حديث الغدير (1) السند

قاسم

New Member
18 أبريل 2010
245
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خيرته من خلقه محمدٍ وآله المعصومين وسلم تسليماً كثيراً...

يتكون هذا البحث من مقدمة وفصلين وخاتمة:
الفصل الأول: في بيان صحة حديث الغدير
الفصل الثاني: في بيان دلالة حديث الغدير

مقدمة:
حديث الغدير هو أهم الأدلة السمعية الدّالة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، بالكيفية التي يعتقدها الشيعة الإمامية...

وقد دلّت النصوص على أن الله سبحانه وتعالى قد أمَرَ نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وآله بتبليغ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بحسب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} سورة المائدة 67

فصدعَ رسول الله صلى الله عليه وآله بما أٌمِرَ به في يوم الغدير، وبتبليغها اكتمل الدين وتمت النعمة، يقول المولى جل وعز: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} سورة المائدة 3

ومن النصوص التي تدل على كل ما تقدم، ما رواه الشيخ الكليني أعلى الله مقامه، بسند صحيح عن: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن "زرارة، والفضيل بن يسار، وبكير بن أعين، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وأبي الجارود" جميعاً عن أبي جعفر عليه السلام قال:
أمرَ اللهُ عز وجل رسولَهُ بولايةِ عليٍ، وأنزلَ عليه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ} وفرضَ ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمرَ اللهُ محمداً صلى الله عليه وآله أن يفسّر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فلما أتاهُ ذلك من الله، ضاقَ بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله، وتخوّف أن يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه، فضاقَ صدره، وراجع ربه عز وجل، فأوحى الله عز وجل إليه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
فصدعَ بأمر الله تعالى ذكره، فقامَ بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة وأمرَ الناس أن يبلّغَ الشاهد الغائب.
قال عمر بن أذينة: قالوا جميعاً غير أبي الجارود: وقال أبو جعفر عليه السلام: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}.
قال أبو جعفر عليه السلام: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.
الكافي ج 1 ص 289

وروى الشيخ الصدوق قدس سره في الخصال ص 65 حديث الغدير بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن أسيد الغفاري ثم قال: الأخبار في هذا المعنى كثيرة، وقد أخرجتها في كتاب المعرفة في الفضائل.

ولم ينفرد الشيعة برواية حديث الغدير، بل هو صحيح متواتر حتى من طرق أهل السنة والجماعة...

وسنبحث في هذا الموضوع "حديث الغدير" من ناحية السند وسنثبت تواتره، ثم نبحث فيه من ناحية الدلالة وسنثبت دلالته على الإمامة والإمارة لمولى المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام، وبالله التوفيق...


الفصل الأول: في بيان صحة حديث الغدير:
ويحتوي هذا الفصل على ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: أسماء بعض من ضعّفَ حديث الغدير من أهل السنة.
النقطة الثانية: أسماء بعض من صحّح حديث الغدير من أهل السنة.
النقطة الثالثة: ذكر بعض الأسانيد الصحيحة لحديث الغدير من طرق أهل السنة.



النقطة الأولى: أسماء بعض من ضعّفَ حديث الغدير من أهل السنة:
طبعاً الكلام هنا عن أهل السنة، وأما الشيعة فلا يوجد فيهم أحد يشك في تواتر الحديث فضلاً عن أن ينكر صحته، يقول الطوسي شيخ الطائفة قدس سره: والذي يدل على صحة الخبر (يعني الغدير) تواتر الشيعة به خلفاً عن سلف على ما بيناه في التواتر بالنص الجلي، وكلما يُسأل عليه من الأسئلة فالجواب عنه ما تقدم، وأيضاً فقد رواه أصحابُ الحديث من طرق كثيرة لم يرد في الشريعة خبر متواتر أكثر طرقاً منه، فإنه روى الطبري من نيف وسبعين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمس وعشرين طريقاً.
فإن لم يثبت بذلك صحته، فليس في الشرع خبر صحيح!!!
الإقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد ص 216

ولكن جماعة من علماء أهل السنة لم تحتمل قلوبهم التصديق بهذا الحديث الشريف على الرغم من كثرة طرقه، ولا شك أن ذلك يعود إلى أنهم قد فهموا مغزى الحديث الشريف، وهو يقضي بفساد رأيهم ورأي أسلافهم، نعوذ بالله من الهوى، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

وفي بعض الأحيان يطغى التعصب على المرء إلى حدٍ يؤثر فيه هلاك نفسه على قبول الحق، كما قال الله عز وجل عن لسان بعضهم: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.

وهذه أسماء جملة من العلماء الذين ضعفوا هذا الحديث النبوي:

1 – أبو حصين الكوفي (المتوفى سنة 128 هـ)
وقال يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: ما سمعنا هذا الحديث حتى جاء هذا من خراسان فنعق به -يعني: أبا إسحاق- "من كنت مولاه فعلي مولاه" فاتبعه على ذلك ناس.
تهذيب الكمال المزي ج 19 ص 405

قلتُ: وأبو حصين المذكور عثماني من رجال الكتب الستة، قال الذهبي: أبو حصين (ع) عثمان بن عاصم بن حصين... الإمام الحافظ الأسدي الكوفي... روى عن جابر بن سمرة، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس، وأبي سعيد الخدري وغيرهم من الصحابة... وروى أحمد بن سنان القطان، عن عبدالرحمن بن مهدي قال: أربعة بالكوفة لا يختلف في حديثهم، فمن اختلف عليهم، فهو مخطئ، ليس هم، منهم أبو حصين الاسدي. وروى أبو بكر بن أبي الاسود، عن ابن مهدي قال: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة: منصور، وأبو حصين، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن مرة، قال: وكان منصور أثبت أهل الكوفة... قال ابن معين والنسائي وجماعة: أبو حصين ثقة.
سير أعلام النبلاء ج 5 ص 412

وقد كشف لنا الذهبي القناع عن سبب تكذيبه للحديث الشريف، فنطق بشهادة حق، عندما قال بعد أن أورد كلام ابن حصين المتقدم: الحديثُ ثابتٌ بلا ريب، ولكن أبو حصين عثماني، وهذا نادر في رجل كوفي.
سير أعلام النبلاء ج 5 ص 412

إذاً فسبب تكذيبه للحديث هو مذهبه الفاسد، والقاعدة تقول: ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، لكن القضية هنا ليست قضية علم أو عدم علم، بل هي قضية هوى، والهوى يعمي ويصم... ثم قال الذهبي: قال أحمد بن عبدالله العجلي: كان أبو حصين شيخاً عالياً، وكان صاحب سنة... وقال في موضع آخر: كان ثقة عثمانياً رجلاً صالحاً ثبتاً في الحديث، هو أسن من الأعمش، وكان الذي بينهما متباعداً. ووقع بينهما شر، حتى تحول الأعمش عنه إلى بني حرام.
سير أعلام النبلاء ج 5 ص 412

