عليه السلام: آخذها بما فيها، على أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه جهدي.
فخلى عن يد علي، وقال: هلم يدك يا عثمان، خذها بما فيها، على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر.
فقال: نعم، ثم تفرقوا.
الأمالي ص 556

وروى ابن شبة بإسناده عن ابن عمر قصة الشورى مطولة وفيها:
فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت، فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً.
ودعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده.
قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي.
ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي.
قال: نعم.
فبايعه.
فقال علي: حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن.
فقال عبد الرحمن: يا علي، لا تجعل على نفسك سبيلاً، فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان.
فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.
فقال المقداد: يا عبد الرحمن، أما والله لقد تركته.. من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.
فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدت للمسلمين.
قال: إن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين.
فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول إن أحداً أعلم ولا أقضى منه بالعدل، أما والله لو أجد عليه أعواناً!
فقال عبد الرحمن: يا مقداد اتق الله فإني خائف عليك الفتنة.
فقال رجل للمقداد: رحمك الله، من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل؟
قال: أهل البيت بنو عبد المطلب والرجل علي ابن أبي طالب.
فقال علي: إن الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر إلى بيتها، فتقول إن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً وإن كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم.
تاريخ المدينة لابن شبة النميري ج 3 ص 930



بيت مال المسلمين في عهد عثمان:
من الأمور التي تجعل الاشتراط على الناس ضرورياً: الفساد المالي في عهد عثمان وهو من أهم الأمور التي ساقت الناس لقتله، كما قال الإمام عليه السلام في الخطبة الشقشقية: إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته... الخطبة

وقال ابن أبي الحديد عن ابن عباس رضي الله عنه: أن علياً عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة، فقال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق.
شرح نهج البلاغة ج 1 ص 269

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبدالله، عن الزهري قال: لما ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميراً يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم.
ثم توانى في أمرهم!
واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر!
وكتب لمروان بخُمس مصر!
وأعطى أقرباءه المال!
وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها!
واتخذ الأموال!
واستسلف من بيت المال!
وقال إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما وإني أخذته فقسمته في أقربائي!
فأنكر الناس عليه ذلك.
الطبقات الكبرى ج 3 ص 64

وقال ابن كثير: غزوة إفريقية: أمر عثمان، عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن يغزو بلاد إفريقية، فإذا افتتحها الله عليه فله خمس الخمس من الغنيمة نفلاً، فسار إليها في عشرة آلاف فافتتحها سهلها وجبلها، وقتل خلقاً كثيراً من أهلها، ثم اجتمعوا على الطاعة والإسلام، وحسن إسلامهم، وأخذ عبد الله بن سعد خمس الخمس من الغنيمة، وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان، وقسم أربعة أخماس الغنيمة بين الجيش، فأصاب الفارس ثلاثة آلاف دينار والراجل ألف دينار... قال الواقدي: وصالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار (2.020.000) فأطلقها كلها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال لآل مروان.
البداية والنهاية ج 7 ص 170



وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين