الرد على شبهة ما رُويَ عن أمير المؤمنين : دعوني والتمسوا غيري ..

مرآة التواريخ

مرآة التواريخ
20 أبريل 2010
379
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

رب اشرح لي صدري

يتداول السلفيون كثيراً ما روي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في "نهج البلاغة" لما جاءه الناس لبيعته بعد مقتل عثمان : دعوني والتمسوا غيري ..

محتجين بها بأن أمير المؤمنين لو كان إماماً حقاً لما رفض بيعة الناس له!

هذا مُجمل شبهتهم ..

والملاحظ أنه في بعض نقل السلفيين - كما هو دأبهم - بتر كلام أمير المؤمنين ، فينقلوها هكذا :

قال أحدهم :
كما نقلناه هنا
http://www.shia.ws/forum/showthread.php?t=1616438

[ و أما قول الرافضة الإمامية أن هناك نص على تولية علي رضي الله عنه فلم يصح ذلك أبداً.
و عندما أراد المسلمون الموالون لعلي أن يُبايعوه على الإمامة - إنظـــــــــروا مـــــــــاذا قـــــــــال لـــــــــهم :
(( دعوني والتمسوا غيري فأن أكون لكم وزيــراً ، خير لكم من أكون لكم أميــــراً )) - كتاب نهج البلاغة ج 1/ ص 181 : 182 شرح العلامة الشيعي الشريف المرتضى، طبعة بيروت.

وقال علي رضي الله عنه أيضاً : (( والله ما كان لي في الولاية رغبة ولا في الإمارة إربة ، و لكنكم دعوتموني إليها. و حملتموني عليها )) - نهج البلاغة ج 1/ ص 322. ]


وقال آخر :
هنا
http://www.alserdaab.org/new_page_26.htm

[ قال - علي - : « دعوني والتمسوا غيري فإني لكم وزيرا خير لكم مني أميرا.. ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، ولأن أكون لكم وزيراً خيراً من أن أكون عليكم أميرأ » (نهج البلاغة 181-182).
..

قول علي « والله ما كانت عندي للخلافة من رغبة ولا للولاية إربة لولا أن دعوتموني إليها وحملتموني عليها » (نهج البلاغة 322 الأمالي ص732 بحار الأنوار32/30). ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول ومن الله نستمد العون والتوفيق :

لنا جواب على هذه الشبهة ننقله من موضوع لنا سابق :

قلت أنا مرآة التواريخ :
وأما قولك
[ و عندما أراد المسلمون الموالون لعلي أن يُبايعوه على الإمامة - إنظـــــــــروا مـــــــــاذا قـــــــــال لـــــــــهم :
(( دعوني والتمسوا غيري فأن أكون لكم وزيــراً ، خير لكم من أكون لكم أميــــراً )) - كتاب نهج البلاغة ج 1/ ص 181 : 182 شرح العلامة الشيعي الشريف المرتضى، طبعة بيروت.

وقال علي رضي الله عنه أيضاً : (( والله ما كان لي في الولاية رغبة ولا في الإمارة إربة ، و لكنكم دعوتموني إليها. و حملتموني عليها )) - نهج البلاغة ج 1/ ص 322. ] انتهى كلامه

أقول في جوابه : ماذا أقول ؟؟ ... ابكي ؟؟؟ ...... أم اضحك ؟؟
هذا الذي تقوموا به حراااااااااام ..... ارحموا عقولكم ..... فلقد أنزلتموها وأنزلتموها حتى أنَّت من النزول .
فلماذا هذا الإصرار على الكذب ؟؟؟ ..... ألا تستحون؟؟؟؟ .... ولماذا التحريف والبتر والاقتطاع ..!!؟؟ .... ألم تحيدوا عن هذا المسلك ؟؟؟ ... إلى متى ؟؟؟؟

تعال معي لنقرأ ما قاله أمير المؤمنين (ع) واقرنه بما نقله سيادة الأستاذ عنه واحكم :
((ومن كلام له (عليه السلام) لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه
دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ ولا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً.))انتهى بعين حروفه.

لو عددت مجموع الكلمات بين الأقواس من عند ((دعوني والتمسوا غيري )) إلى آخرها تجد مجموعها تقريباً 56 كلمة . ((وأقول تقريباً))
الأخ الأستاذ حذف منها 43 كلمة .
نقل فقط 13 كلمة .

والمضحك المبكي أنه ليته لم يحرّف ما تبقى عنده ، بل حتى ما تبقى عنده من حروف مسكينة طالتها يد التحريف ، فيبدوا أن مرض التحريف يجري في عروقهم مجرى الدم .
أتدري لمَ حَذَفَ ما حذف من كلام أمير المؤمنين (ع) ؟؟؟
لسبب بسيط ، هو أن الكلام المحذوف فيه تفسير لكلامه (ع) ((دعوني والتمسوا غيري ..الخ)).

