عقائد الإمامية.. فرصة جديدة للتعرف على المذهب المُفترَى عليه

أدب الحوار

New Member
18 أبريل 2010
126
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد



عقائد الإمامية



لكلِّ مذهب إسلاميٍّ نقاط اشتراك تجمع بينه وبين سائر الفرق الإسلامية، كما أنَّ له مزايا تمثِّل نقاط الافتراق بينه وبينهم.. ولولا نقاط الاشتراك لما صح وصفه بالإسلامي، ولولا نقاط الافتراق لما صح عدُّه مغايراً للبقية..

ولا ريب أنَّ مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، هو أحد المذاهب الإسلامية المشهورة.. ولكن من دواعي الأسف أنَّ هذا المذهب العريق، والضاربة جذوره في أعماق التاريخ الإسلامي، لم يتمّ التعرّف عليه بصورة صحيحة من قبل أكثر الأمَّة الإسلامية.. وأقصد من التقييد بـ (صورة صحيحة) : أنَّ هناك معرفة حاصلة، ولكنها تشتمل على الكثير من الغموض، كما أنها تشتمل على الكثير من الزيف؛ بسبب أنَّ المعرفة تمت – في الأعمِّ الأغلب – من قبل خصوم الشيعة الإمامية، وكتابات ومنابر مناوئيهم..

ولذلك قررتُ فتح هذا الموضوع؛ بهدف كتابة عقائد الإمامية، ونظراتهم وأفكارهم الرئيسية، في نقاط الاشتراك ونقاط الافتراق.. وباعتباري شيعياً إمامياً؛ ستكون هذه فرصة لإخواني من سائر الفرق الإسلامية للتعرف على الشيعة من خلال الشيعة أنفسهم، لا من خلال خصومهم ومناوئيهم..

وسوف يكون الموضوع – بطبيعة الحال في المنتديات – مفتوحاً للمداخلات والاستفسارات، وكذا للنقود والاقتراحات، ولكنني قرّرتُ ألاَّ أجيب عن أيِّ مداخلة تهدف إلى الإساءة والتهجّم، أو حرف الموضوع عن مساره..

وأريد أن أذكِّر إخواني الأفاضل بأنَّ الهدف هو التعرّف على عقائد الإمامية، وليس التركيز على عقيدة معينة بذاتها..

كما ينبغي الالتفات إلى أنَّ هناك مسائل يوجد فيها خلاف علمي بين علماء الشيعة الإمامية، وفي تلك المسائل سوف أقوم بالإشارة إلى وجود الخلاف (على فرض اطلاعي عليه) ، وأذكر ما هو مختاري من الرأيين المختلفين.. على أنني لم أرتض لنفسي رأياً شاذاً في شيء من الخلافيات.. بل أوافق فيما أراه العديد من علماء الشيعة الإمامية..

وربما ارتأى بعض الزملاء الأفاضل أن أزوّدهم بمصدر أو أكثر بخصوص مسألة من المسائل، يكون شاهداً على صحة نسبة قولٍ من الأقوال إلى الشيعة الإمامية، فأرحِّب بهذا النوع من الطلب، ولكنني قد أرجِّح تأجيل بعض ذلك إلى وقت لاحق؛ ترجيحاً لمواصلة حلقات الموضوع بعضها ببعض..

والموضوع سيعتمد أسلوب الاستعراض (الوصف) ، وقد ندعمه بتحليل متاح للفكرة المعروضة.. وأمّا الاستدلال والبرهنة العلمية، فليس هو موضوعنا هاهنا، ومع ذلك سوف نعتمد أسلوب الإشارة إلى الأدلة في العديد من النقاط إن شاء الله تعالى..

والهدف من الموضوع هو التعرّف على التشيع والشيعة، وليس إقناع أحد بصحة مذهب الشيعة.. فنرجو عدم الخلط بين الأمرين..

وأرجو من المشرفين الأعزاء أن يقوموا يتثبيت الموضوع، شاكرين لهم جهودهم في الحفاظ على مسار الموضوع، وحمايته من المُهاترات، والمحاولات التخريبية..

والله ولي التوفيق..