وأما أبو إسحاق (توفي سنة 127 هـ) الذي اتُهم بوضع حديث الغدير!!! فهو حافظ ثقة من رجال الكتب الستة، وكان معاصراً لأبي حصين، قال الذهبي: أبو إسحاق السبيعي (ع) عمرو بن عبدالله بن ذي يحمد، وقيل: عمرو بن عبدالله بن علي الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها... وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين. قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيتُ علي بن أبي طالب يخطب. وروى عن معاوية، وعدي بن حاتم، وابن عباس، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم.... وكان طلاّبة للعلم، كبير القدر... وهو ثقة حجة بلا نزاع، وقد كبر وتغير حفظه تغير السن، ولم يختلط... قال علي بن المديني: حفظ العلم على الأمة ستة: فلأهل الكوفة: أبو إسحاق والأعمش، ولأهل البصرة: قتادة ويحيى بن أبي كثير، ولأهل المدينة: الزهري... قال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين: أبو إسحاق ثقة.
سير أعلام النبلاء ج 5 ص 392

2 – البخاري (توفي سنة 256 هـ)
سيأتي كلام ابن تيمية المنقول عنه مع إبراهيم الحربي...

3 – أبو داود السجستاني (توفي سنة 275 هـ)
سيأتي كلام القرطبي المنقول عنه مع أبي حاتم الرازي...

4 – أبو حاتم الرازي (توفي سنة 277 هـ)
قال القرطبي: السادسة: في رد الأحاديث التي احتج بها الإمامية في النص على علي رضي الله عنه، وأن الأمة كفرت بهذا النص وارتدت، وخالفت أمر الرسول عنادا، منها قوله عليه السلام: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه).... إلى أن قال: والجواب عن الحديث الأول: أنه ليس بمتواتر، وقد اختلف في صحته، وقد طعن فيه أبو داود السجستاني وأبو حاتم الرازي، واستدلا على بطلانه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مزينة وجهينة وغفار وأسلم موالي دون الناس كلهم ليس لهم مولى دون الله ورسوله). قالوا: فلو كان قد قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) لكان أحد الخبرين كذبا.
تفسير القرطبي ج 1 ص 266

5 – إبراهيم الحربي (توفي سنة 285 هـ)
قال ابن تيمية: وأما قوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه" فليس هو في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته، فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه وضعفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه كما حسنه الترمذي.
كتاب منهاج السنة ج 7 ص 319

التعليق:
لا نستغرب من تضعيف الحربي لحديث الغدير، فإنه كان عارفاً باللغة، فقد قال الذهبي في ترجمته: قال الخطيب: كان إماماً في العلم رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث، مميزاً لعلله، قيماً بالأدب، جماعاً للغة، صنّف "غريب الحديث" وكتبا كثيرة...
قال القفطي: "غريب الحديث" له من أنفس الكتب وأكبرها.
قال ثعلب: ما فقدتُ إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو من خمسين سنة.
تذكرة الحفاظ ج 2 ص 584

ولا أريد أن أقول أن فهم الحديث يتطلب دراسة اللغة العربية 50 سنة!!! بل الحديث واضح جداً، لكن المقصود أن من كان كإبراهيم الحربي، لا يمكن أن تنطلي عليه شبهات المشككين، فهو إما أن يكذب الحديث، أو يعتقد بأنه صريح في الدلالة على الإمامة، وقد أختارَ الأول...

فتبين أن ما دعاه لتضعيف حديث الغدير ليس قلة الأسانيد أو عدم صحتها، وإنما دعاه لذلك تلك الـ (50) سنة التي حضر فيها دروس اللغة والنحو!!! {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}...

6 – ابن حزم الظاهري (توفي سنة 456 هـ)
قال: وأما "من كنت مولاه فعلي مولاه" فلا يصح من طريق الثقات أصلاً!!!
الفصل في الملل والأهواء والنحل ص 494 (الوراق)

التعليق:
ابن حزم منسوب إلى النصب، قال الذهبي في ترجمته: وقال ابن حيان: وكان مما يزيد في شنآنه: تشيعه لأمراء بنى أمية ماضيهم وباقيهم، واعتقاده بصحة إمامتهم، حتى نسب إلى النصب.
تذكرة الحفاظ ج 3 ص 1152

وإن تضعيفه لحديث الغدير أقوى دليل على نصبه، إذ ليس هو ممن يجهل الأحاديث، ولا اللغة ومقاصدها: قال الذهبي: وقال صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة، مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، ومعرفته بالسنن والآثار والأخبار.
تذكرة الحفاظ ج 3 ص 1147

7 – ابن تيمية (توفي سنة 728 هـ)
قال الألباني: فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث (يعني حديث الغدير) وبيان صحّته، أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب!
سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 4 الحديث 1750

وقد عزى الألباني ذلك إلى مجموع الفتاوى، ورأيته قد زعم أن الشطر الثاني كذب كما قال الألباني، أما الشطر الأول فلم أره قد صرح بتضيفه، وإنما بدى ابن تيمية مضطرباً، وهذا نص كلامه:
قال: وأما قوله: {من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه}... إلخ" فهذا ليس في شيء من الأمهات، إلا في الترمذي وليس فيه إلا: {من كنت مولاه فعلي مولاه} وأما الزيادة فليست في الحديث. وسئل عنها الإمام أحمد فقال: زيادة كوفية... ولا ريب أنها كذب لوجوه... إلى أن قال: وقوله: {من كنت مولاه فعلي مولاه} فمن أهل الحديث من طعن فيه كالبخاري وغيره، ومنهم من حسنه...
مجموع فتاوى ابن تيمية

قلت: ونصب ابن تيمية أشهر من نار على علم، وقد أوردتُ كلام ابن تيمية كاملاً ورددت عليه في بحثٍ سابق...

8 – الدكتور بشار عواد معروف
وهو أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة بغداد، وهو الذي حقق كتاب تهذيب الكمال للمزي، قال معلقاً على الحديث الشريف: ليس في كل طرق هذا (الحديث) طريقٌ صحيح، وقد تقدم في المجلد السابق (20/3828) أنه لم يكن هذا الحديث معروفا حتى نعق به ناعق من خراسان!
تهذيب الكمال المزي ج 20 ص 484 (في الهامش)

وقال ايضاً معلقاً على حديث الغدير: هذه الطرق كلها ضعيفة، كما هو واضح بيّن، ولا أدري لمَ يكّثر المؤلف من إيراد كل هذه الأسانيد عن مثل هذه الأشياء غير الثابتة!!!
تهذيب الكمال ج 22 ص 398 (في الهامش)




النقطة الثانية: أسماء بعض من صحّح حديث الغدير من أهل السنة:

1 – أحمد بن حنبل (توفي سنة 241 هـ)
تقدم نص كلام ابن تيمية على تحسين أحمد بن حنبل لحديث الغدير، وستأتي بعض الروايات من مسنده.

