حديث الغدير (2) الدلالة

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
الفصل الثاني: في دلالة حديث الغدير:
ويحتوي هذا الفصل على نقاط:
النقطة الأولى: خطبة الغدير.
النقطة الثانية: الولي في كتب اللغة.
النقطة الثالثة: الولاية المطلقة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله.
النقطة الرابعة: كلام بعض أعلام الشيعة في دلالة حديث الغدير.
النقطة الخامسة: كلام بعض أعلام أهل السنة في دلالة حديث الغدير.
1 – كلام ابن تيمية، ورده.
2 – كلام ابن كثير، ورده.
3 – كلام آخر لابن كثير، ورده.
4 – كلام الألباني، ورده.
النقطة السادسة: المعنى الحقيقي لكلمة (مولى) في حديث الغدير بدلالة القرائن.


النقطة الأولى: خطبة الغدير:
لا شك ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد خَطَبَ في الناس بعد منصرفه من حجة الوداع، في طريق عودته من مكة إلى المدينة، في مكان يدعى "غدير خم" وهذا من الثوابت التاريخية التي لا مجال للتشكيك فيها... فروى مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خُمًّا بين ‏مكة ‏والمدينة ‏فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وَذَكَّرَ ثم قال: ‏أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ‏ثَقَلَيْنِ:
أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به.
فحثَّ على كتاب الله وَرَغَّبَ فيه ثم قال:
وأهلُ بيتي...
أذكركم الله في أهلِ بيتي...
أذكركم الله في أهلِ بيتي...
أذكركم الله في أهلِ بيتي... الحديث
صحيح مسلم ج 7 ص 122

وقد سمع هذه الخطبة الشريفة حوالي (100.000) صحابي، قال ابن حجر: عن أبي زرعة الرازي قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية.
قال ابن فتحون في ذيل "الإستيعاب" بعد أن ذكر ذلك: أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة، فكيف بغيرهم؟؟؟

إلى أن قال ابن حجر: وثبت عن الثوري فيما [أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه، قال:] من قدّم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً [مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض] فقال النووي: وذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر عاماً بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردة والفتوح الكثير ممن لم يُضبط أسماؤهم، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة، وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب، وأكثرهم حضروا حجة الوداع، والله أعلم.
الإصابة ج 1 ص 154

أ - مكان وزمان الخطبة:
في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة، أي قبل وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بسبعين يوماً (70) تقريباً بناءاً على أن وفاة النبي صلى الله عليه وآله كانت في 28 صفر سنة 11هـ أو أربعة وثمانين يوماً (84) بناءاً على أن وفاته صلى الله عليه وآله كانت في 12 ربيع الأول سنة 11هـ...

قال الحموي: وقال الحازمي: "خم" واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم... معجم البلدان ج 2 ص 389

وسيأتي كلام ابن كثير في إثبات هذه الخطبة في المكان والزمان المذكورين إن شاء الله تعالى...

ب - مضمون الخطبة:
المستفاد من مجموع الروايات الصحيحة ان الخطبة قد احتوت على ما يلي:
1 – التحميد والوعظ والتذكير.
2 - نعي النبي صلى الله عليه وآله نفسه للمسلمين، أي أعلن لهم قرب وفاته صلى الله عليه وآله.
3 – ذكر حديث الثقلين.
4 – ذكر حديث الغدير.

والذي يهمنا -في هذا البحث- التركيز على الأمور الثلاثة الأخيرة، وهي أمور ثابتة لا يمكن التشكيك فيها، وقد تضمنت رواية النسائي الصحيحة (وهو الحديث الأول الذي ذكرناه) هذه الأمور الثلاثة جميعاً، وذكرت الروايات الأخرى -ايضاً- هذه الأمور كلاً أو بعضاً، فرواية مسلم اقتصرت على ذكر الأمور الأربعة عدا الأخير، وبعض الروايات اقتصرت على ذكر الأمر الثالث فقط...

وسبب اقتصار بعض الروايات على بعض الفقرات (مضافاً إلى تجنبهم رواية الحادثة بكل تفاصيلها لمخالفتها لمذهبهم) هو ما ذهب إليه جماعة من المحدّثين من جواز تقطيع الحديث وإنقاصه، فروى الخطيب البغدادي بإسناده عن مجاهد قال: انقص من الحديث ولا تزد فيه.
وبإسناده عن خالد بن محمد الصفار قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا خفت أن تخطئ في الحديث فانقص منه ولا تزد.
الكفاية في علم الرواية ص 223

النقطة الثانية: الولي في كتب اللغة:
يقول ابن الأثير: {ولا} في أسماء اللَّه تعالى (الوَلِيّ) هو النَّاصر.
وقيل: المُتَوَلّي لأمور العَالَم والخَلائِق القائِمُ بها.
ومن أسمائه عز وجل: (الوالِي) وهو مَالِك الأشْياء جَمِيعها، المُتَصَرِّفُ فيها.
وكأنّ الوِلايَة تُشْعِرُ بالتَّدْبِير والقُدْرة والفِعْل، وما لم يَجْتَمِعْ ذلك فيها لم يَنْطَلِق عَليه اسْم الوالِي.

إلى أن قال:
وقد تكرر ذكر (المَوْلَى) في الحديث، وهو اسْمٌ يقَع على جَماعةٍ كَثيِرَة، فهو:
1 – الرَّبُّ.
2 – والمَالكُ.
3 – والسَّيِّد.
4 – والمُنْعِم.
5 – والمُعْتِقُ.
6 – والنَّاصر.
7 – والمُحِبّ.
8 – والتَّابِع.
9 – والجارُ.
10 - وابنُ العَمّ.
11 – والحَلِيفُ.
12 – والعَقيد.
13 – والصِّهْر.
14 – والعبْد.
15 – والمُعْتَقُ.
16 - والمُنْعَم عَلَيه.
وأكْثرها قد جاءت في الحديث، فَيُضاف كُلّ واحِدٍ إلى ما يَقْتَضيه الحديثُ الوَارِدُ فيه.
وكُلُّ مَن وَلِيَ أمْراً أو قام به فَهُو مَوْلاهُ وَوَليُّه.
وقد تَخْتَلِف مَصادرُ هذه الأسْمَاء فالوَلايَةُ بالفَتْح، في النَّسَب والنُّصْرة والمُعْتِق.
والوِلاَية بالكسْر، في الإمَارة.
والوَلاءُ، المُعْتَق والمُوَالاةُ مِن وَالَى القَوْمَ.
ومنه الحديث (مَن كُنْتُ مَوْلاه فَعَليٌّ مَوْلاه) يُحْمَل على أكْثر الأسْمَاء المذْكورة.
قال الشَّافعي رضي اللَّه عنه: يَعْني بذَلِك وَلاء الإسْلام، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}.
وقول عمر لعَليّ (أصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤمِن) أي ولِيَّ كُلِّ مُومن وقيل: سَبب ذلك أنَّ أُسامةَ قال لِعَلِيّ: لَسْتَ مَوْلايَ، إنَّما مَوْلاي رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: (مَن كُنْتُ مَوْلاهُ فَعليٌّ مَوْلاه).
النهاية في غريب الحديث ج 5 ص 227

وغير خفي أن أكثر المعاني المذكورة لا يمكن أن يحمل عليها حديث الغدير، خلافاً لما زعمه ابن الأثير!!! إذ يستحيل أن يقصد النبي صلى الله عليه وآله:
من كنت ربه فعلي ربه!!!
أو: من كنت مالكه فعلي مالكه!!!
أو: من كنت جاره فعلي جاره!!!
أو: من كنت صهره فعلي صهره!!!
أو: من كنت معتقه فعلي معتقه!!!
أو: من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه!!!
أو: من كنت عبده فعلي عبده!!!
وعلى هذا المنوال...

