خواطر ايمانية :دور الأئمة عليهم السلام في حفظ التشيع

18 أبريل 2010
21
0
0
خواطر إيمانية سريعة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه خواطر مكتوبة باوقات متباعدة بعضها حديث وبعضها كتب قديما أو لم يكتمل موضوعها وقد اضيف لها حديثا :



الخاطرة الأولى :


دور الأئمة عليهم السلام في حفظ التشيع ؟


قبل اكثر من عشرين سنة كنا نتباحث فيما ينبغي على الشيعة من فعل اتجاه الهجمة الشيطانية الشرسة على الاسلام الحقيقي اسلام محمد ص وآل محمد ع ، وكان الحضور من عَلّية القوم ، فانبرى لي احد ابناء المراجع رحمه الله، فقال إن رأي والدي ان التشيع يحفظه الائمة سلام عليهم بدون حاجة لنا ، وهذا هو المجرب ، فقد كان الحفظ والتسديد من قبل الأئمة اهم بكثير مما فعلناه بل النتائج لا تتناسب مع الأفعال وضئالتها. فهنا اطرقت ثم قلت له : هذا صحيح في واقعه ، ولكننا نبحث عن تكليفنا مع اننا لا نريد حفظ ايمان المؤمن الذي وصله الامام بلطفه ، بل نريد حصانة الشيعي العادي من الفتن الداخلية والخارجية المدعومة بالمال والدجل وجيش من الدجالين والتكفريين المجرمين، وأما الائمة فإن لهم اسلوب عجيب في تقريب وتسخير قلوب الناس اليهم وتوجيه الناس الى الوعي بالدين والى حب الله الحقيقي وطاعته، ولكن لا ننسى أن هناك حاجة ماسة لبيان الحقائق ولتحسين الخطاب رغم التضييق علينا من جميع النواحي. (ثم سار الحوار باتجاهه المطلوب) .

ذكرت هذا الحوار لانطلق انطلاقة سريعة للبحث في دور ائمتنا سلام عليهم في حفظ التشيع وحفظ حبهم في قلوب الناس، فان ما قاله ذلك الرجل المحترم صحيح في جانب التعامل الشخصي بين المؤمن وبين الايمان نفسه فهناك حالة لا يمكن تحقيقها بالطرق المألوفة من الخطاب والاقناع العلمي فإن ما يقوم به اهل البيت احياء واموات بشكل معجز يقوم مقام القيادة الخفية لحفظ المذهب وحفظ الاسلام بالحقائق .

قد يتبارد لذهن القارئ الكريم إن الكلام هو عن دور الائمة سلام الله عليهم في حياتهم بما فعلوه من سلوك اخلاقي رفيع، وعلم ، والتزام، وتقوى، واظهار حقيقي لمعنى العصمة والكرامة الإلهية وصحة كتاب الله وبيانه الجلي عمليا ، فكانوا كتابه الناطق وبرهانه الساطع. ولكن في الحقيقة فانني اريد الكلام في غير هذا المجال فإن هذا المجال مستوفى او متوفر في كمية هائلة من الدراسات والكتب ، وهي دراسات رغم انها تحتاج الى المزيد والمزيد لأن دراسة حياة اهل البيت عليهم السلام وبيان نصاعة موقفهم. وما نقصده من البحث هو دورهم عليهم السلام بعد حياتهم او في زمن الغيبة بشكل ادق. فهذا الدور الحيوي العجيب الغريب الذي يتصف بالكرامة والفاعلية الحيوية المباشرة ، لهو دور يجب ان نفكر به وان ندرسه ليس من جهة كونه مجرد كرامات، بل من زاوية ثانية وهي زاوية الدعم العقلي والنفسي للمؤمن بشكل شخصي لاثبات أن طريقهم هو طريق الصلة بالله وهو طريق الحقيقة .
انه الكلام عن الدور الفعلي والمباشر للائمة سلام الله عليهم في نصرة التشيع او الشيعي بما يثبّت قلوب المؤمنين على الحب والتشيع لهم .

هذا الكرم المستمر من النبي واهل بيته الطاهرين حتى بعد وفاتهم لهو اعظم ما اتحفنا الله به من تشيعنا لهذه الثلة القليلة من الانوار القدسية التي شرفنا الله بالايمان بها والتمسك بحبل يقينها المتين.

الفكرة بسيطة جدا ، تتمثل بكون الانسان حين يتوسل بالامام سلام الله عليه بمشكلة عويصة لا يمكن أن تحل الا بشكل معجز فيحدث الحل بشكل متناسب ومتزامن مع الحدث وبالشكل المعجز وغير المتوقع بدون وسيط أو خزعبلات. فهذا الامر يتعلق بالقناعة بوجود الصلة الحقيقية بين الامام وبين الله ويتعلق بالعلاقة بين الامام وبين مريديه من أي بشر كان. وبقول مختصر: إن الاستجابة للطلب الروحي الشخصي بما يقنع الشخص يجعل ذلك الفرد مرتبطا ارتباطا روحيا وعقديا بما لا يمكن أن يغيّر قناعته بخزعبلات تقول بعدم قدرة المستجيب على الفعل بأدلة لفظية غير سليمة المعنى (كما يدعي الوهابية).
وهذا ما يحدث يوميا بعشرات بل مئات والوف المرات مع المؤمنين من كرامات اهل البيت ومعاجزهم في مختلف بقاع الأرض ، بحوادث تختلف من حيث القرب والبعد عن تحقيق الممتنع.


إن من يرى بنفسه حل مشكله بعد أن يطلبه من الامام أو النبي ص فهل يمكن أن يقنعه وهابي يطنطن في اذنه عشرات السنين ؟ ليقول له الوهابي : ان هؤلاء موتى وأن الميت لا يمكنه ان يفعل شيئا ومن قال بقدرة الميت على الاجابة للتوسل فقد كفر وان الوساطة شرك فلا يجوز ان توسّط بينك وبين الله وليا صالحا مهما كنت مذنبا او لا قيمة لك من ناحية شرعية ، وغير ذلك من سخيف الكلام الذي يلوك به الوهابيون من الأكاذيب والكفر المبطن ، للتزوير على المسلمين من أجل اخفاء مشكلة شركهم الحقيقي بالله وعبادتهم لغير الله وتجسسهم لصالح الكفار وخدمتهم والعياذ بالله.


إن حقيقة التواصل الروحي والجسدي عبر تلبية المهمات الخاصة للانسان لهي ابلغ الدعاية واوفر طرق التواصل العقلي والمعنوي بين الامام وبين طالبي الحاجات لتكون نقطة بدء وتثبيت على الايمان وعلى اليقين المبني على البرهان الواضح لكل العقول ولكل الاتجاهات الفكرية.
الفرق بين ما يقوم به الائمة سلام الله عليهم وبين غيرهم سواء كانوا حقيقيين ام دجالين هو في نوع الاستجابة ، مثل الاستجابة في الممتنع الذي يصل الى مستوى المعجزة . ولهذا فإنني اعتبر أن الاستجابة بما هو اقل من هذا المستوى هي عملية استئناس وتواصل بسيط يدعم الايمان ويكون مجرد عمل متمم للاستجابة في الممتنعات الذي هو الدليل على ان جميع انواع الاستجابة المتواصلة صحيحة وبرهان عملي على صحة الارتباط، وليست نوعا عاديا من الاتصال بالامام.


طبعا بشيء من التأمل في المسألة الافتراضية يمكن أن نصل لنتيجة قاهرة ويقينية. وهي ان من يقدر على فعل الممتنعات انما يستمد قواه من القادر الاكبر على الخلق والفعل وهو الله، وهذا الامداد لا يكون بدون علاقة صادقة وقرب صحيح بين الله وبين عبده المكرّم بهذه الكرامة المهمة. وهذه العلاقة هي المطلوبة للبشر ليرتبط الانسان بربه عبر حجة من حججه . وعلى اقل تقدير هي علاقة صحيحة مع جهة واقعية وليست كذبا أو مستعينا بالكذب والدجل كما يفعل ائمة الضلال .


واما في غير (الممتنعات و شبه المستحيلات) فلا يمكن أن يكون ذلك دليلا قاطعا وانما هو مجرد دليل ظني يمكن ان يحصل بالشعوذة والسحر وغير ذلك من اساليب الدجل للدعوة للاشخاص او المبادئ ونسبتها الى الله او الدين لتعزيز موقف دين معيّن او مذهب معيّن. (خصوصا حين تكون الاستجابة ممن يفترض موته وليس امام كاهن او ساحر متخفي يقوم بالتغييرات الكونية بالسحر وما شابه ذلك) . ولكن حين تكون الاستجابة بحجمٍ وشكلٍ وصيغةٍ لا مجال فيها للشعوذة فيمكنها ان تدعم وتعزز كل انواع الاستجابة البسيطة الاخرى الداخلة في الدليل الظني . فهناك فرق بين أن يكون الطلب سري وقلبي بينك وبين الامام فتجاب بشكل معجز ، وبين ان تطلب ممن يفتح دكانه ليقوم بعملية شفاء بالسحر والدجل. وهذا واضح لمن له ابسط عقل متوفر لدى البشر.


اما لو رجعنا الى شواهد من معجزات الأئمة سلام الله عليهم التي تلامس معالجة الممتنعات وأشباه المستحيلات ، فلعل كل شيعي عاصر او شاهد أو وقع معه شيء من هذا القبيل سواء بوعي منه او دون وعي. وقد كتب في ذلك كتب مثل مدينة المعاجز وغيره من الكتب، وأنا شخصيا وقع معي الكثير ولكنني لا احب ان اروي ما وقع معي بالذات لاسباب كثيرة ، ولكن سأروي نماذج قليلة مما عاصرته وشاهدته. وهي مجرد نماذج قليلة جدا اخترتها من الذاكرة من بين مئات بل قل الاف ما عاصرته أو شاهدت روادها.


هذه النماذج رغم عدم اخراجها بالصورة الملائمة لها ، ولكنها كافية لأن تجيب من لم يفهم سر تمسك الشيعة بمذهب اهل البيت عليهم السلام بعيدا عن الادلة الشرعية والعقلية في صحة العقيدة ونضج المحتوى الديني لهذا المذهب الذي هو عين اسلام محمد وأهل بيته.
(القصص من الذاكرة المتعبة واعتذر عن التقصير فيها)

قصة المسيحي المستبصر أمامي- أبو فلان - (احتفظ بالاسم لكونه طلب مني الستر عليه لسلامة ذريته) .

اتصل بي صديق من بغداد وكنت يومها في النجف الأشرف في سنة 1402 هجرية 1982 ميلادية ، فقال لي ان صديقا مسيحيا يرغب ان يراك لتحل له بعض مشاكله ، فقلت له: على الرحب والسعة . فحدد موعد الوصول ووصل الينا بعد الغروب من ليلة الجمعة وكان في نهاية الشتاء وبداية الربيع، فرحبنا به وبعد أن استقر به المقام قال لي: اريد منك طلبا شخصيا . فقلت له: تفضل ، ولن نبخل عليك بما نستطيع، عدا ما حرمه الله ، فقال: اريد منك ان تعلّمني كيف اتشيع؟ وان تستر عليّ ذلك ! فقلت له: هذا بسيط ولكن ما سبب الطلب ولماذا تريد الستر ؟ ثم قلت له: الامر بسيط وهو ان تقول: اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. وتلتزم بشريعة الله. تكون مسلما، مالك مالنا ودمك دمنا وعرضك عرضنا، فقال لي: يا استاذ اريد ان اتشيع بالخصوص . فضحكت . وقلت: من قالها بشرطها وشروطها فقد تشيع لان التشيع هو الاسلام الحقيقي ، ثم قلت له سأسهّل عليك الامر : يمكنك ان تقول بعد الشهادتين: واشهد أن عليا ولي الله وأن الائمة الأحد عشر من ولده المعصومين ائمتي وحجج الله وأن التزم بتعاليم الاسلام. فقال: هل هذا يكفي بدون طقوس؟ فقلت له : نعم بكل تأكيد ولكن عليك بعمل الشريعة من حين قولك لأنك مكلّف بها على كل حال. فقالها امامي، ثم اخذ يبكي ويمسح دموعه.

وجلسنا متقابلين واخذ يحدثني عن سبب إسلامه . فقال: قصتي هي أنني متزوج ولي ولد وبنت متزوجة، وسعيد في زواجي ومع اسرتي ، واحب زوجتي كثيرا، وقبل سنة تقريبا أحست زوجتي بالام ووجود وروم متضخم ، فراجعنا المستشفى فاجريت الفحوص فتبين أنها مصابة بالسرطان . فضاقت الدنيا في عيني ، ثم قررنا ارسالها الى بريطانيا للعلاج فاخذها اخوها الى لندن ، وبعد ايام اتصلت بي زوجتي لتقول إنها اتصلت لتودعني حيث تبين ان السرطان منتشر ولا يمكن السيطرة عليه وهو في المراحل النهائية. وقد قربت وفاتي ، وهنا تنهد وقال : بينما انا جالس واضع يديّ على رأسي غارق في التفكير في محلي في بغداد، دخل علي جاري وصديقي الشيعي وهو كثير المزاح ، فسلّم علي فلم اجبه لأنني لم اشعر به . فاخذ يصيح بي فشعرت به واعتذرت وسألني عما يشغلني فحكيت له مصيبتي ، فقال بكل برود: يا أخي لم انت متحير؟ اذهب الى الحسين واخيه ابي الفضل العباس فسوف تشفى زوجتك، فاستسخفت كلامه حيث ان العلم يأس من زوجتي وأن توسلاتي الدينية في الايام الماضية لم تنفع. فلا الدين ولا العلم اسفعني، فكيف يسعفني أئمة المسلمين؟ وبينما انا افكر دخل علي جار عاقل موزون معروف في المحلة فسألني عن همي فاخبرته واخبرته بسخافة عقل جاري واقتراحه ، فقال لي لا تستهين بكلام جارنا فهذا الامر له قيمة حقيقية، ويمكن ان تشفى زوجتك اذا طلبتها بقلب سليم من الحسين عليه السلام، فرحمته لكل الناس بدون تمييز وهذا مجرب وقد حدثت معنا حوادث. واخذ يقص لي القصص الواقعية ، فقلت في نفسي: ماذا اخسر اذا طلبت زوجتي من إمام المسلمين؟ فقررت السفر الى كربلاء. وفي الصباح الثاني او الثالث قدت سيارتي الى كربلاء ، ووصلت حرم الامام الحسين وتفاجئت بعظمة البناء وبهائه وبدا لي اكبر من حقيقته بكثير لكوني مندهش فاخذت في البكاء بلا شعور، فسحبني احد الخدم وقربني من الضريح لاعتقاده انني مسلم محب للحسين وصاحب حاجة مندهش. وقال لي : اطلب حاجتك من إمامك ولا تخجل فهو كريم وهو رحمة لكل الناس . فاخذت اطلب من الحسين زوجتي بالحاح ، ثم خرجت من مقام الحسين عليه السلام فزرت اخيه العباس وفعلت ما فعلت مع اخيه. وخرجت من حرمه شبه مخدر نتيجة التعب والارهاق من البكاء والسفر. فقدت سيارتي الى بغداد، وفي الطريق اثناء قيادتي شبه الغائبة عن الوعي شعرت بسيارة تضايقني بالاصوات فالتفت فوجدت انني اقود السيارة في منتصف الطريق وقد سببت تضييق الطريق ، فملت لتعديل المسار، فاذا بالسيارة التي خلفي قد تقدمت وصفّت مع سيارتي وإذا بضابط في الجيش يقود سيارة حديثة يسبني ويبصق عليّ فلم اجبه، ولكنه امرني بالتوقف فتوقفت فنزل واخذ يسبني ويشتمني ثم صفعني على وجهي واهانني وذهب ضاحكا وكان من في سيارته يضحك ويسبني، فدهشت من هذه الاهانة والظلم ، فهنا ادرت وجهي الى العباس فقلت له باكيا: هل يكون جزاء من يزورك الاهانة والضرب ؟ فذهبت باكيا ذاهلا مما حصل لي ، وبعد ان عبرت جسر مدينة المسيب وجدت تجمعا امام حادث مرور، فاذا بي ارى السيارة الحديثة مقلوبة والضابط ميت ومن معه مصابون باصابات بليغة. فهنا عرفت أن العباس لم يفوّت هذا الإعتداء على زائره ، فتعجبت من هذه المقابلة مع العباس والنتائج، فذهبت الى المحل مباشرة بحدود الثالثة عصرا وما ان فتحت باب المحل حتى سمعت رنة التلفون فرفعت السماعة، واذا بزوجتي تقول: حدث امر غريب يا ابا (فلان) ؟ فقلت: ما هو؟ قالت: اليوم فجأة تحسنت صحتي وذهب ألمي فطلب الطبيب اجراء تحليلات سريعة بما فيها تحليل لمؤشر السرطان في الدم، فاجري التحليل وقد خرجت الان النتائج فاذا به لايوجد فيه أي مؤشر للسرطان. فسألتها: متى شعرت بالتحسن فحددت الساعة واذا بها بحدود دخولي الى حرم الحسين والعباس ، فشكرت المسيح على هذه المنحة وتوجهت الى الحسين اشكره بقلبي كرد لجميله مع هذا المسيحي، وهنا قالت لي زوجتي: جائني الآن امر من الطبيب ان اقوم بالفحص النسيجي لتأكد والان استودعك. فقلت لها: على البركة وقفلت التلفون. وبعد عدة ايام اتصلت بي وقالت : حدثت معجزة! حدثت معجزة من المسيح! فقد تبيّن ان السرطان انتهى مني نهائيا. فاجهشت بالبكاء وطلبت منها المجيء الى بغداد فورا. وحين وصلت زوجتي الى بغداد اخبرتها بالقصة، ولكن اخذني الفضول ان اسأل من هو الحسين؟ وما هي قصته؟ وبدأت اسأل واقرأ وقد اُعجبت بالقرآن وبنهج البلاغة وادعية الامام زين العابدين فوجدت أن نهج البلاغة فيه من الحكم اكثر من الحكم في كتابنا المقدس ووجدت في الصحيفة السجادية ما هو اكثر من الزبور من المناجات لله. وقد بدأت في كل يوم خميس ازور كربلاء والنجف واطّلع على الاسلام ومحنته، وعرفت أنني ملزم بالايمان بالاسلام. فجئتك لهذا السبب ، فقلت له: كيف ستعالج موضوع العبادات والالتزام الفقهي اذا كنت لا تريد اعلان اسلامك؟ فقال: ان مشكلتي هي انني في مجتمع ديني متزمت لا يقبل التحوّل الديني لأي سبب كان، فاذا اعلنت إسلامي فسوف لن استطيع تزويج ابني وقد يطلّق صهري ابنتي فاخسر اسرتي ولهذا اريد فترة لترتيب امري في اسرتي بمساعدة زوجتي ، ولكن ارشدوني كيف أقوم بالعبادات بدون علان؟ وهل هناك طريقة لاقوم بالعبادة سرا؟ فقلت له: نعم ، فقال لي : سوف اكون هنا بعد اقل من شهر من اجل تعلم العبادات وكيفية أدائها، وفي صباح الجمعة سافر الرجل ، وفي الخميس الثاني او الثالث اتصل بي صديقي. وقال لي ابلغك خبرا سيئا وهو ان ابا فلان المستبصر قد توفي فجأة . فقلت له فورا: هذا من حب الله له حيث لم يعطه فرصة للتراجع نتيجة ظروفه الاجتماعية الضاغطة عليه فقد كان ضعيفا جدا امام قوة مجتمعه. وقرأت له الفاتحة.

قصة المسيحية وولدها المشلول والامام الرضا عليه السلام

روى احد خدام الحرم الرضوي الاصدقاء الموثوق بهم ، قال: لحظت امرأة غير ملتزمة بالحجاب في حرم الامام الرضا عليه السلام، فسارعت اليها لمنعها ووعظها ، فجابهتني بقولها : أنني لست مسلمة ، فتعجبت وسألتها عن سبب زيارتها اذن.
قالت: ان عليّ دينا للامام فقد شافى ولدي. وسردت لي قصتها وهي :
ان لها طفل مشلول منذ الولادة وهو ليس له علاج مطلقا كما هو معلوم.
عرض عليّ بعض اقاربي أومعارفي أن اعرض حاله على الامام الرضا ، واطلب من الامام شفاءه. فقلت لهم: انه يشافي جماعته واهل نحلته، ولا يشافي من يتبع غير دينه. ولم افعل.
وظل الحال هكذا حتى بلغ السابعة من عمره فصار الولد يستمع الى هذه الاقوال ممن حولنا من الجيران والمعارف، فاصر هو على الذهاب للامام الرضا لعله ينال مبتغاه. فاتيت به الى حرم الامام الرضا تلبية لرغبة ولدي ليس إلا. فسألت عن الطريقة التي يتعامل بها الموالون في حرم الامام الرضا. فأخبروني بربطه عند شباك باب المراد وأن ابيت عنده الليلة، ففعلت ذلك ، فأخذتني غفوة ثم صحوت، فاذا بي اراه واقفا على رجليه، فذهلت وسألته عما جرى ؟ فاخبرني بأنه قد خرج شخص من ذلك الضريح وأتاني (اشار الى ضريح الامام عليه السلام) فطلب مني القيام ، فقلت له: انني مشلول ولا استطيع ذلك ، فأعاد عليّ الطلب واعدت الجواب وفي الثالثة اخذ بيدي ونهض بي فوقفت على رجلي ثم قال اخبر امك ( باننا لسنا فقط لشيعتنا وانما نحن رحمة للعالمين) ومن تلك الليلة شفي ولدي وانا ازوره بين الحين والاخر ردا للجميل . فسألتها: اما كان الاولى ان تهتدي بهديه؟ فاجابت انه التوفيق والى الله ترجع الامور. (اقول لعل جوابها كجواب صاحبي المسيحي رحمه الله لضغط العامل الاجتماعي)


قصة الشاب المصاب بالتدرن

حدثني المصاب بالتردن نفسه بهذا الحديث : قال : اصيبت بالتدرن الرئوي وقد تقدم المرض الى المراحل المتقدمة المسحيلة الشفاء ، واثبتت الفحوص المختبرية والصور الشعاعية تقدم المرض بما لا امل بالشفاء وساءت حالتي ، فلجأت الى الامام الرضا عليه السلام فتوسلت وطلبت الشفاء فلم يحصل لي شفاء ، وبعد فترة ساءت حالتي اكثر فعاودت الطلب فلم يلبى طلبي ، فوصلت حالتي الى شفير القبر، فاردت ان أودع الامام بزيارة اخيرة فدخلت باب الصحن الشريف وسلمت على الامام وزرته بعيدا عن الضريح. وقلت: قد جئتك مودعا وخشيت ان انشر العدوى بين زوراك ان دخلت بينهم ، فاستميحك عذرا واستودعك الله، وعدت الى بيتي مستسلما للموت المحقق، فلما جن علي الليل واذا برجل يأتيني في المنام فيضع يده على صدري ويضغطة ضغة شعرت معها بحاجتى الى التقيؤ فنهضت من منومي وقذفت ما بداخلي من قيح ودم وارتحت بعدها، فاحسست بتحسّن سريع ، فطلبت الطعام من أهلي، وما ان اصبح الصباح حتى كان كل شيء على ما يرام بشكل غريب، فراجعت الطبيب المشرف على علاجي واخبرته بما جرى فطلب فحوصا وصور شعاعية جديدة ، وحين ظهرت النتائج فاذا به يصدم بان لا اثر للمرض بالمرة هذا امر معجز بالنسبة له كطيب عايش الحالة .

قصة الحاج نجيب الايراني

حدثني الحاج ابو الفضل نجيب الايراني رحمه الله قال : اصاب زوجتي السرطان وعند مراجعة الطبيب اخبرني بحالها المتقدم وتسليم الامر لله فلا نفع في الدواء ، فطلبت منه ان اسافر خارج البلاد للعلاج ، فقال : إن العلاج الذي في الخارج هو نفس ما عندنا لأنه منهم فلا ترهق زوجتك بالسفر وان حالتها مستعصية ونسبة النجاح بالنسبة لهذه الحالة منعدمة ، فحزنت كثيرا.
كان عندي مجلس (تكية) باسم ابي الفضل العباس يقام فيه مجلس العزاء واطعام الطعام، فذهبت التكية في ليلتي واغلقت الابواب وحدي ورحت اصرخ مناديا ابا الفضل العباس سلام الله عليه ثم خاطبته: ان اسمي على اسمك وخدمتك صغيرا ويافعا وشابا وكهلا وكبيرا ولم اطلب منك شيئا ولا اريد منك الليلة الا شفاء زوجتي ، وبعد ان اضناني الصراخ والجهد عدت الى بيتي منهكا ونمت مع زوجتي . فلما اصبح الصباح واستيقضت زوجتي من نومها اخبرتني: بانها رأت أمراة عليها الوقار والحشمة قدمت الي صحناً فيه حلوى وأمرتني ان آكل منه فامتنعتُ متعللة بانه يضرني. فاصرت . قائلة : بانه ينفعك فكلي منه.. فأكلت منه وهنا قالت لي: ان ابا الفضل العباس يلح كثيرا على شفاءك ، وفقت من النوم. والان يا حاج ابا الفضل بعد استيقاضي شعرت بان صحتي قد تبدلت.
قال: اخذت زوجتي الى نفس الطبيب المعالج المصر على امتناع شفاءها وحكيت له القصة، فاجرى الفحوصات ، وكم كان مندهشا حيث تبيّن ان المرض قد اقتلع من اساسه بحمد الله، وهذا معجزة حقيقة بمقياس العلم يوم ذاك لعدم وجود دواء لهذه الحالة مطلقا.


قصة مدير المصنع السني في النجف الأشرف

مدير أحد المصانع الكبيرة جدا في مدينة النجف الأشرف على مشرفها التحية والسلام رجل سني ، ومن عادة المهندسين ان يتسامروا فيما بينهم بعد الدوام في نادٍ خاص بالمصنع وكان احد المهندسين من معارفنا من آل الصراف يتسامر معه فسأله المدير سؤالا غريبا، قال له: يا اخي لماذا انتم تتمسكون وتتغنون بعلي بن ابي طالب في هذه المدينة ؟ فاجابه صاحبنا بأنه ليس برجل دين ليجيب بطريقة عقائدية، ولكن البرهان العملي لكل واحد منا يجعلنا لا نفكر في ترك ولاؤه، فاننا كلما حل بنا بلاء او مشكل عويص نلجأ اليه بالتوسل فنجد الحل بسهولة حتى لو بعد حين، ورغم كل ما جرى على هذه المدينة من اذى وقصدٍ بالسوء من اعداء علي بن ابي طالب وشيعته ولكن دائما يتحول الحال الى احسنة بعد ان يقصم الله ظهر الجبارين، وبدأ يذكر له حالات كثيرة مما تجعل المسلم يجزم بان علي بن ابي طالب مقرّب من الله والولي الأكبر بعد رسول الله ص ، فقال له المدير نحن نعتبر هذه الحالات من الخرافات التي لا يمكن ان نؤمن بها، فقال له صاحبنا: حين تنزل بالانسان نازلة يقنتع ان هذا الامر له قيمة حقيقية وهو بعيد عن الخرافة. وانتهى الحديث الى هذا المستوى البسيط من الحوار بين غير المتخصصين. وبعد مدة من الزمن جاءت اتفاقية الوحدة المؤقتة بين سوريا والعراق في زمن البعث في البلدين وكان من ضمن قرارتها حرية السفر بين البلدين بالهوية فقط بدون جواز سفر ولا تعقيدات، فرغبتْ اغلب الاسر بين البلدين بالسفر والتمتع ، وكان المدير قد استلم سيارة جديدة في حينها واراد ان يمتع عياله بسفرة سهلة ورخيصة لدولة عربية شقيقة ، فحزم امتعته وسافر الى سوريا، وبعد مدة عاد الى النجف لصاحبنا، يطلب منه ان يعلن تشيعه وان يزور امير المؤمنين ، فتعجب صاحبنا من طلبه!! فسأله عن السبب وطلب منه البيان . فقال له: ساقص عليك قصتي الغريبة ، وهي: انني حين عودتي خرجت من الحدود السورية (ابو الشامات) بعد العصر قاصدا الى الحدود العراقية (الرطبة) وكانت الطريق كثيرة المشاكل والمطبات وغير محددة المعالم لكثرة الطرقات اليها فقد دخلت طريقا غير جيد التعبيد أو انه طريق ثانوي، وفي اثناء سيري بالسيارة واجهتني حفرة بشكل مفاجئ فقفزت السيارة وتحرك المحرك وضربت المروحة بالراديتور فنزل ماء المحرك وتوقفت السيارة من ارتفاع الحرارة في المحرك ، وحين نزلتُ لارى حجم المشكلة ، لم اجد أي حل لهذه المعضلة لأن الراديتور متمزق ولم يبق فيه ماء، فاخذ يراودني الخوف على نفسي واسرتي لأن المنطقة كثيرة اللصوص والسباع ، فالخطر حقيقي في هذه المنطقة خصوصا حين يحل الظلام ، وبدأ القلق يزداد مع اقتراب الغروب ، فهنا تذكرت كلامك يا صديقي حين تجادلنا عن حبكم لأئمتكم ولعلي بالخصوص . فقررت اللجوء الى علي بن ابي طالب عليه السلام ، فتوسلت به ان يجد لي حلا مرة وثانية وثالثة ورابعة بالحاح بين مرة ومرة دقائق ، حتى بدأ اليأس يدب في نفسي، وتيقنت انني وعيالي في كارثة وحل الظلام فقلت له يا امير المؤمنين يا علي ابن ابي طالب اذا انجيتني من هذه الكارثة سأتحول الى التشيع مع عيالي ، وبقيت صامتا ومشوشا من حالي ومن طلبي ، بعد فترة بان لي شبح خيّال على فرسه فدخلت السيارة وادخلت عائلتي فورا واغلقت الابواب لاحتمال ان هذا احد قطاع الطرق جاء لسلبنا وقتلنا، فاقترب منا وقال لي افتح الباب اريد ان اساعدك ما مشكلتك ؟ وهنا اطمئن قلبي فحدثته بقصة السيارة ، فقال لي: بسيطة افتح غطاء المحرك ففتحته له ، ثم اتى بقربة ماء كان على ظهر الجواد فصبها على الارض وكانت طينية فمزج الماء بالطين واخذ يلحم الراديتور بالطين بيده ثم صب باقي ماء القربة في الراديتور وانا استهزء من هذا البدوي الذي يريد ان يلحم النحاس والحديد الممزق بالطين ويجعل المركبة تعمل بهذه الطريقة التي لا يمكن ان تستمر عشرة ثوان فالطين يتحلل بالماء والثقوب فيها كثيرة وكبيرة، وهنا قال لي البدوي: بصيغة جازمة اصعد وحرّك المحرك ، فشغلت المحرك فاشتغل بصورة طبيعية لمدة غير معقولة مع هذا الطين ، فقال: هل ارتفع مؤشر الحرارة؟ فقلت له: لا . فقال: اطمئن ستصل بسلامة واذهب الى الرطبة الان، وبدأت بالحركة وهنا تبادرالى ذهني ان اسأله عمن يكون من عرب المنطقة؟ فقلت له: يا اخي من انت؟ فاقترب مني وهمس في اذني قبل ان احرك السيارة قائلا : انا الذي توسلت به وعاهدته. فالتفت اليه مذعورا فلم اره ابدا رغم انفتاح الصحراء وعدم وجود الحواجز. فحركت السيارة صامتا وزوجتي تسألني ماذا يجري ؟ وانا لا اجيب . وحين وصلت الى البيت جمعت اسرتي وحدثتهم ما جرى بحذافريه، فقالوا نحن معك على نذرك في التحوّل الى مذهب علي ابن ابي طالب وحبه ، وجئنا الان إليكم شيعة ونريد معرفة معالم ديننا.

أقول : هذه القصص وغيرها مما هو واقع بكثرة تجل عن الحصر او المتابعة تعطينا صورة واضحة عن سبب فشل ادعياء الدين مثل الوهابية باقناع ابسط الناس -المشمولين برعاية الائمة الطاهرين- بافكارهم الهدامة للاسلام وللمجتمع الاسلامي . ان التواصل الحقيقي بين الائمة وبين البشر الخيرين او المرجو منهم الخير ، يشكّل دليلا وبرهانا معرفيا ونفسيا لا يمكن اختراقه بخزبعلات الوهابية المنافية للواقع وللعقل.
ولهذا ارى افضل جواب على الوهابية هو ايجاد لجنة تدوين لهذه المعجزات اليومية كما فعل الأخوة في حرم الامام الرضا عليه السلام منذ فترة ، فانهم يعدون المعجزات وحالات الاستشفاء منها بالخصوص لأنها تحدث فورية وبشكل معجز ، وقد نقل لي أن الاخ الكويتي المستبصر مبارك الفضلي طلب من احد اصدقائنا في مشهد الامام الرضا أن يرى بنفسه حالات الشفاء فقد سمع عنها فارشده الى ما يحدث في شباك باب المراد فجاء ليلا في الساعة الثانية بعد منتصف الليل الى الساعة الرابعة ورأى بعينه اربع حالات استشفاء معجزة. فيجب تنسيق ونشر هذه الحوادث بالاسماء والدلائل والشواهد ، فإننا في مجتمعنا لا نحاول توثيق هذه المعاجز الخطيرة الدالة على التواصل مع الائمة وعلى صحة طريقهم الى الله وعلى بطلان اعدائم من بهائم المسلمين وغيرهم .
إن هذه القصص ليست مجرد كرامات وانما في بعضها الدليل اليقيني على بطلان أهل الباطل اعداء مذهب أهل البيت عليهم السلام من خلال اثبات كرامة الله الحقيقية لأهل البيت بفعل الممتنع عادة عند البشر.




الخاطرة الثانية :




لماذا نرى أن فضح الوهابية من إيمان المسلم بالله




سألني احد علماء السنة عن رأيي في فضح الوهابية؟

فأجبته فورا: بانه من ايمان المسلم وشعوره بوجوده الإسلامي.

فسألني عن سبب ذلك ؟

فاجبت بما ملخصه:

أن الوهابية مشروع تدميري لبنية الاسلام عموما وتحويل الاسلام الى دين ارهابي خبيث، بحيث سيأتي وقت لا يقبل اعتناق الاسلام الا مجرم أوكذاب ودجال ، إن المشروع الوهابي منذ تصنيعه غربياً سعى لتفكيك العالم الاسلامي، وتدمير الدولة الاسلامية وانشاء كيانات سَرَطانية اخطر على المسلمين من الكفار انفسهم ، بل هو مشروع الكفر بقالب الاسلام .


ان القاء نظرة عامة على حركات هذا المشروع سنجد انه يحاول تدمير كل الكيانات الاسلامية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا . وانه يحاول ان يدخل المجتمع الاسلامي في دوامة من الكذب والارهاب والدجل الديني .


ففي الجانب الثقافي تَدَخّل هذا المشروع في عالم المسلمين لتدمير ثقافتهم وحضارتهم بكل الصور فالتاريخ الاسلامي تم تزييفه وتدمير معالمه فقد تم تدمير اثار الاسلام المهمة في المدينة ومكة بحيث ضاعت علينا خرائط مسير الرسول وبيوت المسلمين القدماء ونمط عيشهم ، وتم حرق مخطوطات الشيعة والزيدية والاشاعرة بمئات الألوف (يكفي ما حدث للمخطوطات الشيعية من سرقات وشراء وحرق ، وفي اليمن فقد حدثني امناء مكتبة الجامع الكبير الزيدية في صنعاء بانهم فقدوا أهم واغلب الكتب الزيدية وغيرها من كتب السنة والشيعة بواسطة عملاء وهابية وقد وصلهم نبأ حرقها) ، وقد اسسوا لثقافة هلامية مبنية على الكذب والتزوير والتقلب ورفض الثوابت الاسلامية .


واما في الجانب السياسي فقد اُسس كيانهم الديني على كيانات مرتبطة بالاستعمار البريطاني ومن ثم في سنة 1956 ميلادية تحوّل ملفهم الى المخابرات الأمريكية وهم يعيثون في الارض الفساد، فما يقومون به انما هو لا يقاف نمو الاسلام في العالم الغربي وزعزعة الكيانات الاسلامية التي تحاول الاستقلال من اجل ايقاف أي امكانية للتقدم العلمي والسياسي والعسكري، وقد سعت الحركة الوهابية بالتناغم مع الصهيونية العالمية لأن تجعل الهاجس الداخلي للحاكم هو التقرب من اسرائيل ونيل رضاها بحجة ان اعداءه الداخليين يهددون وجوده لأنه لا يقبل بالتحارش باسرائيل ، فهكذا توضح حقيقة ضرب الوهابية للغربيين انما هو لمنع انتشار الاسلام في الغرب، فقد كان الدين الإسلامي هو الاسرع نموا في اوربا والغرب على العموم، ولكن بعد حركات الوهابية اصبح الاسلام الدين الاقل نموا في الغرب وقد فاقه الدينان البوذي ثم الهندوسي في اعتناق الغربيين لهما وهما دينان خرافيان لا يتقاربان مع الديانة المسيحية الغربية كالاسلام. واصبحت حركات الوهابية هي الداينمو الحقيقي لتثبيت كيان اسرائيل ولتمشية المخططات الغربية من الناحية السياسية ولفقدان العالم الاسلامي أي قدرة على المناورة او المبادرة من اجل الخلاص من القبضة ، وكل هذه الاعمال السياسية والحزبية التي تقوم بها الوهابية مغلفة بخلاف ديني كاذب، ومخترع لا اصل له في الاسلام .


واما من الناحية الاقتصادية فقد راقب المراقبون الدقيقون بان حركات الوهابية هي التي تدمر في البنية الاقتصادية للعالم الاسلامي وتوقف عجلة التقدم الاقتصادي. وهي من اخطر الاخطار الاقتصادية التي تواجه امة الاسلام التي ظهرت فيها الثروات العظيمة والكبرى.


وماذا نقول عن التأثير الاجتماعي في الامة الاسلامية ؟ فقد انتشرت الكراهية والاحقاد والقلاقل الاسرية في كل مكان دخلته الوهابية سواء في مصر او لبنان او الجزائر او باكستان او السعودية او أي بلد في العالم دخلت فيه الوهابية فقد تحولت مجتمعاتها الى مجتمعات بهيمية لئيمة كارهة لنفسها واصبح التآمر بين الاخ وأخيه من المألوفات في المجتمعات التي اثّرت فيها الوهابية سواء بطريق مباشر او بطريق غير مباشر، بواسطة رعاية حركات مستقلة عنها ظاهرا ولكنها مدعومة منها باطنا.


فماذا بقي للاسلام بوجود هذه الحركة المدمرة ؟


ان أي مسلم سني اذا لم يلتفت لما تفعله به الوهابية فانه يكون قد خسر دينه وخسر وجوده لصالح الكفار والصهاينة .
وهل يكفي ان يضحك علينا وهابي يدعي انه يعرف بعلم الرجال وسند الحديث كذبا وتزويرا أن يدمر اسلامنا من الداخل؟

فما قيمة علم الحديث اذا دمر كيان المسلمين من الداخل ؟

ثم هل المذاهب الاسلامية السنية خالية من علم الحديث ليأتي الوهابي فيصيطر على المسلمين السنة لكونه قد تعلم بعض سلاسل الحديث المزورة؟

انها عمليات دجلية للعب في الفراغ في قلوب شباب السنة ، الذي قد يكون قليل القديمة اتجاه ما هو اهم، مثل: عقيدة التنزيه التي بدأ العالم الاسلامي يفقدها بواسطة اليهودية الوهابية .

قال لي احد علماء السنة: ان الوهابية غلبونا لكونهم يدرّسون اتباعهم العلوم بطريقة غريبة وهي طريقة تدريس كل سؤال محتمل وجوابه الجاهز ، فقد أُعجب شبابنا بتوفّر الاجوبة لكل محتمل من الاعتراضات. ولهذا نحن نخسر الساحة لصالحهم ، باعتبارهم يقنعون الشاب الفارغ من المعلومات بانهم يملكون كل الحقيقة, وذلك لواقع عجز شبابنا عن مجاراتهم، وهم لا يدرون أن هذه الطريقة بسيطة ومحدودة وسهلة التعلم لأنها عبارة عن حفظ بحدود 200 سؤال وجوابها فيكون الوهابي في فترة قصيرة عالما امام نظر من هو فارغ من المعرفة الدينية من ابنائنا السنة.


فقلت لصاحبي هذه الطريقة معروفة وهي نفس طريقة الكنيسة بالتبشير وهي تسمى عندهم طريقة الرجوع الى (الاسئلة الشائعة) ويؤلفون لها قواعد بيانات معروفة وقد ألف محمد بن عبد الوهاب نسخة ثانية عن هذه الداتا بيس في كتابه الاجوبة والأسئلة الاسلامية فهي كلها عبارة عن داتا بيس لتعليم التزوير والكذب بطريقة مفهرسة، تعتمد (اذا قيل لك كذا) (فقل كذا) ، وهي طريقة ناجحة في التبشير الكنسي لسد الابواب سريعا امام السائل الجاهل الذي يرى الخطأ ولا يفهم تفسيره. ولكن ادراكك ياشيخنا لهذه القضية يعني ان رجال الدين السنة مقصّرون في ايقاف هذا السوء بطريقة معاكسة فيمكن ان تصدروا أجوبة لكل شبهاتهم وردودا على كل اجوبتهم .


اذن فان كشف هذه الحركة هو من الايمان بالاسلام بغض النظر عن الخلاف المذهبي بين المسلمين فان هذه الحركة تستأصل وجودهم الاسلامي، وهي ليست فهما مجردا للدين او مذهبا فقهيا او عقديا انما هي حركة سياسية تدميرية بغطاء ديني قذر.