2 – الترمذي (توفي سنة 279 هـ)
صاحب كتاب السنن، فقد روى حديث الغدير بإسناده ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وسيأتي نصه كاملاً، وقد تقدم نص ابن تيمية على تحسين الترمذي للحديث.

3 – محمد بن جرير الطبري (توفي سنة 310 هـ)
صاحب التاريخ والتفسير المشهورين، قال الذهبي: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير: الإمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري أحد الأعلام وصاحب التصانيف... قال أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الائمة يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره...
ولما بلغه ان ابن أبي داود تكلم في "حديث غدير خم" عمل كتاب الفضائل، وتكلم على تصحيح الحديث.
قال الذهبي: قلت: رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق.
تذكرة الحفاظ ج 2 ص 710

وقال عنه ايضا: جمع طرق "حديث غدير خم" في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك.
سير أعلام النبلاء ج 14 ص 277

وقال ابن عساكر: ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود السجستاني، تكلم في "حديث غدير خم" عمل كتاب الفضائل، فبدأ بفضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رحمة الله عليهم، وتكلم على تصحيح "حديث غدير خم" واحتج لتصحيحه، وأتى من فضائل أمير المؤمنين علي بما انتهى إليه، ولم يتم الكتاب.
تاريخ مدينة دمشق ج 52 ص 197

4 – الحاكم النيسابوري (توفي سنة 405 هـ)
وهو الذي انتقد البخاري ومسلم على عدم إخراجهما لبعض الأحاديث الصحيحة على شرطيهما، ومنها حديث الغدير، قال الخطيب البغدادي: وكان ابن البيع (يعني الحاكم النيسابوري) يميل إلى التشيع، فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور -وكان شيخاً صالحاً فاضلاً عالماً- قال: جمع الحاكم أبو عبدالله أحاديث زعم أنها صِحاح على شرط البخاري ومسلم، يلزمهما أخراجها في صحيحيهما منها: "الحديث الطائر" و "من كنت مولاه فعلي مولاه" فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه في فعله.
تاريخ بغداد ج 3 ص 94

وقد روى الحاكم حديث الغدير في المستدرك بأسانيده وصححها، وسيأتي بعضها...

5 – الحافظ المزي (توفي سنة 742 هـ)
قال في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام: ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة إلا تبوك، فإنه خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك، وقال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". وروى قوله عليه السلام: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحها... ومن كتاب ابن أبي خيثمة، زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثنتين من الهجرة ابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ما خلا مريم بنت عمران، وقال لها: زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة...
قال: وروى بريدة، وأبو هريرة، وجابر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم كل واحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم غدير خم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" زاد بعضهم "اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه".
وروى سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وسهل بن سعد، وبريدة الاسلمي، وأبو سعيد الخدري، و عبد الله بن عمر، وعمران بن حصين، وسلمة بن الاكوع كلهم بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار، يفتح الله على يديه" ثم دعا بعلي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية ففتح الله عليه.
وهي كلها آثار ثابتة.
وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم، فقال: يا رسول الله إني لا أدري ما القضاء، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره بيده، وقال: "اللهم اهد قلبه وسدد لسانه" قال علي: فو الله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين. وقال له صلى الله عليه وسلم: "يهلك فيك رجلان محب مفرط وكذاب مفتر" وقال له: "تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى عليه السلام" وروى عنه عليه السلام أنه قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه".
تهذيب الكمال ج 20 ص 483

والمزي هو صاحب تهذيب الكمال، قال الذهبي: المزي: شيخنا [الإمام] العالم، الحبر، الحافظ، الأوحد، محدّث الشام، جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعى [ثم] الكلبي الدمشقي الشافعي...
تذكرة الحفاظ ج 4 ص 1498

وقال أيضاً: فرأس المحدثين اليوم أبو الحجاج القضاعي المزي...
سير أعلام النبلاء ج 7 ص 250

وقال ابن حجر: قال الذهبي: كان خاتمة الحفاظ، وناقد الأسانيد والألفاظ، وهو صاحب معضلاتنا، وموضح مشكلاتنا ...
الدرر الكامنة ج 5 ص 235

6 – الذهبي (توفي سنة 748 هـ)
نص على تواتر الحديث في عدة مواضع، سأكتفي بذكر ثلاثة منها:
الموضع الأول:
ما رواه الذهبي بأسانيده عن عبدالله بن محمد بن عقيل قال: كنت عند جابر في بيته، وعلي بن الحسين، ومحمد بن الحنفية، وأبو جعفر، فدخل رجل من أهل العراق، فقال: أنشدك بالله إلا حدثتني ما رأيت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كنا بالجحفة بغدير خم، وثم ناس كثير من جهينة ومزينة وغفار، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء أو فسطاط، فأشار بيده ثلاثاً، فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
قال الذهبي: هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه فمتواتر.
سير أعلام النبلاء ج 8 ص 334

الموضع الثاني:
قال الذهبي: قال الحاكم: أخبرني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، أنا أبو عمارة حمزة بن علي الجوهري، ثنا الربيع بن سليمان قال: حججنا مع الشافعي، فما ارتقى شرفاً، ولا هبط وادياً، إلا وهو يبكي وينشد:


يا راكباً قف بالمحصب من منى *** واهتف بقاعد خيفها والناهـض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى *** فيضاً كملتطم الفرات الفـائض
إن كان رفضاً حب آل محـمـدٍ *** فليشهد الثقلان أني رافـضـي

بهذا الاعتبار قال أحمد بن عبد الله العجلي في الشافعي: كان يتشيع، وهو ثقة.
قال الذهبي: قلت: ومعنى هذا التشيع حب علي وبغض النواصب، وأن يتخذه مولى، عملاً بما تواتر عن نبينا صلى الله عليه وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
تاريخ الاسلام 1569 (الوراق)

الموضع الثالث:
نقل ابن كثير عن الذهبي انه قال: وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، وأما "اللهم والِ من والاه" فزيادة قوية الإسناد.
البداية والنهاية ج 5 ص 233

قلت: وقد تقدم كلام الذهبي عند ذكر ابن جرير الطبري، وسيأتي ايضاً تصحيحه لرواية النسائي ورواية الحاكم...