وحتى نفهم حديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله فلا بد من قراءة الكلمة ضمن القرائن الحافة بالنص، وقد نص ابن الأثير على أمرٍ في غاية الأهمية حين قال: "وكأنّ الوِلايَة تُشْعِرُ بالتَّدْبِير والقُدْرة والفِعْل، وما لم يَجْتَمِعْ ذلك فيها لم يَنْطَلِق عَليه اسْم الوالِي". انتهى

والذي يهون الخطب أن للحديث الشريف قولان اثنان لا ثالث لهما:
القول الأول للشيعة الإمامية: (فعلي مولاه) تعني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وسيأتي بيانه.
والقول الثاني لأهل السنة: (فعلي مولاه) تعني يحبهم ويحبونه، وسأذكر أقوالهم، ثم أنقضها بمشيئة الله تعالى...

النقطة الثالثة: الولاية المطلقة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله:
الشيعة الإمامية يعتقدون أن عبارة: (من كنت مولاه فعلي مولاه) تثبت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من الولاية ما ثبتَ منها لسيدِ المرسلين محمد صلى الله عليه وآله سواء بسواء، بحسب قول الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}... وهذا هو ما يعتقده الشيعة الإمامية في حديث الغدير، ومن جملة ما يتفرع على الولاية المذكورة مسئلة الحكم، قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء

وقد ذكر المفسرون من الفريقين -شيعة وسنة- أن الآية الكريمة دالّة على أن للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله الولاية المطلقة على المؤمنين، وهذه جملة من أقوالهم:

1 – قال الشيخ الطوسي قدس سره:
أخبر الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، بمعنى أحق بتدبيرهم، وبأن يختاروا ما دعاهم إليه. وأحق بأن يحكم فيهم بما لا يحكم به الواحد في نفسه، لوجوب طاعته التي هي مقرونة بطاعة الله، وهو أولى في ذلك وأحق من نفس الإنسان، لأنها ربما دعته إلى اتباع الهوى، ولأن النبي صلى الله عليه وآله لا يدعو إلا إلى طاعة الله، وطاعة الله أولى أن تختار على طاعة غيره.
تفسير التبيان ج 8 ص 317

2 – قال الفيض الكاشاني قدس سره:
{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} يعني أولى بهم في الأمور كلها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.
التفسير الأصفى ج 2 ص 982

3 – قال السيد الطباطائي قدس سره:
فمعنى كون النبي أولى بهم من أنفسهم أنه أولى بهم منهم، ومعنى الأولوية هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أولى منه، فالمحصل: أن ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والكلاءة والمحبة والكرامة وإستجابة الدعوة وإنفاذ الإرادة: فالنبي أولى بذلك من نفسه، ولو دار الأمر بين النبي وبين نفسه في شيء من ذلك كان جانب النبي أرجح من جانب نفسه.
تفسير الميزان ج 16 ص 276

4 – قال ابن جرير الطبري:
النبي محمد أولى بالمؤمنين، يقول: أحق بالمؤمنين به من أنفسهم، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم.
جامع البيان ج 12 ص 146

5 - قال ابن الجوزي:
قال تعالى: {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} أي أحق، فله أن يحكم فيهم بما يشاء، قال ابن عباس: إذا دعاهم إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح فإن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم والرسول يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم.
زاد المسير ج 6 ص 182

6 - قال ابن كثير:
قد عَلِمَ الله تعالى شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم كان مقدماً على اختيارهم لأنفسهم كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} وفي الصحيح " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين.
تفسير ابن كثير ج 3 ص 476

7 – قال الشوكاني:
ثم ذكر سبحانه لرسول مزية عظيمة وخصوصية جليلة لا يشاركه فيها أحد من العباد، فقال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} أي هو أحق بهم في كل أمور الدين والدنيا، وأولى بهم من أنفسهم، فضلاً عن أن يكون أولى بهم من غيرهم، فيجب عليهم أن يؤثروه بما أراده من أموالهم وإن كانوا محتاجين إليها، ويجب عليهم أن يحبوه زيادة على حبهم أنفسهم، ويجب عليهم أن يقدموا حكمه عليهم على حكمهم لأنفسهم، وبالجملة فإذا دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشيء ودعتهم أنفسهم إلى غيره: وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم.
فتح القدير ج 4 ص 261

إذا فلأمير المؤمنين عليه السلام -بحسب حديث الغدير- من الولاية الشاملة والمطلقة ما لرسول الله صلى الله عليه وآله بالمعنى المتقدم، وأعني بشمولها: أن لعليٍ عليه السلام الولاية على كل من كان لرسول الله صلى الله عليه وآله الولاية عليه دون استثناء لقوله صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه)... ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وآله أولى (بكل) المؤمنين من أنفسهم دون استثناء...

النقطة الرابعة: كلام بعض أعلام الشيعة في دلالة حديث الغدير:
تحدّث علماء الإمامية قديماً وحديثاً عن دلالة حديث الغدير، واتفقت كلمتهم على دلالته القطعية على الإمامة والخلافة، ولم يخالف في ذلك منهم أحد على الإطلاق، وسأنقل بعض كلماتهم المباركة الواضحة والسهلة التي يفهمها ويقتنع بها كل من يفهم اللغة العربية، ولا عجب من ذلك فإنهم إنما يشرحون حديثاً في غاية الوضوح:

1 - كلام رئيس المحدثين الشيخ الصدوق قدس سره (توفي سنة 381 هـ) :
عقدَ الشيخ الصدوق باباً بعنوان: "معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه" وروى فيه (8) روايات، منها هذه الرواية: حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي، قال: حدثني أبو الحسن موسى بن محمد ابن الحسن الثقفي، قال: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا صفوان بن يحيى بياع السابري، عن يعقوب بن شعيب، عن أبان بن تغلب، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهم السلام عن قول النبي صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه؟؟؟
فقال: يا أبا سعيد، تسأل عن مثل هذا؟!؟! علّمهم أنه يقوم فيهم مقامه.

ثم قال الشيخ الصدوق:
نحن نستدل على أن النبي صلى الله عليه وآله قد نصّ على علي بن أبي طالب، واستخلفه، وأوجب فرض طاعته على الخلق بالأخبار الصحيحة، وهي قسمان:
قسم: قد جامعنا عليه خصومنا في نقله وخالفونا في تأويله.
وقسم: قد خالفونا في نقله.
فالذي يجب علينا في ما وافقونا في نقله: أن نريهم بتقسيم الكلام ورده إلى مشهور اللغات والإستعمال المعروف أن معناه هو ما ذهبنا إليه من النص والاستخلاف دون ما ذهبوا هم إليه من خلاف ذلك...

إلى أن قال:
ولا أعلمُ عبارة عن معنى فرض الطاعة أوكد من قول النبي صلى الله عليه وآله:
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
ثم قوله: فمن كنت مولاه فعلي مولاه.

لأنه كلام مرتب على إقرار المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله يعني الطاعة وأنه أولى بهم من أنفسهم ثم قال صلى الله عليه وآله: فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. لأن معنى "فمن كنت مولاه" هو: فمن كنت أولى به من نفسه، لأنها عبارة عن ذلك بعينه، إذ كان لا يجوز في اللغة غير ذلك...