فمن يؤمن بالله ويخاف مقاما رهيبا يوم القيامة عليه ان يكافح هذه الحركة في داخله، في بيته، وفي كل منتدى، وكل مركز ثقافي وسياسي واقتصادي، من اجل ان يخرج من هذه الدنيا وقد قام بالجهاد الحقيقي في محاربة الكفار واذنابهم ممن يكيدون لأمة الاسلام.
العلاقة بالله لها جانبان الاول قلبي والثاني عملي وكشف الوهابية لها علاقة بالايمان بالله بالجانبين: ففي الجانب القلبي فان غليان الحقد الذي يصنعه المذهب الوهابي في قلب المسلم لا يمكنه من اقامة أي علاقة بالله. ثم ان نظريات التجسيم والجبرية وغيرها تمنع المسلم من الصلة الحقيقية بالله فان من يعبد مجسما فهو لا يعبد الله وانما يعبد صنما بكل تأكيد فكيف يدعي عابد الصنم بانه على صلة حقيقية بالله المطلق الواحد الأحد ؟ واما من الناحية العملية فان العمل يتبع العلم بالفرائض. وهذا ما نقطع بانه محط تزييف وتدمير الوهابية. والوهابية تحاول ان تدمر فرائض الانسان بكل صورة. وكل من فهم الشريعة باي مذهب كان يعلم مقدار ما يقوم به الفكر الوهابي من تدمير للشريعة ، وفي جانب اخر فان الجانب العملي دائما ينظر الى الواقع والنتائج. فان من يرى نتائج تدمير الوهابية للكيان الاسلامي والحضارة الاسلامية يجد انه ملزم بالقناعة بان افضل الاعمال للتقرب الى الله هو محاربة وكشف هذه الحركة الصهيونية المستوردة بريطانيا والمقادة امريكيا.

لهذا ادعو احبتي من الشيعة ان ينتبهوا لحركات الوهابية فهم يتلبسون اللباس السني ويناقشونكم باسم السنة من اجل ان يصطف معهم السني باعتباره يرى من يدافع عنه ويستميت في اخفاء الحقائق وايجاد الاعذار الغريبة له ولعوار فكره ، وكذا احذر اخواني الشيعة من دخول الوهابية متلبسين بالاباضية وغيرها من المذاهب من اجل اذكاء الصراع ليكونوا هم مجرد محركين للصراع ويتحول الصراع السني الشيعي والسني الاباضي والسني الزيدي والسني السني أو الشيعي السني والشيعي الزيدي والشيعي الاباضي والشيعي الشيعي الى صراع قطيعة وعدم تفاهم واستلال السيوف وقبول فكرة التصفيات الجسدية . وهذه هي اهم مهمات الحركة الوهابية وهي تدمير المجتمع الاسلامي . فعلينا جميعا ان نتحد ضد هذه الحركة الخطرة على عالمنا وعلى اسرنا ومستقبل ابنائنا سواء في صعيد مصر او غابات الهند او قرى لبنان او بساتين ايران او مدن وقرى الجزائر والمغرب فان هذا الخطر الذي يحدق بنا سيدمر حاضرنا ومستقبلنا اذا لم ننتبه لخطورته .


كما انبه الاخوة السنة بانه عليهم قبول النقاش الشيعي السني على انه نقاش معلومات وليس حرب اديان كما يدعيه الوهابية، وعليهم ان يتخيلوا بان الكثير ممن ياتيهم باسم الشيعة لسب رموزهم او اثارة النعرات في الحوار بما لا يخدم الحوار انما هو وهابي متلبس او متاثر بالوهابية بطريقة خفية حيث يمكن ان تكون قيادات ذاك المحاور السيء الأخلاق مدعومة من الوهابية بطريقة تمويلية وتحريضية ولا يعلم الاتباع هذه الحقيقة . فعلى كل سني أن يلتفت الى ان الخطر الاكبر هو الوهابية، وليس الخطر هو معرفة من يسب او لا يسب الصحابة كما يغشه الوهابية ، فهذا امر ليس من الدين بشيء وليس من اسس وجود المسلمين الان ، فالاسلام كحضارة مهدد بالانقراض نتيجة سيطرة الحركة الوهابية على العالم السني ( وسأعرض خاطرة حول هذا الامر) فالتسنن حين يهزم امام الوهابية ويتحول السيف السني بدل التوجيه الى الكفار واعتبارهم اصدقاء وحلفاء الى المسلمين الاخرين فسوف لن يبقى اسلام لامكانية ان يدافع كل مجموع عن نفسه ، وسوف تدخل شعوب المنطقة بحروب ضروس وسوف ينصر الغرب فيها التسنن باعتباره انهزم واصبح وهابيا ومن ثم اسقاط كل الاسلام بطريقة فنية وبالضربة القاضية نتيجة حركات الوهابية بنشر الكراهية والحقد وتزوير الدين. والانتصار الغربي بالطريقة الخفية على الاسلام بتفتيته من الداخل .
نسأل الله نصر أهل السنة على اهل الضلال والدجل الوهابية وايقاف شرهم عن المسلمين
ونسأل الله أن يجعل الحوار السني الشيعي حوار تفاهم واخوة رغم حدته وحرجة ومشكلة الزاماته بالدليل .






الخاطرة الثالثة :




(نظريتان)



عدالة صحابة مع القرآن ، وعدالة صحابة ضد القرآن.



هذا حديث من القلب الى كل سني غيور على دينه، فهنا خاطرة خاصة لكل سني مثقف يفهم الكلام بعقل منفتح ويحب الله ورسوله.

يقولون ان الشيعة لايؤمنون بعدالة الصحابة فيجب ان نكره الشيعة وان نحاربهم ، فما هو حقيقة هذا الكلام ؟


الجواب بكل وضوح : أن هذا الكلام باطل وخطأ بشكل قطعي ، فلا يوجد من يقدس الصحابة مثل الشيعة، ولا يوجد من يحفظ حق الصحابة وحرمتهم مثل الشيعة ، ولكن هناك فرق بين النظريتين لعدالة الصحابة وتقديسهم.

يجب ان ان يطّلع عليهما ابننا المولود في المحيط السني التابع للسلطان ليعرف حقيقة القضية , وحقيقة هذه التهمة التي يراد بها أن يحارب الأخ أخاه. والتي افسدت قلوب المسلمين وحولتهم الى وحوش على شكل بشر بصورة القتل على الهوية، والإبعاد واقصاء الاخر على مر السنين ، بحجة عدم الايمام بعدالة الصحابة .


هنا نظريتان اساسيتان عليك أن تفهمها لتفهم أي النظريتين هي المزورة والخارجة عن الاسلام.

ساضطر لاختصر لك النظريتان من دون رتوش او استدلال بالآيات الكريمة لان ما اقوله مفهوم لكل من يقرأ كتاب الله:

النظرية الأولى : وقد اختارها اهل البيت وشيعتهم وهي نظرية عدالة الصحابة بالاطار القرآني. ومفادها: وجوب حب وحفظ الصحابة لأنهم طريقنا الى رسول الله ص فلا بد أن نقدسهم ونجلهم ، ويجب ان يتصف الصحابي المقدس بالصفات القرآنية من التقوى والعدالة والعلم وعدم الخروج عن الاسلام وعدم نكث العهد ، فهؤلاء نأخذ عنهم الدين ونتبع هديهم .

فبعد أن عرفنا أن بعض صحابة الرسول (ص) قد ارتكبوا المخالفات الشرعية القطعية، فلابد من التمحيص وتعيين من هو الصحابي المقدس دون من لا قداسة له ولا حجة في فعله ، وهذا هو مقتضى النصوص الهائلة التي في كتاب الله من شرط عدم الزيغ وعدم خيانة العهد والتمسك بالشريعة وتقديم الاعلم والاتقى والاسبق ومن يتصف بالايمان بالغيب وغير ذلك مما ورد في القرآن من صفات الصحابة وشروطهم أو من صفات المؤمنين العدول وشروطهم.


وخلاصة النظرية هي: ان الالتزام بشروط الصحبة القرآنية موجب للتقديس والمحبة والولاء واعتبار حجية الطريق الى النبي ص ، وليس الصحبة بما هي صحبة تزكي وتقدس المتصف بها . أي لا يكفي جهالة حال الصحابي ليكون عدلا فالاحتياط للدين يوجب التمحيص والحكم بيقين بعد ثبوت المخالفة القطعية واندساس النفاق بين الصحابة ، وذلك ممكن بدراسة حال الصحابة والتزامهم بالدين او مخالفتهم القطعية. وهذا هو مقتضى مجمل النصوص القرآنية.

النظرية الثانية:

وهي نظرية سلاطين المسلمين الجائرين التي يغشون بها اهل السنة. وهي تقول : أن الصحبة بما هي صحبة تزكي المتصف بها بدون قبول أي شروط قرآنية حتى لو ادى هذا القول الى المخالفة الصريحة مع القرآن ، ولو خالف الصحابي مخالفة علنية للشرع فيجب ان نحمله على الصواب او نعذره بححج كثيرة مثل أنهم تابوا فتاب الله عليهم فانتهت المشكلة وليس هناك مشكلة من عدم ثبوت تلك التوبة ، وانما يجب ان نفترضها لأن هؤلاء اتصفوا بالصحبة ، وهذا حال يوجب الفرض.


ويدّعون ان مبرر ذلك هوأن حال المنافقين مجهول ولا يمكن معرفتهم ونحن مأمورون بحسن الظن بصحابة رسول الله ص وحسن الظن يقتضي تعديلهم وغض النظر حتى على المخالفة الظاهرة.


وأما نصوص القرآن في الشروط فهي على انواع :

فما كان منها يصف الصحابة بالمنافقين فهذا لا يشمل الا المنافقين الذين لا نعرف من هم؟ فيجب ان نقدس الجميع لأننا لا نعرف المنافقين باعيانهم وهم طريقنا الى الرسول ص فلا بد من قبول جميع الصحابة بما فيهم المنافقين المختفين بين الصحابة (نحمل المجهول على الصحة)

وقسم من النصوص يوجب شروطا لرضا الله عن الصحابة بعدم التبديل فهذا لا نعتني به بل نأخذ الرضا لأنه معلوم، ونترك شرط [عدم التبديل] لأنه غير مفهوم ولا يمكن تعيينه، وقسم من النصوص فيها تفضيل السابقين وتفضيل العلماء وتفضيل المقربين وهذا لا نأخذ به لعدم التفضيل في مذهب اهل السنة، وقسم عام لصفات المؤمن والتقي والعادل والمتمسك بحبل الله ورسوله وتفضيله وهذا لا نأخذ به. وانتهت النظرية بهذا القدر.



وخلاصة هذه النظرية بكل صراحة هو: أن عدالة الصحابة يجب ان تكون ضد القرآن وبعيدا عن تعليماته ، والا فسدت وبفسادها امتنع اخذنا للدين عن رسول الله ص لعدم امكان معرفة المنافقين والمخالفين لرسول الله بين الصحابة ولعدم قدرة العقل على ادراك معنى مخالفة الشريعة لإمكان وجود التبرير والعذر والاحتمالات المصححة للسلوك مهما كان الاحتمال بعيدا وضعيفا.
وهذه هي عدالة ضد القرآن كما هو واضح . وهي ضد العقل وضد الكياسة فان التصريح بعدمقدرتنا على التمحيص هي استهانة ظارة بقدرة الانسان وهي اشبه ما يكون بأوامر الشرطة للناس بالعمل من دون تفكير أو بقول الشيوعيين (نفذ ثم ناقش ) ولن يأتي وقت مطلقا للنقاش. وعلى كل حال فان النظرية فيها خلل بيّن في القواعد العقلية والدينية والقرآنية .

فيا أخي الحبيب الحبيب حاول ان تدرس النظريتين وتعرضهما على كتاب الله وسنة رسوله والعقل السليم فستعرف أن النظرية الشيعية هي النظرية الاسلامية وان نظرية السلاطين لا علاقة لها بالاسلام مهما ألبست ثوب الاسلام ، لأنه يستحيل ان يطاع الله من حيث يعصى ويستحيل ان يتحقق الاسلام بترك الاسلام نفسه، وهذا ما يحدث مع هذه النظرية السلطانية لمبتدعة في الدين.

فهل يجب أن تقتنع يا اخي السني بوجوب حرب او اذى او تشويه صورة المسلم الشيعي لأن المبتدعة يغرونك بقولهم بأن الشيعة لا يؤمنون بعدالة الصحابة؟

وقد يضيفون معيارا اخر وهو بما أن الشيعة ينتقدون الخليفتين (وقد يسمون النقد سبابا بخلاف معناه) ، فهذا نكث لعدالة الصحابة في اجلى صورها .
بل اوجد بعض فقهاء السلاطين حكما عجيبا لا يعرفه الله ولا رسوله وهو قتل أو كفر ساب الشيخين بدون طلب التوبة منه بينما يستتاب من يسب الله . مع أن الشيخين انفسهما قد سبهما المسلمون في زمن النبي فلم يفعل الرسول اكثر من الابتسامة ، وسبهما المسلمون في خلافتهما فلم يحدث شيئا مما حكموا به بل سب الخلفاء خلفاء ، فعثمان سب ابا بكر وعمر سب علي ووصفه بالنزق والصغر في السن ومعاوية سب عمر وسب علي على المنبر واتهمه بشتم بابي بكر. وهذه كلها حوادث لها شواهد من الواقع التاريخي سوف اذكر نماذج من النصوص ليتبين لك بعض ذلك والبقية متروك لدينك ولضميرك .

ولكن هل يلتزم القائلون بهذه النظرية بحكمها ؟
وهل يحكمون بقتل من سب الصحابة ؟
وهل يفسقون او يكفرون من يؤذي المؤمنين من الصحابة؟

الجواب واضح : انهم لا يلتزمون أبدا بنظريتهم حين يتعلق الامر بالفريق الذي يكرهه من وجدت هذه النظرية لصالحهم الذين هم بعض فساق او مخالفي الصحابة. فسب علي بن ابي طالب جائز عندهم وتفسيق الصحابة الذين حاربهم معاوية وغيره مثل حجر بن عدي و هند بن أبي هالة أول الرجال من المسلمين وغيره ممن فسقوهم وقتلوهم من عشرات المؤمنين من الصحابة بل قل الألوف.


واما مشكلة المشاكل لهذه النظرية هي قضية تقاتل الصحابة والخروج بمبدأ غريب جدا وهو انه لا يمكن الحكم على الباطل والحق ولا يمكن معرفة الحق من الباطل في مسألة قتال الصحابة لبعضهم. ويقولون أن هذه المسألة توكل الى الله فقط, أي انهم لا يستطيعون تمييز الحق من الباطل فيها.

إن قراءة بسيطة للسلوك مع هذه النظرية تظهر بشكل لا مرية فيه انها للدفاع عن فساق الصحابة وعن المنافقين فقط لأسباب سياسية وقد تكون للتغطية على صعود المنافقين انفسهم الى تخت الحكم كما حدث بصعود القيادات العسكرية غير الملتزمة بالاسلام والمؤمنة بالسلب والنهب وانه هو جوهر الدين ، وهي تعبّر عن حالة من الغياب عن الوعي والدين من اجل رغبات الحاكم الذي يريد منا ان نقدس مخالفة الله ورسوله عبر تقديس المخالفين لهما.

وهنا يجب ان اثير وعي أي مثقف سني بقراءة طائفة من النصوص المهمة ليتلمس مقدار التناقض بين الفكرة التي يروجون لها وبين الواقع وهي مقسمة لطوائف من النصوص:

فستكون الطائفة الأولى من النصوص :
عن بعض احكام وحوادث في قتل من يسب الشيخين كحكم شرعي تابع لعدالة الصحابة السلطانية المضادة للقرآن الكريم.

وستكون الطائفة الثانية من النصوص :
أن مسلما يسب ابا بكر امام رسول الله ص فيبتسم الرسول ص ولكن حين يرد عليه ابا بكر يغضب رسول الله ص ويقوم من مقامه ويقول قد ذهب الملك وجاء الشيطان ولا ينبغي ان ابقى مع الشيطان ، وهذه القصة حجة على من يقول بطريق الصحاح السنية. وان كان فيها من الزيادة الموضوعة ما لا يمكن اخفائه لوجود التناقض . والمهم في النص هو عدم حكم النبي بكفر او قتل ساب ابي بكر فمن اين أتى حكمهم المخترع الموسع المبني على عدالة الصحابة، وهل ساب ابي بكر هو عادل ايضا؟ ولماذا لم يأمره النبي بالاعتذار له على اقل تقدير اذا كان سبه محرما؟

وستكون الطائفة الثالثة من النصوص :

هو ذكر تشاتم الصحابة بينهم وذكر مجلس يضم بعض اهم الصحابة المعروفين وقد وقع بينهم من التشاتم وسوء الخلق خصوصا تجاه النبي وأهل بيته ما يندى له الجبين وجواب ريحانة رسول الله ص الإمام الحسن عليه السلام على سبهم وشتمهم لعرض رسول الله واهل بيته.


الطائفة الأولى من النصوص : وهي مجموعة نصوص في حكم من سب ابا بكر وعمر وعائشة عند بعض وعاظ السلاطين :

المغني - عبد الله بن قدامه - ج 2 - ص 419
وقال الفاريابي : من شتم أبا بكر فهو كافر لا أصلي عليه ، قيل له فكيف تصنع به وهو يقول لا إله إلا الله ؟ قال : لا تمسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته .

الغدير - الشيخ الأميني - ج 10 - ص 269
وقال الجرداني في " مصباح الظلام " 2 : 23 : قال أكثر العلماء : من سب أبا بكر وعمر كان كافرا .
وقال ابن تيمية في " الصارم المسلول " ص 581 : قال إبراهيم النخعي : كان يقال شتم أبي بكر وعمر من الكبائر . وكذلك قال أبو إسحاق السبيعي : شتم أبي بكر و عمر من الكبائر التي قال الله تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه .
وقتل عيسى بن جعفر بن محمد لشتمه أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة بأمر المتوكل على الله . قاله ابن كثير في تاريخه 10 : 324 .
وفي " الصارم المسلول " ص 576 : قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان : هذا زندقة .

تاريخ الطبري - الطبري - ج 7 - ص 375 - 376
ذكر الخبر عن سبب ضربه وما كان من أمره في ذلك * وكان السبب في ذلك أنه شهد عند أبي حسان الزيادي قاضى الشرقية عليه أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة سبعة عشر رجلا شهاداتهم فيما ذكر مختلفة من هذا النحو فكتب بذلك صاحب بريد بغداد إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان فأنهى عبيد الله ذلك إلى المتوكل فأمر المتوكل أن يكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بضرب عيسى هذا بالسياط فإذا مات رمى به في دجلة ولم تدفع جيفته إلى أهله.

اقول : يبدو من جملة : إن شهاداتهم مختلفة. أن القضية فيها تلفيق واضح. ثم هل رأيت الحكم ونوعه ؟
فهل تجد في الاسلام مبررا لهذا الحكم أو دليلا يستند عليه؟

فهو يقتل مسلما لغير ما امر الله من الحدود وبطريقة الموت بالتعذيب ( في رواية انه امر بجلده الف جلدة) ولا يقبل حتى دفنه ولا يسلم الى أهله وانما يقذف في نهر دجلة!!! فهذا هو من يعلم المجرمين رمي جثث الأبرياء في نهر دجلة.

قصة طريفة في اعتراض خليفة مسلم عاقل على من حدّ مسلما لشتمه الشيخين فاقرأ بتمعن:

تاريخ اليعقوبي - اليعقوبي - ج 2 - ص 468 - 469
وكان بشر بن الوليد الكندي ، قاضي المأمون ببغداد ، قد ضرب رجلا قرف بأنه شتم أبا بكر وعمر ، وأطافه على جمل .
فلما قدم المأمون أحضر الفقهاء ، فقال :
إني قد نظرت في قضيتك ، يا بشر ، فوجدتك قد أخطأت بهذا خمس عشرة خطيئة .

ثم أقبل على الفقهاء .
فقال : أفيكم من وقف على هذا ؟

قالوا : وما ذاك ، يا أمير المؤمنين ؟
فقال : يا بشر ! بم أقمت الحد على هذا الرجل ؟

قال : بشتم أبي بكر وعمر .
قال : حضرك خصومه ؟

قال : لا !

قال : فوكلوك ؟

قال : لا !
قال : فللحاكم أن يقيم حد القرفة بغير حضور خصم ؟

قال : لا !
قال : وكنت تأمن أن يهب بعض القوم حصته ، فيبطل الحد ؟ قال : لا !
قال : فأمهما كافرتان أو مسلمتان ؟

قال : بل كافرتان .

قال : فيقام في الكافرة حد المسلمة ؟
قال : لا ! ( أقول لا ارى في هذا السؤال والجواب علاقة بين كفر امهات الشيخين باقامة الحد على شاتمهما ولكن وضعت الكلام كما هو ولعل هناك تصحيفا او سقطا في الجملة او لعله يشير الى عدم حد من ابويه مسلمين بمن ابويه كافرين وهذا لم اعثر عليه في فقه المسلمين فالعبارة فيها غموض)

قال : فهبك فعلت هذا بما يجب لأبي بكر وعمر من الحق ، أفيشهد عندك شاهدا عدل؟
قال : قد زُكي أحدهما
. قال : فيقام الحد بغير شاهدين عدلين ؟

قال : لا !
قال : ثم أقمت الحد في رمضان ، فالحدود تقام في شهر رمضان ؟
قال : لا !

قال : ثم جلدته وهو قائم ، فالمحدود يقام ؟

قال : لا !
[قال : ] ثم شبحته بين العقابين ، فالمحدود يشبح ؟

قال : لا !
قال : ثم جلدته عريانا ، فالمحدود يعرى ؟

قال : لا !
قال : ثم حملته على جمل ، فأطفته ، فالمحدود يطاف به ؟ قال : لا !
قال : ثم حبسته بعد أن أقمت عليه الحد ، فالمحدود يحبس بعد الحد ؟

قال : لا !

قال : لا يراني الله أبوء بإثمك وأشاركك في جرمك ، خذوا عنه ثيابه ، واحضروا المحدود ليأخذ حقه منه .
فقال له من حضر من الفقهاء : الحمد لله الذي جعلك عاملا بحقوقه ، عارفا بأحكامه ، تقول الحق ، وتعمل به ، وتأمر بالعدل ، وتؤدب من رغب عنه ، إن هذا ، يا أمير المؤمنين ، حاكم أجد [اجتهد] برأيه فأخطأ ، فلا تفضح به الحكام ، وتهتك به القضاء.
فأمر به ، فحبس في داره حتى مات .


الطائفة الثانية من النصوص : حال حكم رسول الله ص حين شَتمَ مسلمٌ ابا بكر [إنه التبسم] :

مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 2 - ص 436
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن عجلان قال ثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ان رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال [وقام] فلحقه أبو بكر فقال يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددتُ عليه بعض قوله غضبت وقمت. قال إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لا قعد مع الشيطان.

وقد قال عن الحديث في مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 8 - ص 189 - 190
قلت روى أبو داود منه إلى قوله فلم أكن لأقعد مع الشيطان - رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح .

فهذا الحديث يجب على كل مسلم قراءته يوميا ليرى أين هو الحكم بالكفر والقتل لمن سب ابا بكر حتى يُقتل ملايين الابرياء على مر التاريخ بهذه التهمة؟
وليتها تهمة صادقة بل هي دائما تلفيق في تلفيق.


على ان ما يقصدون في السب بالنسبة للشيعة هو النقد وعدم اعتماد حجية الخلفاء. والا فإن الشيعة مما لا يعقل ان يسبوا لأن السيف مسلط على رقابهم بهذه التهمة!
فكيف لعاقل ان يفعلها في ذلك الوقت ؟
وهذه مراجع وفقهاء الشيعة يحرمون اشهار سب الشيخين بالعناوين الثانوية درأً للفتنة ولحفظ دماء المؤمنين نتيجة سراية هذه الفتوى غير الاسلامية التي لا اصل لها في شرع الاسلام. وسيتبين أن مخترعي هذه الفتوى يجيزون بل يقومون بسب وشتم سيد المؤمنين علي بن ابي طالب وينسون فتواهم وحكمهم بعدالة جميع الصحابة فهل يستثنون الاتقياء المجاهدين منهم؟


فلْيدلّنا اصحاب الفتوى السلطانية اين يجدون حكم كفر وقتل من يسب ابا بكر بحديث صحيح كهذا الحديث الدال على الاباحة.
بينما يستطيع الشيعة ان يأتوهم بعشرات النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على حرمة سب علي بن ابي طالب وأن سبه هو سب لله عزوجل. والأمويون الظلمة يسبونه علنا ولحد هذا اليوم فقد صدر من الوهابية من السب واللعن لعلي ما يندى له الجبين.

الطائفة الثالثة من النصوص : وهي مجموعة نصوص في تشاتم الصحابة

ذكر الامام الرازي بعض القصص في تشاتم الصحابة انفسهم وقد اخترت ان ابدأ بالحكاية الأولى ثم اذكر تفصيلها من ابن ابي الحديد ليعقل المسلم إلى اين كانت تجري الأمور؟
وما هي الحقيقة؟

ثم بعد ذلك اذكر بقية القصص :

المحصول - الرازي - ج 4 - ص 340 - 342
(ما يروى من شتم بعضهم بعضا

ولنذكر من ذلك حكايات :

الحكاية الأولى
حكى ابن داب في مجادلات قريش قال:
اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة والمغيرة بن شعبة ثم أحضروا الحسن بن علي رضي الله عنهم ليسبوه وهو فلما حضر تكلم عمرو بن العاصي وذكر عليا رضي الله عنه ولم يترك شئ من المساوئ الا ذكر فيه وفيما قال إن عليا شتم أبا بكر وشارك في دم عثمان إلى أن قال اعلم أنك وأباك من شر قريش ثم خطب كل واحد منهم بمساوئ علي والحسن رضي الله عنهما ومقابحهما صلى الله عليه وسلم ونسبوا عليا إلى قتل عثمان ونسبوا الحسن إلى الجهل والحمق .


فلما آل الأمر إلى الحسن رضي الله عنه خطب ثم بدأ يشتم معاوية رضي الله عنه وطول فيه إلى قال له إنك كنت ذات يوم تسوق بأبيك ويقود به أخوك هذا القاعد وذلك بعدما عمي أبو سفيان فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمل وراكبه وسائقه وقائده فكان أبوك الراكب وأخوك القائد وأنت السائق
ثم قال لعمرو بن العاص إنما أنت سبة كما أنت فأمك زانية اختصم فيك خمسة نفر من قريش كلهم يدعي عليك أنك ابنه فغلب عليك جزار قريش من الأمهم حسبا وأقلهم منصبا وأعظمهم لعنة ما أنت إلا شانئ محمد فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم إن شانئك هو الأبتر ثم هجوت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعين قافية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني لا أحسن الشعر فالعنه بكل قافية لعنة
وأما أنت يا ابن أبي معيط فوالله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر وفي الزنا وقتل أباك صبرا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وسماه الله تعالى في عشر آيات مؤمنا وسماك فاسقا وأنت فاسق وأنت علج من أهل النورية
أما أنت يا عتبة فما أنت بحصيف إذا فأجيبك ولا عاقل فأعاتبك فقال وأما وعدك إياي بالقتل فهلا قتلت الذي وجدت في فراشك مع أهلك
وأما أنت يا مغيرة بن شعبة فمثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فإني عليك نازلة فقالت النخلة والله ما شعرت بوقوعك أي علي وأما زعمك أنه قتل عثمان فلعمري لو قتل عثمان ما كنت منه في شئ وإنك لكاذب.)

أقول: هذه الرواية كما في المحصول مختصرة وفيها اقتطاع مخل ، وتفصيلها رواه ابن ابي الحديد وغيره عن كتاب المفاخرات وسوف اعتمد نص ابن ابي الحديد :

شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 6 - ص 285 - 289
(وروى الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات ، قال :
اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وعتبة بن أبي سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة ، وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي عليه السلام قوارص ، وبلغه عنهم مثل ذلك ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه ، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوءنا . قال معاوية ، فما تريدون ؟ قالوا : ابعث عليه فليحضر لنسبّه ونسبّ أباه ، ونعيره ونوبخه ، ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلك ، ولا يستطيع أن يغير علينا شيئا ، من ذلك .
قال معاوية : إني لا أرى ذلك ولا أفعله ، قالوا : عزمنا عليك يا أمير المؤمنين لتفعلن ، فقال : ويحكم لا تفعلوا ! فوالله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي ، قالوا : ابعث إليه على كل حال .
قال : إن بعثت إليه لأنصفنه منكم .
فقال عمرو بن العاص : أتخشى أن يأتي باطله على حقنا ، أو يربي قوله على قولنا ؟
قال معاوية : أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أن يتكلم بلسانه كله ، قالوا : مره بذلك .
قال : أما إذ عصيتموني ، وبعثتم إليه وأبيتم إلا ذلك فلا تمرضوا له في القول ، واعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب ، ولا يلصق بهم العار ، ولكن اقذفوه بحجره ، تقولون له : إن أباك قتل عثمان ، وكره خلافة الخلفاء من قبله .
فبعث إليه معاوية ، فجاءه رسوله ، فقال : إن أمير المؤمنين يدعوك . قال : من عنده فسماهم له . فقال الحسن عليه السلام : مالهم؟ خر عليهم السقف من فوقهم ، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم قال : يا جارية ، ابغيني ثيابي ، اللهم إني أعوذ بك من شرورهم ، وأدرأ بك في نحورهم ، وأستعين بك عليهم ، فاكفنيهم كيف شئت وأنى شئت ، بحول منك وقوة ، يا أرحم الراحمين ! ثم قام ، فلما دخل على معاوية ، أعظمه وأكرمه ، وأجلسه إلى جانبه ، وقد ارتاد القوم ، وخطروا خطران الفحول ، بغيا في أنفسهم وعلوا .

ثم قال : يا أبا محمد ، إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني . فقال الحسن عليه السلام : سبحان الله ، الدار دارك . والاذن فيها إليك ، والله إن كنت أجبتهم إلى ما أرادوا وما في أنفسهم ، إني لأستحي لك من الفحش ، وإن كانوا غلبوك على رأيك ، إني لأستحي لك من الضعف ، فأيهما تقرر ، وأيهما تنكر ؟ أما إني لو علمت بمكانهم جئت معي بمثلهم من بنى عبد المطلب ، وما لي أن أكون مستوحشا منك ولا منهم ، أن وليي الله ، وهو يتولى الصالحين .
فقال معاوية : يا هذا : إني كرهت أن أدعوك ، ولكن هؤلاء حملوني على ذلك مع كراهتي له ، وإن لك منهم النصف ومنى ، وإنما دعوناك لنقررك أن عثمان قتل مظلوما ، وأن أباك قتله ، فاستمع منهم ثم أجبهم ، ولا تمنعك وحدتك واجتماعهم أن تتكلم بكل لسانك .

فتكلم عمرو بن العاص ، فحمد الله وصلى على رسوله ، ثم ذكر عليا عليه السلام ، فلم يترك شيئا يعيبه به إلا قاله ، وقال : إنه شتم أبا بكر وكره خلافته ، وامتنع من بيعته ، ثم بايعه مكرها ، وشرك في دم عمر ، وقتل عثمان ظلما .

وادعى من الخلافة ما ليس له . ثم ذكر الفتنة يعيره بها ، وأضاف إليه مساوئ ، وقال : إنكم يا بنى عبد المطلب لم يكن الله ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء ، واستحلالكم ما حرم الله من الدماء ، وحرصكم على الملك ، وإتيانكم مالا يحل . ثم إنك يا حسن ، تحدث نفسك أن الخلافة صائرة إليك ، وليس عندك عقل ذلك ولا لبه ، كيف ترى الله سبحانه سلبك عقلك ، وتركك أحمق قريش ، يسخر منك ويهزأ بك ، وذلك لسوء عمل أبيك . وإنما دعوناك لنسبك وأباك ، فأما أبوك فقد تفرد الله به وكفانا أمره ، وأما أنت فإنك في أيدينا نختار فيك الخصال ، ولو قتلناك ما كان علينا إثم من الله ، ولا عيب من الناس ، فهل تستطيع أن ترد علينا وتكذبنا ؟ فإن كنت ترى أنا كذبنا في شئ فاردده علينا فيما قلنا ، وإلا فاعلم أنك وأباك ظالمان .

ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فقال : يا بني هاشم ، إنكم كنتم أخوال عثمان ، فنعم الولد كان لكم ، فعرف حقكم ، وكنتم أصهاره فنعم الصهر كان لكم يكرمكم ، فكنتم أول من حسده ، فقتله أبوك ظلما ، لا عذر له ولا حجة ، فكيف ترون الله طلب بدمه ، وأنزلكم منزلتكم ، والله إن بنى أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية ، وإن معاوية خير لك من نفسك .

ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان ، فقال : يا حسن ، كان أبوك شر قريش لقريش ، أسفكها لدمائها ، وأقطعها لأرحامها ، طويل السيف واللسان ، يقتل الحي ويعيب الميت ، وإنك ممن قتل عثمان ، ونحن قاتلوك به ، وأما رجاؤك الخلافة فلست في زندها قادحا ، ولا في ميزانها راجحا ، وإنكم يا بني هاشم قتلتم عثمان ، وإن في الحق أن نقتلك وأخاك به ، فأما أبوك فقد كفانا الله أمره وأقاد منه ، وأما أنت ، فوالله ما علينا لو قتلناك بعثمان إثم ولا عدوان .

ثم تكلم المغيرة بن شعبة ، فشتم عليا ، وقال . والله ما أعيبه في قضية يخون ، ولا في حكم يميل ، ولكنه قتل عثمان . ثم سكتوا .

فتكلم الحسن بن علي عليه السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على رسوله صلى الله عليه وآله ، ثم قال :
أما بعد يا معاوية ، فما هؤلاء شتموني ولكنك شتمتني ، فحشاً ألفته وسوء رأى عرفتَ به ، وخلقاً شينا ثبتّ عليه ، وبغياً علينا ، عداوة منك لمحمد وأهله ، ولكن اسمع يا معاوية ، واسمعوا فلأقولن فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم .
أنشد كم الله أيها الرهط ، أتعلمون أن الذي شتمتموه منذ اليوم ، صلى القبلتين كليهما وأنت يا معاوية بهما كافر تراها ضلالة ، وتعبد اللات والعزى غواية !
وأنشدكم الله هل تعلمون أنه بايع البيعتين كليهما بيعة الفتح وبيعة الرضوان ، وأنت يا معاوية بإحداهما كافر ، وبالأخرى ناكث !
وأنشدكم الله هل تعلمون أنه أول الناس إيمانا ، وأنك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم ، تسرون الكفر ، وتظهرون الاسلام ، وتستمالون بالأموال !
وأنشدكم الله ألستم تعلمون أنه كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، يوم بدر ، وأن راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه ، ثم لقيكم يوم أحد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومعك ومع أبيك راية الشرك ، وفى كل ذلك يفتح الله له ويفلح حجته ، وينصر دعوته ، ويصدق حديثه ، ورسول الله صلى الله عليه وآله في تلك المواطن كلها عنه راض وعليك وعلى أبيك ساخط !
وأنشدك الله يا معاوية ، أتذكر يوما جاء أبوك على جمل أحمر ، وأنت تسوقه ، وأخوك عتبة هذا يقوده ، فرآكم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : ( اللهم العن الراكب والقائد والسائق ! ) .
أتنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لما هم أن يسلم ، تنهاه عن ذلك :

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا * بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا
خالي وعمى وعم الام ثالثهم * وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا
لا تركنن إلى أمر تكلفنا * والراقصات به في مكة الخرقا
فالموت أهون من قول العداة لقد * حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا

والله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت .
وأنشدكم الله أيها الرهط ، أتعلمون أن عليا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل فيه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا ، فبعث عليا بالراية ، فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله ، وفعل في خيبر مثلها !
ثم قال : يا معاوية أظنك لا تعلم أنى أعلم ما دعا به عليك رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد أن يكتب كتابا إلى بنى خزيمة ، فبعث إليك [ ابن عباس ، فوجدك تأكل، ثم بعثه إليك مرة أخرى فوجدك تأكل ، فدعا عليك الرسول بجوعك ] ونهمك إلى أن تموت .
وأنتم إيها الرهط : نشدتكم الله ، ألا تعلمون أن رسول الله صلى إليه عليه وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها .
أولها : يوم لقى رسول الله صلى الله عليه وآله خارجا من مكة إلى الطائف ، يدعو ثقيفا إلى الدين ، فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وتوعده ، وهم أن يبطش به ، فلعنه الله ورسوله وصرف عنه .
والثانية: يوم العير ، إذ عرض لها رسول الله صلى الله عليه وآله وهي جائية من الشام ، فطردها أبو سفيان ، وساحل بها ، فلم يظفر المسلمون بها ، ولعنه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ودعا عليه ، فكانت وقعة بدر لأجلها .
والثالثة: يوم أحد ، حيث وقف تحت الجبل ، ورسول الله صلى الله عليه وآله في أعلاه ، وهو ينادى : أعل هبل ! مرارا ، فلعنه رسول الله صلى الله عليه وآله عشر مرات ، ولعنه المسلمون .
والرابعة: يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود ، فلعنه رسول الله وابتهل .
والخامسة يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله صلى الله عليه وآله عن المسجد الحرام ، والهدى معكوفا أن يبلغ محله ، ذلك يوم الحديبية ، فلعن رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان ، ولعن القادة والاتباع ، وقال : ( ملعونون كلهم ، وليس فيهم من يؤمن ) ، فقيل : يا رسول الله ، أفما يرجى الاسلام لأحد منهم فكيف باللعنة ؟ فقال : ( لا تصيب اللعنة أحدا من الاتباع ، وأما القادة فلا يفلح منهم أحد ) .
والسادسة يوم الجمل الأحمر .
والسابعة يوم وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة ليستنفروا ناقته ، وكانوا اثنى عشر رجلا ، منهم أبو سفيان . فهذا لك يا معاوية .
وأما أنت يا بن العاص ، فإن أمرك مشترك ، وضعتك أمك مجهولا ، من عهر وسفاح ، فيك أربعة من قريش ، فغلب عليك جزارها ، ألأمهم حسبا ، وأخبثهم منصبا ، ثم قام أبوك فقال : أنا شانئ محمد الأبتر ، فأنزل الله فيه ما أنزل . وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جيع المشاهد ، وهجوته وآذيته بمكة وكدته كيدك كله ، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة . ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة ، لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة ، فلما أخطاك ما رجوت ورجعك الله خائبا ، وأكذبك واشيا ، جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد ، فوشيت به إلى النجاشي ، حسدا لما ارتكب ، مع حليلتك ، ففضحك الله وفضح صاحبك . فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام .
ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون إنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي ، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة ) ، فعليك إذا من الله مالا يحصى من اللعن .
وأما ذكرت من أمر عثمان ، فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ، ثم حلقت بفلسطين ، فلما أتاك قتله ، قلت : أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحه أدميتها . ثم حبست نفسك إلى معاوية ، وبعت دينك بدنياه ، فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ود ، وبالله ما نصرت عثمان حيا ولا غضبت له مقتولا .
ويحك يا بن العاص ! ألست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي :

تقول ابنتي أين هذا الرحيل * وما السير منى بمستنكر
فقلت : ذريني فإني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر
لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر
وشانئ أحمد من بينهم * وأقولهم فيه بالمنكر
وأجرى إلى عتبة جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر
ولا أنثني عن بني هاشم * وما اسطعت في الغيب والمحضر
فإن قبل العتب منى له * وإلا لويت له مشفري

فهذا جوابك ، هل سمعته !
وأما أنت يا وليد ، فوالله ما ألومك على بغض على ، وقد جلدك ثمانين في الخمر ، وقتل أباك بين يدي رسول الله صبرا ، وأنت الذي سماه الله الفاسق ، وسمى عليا المؤمن ، حيث تفاخرتما فقلت له : اسكت يا علي ، فأنا أشجع منك جنانا ، وأطول منك لسانا ، فقال لك على : اسكت ، يا وليد فأنا مؤمن وأنت فاسق . فأنزل الله تعالى في موافقة قوله : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) ، ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا : ( أن جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا ).
ويحك يا وليد ! مهما نسيت ، فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه :

أنزل الله والكتاب عزيز * في علي وفى الوليد قرانا
فتبوأ الوليد إذ ذاك فسقا * وعلى مبوأ إيمانا
ليس من كان مؤمنا عمرك الله * كمن كان فاسقا خوانا
سوف يدعى الوليد بعد قليل * وعلى إلى الحساب عيانا
فعلى يجزى بذاك جنانا * ووليد يجزى بذاك هوانا
رب جد لعقبة بن أبان * لابس في بلادنا تبانا

وما أنت وقريش ؟ أنما أنت علج من أهل صفورية ، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد ، وأسن ممن تدعى إليه .
وأما أنت يا عتبة ، فوالله ما أنت بحصيف فأجيبك ، ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك ، وما عندك خير يرجى ، ولا شر يتقى ، وما عقلك وعقل أمتك إلا سواء ، وما يضر عليا لو سببته على رؤوس الاشهاد ! وأما وعيدك إياي بالقتل ، فهلا قتلت اللحياني إذا وجدته على فراشك ! أما تستحي من قول نصر بن حجاج فيك :
يا للرجال وحادث الأزمان * ولسبة تخزي أبا سفيان
نبئت عتبة خانه في عرسه * جبس لئيم الأصل من لحيان
وبعد هذا ما أربا بنفسي عن ذكره لفحشه ، فكيف يخاف أحد سيفك ، ولم تقتل فاضحك ؟ وكيف ألومك على بغض على ، وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر ، وشرك حمزة في قتل جدك عتبة ، وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد !
وأما أنت يا مغيرة ، فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه ، وإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي ، فإني طائرة عنك ، فقالت النخلة : وهل علمت بك واقعة على فأعلم بك طائرة عنى !
والله ما نشعر بعداوتك إيانا ، ولا اغتممنا إذ علمنا بها ، ولا يشق علينا كلامك ، وإن حد الله في الزنا لثابت عليك ، ولقد درأ عمر عنك حقا ، الله سائله عنه !
ولقد سألتَ رسول الله صلى الله عليه وآله : هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها ؟ فقال : ( لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا ) ، لعلمه بأنك زان .
وأما فخركم علينا بالأمارة : فإن الله تعالى يقول : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا .
ثم قام الحسن فنفض ثوبه ، وانصرف ، فتعلق عمرو بن العاص بثوبه ، وقال : يا أمير المؤمنين ، قد شهدت قوله فيّ وقذفه أمي بالزنا ، وأنا مطالب له بحد القذف . فقال معاوية : خل عنه لا جزاك الله خيرا . فتركه .
فقال معاوية : قد أنبأكم أنه ممن لا نطاق عارضته ، ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني ، والله ما قام حتى أظلم على البيت ، قوموا عنى ، فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم ، وعدولكم عن رأى الناصح المشفق . والله المستعان .