ومن تدبّر كلامه كله علم المغزى من هذه الكلمة.
ولم يكفه ذلك ايضاً بل تعداه إلى ما نقله عنه (ع) في كلمته الثانية

فتعال وقارن أيضا :
((ومن كلام له (عليه السلام) كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما، والاستعانة في الأمور بهما
لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وأَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لا تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْ‏ءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ أَمْ أَيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ أَمْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ. واللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلافَةِ رَغْبَةٌ ولا فِي الْوِلايَةِ إِرْبَةٌ ولَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ ومَا وَضَعَ لَنَا وأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ ومَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا ولا رَأْيِ غَيْرِكُمَا ولا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وإِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ولَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا ولا عَنْ غَيْرِكُمَا. وأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الأسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي ولا وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وأَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَسْمِهِ وأَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا واللَّهِ عِنْدِي ولا لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى. أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وأَلْهَمَنَا وإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ.

ثم قال (ع): ‏رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ.))انتهى بعين حروفه.

أقول : واضح أن ما حذفه ، فيه توضيح لما نقله مبتوراً . والأمر لا يحتمل الشرح لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وأُعْلِمكم بأنني لم اضحك في حياتي كما ضحكت الآن .... أتدرون لماذا ؟؟؟
تعالوا معي واقرأوا قوله : ((كتاب نهج البلاغة ج 1/ ص 181 : 182 شرح العلامة الشيعي الشريف المرتضى، طبعة بيروت.))
الشريف المرتضى !!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رجل يدعي أنه ينقل عن كتاب بالجزء والصفحة والطبعة ولا يعلم مصنّفه!!!؟؟؟

فنهج البلاغة ليس للشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه ، بل هو لأخيه الشريف الرضي (رضوان الله تعالى عليه) الأصغر منه والمتوفى سنة (406هـ).

فلقد تسالم أصحاب التراجم والتأريخ أن هذا المصنف للرضي لا للمرتضى ، فكل من ترجم للرضي نسبه إليه ، إلا من شذّ منهم أمثال ابن خلكان والذهبي وغيرهما فترددوا فيمن صنفه بينه وبين أخيه ، وهو قول ضعيف شاذ لا يعبأ به ولا يعوّل عليه ، لعدّة أسباب :

أولا : أن الرضي ادعى تصنيف وجَمْع نهج البلاغة ، وذكر ذلك في مصنفات أخرى له مثل خصائص الأئمة وغيره ، ولم يدّع أحد غيره تصنيفه ، لا الشريف المرتضى ولا غيره البتّة.
وثانيا : أن الشيعة الامامية – وهم أعرف به من غيرهم - متسالمة على هذا الأمر ولا يوجد بينهم اختلاف .
وثالثاً : لا يمكن أن تجد نسخة من النهج ، مخطوطة كانت أو مطبوعة مكتوب على غلافها الخارجي أو الداخلي أنها من تصنيف غير الرضي ، والغريب في أمر هذا الرجل زعمه أنه ينقل عن طبعةٍ للنهج – وقطعاً – مكتوب عليها أنها من تصنيف الرضي ، ومع هذا يصرّ هو ومن نقل عنه على هذا التخريف ، أعني التحريف !!!!
لماذا ... لا أعلم!!؟؟؟

نرجع إلى ما كنا بصدده بخصوص كلمة أمير المؤمنين ((دعوني والتمسوا غيري ...)) .......

فلقد وجدت جوابين لشيخين من شيوخنا فاضلين ، أحدهما مقتضب والآخر مطول ، الأول للشيخ عادل الأديب ، والآخر للشيخ خالد أبا ذر العطية فإليكهما ففيهما الكفاية

قال الشيخ عادل الأديب في كتابه "دور ائمة اهل البيت عليهم السلام في الحياة الاسلامية" تحت موضوع (الإمام (عليه السلام) وموقفه من تولي الحكم ) :
((بعد مقتل الخليفة عثمان، توجهت انظار الثوار الى الامام علي (ع) «يطلبون منه ان يلي الحكم، ولكنه ابي عليهم ذلك، لا لأنه لم يأنس من نفسه القوة على ولاية الحكم وتحمل تبعاته، فقد كان (ع) على تمام الاستعداد لذلك، كان قد خبر المجتمع الاسلامي من اقطاره، وخالط كافة طبقاته وراقب حياتها عن كثب، ونفذ الى اعماقها، وتعرف على الوجدان الطبقي الذي يشدها ويجمعها، وقد مكنه من ذلك مركزه الفريد من النبي (ص) وهو مركز لم يكن احد من الصحابة يتمتع به، اعده اعداداً تاماً لمهمة الحكم»(2)
بل ان الامام رأي المجتمع الاسلامي قد تردى في هوة من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتي زادت عمقاً واتساعاً بسبب سياسية ولاة عثمان خلال مدة الخلافة، ورأى ان التوجيهات الاسلامية ومفاهيمها العظيمة التي عمل النبي (ص) طيلة حياته على ارساء اصولها في المجتمع الاسلامي الناشئ قد فقدت فاعليتها في توجيه حياة الناس. وانما صار الناس الى واقعهم هذا لأنهم فقدوا الثقة بالقوة الحاكمة التي تهيمن عليهم، فراحوا يسعون الى اقرار حقوقهم وصيانتها بأنفسهم.
«وقد أدرك (ع) ان حجم الحاجات التي يفتقر اليها الناس والآمال التي تعمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع حركة التأريخ عند الامام علي (ع) / محمد مهدي شمس الدين، ص: 143
(2) راجع للتوسع ثورة الحسين / شمس الدين، ص:51

قلوبهم اكبر بكثير من حجم الامكانات التي توفرها مؤسسات الدولة، وأن حجم المعوّقات التي يمثلها رموز العهد الماضي، وقواه التي شلتها الثورة فاضطرت الى الانكماش.. حجم هذه المعوّقات كبير وخطير، لأنها مستشرية في جميع مراكز السلطة»(1)
وهكذا انقطعت الصلة بينهم وبين الرموز المعنوية التي يجب ان تقود حياتهم والسبيل الى تلافي هذا الفساد هو اشعار الناس ان حكماً صحيحاً يهيمن عليهم، لتعود الى الناس ثقتهم الزائلة بحامكهم، ولكن هذا لم يكن سهلاً قريباً فثمة طبقات ناشئة لا تسيغ مثل هذا ولذلك فهي حرية بأن تقف في وجه كل منهج اصلاحي ومحاولة تطهيرية.