ثم قال:
ومما يزيد ذلك بياناً أن قوله عليه السلام: "فمن كنت مولاه فعلي مولاه" لو كان لم يرد بهذا أنه أولى بكم من أنفسكم، جاز أن يكون لم يرد بقوله صلى الله عليه وآله: "فمن كنت مولاه" أي من كنت أولى [به] من نفسه، وإن جاز ذلك لزم الكلام الذي من قبل هذا من أنه يكون كلاماً مختلطاً فاسداً غير منتظم ولا مفهم معنى ولا مما يلفظ به حكيم ولا عاقل، فقد لزم بما مر من كلامنا وبينا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: "ألست أولى بكم من أنفسكم" أنه يملك طاعتهم، ولزم أن قوله: "فمن كنت مولاه" إنما أراد به: فمن كنت أملك طاعته فعلي يملك طاعته بقوله: "فعلي مولاه" وهذا واضح، والحمد لله على معونته وتوفيقه.
معاني الأخبار ص 66 - 74

2 - كلام شيخ الإمامية المفيد قدس سره (توفي سنة 413 هـ) :
قال: قد أجمعَ حَمَلَةُ الأخبار، واتفق نقلة الآثار، على أن النبي صلى الله عليه وآله جمع الناس بغدير خم، عند مرجعه من حجة الوداع، ثم واجه جماعتهم بالخطاب فقال: ألست أولى بكم منكم؟
فلما أذعنوا له بالإقرار، قال لهم على النسق من غير فصل في الكلام: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله.
فقررهم صلى الله عليه وآله على فرض طاعته عليهم بصريح الكلام، ثم عطف على اللفظ الخاص بما ينطوي على معناه، وجاء فيه بحرف العطف من "الفاء" التي لا يبتدأ بها الكلام، فدل على أنه الأولى دون ما سواه، لما ثبت من حكمته عليه وآله السلام وأراد به البيان، إذ لو لم يرد ذلك وأراد ما عداه: لكان مستأنفاً لمقال لا تعلق له بالمتقدم، جاعلاً لحرف العطف حرف الاستيناف، وهذا ما لا يقع إلا من أحد نفسين:
أحدهما: جاهل باللغة والكلام.
والآخر: قاصد إلى التعمية والإلغاز.
ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين، وينزه عن النقص في الصفات.
رسالة في أقسام المولى ص 31

3 – كلام السيد المرتضى علم الهدى قدس سره (توفي سنة 436 هـ) :
قال: وقد بينا في الكتاب (الشافي) خاصة وفي غيره من كتبنا عامة، أن هذا الكلام نصٌ عليه بالإمامة وإيجاب لفرض طاعته، لأن النبي صلى الله عليه وآله قرّر أمته بفرض طاعته بما أوجبه له قوله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} ولا خلاف بين أهل اللغة بأن الأولى هو الأخص الأحق بالشيء الذي قيل وهو أولى به، فإذا قال صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فقد أتى من لفظة مولى بما يُحتمل معنى أولى، وإن كان محتملاً لغيره من الناصر والحليف والمعتق وابن العم وغير ذلك مما قد سطر وذكر، فلا بد أن يكون إنما أراد من اللفظة المحتملة -وهي لفظة مولى- معنى الأولى الذي تقدم التصريح به، لأن من شأن أهل اللسان إذا عطفوا محتملاً على صريح لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلا معنى الصريح.
ألا ترى أن من له عبيد كثيرون إذا أقبل على جماعة قال: ألستم عارفين بعبدي زيد؟ ثم قال عاطفاً على الكلام: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله تعالى، لم يجز أن يريد بلفظة عبدي الثانية -وهي مشتركة بين جماعة عبيده- إلا العبد الأول الذي تقدّم التصريح باسمه، ومن أراد غيره كان سفيهاً ملغزاً معمياً. رسائل المرتضى ج 4 ص 131

4 - كلام الشيخ الكراجكي قدس سره (توفي سنة 449 هـ) :
اعلم أنه مما يدل أنه المنصوص بالإمامة عليه: ما نقله الخاص والعام من أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع نزل بغدير خم -ولم يكن منزلاً- ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالاجتماع، فلما اجتمعوا خطبهم ثم قررهم على ما جعله الله تعالى له عليهم من فرض طاعته، وتصرفهم بين أمره ونهيه بقوله: ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟
فلما أجابوه بالاعتراف، وأعلنوا بالاقرار، رفع بيد أمير المؤمنين عليه السلام وقال -عاطفاً على التقرير الذي تقدم به الكلام-: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
فجعل لأمير المؤمنين عليه السلام من الولاء في أعناق الأمة مثل ما جعله الله له عليهم مما أخذ به إقرارهم، لأن لفظة "مولى" تفيد ما تقدم من التقرير من ذكر الأولى، فوجب أن يريد بكلامه الثاني ما قررهم عليه في الأول، وأن يكون المعنى فيهما واحداً حسبما يقتضيه استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم.
وهذا يوجب أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام أولى بهم من أنفسهم، ولا يكون أولى بهم إلا وطاعته فرض عليهم وأمره ونهيه نافذ فيهم، وهذه رتبة الإمام في الأنام قد وجبت بالنص لأمير المؤمنين عليه السلام.
دليل النص بخبر الغدير ص 37

5 - كلام المحقق الحلي قدس سره (توفي سنة 676 هـ) :
ومنها قوله عليه السلام: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
والمولى هو الأولى، لاستحالة أن يريد ولي النصرة، يدل عليه وجهان:
الأول: أن عمر قال في ضمن ذلك: "بخٍ بخٍ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة" وهذا يدل على اختصاص علي -عليه السلام- بما لم يحصل لغيره، والنصرة ثابتة من المسلمين كافة فلا يختص علياً عليه السلام.
والثاني: أن ولاية النصرة ثابتة، فلم تكن حاجة إلى تقريرها بمثل هذه الحال التي احتاج فيها إلى إصلاح المنزل، وجمع الرجال، وتقديم المقدمات، الدالة على اهتمام القوى، فكيف كان ينص عليه في ذلك المكان بأمر عام في المسلمين كلهم؟؟!! هذا مما ينبغي أن ينزه عن مثله منصب النبوة، فتعين أنه أراد الدلالة على أنه أولى من غيره، وأن يثبت له مثل منزلته عليه السلام في الحكم والسيادة، وهذا بيّن لا شبهة فيه على منصف.
المسلك في أصول الدين ص 250

6 - كلام العلامة الحلي قدس سره (توفي سنة 726 هـ) :
الثاني: أنه نقل نقلاً متواتراً أن النبي صلى الله عليه وآله لما رجع من حجة الوداع أمر بالنزول بغدير خم وقت الظهر، ووضعت له الأحمال شبه المنبر، وخطب الناس واستدعى علياً عليه السلام ورفع بيده وقال صلى الله عليه وآله: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيف ما دار.
وكرّر ذلك عليهم ثلاثاً.
والمراد بالمولى هو الأولى، لأن أول الخبر يدل على ذلك، وهو قوله صلى الله عليه وآله: ألست أولى بكم؟
ولقوله تعالى في حق الكفار: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ} (15) سورة الحديد، أي أولى بكم.
وأيضا فإن غير ذلك من معانيه غير جائز هنا كالجار، والمعتق والحليف، وابن العم، واستحالة أن يقوم النبي صلى الله عليه وآله في ذلك الوقت الشديد الحر، ويدعو الناس ويخبرهم بأشياء لا مزيد فائدة فيها، بأن يقول من كنت جاره أو معتقه أو ابن عمه فعلي عليه السلام كذلك، وإذا كان علي عليه السلام هو الأولى بنا فيكون هو الإمام.
النافع يوم الحشر ص 109

هذا بعض ما ذكره أعلام الإمامية في دلالة الحديث، ولولا خوف الإطالة لنقلت المزيد، وهي كلها تؤدي إلى معنى واحد وحقيقة واحدة وإن اختلفت عباراتهم...