7 – ابن كثير الدمشقي (توفي سنة 774 هـ)
فإنه أورد جملة من الروايات ونقل تصحيح الذهبي لبعضها كما تقدم، ومما قاله:
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون أبي عبدالله قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله منزلاً يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: فخطبنا وظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس، فقال: ألستم تعلمون -أو ألستم تشهدون- أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قالوا: بلى.
قال: فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.
قال: ثم رواه أحمد: عن غندر، عن شعبة، عن ميمون أبي عبدالله، عن زيد بن أرقم إلى قوله من كنت مولاه فعلي مولاه، قال ميمون: حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.
قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات على شرط السنن، وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثاً في الريث.
البداية والنهاية ج 5 ص 231

وستأتي عنه نصوص أخرى في الفصل الثاني إن شاء الله تعالى...

8 – ابن حجر العسقلاني (توفي سنة 852 هـ)
قال: وأما حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، وقد روينا عن الإمام أحمد قال: ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب.
فتح الباري ج 7 ص 61

9 – المناوي (توفي سنة 1031 هـ)
قال: قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وقال في موضع آخر: رجاله رجال الصحيح، وقال المصنف: حديث متواتر.
فيض القدير شرح الجامع الصغير ج 6 ص 282

10 – العجلوني (توفي سنة 1162)
قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ "اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه" فالحديث متواتر أو مشهور.
كشف الخفاء ج 2 ص 274

11 - الشيخ محمد جعفر الكتاني (توفي سنة 1345 هـ)
قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) أورد فيها أيضاً من حديث:
(1) زيد بن أرقم (2) وعلي (3) وأبي أيوب الأنصاري (4) وعمر (5) وذي مر (6) وأبي هريرة (7) وطلحة (8) وعمارة (9) وابن عباس (10) وبريدة (11) وابن عمر (12) ومالك ابن الحويرث (13) وحبشي بن جنادة (14) وجرير (15) وسعد بن أبي وقاص (16) وأبي سعيد الخدري (17) وأنس (18) وجندع الأنصاري ثمانية عشر نفساً وعن عدة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم سمعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقوله وعن اثني عشر رجلاً منهم (19) قيس بن ثابت (20) وحبيب بن بديل بن ورقاء وعن بضعة عشر رجلاً منهم (21) يزيد أو زيد بن شراحيل الأنصاري.
(قلت) ورد أيضاً من حديث (22) البراء بن عازب (23) وأبي الطفيل (24) وحذيفة بن أسيد الغفاري (25) وجابر وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى اللّه عليه وسلم ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وممن صرح بتواتره أيضاً المناوي في التيسير نقلاً عن السيوطي وشارح المواهب اللدنية وفي الصفوة للمناوي قال الحافظ ابن حجر حديث من كنت مولاه فعلي مولاه خرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقدة في مؤلف مفرد وأكثر أسانيدها صحيح أو حسن اهـ.
نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 194

12 – محمد ناصر الألباني (توفي سنة 1420 هـ)
قال بعد أن جمع طرقه عن (عشرة من الصحابة) هم: زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة بن الحصيب، وعلي بن أبي طالب، وأبو أيوب الأنصاري، والبراء بن عازب، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة ...

قال ما نصه: وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في "المجمع" 9/ 103–108 وقد ذكرتُ وخرّجتُ ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: "منها صحاح ومنها حسان".
وجملة القول: أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه "متواتر" عنه صلى الله عليه وسلم كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية.
وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: "وانصر من نصره، واخذل من خذله"
ففي ثبوته عندي وقفة، لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: "اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
ومثله قول عمر لعلي: "أصبحتَ وأمسيتَ مولى كل مؤمن ومؤمنة".
لا يصح أيضاً لتفرد علي بن زيد به كما تقدم.
إذا عرفتَ هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث، وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعّف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب!!! (هامش: انظر "مجموع الفتاوى" 4/417–418) ! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها، والله المستعان.
سلسلة الأحاديث الصحيحة ج 4 ص 343 الحديث رقم 1750

والوهابيون يعتبرون الألباني أعلم الناس بالحديث في هذا العصر، قال الشيخ ابن باز: لا أعلم تحت قُبَةِ الفلك في هذا العصر، أعلم من الشيخ الألباني.

وقال الشيخ ابن عثيمين: الألباني رجل من أهل السنة رحمه الله مدافع عنها إمام في الحديث لا نعلم أن أحداً يباريه في عصرنا.

وإن كان الشيخ السقاف له وجهة نظر أخرى فيه!!!


وهناك علماء آخرون صرحوا بصحة الحديث أو تواتره...

13 - المحدِّث المعاصر شعيب الأرنؤوط
قال معلقاً على الحديث الشريف: ولفظه بتمامه "من كنت مولاه، فعلي مولاه" وهو حديث صحيح ثابت كما قال المؤلف رحمه الله، فقد أخرجه الترمذي (3713) وأحمد 4/370 و372 من حديث زيد بن أرقم، وسنده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه أحمد 4/281 وابن ماجه (121) من حديث البراء، ورجال إسناد ابن ماجه، ثقات، وأخرجه أحمد 5/358 من حديث بريدة بلفظ "من كنت وليه، فعلي وليه" ورجاله ثقات.
سير أعلام النبلاء ج 5 ص 415 (في الهامش)

النقطة الثالثة: ذكر بعض الأسانيد الصحيحة لحديث الغدير من طرق أهل السنة:
الذين ضعّفوا حديث الغدير لم يستندوا على حجة، وأقصى ما يمكن أن يعتذروا به –إن أحسنا الظن مع أن هذا الاحتمال بعيد جداً- أن يقال ان الحديث الشريف لم يبلغهم أي أنهم يجهلون بالحديث وطرقه!!!

ولو أنهم إذ جهلوا توقفوا ولم يحكموا بضعف أو بطلان الحديث الشريف لكان أسلم لهم، وهو مقتضى الورع والإحتياط في الدين!!! {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (39) سورة يونس

وسأورد في هذا البحث بعض الأحاديث مع ترجمة رجال أسانيدها، مكتفياً بخمسة أحاديث فقط، ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة كتب الحديث فإن ما سأنقله لا يساوي معشار ما فيها...