(1)
عقيدة الإمامية في خالق الكون


يعتقد الشيعة الإمامية أنَّ العالم الذي يحتضننا لا ينحصر فيما نشهده بحواسنا المادية، بل الذي نشاهده بحواسنا هو القسم الأدنى من العالمين، وثمة شطرٌ آخر يمثل بطن هذا العالم، وجانبه الأسمى، وهو ما لا يسعنا إدراكه بحواسنا المادية، ولكننا نستدل عليه بعقولنا المُؤيَّدة من قِبَل الدين.. وهذا الشطر الآخر هو الغيب..

ويعتقد الشيعة الإمامية أنَّ العالم جميعه مخلوقٌ، وأنَّ خالقه هو الله تبارك وتعالى.

وهم في هذه العقيدة يوافقون جميع المسلمين، بل هي عقيدة تشترك فيها الأديان السماوية جميعُها.



(2)
عقيدتهم في توحيد الله تعالى


يعتقد الشيعة الإمامية أنَّ خالق العالمين (الله تبارك وتعالى) ، ليس له شريكٌ في الخلق.. فهو وحده الذي خلق فسوَّى، كما أنه ليس له شريك في جميع مراتب صفاته العليا وأسمائه الحسنى.. وجملةُ القول: أن الله واحدٌ، ولا يوجد إلهان. كما أنه لا شبيه لله تعالى في الصفات.

والتوحيد - في اصطلاحهم – ذو مجالين، فهناك توحيدٌ في مجال الذات، وتوحيدٌ في مجال الصفات.

والمقصود بالتوحيد في الصفات، هو أنَّ الله واحدٌ. فليس هناك إلهان أو أكثر. وكل من قال بغير هذا، فهو مشرك عندهم.

وأما التوحيد في الصفات، فهو ذو معنيين عندهم:

المعنى الأول: نفي زيادة الصفات على الذات. وهو ما يعبِّرون عنه بقولهم: صفاته عين ذاته.

المعنى الثاني: أنه تعالى ليس كمثله شيء في صفاته، فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق لا شريك له، وفي كل كمال لا ند له.

وسنقوم في المشاركة المقبلة بتوضيح مُرادهم من كلا معنيي التوحيد في الصفات إن شاء الله تعالى.



(3)
عقيدة الشيعة الإمامية في نفي زيادة الصفات

(صفاته عين ذاته)


ذكرنا في آخر تعريف لنا بالشيعة الإمامية أنّهم يقصدون بالتوحيد في الصفات معنيين:

المعنى الأول: نفي زيادة الصفات على الذات. وهو ما يعبِّرون عنه بقولهم: صفاته عين ذاته.

المعنى الثاني: أنه تعالى ليس كمثله شيء في صفاته، فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق لا شريك له، وفي كل كمال لا ند له.

وفي هذه المشاركة نريد أن نوضِّح مُعتقدهم في المعنى الأوّل من توحيد الصفات.

وحتى يتضح المعنى بصورة جيدة، وهو ذو عُمق وغور، ويصعب هضمه إلاَّ على من وفقه الله تعالى؛ نوضِّحه على النحو التالي:

إنَّ الإنسان عبارة عن وجود مُركّب من ذات (نفس) بإضافة مجموعة من القوى، كقوة العقل، وقوة الإرادة، وقوة الإدراك (العلم) ... إلخ . ويمكن أن نصوغ هذا المعنى على صورة: الإنسان = ذات + صفات.

ومن يكون كذلك - كالأنسان مثلاً – يصح وصفه بعالم، ويصح وصفه بالجاهل، حسب تحقق صفة العلم فيه، أو عدم تحققها. كما أننا حين نتصور الإنسان العالم في أذهاننا، يكون التصور تركيباً مكوناً من مزيج الذات والعلم.

وكمثال آخر: حين نقول: الثوب الأحمر، فإن المقصود أنّ هناك: ثوباً + لون أحمر = ثوب أحمر.