النقطة الخامسة: كلام بعض أعلام أهل السنة في دلالة حديث الغدير:
1 - كلام ابن تيمية:
قال ابن تيمية: وقوله: {من كنت مولاه فعلي مولاه} فمن أهل الحديث من طعن فيه كالبخاري وغيره، ومنهم من حسّنه، فإن كان قاله فلم يرد به ولاية مختصا بها، بل ولاية مشتركة وهي ولاية الإيمان التي للمؤمنين والموالاة ضد المعاداة ولا ريب أنه يجب موالاة المؤمنين على سواهم ففيه رد على النواصب.
مجموع فتاوى ابن تيمية

هذا هو خلاصة رأي ابن تيمية، بل ورأي جمهور أهل السنة، ولم أعثر -حتى الساعة- على رأي آخر لأهل السنة، ويبدو أن هذا هو الرأي الوحيد عندهم، وقد نقل ابن الأثير -كما تقدم- عن الشَّافعي أنه قال: يَعْني بذَلِك وَلاء الإسْلام، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} انتهى.

والحق أن اللغة العربية لا تساعدهم على طرح رأي آخر، وسيتبين ان ما ذهبوا إليه باطل جداً، وإتماماً للفائدة سأنقل ما كتبه ابن تيمية في منهاج سنته على الرغم من طول عبارته!!! قال -بعد أن حاولَ تضعيف الحديث- ما نصه:
ونحن نجيب بالجواب المركّب فنقول: إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فلا كلام، وإن كان قاله فلم يرد به قطعاً الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه، ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلّغ بلاغاً مبيناً، وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالمولى والله تعالى قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} وقال: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} فبيّن أن الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضاً، كما بيّن أن الله وليُ المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين وإن كان أحد المتواليين أعظم قدراً وولايته إحسان وتفضل وولاية الآخر طاعة وعبادة كما أن الله يحب المؤمنين والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله ويحادون الله ورسوله ويعادونه، وقد قال تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} وهو ولي المؤمنين وهو مولاهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك: فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم وكون الرسول وليهم ومولاهم وكون علي مولاهم: هي الموالاة التي هي ضد المعاداة، والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه، وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق المولاة باطناً وظاهراً، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه انه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي وهم صالحو المؤمنين؟! فعليٌ أيضاً له مولى بطريق الأولى والأحرى وهم المؤمنون الذين يتولونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ان أسلم وغفاراً ومزينة وجهينة وقريشاً والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله، وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه، والله ورسوله مولاهم.
وفي الجملة: فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: من كنت واليه فعلي واليه، وإنما اللفظ من كنت مولاه فعلي مولاه، وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم، وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه وسلم، وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته، ولو قدّر أنه نص على خليفة من بعده لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لا يكون أزواجه أمهاتهم، ولو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، وهذا لم يقله ولم ينقله أحد، ومعناه باطل قطعاً، لأن كون النبي صلى الله عليه وسلم أولى بكل مؤمن من نفسه أمرٌ ثابت في حياته ومماته، وخلافة علي لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته لم تكن في حياته، فلا يجوز أن يكون علي خليفة في زمنه، فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه، بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد به الخلافة، وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة وإذا استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته أو قدّر أنه استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته أو قدّر أنه استخلف أحداً بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع: فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن وليس اليوم متولياً على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتاً.
كتاب منهاج السنة الجزء 7 صفحة 321
 

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
الرد:
هذا هو كلام ابن تيمية نقلته بطوله، وهو يقرّر أن الموالاة المقصودة من الحديث الشريف هي ما يقابل المعاداة!!!

وهذه الموالاة ثابتة بين جميع المؤمنين قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة

ويرد عليه إشكالات:
1 - إذا كانت الموالاة التي هي ضد المعادة ثابتة لكل المؤمنين، فلماذا يخص رسول الله صلى الله عليه وآله بها علياً عليه السلام؟؟؟
فهل يعقل أن يكون غرض رسول الله صلى الله عليه وآله من تلك الخطبة أن يعرّف الناس بأن علياً عليه السلام مؤمن وبالتالي له حقوق المؤمنين ومن جملتها المولاة المقابلة للمعاداة؟؟!!

خصوصاً وأن ذلك كان بمحضر عشرات الآلاف من الصحابة!!!

2 - ثم لماذا يناشد عليٌ عليه السلام الناس ويستحلفهم الله تعالى أن يشهدوا بما سمعوا يوم الغدير؟؟؟
فهل يعقل أن يستحلف أمير المؤمنين عليه السلام الصحابة ليثبت أنه مؤمن له من الحقوق ما لهم؟؟!!

3 - ولماذا يربط رسول الله صلى الله عليه وآله ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بولايته صلى الله عليه وآله، فيذكرهم بالآية الكريمة: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} ويأخذ عليه الإقرار بذلك؟؟!!

4 – ولماذا يستنكر أبو الطفيل ذلك؟؟؟
فقد جاء في الحديث الخامس الذي رواه أحمد: ‏قال أبو الطفيل بعدما سمع خبر المناشدة: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياً رضي الله تعالى عنه يقول كذا وكذا!
قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.

والخلاصة:
ان مؤدّى الحديث بحسب كلام ابن تيمية يكون: من كان يواليني (بمعنى أنه لا يعاديني) فليوالِ علياً (أي لا يعاديه) !!!

وهذا لغو يجل رسول الله صلى الله عليه وآله عنه...

وابن تيمية يعترف بأن هذا الحكم ثابت لكل المؤمنين دون استثناء، فيقول:
وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه، وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق المولاة باطناً وظاهراً، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب. انتهى

وهذا تكلّف ظاهر!! فإن الموالاة ثابتة بين المؤمنين بحسب ما هم عليه من ظاهر الإيمان، ولم يكلفنا الله سبحانه وتعالى قط بسبر قلوب الناس لاختبار إيمانهم!!

بل ان الله سبحانه وتعالى نهانا عن ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (94) سورة النساء

‏قال مسلم: حدثنا ‏أحمد بن الحسن بن خراش ‏حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا معتمر قال سمعت أبي يحدث أن ‏ ‏خالدا الأثبج ابن أخي صفوان بن محرز حدث عن صفوان بن محرز أنه حدث ‏أن جندب بن عبد الله البجلي ‏ ‏بعث إلى عسعس بن سلامة ‏ ‏زمن فتنة ابن الزبير فقال اجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدثهم فبعث رسولا إليهم فلما اجتمعوا جاء ‏جندب ‏وعليه برنس أصفر فقال تحدثوا بما كنتم تحدثون به حتى دار الحديث فلما دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه فقال إني أتيتكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته قال وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله.
فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع فدعاه فسأله فقال: لم قتلته؟
قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفرا وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته؟
قال: نعم.
قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟
قال: يا رسول الله استغفر لي.
قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة.
قال: فجعل لا يزيده على أن يقول كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة.
صحيح مسلم ج 1 ص 67

وفي رواية أخرى: قال النبي صلى الله عليه وآله: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟
قال: قلت يارسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح!
قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!
فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
نفس المصدر

إذاً فالموالاة (التي هي ضد المعاداة) ثابتة لكل المؤمنين بحسب ما هم عليه من ظاهر الإيمان، ولم نُكلَف بشق قلوب الناس لمعرفة صدق إيمانهم حتى نواليهم!!! فتبين أن قول ابن تيمية: والشهادة له بأنه يستحق المولاة باطناً وظاهراً!!! ما هو إلا من مخترعاته ومبتدعاته، ليصرف الناس بها عن المعنى الواضح والصحيح لحديث الغدير!!!

وأما قوله: ولو قدّر أنه نص على خليفة من بعده لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه. انتهى

فهذا ردٌ للنص بالقياس كما يقال، ولسان حال ابن تيمية يقول: لا نقبل برجل يكون أولى بكل مؤمن من نفسه سوى رسول الله صلى الله عليه وآله!!!

ولو كان ابن تيمية يؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم لما اعترض على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله...

وأما قوله: وخلافة علي لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته لم تكن في حياته، فلا يجوز أن يكون علي خليفة في زمنه، فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه. انتهى

فهو عجيب جداً!!! فلم يقل أحد بأن ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله قد انتفت بعد أن قال في علي عليه السلام ما قال!!!