الحديث الأول: رواه النسائي قال:
أخبرنا محمد بن المثنى، قال ثنا يحيى بن حماد، قال ثنا أبو عوانة، عن سليمان، قال ثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
ثم قال: إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن.
ثم أخذ بيد عليٍ فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.
فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمع بأذنه.
السنن الكبرى للنسائي ج 5 ص 45

وهذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، وقد نقل ابن كثير هذا الحديث عن النسائي ثم قال: تفرّد به النسائي من هذا الوجه، قال شيخنا أبو عبدالله الذهبي: وهذا حديث صحيح.
البداية والنهاية ج 5 ص 228

ورتبة النسائي لا تقل عن رتبة الشيخين، بل هو مساوٍ للبخاري، ومقدّم على مسلم كما صرح النقّاد الكبار: يقول الذهبي في ترجمته: وكان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف...
قال أبو الحسن الدارقطني: أبو عبدالرحمن مقدّم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
قال الذهبي: ولم يكن أحد في رأس الثلاث مئة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم، ومن أبي داود، ومن أبي عيسى "يعني الترمذي" وهو جارٍ في مضمار البخاري، وأبي زرعة، إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه. سير أعلام النبلاء ج 14 ص 127

إذاً فهو سند متصل وكل رواته "أئمة حفاظ ثقات أثبات" قد أخرج لهم البخاري ومسلم، وهذه تراجمهم:

1 - محمد بن المثنى:
قال الذهبي: أبو موسى (ع) محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار، الإمام الحافظ الثبت، أبو موسى، العنزي البصري الزمن... جمع وصنف، وكتب الكثير. روى عنه: الجماعة ستتهم، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وبقي... قال محمد بن يحيى الذهلي: حجة. وقال صالح جزرة: صدوق اللهجة، في عقله شيء، وكنت أقدمه على بندار. وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث. وقال أبو عروبة: ما رأيت بالبصرة أثبت من أبي موسى، ويحيى بن حكيم. وقال النسائي: كان لا بأس به، كان يغير في كتابه... وقال الخطيب: كان صدوقا ورعا، وقال في موضع آخر: كان ثقة ثبتا، احتج به سائر الائمة.
سير أعلام النبلاء ج 12 ص 123

2 - يحيى بن حماد:
قال الذهبي: (خ، م، ت، س، ق) ابن أبي زياد، الإمام الحافظ، أبو محمد، وأبو بكر الشيباني، مولاهم البصري... حدث عن: شعبة... وأكثر عن أبي عوانة... وثقه أبو حاتم وجماعة. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال محمد بن النعمان بن عبد السلام: لم أر أعبد من يحيى بن حماد، وأظنه لم يضحك.
سير أعلام النبلاء ج 10 ص 139

3 - أبو عوانة:
قال الذهبي: (ع) هو الإمام الحافظ، الثبت، محدث البصرة، الوضاح بن عبدالله، مولى يزيد بن عطاء اليشكري، الواسطي، البزاز... وكان من أركان الحديث... قال عفان: أبو عوانة أصح حديثا عندنا من شعبة. وقال أحمد بن حنبل: هو صحيح الكتاب، وإذا حدث من حفظه، ربما يهم. وقال عفان بن مسلم: كان أبو عوانة صحيح الكتاب ثبتا، كثير العجم، والنقط. وقال يحيى بن سعيد القطان: ما أشبه حديثه بحديث سفيان، وشعبة. وقال عفان: سمعت شعبة يقول: إن حدثكم أبو عوانة عن أبي هريرة فصدقوه.
سير أعلام النبلاء ج 8 ص 217

4 – سليمان الأعمش:
قال الذهبي: (ع) سليمان بن مهران، الإمام، شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدثين، أبو محمد الأسدي، الكاهلي، مولاهم الكوفي الحافظ... وروى عن أبي وائل... وحبيب بن أبي ثابت... وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام. قال وكيع بن الجراح: كان الأعمش، قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى. وقال عبدالله الخريبي: ما خلف الأعمش أعبد منه.
سير أعلام النبلاء ج 6 ص 226

5 – حبيب بن أبي ثابت:
قال الذهبي: (ع) الإمام الحافظ، فقيه الكوفة أبو يحيى القرشي الأسدي... حدث عن ابن عمر، وابن عباس... وأبي الطفيل... روى عنه عطاء بن أبي رباح... والأعمش... وقال أحمد العجلي: كوفي تابعي ثقة، كان مفتي الكوفة قبل حماد بن أبي سليمان. قال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى: ثقة حجة. فقيل ليحيى: حبيب ثبت ؟ قال: نعم.
قال الذهبي: كان من أبناء الثمانين وهو ثقة بلا تردد، وقد تناكد الدولابي بذكره في الضعفاء له لمجرد قول ابن عون فيه: كان أعور، وإنما هذا نعت لبصره لا جرح له.
سير أعلام النبلاء ج 5 ص 288

6 – أبو الطفيل:
وهو صحابي، قال عنه الذهبي: أبو الطفيل (ع) خاتم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا... واسم أبي الطفيل، عامر بن واثلة بن عبدالله بن عمرو الليثي الكناني الحجازي الشيعي، كان من شيعة الإمام علي، مولده بعد الهجرة، رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع وهو يستلم الركن بمحجنه، ثم يقبل المحجن... حدث عنه: حبيب بن أبي ثابت... وفطر بن خليفة، وخلق سواهم...
وكان أبو الطفيل ثقة فيما ينقله، صادقاً، عالماً، شاعراً، فارساً، عمّر دهراً طويلاً، وشهد مع علي حروبه.
سير أعلام النبلاء ج 3 ص 467

7 - زيد بن أرقم:
صحابي مشهور.

قلت: وقد روى الحاكم النيسابوري هذا الحديث باختلاف يسير جداً، قال:
(حدثنا) أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشى ثنا يحيى ابن حماد...
(وحدثني) أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه وابو بكر أحمد بن جعفر البزار:
(قالا) ثنا عبدالله بن أحمد ابن حنبل حدثنى أبي ثنا يحيى بن حماد...
(وثنا) أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي ثنا خلف بن سالم المخرمى ثنا يحيى بن حماد: ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع ونزل غدير خم أمرَ بدوحات فقممن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين: أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن.
ثم أخذ بيد عليٍ رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه، فهذا وليه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه.
وذكر الحديث بطوله.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله.
المستدرك ج 3 ص 109
قلت: ولم يتعقبه الذهبي.

إذاً فلو لم يكن سوى هذا الطريق لكفى به حجة بالغة، ومع ذلك فهناك طرق أخرى نذكر بعضها إتماماً للحجة...