اذن فقد كان الامام (ع) يدرك نتيجة لوعيه العميق للظروف الاجتماعية والنفسية التي كانت تجتاح المجتمع الاسلامي في ذلك الحين، ولأن المدّ الثوري الذي انتهى بالامور الى ما انتهت اليه بالنسبة الى عثمان يقتضي عملاً ثورياً يتناول دعائم المجتمع الاسلامي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ومن هنا كان رفض الامام (ع) وامتناعه عن الاستجابة الفورية لضغط الجماهير والصحابة عليه بقبوله الخلافة، فقد اراد ان يضعهم امام اختبار يكشف به مدى استعدادهم لتحمل اسلوب الثورة في العمل، لئلا يروا فيما بعد أنه استغلهم واستغل اندفاعهم الثوري حين يكتشفون صعوبة الشروط التي يجب ان يناضلوا الفساد الذي ثاروا عليعه في ظلها.

ولهذا أجابهم الامام (ع) بقوله:
«دعوني والتمسوا غيري، فانا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وان الافاق قد اغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ الي قول القائل وعتب العاتب، وان تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّى اسمعكم واطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني امير»(2)

ولكن الناس اصروا عليه ان يلي الحكم، فاستجاب لهم ورجا ان يخرج بالناس من واقعهم الاجتماعي التعس الذي احلتهم فيه اثنتا عشرة سنة مضت عليهم في خلافة عثمان الى واقع انبل وأحفل بمعاني الاسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حركة التاريخ عند الامام علي (ع) / محمد مهدي شمس الدين، ص: 143
(2) نهج البلاغة، ج 1 ، ص: 217، راجع للتوسع / ثورة الحسين / شمس الدين، ص: 54


ولقد دأب بعد ان بويع خليفة للمسلمين على بيان الهدف ابتغى من وراء ولاية الحكم، وذلك بأن يكون في مركز يمكنه من ان يصلح شوؤن الناس، وان يرفع عن المظلومين فادح مارزحوا تحته من ظلم / قائلاً:
«اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك»(1)
ولأجل هذا قبل (ع) ان يتولى الحكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دراسات في نهج البلاغة / شمس الدين، ص: 260


((انتهى رد الشيخ عادل الأديب))



وقال الشيخ خالد اباذر العطية في بحث له بعنوان ((مداخلات وهوامش نقدية على كتاب ((تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه)) لاحمد الكاتب في ردّ هذه الشبهة قال :

مناقشة الشبهة الثامنة:
(ان رفض الامام علي(ع)، بعد مقتل عثمان بن عفان، الاستجابة لطلب الثوارتوليه السلطة وانتظاره في ذلك كلمة المهاجرين والانصار وبيعة المسلمين في المسجد، كل ذلك يدل على ايمانه بنظرية الشورى).

قال ((الكاتب)):
((لقد كان الامام علي يؤمن بنظام الشورى، وان حق الشورى بالدرجة الاولى هو من اختصاص المهاجرين والانصار، ولذلك فقد رفض، بعد مقتل عثمان، الاستجابة للثوار الذين دعوه الى تولي‏السلطة وقال لهم: ليس هذا اليكم.. هذا للمهاجرين والانصار، من امره اولئك كان اميرا.

وعندما جاءه المهاجرون والانصار وقالوا: ((امدد يدك نبايعك)) دفعهم، فعاودوه، ودفعهم، ثم عاودوه، فقال: ((دعوني والتمسوا غيري واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم... وان تركتموني فانا كاحدكم، ولعلي‏اسمعكم واطوعكم لمن وليتموه امركم، وانا لكم وزيرا خير لكم مني اميرا)). ومشى الى طلحة والزبير فعرضها عليهما، فقال: من شاء منكما بايعته، فقالا: لا... الناس بك ارضى. واخيرا، قال لهم: فان ابيتم فان بيعتي‏لا تكون سرا، ولا تكون الا عن رضا المسلمين، ولكن اخرج الى المسجد فمن شاء ان يبايعني فليبايعني.
ولو كانت نظرية النص والتعيين ثابتة ومعروفة لدى المسلمين، لم يكن يجوز للامام ان يدفع الثوار وينتظر كلمة المهاجرين والانصار، كما لم يكن يجوز له ان يقول: ((انا لكم وزيرا خير لكم مني اميرا))، ولم يكن‏يجوز له ان يعرض الخلافة على طلحة والزبير، ولم يكن بحاجة لينتظر بيعة المسلمين))((184)). [انتهى كلام الكاتب]

[أقول] :
ان الامور التي اشار اليها ((الكاتب))، في هذه الشبهة، بوصفها قرائن وشواهد تدل، في رايه، على ايمان الامام علي(ع) بنظرية الشورى وعدم ايمانه بالنص عليه بالامامة، قد ذكر جملتها المعتزلة قديما في احتجاجهم‏على مفاد هذه الشبهة.