أقول : أخي المثقف السني هل يدلك ما تقرأ على أخلاق هؤلاء وتآمرهم على اهل البيت وشتمتهم واذاهم لعلي وأهل بيته ؟ وهذه الرواية وحدها كافية في بيان الحقيقة ، ثم أن نظرية عدالة الصحابة مطلقا كانت ولا زالت لتعديل هؤلاء وهم كما ترى ، فهل تعدّل هؤلاء وهم بهذه القباحة؟
ثم هل التفت الى ان ابتداع قضية تكفير من شتم ابا بكر وعمر وهو من اصحاب ذلك المجلس الجائرين (بني امية وانصارهم). فهل تحتاج الى تنبيه عقلي اكثر من هذا.


المحصول - الرازي - ج 4 - ص 342 - 344
الحكاية الثانية: أن عثمان رضي الله عنه أخر عن عائشة رضي الله عنها بعض أرزاقها فغضبت ثم قالت يا عثمان أكلت أمانتك وضيعت الرعية وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك والله لولا الصلوات الخمس لمشى إليك أقوام ذوو بصائر يذبحونك كما يذبح الجمل فقال عثمان رضي الله عنه ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط . الآية
فكانت عائشة رضي الله عنها تحرض عليه جهدها وطاقتها وتقول أيها الناس هذا قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل وقد بليت سنته اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا
ثم إن عائشة ذهبت إلى مكة فلما قضت حجها وقربت من المدينة أخبرت بقتل عثمان فقالت ثم ماذا فقالوا بايع الناس علي بن أبي طالب فقالت عائشة قتل عثمان والله مظلوما وأنا طالبة بدمه والله ليوم من عثمان خير من علي الدهر كله فقال لها عبيد بن أم كلاب ولم تقولين ذلك فوالله ما أظن أن بين السماء والأرض أحدا في هذا اليوم أكرم على الله من علي بن أبي طالب فلم تكرهين ولايته ألم تكوني تحرضين الناس على قتله فقلت اقتلوا نعثلا فقد كفر فقالت عائشة لقد قلت ذلك ثم رجعت عما قلت وذلك أنكم أسلمتموه حتى إذا جعلتموه في القبضة قتلتموه والله لأطلبن بدمه فقال عبيد بن أم كلاب هذا والله تخليط يا أم المؤمنين.

المحصول - الرازي - ج 4 - ص 344 - 345
الحكاية الثالثة: الخصومة العظيمة التي كانت بين عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار وبين عثمان والخصومة التي كانت بين عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم حتى آل الأمر إلى الضرب والنفي عن البلد واللعن وكل ذلك يقتضي توجه القدح إلى عدالة بعضهم

المحصول - الرازي - ج 4 - ص 345 - 350
الحكاية الرابعة : مقتل عثمان رضي الله عنه والجمل وصفين .

اقول: اختصر الإمام الرازي المشكلة العظمى والفتنة الكبرى بحكاية مدمجة لمقتل عثمان والجمل وصفين. بينما كل حادثة على حدة فيها مشكلة عظيمة لكثرة من فيها من الصحابة المتقاتلين ، ولعظيم الاشكال على عدالة الصاحبة مطلقا او جواز سبهم او قتالهم وما شابه ذلك. فكيف يجوز قتل الصحابي المؤمن ولا يجوز سبه؟ انها معادلة واضحة الاضطراب . فإنهم يقتلون الصحابي المؤمن ويدعون عدم جواز سبهم؟ أليس ذلك عجيبا ! فكيف يمرر ذلك على المثقف؟

تركت هذه القصص ترد على من زعم عدالة الصحابة من دون الضوابط القرآنية وعلى من زعم كفر أو وجوب قتل من سب الشيخين، وهي خير شاهد ودليل على عدم الالتزام بمضمون النظرية منذ القدم ولو اردنا ان نجد الشواهد على مر العصور لاحتجنا الى نقل كتب كاملة .

وخلاصة القول: يا اخي لا يغشنك الوهابية بافكار بني امية عن طريق ايجاد معايير لا يقبلها الله ولا رسوله ولا العقل وليس لها شاهد بل الشواهد على خلافها. كما هو حال القول بعدالة الصحابة ضد القرآن أوالقول بكفر أو قتل من يسب ابا بكر بلا دليل بل ضد الدليل من السنة النبوية الدالة على الاباحة وعدم جواز القتل أو التكفير.



تعقيب مهم على الخاطرة الثالثة



اتصل بي أحد الأصدقاء وقال لي: اطّلعت على خاطرتك الاخيرة ولي عليها ملاحظة وهي أن هذه النصوص التي اوردتها في جواز شتم الشيخين وتناقض الحكم مع الدليل عمدتها حديث احمد بن حنبل عن تبسم النبي بشتم ابي بكر وهو بطريق صحيح كما لا يخفى، ولكن جماعتنا يرون انه دال على كراهة شتم ابي بكر ، وانت ادعيت انه دال على الاباحة والفرق بينهما ظاهر. فالمشكلة اذن في الدلالة.

فأجبته بما يلي :
معنى دلالته على الكراهة هو عدم الحرمة اصلا فضلا عن الحكم بالكفر والقتل . واصل المشكلة هي القتل والتكفير على أساس هذا الحكم الذي يناقض فعل وقول رسول الله ص.
وبيّنت له باختصار لماذا قلتُ انه الاباحة وأن الحديث دال على ان حكم شتم ابي بكر كحكم شرب الماء وهو بنص صحيح ومعتمد عند أهل السنة.

والآن ابيّن بالتفصيل السبب لقولي أن الحديث دال على اباحة شتم ابي بكر وانه ليس فيه معصية اطلاقا فضلا عن دعواهم الكفر ووجوب القتل .

اكرر نقل الحديث للتأمل :

مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 2 - ص 436
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن عجلان قال ثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ان رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال [وقام] فلحقه أبو بكر فقال يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددتُ عليه بعض قوله غضبت وقمت. قال إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لا قعد مع الشيطان.

وقد قال عن الحديث في مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 8 - ص 189 - 190
قلت روى أبو داود منه إلى قوله فلم أكن لأقعد مع الشيطان - رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح .

والدراسة للحديث تنبّهنا الى ما يلي :

الحديث طريقه صحيح كما نص عليه الاعلام حيث رجاله رجال الصحيح.
الحديث فيه مقطعان يجب ان ندرسها:
المقطع الاول: هو تعجب وتبسم النبي لشتم ابي بكر ومن ثم غضبه حين رد ابو بكر على الشاتم .
المقطع الثاني: التعليل للغضب وهو أن الشيطان حضر عند شتم ابي بكر لشاتمه ، مع انه كان هناك ملك يرد عن ابي بكر حين كان يشتمه الشاتم.

في المقطع الاول وبدون النظر الى المقطع الثاني دالالة واضحة على فرح النبي لشتم ابي بكر وغضبه لرد ابي بكر على الشاتم.
وفي المقطع الثاني دلالة على ان رد ابي بكر على الشاتم كان سببا في طرد الملائكة و حضور الشيطان.
فهذا الظهور يقرر استحباب النبي ص لشتم ابي بكر.
ولكن هناك امر قد ينغص هذا الظهور وهو مفاد قوله (كان معك ملك يرد عنك) فهو يدل على نصرة الملك لأبي بكر . وهذا ما تمسك به شراح الحديث وتمسكوا ايضا بورود روايات للحديدث متأخرة عن ابن حنبل باكثر من 200 سنة ليس فيها (ويتبسم) من اجل التقليل من عمق الدلالة الاولى على الاستحباب وهذا التمسك الثاني لا قيمة له لأن نص احمد اقدم واولى بالاخذ لكون طريقه صحيحا والمثبِت حجة على المسقِط.
نأتي الى دلالة (كان معك ملك يرد عنك) فانه لو كان مجردا من القرائن والمشكلات لقلنا بانه دال على نصرة الملائكة لابي بكر وان شتمه مكروها ، ولكن القرائن لا تدع هذا الظهور ساريا ، فالقرائن اما ان تدل على ان هذه الجملة مقحمة ليست من قول الرسول ص وانما هي لتخفيف وطئة الحديث وهي زيادة من الرواي لمقابلة حضور الشيطان، أو ان معناها يُحمل على ما يحتمله المقام في اللفظ بحسب القرائن وسياق النص.
فكون رد ابي بكر على الشاتم احضر الشيطان ودفع الملاك لا معنى له الا ان شتم ابي بكر امر مخفف يمكن ان يحضر معه الملك ويَعبد الله وهو مجلس من مجالس المؤمنين ، ورد ابي بكر جعله مجلسا من مجالس البطالين الذي ينفّر الملائكة ويحضّر الشياطين ولا معنى اخر غير هذا .
فما معنى أن الملك كان يرد عن ابي بكر مع هذا الحال الظاهر؟
المعنى المقبول هنا أن المَلك كان يرد نيابة عن ابي بكر كمسلم فيقول للشاتم (أحسنت باركك الله) وهذا ما يناسب تبسم النبي في حال شتم الشاتم لابي بكر وغضبه حين رد عليه ابا بكر ، و على اسوء تقدير فان الشاتم حين كان يشط بشتمه لأبي بكر فيقول المَلك للشاتم (غفر الله لك) وهذا ما يناسب حضور المَلك، فالمَلك لا يناسب مقامه الخالص أن يرد الشتم بالشتم كما هو معلوم، فالرد عن ابي بكر لا يكون باقل من هذا.
نعم يمكن ان يدعي مدعي بانه كان يلعن الشاتم وهو (رد عنه). والجواب أن هذا غير محتمل لأنه كان يمكن ان يقول (أنه كان معك ملك يلعنه) ثم اذا كان الملك يلعن الشاتم وهو يستحق هذا الدعاء فلماذا حين رد ابو بكر هرب الملاك وحضر الشيطان؟ والمفروض ان الشاتم يستحق اللعن في المقام وهو مقام عبادة وطاعة لا يهرب منها الملاك ويحضر الشيطان!!! فاحتمال هذا المدعي يرده النص بحضور الشيطان. الا ان يدعي بأن ابا بكر حين رد على الشاتم ارتكب المعاصي وخرج عن الشرع فاخذ يذكر بلسانه ما نفّر الملائكة الكرام واحضر الشياطين ، فيكون هذا الاحتمال نقضا لغرض المدعي . وعلى كل حال يدل على ان شتم الشاتم لم يكن يصل الى مستوى تنفير الملائكة الكرام بخلاف رد ابي بكر وهذا عقدة العقد في الموضوع.
فالمتعين هو احتمال ان يكون الرد هو المباركة او الاستغفار. وهذا هو حال المستضعفين من المؤمنين لأن شتم المؤمن المتمكن من الايمان معصية تجلب الشيطان وتنفر الملائة الكرام واما شتم المؤمن للمستضعف فانه ليس كذلك بل قد يكون من المستحبات التي تحضر الملائكة الكرام إذا كان لبيان الباطل واظهار الحق او لتقريع المستضعف في الدين واستنهاضه للتمسك بالدين لطلب الكمال ، وهذا ما يناسب حضور الملائكة ونصرتهم للمؤمنين. واما أهل الكرامة في الايمان فان الملائكة تنصرهم وتلعن من يشتمهم وتبقى معهم بدون هرب منهم او حضور الشيطان معهم اذا تكلموا. وهذا من ابده البديهيات .
فحصيلة القرائن في الحديث الصحيح والسنة الثابتة هي استحباب شتم ابي بكر قربة الى الله ، وانه موجب لحضور الملائكة الكرام، ولكن بما انني حاولت ان احترم من يقول بان هناك نصا نافيا للاستحباب وموجبا للكراهة ولو اشتباها منه ، فعملت بتعارض الحكمين وتساقطهما عند التعارض وهما الاستحباب والكراهة فبقي حكم الاباحة الاصلي حاصل من المحصلة. وهذا هو الداعي لاعتباره مباحا بدل الاستحباب المحصّل من الحديث.


فلهذا اقول بان هذا الحديث الصحيح يجب ان يقرأه المثقف السني يوميا ليرى مقدار الجريمة المرتكبه بحق المسلمين لقتلهم وتكفيرهم بحجة شتم ابي بكر وهو من المباحات بنص السنة النبوية ، فهل يجوز قتل الملايين وتكفير مئات الملايين لتهمة انهم يشتمون ابا بكر؟

وهل القول بأن ابا بكر قد خالف الرسول في كذا موقف يعتبر شتما؟

الشيعة يقولون بكل ثقة ويقين بأن ابا بكر وعمر وعثمان خالفا الشرع في مواقف لا يمكن تبريرها كما بررها اهل السنة، لأنها مقابل نصوص صريحة . وهذا القول لا يستحي منه الشيعة ، وهم يقولون أن هذه المخالفات لا تعطينا الحق الشرعي باتباع ما تفردا به . فهم ليسوا الحجة التي يحتج به المسلم امام الله، وهذا كل ما يقول به الشيعة من الناحية الشرعية.
فهل هذا شتم؟
اما ما يصدر من بعض جهلة الشيعة في العصور المتأخرة فلا يعتبر دليلا على اهل البيت عليهم السلام وانما هو رد فعل على ما يرونه من ظلم وتعدي على ائمتهم ، وهو غير مقبول عند المرجعية الشيعية. وعلى من لا يريد ان يصدر مثل هذا فعليه ان يمنع الظلم والجهل ليمنع ردود الافعال غير المنضبطة.
والشتم غير اللعن، فاللعن من الواجبات التي امرنا الله بها لكل من حاد عن سبيل الله. وكل مسلم يدّعي بأن اللعن لمن حاد الله من المحرمات فقد حاد عن جادة الصواب وهو يحتاج الى رجوع الى كتاب الله وسنة نبيه ليكون مسلما متعلما لا يوالي اعداء الله ، واما مصداق من حادد الله فهذا يرجع الى المكلف ومعاييره في تحدد من يلعنه الله.

واكرر ما أعتبره خلاصة مهمة :

إن النصوص الصحيحة الصريحة ليس فيها ما يدل على تكفير وكفر من يشتم ابا بكر ، فمن أين أتى فقهاء بني امية بهذه الجرثومة التي يقتلون بها اهل الايمان منذ الصدر الاول للاسلام وحتى هذا اليوم ؟
على كل مسلم سني ان يدرك إن معيار عدالة الصحابة ومعيار تكفير المسلم الشاتم لابي بكر هي معايير ليست اسلامية ولا تقرب الى الله بل هي من المعاصي التي دمرت المجتمع الاسلامي وهي احد اسس التكفير في الاسلام وعلينا جميعا ان نقف ضدها وان نبيّن حكم الله في هذه القضية .

فإلى طلب الحقيقية يا اخي السني، ولا تلتفت لعدوك وعدو الله الوهابي الأموي فانه يريد ان يورطك لتبتعد عن الله وأن تدمر مجتمعك الاسلامي ، وإليك الشكل العملي وهو ما حدث في العراق حيث ان المجتمع السني اصبح الحاضنة لهؤلاء التكفريين الأمويين القتلة فترة من الزمن ، ولكن بعد فترة ادرك المجتمع السني أنه لا قواسم مشتركة حقيقية مع هؤلاء القتلة دعاة بني امية فأخذوا يقتلونهم تحت كل حجر ومدر وتوضّح لهم ان التسنن ليس بالضرورة هو السير خلف الوهابية الصهيونية الحديثة في الاسلام. فعلينا جميعا ان نكون حذرين جدا من هؤلاء المجرمين وأن نتحد ضدهم.




الخاطرة الرابعة




الفرق بين عقيدة المسلمين والمسيحين ثلاثة ايام.



طبعا هذا العنوان طريف ومستغرب ولكنه حقيقة وهو نتيجة بحث وحوارات طويلة مع القسوس.

لقد حاورت الكثير من القسسة ورجال الدين المسيحيين بنفس مستريح طيلة ثلاثة عقود واكثر ، وكانوا من مختلف المذاهب . وكان بعض الحوار يتصف بالطول وبالفكاهة وبالعمق في بعض الأحيان.
واشهد ان امتع الحوارات هي مع علماء الكنيسة الانجيلية البروتستانتية ، حيث يتصف اصحاب هذه الكنيسة بقلة الغموض وبرغبتهم في دراسة اللاهوت حتى لو كان خارج اطار الكنيسة . فقد ناقشت المارونيين والكاثوليك والارثوذوكس والاقباص والأرمن وغيرهم ، وكانوا يمتازون بالغموض الزائد والتهرب من الإلزامات والحوار باي شكل كان .

ومن الحوارات الممتعة مع أحد قسسة الكنيسة الانيجلية جرى الحديث عن الفرق بين الاسلام والمسيحية في الأسس ، غير أني بدأت أنسى اغلب تفاصيل الحوار لقدم عهده ولكن هذا بعض الحوار الذي اتذكره:

بدأ يجيب عن الفرق بين المسيحية والاسلام بقوله : بأن عقيدة الخلاص هي الفارق بين الديانتين.

فقلت له: هذه ليست فرقا فإن عقيدة الخلاص هي نفس اعتقادنا بالشفاعة .
قال: هي محصورة عندنا بيسوع .
فقلت له : الفداء محصور عندكم بيسوع واما الخلاص فلا ، فقد وصل بكم أن تمارسوا غفران الذنوب بالاعتراف للكاهن بالكنيسة وهذا عين الخلاص بغير المسيح بحسب وجهة نظركم .

فقال: ولكن نعتقد بأنه خلاص بقوة الرب وليس من نفس الكاهن .
فقلت : حتى الشفاعة عندنا هي باذن الله وهي ليست متاحة لكل احد بل هي لمن اذن له الله من أوليائه.
فقال: ذكرتني لعل الفرق هو الفداء فانتم لا تؤمنون ان المسيح فدا نفسه عن محبيه.
فقلت له : نفس فكرة الفداء موجودة في القرآن فقد فدى الله اسماعيل بذبح عظيم وهذا الذبح مختلف فيه، وفي معنى الفداء . فالفداء موجود بشكل عام ولكن مصاديقه مختلف فيها ، وكل مصداق يحتاج الى دليل حجة من الله. وموضوع فداء المسيح عن المؤمنين ليكون شفيعا لهم لا مشكلة فيه بنفسه ، ولكن يحتاج الى دليل إلهي على تعيين الشفاعة لا بتفسير شخصي من بعض الاتباع لمفهوم الصلب بانه فداء لشفاعة امة المسيح وهذا تفسير تبرعي غير مدعوم بدليل إلهي. ثم إننا نؤمن بأن كل الانبياء شفعاء لأممهم بلا حاجة للفداء والألم والتحمل عن الغير. على ان مفهوم العقاب نيابة عن الغير غير وارد وفيه مشاكل كثيرة .
وبعد بعض حوارٍ حول هذه الجزئيات .
قال لي : إن الفارق بيننا هو الصلب .
قلت له: ليتك لم تقل هذا ؟
فقال: لماذا؟
فقلت له: إننا نقول بانه رفع الى السماء وهذا ما يزعجكم اليس كذلك ؟
فقال: نعم.
فقلت له : انتم تقولون بانه رفع الى السماء في اليوم الثالث أليس كذلك؟
قال: نعم نحن نقول بانه ارتفع الى السماء بعد اليوم الثالث ليعود في قيامته الثانية.

قلت : اذن المسافة الزمنية بين قولنا وقولكم هو ثلاثة ايام. فاذا كان هذا الفرق بين الديانتين فهي فرق زمني بمقدار ثلاثة ايام لا يقدم ولا يؤخر.

فقال : ولكن قولكم يعني انكار الصلب .

قلت له: انكار الصلب لا يوجب مشكلة، فهو مسيحياً غير متفق عليه في الفترة الاولى من المسيحية. ثم ان اثبات الصلب لا ينفعكم كثيرا فمفهوم الخلاص كما قلت لك يمكن أن يقع بدون ألم ولا حاجة لكل هذه الفذلكة بالصلب والفداء، فإن المسيح مقرّب من الله بلا شك فلا يحتاج الى عذاب نفسه ليشفع لأمته لأنه شفيع وهذه مهمة كل نبي. ثم ان المسلمين يقولون بأن الصلب بما هو صلب قد وقع، ولكن الله يخبرنا في القرآن الكريم حسب دليلنا ، بانه تم استبدال وشبه بشكل المسيح ، فالمسلم يعتقد ان من صعد الى الصليب هو شبيه جدا بالمسيح بحيث اقنعت صورته الحضور بانه نفس المسيح.

والمسيحيون يعتقدون بانه المسيح ، فلا مشكلة في الحقيقة فان الصورة التي صعدت الى الصليب هي صورة المسيح فعلا لدى الطرفين. والفرق هو ان الله الذي رفعه يُعلم عباده بأنه رفعه وشبّه على الحضور صورته تماما بحيث حتى المقربين من المسيح حسبوه المسيح نفسه لولا انه نطق بأمور تدل على انه ليس المسيح لكفره وضعف ايمانه مثل قوله (إلهي إلهي لم شبقتني ) أي لم تركتني، وهذه الكلمة والجزع غير المناسب لأولياء الله جعل بعض من حضر الصلب يتعجب من يأس المسيح فيظن بأن الله تركه.

فهذا لا يصدر من صغار المؤمنين لكونه كفرا لأنه يأس من رحمة الله !! فكيف من نبي مقرّب من أولي العزم، ولهذا وقع صراع مسيحي - مسيحي في البداية حول هذا الموضوع. وانكر المؤمنون أن يكون هذا اليائس من رحمة الله هو المسيح بعينه فانتبهوا الى انه قد بدّل وشبه لهم ولعل في القصة اسرارا عرفوها ترفض الكنيسة حتى نقلها على انها اكاذيب.

فقال لي: انت تشير الى ما ورد في الاناجيل المنحولة وهي مرفوضة من قبل الجميع عندنا.

قلت له : تصنيفها بالمنحولة هو متأخر اكثر من مائتي سنة عن بدء المسيحية ، ولكن قل لي هل هؤلاء مسيحيون أم كفار بالمسيحية ؟ غاية ما تسطيعون قوله بأن هذه مذاهب انقرضت نتيجة قوة الكنيسة العسكرية بعد ان أضحى لها دولة تصادي عنها. ولا يمكن انكار اتجاهاتها الفكرية والرؤية الخاصة بها وان بعضهم انكر الصلب الحقيقي وانكر كثيرا مما ورد بالاناجيل المقررة في الكنيسة.
قال : حيرتني في الحقيقة ، ولا استطيع انكار انهم من المسيحيين الاوائل ، فما تراه من الفرق الحقيقي بيننا؟
فقلت : له الفرق بيننا ثلاثة ايام وهي الأيام التي تقولون انه بقي في الارض بعد حادثة الصلب . وهذا لا يستحق هذا الخلاف بيننا، والحروب الصليبية وغيرها. فكلانا الان يعتقد ان المسيح حي عند مليك مقتدر وسوف يرجع الى الارض ناصرا القديس العالمي الذي يقيم العدل في الارض ويكسر شوكة المستكبرين.

فضحك وانتقلنا الى البحث في علم اللاهوت والفروق بين المسلمين والمسيحيين في علمي الكلام والفلسفة. وكان بحثا طريفا .

الحقيقة أنني حضرت الكثير من المناظرات والحوارات بين المسيحيين والمسلمين ولكنني أجد خللا في طرق الحوار فلا المسيحي يعرف كيف يحاور المسلم ولا المسلم يعرف كيف يحاور المسيحي ، ولا يبدءان ابدا من التسليم بالقواسم المشتركة ثم ينتقلان الى مسائل الخلاف ، وقد يحدث ان يختلفان على امر هما يتفقان عليه ولكنها لا يدركان المبادئ الاساسية لديانتهما .

المسيحي في الغالب حتى لو كان قساً لا يعرف ديانته خصوصا الكاثوليكي ، فإن من المحرمات عليهم دراسة الاديان ودراسة حقيقة المسيحية وانما يجب عليهم الاخذ بتعليمات الكنيسة والايمان بها والفرح بها مهما كانت، فهناك مشكلة تواجهها الكنيسة قد لا يعلم بها المسلمون وهي ان من يُنتدب من الكنيسة للدراسة يخرج بنتائج معاكسة لما تريده الكنيسة ولهذا فان اغلب الدراسات مخفية وغير مسموح الاطلاع عليها.

وهذا ليس وليد الساعة بل هو مشكلة قبل فترة مجمع نيقية قبل هجرة الرسول محمد ص بحدود ثلاثمائة سنة. ولهذا فهناك مشكلة حقيقية في توجيه اسئلة غير ممكن الإجابة عليها في العقل المسيحي . فالتركيبة العقلية للمفكر المسيحي لا تسمح له بتوجيه مثل هذه الاسئلة لأنه ينطلق في تفكيره من لذة الايمان والقناعة المكتسبة. ويرى أن هذه الاسئلة عبارة عن فقدان لهذه اللذة، وقد عبّر مرة عن هذه الحالة البابا يوحنا بولس الثاني بقوله : (قرأت القرآن فوجدته جميلا في توحيده ولكنه يفتقر الى لذة الايمان بالتثليث والتجسيم.) فالمسيحيون بما فيهم البابا يرون ان الدين ومفاهيمه لذة ليست قابلة للبرهان العلمي، بينما المسلم يناقشهم من منطق الجدل الديني او العقلي ويعتقد أنه سيغلبه بينما هو يجابهه بما لا يعقله اصلا في اصول التفكير. فهنا عقلان لا يتفقان في طريقة التفكير.

وابسط مثال على اختلاف العقلين بالاضافة الى السؤال عن التثليث هو السؤال عن تحريف الانجيل فهذه الأسئلة لا يمكن ان يعقلها العقل المسيحي وليس لها أي تأثير في الحوار معه على هذا، فهو يعتبر هذا الحوار ليس حوارا دينيا وانما مجرد اعتداء على ايمانه وهو فارغ من الايمان. قد لا يصدّق المسلم هذه الحقائق ولكنها للأسف هي الواقع. ولهذا اعتقد أنه يجب أن تدرس المسيحية جيدا وأن يكون الحوار عن طريق الايمان بطريقة ابداعية. وهذا يحتاج الى فهرسة عقلية والى الكثير من المعلومات التي يفتقر اليها الباحث المسلم.
وقد يسألني البعض بأن هناك مسيحيون نواصب للنبي محمد ص يناقشون في العمق، فاقول لقائل هذا القول : أن هؤلاء -في الحقيقة- لا يقومون إلا بقراءة الحوار الاسلامي - الاسلامي بين المذاهب مع جمع الشتائم من هنا وهناك ، فيجمعون نواقض هؤلاء على هؤلاء ونواقض أولئك على هؤلاء، وغالب ما يجمعونه هو من الحوار الشيعي - الوهابي ومن حوار الملحدين والكارهين للاسلام من شيوعيين وغيرهم في سبابهم للنبي محمد. فيجابهون المسلمين بجملة النواقض المذهبية أو اللا دينية ، وهذا انما كان بفضل انفتاح عالم النت على تحصيل ومشاهدة هذه الفضائح الاسلامية. ولهذا لا ترى من إشكالاتهم الا ما كان من الحوار الاسلامي - الإسلامي أو حوار الملحدين مع المسلمين ، ولا يجيبون عن سؤال يوجّه اليهم الا بقولهم (انك لا تفهم هذه الحقيقة الإيمانية ) كما يفعل مقلدوهم الوهابية ثم يقررون نظريتهم من أن الايمان لا يقبل التوافق مع العقل و العلم وأنه لا يؤخذ بالدليل العلمي وهذا افضل اجوبتهم . فليس هناك منهج متبع عندهم للحوار مع المسلمين وانما هو سرقة مواد النقاش الخلافي بين المسلمين ، والا فهم كالوهابية لا يقبلون من المسلم أن يناقشهم احد في مصادرهم ومن مصادرهم ويقولون ان هذه خاصة بنا وليس لكم النقاش فيها. وإن تشبيههم بالوهابية ظلم لهم لأن الوهابية في الحقيقة يقتبسون من افكارهم وطرقهم في الحوار نتيجة اتحادهم في المبادئ والمنطلقات. مثل رفض العقل وعدم الثبات على معيار وعدم ضرورة التطابق الواقعي بين الافكار.
وافضل مثال على ذلك هو أجوبتهم عن توثيق كتبهم المقدسة ، فهم يجيبون باجوبة لا علاقة لها بالسؤال ، ولم اعثر لحد الان على من يجيب بما عند الكنيسة من دراسات سرية اطلعنا على بعضها حول اصل كتبهم المقدسة ومقدار موثوقيتها . هذا بخلاف اللجان التي تشكل كل خمسين سنة تقريبا لبحث معضلة توثيق الكتب المقدسة وكلما تقدم الزمن وعثر على كتب ورقع قديمة وقريبة عهد من النزول تزداد مشكلة توثيق الكتب واعتمادها ، وقد فرح المسيحيون بظهور مخطوطات البحر الميت (وادي قمران) ولكن سرعان ما اختفت وقد شُكلت عدة لجان لدراستها وخرجت بنتائج سلبية لم يسمحوا لأحد بالاطلاع عليها . وذكروا ان هذه المخطوطات اثبتت خطأ الكنيسة والكنيس اليهودي السائر منذ ازمان طويلة بأن التوراة لم يكن لها اصل مكتوب وهو كتاب شفهي النقل ، فقد ثبت أن للتوراة اصلا مكتوبا قبل المسيح بمائة سنة أو اكثر قليلا . وهذا لا ينفع في المقام والغموض في العهد الجديد لا يقل عنه كما يعلم الباحثون المطلعون على تأريخ التوراة والانجيل وبعض اسرار مخطوطات قمرات والمخطوطات المصرية. وهناك مخطوطات للكتب القانونية نفسها عثر عليها في اثيوبيا (الحبشة) لم يفصحوا عنها وقد قيل ان فيها بعض النصوص المشكلة تاريخيا. ومن اراد ان يتعمق في النظر في مشكلة المخطوطات التي عثر عليها حديثا عليه ان يتابع موضوع (شفرة دافنشي) ومشكلة مريم المجدلية وزواجها من المسيح وحملها منه. فهذه امور انتجتها هذه المخطوطات بشكل عجيب.

وسوف انقل بعض النصوص لبيان بعض المشكلات التي يعرضها البحث الكنسي نفسه الذي يقول بمجهولية الاصول وبعدم التأكد من النصوص وانها كانت شفوية يزاد فيها وينقص ، والدراسات هنا مسيحية ولكن لا احد من المحاورين المسيحيين يتطرق اليها أو يقبل بها وهذا هو ما اقصده كمثال على نوع الحوار المسيحي الاسلامي وعدم معرفة كل من المسلمين والمسيحين لديانتهم ولديانة غيرهم ويتناقشون بلا فهم للموضوع.
وبما ان النصوص مطولة جدا فسوف اقتطف منها موضع الحاجة كمثال فقط على نوع التفكير الذي يواجهه المحاور المسلم مع زميله المسيحي في عدم التطابق بين الايمان وبين الواقع.

قول الكنيسة في العهد القديم نتيجة بحوثها التاريخية :

قاموس الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - ص 431
(وذلك مما يبين أن الكتب الخمسة كانت في الأصل مجاميع مختلفة ولا يمكن تحديد وقت جمع الكتب كلها في سفر واحد ، غير أنه يرجح من مادة الكتابين ؟؟؟؟؟ التعبير في بعض مزاميرهما أنهما جمعا بعد سبي بابل ، ويرجح أن الجمع قد أكمل في أيام عزرا وأنه قد تم تدريجيا ، إذ أن المزامير تظهر العواطف المختلفة للقرون العديدة منذ عصر داود إلى الرجوع من سبي بابل .)


أقول : اقول هنا استعملت الكنيسة خدعة لفظية حيث استخدمت كلمة (الجمع) بدل (التأليف) ولكن النص يبيّن أن المقصود هو (التأليف) لأن النصوص تظهر العواطف المختلفة للقرون العديدة أي ان امزجة النص تتلائم مع قرون متاخرة جدا عن زمن موسى عليه السلام ويعني أن التاليف فيها مستمر على مدا عدة قرون ، وهذا هو ما تعترف به الكنيسة بشكل رسمي في غير هذا النص .
وقد تسأل كيف اعتبروها كتابا الهيا مقدسا وهو قد الف بواسطة معلومين ومجهولين على مدى الف عام؟ فسيأتيك الجواب الكنيسة ان الدليل على قداستها هو: استعمال الكنيسة لها ، فقد لا تصدق هذا القول ولكن هذا هو الواقع فاقرأ يرحمك الله ما يتعلق بالمزامير مثلا:

قاموس الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - ص 431
(من العجيب أن هذه المزامير التي كتبها عبرانيون أتقياء قبل المسيح بقرون ، تستعمل اليوم في عبادة الكنيسة المسيحية وتناسب ذوق جميع الطوائف على حد سواء . ولعل هذا دليل على كونها موحى بها من الله وهي صادرة من أعماق القلب الإنساني في نسبته لله تعالى وتعبر عن حاسيات الشكر والحمد والتوبة والحزن ‹ صفحة 432 › والغم والرجاء والفرح عامة ، على نحو يجعل كل نفس تقية في كل عصر وكل بلد تشعر بمناسبتها لاحتياجاتها . وإن لم تشعر كل الشعور بقوة كل مزمور فما ذلك إلا لعدم إدراك جميع الظروف المحيطة بتأليفه . والمزامير شعر ويقتضي لفهمه أحاسيس مناسبة لأحاسيس الشاعر لكي يتضح للقارئ معناه العميق . لذلك فمن المزامير ما لا يمكن فهمه إلا في أوقات التجربة والضيق . ومنها ما لا يمكن فهمه إلا في وقت الاضطهاد وغيرها في وقت الفرح والابتهاج . غير أنه على قدر زيادة اختبارنا الروحي تكون زيادة إدراكنا لمناسبة المزامير لكل ظروف الحياة . وهكذا نلاحظ أن أكثر الأسفار الكتابية قراءة هي الأناجيل والمزامير . كذلك صارت المزامير أساس كثير من ترانيمنا المسيحية المستعملة في العبادة الفردية والجمهورية في كل المسكونة . وسوف تظل كذلك مدى الدهور . ولا ريب أنه اختبار عجيب يجوزه كل مسيحي يفكر في هذه الترنيمات ويدرك أنها هي بعينها كانت سببا في التأثير في أحاسيس موسى وداود وآساف قديما . مؤلفو المزامير : قد استمر تأليف المزامير مدة نحو ألف سنة ، من أيام موسى إلى العودة من السبي البابلي ، أو حتى بعدها بقليل في أيام عزرا . غير أن أكثرها كتب في أيام داود وسليمان . وينسب 73 مزمورا منها لداود حسب عناوينها هي 3 - 9 و 11 - 32 و 34 - 41 و 51 - 65 و 68 - 70 و 86 و 101 و 103 و 108 - 110 و 122 و 124 و 131 و 133 و 138 - 145 . وكان هو أشهر المؤلفين ورئيس المرنمين في إسرائيل . لذلك كثيرا ما سميت كمجموع " مزامير داود " . وهذه المزامير بسيطة وقوية العبارة تجتمع فيها الرقة مع الإيمان . وترسم أمامنا صورة إنسان مجاهد ضد العقبات الداخلية والخارجية في الطريق إلى مدينة الله . كذلك ينسب 12 مزمورا لآساف 50 و 73 - 83 وكان آساف لاويا وأحد رؤساء آلات الطرب والترتيل لداود ( 1 أخبار 15 : 17 و 19 و 2 أخبار 29 : 30 ) . وتتميز مزاميره بأنها تعليمية . وينسب لنبي قورح 11 مزمورا . وهؤلاء عائلة شعراء كانوا يمارسون وظيفة الكهنوت في أيام داود وخلفائه ( 1 أخبار 6 : 22 و 9 : 19 و 26 : 1 و 2 أخبار 20 : 19 ) ، وهي المزامير 42 و 44 - 49 و 84 و 85 و 87 و 88 ومن هذه المجموعة سبعة تختص بأيام داود وسليمان . وتمتاز هذه المزامير بحسن شعرها وروعة خيالها وإبداعه . وينسب مزموران لسليمان هما 72 و 127 وواحد لموسى 90 . )

أقول : ان هذه النصوص رغم عدم اتساقها وحذف جزء منها كما هو بعد علامات الاستفهام الخمسة ولكن النص واضح بعدم كون كتب العهد القديم قد نزلت دفعة واحدة أي في زمن نبي واحد بل كانت موزعة على مختلف الازمة بما يمتد لألف سنة تقريبا ، وان هناك انقطاعا واضحا بين ما قبل السبي البابلي وبين ما بعد السبي فقد ذهبت كل النصوص قبل السبي، وبقيت النصوص لما بعد السبي فقط ، وهي لم تكن ثابتة بل عرضة للتحريك والزيادات بحسب الظرف الاجتماعي ، وكان مما اشكلت عليه الكنيسة بشكل جدي على كتابة التوارة أنها تصف موت موسى عليه السلام فكيف يكون موسى ميتا وهو يصف موته في التوراة التي نزلت في زمنه؟ واما المزامير التي هي مجموعة الاناشيد الدينية المغناة في الكنيسة فهي كذلك في ازمنة متعددة ولكتبة متعددين بعضهم ينصون على انه مجهول لا يعرف من هو؟ ولكن دليلهم على انه من الله : هو فرح الكنيسة واستعمالها لهذه النصوص ببهجة الايمان. فهذا دليل على انه نص ملهم من الله.
طبعا هذا النوع من التفكير ومن العرض لا يستطيع ان يهضمه او حتى يفهمه المسلم ، لأنه يخالف منطقه في الغالب عدا المتشدقين بالاسلام وهو منهم براء.

واما ما قالته الكنيسة من بحث منشور علنا في العهد الجديد فهو نص طويل جدا اقتطعت منه بعض ما ينبه عقل القارئ الى وجود مشكلة حقيقية في اصل ثبوت النصوص وفي الظروف الغامضة والأليمة التي مرت فيها المسيحية بين التاثير اليهودي وبين الثورة على اليهويدية بعقلية يهودية بوجهة نظر ثانية أي الوجهة المخالفة لما يقوم به سراق الهيكل من اصدار تعاليم لها علاقة كبيرة بانشاء مذهب متسامح مع المحتلين الوثنيين .
وقد آثرت ان انقل نصا عن البيئة التي نشأت فيها المسيحية ونقد الكنيسة للسيد المسيح نفسه لأنه متاثر بحركة مسيحية تؤمن بنزول القديس العالمي في آخر الزمان الذي يخلص الناس من الظلم والجور ، وكأن هذا النقد مبني على ان الكنيسة تؤمن بان القديس يجب أن يكون هو المسيح نفسه ولكن ايمان المسيح ويوحنا المعمدان بغيره يجعلهما متأثرين بيهودية غنوصية عرفانية ، كما ان الكنيسة تعترف بان مفهوم ابن الله وانه الإله الانسان مقتبس من مذهب يهودي كان يؤمن به بولس قبل ايمانه بالمسيحية وكان يؤمن به الكثير من كتاب المسيحية ، فهذه الدراسة تثبت أنه لا الافكار المسيحية هي نفسها عند المسيح ولا النصوص هي نفسها في زمن المسيح وانما هي اجتهادات بشرية اخذت صفة القداسة نتيجة سلطة الكنيسة نفسها وقوة رجالها في نفوذهم الكنسي سياسيا واجتماعيا وعسكريا، وفي النص تصريح واضح انه لم تثبت نصوص الانجيل الا بعد أن تقدمت وسائل الطباعة وتم السيطرة على الطباعة .

وهذا هو النص وقد تجد بعض التعليقات مني للتنبيه فقط والا فهو نص مهم جدا وكاف لا يحتاج الى تعليقاتي الصغيرة لمن يعرف القراءة بين السطور وما وراء السطور :

الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - ص 7 - 14

( من ترجمة أورشليم الفرنسية المسكونية للكتاب المقدس
<صفحة 7>
[ مدخل إلى العهد الجديد ]
يظهر العهد الجديد بمظهر مجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سفرا مختلفة الحجم وضعت كلها باليونانية . ولم تجر العادة أن يطلق على هذه المجموعة عبارة العهد الجديد إلا في أواخر القرن الثاني . فقد نالت الكتابات التي تؤلفه رويدا رويدا منزلة رفيعة حتى أصبح لها من الشأن في استعمالها ما لنصوص العهد القديم التي عدها المسيحيون زمنا طويلا كتابهم المقدس الأوحد وسموها " الشريعة والأنبياء " ، وفقا للاصطلاح اليهودي في تلك الأيام .
وإذا انتهى الأمر إلى أن يطلق على جملة تلك الكتابات عبارة " العهد الجديد " فذلك يعود في جوهره إلى أن اللاهوتيين المسيحيين الأولين رأوا ما ذهب إليه بولس ( 2 قور 3 / 14 ) وهو أن تلك النصوص تحتوي على أحكام عهد جديد تحدد عباراته العلاقات بين الله وشعبه في المرحلة الأخيرة من تاريخ الخلاص . وأدى بالمسيحيين كلامهم على عهد جديد إلى إطلاق عبارة " العهد القديم " على المجموعة التي كانت في الماضي تسمى " الشريعة والأنبياء " فأشاروا بذلك إلى أنهم يرون في تلك المجموعة قبل كل شئ ما فيها من أحكام العهد الموسوي القديم الذي جدده يسوع وتخطاه .
إن تأليف تلك الأسفار السبعة والعشرين وضمها في مجموعة واحدة أديا إلى تطوير طويل معقد .