وكيف يكون خليفة مع وجود المستخلِف؟؟؟

نعم الولاية ثابتة لرسول الله صلى الله عليه وآله قبل الغدير وبعده، كما هي ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام قبل الغدير وبعده، غاية ما في الأمر أن رسول رسول الله صلى الله عليه وآله قد أعلن عنها وصدع بها في يوم الغدير، كما انه أعلن عنها في مواطن أخرى قبل الغدير لكن بنحو أقل نطاقاً من ذلك اليوم الذي اجتمعت فيه الجماهير...

ولا ضير في وجود أكثر من ولي في وقت واحد، كما وجدت أنبياء في وقت واحد كما ينص القرآن الكريم في عدة آيات، فموسى وهارون عليهما السلام عاشا في مكان وزمان واحد، وإبراهيم ولوط عليهما السلام كذلك... الخ

وأما قول ابن تيمية: ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغاً مبيناً، وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة.

فلا أرى تعقيباً عليه أليق وأحسن من قول الله جل وعلا: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} (16) سورة محمد

ثانيا: كلام ابن كثير:
قال: فصلٌ: في إيراد الحديث الدّال على أنه عليه السلام خَطَبَ بمكانٍ بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة -يقال له غدير خم- فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكّلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرّغ عليه السلام من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّن ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذٍ وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبيّن فيها أشياء. وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه.
ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك ونبين ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه، وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه. وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة.
ونحن نورد عيون ما روي في ذلك مع إعلامنا أنه لا حظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه، فنقول وبالله المستعان:
قال محمد بن إسحاق -في سياق حجة الوداع- حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل.
قال: ويلك ما هذا؟
قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.
قال: ويلك انزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز.
قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب -وكانت عند أبي سعيد الخدري- عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس علياً فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا علياً فوالله انه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله [من أن يشكى]. ورواه الامام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به.
وقال: إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله.
وقال الامام أحمد حدثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن أبي غنية، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير.
فقال يا بريدة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قلت: بلى يا رسول الله! قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
وكذا رواه النسائي، عن أبي داود الحراني، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبدالملك بن أبي غنية بإسناده نحوه. وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات...
البداية والنهاية ج 5 ص 227

ثم ساق ابن كثير روايات كثيرة جداً وهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: قاله رسول الله صلى الله عليه وآله لبريدة الأسلمي عندما شكا علياً عليه السلام، وكان هذا في مكة.
النوع الثاني: قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في غدير خم.
النوع الثالث: أخبار المناشدة.

ووفى ابن كثير بوعده بتبيين الصحيح من غيره، لكنه لم يفِ بما وعد به بقوله: "مع إعلامنا أنه لا حظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه" فلم يتطرق لدلالة الحديث بحسب إطلاعي، والله أعلم...

لكنه ذكر في موضع آخر من كتابه كلاماً يتعلق بدلالة الحديث، فلعله يكون هو المقصود، قال:
ولما رجع عليه السلام من حجة الوداع فكان بين مكة والمدينة بمكان يقال له غدير خم خطب الناس هنالك في اليوم الثاني عشر (1) من ذي الحجة في خطبته: "من كنت مولاه فعلي مولاه" وفي بعض الروايات: "اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله" والمحفوظ الأول، وإنما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على قضله ما ذكره ابن إسحاق من أن عليا لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أميرا هو وخالد بن الوليد ورجع علي فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع وقد كثرت فيه المقالة وتكلم فيه بعض من كان معه بسبب استرجاعه منهم خلعاً كان خلعها نائبه عليهم لما تعجل السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تفرغ رسول الله من حجة الوداع أحب أن يبرئ ساحة علي مما نسب إليه من القول الذي لا أصل له، وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيداً...
البداية والنهاية ج 7 ص 370

الرد:
تأويل ابن كثير للحديث لا يختلف عن تأويل ابن تيمية على الإطلاق، كل ما في الأمر أنه يحاول أن يصحح كلام ابن تيمية بذكر المبرر الذي لأجله خطب رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الخطبة العظيمة، وكأنه يريد أن يجيب عن الإشكالات التي أوردناها على كلام ابن تيمية!!!

ولكنه لم يوفّق فيما أراد، بل على العكس فهو قد ذكر ما يؤيد قولنا...

فابن كثير يصرّح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" في أكثر من مناسبة، والقدر المتيقن من ذلك –بحسب الروايات التي ساقها- أنه صلى الله عليه وآله قال ذلك في مكة عندما شكا بريدة علياً عليه السلام، وقال ذلك مرة أخرى في غدير خم...

1 - الشيعة الإمامية يستدلون على الخلافة بما قاله النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير كما هو واضح من النصوص التي نقلتها عن أعلامنا رضوان الله عليهم، ولهذا عرف الحديث بحديث الغدير... وفي يوم الغدير لم يشِر النبي صلى الله عليه وآله من قريب أو بعيد إلى شكوى بريدة ولا غير بريدة على الإطلاق، ولم يلمّح صلى الله عليه وآله إلى كثرة المقالة في أبي الحسن عليه السلام!!!
ولو كان غرض النبي صلى الله عليه وآله "أن يبرئ ساحة علي مما نُسب إليه من القول الذي لا أصل له" كما يقول ابن كثير لأشار إلى كلامهم حتى يُفهم قصده، كما أشار إلى قول الطاعنين في تأميره أسامة فخطب فيهم خطبة ذكر فيها قولهم ثم رد عليهم، قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا عبدالله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة على قومٍ فطعنوا في إمارته، فقال: إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله لقد كان خليقاً للإمارة، وإن كان من أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده.
صحيح البخاري ج 5 ص 84

فلو كان رسول الله صلى الله عليه وآله يريد أن يبرئ ساحة أمير المؤمنين عليه السلام مما ذكره بعض الصحابة، لكان عليه أن يشير إلى كلامهم واعتراضهم كما أشار إلى طعن الطاعنين في تأمير أسامة، ولم ينقل أحد أن خطبة الغدير قد تضمنت شيئاً مما ذكره ابن كثير!!!

وهذا واضح جداً، فلا يجوز أن يرد عاقل –فضلاً عن سيد العقلاء محمد صلى الله عليه وآله- على شبهة دون أن يذكرها أولاً!!!

أضف إلى ذلك أنه لا يوجد أي مستند تاريخي يدل على ما استنبطه ابن كثير بعد قرون من حادثة الغدير، ولو كان يوجد مثل هذا المستند –ولو كان ضعيفاً- لنقله ابن كثير!!!

وجملة القول: أن ابن كثير قيّد إطلاق الحديث دون أن يذكر المقيّد...

2 – كلام ابن كثير يؤيد ما ذهب إليه الشيعة الإمامية في فهمهم للحديث الشريف، وذلك لأن الولاية الثابتة لعامة المؤمنين التي هي ضد العداوة، لا تتعارض مع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تدل على ذلك الآية الكريمة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}...

بيان ذلك:
إن بريدة عندما شكى علياً عليه السلام فإنه كان يظن أن علياً عليه السلام قد أخطأ وخالف الحكم الشرعي، ولهذا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يشكو علياً عليه السلام في مكة وليس في الغدير...
فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله:
فقال يا بريدة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قلت: بلى يا رسول الله! قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات...
انتهى

فلو كان رسول الله صلى الله عليه وآله يريد أن يبرئ ساحة أمير المؤمنين كما يقول ابن كثير لأجاب بريدة بأن علي عليه السلام لم يرتكب محرماً ولم يخالف حكماً...

لكنه صلى الله عليه وآله لا يريد هذا فحسب، بل يريد أن يقول لبريدة: ان ما يحكم به علي فهو حكمي، وليس لأحد أن يعترض على ما يفعله الإمام عليه السلام، لأنه مولى المؤمنين كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله مولاهم، فعليهم التسليم لحكم الإمام عليه السلام...