وقد نقل احتجاجهم بها ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه لكلام الامام(ع) الذي قاله لما اراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان، والذي اشار الكاتب الى شطر منه، كما نقل ايضا جواب الشيعة الامامية على ماذكره المعتزلة والوجوه التي حملوا كلام الامام(ع) عليها.

قال: وهذا الكلام يحمله اصحابنا على ظاهره، ويقولون: انه(ع) لم يكن منصوصا عليه بالامامة من جهة الرسول(ص)، وان كان اولى الناس بها واحقهم بمنزلتها، لانه لو كان منصوصا عليه بالامامة من جهة الرسول، عليه‏الصلاة والسلام، لما جاز له ان يقول: ((دعوني والتمسوا غيري))، ولا ان يقول: ((ولعلي اسمعكم واطوعكم لمن وليتموه امركم))، ولا ان يقول: ((وانا لكم وزيرا خير مني لكم اميرا)).

وتحمله الامامية على وجه آخر فيقولون: ((ان الذين ارادوه على البيعة هم كانوا العاقدين بيعة الخلفاء من قبل، وقد كان عثمان منعهم او منع كثيرا منهم عن حقه من العطاء، لان بني امية استاصلوا الاموال في ايام‏عثمان، فلما قتل، قالوا لعلي(ع): نبايعك على ان تسير فينا سيرة ابي بكر وعمر، لانهما كانا لا يستاثران بالمال لانفسهما ولا لاهلهما، فطلبوا من علي(ع) البيعة، على ان يقسم عليهم بيوت الاموال قسمة ابي بكروعمر، فاستعفاهم وسالهم ان يطلبوا غيره ممن يسير بسيرتهما، وقال لهم كلاما تحته رمز، وهو قوله: ((انا مستقبلون امرا له وجوه والوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وان الافاق قد اغامت، والمحجة قد تنكرت))...

وقد حمل بعضهم كلامه على محمل آخر، فقال: هذا كلام مستزيد((185)) شاك من اصحابه، يقول لهم:
دعوني والتمسوا غيري، على طريق الضجر منهم، والتبرم بهم والتسخط لافعالهم، لانهم كانوا عدلوا عنه من‏قبل، واختاروا عليه، فلما طلبوه بعد اجابهم جواب المتسخط العاتب.

وحمل قوم منهم الكلام على وجه آخر، فقالوا: انه اخرجه مخرج التهكم والسخرية، اي انا لكم وزيرا خير مني لكم اميرا في ما تعتقدونه، كما قال سبحانه: (ذق انك انت العزيز الكريم)، اي تزعم لنفسك ذلك ‏وتعتقده.

واعلم ان ما ذكروه ما ليس ببعيد ان يحمل الكلام عليه لو كان الدليل قد دل على ذلك، فاما اذا لم يدل عليه دليل، فلا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره، ونحن نتمسك بالظاهر الا ان تقوم دلالة على مذهبهم تصدنا عن ‏حمل اللفظ عن ظاهره))((186)).

ونظير هذا الذي ذكره ابن ابي الحديد هنا ذكره ايضا في شرحه لكتاب رئي ان عليا(ع) بعثه الى معاوية، جاء فيه:
((انه بايعني القوم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد ان يختار، ولا للغائب ان يرد، وانما الشورى للمهاجرين والانصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك للّه رضا...الخ))((187)).

قال ابن ابي الحديد: ((واعلم ان هذا الفصل دال بصريحه على كون الاختيار طريقا الى الامامة كما يذكره اصحابنا المتكلمون، لانه احتج على معاوية ببيعة اهل الحل والعقد له، ولم يراع في ذلك اجماع المسلمين‏كلهم، وقياسه على بيعة اهل الحل والعقد لابي بكر، فانه ما روعي فيها اجماع المسلمين، لان سعد بن عبادة لم يبايع، ولا احد من اهل بيته وولده، ولان عليا وبني هاشم ومن انضوى اليهم لم يبايعوا في مبدا الامر،وامتنعوا، ولم يتوقف المسلمون في تصحيح امامة ابي بكر وتنفيذ احكامه على بيعتهم، وهذا دليل على صحة الاختيار وكونه طريقا الى الامامة، وانه لا يقدح في امامته(ع) امتناع معاوية من البيعة واهل الشام، فاماالامامية فتحمل هذا الكتاب منه(ع) على التقية، وتقول: انه ما كان يمكنه ان يصرح لمعاوية في مكتوبه بباطن الحال، ويقول له: انا منصوص علي من رسول اللّه(ص)، ومعهود الى المسلمين ان اكون خليفة فيهم بلافصل، فيكون في ذلك طعن على الائمة المتقدمين، وتفسد حاله مع الذين بايعوه من اهل المدينة، وهذا القول من الامامية دعوى لو عضدها دليل لوجب ان يقال بها، ويصار اليها، ولكن لا دليل لهم على ما يذهبون‏اليه من الاصول التي تسوقهم الى حمل هذا الكلام على التقية))((188)).