فالثوب ليس بذاته أحمر، ولا الإنسان بذاته عالم، ولكن صفة الحُمرة زائدة على ذات الثوب، كما أن صفة العلم زائدة على ذات الإنسان. وإن كنا لا نرى في عالم الواقع إلاَّ وجوداً واحداً يعبر عن الذات والصفة في آن واحد. إلاَّ أنَّ التحليل العقلي هو الذي ينتهي بنا إلى الحكم بزيادة هذا النمط من الصفات، لهذا النوع من الذوات.

وأهمية الموضوع تكمن في أنَّ الصفات التي تكون زائدة على الذوات، تتميز بعدة أمور:

1 – أنَّ الصفة تُشكِّل مُركَّباً بانضمامها إلى الذات.

2 – أنَّ الانضمام الحاصل بين الصفة والذات، بحاجة إلى علَّة ثالثة توجب هذا الانضمام.

3 – أنَّ ذات الصفة وكذا ذات المُتَّصف، لا يقتضيان بذاتهما عملية الانضمام (الاتصاف) . وبناء عليه: يحكم العقل بكون عملية الاتصاف ليست لزوميةً، بمعنى أنَّ الاتصاف ممكنٌ كما أنَّ انتفاء الاتصاف ممكن أيضاً.

وفي ضوء هذا التحليل الدقيق لمعنى الاتصاف، قال الشيعة الإمامية: إنَّ هذا النمط من الاتصاف الذي تكون فيه الصفة زائدة على الذات، بحيث ترد اللوازم الثلاثة المذكورة أعلاه، هو نمط من الاتصاف تختص به المخلوقات، فكلما حصل المخلوق على كمال معين، يكون انضمام الصفة الكمالية إلى ذات المخلوق، على نحو زيادة الصفات على الذات. وأمَّا فيما يرتبط بالذات المقدسة (الله جل وعلا) ، فالأمر يختلف تماماً؛ ففي مقام الذات لا توجد صفات زائدة على الذات، وفي ضوء الأمور الثلاثة نقول:

1 – في مقام الذات الإلهية لا يوجد مركَّب حاصل من انضمام الصفات إلى الذات؛ لأنه يلزم منه القول بأن الله تعالى عبارة عن وجود مركَّب. وهو ما يستلزم النقص. فوجب نفيُه.

2 – إنَّه من المحال القول بالاحتياج إلى العلة الثالثة (بعد الذات والصفة) في حق الله تعالى؛ لأن معنى ذلك: أن يكون هناك مؤثر في الله تعالى. وهو خُلف أنَّ الله تعالى هو الغني عن العالمين.

3 – إنَّ القول بالزيادة، يوجب القول بكون الذات ليست بذاتها واجدةً للصفة، بما يعني جواز الانفكاك بين الذات والصفة، فيوجب القول بإمكان نفي العلم – مثلاً – عن الله تعالى، ولو على مستوى الإمكان.. وهو باطل.

وبناء عليه: يلزم القول بأنَّ الله تعالى عالمٌ، ولكن لا بانضمام العلم إلى ذاته كما هو شأن المخلوقات، بل بذاته سبحانه وتعالى، فالذات المقدسة واجدة للعلم، من دون أن تحتاج إلى أن تنضم إليها صفة العلم، وقادرة، من غير حاجة إلى انضمام صفة القدرة.

ولذا يمكن التعبير بهذا النحو: الله عالم بذاته، وليس بعلم، وقادر بذاته، وليس بقدرة.. وكذا.

وهذا القول تميز به الشيعة الإمامية، وهو القول الذي يعتقد به الزيدية أيضاً، بخلاف معتقد أهل السنة.

فإن أهل السنة يعتقدون بأن الله ذات، والصفات غيرها.

وقد أشكل الشيعة على هذا القول بأنه يجرّنا إلى أحد قولين، كلاهما باطل:

1 – القول بأنّ الصفات قديمة بقدم الله تعالى، فيكون الله ليس هو القديم فحسب، بل وهناك عدة صفات قديمة أيضاً، وهي (الصفات) ليست مخلوقة أيضاً، فيلزم مأزق الشرك.

2 – القول بأنّ الصفات ليس قديمة، ولكنها حصلت بعد الذات، وهذا يلزم منه أنّ الذات الإلهية كانت في مرحلة من مراحل وجودها فاقدة للصفات.. فيلزم التعطيل، وهو كفرٌ.