والفجوة التاريخية والجغرافية والثقافية التي تفصلنا عن عالم العهد الجديد هي عقبة دون حسن التفهم لذلك الأدب . فلا بد لنا اليوم من النظر إليه في البيئة التي نشأ فيها وإلى انتشاره في أول أمره . فلا غنى لكل مدخل إلى العهد الجديد ، مهما كان مختصرا ، عن البحث في الأحوال التي حملت المسيحيين الأولين على إعداد مجموعة جديدة لأسفار مقدسة . ولا غنى بعد ذلك عن البحث كيف أن تلك النصوص ، وقد نسخت ثم نسخت مرارا ومن غير انقطاع ، أمكنها أن تجتاز نحو أربعة عشر قرنا من التاريخ الحافل بالأحداث التي مضت بين تأليفها من جهة وضبطها على وجه شبه ثابت عند اختراع الطباعة من جهة أخرى . ولا غنى له في الوقت نفسه عن أن يشرح كيف يمكن ضبط النص بعد ما طرأ عليه من اختلاف في الروايات في أثناء النسخ .


وفي المدخل آخر الأمر محاولة لوصف على أحسن وجه ممكن للبيئة التاريخية والدينية والثقافية التي نشأ فيها العهد الجديد ثم انتشر . وقد جرت العادة أن يقال لهذه المظاهر الثلاثة : مسألة القانون ، ومسألة النص ومسألة البيئة لنشأة العهد الجديد .
‹ صفحة 8 ›
[ قانون العهد الجديد ]

إن كلمة " قانون " اليونانية ، مثل كلمة " قاعدة " العربية ، قابلة لمعنى مجازي يراد به قاعدة للسلوك أو قاعدة للإيمان . وقد استعملت هنا للدلالة على جدول رسمي للأسفار التي تعدها الكنيسة ملزمة للحياة والإيمان . ولم تندرج هذه الكلمة بهذا المعنى في الأدب المسيحي إلا منذ القرن الرابع . وقد يسأل المرء نفسه ما الذي دعا المسيحيين الأولين إلى أن يفكروا في إحداث مجموعة جديدة لأسفار مقدسة ، ثم في تحقيق تلك المجموعة ، لتكمل المجموعة التي يقال لها الشريعة والأنبياء .

ويمكن إيجاز هذا التطور على هذا الوجه :

كانت السلطة العليا في أمور الدين تتمثل عند مسيحيي الجيل الأول في مرجعين ، أولهما العهد القديم وكان الكتبة المسيحيون الأولون يستشهدون بجميع أجزائه على وجه التقريب استشهادهم بوحي الله .

وأما المرجع الآخر الذي نما نموا سريعا فقد أجمعوا على تسميته " الرب " . وكان يطلق هذا الاسم على كل من التعليم الذي ألقاه يسوع ( 1 قور 9 / 14 ) وسلطة ذلك الذي قام من بين الأموات وتكلم بلسان الرسل ( 2 قور 10 / 8 و 18 ) . وكان لهذين المرجعين قيمة القياس في أمور الدين ، ولكن العهد القديم كان يتألف وحده يتألف من نصوص مكتوبة .

وأما أقوال الرب وما كان يبشر به الرسل ، فقد تناقلتها ألسنة الحفاظ مدة طويلة ولم يشعر المسيحيون الأولون إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة كل من تدوين أهم ما علمه الرسل وتولي حفظ ما كتبوه . وما كان بد من أن تثار ذات يوم مسألة المكانة العائدة لهذه المؤلفات الجديدة ، وأن حظي في أول الأمر التقليد الشفهي بمكانة أفضل كثيرا مما كان للوثائق المكتوبة .
ويبدو أن المسيحيين ، حتى ما يقرب من السنة 150 ، تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر إلا قليلا جدا إلى الشروع في أثناء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة ، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية . ولم تكن غايتهم قط أن يؤلفوا ملحقا بالكتاب المقدس ، بل كانوا يدعون الأحداث توجههم : فقد كانت الوثائق البولسية مكتوبة في حين إن التقليد الإنجيلي كان لا يزال في معظمه متناقلا على ألسنة الحفاظ ، فضلا عن أن بولس نفسه كان قد أوصى بتلاوة رسائله وتداولها بين الكنائس المتجاورة ( 1 تس 5 / 27 وقول 4 / 16 ) . ومهما يكن من أمر ، فإن كثيرا من المؤلفين المسيحيين أشاروا منذ أول القرن الثاني إلى أنهم يعرفون عددا كبيرا من رسائل كتبها بولس ، فيمكننا أن نستنتج من ذلك أنه أقيمت من غير إبطاء مجموعة من هذه الرسائل وأنها انتشرت انتشارا واسعا سريعا ، لما كان للرسول من الشهرة . ومع ما كان لتلك النصوص من الشأن ، فليس هناك قبل أول القرن الثاني ( 2 بط 3 / 16 ) أي شهادة تثبت أن هذه النصوص كانت تعد أسفارا مقدسة لها من الشأن ما للكتاب المقدس . ولا يظهر شأن الأناجيل طوال هذه المدة ظهورا واضحا ، كما يظهر شأن رسائل بولس . أجل لم تخل مؤلفات الكتبة المسيحيين الأقدمين من شواهد مأخوذة من الأناجيل أو تلمح إليها ، ولكنه يكاد
‹ صفحة 9 ›
أن يكون من العسير كل مرة الجزم هل الشواهد مأخوذة من نصوص مكتوبة كانت بين أيدي هؤلاء الكتبة أم هل اكتفوا باستذكار أجزاء من التقليد الشفهي . ومهما يكن من أمر ، فليس هناك قبل السنة 140 أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة ، ولا يذكر أن لمؤلف من تلك المؤلفات صفة ما يلزم . فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني شهادات ازدادت وضوحا على مر الزمن بأن هناك مجموعة من الأناجيل وأن لها صفة ما يلزم ، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحو تدرجي . وابتدأ نحو السنة 150 عهد حاسم لتكوين قانون العهد الجديد . وكان الشهيد يستينس أول من ذكر أن المسيحيين يقرأون الأناجيل في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل ( أو أقله مؤلفات أشخاص يتصلون بالرسل صلة وثيقة ) وأنهم هم يستعملونها يولونها منزلة كمنزلة الكتاب المقدس . وإذا أوليت هذه المؤلفات تلك المنزلة الرفيعة ، فيبدو أن الأمر لا يعود أولا إلى أصلها الرسولي ، بل لأنها تروي خبر " الرب " ، وفقا للتقليد المتناقل . ولكن سرعان ما شدد على نسبة هذه المؤلفات إلى الرسل ، وعلى الخصوص لما مست الحاجة إلى حمايتها من تكاثر المؤلفات الشبيهة بها في ظاهرها ، في حين أن محتواها يعود في معظمه إلى تقليد سخيف ، بل إلى ما ينسجه الخيال في حال الهذيان . وكان بعد السنة 150 بقليل أن مست الحاجة في الكنيسة إلى قاعدة شاملة ، فاتجهت الأنظار إلى مجموعة الأناجيل الأربعة لأنها نالت ، حتى ذلك الوقت ، انتباه الناس ، لما تحللت به من الصفات ولصحة الشهادة التي تؤديها " للرب " . وكان تفوق الأسفار الأربعة عظيما جدا من جهات كثيرة ، حتى أنها حجبت بسرعة مجمل المؤلفات المماثلة . فيمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة 170 بمقام الأدب القانوني ، وإن لم تستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين . أما رسائل بولس فيكاد أن يكون من الأكيد أنها لم تدخل إلى القانون الواحدة بعد الأخرى ، بل إن مجموعتها أدخلت إليه برمتها يوم أخذ يغلب في الكنيسة الرأي القائل بأنه لا بد من الحصول على قانون للعهد الجديد . والراجح أن النسبة إلى الرسل ، وقد جعلوها من قبل الصفة التي تتميز بها المؤلفات الإنجيلية ، كان لها نصيب أكبر في إعلاء شأن ما كتب بولس ، وقد أخذ يظهر رويدا رويدا وبالمصادفة بمظهر مجموعة اعترفت بصفتها الالزامية كنائس القرن الثاني اعترافا واسعا . ويظهر هكذا نشوء مبدأ قانون جديد لأسفار مقدسة ، غير أن هذا المبدأ لم يناقش قط . فقيام القانون هذا أمر حدث ثم انتشر انتشارا سريعا في الكنيسة حتى عمها . ولم يتدخل التفكير اللاهوتي إلا بعد ذلك ، لما وجب تحديد ما يحتويه القانون . ويرجح كثيرا أن الذي زاد في سرعة هذه الحركة هو تدخل مرقيون ( + 160 ) الهرطوقي الذي نبذ سلطة العهد القديم نبذا تاما ، فاحتاج أشد الحاجة إلى تزويد كنيسته بأسفار مقدسة وبما يقتضيه ذلك من قانون جديد . وهكذا ساهم أتباع مرقيون إلى حد ما في نشر مبدأ القانون الجديد ، هذا وقد اتفق على أنه مؤلف من قسمين : الإنجيل والرسل ، كما أن القانون القديم كان هو أيضا مؤلفا من قسمين : الشريعة والأنبياء . فالرأي القائل بقاعدة جديدة للكتاب المقدس رأي راسخ في الكنيسة منذ أواخر القرن
‹ صفحة 10 ›

الثاني ، ولكن بقي أن يوضح محتوى القانون الجديد . ولم يوضح الجدول التام للمؤلفات العائدة إلى القانون إلا على نحو تدرجي ، وكلما تحقق شئ من الاتفاق ، بفضل الشعور النامي في الكنيسة بوحدتها ، وبفضل نمو العلاقات بين مختلف جماعات المسيحيين . فهكذا يجدر بالذكر ما جرى بين السنة 150 والسنة 200 ، إذ حدد على نحو تدرجي أن سفر أعمال الرسل مؤلف قانوني ، وقد عده في أواخر القرن الثاني إيريناوس ، أسقف مدينة ليون ، سفرا مقدسا واستشهد به على أنه شهادة لوقا في كلامه على الرسل . ولا بد من القول أن سفر أعمال الرسل ضم إلى القانون خصوصا للصلة التي يمت بها إلى الإنجيل الثالث ، فهو مؤلف تابع لذلك الإنجيل . وكان نمو المسيحيين في التنبه لما لسلطة الرسل من شأن ، طوال القرن الثاني ، هو أيضا عاملا مهما على ضم مؤلف عد من غير إبطاء مقدمة لا يستغنى عنها لمجمل الرسائل .


فإذا حاول المرء أن يستعرض حصيلة هذا التطور ، اتضحت له هذه الأمور : فازت الأناجيل الأربعة في كل مكان بمنزلة منيعة لا نزاع عليها البتة من بعد ، ويمكن منذ ذلك الوقت أن قانون الأناجيل قد اكتمل ، وأما القسم الآخر من القانون ( وهو أسفار الرسل ) فقد استشهد في كل مكان برسائل بولس الثلاث عشرة وبسفر أعمال الرسل وبرسالة بطرس الأولى كما يستشهد بالكتاب المقدس . وقد حصل شئ من الإجماع على رسالة يوحنا الأولى . فقد تجاوزت الصيغة الأخيرة للقانون مرحلة النشوء . ولكن ما زال هناك شئ من التردد في بعض الأمور . فإلى جانب مؤلفات فيها من الوضوح الباطني ما جعل الكنيسة تقبلها لما لا بد منه ، هناك عدد كبير من المؤلفات " الحائرة " يذكرها بعض الآباء ذكرهم لأسفار قانونية ، في حين أن غيرهم ينظر إليها نظرته إلى مطالعة مفيدة . ذلك شأن الرسالة إلى العبرانيين ورسالة بطرس الثانية وكل من رسالة يعقوب ويهوذا . وهناك أيضا مؤلفات جرت العادة أن يستشهد بها في ذلك الوقت على أنها من الكتاب المقدس ، ومن ثم جزء من القانون ، لم تبق زمنا على تلك الحال ، بل أخرجت آخر الأمر من القانون . ذلك ما جرى لمؤلف هرماس وعنوانه " الراعي " وللديداكي ورسالة اقليمنضس الأولى ورسالة برنابا ورؤيا بطرس . ويبدو أن مقياس نسبة المؤلف إلى الرسل استعمل استعمالا كبيرا ، ففقد رويدا رويدا كل مؤلف لم تثبت نسبته إلى رسول من الرسل ما كان له من الحظوة .
فالأسفار التي ظلت مشكوكا في صحتها ، حتى القرن الثالث ، هي تلك الأسفار نفسها التي قام نزاع على صحة نسبتها إلى الرسل في هذا الجانب أو ذلك من الكنيسة . وكانت الرسالة إلى العبرانيين والرؤيا موضوع أشد المنازعات .
وقد أنكرت صحة نسبتهما إلى الرسل إنكارا شديدا مدة طويلة . فأنكرت في الغرب صحة الرسالة إلى العبرانيين وفي الشرق صحة الرؤيا . ولم تقبل من جهة أخرى إلا ببطء رسالتا يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا .
ولا حاجة إلى أن نتتبع تتبعا مفصلا جميع مراحل هذا التطور الذي أدى خلال القرن الرابع إلى تأليف قانون هو في مجمله القانون بعينه الذي نعرفه اليوم ، ما عدا التردد في ترتيب الأسفار في القانون . وأن الاهتمام بالوحدة في الكنيسة ، وقد ازداد فيها يوما بعد يوم الإقرار بحق الصدارة لسلطة كنيسة رومة ، قد ساهم مساهمة غير قليلة في تخفيف ما ظهر من الخلافات في هذه المرحلة أو تلك من التطور الذي رافق تأليف القانون .

أقول: هذه النصوص تبين بشكل لا شائبة فيه ان العهد الجديد لم يكن مدونا قبل سنة 150 وقصته اشبه بقصة الحديث الشريف عند السنة حيث لم يدون قبل سنة 142 هجرية ولم يكن الحديث قد كتب الا في حدود 160 هجرية ، ويلاحظ القارئ هنا وجود تعابير مستغربة في توثيق النص الديني مثل : (يعتقد ، يحتمل ، يرجح ، يتررد ، لا يزال الشك ، نشك ، وما شابه ذلك ) ، وسيلاحظ القارء لما يأتي مجموعة هائلة من المعاني الدالة على الصراع والشك حول النصوص وحول طبيعة نشاة المسيحية من رحم اليهودية.

‹ صفحة 11 ›
[ أسفار العهد الجديد المنحولة ]
إن الأسفار التي اعترف بأنها قانونية أصبحت بناء على ذلك نصوصا مقدسة وحصلت منذ دخولها في القانون بنوع من الحصانة ساعدت في وصولها إلى عهد الطباعة وهي في حالة حسنة .
ولم تحظ بمثل ذلك المؤلفات التي لم يكتب لها أن تدخل في القانون . فإذا حظي بعضها ( كالديداكي أو رسالة برنابا ) بتقدير جميع الكنائس فحفظ في حالة حسنة ، مع أنه لم يدخل إلى القانون ، فإن بعضها الآخر ، الذي لم يتحل بتلك الصفات ، نحي تنحية أشد عن الاستعمال الكنسي ، فأصبح عرضة للضياع ، الأمر الذي يبين لماذا لم يبق منه سوى آثار قليلة . خصت بكلمة " منحولة " ( خفية باليونانية ) بعض المؤلفات التي كانت ، على ما فيها من الشبه بنصوص العهد الجديد القانونية ، تنقل في نظرهم آراء غريبة عن أفكار الكنيسة ، وعلى العموم سرية ، تعود إلى بيئة " متحزبة " كانت وحدها تستطيع التصرف بها للحصول منها على معرفة حقيقية ، أي " عرفان " .
وعدت بعد مدة مؤلفات منحولة تلك التي أبت الكنيسة أن تبني عليها عقيدتها وإيمانها ، ولذلك لم تأذن بقراءتها في أثناء إقامة شعائر العبادة يوم الأحد . وقد أمر أن تبقى تلك الكتب مخفية في أثناء إقامة شعائر العبادة ، وأن أوصي في بعض الأحوال بأن يطالعها الناس فردا فردا لحسن تأثيرها في النفس . جرت العادة أن تفهم هذه الكلمة بذلك المعنى قبل أن تستعمل ، لما اكتمل القانون ، للدلالة على المؤلفات المنحولة إلى الرسل ، وقد اقترنت منذ ذلك الوقت كلمة " منحول " بمعنى الذم ، فغدت المؤلفات المنحولة وسائل نقل للضلال . والمؤلفات المنحولة إلى العهد الجديد ، مهما يكن من قيمتها عامة ، لا تزال مؤلفات ثمينة جدا لدرس تطور الآراء الدينية في القرنين الثاني والثالث .
ويمكن المرء ، إذا لم يقصد الدقة في التعبير ، أن يميز ، ضمن الأدب المنحول ، أربع فئات من المؤلفات تشابه مختلف أصناف الأسفار القانونية . فهناك أناجيل وأعمال رسل ورسائل ورؤى منحولة ، ولن يذكر هنا سوى بعض تلك المؤلفات . ولا نعرف أناجيل النصارى والعبرانيين والمصريين إلا مما استشهد به منها آباء الكنيسة ، وهي ، على قدر ما يسعنا أن نحكم في ما ورد منها ، مؤلفات تمت بصلة قريبة إلى الأناجيل القانونية . وإنجيل بطرس ، الذي عثر على جزء منه في مصر في أواخر القرن الماضي ، يحتوي على آثار غنوصية ظهرت على وجه تام في مؤلفات تحسنت معرفتنا لها منذ أن عثر قبل قليل في مصر أيضا على أسفار كإنجيل الحق وإنجيل فيلبس وإنجيل توما ، علما بأن في الإنجيل هذا أمورا كثيرة مشتركة بينه والأناجيل الإزائية ، غير أن تلك المؤلفات تختلف اختلافا واضحا عن الأناجيل القانونية ، لأنها تكاد لا تحتوي رواية شئ من الأحداث . والمؤلف المعروف باسم إنجيل يعقوب يروي رواية مفصلة أناجيل الطفولة ويولي اهتماما خاصا بما جرى لمريم وبأحداث ميلاد يسوع . وأما أعمال الرسل المنحولة فهي على العموم مؤلفات غايتها القدوة الحسنة للشعب المسيحي ، تستوحي عن بعد ما ورد في سفر أعمال الرسل القانوني . وهي تتخير التوسع في جانب المعجزات من
‹ صفحة 12 ›
سيرة الرسل ، وهدفها أن تعظم شأنهم . ذلك هو الأثر الذي تتركه في نفس من يقرأ أعمال يوحنا وبولس وإندراوس . وإذا استثنينا أمر " رسالة الرسل " التي كتبت في نحو السنة 150 والتي هي أقرب إلى فن الرؤى ، فليس لنا إلا القليل نقوله في الرسائل المنحولة . ولا يمكن تشبيه هذه المؤلفات بالرسائل القانونية : فهي لا تشبه الرسائل ، بل هي أشبه بمقالات صغيرة يغلب عليها السخف . وأما الرؤى المنحولة فيمكن أولا ذكر " الراعي " لهرماس ثم رؤيا بطرس ( وهي تخيل للحياة المستقبلية والنعيم والجحيم ) ورؤيا بولس وفيها يزعم تفصيل الرؤيا الواردة في 2 قور 12 والتي خطف الرسول في أثنائها إلى السماء الثالثة . وضعت تلك المؤلفات كلها بعد الأسفار القانونية وهي في أغلب الأحيان تقليد لها ، ولا تحتوي على العموم أي تقليد تاريخي قديم ، فليست مرجعا ذا شأن لدرس العهد الجديد ، مهما يكن فيها من فائدة لتاريخ الفكر المسيحي في عهد لاحق . [ نص العهد الجديد ] بلغنا نص الأسفار السبعة والعشرين في عدد كبير من المخطوطات التي أنشئت في كثير من مختلف اللغات ، وهي محفوظة الآن في المكتبات في طول العالم وعرضه . وليس في هذه المخطوطات كتاب واحد بخط المؤلف نفسه ، بل هي كلها نسخ أو نسخ النسخ للكتب التي خطتها يد المؤلف نفسه أو أملاها إملاء . وجميع أسفار العهد الجديد ، من غير أن يستثنى واحد منها ، كتب باليونانية ، وهناك أكثر من خمسة آلاف كتاب خط بهذه اللغة ، أقدمها كتب على أوراق البردي وكتب سائرها على الرق . وليس لدينا على البردي سوى أجزاء من العهد الجديد بعضها صغير . وأقدم الكتب الخط ، التي تحتوي معظم العهد الجديد أو نصه الكامل ، كتابان مقدسان على الرق يعودان إلى القرن الرابع . وأجلهما " المجلد الفاتيكاني " ، سمي كذلك لأنه محفوظ في مكتبة الفاتيكان . وهذا المخطوط مجهول المصدر وقد أصيب بأضرار لسوء الحظ ولكنه يحتوي العهد الجديد ، ما عدا الرسالة إلى العبرانيين 9 / 14 - 13 / 25 والرسالتين الأولى والثانية إلى طيموتاوس والرسالة إلى طيطس والرسالة إلى فيلمون والرؤيا . والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له " المجلد السينائي " ، لأنه عثر عليه في دير القديسة كاترينا ، لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة إلى برنابا وجزء من " الراعي " لهرماس ، وهما مؤلفان لن يحفظا في قانون العهد الجديد في صيغته الأخيرة . والمجلد السينائي محفوظ اليوم في المتحف البريطاني في لندن . وكتب هذان المجلدان بخط جميل يقال له الخط الكبير الكتابي . وهما الأشهران بين نحو 250 كتبت على الرق بالخط نفسه أو بخط يشبهه قليلا أو كثيرا ، وتعود إلى عهد يمتد من القرن الثالث إلى القرن العاشر أو الحادي عشر . ومعظمها ، وعلى الخصوص أقدمها ، لا يحفظ إلا جزءا صغيرا جدا في بعض الأحيان من العهد الجديد . إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة ، بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية ، ولكن عددها كثيرة جدا على كل حال . هناك طائفة من الفوارق لا تتناول سوى بعض قواعد الصرف والنحو أو الألفاظ أو ترتيب الكلام ، ولكن هناك فوارق أخرى بين المخطوطات
‹ صفحة 13 ›


تتناول معنى فقرات برمتها . واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير . فإن نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت ، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون تتصف أية نسخة كانت ، مهما بذل فيها من الجهد ، بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه . يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحيانا ، عن حسن نية ، أن يصوبوا ما جاء في مثالهم وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي . وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ . ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحيانا كثيرة إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليه التلاوة بصوت عال . ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر ، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلا بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات . والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصا يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول ، ولا يرجى في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه . وأول عمل في علم نقد النصوص هو النظر في جميع نسخ النص . فيجب بعبارة أخرى أن تحصى وترتب جميع الوثائق التي يرد فيها نص العهد الجديد كله أو بعضه ، ولا يقتصر الأمر على مراجعة الكتب المخطوطة باليونانية ، بل تراجع جميع الكتب التي تحتوي ترجمة العهد الجديد التي استعملها المسيحيون في القرون الأولى ( وهي اللاتينية والسريانية والقبطية ) فقد اعتمد الناقلون في بعض الترجمات أصولا يونانية أقدم من المجلد الفاتيكاني أو السينائي ، فهي تشهد على حالة للنص أقدم مما يمكن الوصول إليه بمراجعة أقدم الأصول اليونانية . فالترجمات القديمة ، على قدر ما يمكن استنباط أصلها اليوناني استنباطا دقيقا ، تساعد مساعدة مهمة على ضبط نص العهد الجديد . يضاف إلى مراجعة الكتب المخطوطة باليونانية والترجمات القديمة أن علماء نقد النصوص يحاولون الاستفادة مما في مؤلفات آباء الكنيسة من شواهد كثيرة جدا أخذت من العهد الجديد . والفائدة الأكيدة التي تجنى من هذه الشواهد هي على الخصوص أنها تمكن العلماء في أحيان كثيرة من الرجوع إلى النص كما كان قبل أقدم الترجمات ( وهكذا يرتقى أيضا إلى حالته قبل أقدم الكتب المخطوطة باليونانية ) ، ثم إن تحديد تاريخ هذه الشواهد وأصلها الجغرافي سهل المنال إلى حد ما . وهكذا يحصل العلماء على وسيلة هينة للاطلاع على نص العهد الجديد ، كما كان يستعمل في وقت من الأوقات في هذا الجانب أو ذاك من الكنيسة . غير أن لهذه الشواهد محذورين . فالأمر لا يقتصر على أن كلا منها لا يورد إلا شيئا يسيرا من النص ، بل كان الآباء ، لسوء طالعنا ، يستشهدون به في أغلب الأحيان عن ظهر قلبهم ومن غير أن يراعوا الدقة مراعاة كبيرة . فلا يمكننا ، والحالة هذه ، الوثوق التام في ما ينقلون إلينا . وإذا فرغ علماء نقد النصوص من إحصاء وتمحيص ذلك العدد الضخم من الوثائق التي تتألف منها الكتب المخطوطة باليونانية والترجمات القديمة وشواهد آباء الكنيسة ، بذل هؤلاء العلماء
‹ صفحة 14 ›
جهدهم في ترتيبها ليتيسر لهم استعمالها على أحسن وجه ، فيرجعوا إلى أبعد ما يمكنهم في طلبهم للأصل الأول . وأدى البحث الدقيق ، والحالة هذه ، بأهل الاختصاص إلى اكتشاف هذا الأمر ، وهو أن ذلك العدد الكبير من الوثائق المعروفة تنقسم إلى عدد محدود من الفئات الكبرى . وهكذا استطاعوا أن يقيموا ثلاث فصائل كبرى أو أربعا من الأصول يبدو جميع ممثليها نسخا لمثال واحد . وبوسع علماء النقد ، على أثر هذا العمل الذي لم يكتمل إلى اليوم ولكنه بلغ مبلغا عظيما ، أن يعتمدوا اعتمادا حسنا ، لا على عدد ضخم من الوثائق بمفردها ، بل على فئات من الأصول يظهر في كل منها مثال للنص يمكن تحديد تاريخه ومكانه بكثير أو قليل من اليقين . وأهم الأمثلة التي أبرزها علماء النقد هي : - نص يقال له " الأنطاكي " أو " السوري " بالنظر إلى أصله الذي ينسب على العموم إلى أنطاكية في نحو السنة 300 . فقد ورد في معظم الكتب المخطوطة باليونانية ولا سيما أحدثها ، لأنه ما لبث أن أصبح أكثر النصوص استعمالا في العالم البيزنطي ، ولذلك يقال له أيضا " البيزنطي " أو النسخة الشائعة . ويظهر فيه اهتمام خاص بالأناقة والوضوح ويميل إلى التوفيق بين فقرات فيها الكثير أو القليل من التشابه ويدمج الروايات المختلفة في فقرة واحدة . قيمته ضعيفة من جهة النقد ومع ذلك فإن الطبعات الأولى للعهد الجديدة اعتمدت نسخا متأخرة لهذا النص ، فشاع مدة تزيد على ثلاثة قرون وعرف بالنص المتداول ، أي النص الذي يتداوله جميع الناس . - نص يقال له " الإسكندري " أو " المصري " ، فكل شئ يدل على أنه ينسب إلى مصر ، بل إلى الإسكندرية نفسها . وأهم مثال له المجلد الفاتيكاني ، ودونه أهمية السينائي . وجد نحو السنة 300 على أقل تقدير ، واكتشف في عهد قريب عدة أشياء توحي بأن وجوده يعود إلى قبل ذلك الوقت بمدة طويلة ، وعلى الخصوص نص الأناجيل الأربعة . . يكاد يجمع أهل الاختصاص كلهم على أن لهذا النص قيمة عظيمة من جهة الدقة . . وتعتمد طبعات العهد الجديد منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر هذا المثال للنص وهي محقة في ذلك وإن كان لا يحسن عده خاليا من الشوائب . - نص يقال له " الغربي " . لقد اتضح أن هذه التسمية التي ترجع إلى القرن الثامن عشر هي تسمية غير صحيحة . فإن الترجمات اللاتينية القديمة للعهد الجديد وبعض الكتب المخطوطة باليونانية واللاتينية كمجلد بيزا ( من القرن الرابع ؟ ) ، في ما يعود إلى الأناجيل وأعمال الرسل ، تدل على أن هذا المثال من النص قد انتشر انتشارا واسعا في الغرب ، ولكن أصبح من الواضح اليوم أنه وجد في الشرق أيضا كما تشهد بذلك بعض الترجمات الشرقية وكثير من الشواهد وبعض الأجزاء للكتب التي خطت باليونانية في عهد بعيد . فإن هذا النص " الغربي " هو الصيغة الأقدم والأعم للعهد الجديد في كثير من الأمور . ويتميز بميله الشديد إلى الشرح والإيضاح والتفسير والتوفيق بين الروايات المختلفة ، وهذه الأمور تبعده على العموم من الأصل الأول ولكن قراءاته القديمة ، ولا سيما القصيرة منها ، هي على العموم جديرة بأن تعد ذات قيمة .
‹ صفحة 15 ›
ولا يقتصر الأمر على هذه الفصائل الكبرى للكتب المخطوطة فهناك صيغ وسط بين هذه الأمثلة المذكورة ، ولا حاجة بنا إلى تفصيل ذلك . حسبنا أن نشير إلى الفائدة المتوقعة من تحديد هذه الأمثلة للنص ومعرفة زمانها ومكانها ، بالاستناد إلى ما نعرفه من التاريخ والجغرافيا لدى مراجعة الترجمات والشواهد وعلم الكتابات والخطوط القديمة عندما يقتضي الأمر ذلك . وهكذا يمكن ، لدى البحث في كل قراءة أو سفر أو العهد الجديد كله ، معرفة الصيغ الأكثر قدما والأكثر ورودا والتي يقدر أن تكون الأقرب إلى الأصل الأول . وهذا النقد الأول الذي يقال له النقد الخارجي غير كاف ، فكثيرا ما يؤول هذا النقد إلى الوقوف على فقرة لها في القرن الثاني أو الثالث روايتان انتشرتا قليلا أو كثيرا ، ومن العسير اختيار إحداهما . فلا بد من اللجوء إلى النقد الباطني . فهو ينظر إلى القراءات نظره إلى أنها تبرز أمثلة مختلفة لنص العهد الجديد ، بل ينظر إلى كل رواية وحدها ويفحصها في حد ذاتها ، لأنها تدخل لا داعية له قام به الناسخ عن قصد أو غير قصد . وهدف أصحاب النقد الباطني أن يوضحوا بجلاء نوع التدخل الذي قام به الناسخ والأسباب التي دعته إلى ذلك التدخل . فيسهل بعد ذلك الارتقاء إلى القراءة القديمة التي تفرعت منها سائر الروايات ولا يحسن استعمال النقد الباطني وحده ، لأنه مرهون برأي الناقد . ولذلك جرت العادة ألا يستعمل النقد الباطني إلا وسيلة متممة للنقد الخارجي . ومهما يكن من أمر ، فإن النتائج التي حصل عليها علماء نقد النصوص منذ 150 سنة جديرة بالإعجاب . وبوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصا مثبتا إثباتا حسنا ، وما من داع إلى إعادة النظر فيه إلا إذا عثر على وثائق جديدة .
أن هذه النتائج مكنت من التقدم الكبير الذي يراه المرء إذا قارن بين الطبعات الحديثة للعهد الجديد من جهة والطبعات التي ظهرت منذ 1520 إلى نحو سنة 1850 ، قبل العمل المحكم بقواعد علم نقد النصوص . الطبعة الأكثر انتشارا في أيامنا هي طبعة نستلي - ألاند ، وقد اعتمدت النص العائد للطبعات العلمية العصرية الثلاث ، قام بها في النصف الثاني للقرن التاسع عشر تيشندورف ، ووسكوت - هورت ، ووايس .
إن العهد الجديد اليوناني الذي نشرته جمعيات الكتاب المقدس وحققه ك . ألاند وم . بلاك وب . م . ميتزجر وا . ويكرين بذل الجهد فيه لإدخال زيادة من التحسين على ذلك النص .

[ بيئة العهد الجديد ]

نشأت المسيحية في شعب عاش تاريخا مضطربا . فإن إسرائيل بعد جلائه الأليم إلى بابل ، الذي بلغ أثره أعماق نفسه ، عاد إلى فلسطين وأقام فيها ورتب أموره على قدر ما استطاع . ولكن اليهود تحققوا أن الأحوال قد تغيرت وأنه لا سبيل إلى العيش كما في الماضي . فإن فلسطين قد أمست أكثر مما
‹ صفحة 16 ›
كانت عليه في الماضي رهن مصالح تفوق طاقتها وعرضة لتأثير خبيث مستمر يأتيها من آراء غريبة وثنية تعارض معارضة تزداد حدتها يوما بعد يوم التقاليد الموروثة عن الأجداد والتي كانوا يبذلون جهدهم في الحفاظ عليها مهما كلف الأمر .
وقد تطورت على مر الأيام المجابهة بين اليهودية والعالم المحدق بها وازدادت عنفا . فقد دخلت فلسطين منذ وفاة الإسكندر الكبير السنة 323 ق . م في حكم الملوك الهلنستيين ، فاختلف موقفهم من اليهود اختلافا كبيرا ، فمنهم من أظهر تسامحا كبيرا ومنهم من حاول بأعنف الوسائل دمج اليهود بالوثنيين .
وظل اسم انطيوخس الرابع ابيفانيوس ( 175 - 164 ) ق . م مقترنا بأقسى تلك المحاولات للقضاء بالقوة على ما لليهود من نمط عيش خاص بهم وحملهم على اعتناق المدنية اليونانية .
وكانت ذروة ذلك العنف تحويل هيكل أورشليم إلى عبادة جوبيتر الأولمبي ، فكانت نتيجة هذه الأحداث ، التي رويت في سفري المكابيين ، إن اليهود الأتقياء ( حسيديم ) اضطروا في جملتهم إما إلى المقاومة السلبية وإما إلى التمرد ، فأدت الثورة المسلحة ، وكان قادتها الإخوة المكابيون ، إلى استعادة قدر من الاستقلال السياسي والديني استمر نحو قرن .
فإن سلالة الحشمونيين التي ينسب اسمها إلى أحد أجداد يهوذا المكابي ، حكمت فلسطين إلى أن فرض عليها النظام الروماني ، فقد دخل بومبيوس لحسم الخلافات الداخلية التي كانت تفرق بين الحشمونيين ، فاستولى على أورشليم السنة 63 ق . م .
سادت سلالة هيرودس في أوائل الحقبة الرومانية لتاريخ فلسطين . ملك هيرودس الكبير ( متى 2 / 1 ) من السنة 40 إلى السنة 4 ق . م . مستعملا وسائل الارهاب أحيانا كثيرة ، وقد أبغضه الشعب اليهودي بغضا لا هوادة فيه لأصله الأدومي ، فلم يكن من سلالة داود ، ولشراسته أيضا .
ولما توفي اقتسم أولاده مملكته ، فكان نصيب هيرودس أنطيباس الجليل ( لو 3 / 1 ) والبيرية ، فملك من السنة 4 ق . م . إلى السنة 39 ب . م . عرف بقتله ليوحنا المعمدان ( مر 6 / 17 - 29 ) وباشتراكه في محاكمة يسوع ولو قليلا ( لو 23 / 6 - 16 ) .
أما أرخلاوس ( متى 2 / 22 ) ، وكان نصيبه اليهودية والسامرة ، وفيلبس ، وكان نصيبه البلاد من شمال البيرية ( لو 3 / 1 ) ، فلا تعرف الأناجيل سوى اسمهما . ولكن السلطة السياسية المسيطرة كانت في أيدي الرومانيين الحكام منهم أو الولاة .
وقد ذكر العهد الجديد بضعة منهم : بنطيوس بيلاطس وهو خامسهم . تصرف في منصبه بعنف منذ السنة 27 إلى السنة 37 ، وفيلكس وكان قاسيا فاسقا ( إذا كان لنا أن نصدق تاقيطس ) . تولى منصبه منذ السنة 52 إلى السنة 60 وتسبب إلى حد بعيد في اندلاع الحرب الأهلية في البلاد التي كان يليها ، ولديه مثل بولس في قيصرية ( رسل 23 / 23 - 24 و 26 ) وخلفه فسطس ( رسل 25 - 26 ) وفي حضرته رفع بولس دعواه إلى قيصر ( رسل 15 / 11 - 12 ) .
انقطع عهد الحكام بعودة سلالة هيرودس إلى الحكم مدة قصيرة ، فملك أغريبا الأول ، حفيد هيرودس الكبير ، وقد عرف ، على ما جاء في العهد الجديد ، بأنه كان أول مضطهدي الكنيسة الناشئة ( رسل 12 / 1 - 23 ) ولم يشهد هذا الفصل من الزمن ( 39 - 44 ) تحسنا في أحوال فلسطين ، فقد تفاقمت الاضطرابات السياسية في عهد الحكام الآخرين وتحولت إلى ثورة حقيقية والى قمع
‹ صفحة 17 ›
الرومانيين الشديد السنة 70 إلى خراب أورشليم وهيكلها ، ولما خرب الهيكل تعذر على اليهود إقامة شعائرهم الدينية .
فقد منيت اليهودية في نظامها السياسي والديني والوطني بأسوأ كارثة أصابتها طوال تاريخها . ويبدو أن الجماعة المسيحية الصغيرة كانت ، قبل وقوع هذه الحوادث المشؤومة ، قد هربت من أورشليم ولجأت إلى بلاد في منطقة المدن العشر . ولم يكن تاريخ اليهودية بعد السنة 70 سوى تاريخ ملايين من اليهود كانوا منذ عدة قرون قد تفرقوا في حوض البحر الأبيض المتوسط كله وفي بلاد الجزيرة بين النهرين وفي بلاد الفرس نفسها ، تباعا لجميع العواصف التي ضربت الشرق الأوسط .
وكانت أكبر الجماعات في هذا الشتات تقيم في الإسكندرية وأنطاكية ورومة .
وكان اليهود يحظون فيها بنظام للأحوال الشخصية يجيز لهم الحفاظ على إدارة دينية ومدنية مبنية على شريعة موسى .
وإن تيارا من العداء للسامية غير ظاهر ساعد على عزل تلك الجماعات عن بيئتها في المجتمع ، ولكنه لم يطغ طغيانا عنيفا مقصودا إلا نادرا .
وكان المجمع مركز الحياة الدينية والثقافية عند اليهود ، فقد كان في الوقت نفسه مدرسة وناديا ثقافيا ومكان العبادة .
وكانت العبادة تقتصر في جوهرها على الصلاة وتلاوة التوراة وتفسيرها . وكانت اليهودية في أيام يسوع عبارة عن نظام اجتماعي ديني متجانس مبني على الإيمان بالرب القدير الأحد ومراعاة قاعدة مطلقة هي التوراة أي الشريعة .
فكان بوسع الفكر اليهودي أن ينطلق من هذين العنصرين الأساسيين فيجول بكثير من الحرية وهو ينعم بتسامح كبير من لدن السلطات الدينية على الخصوص . وكانت أحداث الحياة اليهودية تجري كلها في ضوء إلهي يأتيها من الشريعة . فهذه الشريعة كاملة لأنها من أصل إلهي ، ولكن لا بد من شرحها وتفسيرها ليسري حكمها على المسائل العملية والفردية . وقد استمر ذلك الجهد في الشرح مدة قرون كثيرة فآل إلى إنشاء توراة شفهية تحيط بالتوراة المكتوبة وتتألف مما سمي سنة الأقدمين وقيل إنه يرتقي إلى موسى بشهادات متواترة من الربانيين . إن العهد الجديد يطلق اسم الكتبة على أولئك المثقفين الذين يفسرون التوراة . وكان لهم زمن يسوع سلطة كبيرة عند الشعب ، ولا سيما عند الطبقات الوسط ، كانوا يعملون عمل معلمي اللاهوت والفقهاء في المجتمع ، فكان لهم شأن كبير في حياة اليهود . وأخذ الربانيون منذ القرن الميلادي الثالث يدونون سنة الكتبة كلها بعد ما ظلت إلى ذلك الحين شفهية . فآل العمل الضخم إلى تكوين المشنة ( تكرارالشريعة ، تفسير ) التي دخلت هي بنفسها في تأليف التلمود ( التعليم ) .
وهناك أمر لا يقبل الجدل وهو أن القطب الآخر لحياة اليهود كان في القرن الأول هيكل أورشليم وعليه كانت تنصب مشاعر الشعب كلها ، الدينية منها والوطنية ، فقد كانوا ينظرون إليه نظرهم إلى مركز العالم فيه سيتجلى الله في اليوم الأخير . وكان البالغون من ذكور اليهود يلزمون أنفسهم ، إن لم نقل يلذ لهم ، أن يؤدوا في الوقت المحدد ضريبة الدرهمين لسد حاجات الهيكل . وكان يقوم بشعائر العبادة والطقوس كهنة ينتخبون من سليلي أسرة هارون وكان يعاونهم اللاويون في أعمالهم . فقد كانت هناك طبقة كهنوتية تدور في فلك هيكل أورشليم ، وكان لها نظام تسلسل محكم تحت سلطة عظيم الكهنة العليا ، وكان يرئس مجلس اليهود وهو جمعية مؤلفة من سبعين عضوا ما بين كهنة وعلمانيين ، إليهم يعود الحكم في الشؤون المدنية والدينية .
‹ صفحة 18 ›
وكان في الوقت نفسه خصام يتفاقم يوما بعد يوم بين الكتبة وهؤلاء الممثلين للطبقة الكهنوتية . وكان ذلك الخصام مظهرا من مظاهر الخلاف بين الهيكل والمجمع ، أي بين الصدوقيين والفريسيين . وكانت هاتان النزعتان الكبيرتان تؤلفان ما جرت العادة أن يقال له اليهودية الرسمية .
ورأى الصدوقيون سلطتهم عرضة لمنازعة شديدة منذ زمن يسوع . فقد كانوا محافظين وأنصارا لسيادة النظام في كل وجه من الوجوه ، وإن كان ذلك النظام رومانيا ، لأنه يضمن لهم جل دخلهم . ولذلك كان الشعب يتهمهم اتهاما جديا بالتعاون ، بل بالتواطؤ ، مع حكومة الاحتلال الوثنية . ومهما يكن من أمر ، فقد فقدوا كل نفوذ عند الشعب ، وكان الشعب يفضل عليهم خصومهم الفريسيين وقد رأى فيهم مواطنين مخلصين للرب والشريعة ، سليلي الحسيديم المشهورين الذين اشتركوا في الثورة على انطيوخس ابيفانيوس في أيام المكابيين .
وأدى خراب الهيكل السنة 70 إلى خراب الصدوقيين ، وكان مصيرهم مرتبطا به ارتباطا تاما . وقد مثلت منذ ذلك الوقت النزعة الفريسية وحدها اليهودية الرسمية . وكان في زمن يسوع ، على هامش هذين " الحزبين " ، عدة شيع لبعضها فائدة كبيرة لمعرفة البيئة التي نشأت فيها المسيحية . وليس لدينا عن شيعة الغيورين سوى أخبار جزئية يعسر تفسيرها . يبدو أنها كانت جناحا متطرفا لحزب الفريسيين ، وكان أعضاؤها مصممين على فرض مراعاة أحكام الشريعة بجميع الوسائل حتى بالقوة منها . وقد وصفوا أحيانا بقطاع طرق رعاع ، في حين أنهم كانوا في حقيقتهم من المتعصبين الدينيين الذين يعارضون معارضة مطلقة رأي سلطة لا تصدر من الشريعة نفسها . لذلك لم يكونوا يترددون في أن يعاقبوا بالموت كل من كان مذنبا في نظرهم بمخالفات كبيرة للشريعة (أقول: هم النسخة الأصلية للوهابية) ، ولا سيما الذين كانوا يعاونون حكومة الاحتلال الوثنية . وربما كان بعض تلاميذ يسوع ، بل بولس نفسه ، قبل أن يصيروا مسيحيين ، على صلة بشيعة الغيورين .
وكان هناك الاسينيون وكانوا في هامش الحزبين المذكورين على قدر أبعد من الغيورين . وقد تحسنت معرفتنا للاسينيين منذ اكتشاف الكتب المخطوطة في قمران على البحر الميت . وكان أكثرهم من الرهبان ولكن كان بعضهم يقيمون في خارج دير قمران المركزي ويؤثرون تأثيرا كبيرا في سكان فلسطين . كان الاسينيون أعداء الدة للسلطات اليهودية القائمة ، ولا سيما لعظيم الكهنة . كانوا يهود متشددين جدا ، ومع ذلك فقد تقبلوا كثير من الأفكار الأجنبية وكيفوها وفقا لمذهبهم اللاهوتي . ولا شك أنهم تأثروا بمبادئ إيرانية فأنشأوا عقيدة ثنائية صريحة جدا ، مبنية على التناقض التام بين روحين أو قوتين إحداهما للخير والأخرى للشر ، تتحاربان في معركة لا رحمة فيها حتى اليوم الأخير وفيه يشاهد النصر النهائي يحرزه أمير النور على ملاك الظلام . لا ذكر للأسينيين في العهد الجديد ، وليس فيه ما يدل على تأثير مباشر لعقيدة الأسينيين في المسيحية . غير أن أناسا مثل يوحنا المعمدان ويسوع والتلاميذ الأولون عاشوا ، وهم إلى بيئة " الشيع " اليهودية في القرن الأول أقرب منهم إلى بيئة اليهودية الرسمية . وكانت هذه البيئات كلها ، على قدر ما يتيسر لنا الاطلاع على الأمر ، تميل إلى آراء الأسينيين على درجات متفاوتة . فليس من المستحيل أن تكون المسيحية في أول نشأتها قد أفسحت قليلا في المجال لتلك الآراء وأنه ساد الجماعة المسيحية في
‹ صفحة 19 ›
أورشليم تفكير وسلوك مطبوعان بما عند الأسينيين من تفكير وسلوك ، ولو مدة من الزمن . لا شك أن الأسينيين اشتركوا اشتراكا فعالا في الثورة على الرومانيين . وقد زالوا عن التاريخ في عاصفة السنة 70 . إن الأحداث التي أدت إلى خراب أورشليم تشهد على ما بلغه الغيظ عند الجماعات اليهودية التي عانت تعسف الحكام الرومانيين.
كان الغيورون يستغلون استغلالا كبيرا ذلك الغيظ الذي كانت تغذيه أيضا جميع المعتقدات المستوحاة من الرؤى ، وقد نمت نموا كبيرا في فلسطين منذ القرن الثاني قبل الميلاد . فقد ترسخ يوما بعد يوم في يقين اليهود أن الله لن يلبث أن يرد على تحدي وجود الوثنية في الأرض المقدسة فيعود إلى إقامة عدله ويعيد إلى مختاريه امتيازاتهم ، إذ يبسط ملكوته على الأرض بسطا يبهر العيون ، وهذا التدخل يجعل حدا للشدائد الحاضرة ويفتح عهدا جديدا خاليا من الشر والإثم ، ويؤذن بقدوم ذلك العهد آخر الأمر تضاعف الكوارث والنكبات يرافقها ابتلاع جميع أعداء الله من غير رجعة .
إن جملة هذه المعتقدات تؤلف آراء اليهودية المتأخرة في أمور الأزمنة الأخيرة . وكانت آراؤها في الخيرات التي يرجى الحصول عليها في الأزمنة الأخيرة أبعد من أن تكون مجموعة محكمة التماسك ، بل كانت أقرب إلى فيض من الأفكار لا تخلو من الغموض ويعسر ضبطها . ومع ذلك فما يمكن الوصول إلى معرفته هو أن هذه الآراء ، لما اقترب العهد المسيحي ، ازدادت تشددا على الأقل في بعض البيئات . فقد بلغت بلايا إسرائيل مبلغا لم يبق من المعقول أن يرجو الناس بعده ظهور مشيح بشري في التاريخ يستطيع أن يعيد ذات يوم إلى الشعب المختار كرامته .
فكانوا ينتظرون من الله وحده تبديل الحالة ، وكانوا يرون أن ذلك التحول الذي ينتظرونه بفروغ الصبر لن يحدث إلا لصالح انقلاب يشمل الكون كله إذ يظهر بغتة عالم جديد برمته . ففي ذلك المشهد لرؤيا الأزمنة الأخيرة ليس للمشيح نصيب كبير جدا في جميع الآراء . فإن مؤلفي الرؤى ، عندما يتكلمون عليه ، كفوا ، على ما يبدو ، عن أن يروه شأنهم في الماضي مشيحا دنيويا مسحه يهوه ، وبعبارة أخرى ملكا من ذرية داود يقوم بأعمال سياسية وعسكرية في جوهرها ، ليحقق بعون الله تحرير الشعب وازدهاره . فهم يميلون بعد ذلك إلى إظهار المشيح بمظهر كائن من الملأ الأعلى أقرب إلى الله منه إلى البشر ، ويطلق عليه في بضع رؤى اسم ابن الإنسان ، ولكنه يظل في جوهره وجها سماويا ليس له صلة حقيقية بالناس وغير قابل للألم .
إن مجمل معتقدات أهل ذلك العصر في المشيح والأزمنة الأخيرة كانت من الأمور التي رجع إليها المسيحيون لما أرادوا تحديد ما يؤمنون به في كلامهم على المسيح . غير أن المسيحيين تنبهوا لنصيب الألم في مصير يسوع فاضطروا إلى أن يجعلوا معنى جديدا بأجمعه لأقوال معاصريهم في المشيح ورؤى الأزمنة الأخيرة .)