وما يزيد هذا توضيحاً: أن بريدة قد اقتنع بكلام النبي صلى الله عليه وآله، لأنه فهم ما ذكرناه، ولو أن بريدة فهم ما يذهب إليه أهل السنة لكان له أن يقول: يا رسول الله إني أحب علياً وأتولاه، لكنه أتى بمخالفة!!! والعياذ بالله...

لكنه لم يقل هذا بل اقتنع، بل وتاب وأناب وندم على شكواه...

وهذا من القرائن القوية التي تدل على أن الحديث الشريف يدل على ما ذهب إليه الشيعة...

ويدل على صحة ما تقدّم، ما رواه الترمذي والحاكم بسندٍ صحيح على شرط مسلم (2) أن النبي صلى الله عليه وآله أنكرَ على من اعترض على ما حكم به أمير المؤمنين عليه السلام، ومما قاله لهم ان علياً عليه السلام: ولي كل مؤمن من بعدي...

نص الحديث: قال الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبدالله، عن عمران بن حصين قال: بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبى طالب، فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرناه بما صنع علي.
وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال: يارسول الله، ألم ترَ إلى علي بن أبى طالب؟؟؟ صنعَ كذا وكذا؟!
فأعرضَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.
ثم قام إليه الثالث، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.
ثم قام الرابع، فقال مثل ما قالوا.
فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -والغضب يعرف في وجهه- فقال:
ما تريدون من علي؟؟؟
ما تريدون من علي؟؟؟
ما تريدون من علي؟؟؟
إن علياً مني وأنا منه.
وهو وليُ كل مؤمن من بعدي.

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان.
سنن الترمذي ج 5 ص 296

فإن قوله صلى الله عليه وآله: "وهو ولي كل مؤمن من بعدي" لا يمكن أن يحمل على الموالاة التي هي ضد المعادة بأي حالٍ من الأحوال... بل لا يمكن أن يحمل إلا على الولاية التي ثبتت للنبي صلى الله عليه وآله بالآية الكريمة...

والذي يظهر من الروايات أن الشكوى قد تكررت، فبريدة شكى علياً عليه السلام فجاء الجواب "من كنت مولاه فعلي مولاه" ثم جاء الأربعة فشكوا علياً عليه السلام فجاء الجواب "وهو وليُ كل مؤمن من بعدي"... أو أن ذلك كان في سرية أخرى، فجاء الجواب مرة على النحو الأول، وأخرى على النحو الثاني، وكلاهما يحملان نفس المعنى...

وهذا الحديث الشريف الذي رواه الترمذي: نص صحيح وصريح في أن الشكوى كانت في مكة وليس في الغدير، والرد عليها من قِبِلِ النبي صلى الله عليه وآله كان فورياً، ومن هنا نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله لم يدع أدنى فرصة لأحد في أن يتكلم في أمير المؤمنين عليه السلام، ولا ريب أن كل من سمع الشكوى، سمع بالضرورة الرد عليها، لأن الشكوى جائت من خارج مكة في اللحظة التي وصل فيها القوم إلى مكة كما تنص الروايات، وجاء الرد النبوي الحازم فورياً...

فلا أدري كيف كثرت المقالة في أبي الحسن عليه السلام كما يزعم ابن كثير؟؟؟

فظهر أن كلام ابن كثير يصلح أن يكون قرينة قطعية تدل على صحة ما ذهب إليه الإمامية، والحمد لله رب العالمين...

كلامٌ آخر لابن كثير:
ثم إنني رأيت لابن كثير كلاماً آخراً يتعلق بهذا المقام، قال: وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء (3) من أنه أوصى إلى علي بالخلافة، فكذب وبهت وإفتراء عظيم، يلزم به خطأ كبير، من تخوين الصحابة وممالاتهم بعده على ترك إنفاذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه، وصرفهم إياها إلى غيره، لا لمعنى ولا لسبب، وكل مؤمن بالله ورسوله يتحقق أن دين الإسلام هو الحق، يعلم بطلان هذا الإفتراء، لأن الصحابة كانوا خير الخلق بعد الأنبياء، وهم خير قرون هذه الأمة، التي هي أشرف الأمم بنص القرآن، وإجماع السلف والخلف، في الدنيا والآخرة، ولله الحمد.
البداية والنهاية ج 7 ص 251

الرد:
هذه هي العقدة الكبرى التي يواجهها أهل السنة، ونحن نقول: إن تخطئة عدد كبير من الصحابة، أحب إلينا من رد كلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله...

وإن تقديمنا لقول الله ورسوله صلى الله عليه وآله على فعل عامة الصحابة، هو ما عبرت عنه بعض رواياتنا بالردة، فروى الكليني أعلى الله مقامه: عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة.
فقلت: ومن الثلاثة؟
فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرف أناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرهاً فبايع، وذلك قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة آل عمران
الكافي ج 8 ص 245

وليس المقصود انهم ارتدوا عن الإسلام!!!

والصحابة غير معصومين، وقد صدرت منهم ذنوب ومعاصي، ومن ذلك مخالفتهم الجماعية لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية، فروى البخاري بأسانيده من حديث طويل قال:
فلما فرغَ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.
قال: فوالله ما قام منهم رجل! حتى قال ذلك ثلاث مرات!
فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها مالقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ أخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك.
فخرج، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً... الحديث
صحيح البخاري ج 3 ص 182

قال ابن حزم: وليعلم كل ذي لب: أن ذلك الفعل من أهل الحديبية رضي الله عنهم خطأ ومعصية، ولكنهم مغفور لهم بيقين النص في أنه لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية، وليس غيرهم كذلك، ولا يحل لمسلم أن يقتدي بهم في ذلك، فلا بد لكل فاضل من زلة، وكل عالم من وهلة، وكل أحد من الخيار فإنه يؤخذ من قوله وفعله ويترك ويرغب من كثير من قوله وفعله، إلا أن رسول الله (ص) ومن اقتدى بأهل الحديبية في هذا الفعل الذي أنكره رسول الله (ص) فقد هلك، رضي الله عنهم مضمون لهم المغفرة في ذلك وغيره، ولم يضمن ذلك لغيرهم.
وقد أقرَّ بعضهم رضي الله عنهم على نفسه الخطأ العظيم في هذا الباب كما حدثنا عبدالله بن يوسف، عن أحمد بن فتح قال: ثنا عبدالوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم، ثنا أبو كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن عبدالله بن نمير قالا: أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: سمعت سهل بن حنيف بصفين يقول: اتهموا رأيكم على دينكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع رد أمر رسول الله (ص) قال الأعمش عن أبي وائل عن سهل: لرددته.
قال علي: ويوم أبي جندل: هو يوم الحديبية، فقد أقرَّ سهل رضى الله عنهم أنهم أساؤوا الرأي يوم الحديبية، حتى لو استطاعوا رد أمر رسول الله (ص) لردّوه.
قال: حدثنا أبو سعيد الجعفري، حدثنا ابن الادفوي، ثنا أبو جعفر بن الصفار، عن النسائي، عن سعيد بن عبدالرحمن، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري قال: وثبتني معمر عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم فذكرا حديث الحديبية (4) وفيه أن عمر بن الخطاب قال: والله ما شككت مذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي (ص) فقلت: ألست نبي الله حقاً؟
قال: بلى.
قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلت: فَلِمَ نعطي الدنية في ديننا إذاً؟
قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري.
قلت: أو ليس وعدتنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟
قلت: لا.
قال: إنك تأتيه وتطوف به.
قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟
قال: بلى.
قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلت: فَلِمَ نعطي الدنية إذاً؟
قال: أيها الرجل إنه رسول الله، وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق.
قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟
قلت: لا.
قال: إنك ستأتيه وتطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً.
قال علي (ابن حزم) : لم يشك عمر قط مذ أسلم في صحة نبوة محمد (ص) ومعاذ الله من أن يظن ذلك به ذو مسكة، ولكنه شك في وجوب اتباع ما أمرهم به من الحلق والنحر، وإمضاء القضية بينه وبين قريش، ثم ندم على ذلك كما ترى، وعمل لذلك أعمالاً مستغفراً مما سلف منه، من الأمر الذي ينصره الآن من أضله الله تعالى بالتقليل الفاسد، ومثل هذا، من غير أهل الحديبية، فسق شديد، ولكنهم بشهادته (ص) مغفور لهم لا يدخله النار منهم أحد، إلا صاحب الجمل الأحمر وحده.
الإحكام في أصول الأحكام ج 4 ص 424