الحديث الثاني: رواه الترمذي، قال:
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم شك شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من كنت مولاه فعلي مولاه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وروى شعبة هذا الحديث عن ميمون أبي عبدالله عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وأبو سريحة هو حذيفة بن أسيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
سنن الترمذي ج 5 ص 297

وهذا الحديث صحيح على شرط الشيخين وترجمة رجال السند كما يلي:

1 – محمد بن بشار:
قال الذهبي: بندار: (ع) محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان، الإمام الحافظ، راوية الإسلام، أبو بكر العبدي البصري بندار، لقب بذلك، لانه كان بندار الحديث في عصره ببلده، والبندار الحافظ. ولد سنة سبع وستين ومئة. وحدث عن: يزيد بن زريع... وغندر، ويحيى بن سعيد... روى عنه: الستة في كتبهم..
سير أعلام النبلاء ج 12 ص 144

2 – محمد بن جعفر:
قال الذهبي: غندر: (ع) محمد بن جعفر، الحافظ، المجود، الثبت، أبو عبدالله الهذلي، مولاهم البصري الكرابيسي التاج، أحد المتقنين. ولد سنة بضع عشرة ومئة. وروى عن: حسين المعلم... وشعبة فأكثر عنه، وجود، وحرر. روى عنه: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، ... ومحمد بن بشار...
قال يحيى بن معين: كان أصح الناس كتابا، وأراد بعض الناس أن يخطئ غندرا، فلم يقدر.
سير أعلام النبلاء ج 9 ص 98

3 – شعبة:
قال الذهبي: شعبة (ع) ابن الحجاج بن الورد، الإمام الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث...
وكان من أوعية العلم، لا يتقدمه أحد في الحديث في زمانه، وهو من نظراء الاوزاعي، ومعمر، والثوري في الكثرة.
قال علي بن المديني: له نحو من ألفي حديث.
قال الذهبي: قلت: ما أظنه إلا يروي أكثر من ذلك بكثير.
حدثنا عمر بن شبة، حدثنا عفان قال: قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحدا قط أحسن حديثا من شعبة.
قال أبو بحر البكراوي: ما رأيت أحدا أعبدلله من شعبة، لقد عبدالله حتى جف جلده على عظمه واسوّد.
سير أعلام النبلاء ج 7 ص 202

4 – سلمة بن كهيل:
قال الذهبي: سلمة بن كهيل: (ع) ابن حصين الإمام الثبت الحافظ أبو يحيى الحضرمي...
وقال أحمد بن حنبل: كان متقنا للحديث.
وقال أحمد العجلي: تابعي ثقة ثبت في الحديث وفيه تشيع قليل، وحديثه أقل من مئتي حديث.
وقال أبو حاتم: ثقة متقن.
وقال يعقوب ابن شيبة: ثقة ثبت على تشيعه.
وقال جرير بن عبدالحميد: لما قدم شعبة البصرة، قالوا: حدثنا عن ثقات أصحابك، فقال: إن حدثتكم عن ثقات أصحابي، فإنما أحدثكم عن نفر يسير من هذه الشيعة، الحكم، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور.
سير أعلام النبلاء ج 5 ص 298

5 – أبو سريحة وزيد بن أرقم:
صحابيان، وجهالة الصحابي لا تضر فكلهم عدول!!!

الحديث الثالث: رواه الحاكم:
قال: أخبرني محمد بن علي الشيباني بالكوفة، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا كامل أبو العلاء قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال:
خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بروح فكسح، في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه.
فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس، إنه لم يُبعث نبي قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله عز وجل.
ثم قام فأخذ بيد عليٍ رضي الله تعالى عنه فقال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
المستدرك ج 3 ص 533

وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.

ترجمة رجال السند:

1 - محمد بن علي الشيباني:
قال الذهبي: ابن دحيم: الشيخ الثقة المسند الفاضل، محدث الكوفة، أبو جعفر، محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي.
سمع من: إبراهيم بن عبدالله العبسي القصار، وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي، وأبي عمرو أحمد بن غرزة الغفاري، وجماعة.
حدث عنه: الحاكم، وأبو بكر بن مردويه...
وكان أحد الثقات، عاش إلى سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وما وجدت وفاته بعد، ثم وجدت ابن حماد الكوفي، ورخ سنة اثنتين وخمسين، أنه حدث في آخرها. وقال: كان صالحاً، صدوقاً قليل المعرفة، وسماعه في كتب أبيه.
سير أعلام النبلاء ج 16 ص 36

2 - أحمد بن حازم الغفاري:
قال الذهبي: ابن أبي غرزة: الإمام، الحافظ الصدوق، أحمد بن حازم بن محمد بن يونس بن قيس بن أبي غرزة، أبو عمرو الغفاري الكوفي، صاحب "المسند"... وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان متقنا.
سير أعلام النبلاء ج 13 ص 239

3 - أبو نعيم:
قال الذهبي: أبو نعيم (ع) الفضل بن دكين، الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، الفضل بن عمرو ابن حماد بن زهير...
وكان من أئمة هذا الشأن وأثباتهم.
حدث عنه: البخاري كثيرا، وهو من كبار مشيخته... وروى عنه أحمد بن حنبل...
قال أبو زرعة: وسمعت أحمد بن صالح يقول: ما رأيت محدثاً أصدق من أبي نعيم.
قال يعقوب الفسوي: أجمع أصحابنا أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان.
قال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: كان أبو نعيم حافظا؟ قال: جداً.
قلت: وكان في أبي نعيم تشيع خفيف، قال أحمد بن ملاعب: حدثني ثقة قال: قال أبو نعيم: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية، وبلغنا عن أبي نعيم أنه قال: حب علي رضي الله عنه عبادة، وخير العبادة ما كتم.
قال محمد بن عبدالله بن عمار: أبو نعيم متقن حافظ، إذا روى عن الثقات، فحديثه حجة أحج ما يكون.
وقال عثمان بن أبي شيبة مرة: حدثنا الأسد. فقيل: من ؟ قال: أبو نعيم.
سير أعلام النبلاء ج 10 ص 142

4 - كامل أبو العلاء:
قال ابن حجر: (أبي داود ومسلم والترمذي وابن ماجة) كامل بن العلاء التميمي السعدي أبو العلاء ويقال أبو عبد الله الكوفي. روى عن عطاء بن أبي رباح وحبيب بن أبي ثابت... وعنه زيد ابن الحباب... وأبو نعيم...
قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ثقة.
وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر ليس به بأس.
وقال ابن عدي: رأيت في بعض رواياته أشياء أنكرتها وأرجو أنه لا بأس به.
قلت: وقال ابن سعد كان قليل الحديث وليس بذاك.
وقال ابن المثنى ما سمعت ابن مهدي يحدث عنه شيئاً قط.
وقال يعقوب بن سفيان: ثقة.
وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من حيث لا يدري فبطل الاحتجاج بأخباره.
وقال الحاكم هو ممن يجمع حديثه.
تهذيب التهذيب ج 8 ص 366

وقال العجلي: كامل أبو العلاء: كوفى ثقة.
معرفة الثقات ج 2 ص 224

وقد رأيت كلاماً للمباركفوري يدافع فيه عن كامل بن العلاء ويرد على ابن حبان، فيقول ما نصه: فقول النسائي ليس بالقوي: جرح مبهم، ثم هو معارض بقوله: ليس به بأس.
وأما قول ابن حبان كان ممن يقلب الأسانيد إلخ غير قادح فإنه متعنت ومسرف كما تقرر في مقره، فحديثه هذا (يعني حديثا رواه الترمذي لكامل بن العلاء) إن لم يكن صحيحاً فلا ينزل عن درجة الحسن والله تعالى أعلم.
تحفة الأحوذي ج 2 ص 141