فخلاصة عقيدة الشيعة الإمامية في هذا الموضوع، هي عقيدة إخوانهم الزيدية نفسُها، وتتلخَّص في نفي التغاير والاثنينية بين الصفات والذات المقدّسة. نعم؛ هناك اثنينية حاصلة في أذهاننا بسبب التحليل العقلي، ولكنّ التعدّد المفهومي الناتج بسبب التحليل العقلي، لا يلزم منه بالضرورة التعدّدُ في متن الواقع.

وهذا المعنى هو الذي يعبر عنه الإمامية بقولهم: صفاته عين ذاته.

والمعنى دقيق، وغوره عميق، وربما صعب فهمه حتى على عوامِّ الإمامية، فضلاً عن غيرهم. ولكنه حقٌّ أبلج، تستسيغه نفوسٌ وطَّنها أصحابُها على الإنصاف وترك الاعتساف.

وفي المشاركة المقبلة – إن شاء الله تعالى – سوف نبين معتقد الإمامية فيما يرتبط بالمعنى الثاني من التوحيد في الصفات.

والله وليّ التوفيق.



(4)
عقيدة الإمامية في خصائص صفات الله تعالى

(ليس كمثله شيء)


ذكرنا سابقاً أنَّ التوحيد عند الشيعة يكمن في مجالين:

1 - مجال الذات المُقدَّسة، ومعناه أنَّ الله تعالى واحدٌ.

2 – مجال صفات الله تعالى، والمقصود منه مَعنَيَان:

المعنى الأول: نفي زيادة الصفات على الذات. وهو ما يعبِّرون عنه بقولهم: صفاته عين ذاته.

المعنى الثاني: أنه تعالى ليس كمثله شيء في صفاته، فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق لا شريك له، وفي كل كمال لا ند له.

وقد شرحنا – بالقدر المناسب – المعنى الأول، والآن نريد أن نشرح المعنى الثاني فيما يرتبط بتوحيد الصفات.

إنَّ الشيعة الإمامية يعتقدون أنَّ الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء من خلقه في صفاته العليا.

فالله سبحانه وتعالى يعلم، وفي مخلوقاته من يعلم أيضاً، ولكن الاتصاف بالعلم فيه فرق شاسع جداً؛ لأن الله تعالى يعلم من غير واسطة، فهو سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى حضور صورة الأشياء عنده، حتى يعلم بها، بخلاف علم المخلوقات، فإنها كثيراً ما تحتاج إلى حضور صور الأشياء لديها لتعلم بها، كما أن حالات علم المخلوق بغير صورة، هو علم يحصل بإفاضة ذي الجلال والإكرام (الله سبحانه وتعالى) ، فكل من يعلم إنما يستمد القدرة على العلم، وكذا فعلية هذه القدرة، من إذن الحي القيوم، في حين أن الله تعالى غنيٌّ عن العالمين..

وهكذا في جميع صفاته تبارك وتعالى، فهو مستقلٌ، غنيٌّ، مُفيضٌ.. في حين أن كل من عداه: مستمدٌّ، فقير، متلقٍّ..

وهذا القدر من المعرفة الدينية التي يعتقد بها الشيعة، لا يختلفون فيها مع أي فرقة إسلامية، ولكن الفرق (مع بعض الفرق) يكمن في الفهم التطبيقي لهذا المعتقد الديني..

إذ تعتقد بعض الفرق أنَّ هذا المعنى من التوحيد يستلزم حصر مفهومها أيضاً في الله تعالى، فلا يجوز أن نقول إن غير الله يرزق، أو غير الله يشفي.. وهكذا.

إلاَّ أنَّ هؤلاء غفلوا عن أنَّ المراد من نسبة الرزق أو أي شيء آخر، هو أنَّ المخلوق يتسبَّب بذلك باستمداد القدرة من الله تعالى وإذنه.