أقول :
هذه النصوص من دراسات الكنيسة نفسها تغنينا عن الكثير من الكلام ولكن بما ان طرق التفكير وطرق اعتماد القداسة والنبوءة مختلفة في تصوارت كل من المسيحيين والمسلمين فهناك فجوة كبيرة في التفاهم حول نقائص او كمال هذه المعلومات. ولكن اردت ان ابين للمحاور المسلم مقدار الفجوة وعدم تعجله في الحوار. وعليه ان يجد ابداعا جديدا في الحوار مع المسيحي وفق ما يفهمه المسيحي نفسه .
فالمسيحي الذي يحكم على جان دارك بالكفر والسحر والشعوذة فيقتلها شر قتلة ثم بعد عقود يعتبرها قديسة يدخل اسمها في صلوات القديسين ، لا يمكنه ان يستوعب طريقة تفكير المسلم التي يعتبرها جامدة واحادية وغير مرنة كما هو عقل المسيحي بقبول الكافر حكما وبحكم كنيسته نفسها لأن تحوله الى قديس شهيد مع ان الكنيسة هي التي قتله وسببت شهادته.
فهذا مزاج عقلي مختلف تماما عما يعيشه المسلم في تصوراته وعقله.




الخاطرة الخامسة





مشكلة انهزام التسنن امام الوهابية والقاديانية والبهائية.



تأملات في عجائب الانسان



كنت فتى يافعا وطرق سمعي قصيدة جميل صدقي الزهاوي الفاسدة:



إسفري فالحجاب يا ابنت فهر *** هو داء في الاجتماع وخيم



اسفري فالسفور للناس صبح ***زاهر والحجاب ليل بهيم


فسألت احد العلماء عن هذا الرجل وفساده ودعوته الغريبة ؟
فقال : يا ابني هذا رجل (بهائي) مهمته نشر الاباحيات والمفاسد في بلاد المسلمين .
فقلت له: مولانا هذا سني وهو (إما من اسرة كردية او تركية متدينة) فكيف يكون يهائيا مع كونه سنيا؟ والبهائية نشأت في مجتمع شيعي. وهي فتنة داخل المجتمع الشيعي خلّص الله الشيعة منها.
فقال: يا بني البهائية الآن اغلبهم من أهل السنة ولا تجد من أصول شيعية الا قليل حتى في ايران التي هي مهدها الاول. واما في العراق فلا تجد الا ما كان من أصل سني فقط. (وذكر لي أنه اطلع على كتبهم وعلى شخصياتهم الكبيرة وكلهم من أصول سنية) فتعجبت جدا من قوله في حينه.

وبعد فترة من الزمن حين انتظمت في ريعان شبابي في سلك الحوزة العلمية المباركة زاد الله شرف مؤسسيها وصائنيها ، قررت ان اعرف ما هي البهائية؟ وكيف بدأت؟ وكيف انتشرت؟ وما هي خريطة تواجدها الان؟
وبعد عدة مطالعات في كتب التاريخ والرجال والأسئلة والاجوبة من اساتذتي بدأت تتوضح لي الصورة ثم وقع في يدي كتاب مذكرات (مكسيم دالغوركي) فهمت القصة، ثم تعمقت في فهم القضية اكثر ، واضطررت أن ادرس حياة وافكارالأستاذ الذي استغلت دروسه لكي تتولد فكرة هذه الحركة الضالة ، خصوصا بعد اعتراف مكسيم دالغوركي بانه كان يستغل تلاميذه استغلالا بعكس ما يريد ، وهو المرحوم السيد كاظم الرشتي رحمه الله.
ومجمل القصة التي توصلت اليها هي ما يلي: ( واعتذر عن الاختصار المخل) :
توجهت الدولة القيصرية الروسية للتأثير في الشارع الايراني كجزء من الحرب بين البلدين ، فكلفتْ المترجم السابق في السفارة الروسية في طهران ( كينيار مكسيم دال غوركي) بعمل فنتة والذي اضحى وزيرا مفوضا في الحكومة القيصرية، فادعى رغبته في الاسلام وإسلامه الفعلي، ثم انتحل اسم الشيخ عيسى اللنكراني ولبس العمامة ودخل الدراسات الدينية ، وانتقل داخل ايران في عدة مدن وعند العديد من الاساتذة ثم انتقل الى كربلاء لاكمال الدراسة العليا ولم يظهر عليه أي مخالفة أو خروج عن الدين ، حتى اتصل بشاب نزق اسمه علي بن محمد رضا الشيرازي الذي لقب فيما بعد بالباب وكان يدرس عند السيد كاظم الرشتي العرفان بدون رغبة منه كشاب نزق، وانما برغبة اهله الاغنياء ، وكان هذا الشاب فاسقا في واقعه وغير مقتنع بطريقه الذي اختاره له اهله، وكان يعاقر الخمر فعثر دالغوركي في هذا الشاب على هذه الخلة -العجيبة في مدينة مقدسة لا تعاقر الخمر قط - ، فأخذ يوفر له الخمور من المسيحيين في الحلة ومن تجار الامارة العثمانية ، وبدأت فكرة ادعائه البابية واخذ يوزع الاموال فطرد من كربلاء فهاجر الى ايران وكان الشيعة في ايران يرون أن الانتظار للامام المهدي عليه السلام من افضل الطاعات (وهو كذلك) فتلبس على الناس بالكذب والدجل والسحر وغير ذلك مما يحير عقول البسطاء ، فانتشر صيته وكثر اتباعه بين الشباب والغوغاء وكان من اتباعه بعض الشباب النابهين الطالبين للدنيا من خلفه كحسين علي بن عباس بزرك النوراني المازندراني وأخيه يحيى صبح ازل اللذين صارا فيما بعد قادة الحركة التي اخذت اسم ما لقب به نفسه محمد بهاء الله فسميت البهائية فيما بعد. وحدثت هنا مفارقة عجيبة وهي ان مجموعة الشيخ احمد الأحسائي وتلميذه السيد كاظم الرشتي قرروا محاكمة الدجال علي محمد الباب ومطارته مع اتباعه ، فحاكموه ، واجبروا الشاه على المحاكمة ورفض الضغوط الدولية لتخليصه، فاعترف علي محمد الباب بجرائمه أمام محكمة علنية اقامها تلاميذ الشيخ الأحسائي رحمه الله ، وهرب دالغوركي واعدم الباب الذي كان قد ادعى فيما بعد دعواه البابية انه المهدي نفسه ثم ادعى انه الله نفسه . وبعد اعدام الباب جرت حملة تثقيف كبرى في الوسط الشيعي ، وحملة ملاحقة لهؤلاء الجواسيس للدولة القيصرية الروسية ، ولكن بعد تشتت جماعتهم في ايران واحتقارهم وانكشاف تجسسهم لروسيا استقبلتهم الدولة العثمانية السنية واعطت قادتهم اللجوء السياسي وهم يحملون فكرة دمج الاديان السماوية الثلاث وفكرة ديانة عالمية موحدة وتفسيرا عجيبا للنصوص الاسلامية تنتهي الى كونها نصوصا يهودية وهي اصل الديانة الابراهيمية عندهم ، فصار لهم اتباع داخل اسطنبول في المجتمع السني ، ثم طالب بهم الشاه خصوصا محمد البهاء واخيه عباس صبح ازل فرفضت الحكومة العثمانية ولكن ابعدتهم الى قبرص كما اتذكر ، وهناك وفي اسطنبول اتصلت بهم الماسونية والحركة الصهيونية وتم ربطهم بالتاج البريطاني فتحوّلت الحركة لخدمة التاج البريطاني واصبح مجال عملها الجديد هو خدمة بريطانيا بعد ان كان لخدمة روسيا القيصرية ، ثم بعد الضغوط الغربية انتقل الأخوان (حسين علي و يحي صبح ازل ) الى فلسطين في حيفا وعكا ، وبدأت رحلة انتشار البهائية من اسطنبول وفلسطين داخل الجسد السني ، فتقلص وجودهم الى درجة مدهشة داخل المذهب الشيعي واصبح امتدادهم داخل الجسد السني بشكل مدهش .
فقد اصبح لهم معابد في فلسطين بشقيها الاسرائيلي والاسلامي وفي الاردن ومصر ولبنان ومختلف بلاد العالم السني (لقد كان لهم عدة معابد في العراق في العهد الملكي في بغداد وبعض المدن السنية ، ولا اعلم ماذا جرى لهم بعد العهد الملكي، إلا ان الحكم البعثي في العراق حول اعادة إنتشار البهائية والبابية بدعم هائل ، وما قصة جند السماءعنا ببعيد وهي جماعة مدعومة من هيئة علماء السنة ومن البعثيين). وبعد الثورة الاسلامية في ايران سافر منها اغلب اعضاء هذا المذهب المدعوم امريكيا وشاهنشاهيا الى الغرب في الغالب، وقسم منهم سافر الى اسرائيل وغيرها ولم يبق منهم الا من هو متخفٍ. بينما في العالم السني هم الان اهم القيادات وافضل طبقات المجتمع المخملي وهم في تزايد وانتشار. فيكفك أن رئيس دولة فلسطين ابو مازن محمود عباس هو من زعماء البهائية في فلسطين وهناك وزراء وقادة من البهائية في العالم السني كما سمعت.

بعد هذه الخلاصة المخلة تقريبا ، اتسائل لماذا هذه الحالة المدهشة لقبول انجس فتنة وقعت في العالم الشيعي وقد استئصلت من مجتمعهم ، لتتحوّل الى نمو سريع في العالم السني؟
فأعداد هذه الطائفة الان هي 50 الف ايراني اغلبهم من اصول سنية و 500 الف من اصول سنية كردية وعربية وتركية وغيرها من القوميات !!!
أليس ذلك غريبا ويحتاج الى دراسة.
هذه الظاهرة تحتم علينا أن ندرسها لأن الامر يمس العالم الإسلامي وسلامته من الفتن وتهديد حضارة المسلمين بشكل جدي.
وذلك لأن اغلب العالم الاسلامي هو من اهل السنة (ثلاثة اخماس العالم الإسلامي تقريبا) ومن خلال انكشاف هشاشة المجتمع السني وهزائمه الغريبة امام البهائية والقاديانية والوهابية البلاء الأكبر على أهل السنة، وكلها حركات مصنعة من دول الكفار ومدعومة غربيا وهي الان مدعومة امريكيا بالذات.
فمن يفلت من اهل السنة من البهائية تتلقفه القاديانية ومن يفلت من القاديانية تتلقفه الوهابية ، وكأن قدر المجتمع السني أن يتمزق بين هذه المبادئ الخبيثة. وأن يظهر هشاشته الغريبة ، التي تمثل اكبر الخطورة على العالم الاسلامي. وتنذر بسقوط الحضارة الاسلامية من الداخل بواسطة هذه المذاهب الهدامة وغيرها من حركات مستوردة تنمو بسرعة.
إن عدم المناعة من قبول هذه الحركات المدمرة لهو مرض عضال يجب معالجته ويجب دراسة اسبابه وخطورته والحصول على دواءه الشافي .
ولست وحدي في العالم الإسلامي من يرى أن سبب الأسباب وعلة العلل في هذه الهشاشة داخل المجتمع السني هو السلطان المسلم الذي ربى الناس على الاهتمام بشهواته وتهميش الدين ورجاله والابتعاد عن الحفاظ على كيانه.
قد استطيع تشخيص عدة اسباب لهذه الهشاشة وعدم المناعة ، ولكن المسألة تحتاج الى دراسة متخصصة وقادرة على تلمس الحقائق بشكل عميق. فلعل من الاسباب المعروفة هو امتلاء التراث الذي يقال للسني انه تراثك العتيد بالمشاكل الكبيرة منها الكذب والتناقض ونمو الافكار بزاوية منفرجة مع الاسلام ، ومن الأسباب المحتملة الارتباط الفكري بالحاكم فكون شيخ الاسلام مجرد موظف عند الحاكم لا يمكنه الخروج على تعليماته لهو امر في غاية الخطورة على الدين على اسس الحضارة الاسلامية، ومنها انتشار الفقر الاقتصادي ومن ثم الثقافي الذي يفقد المناعة ويسمح لأي طارئ ان يقضم من المجتمع السني ما يشاء. ومنها فقدان المرجعية الدينية الحقيقية لتوفير المناعة، ومنها ايقاف الاجتهاد المشروط بالعلم الفائق ومن ثم السماح لكنّاس الجامع ان يقوم بدور القائد والمفتي ليقود المجموعات فيحولها كما يشاء فكره العبقري ، ومن طوام ايقاف الاجتهاد المققن والمرجعية الدينية الحقيقية هو قفز شخصيات غير تخصصية على الفكر الاسلامي فاصبح المهندس والطبيب والعامل والسياسي رجالُ دينٍ لمجرد تطويل اللحية والانتماء الى المجاميع الاسلامية بأي غلاف كان سواء كان وهابيا او غير ذلك ، فيصبح هذا البعيد عن علوم الدين قائدا عالميا يدير الشباب والمسلمين بحماس منقطع النظير بفتوى وفقهٍ لا يمت الى الاسلام ولا الى المذهب السني بصلة باعتراف كل الدارسين للمذاهب السنية من علماء السنة الحقيقيين فكلهم لا يقبل بافكار رجل الاعمال وتجارة المخدرات (بن لادن) أو الطبيب (الظواهري) الذي لا يعرف ان كل خطابته مليئة بالخطأ الفقهي والديني بل قل التجاوز على الفقه الاسلامي والمفاهيم العقائدية السنية بشكل سافر. وهذا نتيجة انعدام المعايير الواجب توفرها والتي يجب ان يعرفها عامة المجتمع السني للقيادة والمرجعية الدينية.
المهم ما جال في خاطري هو ان المجتمع السني يقبل ما اجمع فقهاء السنة على اعتباره مخالفا للدين وحكَمَ بردتهم كالحركة الوهابية التي كانت الى وقت قريب قبل اكتشاف النفط مما يحرم الانتماء اليها وهي حركة ضالة يجب حربها بالسيف والقوة، بينما نجد الان الحركة الوهابية تسيطر على اغلب مساجد العالم السني حتى مصر التي كانت حاملة الرسالة لبيان ضلال الوهابية وعمالتها ، بل اصبح من الطبيعي أن يستغرب بعض المغرر بهم من قبل الوهابية إن كل ما يصدر من فتاوى فقهية صحيحة سنيا من اتباع الازهر ورجال الصوفية في مصر باطل وبعيد عن الدين ، وقد اشيع بين الناس أن هؤلاء مسلمون تقليدون ، بينما الوهابيون اصلاحيون متمسكون بالدين لأنهم يحفظون بضعة احاديث طازجة التحريف واللعب وأجوبة ملفقة لمسائل مشكلة اشكل فيها اهل السنة عليهم.
وكذا الحركة القاديانية التي حكم المسلمون اجمع بكفرهم وردتهم ودجلهم وعمالتهم للانجليز ، الان اصبحوا في قمة الفكر الإسلامي وقد انخرط فيهم المهندسون والاطباء الدعاة للاسلام وقد تحوّل قسم لا يستهان به من رجال حركات اسلامية مثل الاخوان المسلمين او التحريريين او الازهريين الى الانتماء لهذه الحركة ، فما ان فتحوا قناتهم الفضائية العربية حتى انكشفت نوعية وحجم المتحولين من أهل السنة الى هذه الحركة المضحكة التي لا يمكن وصفها الا بانها حركات الحنقبازيين البهلوانيين الدجالين. فانني لأعجب من شخصيات اعرفها عينا تحولت لهذا الدين الجديد ، وقد كنت اقول لبعضهم انكم مشروع تحول لأي شيء كان ، لعدم تنسيق الأفكار وعدم اسقرارها ولقرائتكم الاسلام بطريقة ذوقية لا علاقة لها بالقواعد الحصينة ، وهذا ما يحدث بكل اسف .
واما الحركة البهائية فامرها عجيب جدا في نموها بالمجتمع السني ولا اقول اكثر من هذا ، ولكن ماذا نقول لقبول فكرة دمج الاديان التي بدأ يؤمن بها مثقفون سنة ويدخلون البهائية عبرها سواء عرفوا ام لم يعرفوا ، فقبل اكثر من عشر سنوات عرض عليّ احد الاصدقاء السنة مقالا من عشرين صفحة لأقول رأيي فيه ، فإن الصديق بدأ يؤمن بمحتوى هذه المقالة ، وكانت بقلم مهندس تحريري سابق الف كتبا اسلامية عديدة بطريقة اجتهاد غير المتخصصين في الدين . وهو المهندس جواد عفانة ، فقرأت اغلب الأوراق في جلستي، فقلت لصديقي : هل تعرف فكر البهائية ؟ فقال : لا ! فقلت له: هذه الأفكار نسخة طبق الأصل للبهائية ، فقال : عجيب ولكن صاحبي جواد ليس بهائيا وانما هو مفكر اسلامي معروف!! فقلت له: وهل بقي كذلك بعد أن بدأ يؤسس لنفس الفكرة ويقول بأن الدين الحقيقي هو دين ابراهيم وهذه الاديان الثلاثة هي مذاهب جائزة في هذا الدين ويجب الدمج بينها؟ فسكت ولم يعرف ما يقول!!

هذه الحالة المزرية حقيقة واقعة وهي خطر كبير ينذر بسقوط جزء كبير من وجود الاسلام لا نقبل بسقوطه ، وبسقوطه سيكون الاسلام في خطر ، فنحن لا نفكر مثل الطائفيين حين يطلبون يدفعون بقوى الكفر للاجهاز على التشيع بتآمر خبيث معتقدين بانه بزوال التشيع يزداد عمرهم من دون أن يدركوا ان الضمانة الحقيقية لبقاءهم هي بقاء التشيع صامدا عزيزا ثابتا على العقيدة والفقه الإسلامي الحقيقي بدون تبرير لخروقات السلاطين وتجاوزاتهم الشرعية، ويا ليتهم الآن سلاطين اسلام وليسوا سلاطين كابريهات.

المشكلة ان هذه المذاهب او الاديان المخترعة الثلاثة كلها ترعرعت برعاية بريطانية، والان برعاية امريكية مباشرة، ولكنهم يمتازون بالصراع بينهم وتناقض اتجاهاتهم الفكرية ، وكل واحد من هذه المبادئ يدّعي العداوة للمبدئين الآخرين ، وهذا من المفارقات ، ولعله لتنوع الاتجاهات لصيد كل اصحاب الرغبات المختلفة في المذهب السني.
وكل واحد منهم يعلن عن عدو وهمي يغري به أهل السنة، ليقول لهم نحن ندافع عن مذهبك بدلا منك ، فالوهابية اختاروا اعدائهم من الشيعة والصوفية ، والقاديانية اختاروا ان يكون اعدائهم المسيحيون والصوفية والشيعة ، والبهائية اختاروا ان يكون عدوهم الشيعة والصوفية والتعصب، وكل يدعي التنوير والإصلاح في امة الاسلام.
هذه الاختيارات للعدو بالنسبة لهذه الديانات الدخيلة الثلاث ليس من باب الصدفة او من باب الاعتباطية في اختيار العدو ، بل هي حركات مدروسة والعدو المعلن لهذه المبادئ الثلاث في الحقيقة هو القاسم المشترك وهو الاسلام متمثلا بالشيعة والسنة باسم الصوفية ، والمقصود بهذا العداء هو السنة بالذات، فهم يعلمون علم اليقين ان الشيعة عندهم حصانة وقوة في العقيدة ولا يتأثرون بهذه الخزعبلات ، ولم يحدث أي تحوّل تام حقيقي في الوسط الشيعي المثقف بعكس ما يجري في الوسط السني، فيبقى المقصود هم أهل السنة بدرجة كبيرة ومعقولة والنتائج واضحة فالاختراق كان في الجسد السني وعلى حسابه، وليس في جسد العدو الشيعي كما يدّعون. فالشيعة في صعود ونمو بينما السنة في تمزق واختراق وتحوّل الى الاديان المخترعة من قبل وزارة الخارجية البريطانية. ولهذا نجد الوهابية يضطرون للقيام بتمثيليات التحول ثم يتبيّن ان المتحول ما هو الا وهابي حاول اظهار نوع من الانتصار الموهوم عسى ان يغطي على مشكلة التاثير الفاشل في العدو المعلن بينما هم يؤثرون ويدمرون فيمن يدّعون الانتصار لهم وهم اهل السنة.
والصفات المشتركة بين هذه الديانات هو عدم العمق في نقاش العدو من جهة والتأثير الميداني المدعوم بالمال والسلطة والجاه في الجسد السني ، فالقادينية تدعي الحوار مع المسيحية وتحاول ان تظهر نفسها كمدافع عن السنة بصخب شديد أمام المسيحية، ولكن كل من يراقب نقاشهم يجده نقاشا لا يغني ولا يسمن من جوع ولا يوجد أي حوار حاسم يُفرح المسلم بانتصارٍ حقيقيٍ. وكذا الوهابية الذين يتمتعون بقدر كبير من الكذب والتزوير في اختلاق التهم المزورة ، يقومون ليل نهار باختلاق الملفات المزورة على الشيعة ولكنهم لحد الان لم يُفرِحوا السني بشكل حقيقي بانتصار واضح وانما حصل العكس حيث قد تحوّل عقلاء السنة الى التشيع نتيجة خيبتهم وانكشاف اكاذيبهم ، فقد قام بعض سفلة الوهابية بحوارات سطحية حنقبازية يدعون انها حوارات حاسمة فاذا بانصارهم ممن غُش بهم من اهل السنة يتحوّل الى التشيع نتيجة انكشاف امرين وهما كذب الوهابي وسطوع الدليل الاسلامي الحقيقي لدى الشيعي، حتى لو كان النقاش يتسم بنوع من السطحية الى حد ما ، وهنا في هذه الشبكة عدة امثلة لذلك، فاذا لم تخني ذاكرتي فان الدكتورة امينة المغربية المشاركة في هذه الشبكة المباركة كانت نتاج مثل هذا الحال. وهناك الالاف ممن يتصل بي وبغيري من طلبة العلوم الدينية الصغار امثالي يقولون بان حوارات الوهابية وانكشاف كذبهم فتح عيونهم على مذهب اهل البيت عليهم السلام وكانت سببا مباشرا لاستبصارهم.
وكذا حال البهائية فهم لم يؤثروا فيمن يدعون عدائهم الا في الجسد السني.
والطريف في الموضوع ان هذه الديانات المستوردة الخادعة قد كُفّرت من قبل المسلمين لما فيها من مبادئ خارجة عن ثوابت الاسلام فضلا عن ثوابت السنة أو الشيعة ، ولكنهم ثلاثتهم يقتبسون ويسرقون الأمور العقلانية والاختيارات التفسيرية المعقولة من الشيعة فهذا ابن تيمية قد كانت احدى تهمه في محاكماته الثلاث التي حُكم فيها بالردة بأنه اخذ اكثر من ثمانين مسألة فقهية من الشيعة مثل بطلان الطلاق بالثلاث وغير ذلك من احكام فقهية في الاحوال الشخصية وغيرها، ولم يكن علماء اهل السنة يعلمون ان تقسيم ابن تيمية للتوحيد الى توحيد صفات وتوحيد افعال هو من خصائص التشيع وقد سرقها ابن تيمية ليعيد دبلجتها ضد التوحيد ، فاستنكارهم لها لأنها ليست سنية اصلا ، فانطلق ابن تيمية من توحيد الافعال -الذي ركّز عليه ائمة أهل البيت عليهم السلام كمدخل للتوحيد العملي- ليكفّر به المسلمين بعكس ما يريده اهل البيت عليهم السلام، فادعى ان الوساطة والتوسل تدخل ضمن الشرك العملي مقابل التوحيد العملي ، وقد لبس على المسلمين هذه الكذبة.
لقد ادرك الانجليز تراث هذا الرجل المغمور والمكروه سنيا ليأمروا محمد بن عبد الوهاب ان يتبنى افكار هذا الرجل المنسية ويظهرها من دون أي تفكير في اصل هذه الافكار، فتقسيم التوحيد لا يوجد له أي شاهد سني حتى يدعي انها دليل سني وهناك ما لا يدانيه في الفضاعة كتجويز التشبيه على الله التي لا يقول بها مسلم اطلاقا.
واما القاديانية فان اغلب تفسيرهم الصحيح انما هو اختيار الشيعة ومن تقرّب منهم مثل المعتزلة السارقين افكارهم من الشيعة وبالاخص من امام الشيعة علي بن ابي طالب خصوصا الافكار التنزيهية التي علّمها رسول الله لتلميذه النجيب امير المؤمنين علي بن ابي طالب، بينما الافكار التجسيمية اخذت من رواسب الشرك وهبل واللات والعزى المتمركز في دماغ معاوية.
وعلى هذا فمبادئ البهائية وطريقة تكوينهم قد شرحناها و أما الوهابية وخروجهم على التسنن معروف ومشهود ، وألاعيبهم معروفة للخبراء، ولكن عندهم طريقة تدليسية وهي ادعاء قربهم من السنة النبوية . وقد شرح الكثير من الباحثين طريقة تكوين هذه الفرقة الضالة و ان شركة الهند الشرقية كونت هذه المجموعة الاجرامية وقد غلبت مكتب القاهرة على توجهها في وزارة الخارجية البريطانية فهو خلاف بين مكتبين داخل وزارة الخارجية البريطانية في سبيل تدمير العالم الاسلامي، وقد غلب مكتب الهند على مكتب القاهرة . وهذا المكتب هو نفسه الذي اوجد القاديانية .
وقد وجدت من المناسب ان انقل طريقة تكوين القادياني وبعض افكاره من مقدمة السيد محمد حسن الطالقاني النجفي رحمه الله لكتاب ( القاديانية - لسليمان الظاهر العاملي – من صفحة 30 وما بعدها) وساعقب بعد هذا التعقيب بتوضيح بعض افكار القاديانية العجيبة كما وقع في مناظرة بين ابن غلام احمد المسيح القادياني وبين السيد محسن الامين رحمه الله حتى يعي اخي السني ماهية هذه الحركة التي غزته :


القاديانية - سليمان الظاهر العاملي : المقدمة : ص 30 – 37

( عمالته المكشوفة للانكليز :

كانت أسرة القادياني على وئام وعلاقة صميمة مع " السيخ " أيام حكمهم على " البنجاب " - على العكس من المسلمين المضطهدين - وما أن دخل الانكليز وسيطروا على البلاد حتى بادرت إلى إنشاء الصلة بهم وانضمت إلى صفوفهم ، وكانت من أتباعهم علانية بسبب أن جد القادياني " الميرزا غلام محمد " كان من الإقطاعيين الكبار في ولاية " البنجاب " ولذلك أعلن ولاءه للانكليز وللتاج البريطاني منذ بداية الاحتلال ، فنال الحب والعطف والرعاية من الولاة ، وخلفه ولده " غلام مرتضى " فعزز ذلك بوقوفه إلى جانب الانكليز عندما ثار الشعب الهندي عليهم ثورته المشهورة عام 1273 ه‍ = 1857 م ومدهم بخمسين مقاتلا فوجهوا له كتب الشكر ، كما ساندهم في كل الحركات التي قامت ضدهم ، وقبل التوظيف في دوائرهم . ولما جاء دور ولده " الميرزا غلام أحمد " سار على نهج أبيه وجده في الاخلاص والولاء ، فتوظف في دوائرهم وحافظ على صحبتهم ، ولما ظهر على الساحة وتبلورت شخصيته وبدأ بادعاءاته التجديد فالمهدوية فالنبوة ، كانوا وراء ظهره سندا في مختلف المراحل ، وإلا لما استطاع أن يفوه بكلمة واحدة ، فقد أعلن دعوته بصراحة في بلد فيه عشرات الملايين من المسلمين ، وخرق إجماع مئات الملايين من المسلمين الذين أجمعت كلمتهم على ختم النبوة ، وتحدي علماءهم وشتمهم ، وشبههم بالقردة والكلاب والشياطين [مواهب الرحمن للقادياني / 12 و 61 . ] .
وما شابه ذلك من النعوت ، وظل يواصل دعوته وينشر مزاعمه بدون اكتراث ، وحقق نجاحا في بلاده وفي البلدان الإسلامية الأخرى ، وظل على قيد الحياة متمتعا بالحرية والحصانة مع المشايعين لفكرته ، ولم يجرأ أحد على إخماد فتنته بالقضاء عليه ، بل كان الاغتيال نصيب الزعيم الهندي " غاندي " الذي تمزق جسمه النحيل بالرصاص ، لأن الانكليز كانوا ضده .
ولو لم يصرح " القادياني " بعمالته للانكليز ، لما كانت تخفى على أحد من ذوي البصائر ، لأن العمل الذي قام به مما لا يقوي عليه رجل بمفرده كل بضاعته الكذب والدجل والافتراء وإنما كان له رصيد قوي ودعم كبير ، من جهة عليا تحميه وتسدده تسخر إمكانياتها لدعمه ، وبذلك استطاع الاستمرار في دعوته مبلغا وخطيبا وناشرا ، وتمكن أن يجمع حوله زمرا من السذج والمنتفعين والمنافقين . . .
أقول لو لم يصرح بعمالته [لما] غمض على أحد أمره ، فكيف وقد ملأ كتبه بالاعترافات الصريحة والاعلان المكشوف ، وفيما يلي نموذج من تلك التصريحات [قال القادياني] :
" فقد ساعدهم ( الانكليز " والدي مساعدة كبيرة في قمع تمرد 1857 ( يقصد ثورة الشعب الهندي على البريطانيين الغزاة ) ومدهم بخمسين فارسا مسلحا لضرب الثورة ، لذلك تدفقت على والدي رسائل الشكر والامتنان من قبل الحكام ، وكذلك ساندهم والدي في المعارك الأخرى التي خاضها المتمردون ( يقصد الوطنيين الأحرار ) " . [كتاب البرية / 3 .]
" ولما توفي والدي ناب عنه أخي الكبير ميرزا غلام قادر في خدمة الحكومة البريطانية ، فشملته هو الآخر بعنايتها ، ولما توفي هو الآخر اقتفيت آثارهما وسلكت مسلكهما في إعلان الحب والولاء للحكومة والطاعة لها ، وقد عاهدت الله منذ ذلك الحين على أنني لن أكتب شيئا ضد هذه الحكومة ". [نور الحق 1 / 28 .]
" أقول مدعيا : أنا أكثر المسلمين إخلاصا للحكومة الانكليزية ، لأن هناك ثلاثة أمور جعلتني أحتل الدرجة الأولى في الاخلاص لها .
1 - تربية المرحوم الوالد .
2 - أيادي الحكومة البيضاء .
3 - إلهام من الله تعالى ". [ترياق الفاروق / 309 و 310 .]
وقد خاطب أتباعه قائلا : " اسمعوا : إن السلطة الانكليزية رحمة لكم وبركة عليكم ، وهي الحصن المنيع الذي أقام الله لوقايتكم ، فعليكم أن تقدروها حق التقدير من سويداء قلوبكم ، والانكليز خير لكم ألف مرة من هؤلاء المسلمين الذين يحاربونكم ". [تبليغ الرسالة 10 / 123 .]
وهو يعترف بصراحة بأنه لا يستطيع ترويج بضاعته الزائفة ، وإعلان دعوته الكاذبة ومزاعمه الفاسدة ، في أي بقعة إسلامية من العالم ، لأن ذلك يؤدي إلى دق عنقه وإراقة دمه ، فهو يقول :
" لا يمكن أن أحقق دعوتي كل التحقيق في مكة ، ولا في المدينة ، ولا في الروم - يقصد تركيا - ولا في الشام ، ولا في فارس ، ولا في كابل ، إلا في كنف هذه الحكومة التي أدعو لها دائما بالازدهار والانتصار ". [تبليغ الرسالة 6 / 69 .]
ويقول أيضا : " لقد بسطت هذه الحكومة - الانكليزية - أياديها البيضاء علينا لحد أننا إن خرجنا من هنا لا تؤوينا مكة ولا قسطنطينية ، فكيف يجوز لنا إذن أن نضمر في قلوبنا أمرا ضدها ". [الملفوظات الأحمدية 1 / 146 .]
وبعد أن أعلن ولاءه المكشوف بهذا الشكل عاد يستجدي العطف عليه وعلى أتباعه ، ويرجو من الحكومة الانكليزية أن تنظر إليهم نظر رأفة ورحمة وتحميهم من المسلمين ، فقد وجه كتابا إلى الحاكم الانكليزي في المنطقة يقول فيه :
" . . . القصد من وراء ذلك الطلب الذي تقدمت به إلى حضرتكم ، والذي يحتوي على أسماء أتباعي أيضا ، هو أنني وأن كنت أستحق رعاية خاصة من الحكومة الانكليزية نظرا للخدمات الخاصة التي قمت بها أنا وأسلافي نحو الحكومة الموقرة بصدق وإخلاص وتجرد وبتحمس قوي ، أرجو من الحكومة السامية أن تجعل هذه الأسرة - يعني أسرته - التي عرفتها وفيه موالية لها مؤمنة بها مستميتة في سبيلها بعد تجارب استمرت خمسين سنة مضت ، هذه الأسرة التي شهد لها أركان الحكومة الموقرة بأنها أول المخلصين لها والقائمين على خدمتها ، أرجو من الحكومة السامية أن تجعل هذه الأسرة التي هذا شأنها ، والتي هي عبارة عن غرسها نفسها ، أن تجعلها موضع رعاية خاصة . . . ". [تبليغ الرسالة / الجزء السابع / تحت عنوان : رجاء الأحقر غلام أحمد القادياني إلى حضرة الحاكم دام إقباله .]
بهذه الحقارة والوضاعة يستجدي هذا الدنئ عطف الغزاة المحتلين لبلاده ، والهاتكين لحرمته ، والمريقين لدماء أبنائه البررة ، بهذا الأسلوب الذي يدل بصراحة على تفاهته وهوانه على نفسه ، ثم يدعي أنه نبي ، والأفظع أن يدعي أن الله ألهمه الولاء للمحتلين ، ويأمر الناس بتصديق أقواله ويلعن من خالفه واستخف به .
والحقيقة إن هذه الرسالة وثيقة إدانة وعمالة لا غبار عليها ، فليس أكثر من أن يدعي أن هذه الطائفة من غرس يد الانكليز ، وإذا ثبت ذلك - وهو ثابت - فنحن في غنى عن إيراد الأدلة والاستشهاد بالأقوال .