قلت: ومن الشواهد على تعنت ابن حبان وإسرافه انه طعن في أحد رجال الكتب الستة واسمه عارم السدوسي فقال الذهبي:
وقال الدارقطني: تغير بآخره، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة.
قال الذهبي: قلت: فهذا قول حافظ العصر الذى لم يأت بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبان الخساف المتهور في عارم، فقال: اختلط في آخر عمره وتغير حتى كان لا يدرى ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يعلم هذا من هذا ترك الكل، ولا يحتج بشيء منها.
قال الذهبي: قلت: ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً، فأين ما زعم؟!
ميزان الاعتدال ج 4 ص 8

5 - حبيب بن أبي ثابت:
تقدمت ترجمته في الحديث الأول رقم (5)...

6 - يحيى بن جعدة:
قال ابن حجر: (أبي داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة) يحيى بن جعدة بن هبيرة... روى عن جدته أم أبيه أم هانئ... وزيد بن أرقم... وعنه: حبيب ابن أبي ثابت... قال أبو حاتم والنسائي: ثقة.
وذكره ابن حبان في الثقات.
تهذيب التهذيب ج 11 ص 169

وقد نص على صحة هذا الحديث كل من الحاكم والذهبي كما تقدم...

الحديث الرابع: رواه أحمد بن حنبل:
حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعيد بن وهب قال:
نشدَ عليٌ الناسَ، فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 366

قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
مجمع الزوائد ج 9 ص 104

1 – محمد بن جعفر:
تقدمت ترجمته في الحديث الثاني رقم (2)

2 – شعبة:
تقدمت ترجمته في الحديث الثاني رقم (3)

3 – أبو إسحاق:
تقدمت ترجمته في النقطة الأولى: أسماء بعض من أنكر حديث الغدير...

4 – سعيد بن وهب:
وهو من رجال مسلم والنسائي، قال عنه الذهبي: من كبراء شيعة علي، حدث عن علي، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وخباب. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولزم علياً رضي الله عنه حتى كان يقال له القراد، للزومه إياه... روى عنه: أبو إسحاق، وولده يونس بن أبي إسحاق، وطائفة... وثقه يحيى بن معين.
سير أعلام النبلاء ج 4 ص 180

وقال ابن حجر: وذكره ابن حبان في الثقات... ووثقه العجلي وابن نمير.
تهذيب التهذيب ج 4 ص 85

فائدة: معنى المناشدة:
هذا أحد أحاديث المناشدة وقد تكررت المناشدة في عدة مواطن، لعل أشهرها مناشدة يوم الرحبة في الكوفة سنة 35 هـ كما نص العلامة الأميني رضي الله عنه... وهذا يعني أن علياً عليه السلام كان يستحلف الصحابة ويسألهم بالله أن يقوموا فيشهدوا بما سمعوا، قال ابن منظور: وتقول: ناشدتك الله، وفي المحكم: نشدتك الله نشدة ونشدة ونشدانا استحلفتك بالله، وأنشدك بالله إلا فعلت: أستحلفك بالله، ونشدك الله أي أنشدك بالله، وقد ناشده مناشدة ونشادا. وفي الحديث: نشدتك الله والرحم، أي سألتك بالله والرحم، يقال: نشدتك الله، وأنشدك الله، وبالله، وناشدتك الله، وبالله، أي سألتك وأقسمت عليك.
لسان العرب ج 3 ص 422

الحديث الخامس: رواه أحمد بن حنبل:
‏حدثنا ‏حسين بن محمد ‏وأبو نعيم ‏المعنى ‏قالا ثنا ‏فطر عن ‏أبي الطفيل قال: جمع علي رضي الله تعالى عنه ‏الناس في ‏الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمِع لمّا قام.
فقام ثلاثون من الناس -وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير- فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه. ‏
‏قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياً رضي الله تعالى عنه يقول كذا وكذا!
قال: فما تنكر؟!؟ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 370

قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة.
مجمع الزوائد ج 9 ص 104

قلتُ: وهذا إسناد عالٍ جداً، فبين أحمد وبين الصحابي راويين فقط، فإنه سمع الحديث من إمامين من رجال الكتب الستة وهما حسين بن محمد وأبا نعيم، وهما سمعاه من فطر بن خليفة وهو ثقة، روى له البخاري مقروناً كما روى له الأربعة، وسيأتي تحقيق الكلام في وثاقته، وهذه تراجم رجال السند:

1 – حسين بن محمد:
قال ابن حجر: (الستة) الحسين بن محمد بن بهرام التميمي أبو أحمد ويقال أبو علي المؤدب المروذي... وعنه: أحمد بن حنبل وأحمد بن منيع...
قال ابن سعد: ثقة... وقال النسائي: ليس به بأس، وقال معاوية بن صالح قال لي أحمد: اكتبوا عنه، وذكره ابن حبان في الثقات.
تهذيب التهذيب ج 2 ص 315

وتقدمت ترجمة أبي نعيم في الحديث الثالث رقم (3)...

2 – فطر بن خليفة:
قال ابن حجر: (البخاري والأربعة)
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ثقة صالح الحديث، قال وقال أبي: كان عند يحيى بن سعيد ثقة.
وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ثقة.
وقال العجلي: كوفي ثقة حسن الحديث، وكان فيه تشيع قليل.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث كان يحيى بن سعيد يرضاه ويحسن القول فيه ويحدث عنه.
وقال أبو داود عن أحمد بن يونس: كنا نمر على فطر وهو مطروح لا نكتب عنه.
وقال النسائي: لا بأس به، وقال في موضع آخر: ثقة حافظ كيس.
روى له البخاري مقروناً.
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله تعالى ومن الناس من يستضعفه وكان لا يدع أحدا يكتب عنه وكانت له سن عالية ولقاء.
وقال الساجي: صدوق ثقة ليس بمتقن، كان أحمد بن حنبل يقول هوه خشبي مفرط، قال الساجي: وكان يقدم عليا على عثمان.
وقال السعدي: زائغ غير ثقة.
وقال الدارقطني: فطر زائغ ولم يحتج به البخاري.
وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه.
وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا نعيم يرفع من فطر ويوثقه ويذكر انه كان ثبتاً في الحديث.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت فطرا لانه يروي أحاديث فيها إزراء على عثمان.
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: وقد قيل انه سمع من أبي الطفيل فإن صح فهو من التابعين.
وقال النسائي في الكنى: حدثنا يعقوب بن سفيان عن ابن نمير قال: فطر حافظ كيّس.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة عند الكوفيين وهو متماسك وأرجو انه لا بأس به.
تهذيب التهذيب ج 8 ص 270

وقال ابن حبان: فطر بن خليفة من متقني أهل الكوفة.
مشاهير علماء الأمصار ص 266

3 – أبو الطفيل:
صحابي.