والشيعة يعتقدون بأن الصحابة قد خالفوا نص الغدير تماماً كما خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية سواءاً بسواء، لا سيما وان أصحاب السقيفة قد استغلوا إنشغال أمير المؤمنين عليه السلام ومن حوله من أهل بيته ومن الصحابة بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله فضلاً عن الألم العظيم الذي خلّفه فقدهم لنبيهم وحبيب قلوبهم صلى الله عليه وآله... فاستغلّ أصحاب السقيفة هذه الظروف، فتوجهوا إلى سقيفتهم في اليوم التالي لوفاة النبي صلى الله عليه وآله، وهو –بنفسي- لمّا يُقبر، وعقدوا الأمر دون مشورة من المسلمين فكانت بيعتهم لأبي بكر فلتة كما وصفها عمر على ما روى البخاري من حديث طويل جاء فيه ما نصه: فلا يغترنّ امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت! ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.
صحيح البخاري ج 8 ص 26

قال ابن كثير: قد قدّمنا أنهم (رضى الله عنهم) اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء، فلما تمهدت وتوطدت وتمت شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبى بكر الصديق رضى الله عنه.
قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر، أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء.
البداية والنهاية ج 5 ص 280

والخلاصة: إن التعويل على ما فعله أكثر الصحابة: خطأ كبير جداً، لأنهم غير معصومين، وما عبّر عنه ابن حزم بأنه "فسق شديد" عبّرت عنه رواياتنا بأنه "ردة"... وأما ما زعمه ابن حزم من إستثناء الصحابة من حكم التفسيق، فهو غير ثابت عندنا، ولا دليل عليه، بل هو مخالف لعموم التكاليف الشرعية، ولا يوجد أحكام في دين الله تعالى يفسق بها جماعة من المكلفين ولا يفسق بها آخرون!!! {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وقال الله تبارك وتعالى مخاطباً حبيبه محمد صلى الله عليه وآله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

كلام الألباني:
قال: أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في علي رضي الله عنه: "إنه خليفتي من بعدي" فلا يصح بوجه من الوجوه, بل هو من أباطيلهم الكثيرة، التي دل الواقع التاريخي على كذبها، لأنه لو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، لوقع كما قال، لأنه {وَحْيٌ يُوحَى} واللّه سبحانه لا يخلف وعده.
سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 4 الحديث 1750

الرد:
أقول: إن شبهة الألباني مبنية على عقيدة فاسدة جداً وهي عقيدة الجبر، وعلي عليه السلام هو الولي أطاعه الناس أم عصوه، تماماً كحال الأنبياء، يقول الله عز وجل: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} (87) سورة البقرة
فهل تكذيب الأمم السابقة لأنبيائهم عليهم السلام بل وتقتيلهم إياهم، يقتضي إبطال نبواتهم؟؟؟

وهل يلزم من ذلك تكذيب الواقع التاريخي لنبواتهم عليهم السلام؟؟؟

ولقد استخلف موسى أخاه هارون عليهما السلام وتركه قومه واتخذوا العجل إلهاً من دون الله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (91) سورة طه

فهل أخلف الله سبحانه وتعالى وعده؟؟؟

والخلاصة: ان كلام الألباني هذا ضعيف جداً لا ينبغي التشاغل به...

النقطة السادسة: المعنى الحقيقي لكلمة (مولى) في حديث الغدير بدلابة القرائن:
تبين مما تقدّم فساد التأويل الذي ذهب إليه أهل السنة، وعلينا أن نذّكر بأنّ جملة: "من كنت مولاه فعلي مولاه" يستفاد منها أمران لا يختلف فيهما أحد من الشيعة أو السنة:

الأمر الأول: ثبوث الولاية (بأي معنى فُسرت) للنبي والوصي صلى الله عليهما وآلهما: أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله مولى، وعلي عليه السلام أيضاً مولى...

الأمر الثاني: نطاق الولاية: حدّدت هذه الجملة، نطاق ولاية الوصي عليه السلام بشكل واضح، وهو أن كل من كان رسول الله صلى الله عليه وآله مولاه، فإن علياً عليه السلام ايضاً مولاه...

بعض القرائن الدّالة على ان (المولى) في الحديث تعني الأولى:
لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وآله عندما يقول: أنا مولى المؤمنين... فحينئذٍ يتعين حمل كلامه صلى الله عليه وآله على معنى (الأولى بالمؤمنين من أنفسهم) هذا هو الأصل، لأن هذا المعنى هو المعنى المطلق، وحتى نحمله على معنى أضيق، فلا بد من وجود مقّيد...

ولا شك أن الولاية بمعنى المحبة أخص من الولاية بمعنى الأولى، فإن المحبة هي شأن من شئون الولاية المطلقة...

وعليه فإن الشيعة يحملون الحديث الشريف طبقاً للأصل الأولي، وحينئذٍ لا يحتاجون لذكر القرينة التي تدل على ما يذهبون إليه، بل ان الذي يريد أن يضيّق معنى الحديث هو المطالَب بالقرينة.

والخلاصة: إن حمل الولاية المذكورة في حديث الغدير هو مقتضى الإطلاق، وعلى من يقول غير ذلك أن يذكر الدليل الذي قيّد الإطلاق...

ولكن علمائنا -ولله الحمد- مع ذلك أقاموا مجموعة من القرائن اللفظية والحالية التي تدل على ما ذهبوا إليه، فهي تؤكد صحة الإستناد على الأصل الأولي للحديث الشريف، من ذلك:

1 – تفريع ولاية علي عليه السلام على ولاية النبي صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه). فلو أن الحديث جاء بصيغة: "علي مولاكم" مثلاً، لساغ التردد في معنى "مولى" لكنه صلى الله عليه وآله لما فرع ولاية علي عليه السلام على ولايته صلى الله عليه وآله التي يعرفها المسلمون، ارتفع الالتباس.

2 – افتتاح النبي صلى الله عليه وآله خطبته بنعي نفسه الشريفة، واقتراب رحيله إلى جوار ربه.

3 – تذكيرهم بولايته التي أثبتها القرآن الكريم إذ قال النبي صلى الله عليه وآله: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.

4 – الدعاء الشريف الذي دعا به النبي صلى الله عليه وآله وهو: "اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه" فإن الموالاة الثابتة بين كافة المؤمنين لا تقتضي أن يكون أحد طرفيها عدواً لله تعالى...