سبب احتضان الانكليز للقاديانية :

لقد قوبل الانكليز وغيرهم من القوى الاستعمارية الكافرة عند دخولهم البلاد الإسلامية فاتحين بضراوة وعنف وتحطيم وتدمير ، وتلقوا من المسلمين ضربات ماحقة أطارت صوابهم وأرتهم العجب في التضحية والاستبسال ، وتقارير ضباطهم إلى قياداتهم ومذكراتهم التي كتبوها خلال أيام احتلالهم ونشرت تراجمها أكبر شاهد على ما نقول ، فقد صرح الجميع واتفقت كلمتهم على غيرة المسلمين على أوطانهم ودفاعهم المستميت عنها ، وعن حميتهم على غيرة المسلمين على أوطانهم ودفاعهم المستميت عنها ، وعن حميتهم وتضحيتهم بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على أرضهم من دنس الغاصبين .
ومرجع ذلك إلى أن الجهاد في سبيل الله من الواجبات الدينية بإجماع المسلمين ، وحكمه حكم فروع الدين الأخرى كالصلاة والصيام والزكاة والحج كما نص عليه فقهاء الأمة قديما وحديثا ، وهو كما تفصله المصادر كافة نوعان ، أحدهما للدعوة إلى الإسلام وإعلاء كلمته في بلاد الله وعباده ، والثاني للدفاع عن الإسلام والمسلمين وبلادهم ، وكذلك عن النفس والمال والعرض .
ويشترط فقهاؤنا - معاشر الشيعة الإمامية - في النوع الأول وجود الإمام أو نائبه الخاص أما الثاني فلا يشترط فيه ذلك . وقد نص القرآن الكريم على ذلك في العديد من الآيات ، ومنها : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ).
ومنها : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدون درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما * درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ).
كما حثت عليه السنة النبوية ، فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " من ترك الجهاد ألبسه الله ذلا وفقرا في معيشته ومحقا في دينه " وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه ، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة ، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء . . ".
ومن أجل ذلك كان المسلمون يعلنون الثورة على العدو الكافر إذا غزاهم في عقر دارهم ، ويهبون للجهاد في سبيل الله في مقاومته ودحره ، وكان على رأس الداعين إلى الجهاد علماء الدين ، فإذا ما أفتوا بوجوبه وضرورة حفظ البلاد من الغازين لم يتخلف عن الامتثال لأوامرهم أحد إلا الشيخ الهرم والمريض العاجز .
ولا يزال العهد بثورة العراق الكبرى عام 1920 قريبا إلى الأذهان ، فقد هاجمه الانكليز فاتحين ، وأفتى زعيم الثورة الكبير الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي وبقية زعماء الدين بوجوب الجهاد والمحافظة على البلاد ، فهب الشعب العراقي هبة واحدة ولقن الانكليز درسا لن ينسوه إلى الأبد . وقد جاء في " مذكرات مس بل " قولها :
" رجال الدين من العلماء في النجف وبغداد وكربلاء والكاظمية وسامراء . . . كان هؤلاء العلماء شديدي التعصب للإسلام وشديدي الكره لبريطانيا . . . كان لهم حتى الآن أثر كبير على السكان المتدينين في المدن المقدسة . . ". [نقلا عن " مذاكرات مس بل " المطبوعة بالانكليزية .]
ولم تكن حال المسلمين في الهند لتختلف عنها في سائر بلادهم الأخرى ، فقد قاوموا التسلط الانكليزي والاحتلال الغاشم ، وحرضهم علماؤهم على الجهاد في سبيل الله ، فضاق الانكليز بذلك ذرعا وظل القلق يساورهم دوما ، وحاولوا التماس وسيلة توقف تلك الانتفاضات عند حدها ، وتخنق أصوات الأحرار الذين يطالبونهم بالجلاء عن البلاد ، ووجدوا ضالتهم عند " القادياني " فقد جند نفسه لتلك المهمة وبذل كل وسعه وطاقته في إيقاف المد الثوري بفتاواه المتوالية في عدم جواز الجهاد ضد الانكليز ، وملأ الآذان بصخبه في إرشاده وخطبه ومؤلفاته وسائر الوسائل الممكنة الأخرى ، وأمده الانكليز بالمال وجندوا في خدمته الرجال ، وهو يواصل مسعاه الخبيث وجهده الخائن ، لكن ذلك لم يجده ولم يجدِ أسياده فتيلا ، إذ لم يكن لفتواه سميع غير قومه ، وهم أقل من القليل إذا ما قيسوا بعدد المسلمين في مقاطعة البنجاب وحدها ، فضلا عما سواها من مقاطعات شبه القارة الهندية . وكان يفسر الآية الكريمة : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [السناء : 59 . ] بحسب ميوله الضالة ، ويؤكد على أن الانكليز هم أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم وحذر من مخالفتهم ، لغرض إسقاط فكرة الجهاد الاسلامي ضد الكفار ، وقد ذكر ذلك مباهيا وافتخر به في غير واحد من مؤلفاته ، وكان من جملة تصريحاته الوقحة قوله :
" إني منذ الصغر إلى أن بلغت ستين سنة من عمري كنت أحاول في محاضراتي ومقالاتي أن أخلق الحب والولاء للانكليز في قلوب المسلمين ، وأن أحملهم على التخلي عن الجهاد ضد المحتلين الانكليز " ، [تبليغ الرسالة 7 / 10 .]
وقوله :
" وجب على كل مسلم ومسلمة تقديم الشكر إلى هذه الحكومة ، وحرام على كل مؤمن مقاومتها بنية الجهاد ، وما هو جهاد بل هو أقبح أنواع الفساد " [مواهب الرحمن / 25 . ]
وقوله :
" لقد خطوت أكبر مرحلة في حياتي في نصرة الدولة البريطانية والدفاع عنها وألفت كتبا كثيرة أحرم فيها الجهاد ضدها ، لو جمع كل ما كتبته في هذا الصدد لبلغ خمسين كتابا ، ووزعت هذه الكتب كلها في جميع أقطار العالم مثل الجزيرة العربية والشام ، وكابل ومصر ، وبلاد الروم - يقصد تركيا - " [ترياق القلوب / 15 .] ، إلى غير ذلك مما يصعب استقصاؤه .
فهل يحتاج الإنسان - بعد هذه الصراحة والصلافة إلى ما يوضح له أسباب احتضان الانكليز له وتعلقهم به في حياته ؟ ودعمهم وتمويلهم لاتباعه بعد وفاته ؟ ومساعدتهم على الانتشار لتخريب العقائد والديار ؟
فالمسألة في غاية الوضوح ، والمساجد والجمعيات الدينية التي يشيدها القاديانيون في مختلف البلاد - ولا سيما في الغرب - بؤر جاسوسية ومراكز هدم ، والواجب على الغيارى من أبناء المسلمين محاربتها وتقويض أركانها ، لا سيما في أوروبا وأمريكا فإنها أشد ضررا ، لأنهم في البلاد الإسلامية وديار الشرق معروفون ومعزولون من قبل معظم أهلها ، لكن الغربيين لا يعرفون أسرارهم ونواياهم وإنما يأخذون فكرة مشوهة عن الإسلام بواسطتهم ، إذ يدسون السم في العسل ويفسرون القرآن حسب مشتهياتهم ووفق رغباتهم ، مما يضر بتفاهم الأمم والشعوب ورسل الأديان ، كما مرت الإشارة إليه في التقديم .)
انتهى ما اخترناه من مقدمة السيد محمد حسن الطالقاني رحمه الله.

وساضع بعد ذلك الحوار بين السيد محسن الامين وبين زعيم القاديانية ، ليعرف الاخ السني ما يثير العجب باختراق هذا المذهب الانجليزي للوجود السني .
وهنا ادعو جميع الاخوة الشيعة لأن يقيموا اتحادا مع السنة غير المتلوثين بالاستعمار والجريمة لكشف هذه المبادئ الهدامة، وتحويل الحوار السني الشيعي الى حوار تفاهم وبيان الكذب والتدليس على الاسلام الحقيقي وكيف فعل السلاطين ما فعلوا لتدمير الكيان الاسلامي سواء كان بدافع شهوات الحاكم او بالتخادم مع الغربيين.




تتمة الخاطرة الخامسة


لقد وعدت ان اضع المناظرة هنا بين السيد محسن الامين رحمه الله وبين زعيم القاديانية في وقته نجل القادياني نفسه من اجل أن يتوضّح للمسلم كيفية عرض هؤلاء لآراءهم وافكارهم وطريقة نقاشهم ، وسأفعل الان هذا ولكن قد رأيت أن اكتب لها مقدمة عامة.

اكرر القول : أليس غريبا أن ينتشر مذهب بين اهل السنة يدّعي اصحابه انه اسلامي مع ان قائده يدّعي النبوة ثم يدّعي تلبس شخصيات متغايرة مثل كونه المهدي المنتظر وكونه المسيح وكونه المجدد للدين على رأس كل مائة .
فلا يحق لمسلم أن يؤمن بنبوة غير النبي محمد ص، ولا يحق لأحد ان يكذب ويدعي بأنه المهدي الذي سيملأ الأرض عدلا ويعم حكمه الارض، ولا يصح أن يدعي المدعي مع كونه من امة محمد أنه المهدي من دون ان يكون من ذرية محمد من ولد فاطمة ، وإذا كان هو المهدي فلا يصح أن يدعي بأنه المسيح للتغاير القطعي بين الشخصيتين ، ولا يصح أن يكون المسيح ليس عيسى بن مريم وانما احمد القادياني الهندي . فهذه مختلفات لا يصح معها قبول أي قول مهما كان في لسان صاحبها من عسل يسرقه من الآخرين.
وللاسف هذا هو جوهر دعواه .
وتبريره بالحديث المكذوب بأن ليس المهدي الا المسيح وهو حديث باطل موضوع. أو أنه لا بد من وجود مجدد على رأس كل قرن مع انه لم يكن على رأس قرن لا هجري ولا ميلادي ، وهو لم يجدد شيئا لا في الفقه ولا في الدين ولا في العلوم وانما خلط الاشياء وسرق اقوالا وافكارا شوّهها ودفعها بعكس اتجاهها. فأين التجديد؟

كل أدلته اما احاديث مكذوبة أو تفسيرات للقرآن مضحكة وخلاف اصول اللغة والتفسير. ولكنه يلبس على الناس دعاوى مثل أن اللغة كذلك أو المقصود الرباني هو ذلك، من دون دليل قطعي .
وهنا سأطرح سرقتين لهذا النبي المزعوم :
الأولى: هو العلم اللدني وصحته وعلاقته بالنبوة.
والثانية: هي عدم الرضا على تفسير المفسرين بمحتملات تضيّع النص القرآني وتبعده عن الفائدة اصلا .
هذان قولان يقول بهما المسلمون الاوائل وهما صحيحان على الاجمالي، وقد قال اهل البيت بأن العلم اللدني موجود لعباد الله، وهو منحة الهية يهبها لمن يشاء ، كما ان علوم الغيب بمعنى قراءة الافكار وغير ذلك لا شك بوجودها سواء بالرياضة او السحر وهذه لا تحتاج الى علم لدني وانما هي ظاهرة كونية وشيطانية يمكن التعامل معها.
القادياني اكتشف المكتشفات الواضحات من القدم ، حين قال بأن تحديث الملائكة والعلم اللدني لا يستلزم ادعاء الرسالة ! فهذا من المسلمات في مذهب الشيعة وهم يحاربون اهل الضلال عليه منذ زمن رسول الله ص وقد أمن اصحاب رسول اللخلص بملكات علي وعلمه اللدني وهو ليس بنبي قطعا.
ولكن المشكلة في الاستدلال بهذه الحقيقة على كون القادياني نبي ، وهذا من المضحكات ، وفي الحقيقة ان جوابه بعدم استلزام ادعاء الإلهام والحديث مع الله بدعوى الرسالة هو جواب تخلصي حين رأى ان المسلمين اجمعوا على ردته فاخترع هذا الجواب الصحيح في حد ذاته، ولكن ما علاقة هذا الجواب بادعائه انه نبي يوحى اليه وانزل عليه كتاب مقدس، اختلق هو كتابا مقدسا؟
فهذا اول مظاهر الدجل .
لو كان ادعاءه للنبوة لا تعني انه النبي كما ادعى مؤخرا ان نبوته ظلية أي نبوة داخل نبوة الاسلام التي لم يسمع بها احد من الاولين والاخرين ، فلماذا يجهد ويجاهد لاثبات عدم خاتمية النبي محمد واثبات نبوته هو نفسه؟
انه يصر ويؤكد عدم خاتمية النبي محمد ص ويأول كلمة الخاتمية بالزينة من الخاتم بمعنى المحبس الذي هو زينة في الاصبع .
أليس هذا الاصرار يدل على انه يريد من نبوته عدم توقف النبوة وأنه نبي حقيقي جديد ، ولكن الظرف الأمني حين وقف حائلا دون نموه في المجتمع انقلب فبلع افكاره ، وادعى أنه لا يقصد بالنبوة النبوة المستقلة وانما يقصد الظلية مع توفر كل خصائص النبوة والرسالة خصوصا التوصية بجمع اموال المؤمنين له من الله، وانه لا يقصد بالنبوة الرسالة وانما يقصد بها الإلهام وما شابه ذلك بينما هو قد اوجد احكاما وأمورا جديدة لا يعرفها السملمون وعلى اقل تقدير أهل السنة انفسهم، بينما هذا كله دجل وكذب وهو يريد انه نبي من الله وان عنده كتابا من الله وان النبي محمد لا يكون اخر الأنبياء وانما هناك انبياء بعده ، وهو من هؤلاء الأنبياء فاتحا الطريق في الاسلام امام الدجالين ليكذبوا بما يشاءون من دعاوى النبوة والتفسير المنحرف.
فلماذا يسمي نفسه نبيا اذا كان هذا تفسيره للنبوة ؟
فهو اذاً ولي من الاولياء كما يقبل هذا التعبير كل المسلمين تقريبا عدا من يدعي المادية منهم ومن لا يقبل الا الحس.
ولماذا يؤكد على عدم انتهاء النبوة؟ ويحرف معنى الخاتمية ويغفل ويتناسى تفسير الرسول نفسه للخاتمية بقوله: (لا نبي بعدي) بشكل متعمد مع أنه من صحاح الأحاديث؟؟
كلما يريد ان يرقّع فكرته يفتق فتقا جديدا لا يستطيع رتقه ، لأن دعواه دجلية واضحة، وافكاره تقلّب لطيف من قِبَل ذكي يلعب بعقول البسطاء والجهلة .
والنقاش في موضوع نبوته وتقلباتها لا ينتهي لكثرة فروعها وكثرة عجائبها واكاذيبها.
والآن نأتي الى سرقته الأخرى التي اعجب بها الجهلة من المسلمين من حملة الشهادات وغيرهم.
ادّعى أن كتب التفسير باطلة لأنها تضيّع معاني القرآن ، ولا بد أن المراد واحد او متقارب وليس المراد هو المتناقضات من المعاني للنص الواحد.
هذه الدعوى صحيحة وهي مذهب اهل البيت ع وهم القائلون بحرمة التفسير بالرأي ، ولهذا فان الشيعة لا يعترفون بالتفاسير حتى التي يكتبونها ، وانما يحيلون التفسير الى قائليها ولا يعتبرونه تفسيرا حقيقيا وانما هو استظهار من اللفظ او دعوى صاحب التفسير مثل ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير ذلك عدا ما يثبت من المعصوم كالنبي نفسه او المعصومين من ذريته. والباقي انما هي احتمالات منسوبة لقائليها لا يمكن تسميتها بالتفسير الحقيقي وانما قد تسمى التفسير بالرأي وهي من المحرمات عند الشيعة أو أنه تفسير الفاظ وفق معطيات اللغة، وهذا هو تفسير ما لا يفهمه اغلب الناس من سلوك كتب التفسير الشيعية، فإنها تكون في العادة كما لو كانت تفاسير سنية تروي عن عكرمة ومجاهد وقتادة والحسن البصري وغيرهم وذلك لأنه من التفسير بالرأي المحرّم بنصوص أهل البيت ع ، وعلى المفسر الشيعي ان ينسب القول الى اصحابه او قائلية ولو كانوا مجهولوين كما في قولهم ( وقيل) وغيره للتخلص من المسؤولية الشرعية لأن التفسير بالرأي محرم عندهم، المهم عند المفسر الشيعي هو نفي ما يراه من باطل ظاهر أو اثبات ما لم يثبتوه من كلام المعصوم. وهذا الامر لا يعرفه حتى بعض المثقفين الشيعة في الغالب وهو تفسير هذه الظاهرة.

ولعدم الاسترسال في البحث التخصصي نرجع الى تصرف القادياني فأن كل ما قام به هو اختيار التفاسير المقبولة خصوصا ما كان من اختيار الشيعة والمعتزلة مع رفض المحتملات الأخرى، وادعى انها هي مقصود الله بالذات، وفي الغالب انه اختار المعاني التي اختارها الشيعة والمنزّهة من المسلمين ، وكانت الوجه المشرق لتفسيره المزعوم، ولكن بقية التفسير ما هو الا لعب بالالفاظ ، وتفسير مضحك بشكل عجيب غريب ، كما سمعت بنفسي امامهم الحالي يفسّر معنى (مرج البحرين) بان المقصود به قناة بنما وقناة السويس وهذا عنده من المعاجز وادعى ان هذه المعجزة وقعت في زمن القادياني فهي اشارة الى نبوته، وحين سؤل عن قوله تعالى المتمم (هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج) و قيل له : هناك تأكيد على معنى البحرين بمعنى الماء العذب والملح الاجاج بقوله ( ما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها) قال: هذه ليس لها علاقة بالاولى والمقصود أن ملوحة البحر الاحمر غير ملوحة البحر الأبيض المتوسط ولكن طعم سمكهمها واحد لا يتغيّر وهذا من المعاجز الدالة على عظمة القرآن وعلى نبوة القادياني لأنه انتبه لهذه الحقيقة الكبرى (صلوا على محمد وآل محمد لهذا العلم العجيب) .
فبكل سهولة فكك النص وادعى دعاوى لا علاقة لها بالتفسير وادعى انه تفسير الله لكلامه. وهذا عين الفسق بل الكفر حيث انه تقوّل متعمد على الله.
على ان تفسيره اقرب الى الطرافة والمهزلة منه الى التفسير، رغم الوقار الذي يتسم به النبي أو خليفة النبي بسلوكه وحديثه. فيمكن لكل من يريد ان يتفكّه ان يراجع تفسيراتهم القريبة من هذا ، فقد كنت مرة اسمع تفسيرات نبيهم الحاضر فكان جل وقتي هو الضحك على المفارقة بين الخرط وبين الوقار المصطنع.

فمن كان بهذا المستوى من الدجل كيف يُقبل في المجتمع المسلم وينمو بشكل كبير بين أهل السنة وبين مثقفيهم واساتذتهم والدفاع عنه بشكل مستميت ؟
ان من يرى دفاع المستجدين بالايمان به وكأنهم كانوا في زمنه والذابين بين يديه ، خصوصا الدفاع عن اكاذيب القادياني حين كان يدّعي المباهلة مع النصارى وحين ادعى مرة ان القس النصراني سوف يموت خلال السنة ولم يمت في تلك السنة، فقال ان الله اخبره بان النصراني تاب في قلبه ولا يستطيع الافصاح عن توبته امام الناس فلهذا اخر الله موته ، وبعد سنة او سنتين مات القس فقال القادياني ان موته بسبب مباهلته ، ونسي أنه تاب ومن تاب تاب الله عليه، فقد حضرت برنامجاً بحدود الساعة لتحليل هذه المعجزة وتبيان سبب المشكلة التي وقعت في تأخير موت القس النصراني بعلوم إلهية عجيبة وعلم مباشر من الله بما جرى، وكلها تبريرات لأكاذيب ، وكلها جمل وكلمات متناقضة ، لا يمكن ان تصدر من عاقل فكيف وهؤلاء من المثقفين المعروفين باصولهم السنية ؟ واغلبهم من الاحزاب الحركية الاسلامية وبعضهم كان مرتدا اصلا من التسنن الى الوهابية فانقلب تنويره الوهابي الى تنوير قادياني والعياذ بالله من العاقبتين.
بعضهم يبرر ذلك بقوة المال ، وهذا يصح في الوهابية الملطخين بالسحت ، ولا اعتقده يصح بشكل تام في القاديانية في العالم العربي. فالوهابية يستمليون كل فاقد دين ومنغمس بالشهوات الى الوهابية من أي مبدأ او دين كان بالمال بعد الحثور على البترول سواء كان المائل سنيا او شيعيا او مسيحيا وقد رأيت بعيني نماذج منهم من الساقطين اخلاقيا الذين تحوّلوا بقوة الريال والدولار الى وهابية متعصبين لا يعرفون شيئا عن اصولهم بل هم وهابيون من الاساس لأنهم منغمسون بالفسق والفجور ولم يذوقوا حلاوة الاسلام قط. وبعض النساء يستميلونهن بقوة الحركة الجسدية وقد حدث امامي ورأيت من المشاكل ما لا يمكن الافصحاح عنها. ولكن لا اعتقد ان هذه هي نفسها الطريقة للقاديانية في العالم العربي وان كانوا متهمين بها في اوربا وفي الهند. لأن اموال القادياني من الدول الغربية وهي محدودة الى حد ما وليس من السؤقات لبترول المسلمين الذي يؤخذ بغير حساب ولا كتاب.
وعلى كل حال فمن بنى سلوكه على الدجل لا يبعد منه شيء كهذا لو كانت مصلحته به ، ولكن الغرابة في الدفاع المستميت من قبل مثقفين سنّة عن دجل وكذب لا يحتاج الى عقل عبقري ليتمكن من ادراك هذه الأكاذيب والسرقات والافكار الدجلية.
والكلام عن عجائب وتفسيرات وعقائد القاديانية لا ينتهي لكثرة الكتب والكلام الذي يخلطون فيه الحابل بالنابل.

وقبل أن اورد المناظرة وجدت قصيدة لطيفة وطريفة وساخرة للمرحوم مصطفى صادق الرافعي تحت عنوان ( مسيح الهند ) منقولة عن مجلة المنار - المجلد السادس من الصفحة 607:

عثرت في سيرها الأيام *** أم هو الدهر هكذا والأنام
أهله بين ذي هدى وضلال *** ولياليه ذو سنا وظلام
وأرانا بمدة العمر نشقى *** وعدو المسومات اللجام
ليس كل الذين تبصر ناسا *** إن بعضا من الطيور الحمام
ولكل الوري رؤوس فإن لم *** يكن العقل كانت الأوهام
إيه ( يا هند ) عن مسيحك ما *** زالت وزالت ببيتك الأصنام
كان في جسمك الوباء فقد دب *** إلى العقل بعد ذاك السقام
ضلة للفتى ومن تبعوه *** أشرق الصبح والقبور نيام
مسحته الجنان أم مسخته *** وتولاه جلجل أم عزام ( 1 )
وأتته الأقوام تترى ولا غر *** و على الجرح للذباب ازدحام
وإذا كان في الرؤوس ضلال *** وقفت عند قصدها الأقدام
نسخ السيف ذلة ورياء *** وجدير بناسخيه الحسام
أيهذا المسيح إن الليالي *** في نبيها من الزمان سهام
وأرى الدهر كالوغى وقديما *** كان بين الأنام هذا الخصام
فارفع الأرض فوق قرنيك وأمر *** يملأ الأرض بعد ذاك السلام
أو فعد للسماء إن الشياطين *** عليهم باب السماء حرام
وتحد الوري بسخفك أو *** سجعك إن الكرى له أحلام

هامش : (1) [جلجل وعزام اسمان من أسماء الشياطين .]




المناظرة مع أتباع المسيح المهدي


نص المناظرة التي جرت بدمشق بين غلام أحمد قادياني الهندي والعلامة السيد محسن الأمين الحسيني العاملي رحمه الله ، وقد نَشَرَتْ هذه المناظرة مكتبة الرشاد بدمشق سنة 1343 ه‍ / 1924 م :



بسم الله الرحمن الرحيم


( المهدي المسيح القادياني )



قد كان ظهر في بلدة قاديان من بلاد الهند رجل يسمى غلام أحمد قادياني ادعى أنه المسيح ، ثم مات ، وبهذه الأيام جاء إلى دمشق نحو من اثني عشر رجلا من الهنود بينهم رجل يسمى (بشير الدين بن غلام أحمد) المذكور يدّعي أنه خليفة أبيه الذي هو المهدي والمسيح معا ، فزرناهم في فندق سنترال يوم الجمعة سابع المحرم سنة 1343 واجتمعنا بثلاثة منهم هم المشار إليهم ، بينهم أحدهم خليفة المهدي والمسيح ، والآخر يقولون إنه كان مجوسيا وأسلم ، وهما يلبسان عمامتين كبيرتين بيضاوين ، والثالث مكفوف يرى بإحدى عينيه قليلا يسمى روشن علي حافظ يلبس عمامة زرقاء ، وهو معلم مدرسة الارشاد عندهم ويحفظ القرآن أو أكثره عن ظهر القلب ، وكان الخليفة يسأله عن الآية التي تغيب عن حفظه فيجيبه ،
فاجتمعنا أولا بالذي قالوا إنه كان مجوسيا وأسلم ، وفي أثناء ذلك خرج وقال : قد دعيت وهذا يقوم مقامي وأشار إلى الأعمى.
وأخيرا اجتمعنا بالخليفة وهم يتكلمون بالعربية الفصحي بكل هدوء وسكون على نسق واحد لا يتغير ، ولكنهم يطيلون المقدمات ، وإذا ظهرت عليهم الغلبة انتقلوا إلى مطلب آخر ، فلما حضرنا .
قال أحدهم : ماذا سمعتم عنا ؟
قلت : سمعنا أنكم تدعون إلى شئ جديد ، فجئنا لنظر إن كان حقا اتبعناكم عليه .
فقال : لسنا ندعو إلى شئ جديد إنما ندعو إلى دين الإسلام والعمل بالكتاب والسنة ، والإيمان بأن ميرزا أحمد قادياني هو المسيح والمهدي الموعود به في آخر الزمان ، والمشار إليه بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " فالمجدد مرة يكون نبيا كمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومرة يكون عالما ، ومرة يكون مهديا ومسيحا كأحمد، وتفرقت كلمة المسلمين بعثه الله لإصلاح ذلك ، وهو يوحي إليه كما يوحى إلى الأنبياء .
أما خليفته الحالي فكنا سمعنا ممن معهم في الفندق أنهم يقولون يوحي إليه أيضا ، فلما سألناهم أنكروا ذلك .
وقالوا : لا يوحي إليه وإنما الوحي إلى أحمد قادياني الذي هو المهدي والمسيح ، وأن تفسير القرآن والحديث هو كما يفسره مهديهم ومسيحهم لا كما يفسره الناس ، وأن عيسى قد مات ولم يرفع إلى السماء ، وإلا لصحت حجة النصارى بأن عيسى أفضل من محمد ، لأن عيسى رفع ولم يمت ومحمد مات ولم يرفع .
( فقلنا ) له : الفضيلة لا تنحصر في هذا ، مع أن مجرد طول العمر ليس فضيلة وأن محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عرج به إلى السماء .
فأنكر الخليفة أن يكون أسري به إلى السماء.
وقال : إن القرآن لا يدل إلا على الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
فقلنا له : قد ثبت ذلك بالسنة.
( وقال ) الخليفة : إن إحياء الموتى في الدنيا لم يقع أصلا لنبي ولا لغيره ، واحتج لذلك ببعض الآيات كقوله تعالى : ( قال رب ارجعوني - إلى قوله - كلا ) [ المؤمنون / 99 ] وغيرها وأن مثل ( أو من كان ميتا فأحييناه ) [ الأنعام / 122 ] . وغيره يراد فيه من الموت الجهالة ومن الإحياء الهداية .
فقلنا له : يجب حمل اللفظ على حقيقته ، ولا يجوز العدول إلى المجاز بدون قرينة ، فلم يقدر على إثبات القرينة .
قال : وكذلك ما ورد في القرآن في حق عيسى من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص يراد به ذلك ، وإلا كان عبادة لعيسى كما قال تعالى : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا ) [ الزمر / 3 ] قال : ذلك خليفة المهدي .
فبيّنا له الفرق بأنا لا نقول أن عيسى هو أحيى الموتى بل الله أحياها كرامة له ، وأين هذا من السجود للأصنام لتقربهم إلى الله .
واحتج الخليفة لذلك بقول عمر عند موت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إن محمدا لم يمت وأنه رفع إلى السماء وسينزل ويقتل المنافقين ، وقول أبي بكر : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، فبيّن أن ادعاء رفعه إلى السماء عبادة له ، وإلا فما كان عمر يعبد محمدا ، ولذلك قال له أبو بكر ما قال ( فانظر واعجب ).
فبيّنا له خطأه في ذلك ، وأن المراد من كان يعبد محمدا على سبيل الفرض والتقدير
( وقال ) : إن قوله تعالى : ( أو كالذي مر على قرية ) [ البقرة / 259 ] الآية لا يراد بالإحياء فيها الإحياء الحقيقي .وأنكر أن يكون عزير مات ثم أحيي .
وقال : إن كل إحياء في القرآن يراد به الهداية بعد الضلال .
فاعترضه بعض الحاضرين بقول إبراهيم ( عليه السلام ) ( رب أرني كيف تحيي الموتى ) [ البقرة / 260 ]
فقال: وكذلك هنا المراد الهداية.
( فقلت ) له : وهل كان إبراهيم مبعوثا لهداية الطيور ؟؟؟ فلم يحر جوابا .
( وقال ) الخليفة : إن محمدا لم يكن خاتم الأنبياء بمعنى آخرهم بل بمعنى زينتهم من الختم بمعنى الطبع ، واحتج لذلك بحديث نقله عن بعض الكتب ، أن عائشة قالت : قولوا : خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده ، وفرق بين خاتم بفتح التاء وخاتم بكسرها.
فاعترضنا عليه بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " [تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص 11]
فقال : معناه لا نبي في حياتي كما كان هارون نبيا في حياة موسى ، وهذا حتى لا يتوهم الشيعة أن عليا نبي بعد محمد.
فقلنا: لا يصح استعمال بعدي بمعنى في حياتي في لغة العرب ، فلم يكن عنده جواب مرضي .
وسألناهم: عن دليلهم على ما يدعونه من أن أحمد قادياني هو المهدي المسيح.
فاستدلوا بأشياء :
( منها ) أنه كان من أول عمره صادقا لم يكذب ، فحينما ادعى ما ادعى وجب تصديقه ، كما أن محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما بعث قال : لقريش : " أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم وممسيكم ما كنتم تصدقونني ؟ قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". [مجمع البيان ، ج 7 - 8 / 323 ( سورة الشعراء ، الآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) )]
فقلنا له : ( أولا ) من أين لنا العلم بأن مهديكم كان صادقا في أول عمره ؟
قال : نحن نخبركم بذلك ألا يكفي هذا لكم ونحن عدد كثير ؟
فضحك الحاضرون.
( وقلنا ) : لا يجوز في قانون القضاء أن يكون الخصم شاهدا.
( وثانيا ) هذا على فرض صحته لا يفيد إلا الظن ، وكم قد رأينا من يكون في أول أمره صالحا فيفسد في آخره أو بالعكس.
( ومما استدلوا به ) أنه قد ظهرت المعجزة على يده، فإنه كان لا يعرف العربية فدعا الله تعالى فعلمه إياها في ليلة واحدة ، فصار يتكلم بالعربية الفصحي ، فكان حال هذه الحجة حال ما تقدم.
وقال أحدهم : بما تستدلون على نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )؟
فقلت له : بالمعجزات.
فقال : وهل رأيتموها ؟
قلت : نعم .
قال : ما هي ؟
قلت : القرآن .
قال : والمهدي قد جاء بكلام معجز من إنشائه ( فيكون أقدر من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأن القرآن المعجز من كلام الله تعالى لا من كلامه ).
قلت : أسمعنا شيئا منه لننظر هل هو معجز.
فتلا علينا من حفظه ما يلي:
( من الفتن العظمى والآفات الكبرى ، صول القسوس بقسي الهمز واللمز كالعسوس ، وكل ما صنعوا لجرح ديننا من النبال والقياس بنوه على المكائد كالصائد لا على العقل والقياس ، نبذوا الحق ظهريا وما كتبوا في ما دونوا إلا أمرا فريا ، وقد اجتمعت هممهم على إعدام الإسلام ، واتفقت آراؤهم لمحو آثار سيدنا خير الأنام ، ويدعون الناس إلى اللظى والدرك ناصبين شرك الشر ، فما نالوا جهدا إلا بذلوه ، وما وجدوا كيدا إلا استعملوه ، واستحرت حربهم ، وكثر طعنهم وضربهم ، وجالت خيولهم وسالت سيولهم ، حتى جمعوا عساكر الالحاد ورفعوا رايات الفساد ، وصبت على المسلمين مصائب ، وخربت تلك الربوع وأهديت لسقياها الدموع ، فحاصل الكلام أن الإسلام ملء من الآلام وأحاطت به دائرة الظلام ، ورأى الزمان عجائب في نقض أسواره ، وأسالت ( هكذا بتاء التأنيث ) الدهر سيولا لتعفيه آثاره ، وأكمل القدر أمره لاطفاء أنواره ، ولما كان هذا من مشيئة ربانية مبنيا على المصالح الخفية ، فما تطرق فما تطرق إلى عزم العدى خلل ، ولا إلى أيديهم شلل ، ولا إلى ألسنتهم فلل ، فكان من نتائجه أن الملة ضعفت ، والشريعة اضمحلت ، وكثر اللغو وذهب المعارف ( وههنا أراد الكتاب تصحيحها وذهبت بالتاء فقال لهم ليس فيها تاء ) حتى أنكرها العارف بأخت أضوائها ، وناءت أنواؤها وديس الملة ( وهنا أيضا أرادوا تصحيحها وديست بالتاء فأبى عليهم ) وطالت لأواؤها ، فكان هذا جزاء قلوب مقفلة وآثام صدور مغلقة ، ترى أكثر المسلمين فقدوا تقواهم ، وأغضبوا مولاهم ، وملك فؤادهم حب الأملاك والعقار والنسوان ) .
وتلى علينا من الوحي الموحى إلى المهدي المسيح ما يلي :
(إني أنا الرحمن ناصر حزبه * ومن كان من حزبي فيعلو وينصر كل بركة من محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتبارك من علم وتعلم ، يأتيك من كل فج عميق ينصرك رجال نوحي إليهم من السماء ، وحان أن تعان وتعرف بين الناس .)
وقال : قد أنزل عليه أيضا وحي بالفارسية والهندية ( لسان أردو ) وأرونا مجموعة مطبوعة فيها أشعار أوحيت إليه بالفارسية.
وكان معنا أصحاب الجرائد وكلهم أخرجوا أقلامهم وجعلوا يكتبون الكلام المعجز والوحي المنزل.
فقلت له : إن هذا الكلام ركيك ولا يبلغ حد الفصاحة والبلاغة فضلا عن الاعجاز .
فقال : قد قالت قريش في حق القرآن لو نشاء لقلنا مثل هذا.
قلت : نحن عرب قد أتقنا العلوم العربية ومارسنا كلام فصحاء العرب ، ونرى هذا الكلام ساقطا ، وهؤلاء محررو الجرائد قادرون على أن يكتبوا أعلى منه بطبقات ، فنحن الآن ننشئ لك ما هو أحسن منه وقريش وإن قالت ذلك فإنها عجزت عن المعارضة وأرادت أن تعارض ( في القصاص حياة ) فقالت : القتل أنفى للقتل فكان بينهما تفاوت كثير.
فقال : ومن ذكر هذا.
قلت : ذكره علماء المسلمين ومنهم صاحب المطول.
ومن أدلتهم على أنه المهدي المسيح قوله تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) [ الحاقة / 44 ] الآية دلت على أن من يتقول على الله يهلكه الله ولا يتم له مراده ، وهذا لم يحصل له ذلك.
فقلت لهم : المذاهب الباطلة في الدنيا كثيرة وكلها تقول على الله ، وقد دامت ولم يهلك أصحابها.
قالوا : هذا خاص بمدعي النبوة.
فقلت : لا تخصيص بل يعم كل متقوّل.
( ومما استدلوا به ) ما قالوا أنه رواه ابن ماجة ( لا مهدي إلا عيسى ) فيدل على أن عيسى والمهدي واحد وهو أحمد القادياني.
فقلت لهم : إن صحت الرواية دلت على عدم وجود المهدي ، لا على اتحاده مع عيسى ، ولا أنه أحمد القادياني.
وقلنا لهم : إن المهدي إذا ظهر يملأ الأرض قسطا وعدلا وأنتم تقولون أنه ظهر مهديكم على رأس مائة سنة لإصلاح الإسلام ، ونحن نرى أنه من يوم ظهوره للآن قد تأخر الإسلام ولم يتقدم ، وكثر ترك العمل بأحكامه ولم يقل.
قالوا : قد اهتدينا نحن بالمهدي وصلحت حالنا.
قلنا : فهل المهدي المسيح مبعوث إليكم خاصة ، أو أنتم عبارة عن المسلمين ، أو عن العالم كله ؟
وسألهم بعض الحاضرين إن من يتبعكم ما يجب أن يصنع.
فتلوا علينا ( صورة البيعة التي يأخذونها على من يتبعهم ). وهي الإقرار بالشهادتين والتوبة من كل ما سلف منه ، وأن يفدي نفسه وماله في سبيل الإسلام ، وأن يصدق بكل ما جاء به المسيح المهدي ، ومعهم كتب من تأليف المسيح المهدي الذي قالوا أنه ألف ثمانين كتابا عرّب منها أحد عشر والباقي أردو ( لسان الهند ).
وقلنا لهم : إن عيسى بن مريم اسمه عيسى وأمه مريم وليس له أب ، وهذا اسمه أحمد وأبوه فلان وأمه فلانة من أهل قاديان.
قالوا : إن عيسى ابن مريم قد مات وهذا على قدم عيسى ، كأنهم يعنون أنه قائم مقام عيسى وبمنزلته ، أو أن روح عيسى حلت فيه. ؟؟؟؟
ومما قاله الخليفة احتجاجا على أن محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاتم النبيين وليس آخرهم قوله تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) [ الأحزاب / 40 ] وقال في مقام آخر ( إن شانئك هو الأبتر ) [ الكوثر / 3 ] والأبتر الذي ليس له عقب ، فهذه دلت على أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليس بأبتر أي أن له أولادا ، وتلك دلت على أنه ليس بأب لأحد ولكن خاتم النبيين ، فيكون المراد أنه ليس بأب لأحد بالولادة ولكنه خاتم النبيين الذين يأتون بعده فهو بمنزلة الأب لهم.
فقلنا له : هذه الآية نزلت في واقعة خاصة بالنسبة إلى زيد بن حارثة الذي كانوا يقولون إنه ابن محمد.
فقال : أنتم لا تفهمون كلامي ثم تردون علي.
فقلنا له : قد فهمنا كلامك ، ولكن أنت حينما ترى أنه لا جواب لك تراوغ.
والذي ظهر لنا أنهم يضارعون البابية في تسويلاتهم.
فالبابية يقولون بظهور المهدي وبظهور صاحب الزمان نظير قول هؤلاء بظهور المهدي المسيح.
والبابية يتشبثون ببعض الأخبار والآيات التي يؤولونها وهؤلاء كذلك ، سوى أن البابية يجاهرون بتغيير الشرع السابق محتجين بحديث أن المهدي إذا ظهر جاء بشرع جديد ، وهؤلاء يقولون نحن على دين الإسلام وعلى الكتاب والسنة سوى أنه يجب أخذ التفسير من المهدي ، فيغيرون الشرع بهذه الحيلة مستترين بقولهم : أولا إنا لم نأت بدين جديد وإنما نتبع شريعة الإسلام ، والبابية يهولون على الناس بأنه اتبعهم خلق كثير وملايين من أمريكا.
وهؤلاء قالوا : إنه اتبعنا مليونان في أمريكا وغيرها وكل ذلك تهويل.
نسأله تعالى العصمة من تسويلات الشيطان ومن اتباع الأهواء المضلة وهو ولي التوفيق . )

انتهى نص ما ذكر من المناظرة . وفيها صورة واضحة لهذا الدين الحنقبازي البهلواني. والحمد لله رب العالمين.




الخاطرة السادسة





مشكلة الأعور الدجال



عند منتقدي فكرة بقاء المهدي عجل الله فرجه الشريف




الدجال أو المسيح الدجال : صحابي ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم



وشارك في الفتح الإسلامي



غاب وسيخرج في زمن المهدي في آخر الزمان



وهو صائد أو صاف بن صياد .