والحق ان ابن ابي الحديد لم يجانب الصواب في تشخيص القاعدة التي ينبغي ان يفهم كلام الامام علي(ع)
ويحلل في ضوئها، وهي ان ننظر في دليل الشيعة الامامية على النص على امامته من جهة الرسول(ص)وعلى ايمانه هو نفسه بالنص عليه، فان صح وجود ذلك الدليل وتمت دلالته تمسكنا به واولنا ما ورد على خلافه من اخبار آحاد ظنية وصرفناها عن ظاهرها، وان لم يصح وجود ذلك الدليل ولم تتم دلالته لم نضطرالى تاويل ما خالفه وصرفه عن ظاهره.

غير ان الصواب قد جانب ابن ابي الحديد في تطبيق هذه القاعدة على موردها، فانكر، تبعا لاصحابه المعتزلة، قيام الدليل على النص على امامة علي(ع) من جهة الرسول(ص)وعلى ايمانه هو نفسه بالنص عليه، ولهذا لم يجد مسوغا لتاويل كلامه هذا المروي عنه والبحث له عن معنى آخر غير معناه الظاهر منه.

وقد سبقت الاشارة، في غير موضع من هذا البحث، الى بعض النصوص المتضمنة لنص النبي(ص) على امامة علي(ع) وخلافته من بعده، كحديث الغدير وحديث الثقلين، وحديث المنزلة، كما سبقت الاشارة ايضاالى بعض النصوص المروية عن امير المؤمنين علي(ع) التي عكست ايمانه بالنص عليه وانكاره لطريقة الاختيار او الشورى التي استخلف بموجبها الخلفاء الذين سبقوه، ومنها قوله في خطبته المعروفة ‏بالشقشقية:

((اما واللّه، لقد تقمصها فلان، وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا)).

وقوله فيها ايضا: ((حتى اذا مضى لسبيله، جعلها في ستة زعم اني احدهم، فيا للّه وللشورى! متى اعترض الريب في مع الاول منهم حتى صرت امرت الى هذه النظائر!))((189)).

ومنها قوله: ((ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على من سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم))((190)).

وقوله: ((لا يقاس ب‏آل محمد(ص) من هذه الامة احد، هم اساس الدين، وعماد اليقين، اليهم يفي‏ء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة))((191)).

فهذه النصوص، بقسميها، حاكمة على غيرها مما يخالفها في الظاهر ومقدمة عليها، للعلم بصدورها من ناحية اولى، ولقوة دلالتها من ناحية اخرى.
وليس بوسع الباحث النزيه، او المؤرخ المنصف، ان يتجاهلها ويقدم‏عليها ظاهر نصوص آحاد متشابهة في دلالتها، او ظاهر موقف عملي معقد في ظروفه وملابساته.

وهذه قاعدة عامة مطردة تجب مراعاتها ووضعها في الاعتبار سواء بالنسبة الى ما ذكر في هذه الشبهة والشبهة التي سبقتها، ام في ما سوف يذكر في بعض الشبهات الاخرى اللاحقة التي سوف يذكرها((الكاتب)).

وبذلك يتعين اللجوء الى تاويل ما استند اليه القائلون بهذه الشبهة من كلام الامام علي (ع) المروي عنه باحد الوجوه التي نقلها ابن ابي الحديد عن الشيعة الامامية او بغيرها.

ولو شئنا ان نصوغ اقرب وجوه التاويل المتصورة موافقة للصواب -في ما نعتقد - بعبارة اكثر وضوحا وتفصيلا مما ذكر فانه يمكن ان يقال بوجه عام: ان الامام عليا(ع) كان يدرك، في تلك اللحظة التاريخية الحرجة التي اعقبت الثورة على الخليفة الثالث، والتي طلب اليه فيها ان يتولى حكم الامة الاسلامية وانقاذها من الفتنة ومما آلت اليه اوضاعها الاجتماعية‏ والسياسية من احوال سيئة، خطورة المرحلة المقبلة وما تحمله في طياتها من صعوبات وتحديات تتمثل في احتمال محاولة الطامحين الى تقلد الخلافة او الولاية على الاقاليم الكبرى، من اعضاء الشورى السابقة‏ التي شكلها الخليفة الثاني، وكذلك بطانة الخليفة الثالث وبعض ولاته المتضررين جميعا من مجي‏ء الامام(ع) الى الحكم، الخروج على طاعته ومعارضة منهجه الصارم والعادل في الاصلاح ومحاولته العودة بمسيرة ‏الحكم وسياسة ادارة الدولة، وبالاخص سياسة تقسيم العطاء، الى ما كانت عليه في عهد الرسول(ص)، فاراد، من جهة اولى، ان ينبه الامة الى ما كان يدركه ويشعر به من تلك الصعوبات والتحديات ويصارحها بخطته وسياسته في اصلاح اوضاعها، وبمنهجه في حكمها بوجه عام، ليتوثق من تاييدها له ووقوفها الى جانبه في جميع ذلك وتتم له البيعة على هذا الاساس، فقال للذين جاءوا يبايعونه:
((دعوني والتمسوا غيري، فانا مستقبلون امرا له وجوه والوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وان الافاق قد اغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم ولم اصغ الى قول القائل‏وعتب العاتب))((192)).