تحقيق حال فطر بن خليفة:
قد وثقه من علماء الجرح والتعديل "أحد عشر" وهم:
أحمد بن حنبل، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن معين، والعجلي، وأبو حاتم (مع تعنته) والنسائي (وهو متعنت جداً في الرجال) وابن سعد، وابن عدي، وابن حِبان، وأبو نعيم، وابن نمير.
وضعّفه "خمسة" وهم: قطبة بن العلاء، والسعدي، وأبو بكر بن عياش، والدارقطني، وأحمد بن يونس.

أما تضعيف قطبة بن العلاء فلا يلتفت إليه أصلاً لأنه ضعيف بل هالك!!! ويكفي أنه ضعّف أحد الثقات الأعلام الزهاد فرد عليه الذهبي، فنقتصر على نقل كلام الذهبي، قال:
فضيل بن عياض (ع، م، د، س، ت) الزاهد، شيخ الحرم وأحد الأثبات، مجمع على ثقته وجلالته، ولا عبرة بما رواه أحمد بن أبي خيثمة، قال: سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث أذرى فيها على عثمان رضي الله عنه!
قال الذهبي: فمن قطبة! وما قطبة حتى يجرح! وهو هالك!
روى الفضيل رحمه الله ما سمع فكان ماذا؟ فالفضيل من مشايخ الإسلام والسلام.
ميزان الاعتدال ج 3 ص 361

وأما تضعيف السعدي (الجوزجاني) فهو غير معتبر في فطر وأمثاله من الشيعة، لنصبه وتعصبه وميله على الشيعة!!! وبهذا صرح علماء الرجال، قال ابن حجر: وأما الجوزجاني فلا عبرة بحطه على الكوفيين.
تهذيب التهذيب ج 1 ص 81

وقال أيضا: وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح: مَنْ كان بينه وبين من جرحَهُ عداوة سببها الإختلاف في الإعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب!! وذلك لشدة إنحرافه في النصب!! وشهرة أهلها بالتشيع!! فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة!! حتى أنه أخذ يلّين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيدالله بن موسى وأساطبن الحديث وأركان الرواية!! فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه فوثّق رجلاً ضعفه قُبِلَ التوثيق.
لسان الميزان ج 1 ص 16

إذا فهو ناصبي، ونصبه يحمله على تضعيف الشيعة بحق أو بدون حق، قال ابن حجر في ترجمة الجوزجاني:
وقال ابن عدي: كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي.
وقال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن علي، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فأخرجت جارية له فرّوجة لتذبحها فلم تجد من يذبحها فقال: سبحان الله!! فروجة لا يوجد من يذبحها، وعلي يذبح في ضحوة نيفا وعشرين ألف مسلم!!
قال ابن حجر: قلت: وكتابه في الضعفاء يوضح مقالته.
تهذيب التهذيب ج 1 ص 159

وأما أبو بكر بن عياش فهو كثير الغلط جداً، قال الذهبي: أحد الأئمة الأعلام، صدوق ثبت في القراءة، لكنه في الحديث يغلط ويهم، وقد أخرج له البخاري، وهو صالح الحديث، لكن ضعّفه محمد بن عبدالله بن نمير. وقال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه.
وقال أحمد: ثقة ربما غلط، وهو صاحب قرآن وسنة، وكان يحيى بن سعيد لا يعبأ به، إذا ذكر عنده كلح وجهه.
وقال أحمد أيضا فيما سمعه منه مهنأ: كثير الغلط جداً، وكتبه ليس فيها خطأ.
ميزان الاعتدال ج 4 ص 499

وذكر الذهبي حكاية عنه تدل على تعصبه، قال: قال أحمد بن يونس: قلت لأبي بكر بن عياش: لي جار رافضي قد مرض! قال: عده مثل ما تعود اليهودي والنصراني، لا تنوي فيه الأجر!!!
سير أعلام النبلاء ج 8 ص 504
فيبقى تضعيف أحمد بن يونس والدارقطني، وهما معارَضان بأحد عشر توثيقاً من أحد عشر علماً من أعلام الجرح والتعديل فيهم أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وأبو حاتم والنسائي وناهيك بهم، خصوصاً هذين الأخيرين، لما قاله الذهبي: إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسّك بقوله، فإنه لا يوثق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا ليّن رجلاً، أو قال فيه: لا يُحتج به، فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد، فلا تبنِ على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال "الصحاح": ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك.
سير أعلام النبلاء ج 13 ص 260

وقال أيضا: قال الحافظ ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعّفه النسائي! فقال: يا بني! إن لأبي عبدالرحمن شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.
قال الذهبي: قلت: صدقَ، فإنه ليّن جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.
سير أعلام النبلاء ج 14 ص 131

ولا يجوز طرح أقوال كل أولئك العلماء لأجل قول رجلين اثنين، لا سيما وأن سبب تضعيفهما هو الإختلاف في العقيدة كما هو بيّن من كلامهما!!!

فيتلخص أن جرح الدارَقطني وأحمد بن يونس لفطر بن خليفة هو من الجرح المردود...

الخلاصة:
هذه خمس روايات صحاح ويمكن أن يقال عن الأخيرة أنها حسنة على أقل التقادير، وهي كافية لإتمام الحجة البالغة، فنقتصر على هذا المقدار، وإلا فإن طرق الحديث كثيرة جداً كما نص ابن حجر والألباني وغيرهما...

ولنا أن نتسائل: كيف تجرأ جمع من علماء أهل السنة على تكذيب أو تضعيف هذا الحديث النبوي الشريف الذي تظافرت طرقه فبلغت حد التواتر كما نص على ذلك جملة من أعلامهم؟؟؟

فإن زعموا: أن تلك الطرق الكثيرة -التي لا تخفى على أدنى طلبة العلم- لم تبلغهم!!!

قيل لهم: فهلا تورّعتم عن تكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله؟؟؟

وعلى كل حال: فحمل هؤلاء على الخطيئة أولى من حملهم على الخطأ، لا سيما وأنهم من الذين لهم عناية كبيرة جداً بالأحاديث، فلا ريب أنهم فهموا معنى الحديث الشريف، ولهذا أنكروه!!!

وقد ذكرت تحت اسم إبراهيم الحربي وابن حزم ما يفيد هنا، وبهذا المقدار نطوي الكلام عن صحة الحديث الشريف لننتقل إلى البحث عن دلالته على بركة الله...