هذه القضية , معضلة حقيقية , لمن ينكر إمــكان غيبة المهدي عليه السلام , فضلا عن وقوعها (1), وذلك لأنه يؤمن - بلا أدنى مجال للشك - أن المسيح الدجال , ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وصَحِبه, وأسمه صائد بن صياد , ويسمى - أيضا - صاف بن صياد . وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحذّر منه, وقد اختلط بالمسلمين , وشارك في الفتوحات , وقد فتحت مدينة ( سوس ) على يديه (2) , وبقي مع الأحداث , وقد اعتبر حديث صائد ابن صياد من الصحاح , كما اعتبر حديث الدجال المعروف , بحديث الجساسة - أيضا - من الصحاح , ولهذا فقد اخذ حيزا في الحديث , وفي الملاحم والفتن, وفي توصيف أشراط الساعة , وآخر الزمان , وزمن المهدي , والمسيح عليهما السلام , وغير ذلك , وقد قامت دراسات على هذا الموضوع , كلها تؤكد التسليم اليقيني , بشخصية الدجال, وكونه موجودا , وحيا , في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو باق إلى زمن ظهور المهدي , ليحارب المهدي عليه السلام , ويُقتل على يد المسيح عليه السلام , ومن جملة هذه الدراسات , دراسة الأستاذ سعيد أيوب , وهي دراسة ضخمة , بعنوان : ( عقيدة المسيح الدجال ) تقع في 596 صفحة , يبحث فيها , خبايا قضية الدجال , وقد حاول ربط واقع ما عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , في زمنه وبيّن ارتباط حركات صائد بن صياد , مع قضية الجساسة بنفس تفسير ابن حجر للظاهرة الغريبة , بأن الدجال في حديث الجساسة , هو نفسه صائد بن صياد , رغم اختلاف المظهر , والمكان , والزمان , باعتباره ساحرا , شيطانيا , يتمظهر بمظاهر متعددة , وقد ربط الأحداث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , بما ورد في حديث الجساسة , حيث ربط بين من قابل الدجال - ببلاهة - في رحلة تميم الداري , وبين كونهم أنفسهم , أعوان معاوية , والحجاج , والظلمة المزورين للإسلام, وربط بين كون الدجال ابن صياد في جيش أبي موسى الأشعري , وبين كون أبي موسى الأشعري يرتكب مخالفة النصوص الصريحة , التي بين يديه , ليقول نتركها لهوى الناس , فيتحكم الهوى , بما يدمر رسالة الإسلام , من الجذور .(3) وقد ذهب سعيد أيوب , إلى أن عدم استجابة لخم , وجذام , الموصوفتان بالعنجهية , والغباء , لدواعي الفتك بالمسيح الدجال , حين قابلهم بصحبة تميم الداري(4) , جعلتهم قادة , وجنود معاوية , كما قرره في الصفحة : 419 , من كتابه ( عقيدة المسيح الدجال ) .
وبقي الدجال - بحسب مروياتهم - حتى اختفى في موقعة الحرة , التي استبيحت فيها مقدسات المسلمين , وشرفهم , وشرف بناتهم العذارى العفيفات , اللواتي فقدن عذريتهن , بهجوم من يسمون أنفسهم بالمسلمين , بينما كان يقودهم المسيح الدجال , بالاتفاق مع أمير المسلمين .(5)
ولعل من يقرأ كتاب الأستاذ سعيد أيوب , يراه غارقا في الخيال , ولكن هناك حقيقة مهمة جدا , وهي التقاء الأسماء الواردة في الروايات بشكل محير , فلخم وجذام هم من كان مع تميم الداري , حين قابل الدابة الجساسة , وقابل الدجال فلم يتأثر أهل لخم وجذام , لا بمنظر الجساسة, ولا بمقالات الدجال , بينما تأثر تميم , وأسلم ( يبدو أن سعيد أيوب يبني على صحة رواية الجساسة ) .
وبعيدا عن هذه الرواية , فان لخم وجذام , هم مَنْ غدرَ برسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , في معان , وبعد ذلك تحالفوا مع الروم , لتكون معركة مؤتة الدامية للمسلمين , ثم شن عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حربا , في غزوة تبوك , فهربوا مع الروم , ولم يلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيدا , فعاد , ثم جهز لهم جيش أسامة بن زيد وبعث به , ولم ينفذه المسلمون , بحجج واهية , حتى انتقل صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى, وقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم من أولاد سبأ , ممن ( شأموا ) وقلّ حظهم في الدين , ومن ثم تحولوا إلى أنصار معاوية يقاتلون الحق , ويدافعون عن الباطل , وقد أسسوا أسس الخلل الإسلامي, من الأخذ بالقشور , وترك اللباب , فهم من اخترع الطرب على صوت الحجاج , حين يقرأ القرآن , بينما لا يكادون يفهمون من كلام الله حرفا , ويقتلون عباد الله المخلصين , ويفضحون أعراضهم بلا سبب حقيقي , إلا نصر القوة الغاشمة . فهذه الوقائع موجودة بالفعل , وهي تترابط بينها , وبين كون الدجال يقابلهم في قصة الجساسة , وكون صائد بن صياد , الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , كان في نفس الجيش , وفي نفس الاتجاه , فهذه الوقائع , لعلها جعلت من ربط المفاهيم , عند سعيد أيوب , أكثر وضوحا عند من لم تتوفر له .(6)
ولعلنا نظلم الأستاذ سعيد أيوب , إذا لم نقف مع الكثير من وقفاته المهمة بالفعل , فالربط بين كون الدجال في جيش أبي موسى الأشعري , وإن أهل الكتاب طلبوه بالاسم , والصفة , وبرهن لهم أنه الدجال , وفتح السلاسل , بمجرد غضبه , وبين إن أبا موسى الأشعري , هو نفسه من سلّم الحُكْم , إلى من يدعو المسلمين إلى نار جهنم بصريح النص النبوي , وكون هذا الجيش , الذي يدعو إلى النار , والفتنة , يتكون من نفس القبيلتين , اللتين قابلتا الدجال في حديث الجساسة , ببلاهة وتقبّل , فهذا الربط لقضايا مبثوثة في كتب التاريخ , والحديث , لهو ربط عقلاني , ومهما ابتعد خيال الأستاذ سعيد أيوب عن الواقع في الكثير من الروابط , ولكنه لم يبتعد - هنا - فهذه وقائع , تحـــتاج إلى تأمل شديد , وهي ارتباطات تتبين بنتائجها أكثر مما تتبين بوقائعها , ولكن الوقائع تفسر هذه النتائج المترابطة , بشكل عجيب .
ويبدو إن مشكلة الدجال , شكّلت معضلة فكرية , فقد تجاذب رأيهم بين أن يكون الدجال , هو صائد بن صياد , وبين أن لا يكون هو المسيح الدجال نفسه , وإنما الدجال هو ما ورد في حديث تميم الداري , من أمر الجساسة , وهذا الاختلاف يعود لسببين , الأول : هو غرابة الترابط بين الشخصيتين . والثاني : هو محاولة التخلص من قضية أساسية, وهي كون الدجال - دائما - في جند الباطل , وبما إنه مع أبي موسى الأشعري , الذي سلّم الحكم لمعاوية , وهو في جند يزيد يوم الحرة , والدجال قابل قيادات جيش معاوية , لخم وجذام , في زمن النبي , وبشرهم بانتصاره على الإسلام , وانتصار الباطل , فهو في الجانب الذي يراد تلميعه , وتغطية مساويه , بينما الدجال معهم – دائما- .
ونحن لا يهمنا هذا الاختلاف , فكلاهما سواء , إن كانا رجلا واحدا , أو رجلين , فهما أحياء في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كما تزعم الروايات الموثقة في الصحاح والمسانيد - وقد غابا عن الأنظار , فأما الذي في خبر الجساسة , فقد كان غائبا في زمن النبي نفسه , وأما صائد بن صياد , فقد غاب بعد موقعة الحرة , الفظيعة , التي هتكت حرمة الصحابة , وأحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , على يد حاكم يدعي الإسلام , ويأتم به المسلمون من أهل الأهواء .
اختلاف الشخصيتين - إذن - أو اتحادهما , لا يعني شيئاً بالنسبة لقضية الغيبة , وكذا قضية طول العمر , فكلاهما يشتركان بهذا من دون نكير , عند من ينكر قضية الإمام المهدي , الذي تواتر الخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , مع فارق بسيط , هو - وبحسب قصة صائد بن صياد - إن هذا الرجل أطول عمرا من المهدي عجل الله فرجه الشريف بأكثر من 250 سنة . بينما رجل الجساسة , أطول عمرا بكثير, فقد يكون الفارق أكثر من ألف سنة , ولكن الموازين العلمية , تقتضي أن يعتمد حديث صائد بن صياد , ولا يعتمد حديث الجساسة لأسباب تتعلق بالسند , وحديث ابن صياد , مجمع على صحته .
والغريب في الاختلاف , هو إن من يصر , على أن صائد ابن صياد , هو الدجال , إنما هم الصحابة أنفسهم , خصوصا , خاصة أحباب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , وبعض من يأخذ عنهم من الصحابة , بينما من يصرُّ على أنه ليس الدجال نفسه , بل هو دجال من الدجالين , هم من متأخري المتأخرين , من المقلدة والمتمذهبين المتعصبين , الذين يتبعون جيش من يدعو إلى النار , وقيادات لخم وجذام .
وللتنوير , بخصوص اعتماد الصحابة , لكون ابن صياد هو الدجال بنفسه , بالإضافة إلى ما تقدم , من قصة فتح السوس , التي يعتمدون روايتها , نورد - هنا - مجموعة من أحاديث صحيحة, تبين إن الصحابة , يصرون على أن صائد ابن صياد , هو الدجال بعينه :
من ذلك ما أخرجه الشيخان , البخاري , ومسلم , في صحيحيهما : قيل لجابر بن عبد الله : إنه أسلم . فقال : وإن أسلم . فقيل : انه دخل مكة , وكان في المدينة . فقال : وإن دخل . فقد أخرج الشيخان , عن محمد بن المنكدر , قال : رأيت جابر بن عبد الله , يحلف بالله إن ابن الصائد الدجال. قلت : تحلف بالله ؟! قال : إني سمعت عمر , يحلف على ذلك , عند النبي صلى الله عليه وسلم , فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم . (7)
وأخرج أبو داود , بإسناد صحيح , عن ابن عمر , أنه كان يقول : والله ما أشك إن ابن صياد , هو المسيح الدجال .(8)
ومما أخرجه الشيخان , البخاري ومسلم , في صحيحيهما , عن ابن عمر , إن عمر , قال : دعني يا رسول الله أضرب عنقه - أي ابن الصياد . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن يكنه , فلن تسلط عليه , وإن لم يكنه , فلا خير لك في قتله .(9)
وأصرح من ذلك , رواية ابن مسعود , في صحيح مسلم , بلفظ : > فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه , فإن يكن الذي تخاف , لن تستطيع قتله .(10)
ومما أخرجه مسلم , في الصحيح , عن نافع , قال : لقي ابن عمر , ابن صياد في بعض طرق المدينة . فقال له قولا أغضبه , فانتفخ حتى ملأ السكة . فدخل ابن عمر على حفصة , وقد بلغها . فقالت له : رحمك الله , ما أردت من ابن صائد , أما علمت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: إنما يخرج من غضبة يغضبها .(11)
ومما أخرجه مسلم , في الصحيح , عن أبي سعيد الخدري , إن ابن صياد , قال له : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو كافر ؟ وأنا مسلم , أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو عقيم لا يولد له ؟ وقد تركت ولدي بالمدينة , أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل المدينة , ولا مكة ؟ وقد أقبلت من المدينة , وأنا أريد مكة . قال أبو سعيد الخدري : حتى كدت أن أعذره .ثم قال : أما والله , إني لأعرفه , وأعرف مولده , وأين هو الآن . قال : قلت له تباً لك , سائر اليوم .(12)
وفي رواية أخرى , عند مسلم في صحيحه : أما والله , إني لأعلم الآن حيث هو , وأعرف أباه وأمه . قال : وقيل له : أيسرك أنك ذاك الرجل ؟ قال : فقال لو عرض علي , ما كرهت .(13)
ومما أخرجه الشيخان - أيضا - عن ابن عمر رضي الله عنهما , أن النبي عليه الصلاة والسلام , قال لابن صياد : تشهد أني رسول الله ؟ فنظر إليه ابن صياد , فقال : أشهد أنك رسول الأميين . فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله ؟ فرفضه . وقال : آمنت بالله وبرسله .(14)
ومن ذلك - أيضا - ما أخرجه الشيخان , عن ابن عمر : أن النبي عليه الصلاة والسلام , قال لابن صياد : ماذا ترى ؟ قال ابن صياد : يأتيني صادق وكاذب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خُلِّط عليك الأمر .(15)
ويلاحظ على الحديثين الأخيرين , أنهما لا يدلان على تسميته بالدجال , وإنما هما عرض لسلوك الدجال , ومراقبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له , و يدلان على توقف صائد ابن صياد في إعلان إسلامه , وإنه يخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , بلغة العدو , في وقت لا يتسنى ذلك لصبي أن يواجه نبيا , دانت له الجيوش , والأمم .
وأما الأدلة النافية , لكون صائد بن صياد , هو الدجال , فأغلبها من نوع التشويش , وعدم وضوح الرؤية . ولعله من قبيل نسبة تهمة النسيان - والعياذ بالله - لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فكما نسي ليلة القدر , فقد نسي الدجال , وحقيقته , وهذا ما يلفقونه مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فقد روى الطبراني في معجمه فقال (16) : > الفلتان بن عاصم , قال : أتينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فخرج , في وجهه الغضب . . . فقال : إني خرجــت إليكم , وقد تبينت لي ليلة القدر , ومسيح الضلالة , فخرجت لأبينها لكم . . . فلقيت بسدة المسجد رجلين , يتلاحيان , معهما الشيطان , فحجزت بينهما , فنسيتها< .
ومن المحتمل إن قصة حضور الدجال , في الفتوح الإسلامية , إنما هي قصة مفتراة , موضوعة, لا يخفى على المتعقل الغرض من وراءها , فهي تفتح الباب على مصراعيه , للتشكيك بأسس الرسالة الإسلامية المقدسة , فما هو دفاعنا - لو سلمنا بما جاء في هذه القصة الكاذبة - أمام من يريد أن يطعن بالرسالة , والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم , ويقول إنه هو الدجال - حاشاه - وإن جيوشه تفتح المدائن بالسحر , وبغضب الدجال , وضربه الأرض برجليه , وما إلى ذلك ؟ ! هذا مع علمنا إن النصوص التوراتية , أو التلمودية , لا تغفل ذكر الدجال , بل تذكره على إنه هو السامري , وإنه باق إلى يوم يقتله المسيح المخلص , في القدس , أو غيرها .
إن الاعتراف , والتسليم بأن صائد بن صياد , هو الدجال - حقا , وإنه كان موجودا في زمن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم , لا يعني - بالضرورة - صحة ما قيل , حول مشاركته في الفتوح , وإنه يفتح البلدان بالسحر , ولو صحت هذه الرواية , لوجدنا أنفسنا أمام إشكالين, ينبغي معالجتهما , بشكل مقنع :
الأول : كيف يصح لأفراد الجيش الإسلامي الفاتح , وهم - كما يفترض - خيرة المسلمين , من أهل الجهاد , والمرابطة , أن يقبلوا بوجود الدجال بينهم جنديا , يقاتل معهم ؟
الرواية لم تسجل - في هذا الصدد - اعتراضا إسلاميا واحدا , على مثل هذا الوجود , غير المرغوب فيه - قطعا !
والثاني : إن السهولة , واليسر , الذين تم بهما فتح أسوار المدينة , بتأثير الدجال , وسحره , ينبغي أن يشكلان ثقلا , وأهمية عسكرية , يستثمرها القادة , في فتوحات أخرى, أو يشكلان - في الأقل - دافعا للغبطة , والسرور , والفرح , في صفوف أفراد الجيش الفاتح , وهذا - أيضا - لم تسجله الرواية , ولم تشر إليه !
لا نجد - إذن - في طيات هذه الرواية , ولا في كتب التاريخ , ما يفسّر لنا كل هذا , بل على العكس من ذلك , نجد إن ذكر صائد بن صياد - الفاتح , والمستبسل في قتال الكفار , والمجاهد في أفراد الجيش الإسلامي - توقف نهائيا , حتى قيل إنهم فقدوا أثره , بعد واقعة الحرة , وهذا لا يتناسب مع ما حصل من تكسير سلاسل , أسوار السوس , وانتصار المسلمين , بالسحر ! كما يدعي سيف بن عمرو التميمي . ولهذا فهذه القصة , لا تضفي أي بعد ذي قيمة حقيقية للإسلام . ولكنها - في الوقت نفسه - تعطي الأعداء فرص نمو الخيال , وتزوير الحقائق , بالتمسك بقشة .
هذا الادعاء الباطل , أثار الأستاذ سعيد أيوب , ومن أجله , كتب كتابه ( عقيدة المسيح الدجال ) كما يصرّح , عدة مرات , فقد قال في المقدمة :
> لقد قرأت , وسمعت , إن المبشرين النصارى , يروجون في بلاد المسلمين , أكذوبة تقول: بأن محمد , نبي المسلمين , هو المسيح الدجال ! وبتتبعي لهذه الأكذوبة , وجدت بأن لها جذورا, عند القوم , ففي عام 1142 , كلف بطرس المكرم , بعض طلبته بترجمة القران الكريم , ومن ترجمة لاتينية , وضع بطرس موجزا لتعاليم الإسلام , وكان يعتبر إن محمدا هو المسيح الدجال (منتجمري وات 100 - 105 - فضل الإسلام على الحضارة ) وبطرس هذا , هو أسقف دير كلوني ( يوشع براور - عالم المصلين ) الذي روج للحرب الصليبية , وديره هو الذي خرج جميع الباباوات , الذين قادوها , وبعد قرنين من الزمان , جاء كروتيش ليردد نفس المقولة ( مونتجمري وات - 100 - فضل الإسلام) وبعد ثلاثة قرون , وضعت ترجمة إنجليزية للقرآن ( إلكساندر روس عام 1649 , والترجمة الفرنسية – أندريه سور , في نفس العام ) من خلال ترجمة فرنسية , قالوا في مقدمتها :
أيها القاريء الكريم , ها قد وصل المسيح الدجال , العربي الكبير , أخيرا بعد ألف سنة , عبر فرنسا إلى انجلترا ] (عالم الفكر 1 / 1984 ص66 ) وفي عام 1984 , خرجت علينا كبرى المجلات القاهرية المصورة , برواية تبشيرية , تقول فيها المبشرة جين داكسون : بأن هناك دينا , سيكون قبل ظهور المسيح الدجال . هذا الدين ليس الدين المسيحي , بل نوع آخر من التوحيد , بني على قوة الله العليا , أو توحيد الله العلي القدير , وإن هذا الدين هو دين المسيح الدجال , ثم جاء بعد ذلك , في أحد تفاسير أهل الكتاب , إن بعض أساتذة الكاثوليك , يعتبرون إن محمدا , نبي المسلمين , هو المسيح الدجال . (آخر ساعة 26- 9 – 1984 ) وبدأت هذه المقولة , تنتشر بين المسلمين في أفريقيا , وفي الهند , وفي بعض دول الخليج , وأندنوسيا . وكنت أتعجب أنهم يفعلون هذا . لو كان الجسد حيا , ولكن الجسد قد مات ! لا خطر منه . فالمسلمون قد انزووا عن حركة الحياة , بعد أن عطلوا الأسباب عندهم , وافتتنوا في الأسباب عند معسكرات الكفر الإلحاد. فلماذا يذبح القتيل إذن ؟ ( ولكنني دهشت , عندما عرفت السبب . قالوا :
(( إن هناك مدا إسلاميا يفور , ولم يعد هناك من يؤدي ضريبة الذل كاملة ! وعرف المسلمون إن للكرامة ضريبة باهضة , فجنحوا إليها , وكثيرا ما يؤدونها من دمائهم )) ومن هنا , كان لا بد أن أبحث لي عن معول ! أكشف به الدجل في صوره , وفي أي مكان كان . وفي البداية , أقرر إن هذه الدعوى الضالة , التي أطلقوها , تقتلع من جذورها , أمام أيسر تحقيق , يقوم به أقل المسلمين شأنا , وأنا من أقل المسلمين شأنا < .(17) انتهى كلام الأستاذ سعيد أيوب .
وهنا أقول : إن أي عدو , لا يشعر بالمسؤولية الضميرية , والأخروية , تجاه عدوه , يمكنه أن يستغل أي ثغرة , أو قصة , ليضيف إليها الخيال , فكيف إذا وجد قصة توافق هواه , مثل كون المسيح الدجال يقود جيوش المسلمين , ويفتح البلدان بسحره الشيطاني . ولهذا فإن في طيات الحديث , والتأريخ الإسلامي المزور , ما يساعد على دعاوى الكافرين , ويفتح الأبواب الوهمية, للهجوم على الإسلام , وليس هذا هو الباب الوحيد , فصفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , التي تعرضها كتب الحديث , تجعل منه صلى الله عليه وآله وسلم أضحوكة , لو أردنا أن نتغافل , ونصدّقها , مثل كونه مسحورا لمدة , لا يعرف ما يقول , ومثل كونه غضوبا , يقلب الله لعنه , إلى رحمة للملعون , ومثل كونه يحاول الانتحار , لمجرد تأخر الوحي عليه , ومثل خروجه بمشقص كالمجنون , في طلب من اطلع على شباك بيته , وكذلك قضايا كثيرة , تتعلق بظاهرة الوحي , مثل قصة الغرانيق , التي ينفونها تارة , ويثبتونها أخرى , ومثل دعوى غرامه بالنساء , بعد أن كبر في السن , وأشياء كثيرة , هي مادة دسمة للهجوم على الإسلام , يوجد من يوفرها لهم , من داخل الكيان الإسلامي , وهذا يدل على حجم الاختراق للفكر الإسلامي , والمشكلة إن الدولة الإسلامية , هي المسؤول الأول , عن هذا الاختراق , بل هي من صنعه من البدايات . وهذا يفسر مدى الهوة الحقيقية , بين الحاكم , وبين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , حيث الحاكم يحكم , باسم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم , بينما يصنع أفكارا , ومجاميع فكرية , مهمتها الأساسية تدمير الإسلام من الداخل , والإساءة لرسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم , وقد لا نبالغ, إذا قلنا بأننا , لو جمعنا كل هذه السيئات , التي ألصقت بالإسلام , وبنبي المسلمين , لكانت الصورة مشوهة , لا تقبل التعديل , ولا تقبل أي تبرير , بل سيكون الحكم - فورا - بأنه دين المجانين , وأهل الباطل , ولكن هيهات ثم هيهات , أن تصلح الأدلة الكاذبة , المزروعة داخل التراث الإسلامي ؛ لتكون هادمة لدين الله , ولصورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , الرجل العظيم , الذي لم يأت الدهر بمثيله - مطلقا , وقد قيض الله - تعالى - من أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم , من دفع هذه الشبهات الملصقة بالإسلام , فنفى تحريف المحرفين , ومحا زيف المزيفين - بحمد الله .
إن بحث هذه القضية , يحتاج إلى دراسات متكاملة , ولكن هذه الإشارة , كانت ضرورية , لبيان مسألة مهمة , وهي تفسير التخادم بين أعداء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خارج الإسلام , ومن داخله , في تكوين صورة , غير قابلة للإصلاح , وهدم كل البنى الفكرية , والقانونية , الإسلامية , بأحاديث , وقصص خرافية , ودعاوى زائفة , وأكاذيب .
علينا - قبل أن نهاجم أعدائنا - أن ننقي ثيابنا من هذا الدرن , وأن ننفي زيف المزيفين , وأن نُخضع التراث الإسلامي للتقييم , على أساس مقدار التخادم , بين المطروح المدسوس , وبين الهجمة , التي يقوم بها أعداء الإسلام . ولكننا نعلم علم اليقين إن هناك فرقا إسلامية , لا تقبل إعادة تقييم التراث , على أساس نفي التزييف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنهم يقولون : بأنه سوف يسقط مذهبهم من الاعتبار , حين ينفى هذا الكم الهائل من النصوص . فلا ندري ما فائدة بقاء مذهب , إذا سقط أساس الدين ؟
ولهذا , فإن دفاع الأستاذ سعيد أيوب , فيه خلل , حيث لم يعزل الفكر المندس , والنصوص المفتعلة لنفي التهمة . وإنما أثبت التهمة , بإثباته للنصوص , ولكن جعلها تهمة لمن خالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وحاربه , وحارب أهل بيته , طيلة حياتهم , وهذا يحتاج إلى مقدمة ثانية منه , وإلى تحديد منهج , إلا إذا كان قد قدّر , إن عقول العامة , لا تستطيع تصوّر هذه الجريمة , ومصدرها. فأراد أن يعطي جرعات من التفكير , عسى أن يصل القاريء إلى النتيجة الحتمية , التي يقتضيها مسار التفكير . وهذا يحتاج إلى قرّاء أذكياء , وما أقلّهم في العالم الإسلامي , الذي لا يفرّق بين الناقة , والجمل .






كارثة



المسيح الدجال



صحابي مسلم مجاهد



وهو فوق الجرح والتعديل , كبقية الصحابة العدول المجاهدين , وابنه إمام أئمة الدين , وشيخ الإمام مالك , اتفقوا على توثيقه , وكان لا يفضل عليه أحدا , وقدموه على غيره .

حين يصنع الطغاة , وأنصارهم دينا ما , فإن تركيبة ذلك الدين , ستكون تركيبة عجيبة غريبة؛ لأنه سيكون دينا مرقّعا , مجتمعا من أوصال متناثرة , لا جامع بينها . وهنا نقطة جديرة بالانتباه , تتعلق بهذا الدجال , وكيف إن الدين أصبح به , مرقّعا بشكل عجيب !!
والدجال , أو المسيح الدجال صاف بن صياد , مما لا شك في كفره , وقد قال بعض الصحابة: إنهم لا يشكون في كفره , وفي كونه الدجال , حتى لو صلى وصام , وإذا شك أحد في قصة الجساسة ؛ لإعراض البخاري عنها , فلا يشكَّنَّ أحد - ممن ليس لديه إلاّ طريق الصحاح - بكون صاف , أو صائد بن صياد , هو الدجال .
ولكننا حين نطلع على ترجمته , نرى العجائب , والغرائب , فقد شكك أعاظم رجال الجرح والتعديل , في كونه الدجال , ووصفوه بالإسلام , والجهاد , وأداء الفروض . وأعرضوا عن كل هذه الروايات الصحيحة .
ولما كان الصحابي : هو من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام (18) . . . وهذا هو تعريفهم للصحابي . وحكم الصحابي - عندهم - : العدالة المطلقة , التي لا تقبل الجرح , ولا التعديل (19) , فالصحابي عدل , لا يحتاج إلى توثيق في رواته رواياته . ولما كان ابن صياد - كما نجده في ترجمته - قد لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم اسلم , وآمن به , ومات على الإسلام , وجاهد , وحج, وهو عين المسيح الدجال , فهو على هذا ثقة لا يحتاج إلى تعديل , مطلقا ! .
هذه النتيجة الطريفة , توصلنا إلى وثاقة الشيطان نفسه . ويا له من ترقيع عجيب ! ولكن , هل نقف عند هذا الحد ؟ لا أبداً . فابن الدجال كان ثقة - أيضا - بل أكثر من ثقة , وكان الإمام مالك بن انس , لا يفضل عليه غيره !
ابن الدجال - إذن - أهم رواة المسلمين , ولا يفضل عليه مالك ابن انس , أيا ممن عاصره , من العترة الزكية , ومن التابعين المخلصين !
لقد أدرك مالك بن أنس ثلاثة أو أربعة من الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم هم : زين العابدين , والباقر , والصادق , والكاظم في آخر أيام مالك , فهؤلاء ليسو عدلا لابن الدجال , عند مالك . ولا أعرف كيف يمكن أن يحتاط إنسان لدينه , وهو يرى إن من حارب الإسلام في بدر وأحد , إماما يمكن يقتدي به , وإن الدجال وابنه رجال تقوى , وأهل علم ودين , تؤخذ عنهم الأحاديث ولا يفضل عليهم أحد , ولا يرقى إليهم الجرح؟
ولكي لا يكون كلامنا جزافا , وبلا دليل , ولكي لا نتهم أننا نلقي الكلام على عواهنه , نقرأ معا هذه التراجم , والحكم بعد ذلك للعقل لو رضينا به حاكما :
الحافظ ابن حجر (20) :
الترمذي , وابن ماجة , عمارة بن عبد الله بن صياد الأنصاري أبو أيوب المدني , روى عن جابر ‏بن عبد الله , وسعيد بن المسيب , وعطاء بن يسار , وعنه الضحاك بن عثمان الحزامي , ومالك بن أنس , ‏ومحمد بن ينعقد الغفاري , والوليد بن كثير المدني , قال بن معين , والنسائي : ثقة . وقال أبو حاتم : صالح ‏الحديث , وقال ابن سعد : كان ثقة , قليل الحديث , وكان مالك بن أنس , لا يقدم عليه في الفضل أحدا ! ‏وكانوا يقولون : نحن بنو شهيب بن النجار , فدفعهم بنو النجار , فهم اليوم حلفاء بني مالك بن النجار , ‏ولا يدري ممن هم !! وعبد الله بن صياد , هو الذي ولد مختونا , مسرورا فأتاه النبي , فقال : قد خبأت لك ‏خبيئا , فقال : الدخ فقال اخسأ . وهو الذي قيل : إنه الدجال , وقد أسلم عبد الله , وحج , وغزا مع المسلمين , ‏وأقام بالمدينة(21). ومات عمارة في خلافة مروان بن محمد , وذكره بن حبان في الثقات , له عندهما حديث ‏واحد في الأضحية , قلت : قول ابن سعد في عبد الله بن صياد , يوهم أنه مات على الإسلام , بالمدينة وقد ‏ذكر غيره , في ترجمته أنه خرج إلى أصبهان , وأن اليهود تلقوه , وقالوا هذا ملكنا , الذي نستفتح به على ‏العرب , وأدخلوه البلد ليلا , ومعه الطبول , والشموع , ثم لم يعرف له خبر , بعد ذلك , ذكر أبو نعيم في ‏تاريخ أصبهان , بسنده, وقد بسطت ترجمته في كتابي في الصحابة ؛ لأن صاحب التجريد , ذكره مختصرا , ‏نعم, أخرج أبو داود بسند صحيح , عن جابر , قال : فقدنا بن صياد يوم الحرة , ومن طريق بن أبي سلمة, ‏قال شهد جابر أن بن صياد هو الدجال , فقلت : إنه قد مات , قال : وإن مات . قلت: فإنه قد أسلم , قال : وإن ‏أسلم . وقال الآجري : قلت لأبي داود : عمارة بن صياد , من ولد بن صياد , قال بلغني هذا , عن ابن سعد . ‏وسألت أحمد بن صالح , عن هذا , فأنكره , ولم يكن له به أدنى علم . وذكر الزبير بن بكار , في أول نسب ‏قريش : إن بن صياد , يعني عمارة هذا, وابن حزم , يعني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم , ‏استبّا (22) . فقال بن حزم , لابن صياد : لستم منا , وقال بن صياد , لابن حزم : لستم من العرب , فبلغ الوليد , وهو ‏خليفة , فكتب : إن زعم بن حزم , أنهم من ولد إسماعيل , فحد له بن صياد ,وإن أنكر , فلا , فإنّا لا نعرف ‏عربيا , إلا من ولد إسماعيل . فزعم بن حزم , من إنهم ولد إسماعيل , فحد له بن صياد < .‏
أقول : لا ندري , أنبكي , أم نضحك , من هذه الترجمة العجيبة , المتناقضة , التي لا يعرف لها أصل , ولا معنى . إلا تبرئة ابن صياد , من كونه الدجال , مع وجود النقيض . فإنما هو صحابي مؤمن . ولم يعالج قضية كون اليهود تلقوه في أصبهان . وقالوا إنه ملكنا , واختفى عندهم , وهذا - قطعا - بعد حادثة فتح السوس (23), وانكشاف كونه المسيح الدجال اليهودي , فعلا .
وخلاصة ما نخرج به , من هذه الترجمة : إن ابن صياد , رجل مسلم , ممن أدرك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , مجاهد , حاج لله , مجاور لمسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , وقبره , فهو في قلب الإيمان , ومن عناصر الدين , وما شاء الله ! .
ومن ذلك - أيضا . قال الحافظ ابن حجر (24) :‏
> عمارة بن عبد الله بن صياد , أبو أيوب المدني , ثقة فاضل , من الرابعة , مات بعد الثلاثين, وأبوه هو الذي ‏كان يقال : إنه الدجال < .‏
أقول : يعلم ابن حجر , علم اليقين , القيمة الحقيقية , للصحاح المنسوبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم , وللصحابة بما فيهم الخليفة عمر بن الخطاب , الذي كان يحلف بالله , إنه الدجال . فكيف تحوّلت عنده , هذه الكمية من الصحاح المتفق عليها , إلى ( يقال ) الدالة على التمريض , وتضعيف الصحاح . أم أن هذا كله من أجل عيون الدجال ؟
الذهبي (25) :
> عمارة بن عبد الله بن صياد , هو ولد الذي ظن أنه الدجال , عن جابر , وعن ابن المسيب, وعنه مالك , ‏وجماعة , وثقه ابن معين , وقال ابن سعد , كان مالك , لا يقدم عليه في الفضل أحدا , وهم حلفاء بني النجار , ‏مات زمن مروان الحمار < .‏
أقول : الذهبي - هنا - كذّب ما في الصحيحين , بشكل أصرح من تشكيك ابن حجر ؛ لأنه نسب القول : ( إنه الدجال ) بقوله : > كان يظن < وينبغي أن هذا الظن , ذهب بثبوت العلم , عنده, بحسب طريقة الفهم الإنساني . وهذا تكذيب للبخاري , ومسلم , من أجل أن يوثق الدجّال . حيث إنه عندهم صحابي , مسلم , مجاهد .
النووي (26) :
> ابن صياد , الذي يقال له الدجال , اسمه عبد الله , ولقبه صاف , وقد ذكره الحافظ عبد الغني ‏المقدسي , في ترجمة ابنه عمارة بن عبد الله بن صياد , وعمارة هذا ثقة , واتفقوا على توثيقه , روى عنه ‏مالك , في الموطأ , في كتاب الأضحية , حديث أبي أيوب الأنصاري : > الشاة تكفي عن أهل البيت في ‏الأضحية < يتمم من الإكمال للمقدسي < .‏
أقول : النووي - أيضا - مرَّض القول , بأنه الدجّال بكلمة : ( يقال ) فأين أصبحت الصحاح؟ حين يجمع هؤلاء العلماء على تكذيبها ! .
أبن الأثير (27) :
(عبد الله ) بن صياد أورده ابن شاهين وقال هو ابن صائد كان أبوه من اليهود لا يدرى ممن هو وهو الذي يقول بعض الناس انه الدجال ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعور مختونا من ولده عمارة بن عبد الله بن صياد من خيار المسلمين من أصحاب سعيد بن المسيب روى عنه مالك وغيره.



=============================================
الهوامش :

(1) لابأس أن نذكّر - هنا - بما ناقش به القرطبي , في مجال رد دعوى عدم بقاء الخضر عليه السلام , لما نسب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث ، حيث قال عنه : إنه عام , قابل للتخصيص , بالمسيح , وبالدجال , الذي هو من المتيقنات , ببقاء شخصه حيا , لمدة طويلة غير متعقلة :
تفسير القرطبي : 11 : 41 - 45 : > لأن العموم , وإن كان مؤكد الاستغراق , فليس نصا فيه ، بل هو قابل للتخصيص . ‏فكما لم يتناول عيسى عليه السلام ، فإنه لم يمت , ولم يقتل , فهو حي بنص ‏القرآن , ومعناه ، ولا يتناول الدجال , مع أنه حي بدليل , حديث الجساسة ، ‏فكذلك لم يتناول الخضر عليه السلام , وليس مشاهد للناس ‏< .
(2) تاريخ الطبري : 3 : 186 - 187 .
(3) ذلك في حادثة التحكيم الشهيرة , في صفين , حين رفض النصوص , التي اطلع عليها شفاها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وقال أخلع علي بن أبي طالب المنصوص عليه , وأتركها لهوى الناس , بينما قال خادعه , عمر بن العاص : إنه يثبّت معاوية , ويبقيه على الناس , ولم يكن معاوية - أصلا - متعرضا للخلافة , أو طالبا لها , إنما حارب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام , للاستئثار بالشام والبقاء واليا عليها ؛ ولأن الإمام عليه السلام لم يقرّه على باطله , وتسلطه على مقدرات المسلمين , وما كان بعد ذلك , أثبتت صحة ما يراه أمير المؤمنين عليه السلام , من أن معاوية لم يكن إلا كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن يدعو إلى نار جهنم , وممن خرب النظام الإسلامي , وأحدث الشرخ الأكبر في الإسلام , وحوّل الدولة الإسلامية إلى قيصرية , وملك عضوض .
(4) صحيح مسلم : باب خروج الدجال ومكثه في الأرض : 8 : 201 . وفيه خبر الجساسة , التي أخبرت تميم الداري , والمسافرين معه , من لخم وجذام , بوجود الدجال في دير وحده . . . الخ .
أقول : حديث الجساسة لا يثبت عندنا , وهو حجة على من يثبت عنده ، وقد واجه المحدثون مشكلة , في كون حديث الجساسة , يقول : إن الدجال رجل كبير , موجود في جزيرة , مربوط في دير ، بينما حديث صائد بن صياد يقول : إنه طفل في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وإنه صحابي , وقد أكدوا إنه شارك في الفتوحات . واحتمل العسقلاني , في فتح الباري , أن يكون الدجال شيطانا , يتشكل بأشكال الناس ، ولكن روايات صائد بن صياد - كما هو معلوم - تقول : إنه بشر منا , من لحم ودم , له قدرات خارقة , ولد زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , أمه عن حمله , وولادته . بينما رواية الجساسة , تقول : إنه رجل كبير , في نفس الفترة الزمنية ، معدّ للخروج على الإسلام ، ويخبر بالمغيبات , وهو محتجز في جزيرة ، وفرض إنه شيطان متشكّل - كما احتمل العسقلاني - يفتح الباب للادعاء بالقول : إن كل باطل هو الدجال نفسه ، بينما الظاهر إنه شخصية معينة ، ولهذا نرى إن معالجة سعيد أيوب , فيها بعض التغاضي عن موضوع الجساسة , إلا أن يكون قد اقتنع بتحليل العسقلاني . حيث قال في فتح الباري : 13 : 328 :
> أقرب ما يجمع به , بين ما تضمنه حديث تميم , وكون ابن صياد هو الدجال : إن الدجال بعينه , هو الذي شاهده تميم موثوقاً ، وإن ابن صياد هو شيطان , تبدّى في صورة الدجال , في تلك المدة ، إلى أن توجه إلى أصبهان , فاستتر مع قرينه ، إلى أن تجيء المدة , التي قدّر الله تعالى خروجه فيها < . انتهى . مع العلم إن سعيد أيوب , أورد هذا التحليل للموقف , من قبل العسقلاني , ولم يرده .
(5) عقيدة المسيح الدجال : 418 : وفيه > فأهل لخم وجذام , شاهدوا المسيح الدجال , في أول الزمان , وكانوا في داخل الدير كعدد الجنود . وبعد المسيح الدجال , دخلوا في رغيف معاوية ، فصلى بهم الجمعة , يوم الأربعاء ، وبعد معاوية خدموا يزيد ، فضربوا في الحرة , وبالت خيولهم بين الروضة والمنبر ، وحاصرت البيت العتيق ، ورفعوا رأس الحسين على أسنة رماحهم ، وبعد يزيد خدموا الحجاج بن يوسف , فكانوا يلتفون حوله, ويسمعون منه القرآن , ويهتزون لصوته طربا ( البيان والتبيين 3 : 147 ) , وبعد الحجاج صاروا خداما لملايين الحجاجيين , حتى يومنا هذا ، يدافعون عن شرف السلطان , بهتك أعراض ألف عذراء , من المهاجرين والأنصار، فكان هذا هو معسكر معاوية ! وكانت هذه بصمات المسيح الدجال على جماجم بعض أفراده < .
(6) يمكن مراجعة هذه الأحداث , في كتب الحديث , والتأريخ , بشكل مفصل , فإن البحث غير مخصص الآن لهذا الموضوع ، وعلى سبيل المثال , يمكن مراجعة الأنساب للسمعاني 1 : 29 , وعبد الله بن سبأ للعلامة الشيخ علي آل محسن الفصل الثالث , ( سبأ والسبئيون ) , وتفسير التبيان : 8 : 88 , والبحار : 14 : 117 , و 33: 259 , وإعلام الورى بأعلام الهدى : 1 : 212 , وغيرها الكثير من المصادر التاريخية , والحديثية , ومصادر السيرة .
(7) صحيح البخاري :كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة : 8 : 137 ، صحيح مسلم : باب ذكر ابن صياد : 8 : 189 ، سنن أبي داوود السجستاني : باب في الأمر والنهي : 2 : 322 رقم الحديث : ( 4331 ) .
(8) سنن أبي داوود السجستاني : باب في الأمر والنهي : 2 : 322 رقم الحديث : (4330 ) .
(9) صحيح البخاري : باب في الجنائز : 2 : 69 ، صحيح مسلم : باب ذكر ابن صياد : 8 : 189 .
(10) صحيح مسلم : باب ذكر ابن صياد : 8 : 189 .
(11) صحيح مسلم : باب ذكر الدجال وصفته وما معه : 8 : 194 .
(12) صحيح مسلم : باب ذكر ابن صياد : 8 : 191 .
(13) صحيح مسلم : باب ذكر ابن صياد : 8 : 191 .
(14) صحيح البخاري : باب الجنائز : 2 : 96 . وكرره في باب دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وفي كتاب الأدب ، صحيح مسلم : باب ذكر ابن صياد : 8 : 192 ، سنن أبي داوود : باب آخر في ذكر ابن صياد : 2 : 321 : الحديث بالرقم : 4329 ، سنن الترمذي : باب ما جاء في ذكر ابن صياد : 3 : 352 . وقد ذُكر الحديث في مصنف عبد الرزاق , وفي الأدب المفرد للبخاري , وفي المعجم الكبير , ومسند الشاميين للطبراني , وفي تاريخ دمشق لابن عساكر , وفي الإصابة لابن حجر , وغيرها من كتب الأحاديث .
(15) صحيح البخاري : باب الجنائز : 2 : 97 . وكرره في باب دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وفي كتاب الأدب ، صحيح مسلم: باب ذكر ابن صياد : 8 : 192 ، سنن أبي داوود : باب آخر في ذكر ابن صياد : 2 : 321 : الحديث بالرقم : 4329 .
(16) المعجم الكبير للطبراني : 18 : 857 .
(17) عقيدة المسيح الدجال : 9 - 11 .
(18) ابن حجر الإصابة : 1 : 6 - 8‏ .
(19) إلا إذا كان محبا لعلي بن أبي طالب عليه السلام متفانيا له . فقد جرح البخاري وضعّف أول رجل بالغ , آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو هند بن أبي هالة , ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وابن زوجته خديجة , من أبي هالة , وقيل هو ابن أختها, وكان عمره حين آمن عشرين سنة , أو أقل بسنتين , بينما كان عُمرُ عليٍٍ عليه السلام ثلاث عشرة سنة , حين آمن , وأسلم ، ولم يضعفوه ويخرجوه عن القاعدة , إلا لكونه متفانيا في حب علي , وقد قتل بين يديه في معركة الجمل . كما ضعفوا صحابة أجلاء مثل حجر بن عدي , وغيره , من أنصار أمير المؤمنين عليه السلام . ولو أخذنا بمعايير بن حجر للصحبة , لوجدنا أنهم يضعفون صحابة كثر , ليسوا على هواهم , بخلاف مقولتهم في تعديل كل الصحابة ، ومعيار ابن حجر , أنه قال : > وقد قدَّمْتُ غير مرة أنهم كانوا لا يؤمّرون في ذلك الزمان إلا الصحابة < الإصابة : 1 : 445 و 2 : 603 و 2 : 136 . ويبدو إن ابن حجر , استند في إثبات الصحبة - بهذا المعيار - حسب ابن أبي شيبة , الذي قال : > كانوا لا يؤمرون في المغازي , إلا الصحابة < . الإصابة : 1 : 9 . ولكن هذا محذوف - الآن - من مصنف ابن أبي شيبة !!! وقد روى ابن كثير , ما يدل على عرفهم , بأنهم لا يؤمرون إلا صحابيا . البداية والنهاية : 4 : 25 .
(20) تهذيب التهذيب : 7 : 366 . ‏
(21) يعني ان الدجال عنده صحابي مسلم مجاهد في سبيل الله وقد أدى الفروض الشرعية واحمزها الحج والجهاد فهو من خيار المؤمنين . فماذا نريد بعد أكثر من هذا ؟ يعني هو ممن لا يشك في توثيقه وهو القائد المجاهد! والصحيح يقول انه الدجال الذي سيظهر آخر الزمان بروايات متعدد كما أسلفنا . ولا ندري ما حكمه عندهم إذا خرج قبل خروج المهدي لنصرة اليهود؟؟
(22) أي : تسابّا . سب أحدهما الآخر .
(23) فتحت السوس , قبل أن تفتح أصبهان , وهي أقرب للعراق , من أصبهان , بكثير .
(24) تقريب التهذيب : 1 : 711
(25) الكاشف : 2 : 54 . ‏
(26) الأسماء واللغات : 2 : 571 . ‏
(27) أسد الغابة - ابن الأثير - ج 3 - ص 187




الخاطرة السابعة




التخريب الداخلي واسباب الخسارة


يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين



في الحقيقية أن هذه الخاطرة فيها شيء من التميّز والمغايرة ، والسبب انني كنت افكر في الوضع العالمي وموقع المسلم فيه ومدى تأثير قوى الكفر فيه ، فانتهيت الى بحث في التفسير، ثم جرني ذلك الى التفكير في القدرة على تشويه صورة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما هي مسؤوليتنا لتصحيح تلك الصورة الرهيبة . وهذا تحولٌ عجيب في مسار الخاطرة، فرضه نوع المعالجة للدمج بين المفهوم الديني والمفهوم الاداري لادارة المجتمعات، حيث تبين أن المفهوم الديني كان اقل مستوى وادراكا من النص الديني الذي سبق بحوث ادارة المجتمعات في الصواب والتشخيص.