كما اراد(ع)، من جهة ثانية، ان يبلور الاجماع على اختياره لتولي الخلافة ليشمل جميع اهل الحل والعقد من المهاجرين والانصار، فانتظر كلمتهم، ولم يكتف باختيار آحاد منهم او اختيار خصوص الثوار، حتى لايترك ذريعة لمناوئيه الذين اشرنا اليهم للطعن في شرعية خلافته حسب المعيار الذي كانوا يعترفون به، وهو معيار الشورى.

واراد، من جهة ثالثة، ان تتم مبايعته بالخلافة في مشهد عام علني وليس خفية او سرا، حتى يلزم الجميع بطاعته في ما سوف يصدره من قرارات سياسية وادارية، وياخذ عليهم العهد على نصرته عند البغي عليه‏وتعرض سلطته او كيان الدولة كله للخطر.

وهذا هو في الواقع دور البيعة واثرها الدستوري كما عكستها الممارسة السياسية في عهد الرسول(ص)، وكما عكستها ايضا الممارسة السياسية في عهود الخلفاء الذين سبقوا الامام عليا(ع)، وكما عكستها اخيراالممارسة السياسية في عصور خلفاء الجور والتغلب الذين ورثوا الخلافة عن اسلافهم ولم يتقلدوها بطريقة الاختيار والشورى، فان البيعة في جميع تلك الحالات لم تزد على كونها عقد طاعة ونصرة بين الحاكم ‏الذي ولي الخلافة باي طريقة كانت وبين الامة.

واذا كان دور البيعة واثرها الدستوري ذلك فحسب، فان البيعة التي طلبها الامام علي(ع) من المهاجرين والانصار كانت هي من جنس ماله ذلك الاثر.

أمّا لماذا لم يتعامل الامام علي(ع) مع قضية الخلافة على اساس مبدا استحقاقه لها بالنص والتعيين بعد تمكنه من توليها وطلب الثوار اليه مبايعته بها في اعقاب مقتل الخليفة الثالث؟
فقد سبقت الاشارة الى سببه في ‏موضع سابق من هذا البحث((193))،
وهو:
ان نظرية الاختيار، او الشورى، قد تعززت شرعيتها في نظر عامة الناس في مقابل مبدا النص او التعيين، واصبحت امرا مقررا مفروغا منه في اذهانهم، بفضل تقادم المدة في العمل على وفقها ومرور ما يقرب من ربع ‏قرن على فرضها بالامر الواقع، فلم يكن في وسعه، والحال هذه، ان يتجاهل هذه النظرية ولا يضعها في اعتباره وحساباته والا فان الاجماع على مبايعته لن يتحقق وذرائع عدم القبول به خليفة على الاساس الذي ‏يدعيه لن تفلت من ايدي خصومه ومناوئيه.

هذه هي صفوة ما يمكن ان يوجه به كلام الامام علي(ع) وموقفه المشار اليهما في هذه الشبهة في ضوء النصوص القطعية الدالة على امامته، وفي ضوء مواقفه التاريخية واقواله الاخرى الثابتة عنه والمؤكدة لتلك ‏النصوص.

علي(ع) والبيعة لطلحة والزبير :
تبقى، في نهاية مناقشة هذه الشبهة، ملاحظة واحدة تتعلق بما ذكره ((الكاتب)) من ان الامام(ع) عرض على طلحة والزبير في البداية ان يبايعهما هو بالخلافة.
فهذا الذي ذكره اخذه من روايتين شاذتين مرسلتين، رويت احداهما عن الزهري والاخرى عن محمد بن سيرين.

اما رواية الزهري فهي كما في تاريخ الطبري:
((حدثني احمد بن زهير، قال: حدثني ابي قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: سمعت ابي، قال: سمعت يونس بن يزيد الايلي، عن الزهري، قال: بايع الناس علي‏بن ابي طالب، فارسل الى الزبير وطلحة فدعاهما الى‏البيعة، فتلكا طلحة، فقام مالك الاشتر وسل سيفه وقال: واللّه لتبايعن او لاضربن به ما بين عينيك، فقال طلحة: واين المهرب عنه؟ فبايعه، وبايعه الزبير والناس.

وسال طلحة والزبير ان يؤمرهما على الكوفة والبصرة،فقال: تكونان عندي فاتحمل بكما، فاني وحش لفراقكما. قال الزهري:
وقد بلغنا انه قال لهما: ان احببتما ان تبايعا لي وان احببتما بايعتكما، فقالا: بل نبايعك، وقالا بعد ذلك: انما صنعنا ذلك خشية على انفسنا، وقدعرفنا انه لم يكن ليبايعنا. فظهرا الى مكة بعد قتل عثمان باربعة اشهر))((194)).

اما الرواية المنسوبة لمحمد بن سيرين فهي كما في تاريخ الطبري ايضا:
((اخبرنا علي بن مسلم، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن عوف، قال: اما انا فاشهد اني سمعت محمد بن سيرين يقول: ان عليا جاء فقال لطلحة: ابسط يدك يا طلحة لابايعك، فقال طلحة:انت احق، وانت امير المؤمنين، فابسط يدك، قال: فبسط علي يده فبايعه))((195)).