فإن هذا الدعاء الشريف (5) قد جعل معادة أمير المؤمنين عليه السلام على حد معاداة رسول الله صلى الله عليه وآله، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (57) سورة الأحزاب
فهذه الآية تُبيّن أن من يؤذي الله ورسوله صلى الله عليه وآله فقد استحق اللعنة في الدنيا والآخرة... ولم يثبت هذا لسائر المؤمنين، بل الثابت خلافه، قال الله تعالى في الآية التالية مباشرة: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب
وقال الله عز وجل: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات

5 - ان الخطبة كانت بمحضر جماعة كبيرة جداً من الصحابة تقدّر بمائة ألف صحابي، وقد وصف زيد بن أرقم ذلك اليوم بأنه: "يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه"... فلا يعقل أن يوقف رسول الله صلى الله عليه وآله هذا العدد الكبير من الناس في يوم شديد الحرارة ليقول لهم: إن علياً عليه السلام محبكم!!! فإن هذا المعنى قد أثبته القرآن الكريم لكل مؤمن، وليس هناك من يجهل هذا!!!

هذا المقدار يكفي لمعرفة مراد النبي صلى الله عليه وآله من حديثه الشريف، وهو كالشمس في رابعة النهار، ولا عبرة بزعم ابن تيمية وغيره عدم وضوح المعنى، فإنهم إنما يكابرون الحس {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} وهناك قرائن أخرى كثيرة ذكرها علمائنا الأبرار، وقد استوعبها العلامة السيد حامد حسين أعلى الله مقامه في كتاب عبقات الأنوار، والعلامة الأميني أعلى الله مقامه في كتاب الغدير...

الخاتمة:
الذي يتعين على كل مسلم بعد أن عرف بأن حديث الغدير من الثوابت التاريخية الصحيحة وأن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قد قال يوم الغدير ما تقدم ذكره بيقين، أن يبذل وسعه ليتعرف على مقاصد النبي محمد صلى الله عليه وآله من حديثه، وينبغي له هنا ترك التقليد فهذه مسئلة أصلية وليست فرعية، فليقرأ كل مسلم الأحاديث التي تتعلق بالغدير، وليرجع لما كتبه علماء الفريقين في دلالة الحديث النبوي الشريف، وقد نقلت للباحث جملة كافية من ذلك، والحمد لله رب العالمين...

ونختم البحث بكلام شيخ الإمامية المفيد رضي الله عنه:
قال: ومما يدل على ما ذكرناه ما تواترت به الأخبار أن حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله، استأذن النبي عليه السلام في يوم الغدير أن يقول شعراً في ذلك المقام، فأذن له، فأنشأ يقول:


يناديهم يوم الغدير نبيهم *** بخمٍ وأسمع بالرسول مناديا
فقال: ومن مولاكم ووليكم؟ *** فقالوا، ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت نبينا *** فلن تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم والِ وليه *** وكن للذي عادى علياً معاديا


فقال له النبي صلى الله عليه وآله: لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.
فلولا أن النبي عليه وآله السلام أراد بما ذكره في ذلك المقام النص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام على حسب ما صرّح به حسان في هذا المقال، لما دعا له النبي صلى الله عليه وآله بالتأييد، ومدحه من أجله وأثنى عليه، ولو كان عليه وآله السلام عنى غيره من أقسام المولى: لأنكر على حسان، ولم يقره على ما اعتقده فيه، وبيّن له غلطه فيما حكاه، لأنه محال مع نصب الله تعالى نبيه للبيان، أن يشهد بصحة الباطل، وهو على الضلال أن يمدح على الغلط من الإعتقاد، وفي شهادته عليه وآله السلام بصدق حسان فيما حكاه، ونظمه الكلام بمدحه عليه، ودعائه له بالتأييد من أجله على ما بيناه، دليل على صحة ما ذكرناه، وشاهد على أن المولى عبارة في اللغة عن "الإمام" لفهم حسان والجماعة ذلك منها بما شرحناه.

ومن ذلك ما تطابقت به الأخبار، ونقله رواة السير والآثار، ودونه حملة العربية والأشعار، من قول قيس بن سعد بن عبادة سيد نقباء رسول الله صلى الله عليه وآله من الأنصار رحمه الله، ومعه راية أمير المؤمنين عليه السلام، وهو بين يديه بصفين في قصيدته اللامية التي أولها:


قلت لما بغى العدو علينا *** حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البص‍ـ *** ـرة بالأمس والحديث طويل


حتى انتهى إلى قوله:


وعليٌ إمامنا وإمام لسـ‍ *** ـوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي: من كنت مولا *** ه فهذا مولاه خطب جليل
إن ما قاله النبي على الأمة *** حتم ما فيه قال وقيل


وفي هذا الشعر دليلان على ما ذكرناه:
أحدهما: أن المولى يتضمن الإمامة عند أهل اللسان، للإتفاق على فصاحة قيس، وأنه لا يجوز عليه أن يعبر عن معنى ما لا يقع عليه من اللفظ عند أهل الفصاحة، لا سيما في النظم الذي يعتمد صاحبه فيه الفصاحة والبيان.
والثاني: إقرار أمير المؤمنين عليه السلام قيساً وترك نكيره، وهو ينشد بحضرته، ويشهد بالإمامة له، ويحتج به على الأعداء، وأمير المؤمنين عليه السلام ممن لا يقر على باطل ولا يمسك عن الإنكار، لا سيما مع ارتفاع التقية عنه، وتمكنه من الإنكار.
أقسام المولى ص 35

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمدٍ وآله الطاهرين...

.................
هامش:
( 1 ) كذا الموجود في البداية والنهاية، وهو خطأ بلا شك، فإن مناسك الحج حتى اليوم الثاني عشر لمّا تُقضى!!! وقد ذكر ابن كثير انه كان في اليوم الثامن عشر في النص السابق...

( 2 ) نص على ذلك الحاكم في المستدرك قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" المستدرك ج 3 ص 111
قلت: ولم يتعقبه الذهبي، وكل رجال السند من رجال الكتب الستة عدا جعفر بن سليمان، لم يروِ عنه البخاري في الصحيح، وروى له مسلم والأربعة، ورماه بعضهم ببغض الشيخين ولم يصح ذلك بحسب كلام الذهبي، قال: ويروى أن جعفراً كان يترفض، فقيل له: أتسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا، ولكن بغضاً يا لك.
قال الذهبي: فهذا غير صحيح عنه.
سير أعلام النبلاء ج 8 ص 198

فالإسناد صحيح على شرط مسلم، وهذه ترجمة الرواة باختصار:
* قتيبة بن سعيد: ثقة ثبت من العاشرة (ع).
تقريب التهذيب ج 2 ص 27

* جعفر بن سليمان: صدوق زاهد لكنه كان يتشيع من الثامنة (بخ، م، 4).
تقريب التهذيب ج 1 ص 162
قلت: نقل ابن حجر: توثيق ابن معين وابن المديني له، وقول أحمد: لا بأس به، وقول البزار: حديثه مستقيم، ونقل ايضاً عن ابن عدي أنه قال: ولجعفر حديث صالح، وروايات كثيرة، وهو حسن الحديث، معروف بالتشيع وجمع الرقاق، وأرجو أنه لا بأس به، وقد روى أيضا في فضل الشيخين، وأحاديثه ليست بالمنكرة، وما كان فيه منكر: فلعل البلاء فيه من الراوي عنه، وهو عندي ممن يجب أن يُقبل حديثه. تهذيب التهذيب ج 2 ص 81

* يزيد الرشك: ثقة عابد وهم من لينه من السادسة (ع).
تقريب التهذيب ج 2 ص 334

* مطرف بن عبدالله: ثقة عابد فاضل من الثانية (ع).
تقريب التهذيب ج 2 ص 188

* عمران بن حصين: أسلم عام خيبر وصحب وكان فاضلاً (ع).
تقريب التهذيب ج 1 ص 750

(3) السباب والشتم أدوات مهمة لا يستغنون عنها!!!

(4) هذا الحديث "ما شككت" والحديث الذي قبله "اتهموا رأيكم" من الأحاديث الثابتة التي أخرجها الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين.

(5) ولهذا تجرأ ابن تيمية فكذّب هذا الحديث النبوي الصحيح، وقد رددت عليه بالتفصيل في بحثٍ سابق.