ويبدو أنَّ هؤلاء أساءوا الظن بغيرهم من المسلمين، وقد بلغ بهم الأمر إلى إطلاق دعوى التكفير، بسبب غفلتهم عن مراد المسلمين.. كما أنهم غفلوا عن أنهم هم أنفسهم يقومون بهذه الأمور، ولكن في مجالات أخرى.. فمثلاً: هم يراجعون الأطباء طلباً للشفاء، فإذا كان طلب الشفاء باللفظ من غير الله شركاً، فكيف لا يكون طلب الشفاء عملاً (مراجعة الطبيب) شركاً؟ وعلى هذا المثال فقس ما سواه من الأمور..

والخلاصة أن الشيعة يعتقدون أن المدد – كل المدد - ، والعون والعطاء والخير، كله وبرمته من الله تعالى، وهو - وحده – الذي بيده الأمر كلُّه، ولكنه تعالى سبَّب الأسباب، وخلق الوسائط، وفضَّل الخلق بعضهم على بعض..

فكل من يعطي، مهما سمت درجتُه، وعلت منزلته، فهو يستمد من الله تعالى، والله هو المفيض الحقيقي، وذو الطول والمنَّة..

وهذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة أيضاً، وكذا الزيدية، وإنما طرأت الشبهة على بعض المسلمين، ممَّن لم يتعمَّق في العلوم الإسلامية، أو انجرف في تيار الشبهات بغير بصيرة..

وثمة سؤال وجيه:

أليس القول بالوسائط، يتنافى مع قوله تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر: 3] . فالمشركون هم الذين كانوا يتخذون بينهم وبين الله وسائط، أفليس يشبه هذا ما نسبناه إلى الشيعة الإمامية وغيرهم من المسلمين؟

الجواب – وبالله التوفيق - :

إنَّ الذي ذمَّه اللهُ تعالى، ليس هو مُطلق اتخاذ الواسطة، أي ليس اتخاذ الواسطة في أي مجال من المجالات، بل المذموم في الآية الكريمة هو اتخاذهم الواسطة في مجال العبادة، لأنَّ ذلك من صور الشرك في العبادة.. ومن الواضح أن من يطلب الشفاء، أو شيء آخر من غير الله تعالى، وهو خاضع لله، ويعتقد أن الذي يطلب منه ذلك، هو أيضاً محتاج مستمد من الله، فهذا لا يعبد غير الله تعالى. فشتان ما بين الصورتين.

فالمذموم إذاً هو اتخاذ معبود غير الله تعالى، وأما اتخاذ الوسائط في غير مجال العبادة، فليس مذموماً.. بل نقول: إنَّ سيرة العقلاء جميعاً مَبنيَّة على اتخاذ الأسباب في كل مجال.

ونرجع إلى موضوعنا لنقول:

إنَّ الشيعة يعبرون عن عقيدتهم في أن جميع الكون خاضع لإرادة الله تعالى وإذنه، بـ (توحيد الأفعال) .

كما أنَّ من شُعَب التوحيد عندهم: توحيد العبادة، أي عدم جواز عبادة غير الله تعالى.

ومن شُعب التوحيد عندهم أيضاً: توحيد الملكية، أي أنَّ الله تعالى هو مالك كل شيء.

وعندهم أيضاً: توحيد الحاكمية، أي أن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في تصدير الحكم في نطاق التشريع.

وهذه الشُّعََب التوحيدية، يتَّفق فيها جميع المسلمين من الناحية الفكرية (النظرية) . ولكن الإشكالية قد تبرز في تطبيق هذه المفاهيم في واقع السلوك، فيتصور البعض – لشبهة ما – أن سلوكاً معيناً يعبر عن الشرك، ويخالف بذلك سائر المسلمين.. فالمرجع في ذلك إلى الحوار والتفاهم الإسلامي تحت مظلة الأخلاق والقيم الراقية التي علَّمناها الإسلام.. وأما التكفير والتناحر، فليس إلاَّ من حبائل الشيطان، ومكائد حزب إبليس.. نسأل الله أن يجيرنا من الشيطان الرجيم.

وثمة نقاط مهمة ترتبط بعقيدة الشيعة الإمامية في صفات الله تعالى، سوف نتناولها لاحقاً إن شاء الله تعالى. وتكمن أهميتها أنها وقعت في دائرة الخلاف بينهم وبين أهل السنة.. ولذلك من المُهم أن نطَّلع على وُجهة نظر الشيعة فيها.