ويلاحظ على كلتا هاتين الروايتين:

اولا: انهما شاذتان مخالفتان لسائر الروايات الاخرى التي وصفت كيفية البيعة بالخلافة لعلي(ع) بعد مقتل الخليفة الثالث، وهي كثيرة، وقد قسمها الطبري في تاريخه الى طائفتين، تضمنت احداهما -وهي التي قدم‏الطبري ذكرها مما يشير الى انه يرجحها على الطائفة الاخرى- ان اصحاب رسول اللّه(ص)، وفيهم طلحة والزبير، سالوا عليا(ع) ان يتقلد لهم وللمسلمين فابى عليهم، فلما ابوا عليه وطلبوا اليه تقلد ذلك لهم، بل‏ذكر في بعضها ان اول من بايعه من الناس كان طلحة والزبير حتى قيل في شان بيعة طلحة: ((اول من بدا بالبيعة يد شلاء))((196)).

وذكر في بعضها ايضا اسماء من امتنع عن البيعة كسعد بن ابي وقاص وعبداللّه بن عمر من المهاجرين، ونفير يسير من الانصار، منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك، وكانوا عثمانية((197)).
وتضمنت الطائفة الثانية ان طلحة والزبير بايعا عليا(ع) مكرهين.
وقد خلت جميع هذه الروايات التي ذكرها الطبري، وهي تربو على العشرين من اي اشارة الى قصة عرض الامام علي(ع) البيعة على طلحة والزبير، الا هاتان الروايتان!

ثانيا: انهما مرسلتان لم يسندهما راوياهما: الزهري ومحمد بن سيرين، اللذان هما من تابعي التابعين، الى من حضر واقعة البيعة لعلي(ع) حتى نتبين حاله وحال من روى عنه.

ويلاحظ على خصوص الرواية الاولى:

اولا: ان مرسلها هو الزهري، وحاله في الانحراف عن امير المؤمنين(ع) والقرب من الامويين ظاهرة معروفة، فهو متهم في روايته، ومن الراجح انه يحاول بها الاعتذار عن طلحة والزبير في نكثهما بيعتهما لعلي(ع).

ثانيا: ان ما ذكره الزهري في روايته يتعارض مع ما ذكره ايضا في الرواية ذاتها، ومع روايته الاخرى التي قدم ذكرها على تلك الرواية من ان طلحة والزبير كانا مكرهين على البيعة لعلي(ع)، فكيف يعقل ان يزهد الامام(ع) في الخلافة ويعرض البيعة بها عليهما ثم يكرههما بعد ذلك على البيعة له؟! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
184- تطور الفكر السياسي الشيعي، ص 23.
185- مستزيد، اي شاك عاتب.
186- شرح النهج: 7/33 35.
187- نهج البلاغة، الكتاب 6.
188- شرح النهج: 14/36 و37.
189- نهج البلاغة، الخطبة 3.
190- م.ن، الخطبة 144.
191- م.ن، الخطبة 2.
192- م.ن، الخطبة 92.
193- انظر مناقشة الشبهتين السادسة والسابعة.
194- تاريخ الطبري: 4/427.
195- م.ن.
196- م.ن: 4/428 435.
197- م.ن.


[ انتهى ما أردنا نقله من ردّ الشيخ خالد أبا ذر العطية ]


اللهم صل على محمد وآل محمد والعن أعدائهم .


مرآة التواريخ ،،،



هذا ويوجد جوابان ايضاً أحببت إضافتهما لمزيد الفائدة :
أحدهما للشيخ المجلسي والآخر للشيخ محمد مهدي شمس الدين عليهما الرحمة

قال الشيخ المجلسي في بحار الأنوار ج32ص35:
" المخاطبون بهذا الخطاب هم الطالبون للبيعة بعد قتل عثمان ، ولما كان الناس نسوا سيرة النبي واعتادوا بما عمل فيهم خلفاء الجور من تفضيل الرؤساء والأشراف لانتظام أمورهم وأكثرهم إنما نقموا على عثمان استبداده بالأموال كانوا يطمعون منه عليه السلام أن يفضلهم أيضا في العطاء والتشريف ولذا نكث طلحة والزبير في اليوم الثاني من بيعته ونقموا عليه التسوية في العطاء وقالوا آسيت بيننا وبين الأعاجم وكذلك عبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان وأضرابهم ولم يقبلوا ما قسم لهم فهؤلاء القوم لما طلبوا البيعة بعد قتل عثمان قال عليه السلام ( دعوني والتمسوا غيري ) إتماما للحجة عليهم وأعلمهم باستقبال أمور لها وجوه وألوان لا يصبرون عليها وإنه بعد البيعة لا يجيبهم إلى ما طمعوا فيه ولا يصغي إلى قول القائل وعتب العاتب بل يقيمهم على المحجة البيضاء ويسير فيهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله .... وليس الغرض ردعهم عن البيعة الواجبة بل إتمام للحجة وإبطال لما علم عليه السلام من ادعائهم الاكراه على البيعة كما فعل طلحة والزبير بعد النكث ، مع أن المرء حريص على ما منع والطبع نافر عما سورع إلى إجابته ... ولا يخفى على اللبيب أنه بعد الاغماض عن الأدلة القاهرة والنصوص المتواترة لا فرق بين المذهبين في وجوب التأويل ولا يستقيم الحمل على ظاهره إلا على القول بأن إمامته عليه السلام كانت مرجوحة وأن كونه وزيرا أولى من كونه أميرا وهو ينافي القول بالتفضيل الذي قال به فإنه عليه السلام إذا كان أحق الإمامة وبطل تفضيل المفضول على ما هو الحق واختاره أيضا كيف يجوز للناس أن يعدلوا عنه إلى غيره وكيف يجوز له عليه السلام أن يأمر الناس بتركه والعدول عنه إلى غيره مع عدم ضرورة تدعو إلى ترك الإمامة ، ومع وجود الضرورة كما جاز ترك الإمامة الواجبة بالدليل جاز ترك الإمامة المنصوص عليها فالتأويل واجب على التقديرين ولا نعلم أحدا قال بتفضيل غيره عليه ورجحان العدول إلى أحد سواه في ذلك الزمان .
على أن الظاهر للمتأمل في أجزاء الكلام حيث علل الامر بالتماس الغير باستقبال أمر لا تقوم له القلوب وتنكر المحجة وأنه إن أجابهم حملهم على الحق هو أن السبب في ذلك المانع دون عدم النص وأنه لم يكن متعينا للإمامة أو لم يكن أحق وأولى به ونحو ذلك ولعل الوجه في قوله عليه السلام ( لعلي أسمعكم وأطوعكم ) هو أنه إذا تولى الغير أمر الإمامة ولم تتم الشرائط في خلافته عليه السلام لم يكن ليعدل عن مقتضى التقية بخلاف سائر الناس حيث يجوز الخطأ عليهم .

وأما قوله : (فأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا) فلعل المراد بالخيرية فيه موافقة الغرض أو سهولة الحال في الدنيا فإنه عليه السلام على تقدير الإمامة وبسط اليد لا يجب عليه العمل بمحض الحق وهو يصعب على النفوس ولا يحصل به آمال الطامعين بخلاف ما إذا كان وزيرا فإن الوزير يشير بالرأي مع تجويز التأثير في الأمير وعدم الخوف ونحوه من شرايط الامر بالمعروف ولعل الأمير الذي يولونه الأمر يرى في كثير من الأمور ما يطابق آمال القوم ويوافق أطماعهم ولا يعمل بما يشير به الوزير فيكون وزارته أوفق لمقصود القوم فالحاصل أن ما قصدتموه من بيعتي لا يتم لكم ووزارتي أوفق لغرضكم والغرض إتمام الحجة كما عرفت". [انتهى]



وقال الشيخ محمد مهدي شمس الدين في دراسات في نهج البلاغة ص205 – 208 :
"فأنت ترى أنه لم يأب الحكم لأنه لم يأنس من نفسه القوة عليه ، وإنما أباه لأمر آخر : لقد كان يرى المجتمع الاسلامي وقد تردى في هوة من الفوارق الاجتماعية التي ازدادت اتساعا بسبب السياسة التي اتبعها ولاة عثمان مدة خلافته .
ولقد كان يرى التوجيهات الدينية العظيمة التي عمل النبي طيلة حياته على إرساء أصولها في المجتمع العربي قد فقدت فاعليتها في توجيه حياة الناس . وكان عليه السلام يعرف السبيل الذي يرد الأشياء إلى نصابها ، فإنما صار الناس إلى واقعهم هذا لأنهم فقدوا الثقة بالقوة الحاكمة التي تهيمن عليهم . فقدوا الثقة بهذه القوة كناصر للمظلوم وخصم للظالم ، فراحوا يسعون إلى إقرار حقوقهم وصيانتها بأنفسهم . وهكذا ، رويدا رويدا انقطعت الصلة بينهم وبين الرموز المعنوية التي يجب أن تقود حياتهم .
والسبيل إلى تلافي هذا الفساد كله هو إشعار الناس أن حكما صحيحا يهيمن عليهم ، لتعود إلى الناس ثقتهم الزائلة بحكامهم .
ولكن شيئا كهذا لم يكن سهلا قريب المنال ، فهناك طبقات ناشئة لا تسيغ مثل هذا ، ولذلك فهي حرية أن تقف في وجه كل برنامج إصلاحي وكل محاولة تطهيرية ، ولذلك أبى عليهم قبول الحكم ، لأنه قدر - وقد أصاب - انه سيلاقي معارضة عنيفة من كل طبقة تجد صلاحها في أن يبقى الفساد على حاله .
لأجل هذا قال للجماهير يوم هرعت إليه تسأله أن يلي الحكم : ( دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا اني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل ، وعتب العاتب ، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا ) ولكن القوم أبوا عليه إلا أن يلي الحكم ، وربما رأى عليه السلام انه إذا لم يستجب لهم فربما توثب على حكم المسلمين من لا يصلح له ، فيزيد الفساد فسادا ، ورجا أن يخرج بالناس من واقعهم الاجتماعي التعس الذي أحلتهم فيه اثنتا عشرة سنة مضت عليهم في خلافة عثمان ، إلى واقع أنبل وأحفل بمعاني الاسلام ، وهكذا استجاب لهم ، فبويع خليفة للمسلمين .
ولقد دأب ، بعد أن بويع ، على بيان الهدف الذي ابتغى من وراء ولاية الحكم ، وذلك بأن يكون في مركز يمكنه من أن يصلح ما يفتقر إلى الاصلاح من شؤون الناس ، وأن يرفع عن المظلومين فادح ما رزحوا تحته من ظلم ، فتراه يقول : ( . أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنـز ) ". [انتهى]


والحمد لله رب العالمين ،،،


مرآة التواريخ ،،،