هذه الدورة من التطوّر في البحث جعلتني اتراجع قليلا لاعتبار هذه الخاطرة جاهزة فعلا ، وانما اطرحها كمجرد فكرة أولية تدعو المثقف المسلم الى التفكير بعمق للخروج من بعض المآزق التي يعيشها نتيجة توجيه الاحداث ودلالاتها واماكنية الاستنباط منها.

لنبدأ من أين بدأت خاطرتي ونتسلسل في طرح الافكار ، وكل مثقف على قدر مدراكه سيتعامل مع هذه الخاطرة.

بعد الحرب العالمية الثانية اعيدت جمعية عصبة الأمم بإسم (منظمة الأمم المتحدة) على مبادئ جديدة اغلبها مبادئ إنسانية قد لا يختلف عاقل على قبولها. غير أن جوهر هذه المطالب الانسانية قد تستبطن تكريس الاستعمار بطرق فنية خفية. وهي في الحقيقة اخطر بكثير من الوضع السابق لأنها يمكن ان تكون ذات نتائج مدمرة اذا سعت الدول المتقدمة إليها .
مثلا هناك في قوانين الامم المتحدة ما ينص على وجوب التدخل الانساني اذا كان شعب يقع تحت الجريمة وهناك قوانين تنص على وجوب التدخل لحفظ الاستقرار اذا وقعت دولة عضو في مأزق الفوضى وعدم الاستقرار السياسي او الاجتماعي.
هذه المبادئ جميلة بحد ذاتها ولكن ما حصل عمليا خلال الستين سنة الماضية هو أن الدول المسيِّرة لمنظمة الامم المتحدة، والتي تمتلك الموارد الكبرى اذا ارادت احتلال بلد تنشر فيه الفوضى بلا مبرر حقيقي، ثم تتظاهر بالانصاع للضغط العالمي الانساني من اجل ايقاف الجريمة في ذلك البلد فيتم احتلاله بناء على طلب الاحرار في العالم، فيتم الاحتلال نتيجة فعلٍ هم يقومون به مسبقا ويحضرون له بطريقة فنية محبوكة.
نحن لا نتكلم الان عن اهداف وحركات دول الاستعمار الحديثة باسم الانسانية ، ولكن يجب ان ندرس سلوك أهل البلد الذين يستجيبون لاحداث الكارثة في بلدانهم والى مدى حقيقة نجاح عمليات التدخل الانساني.
حدث مثل ذلك في الصومال والكونغو وسيراليون وساحل العاج ونامبيبيا والبوسنة وكوسوفو وافغانستان والسودان في منطقة دارفور (وأما العراق فقد كان الهجوم عليه لسببين معلنين الاول اسلحة الدمار الشامل والثاني التدخل الانساني لتدارك مساوئ الدكتاتورية الاجرامية وهذا لم يكن بقرار دولي من الامم المتحدة. وانما اعطي صفة لاحقة بقرارات الامم المتحدة لمعالجة الوضع على الارض، وبالنتيجة اصبح الاحتلال الان نوعا من التدخل الانساني بموجب التفويض اللاحق الممنوح من مجلس الامن) ، وهذا ما اذكره لحد الآن فقد يكون هناك بعض بلدان دخلتها القوات الدولية لاسباب انسانية لم اتذكرها ، وهناك تدخل ليس من صفة (التدخل الإنساني) وانما لها صفة حل التنازع الدولي مثل القوات الفاصلة بين المتحاربين هذا قريب من ذاك حيث ان سبب تلك الحروب أيضا مدفوع من الخارج.

لو نظرنا لكل هذه المجتمعات التي تم فيها التدخل الانساني بسبب حروبها الأهلية لاسباب داخلية (عشائرية ، طائفية ، حزبية) ، فانها لم تستطع بناء مجتمعاتها وبناء الدولة فيها بعد ان بدأت بها الفوضى بل ازدادت تخلفا، و بعضها ازداد جريمة وضياعا كما هو حال الصومال المثال الاوضح لهذه الحالة النشاز. فالنتيجة أن كل تدخلات الحل الانساني بالقوة لم يكن ناحجا في اعادة النظام والقانون الا بصيغته الدنيا. ويستمر الحال في التدخل مع كونها تدخلات فاشلة وغير معروفة الاهداف والاغلب ان هدفها ليس لصالح تلك الدول نتيجة عدم نجاح التدخل.
ولكن هذا الحال يدعونا لنفكر ليس في اهداف القوى العظمى التي تريد ايقاف نمو الحضارات والدول الاخرى والصراع معها بالطريقة المريحة ، فإن تفكك الدول من الداخل لا يكلّف الدول الكبرى جهدا كبيرا في احتلالها او الاشراف عليها والتحكم في منطقتها بالقوة.

الكلام هنا مع قادة الدول التي تفككت ، هو انهم قاموا بشكل متعمد سواء كان مقصودا او غير مقصود بتفكيك بنية دولهم وادامة الصراع والفوضى بحجة اظهار القوة الحزبية او الطائفية او العشائرية حتى لا يضيع حق مجموعتهم امام المجاميع الاخرة . وبالنتيجة لا يوجد متعلق الحق حتى يحصل عليه طرف فالفوضى والقتل وتدمير المجتمع لا يبقي ثروة حتى يتعلق بها الحق ولا يبقي بهجة او نظام حتى يفرح بها المنتصر او من يريد حفظ حقه، فهذه الصومال في هذا الحال منذ عشرات السنين وهي من سيء الى اسوء ومن فقر الى افقر ومن مرض الى وباء ومن جزع الى كارثة .
ان تفكيك النظام الداخلي للدولة وعدم القدرة على بنائها هو جريمة بحق الانسانية من جهة وهو جريمة بحق الوطنية لأن كل المتصارعين الداخليين يعلمون ان البلد اذا وصل الى فوضى عارمة سيطالب جميع احرار العالم بوجوب التدخل ويضغطون على حكوماتهم لاقناع الدول الكبرى بالتدخل (وهو ما تريده هذه الدول) فتفقد دول الاضطراب استقلالها وتفقد السيطرة على انفسها ، لان الدول الكبرى سوف لن يكون تدخلها لبناء الدولة وانما للايقاف الوقتي للجريمة (وقد يكون لتوفير السلاح للمتقاتلين لاطالة امد الحرب الأهلية والتخريب الداخلي) ثم تنسحب قوى الدول الكبرى دون اتمام مهمة اعادة بناء الدولة مدّعين أن شعوبهم تضغط عليهم بعدم التورط في وحل هذه الفوضى، وبهذا يمنحون المتقاتلين بهجة الانتصار لطرد المحتل الذي جلبوه بقرار انساني نتيجة جريمتهم انفسهم وكأن لم يحصل إلا تقوية قوى الشر الداخلية أو لنقل ترسيخ الرعب لكل جهة من الجهة الاخرى فيزداد الصراع مرارة وقوة ولا يمكن التوصل لحل مطلقا.
هذه المفارقة واقعة فعلا.
هل يمكن وصف مبررات الحرب الاهلية والخلافات المسلحة واخلال النظام بالصحيحة؟
ان النتائج الواضحة تقول : لا يمكن وصف مثل هذه المبررات بأي شكل من الأشكال بالصحة، لأنها تخريب من الداخل وتهديم حضاري واجتماعي لا يمكن بناءه في الظروف الحالية نتيجة العولمة . فالوضع ليس كوضع بابل وروما وغيرها حيث يمكن تدمير حضارة سومر لتظهر حضارة بابل ويمكن تدمير حضارة بابل لتظهر حضار آشور في نفس البلد وكذا حال الدولة الرومانية وغيرها ، ولكن الان بوجود متطلبات العيش الحديث الذي تحوّلت فيه الكماليات الى اساسيات واقتربت فيه البلدان وامكن السيطرة على الحدود، وجدت نظم الاقامة والسفر الدوليين التي تحاصر الانسان الذي يساوي وثائقه فقط فلا مجال لمن تسقط حضارته ان يستعيدها الا في بلده نفسه، ولا يمكن له ان يعيدها في بلده في حال استمرار الفوضى ورجال الحرب ، اذ لا امل من الحل بين القوى المتصارعة وقياداتها التي لا يمكن مطلقا ان تلتقي او تثق في بعضها لانهاء النزاع. فاصبح الدخول في دوامة اخلال النظام يمكن الخروج منها - مهما كانت مبررات الفوضى - اذا كان الفاعل غير قادرٍ على حسم الامر، فهو يجرم في حق مجموعته قبل ان يجرم في حق الآخرين .
لا نريد ان نغرق في الامثلة ولنتكلم بشكل عام ، فما يهمنا الان هو العالم الاسلامي. فان كل الصراعات في العالم الاسلامي غير مبررة خصوصا من البادئ بالصراع والذي يجر الآخرين للصراع. فلا الصراع العشاري مسموح شرعا ولا الصراع الطائفي مسموح شرعا ولا الصراع الحزبي مسموح شرعا ( هذا هو الفقه الإسلامي عموما عدا تفكير العقل التكفيري فانه يجيز الصراع المسلح حسب شرعه مع كل من يخالفه بالقتل والجرائم حتى لو كان الامر مع اخيه مثل الوهابية وغيرهم من التكفيريين، وهؤلاء ليسو من المسلمين بشيء).
يجب على كل فرد في العالم الاسلامي ان ينظر الى هؤلاء الذين يدعون الى قتل اخوانهم في الوطن بحجة الانتصار لقضيتهم ، ما هم الا مخربون لمجتمعهم من الداخل سواء قصدوا او لم يقصدوا (وان كان من البعيد ان تكون تدفق الاموال والاسلحة من الخارج من دون قصد وانه كان لله في الله)، فمن لا يستطيع ان يحسم المعركة خلال شهر او شهرين فقد ادخل بلاده في دوامة العنف وعليه ان يعالج مأزقه بطريقة سلمية وسريعة مع ابناء وطنه والا دخل بلده بالتخريب ، ومعنى ان الطرف البادئ لم يستطع انهاء المسالة يعني أن الطرف الاخر ليس له أي ميزة وانما هو كذلك لا يستطيع انهاء المأزق وعليه حله. والبقاء على القتال بالمكابرة نتيجته خراب البلدان الاسلامية . والان هناك بلدان مرشحة في العالم الاسلامي لهذه الفوضى تختلف من حيث حجمها وخطورتها ، فمن البلدان المرشحة بشكل قريب السودان والباكستان وبنغلادش واليمن وفلسطين ولبنان وسوريا ، واغلب الصراعات المحتملة تدور حول الحزبية والطائفية والعشائرية . ولم تستفد القوى في العالم الاسلامي من كل تجارب الصراعات المحلية الفاشلة في العالم الاسلامي التي لم تستطع ان تحسم أي صراع حتى بين قوة كبيرة وقوة صغيرة جدا اذا كان هناك امداد للصراع خارجي.
ففي افغانستان لم تستطع قوة طالبان ( 45% من شعب افغانستان) من السيطرة على الطاجيك (اقل من 10% من الشعب الأفغاني) وذلك لكون كل من طرفي الصراع مدعوم خارجيا ويوجد حالة توازن في القوى مدروس خارجيا رغم الفارق العددي.

وهنا اخاطب قادة الحروب ودعاة الانتصار بالقوة داخل المجتمع الاسلامي:
اذا عرفنا ان عدونا يريد منا الفوضى فلماذا نصنع الفوضى بحجة محاربة الاعداء وهي مطلب الأعداء؟
واذا كانت الفوضى تؤدي الى الاستعمار فلماذا بعد ان تصنعون الفوضى تلعنون الاستعمار؟ ثم تدعون حربكم على الاستعمار وانتم من ينفذ ما يريدون بعلم او بغير علم.
أليس من الاجدى ان نلعن انفسنا حيث قدمنا بلداننا ومجتمعاتنا ذبيحة ميتة للاعداء وبقينا نلعن الاعداء لأنهم اكلوا الذبيحة؟؟
لماذا حين قررت بلدان مهزومة الانتصار بطريقة عدم الفوضى وحفظ النظام ففازت وارتفعت الى اعلى مقامات الدول مثل المانيا واليابان وهي الان تعتبر ثاني وثالث قوة في العالم الاقتصادي على التوالي، بينما قررت اغنى البلدان بالثروات والطبيعة الكفاح بالفوضى فما كان منها الا التأخر بعد التأخر والهزيمة بعد الهزيمة والمرارة بعد المرارة .
الذين فازوا باستخدام الكفاح بطريقة حفظ النظام والتحرك نحو التقدم قاموا بمعرفة الجانب الايجابي من معادلة النصر بينما الذين قرروا الكفاح بالفوضى قاموا باستخدام الجانب السلبي من المعادلة. وكانت النتائج لا تقبل الخطأ الفوز لمن ترك معادلة الخسارة والخسارة لمن اتبع معادلة الخسارة.
اننا مشلولون فكريا تماما ونسير بالاتجاه المعاكس لحضارتنا ونعيمنا وامننا وسلامة بلدانا. وذلك لان كل قائد معاصر يعلم انه في حال نشوب فوضى في أي بلد فسوف تتدخل القوى الاجنبية لمساعدة الاطراف جميعا ولن تنتهي الفوضى حتى لو كان متفوقا بالقوة الكبرى لأن هناك سياسة ابقاء النزاعات كما هي، لفائدتها للدول الكبرى، ولو كانت النزاعات ضد مصالح الدول الكبرى لأنهيت بسهولة وبالحسم السريع سواء بالقوة او بالتفاهم.

كانت هذه الخاطرة قد ذكرتني بقوله تعالى : (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبواوقذف في قلوبهم الرعبيخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنينفاعتبروا يا أولي الأبصار) .

الاية تتحدث (بشكل عام بغض النظر عن اسباب النزول) : عن التحذير من المصير الذي حصل لاهل الكتاب (اليهود) حيث ظنوا انهم اقوياء لا يهزمون ولكن انتشر بينهم الرعب وخرّبوا ديارهم من الداخل بينما تم الاجهاز عليهم من الخارج بأيدي المؤمنين ، وهذا التحذير كأنه يقول إن الخسارة الحقيقية للمدينة أو المجتمع حين يُخرب من الداخل فيسهل الاجهاز عليها من قبل القوة الخارجية ، وهذا اهم مواطن الاعتبار وهو يعني خسارة الحضارة كما يعني خسارة القرية في مثال الاية.
فمعادلة انتشار الرعب ومن ثم الفوضى التابعة لذلك الذي يساوي سهولة الهزيمة لأي قوة مهما كانت متمكنة من التحصين والتسليح. هي معادلة اثبتت صحتها التجارب والحقائق التاريخية ، وهي من الاسلحة الخفية جدا التي بدأت القوى الاستعمارية باستعمالها بدل الحروب المكلفة وبدون خسائر بشرية تذكر على من يريد تدمير عدوه بهذه الطريقة ، وقد هدى الله اليها نبينا صلى الله عليه وآله وقد قال بصراحة بانه ينتصر بالرعب . وتشخيص هذا الرعب بالنسبة للنبي محمد ص يعتمد الوحي لسبب بسيط وهو إن مفتاح الرعب لأي مجتمع لا يمكن أن يعرف الا بالمعلومات الدقيقة التي تحتاج الى جهاز استخبارات متقدم يملك محللين قادرين على تشخيص مفتاح الرعب ، وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وآله يفتح باب الرعب بضربة واحدة بدون أي جهاز متقدم او متخلف لجمع وتحليل المعلومات وانما هو اخبار الله فقط ، وفي الآية تصريح بقوله (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) حيث ان الله منح النبي محمد ص القدرة على فتح باب الرعب بضربة واحدة فانتشر التخبط والتخريب الداخلي بحيث لم يستطيعوا الا الفرار وعدم الاستقرار .
فمن يتصور إن قتل مجرم واحد بعينه يفكك مجتمعا كاملا ويشتته في الأرض؟ بطريقة فقدان التوازن وانتشار الفوضى المؤدية الى التخريب الداخلي، ومن ثم فقدان كل شيء بما فيه التحصين نفسه الذي ارادوا زيادتة بطريقة تخريبية من دون ان يشعروا.
فالآية تطرح امران مهمان: هما المعادلة الحياتية للخسارة والنصر وفيها من التحذير ما ينبغي للعاقل الاعتبار بها، والامر الثاني طريقة اختصار حلقات تحقيق التدمير بالتدخل الالهي بمعلومة بسيطة تكون مفتاح الحل بأقل من ثلاثة ايام.
وقد حدث هذا بدون حرب حقيقية كما هو واضح في قضية بني النضير التي هي سبب نزول الآية كما يبدو. وفي تدخل الله (اعتبار) ايضا يجب ان يعتبره الكافر فإن الله يمكن يغيّر الصورة على الارض، بتحرك بسيط وفق معادلة اساسية حاكمة وقادرة على تفتيت كل قوة مهما كانت عظيمة.
وهذا الجوهر لهذه المعادلة أصبح مفهوما اكثر في العصور المتأخرة لتوفر امكانية قراءة الاحداث وسهولة وصول الاخبار. ولهذا فان الآية الكريمة تعبّر عن معادلة وعبرة عظيمة بنتائج هذه المعادلة الصادق والتامة ، وتمثل قانونا في بناء القوة الانسانية وطرق الخسارة يضاف الى القوانين المهمة ، ولكن ما نغفل عنه في العصر الحديث هو ان هذا القانون قد اكتشفه المتكبرون كحل ناجح لتبديل مفهوم الحرب وقد اوجدوا له آليات ودراسات في الاستراتيجية والتنفيذ يفوق التصور ، وقد اعتمدوه في تدمير العديد من الدول لحد الان ، بينما المسلمون يمتلكون المعادلة وقد اخبرهم الله بها ولكنهم لا يعتنون بها مطلقا ولا يعرفون كيفية ايجاد مقدماتها في عدوهم كما لا يعرفون طريقة التخلص من مفعول هذه المعادلة نفسها في انفسهم بالاجماع على رفض حالة الفوضى والتخريب الداخلي. ولهذا فان المسلمين الآن اسرى معادلة الخسارة بملئ ارادتهم لجهلم الحقيقي بما يفعلونه بانفسهم بواسطة ادخالهم في معادلة الخسارة المحققة.

هذه النظرات في مفاد الاية الشريفة ، نابعة من الفهم العام للآية ، ولكن كم سيتملكك العجب حين ترجع الى تفسير الآية ، فتجد امورا معكوسة وقراءة مشوشة.
فسوف تجد اضطرابا في سبب النزول وفي صورته وفي اسباب نفس المعركة واخلاقياتها .
وقد تجد من اطرف ما طرح في تفسير هذه الاية أن اليهود اتبعوا سياسية الارض المحروقة حين الانسحاب حتى لا يستفيد المسلمون من مساكنهم فدمروها ، وانسحبوا ، فاذا كان كذلك فهذه سياسة مهمة في الحروب وهي خسارة للمهاجم وليس للمنسحب فكيف يعتبر نصرا الهيا وفق هذا التفسير ؟ ثم اذا كان هذا قرار اليهود فهو ضد مصلحة المسلمين فلماذا اخذ المسلمون بتدمير القرية نفسها كما يروون؟ ثم أليس عجيبا إن رسول الله ص الذي يأمر بعدم قطع الشجر وتدمير الحجر أن يأمر بذلك في هذه المعركة؟
ان هذه الأسئلة ستختفي تماما لو كانت الصورة غير مشوشة ، ولهذا فالامر يحتاج الى ازالة التشويش ، وذلك باعادة قراءة القصة وتفكيك عناصرها واعادة تركيبها بصورة معقولة حتى تتلائم مع منطق الصواب . وهذه مهمة صعبة وليست مهمة خاطرة سريعة ، وقد وجدت افضل من حاول اعادة صياغة القصة هو آية الشيخ مكارم شيرازي حفظه الله ، حيث حاول ان ينقّي القصة من تناقضات وخرافات ولكنه وقع اسير قصة سياسة الارض المحروقة . ولعل ابسط طريقة لفهم الحدث هو الخلاصة التالية التي استنبطها من تفكيك واعادة تكوين القصة وفق القرآن:
بعد ان اصبح مجتمع المسلمين مجمتع يمتاز بالقوة والمنعة، حدث حلف بين المسلمين وبين اليهود ، وكانت عشيرة بني النضير هي احد ثلاث قبائل يهودية تم التحالف معها على ان لا يغدروا بالمسلمين ولا يكلفهم المسلمون الدفاع عنهم، ولكن بعد انكسار المسلمين في معركة أحد وجد اليهود انفسهم في موقع يسمح لهم بنقض العهد والغدر بالمسلمين ليكونوا مع القوي العنيد للخروج بجزء من الغنيمة بالاجهاز على المسلمين ، وقام بهذا الدور المهم احد زعماء بني النضير وهو كعب بن الأشرف فقد سافر الى مكة باربعين رجلا وعقد حلفا سريا مع المشركين للقضاء على مجموعة محمد ص . وعاد بالترتيبات والمخططات الخبيثة، فكان ظاهر موازين القوى معهم بكل القياسات العسكرية فعندهم الحصون والرجال والسلاح والخطط السرية والمعونة الخارجية من المشركين ، ويقابله هزيمة المسلمين وضعفهم وارتباكهم وفقرهم، وهنا حدثت مفاجئة غير متوقعة عسكريا وهي ان الله سبحانه اخبر النبي محمد عن طريق الوحي بكل المؤامرة وتفاصيلها.
ولسبب ما قرر الرسول اختبار نواياهم ، فحصلت حادثة قتلٍ، وكان ينبغي ان يشارك اليهود في الدية ، فذهب الرسول مع مجموعة من الصحابة للتفاهم حول الدية فرفض اليهود باستعلاءٍ المشاركة في الدية بحسب الحلف بينهم وبين القبيلة المسلمة التي وقع عليها الدية ، ثم اتفق اليهود على استغلال فرصة وجود النبي محمد ص تحت حائطهم فقرروا رميه بحجر ثقيل قاتل ، وفجأة قال الرسول ص للمسلمين ابقوا وانا ذاهب لحاجة فدخل المدينة وحين استبطأ المسلمون الرسول جاءوه فاخبرهم بالجريمة وبتدبير كعب بن الاشرف وانه مفتاح الشر ومفتاح النصر بالنسبة للمسلمين، فقرر قتل كعب بن الأشرف فانتدب له جماعة من المسلمين فقتلوه في تلك الليلة ، وهنا حل الفزع عند بني النضير حيث انكشفت نواياهم وخيانتهم للعهد وفقد مصدر تدبير الامر بعد ان استسلم اليهود له ، فحدثت اضطرابات في الرأي واعتقدوا ان المسلمين سيدخلون عليهم فورا فحاولوا اقامة المتاريس بتهديم اجزاء من دورهم من اجل بناء عراقيل في ازقتهم تمكنهم من الفوز بالمعركة، فحدثت فوضى في التخريب وفي الترتيب للمتاريس بحيث جعلوا القرية متاهة مغلقة عليهم، وحين هجم المسلمون وجدو قوة اليهود مشتتة خلف المتاريس العديدة فتمكنوا بصورة بسيطة من وحي نفس تصرف اليهود بخرق حيطان الدور للوصول الى كل مجموعة صغيرة واعتقالها من خلف المتراس، وكذلك قطع بعض الاشجار التي اتخذت متاريس ايضا لكونها تعيق الوصول الى مجاميع اليهود المبعثرين، فسقط جميع اليهود بالأسر من دون حرب حقيقية بل بنفس الطريقة الهندسية التي ابتكرها وتعّثر بها اليهود وارتكبوا فيها الخطأ القاتل حيث فقدوا السيطرة على انفسهم وشتتوا قواهم . فلم يكن بايديهم الا الإستسلام لحكم الرسول الذي امرهم بالرحيل والجلاء الى بلاد الشام وتركهم يأخذون ما يشاءون من حاجياتهم ولم يتعرض لهم بالقتل او الأسر.

هذه الصورة ليس من السهل قراءتها من كومة القصص والخرافات والاقوال العجيبة والتداخل بين المعقول وغير المعقول . ولكن بعد عدة مرات من القراءة واعادة ترتيب القصة تبيّن لي هذه الصورة التي طرحتها باختصار ولا ادعي انها الصورة الاصح.

وبهذه الصورة يمكن تطبيق الآية الشريفة على الحدث ويمكن فهم موضوع الاعتبار وموضوع النصر والهزيمة ومتعلقاتهما في القصة .
وأما بالقصص التي وردت مبعثرة في التفاسير فمن الصعب جدا فهم الاية الشريفة وتطبيقها بصورة معقولة ، فكما قلت بان القصة التفسيرية غير واضحة الاعتبار ولا يعرف من المعتبر وعلى ماذا يعتبر؟ فاغلبهم ينص على ان المعتبر هو العقلاء أو الكفار منهم وان الاعتبار هو في نصر الله للمسلمين على بني النضير. وهذا تحجيم للحكم وتقليل من مفهوم الاعتبار فلا نستبعد أن يكون التدخل الإلهي تحديدا مصدرا من مصادر الاعتبار وهذا للكفار والمسلمين على حد سواء، ولكن النص يؤكد على وقوع اليهود في معادلة الهزيمة والانكسار بالتخريب الداخلي والرعب الذي اربك مسيرتهم وهذا مهم للمسلمين قبل الكفار. وهو مصدر من مصادر الاعتبار لا يمكن اغفاله. وعليه فان الإعتبار يجب ان يكون مزدوجا الاول في التحذر من الوقوع في معادلة الخسارة وهو نشر الفوضى وفقدان التوازن الاجتماعي والاداري واختلال النظام الذي يؤدي الى الهزيمة . والثاني هو الحذر من قدرة الله على التنبيه للثغرة القاتلة فيسقط كل حسابات من يعتقد بالنصر فعليه أن يلتزم رضا الله لئلا يهلكه من حيث لا يحتسب. فهذا هو مقتضى الاعتبار العقلائي ، ونِعمَ ما قاله الشيخ الطوسي بشكل متميز في الاعتبار بقوله (معناه اتعظوا وفكروا فلا تفعلوا كما فعل هؤلاء فيحل بكم ما حل بهم . ) ، اما ما يفترضونه من عدم تحديد الاعتبار الا في جانبه العام وهو عدم الكفر بالله فهذا لا يتفق مع نص الآية .
كذا فرضهم أن تخريبهم الداخلي لبيوتهم هو لأجل اخذ نفائس اموالهم من الخشب وغيره وترك البلد ارضا محروقة لا ينتفع بها المسلمون ، الذي صوره الطبرسي بقوله: (أي : يهدمون بيوتهم من داخل ويخربون ما يستحسنونه منها حتى لا يكون للمسلمين ) فهذا يصح لو كانوا قد اخذوا ذلك وفروا من المسلمين، بينما الصحيح هو انهم اخذوا ذلك بعد ان اجلاهم رسول الله وسمح لهم باخذ ما يشائون من اموالهم فحملوا معهم الخشب وغير ذلك .
فالصورة ستكون جد مشوشة اذا كانت غايتهم هذه قبل بدء المعركة ونيتهم الهرب، بينما في الحقيقة لم يكن هذا هو الواقع ، وكان نيتهم القتال داخل القرية ، خلف المتاريس فجائهم المسلمون واسروهم داخل المتاريس بطريقة فتح الفتحات في الجدران. وهم لم يهربوا في جنح الليل بل طردهم رسول الله ص بعد ان ظفر بهم وأسرهم وسمح لهم بنقل اموالهم كما يشاءون.
وعلى كل حال فالصورة مشوشة ولا تخدم الحقيقة وقد حاولت ان استعيد الصورة من هذا الركام الكبير ، ومن اراد ان يتأكد من تشوش الصورة عند المؤرخين واصحاب السيرة والمفسرين ، فعليه ان يراجع مصادرهم فسيرى ما اقوله بكل تأكيد وسيتفاجأ بما سيجده من انعدام المنطق في القصة المعروضة، وسيجد ان القصة التي استنتجتها لعلها اقرب قصة تستنتج من نفس النصوص . ولو طلب مني الاخوة ان اضع النصوص لهذه الحادثة وللتفسير من اجل قراءة الصورة المشوشة ، فسافعل بكل سرور .

وهنا عندي ملاحظة وهي : يبدو ان بعض المفسرين وجد أن القصة غير مترابطة بشكل جيد وفيها امور غير اخلاقية وغير لائقة بالنبي محمد مثل كونه أمر بقطع الشجر وتهديم الجدران انتقاما وما شابه ذلك، أو ان القصة لا تنسجم مع النص القرآني. وقد انتبه الشيخ مكارم شيرازي حفظه الله لوجود تشويش في تفسير الاية فقال ( والعجيب أن جمعا من المفسرين ذكروا إحتمالات للآية لا تتناسب أبدا مع محتواها)
وقد احتمل بعض المفسرين أن أصل مسألة التخريب والتقطيع كناية عن تدمير الذات ، وهذه النتيجة هي للتخلص من تشابك القصة بين المعقول واللا معقول. فقد احتمل الشيخ مكارم شيرازي حفظه الله هذا المعنى فقال : (أو يقال إن لهذه الآية معنى كنائي ، وذلك كقولنا : إن الشخص الفلاني هدم بيته وحياته بيده ، يعني أنه بسبب جهله وتعنته دمر حياته .) ولكنه نفاه بعد ذلك لوجود نصوص في عينية التخريب.
وكذا فسرها السلمي في تفسيره العرفاني : (قال بعضهم : * ( يخربون بيوتهم بأيديهم ) * أي قلوبهم بجهلهم وغفلتهم ).

والحقيقة أن المراد بالتخريب ابعد من هذه الكنايات وانما هو تخريب حقيقي نابع عن رعب واضطراب في التصرف، ولهذا يجب أن نقف على ما نقله الطباطبائي عن بعضهم بقوله في الميزان ( وقيل : المراد بتخريب البيوت اختلال نظام حياتهم فقد خربوا بيوتهم بأيديهم حيث نقضوا الموادعة ،) فهنا فرضَ ان انخراط عقد المعاهدة والموادعة قد جر قهرا الى الهزيمة ، وهذا في الحقيقة ليس دائما فليس كل نقض للعهد يؤدي الى الهزيمة الفورية ، وانما هو الاضطراب والرعب الذي ادى الى تشتيت قواهم خلف المتاريس وتدمير مساكنهم لتكون متاريس فاوحوا هم للمسلمين فكرة اختراقهم من نفس بيوتهم بفتح الفتحات فيها.
ويجب أن ننبه الى أن احد المفسرين نفى اصلا وقوع التخريب من اليهود وانما يصفهم بترك ديارهم فورا ، وهذا خلاف صورة الواقعة ، فقد نقل الرازي (وكان أبو عمرو يقول : الإخراب أن يترك الشيء خرابا والتخريب الهدم ، وبنو النضير خربوا وما أخربوا، قال المبرد : ولا أعلم لهذا وجها) .
وهذا الكلام يدل على حجم الاضطراب في تناول الحدث.

الخلاصة: أن القرآن والعقل يدلان على صحة معادلة الخسارة التي تقول إن من يرتعب ويخرّب بيته من الداخل هو مهزوم حتما ولا بقاء له في ارضه.
وهذا ما يفعله المسلمون في كثير من البلدان الإسلامية الان . ولا يفهم المجتمع الاسلامي خطورة تفكيك الأمن وزرع الفتنة ، وعليه فان قيادات الفتنة الكبرى في العصر الحديث كالوهابية الذين يثيرون الصراعات الدموية بين المسلمين هم اكبر المسؤولين عن سقوط هذه الحضارة وتدمير دين الاسلام كليا ، وهناك قوى اخرى تساعدهم في هذا التوجه الذي يؤدي الى دمار الاسلام من الداخل . فعلينا جميعا ان نقف بوجه هذا التحرك المرعب ، وان نعي بان عدم استقرارنا هو زوالنا المحتم. وهذا هو جوهر نظرية الامامة عند الشيعة ومن اراد التفصيل فعليه ان يقرأ مفهوم الامامة ومبرراتها عند الشيعة.




الخاطرة الثامنة

معضلة الأخلاق في المجتمع الإسلامي


يقول علماء الاجتماع والحضارة الإنسانية: (إن الإنسان اجتماعي بالطبع ) وهذا الكلام لا يختلف عليه عاقل ، فمن سمات الإنسان هو التعويض عن الضعف بقوة الاجتماع بشتى الطرق ، فهو يعوض حاجاته بطلبها من غيره ويعوض عن أمنه بطلبه من المجموع ويعوض عن غذاءه بإنتاج غيره ، ولهذا فالإنسان كائن تبادلي إذا صح التعبير . وهذا الكائن التبادلي يحكمه جملة من قواعد تكوين المجتمع ومن قواعد التبادل في كل شيء يمكن تبادله من لغة وفكر وأشياء عينية ومعنوية . وهذه القواعد بعضها تكويني وبعضها اعتباري يتحكم بها الإنسان نفسه ولكنها في الغالب قواعد عقلية صارمة وثابتة وبعضها يحتوي على قيم نسبية.
كل هذا الكلام لا يختلف فيه عالم ولا عاقل.
ومن فروع هذا الكلام أن أساس نظام المجتمع الإنساني هو القيم وأهمها القيم الأخلاقية ، وبدونها لا يمكن أن يتكون مجتمع ، ولكن لكل مجتمع سقف معين من القيم التي تتحكم بالمجتمع وبهذا السقف تتميز المجتمعات ، وترتقي وقد تهبط في عالم البقاء إلى رتبة الفناء بسبب اختيار أخلاق الفناء. فكم من مجتمعات إنسانية تم تدميرها وفنائها كليا بحكم قيم الظلم والشراسة والعدوان على الحقوق وانعدام الأمن. إنها القيم المعاكسة لقيم بقاء المجتمعات.
وكل امة تعتمد مبادئ أخلاقية معينة ولكن لا ترتقي القيم المصنعة إنسانيا الى القيم التي وضعها الله في دينه القويم ، ولهذا فالديانات الحقة هي ديانات قيم أخلاقية وديانات بناء وتطور الإنسان والمجتمع. وقيم بناء المجتمع فيها من أهم القيم . ولا اقصد بذل النصوص المحرفة للديانات وإنما عقيدتنا في الدين الرباني.
في سنة 1390 هجرية كنت عند المرحوم المرجع الكبير الشيخ محمد أمين زين الدين قدس الله نفسه الزكية فحدثي بحديث لطيف عن مجتمع مصغر في إحدى قرى أفغانستان الشيعية ، فقال: حدثني احد أفاضل طلاب أفغانستان بان هناك بعض القرى فيها مجتمع يعتبر عجيبا في العصر الحالي فهو مجتمع تنعدم فيه الجريمة والمعصية تماما ، فلا سرقات ولا قتل ولا زنى ولا غصب للحقوق ، ولو حدث أي خلاف بين المؤمنين يلجئون إلى مجموعة الحكماء العقلاء فتحل المشكلة في دقائق ويزول الخلاف وأسبابه. وقد بيّن أن هذا المجتمع يعتمد القيم الأخلاقية والالتزام الشرعي التام . وبعد عدة سنوات وقع في يدي احد أعداد مجلة العربي الكويتية وفيها استطلاع عن قرية شيعية في شمال باكستان على حدود افغانستان ، ويتعجب أصحاب الاستطلاع من طبيعة هذا المجتمع الذي تنعدم فيه الجريمة كليا وينعدم فيه اختلال الحقوق ، ويكفي أن انقل من المقال أنه ينقل عن الشرطي الوحيد في المنطقة قوله انه يلح على إدارته على نقله من المنطقة لكونه لا يعمل شيئا مطلقا لعدم وجود أي سبب لوجوده ولا يوجد ما يشغله بأي شيء غير الزيارات وحضور الأفراح والأحزان.
وحين قرأت تاريخ جبل عامل والقرى الشيعية فقد وجدت شيئا عجيبا وهو انعدام الجريمة في هذه البقاع ، وقد حدثني المرحوم المرجع الكبير الشيخ محمد تقي الفقيه قدس الله نفسه بأنه في دراسته عن تاريخ جبل عامل لم يثبت وجود جريمة قتل إلا واحدة فقط خلال ستة قرون وقد اهتز لها مجتمع جبل عامل ، ولا تزال قرى جبل عامل تمتاز بميزة عجيبة وهي انعدام السرقات وبقاء الأبواب مفتوحة ولولا دخول الحيوانات لما أغلق عاملي بابه في كثير من القرى الطيبة لحد هذا التاريخ.
واما مدينة النجف الأشرف فقد تعجب اذا قلت لك أنها خلال ألف عام لم يكن فيها جريمة قتل أو زنى او أي من المعاصي الكبيرة (عدا ما أحدثته الحكومة العثمانية من فتنة الزكرت والشمرت بعد طرد الوهابية وهي فتنة مضخمة في اذهان النجفيين لكونها معصية كبيرة ) ، ولم تبدأ فيها المعاصي الا في سنة 1956 ميلادية بفعل متعمد من قبل الحكومة حيث فرض على المدينة دخول الغرباء وحماية المجرمين وكانت المقاومة في البداية لهذه الظاهرة قوية جدا ولكنها خفت نتيجة قتل كل مقاوم لظاهرة الخروج على الشرع. ولازالت رعاية الجريمة في المدينة من قبل الطائفيين حقدا على علي بن ابي طالب من اجل ان يقال ان مدينة علي بن ابي طالب تحوي المجرمين، ولكن ستزول هذه الظاهرة بشكل تام بعد فترة، فقد تغيرت الأمور هناك كما يبدو وأصبح لمقاومي الجريمة صولة وجولة ناجحة وستتغير كل مخططات أعداء الإنسانية الغارقين بالطائفية البغيضة وستزول آثار عداونهم وستظل هذه الفترة عارا في جبين هؤلاء الطائفيين الذين نشروا الرذيلة لمجرد الخلاف الطائفي والحقد الأعمى ، وهل هناك فضيلة لمن ينشر الرذيلة في مجتمع عدوه حسدا منه لأنه مجتمع ليس فيه رذيلة أصلا؟
وهذه الصورة المشرقة هي الأصل في تطبيق مبادئ الإسلام وليست هي الاستثناء كما قد يتصور البعض ممن ألف المعصية والجريمة في مجتمعه. فالإسلام قد رسم صورة مشرقة لمجتمع سعيد بمبادئه الأخلاقية والقيم العالية البناء.
وكأبسط صورة فقد وصف الله المجتمع المدني في زمن الرسول ص وصفا عظيما والذي سرعان ما تغير بحكم دخول مبادئ دخيلة مثل كونه مجتمعا يسعى لإقامة الدار والايمان والمحبة والإيثار والكرم والاستغفار ورفع الغل من النفوس ، كما في آيات سورة الحشر : (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [8] وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [9] وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر : 10]

ويمكن بكل سهولة حين مراجعة آيات القرآن الكريم ان نجد الأسس الأخلاقية لتكوين المجتمع المثالي مثل أحكام وجوب الصدق و الأمانة وحفظ أموال عموم الناس وخصوصا القاصرين منهم إلا بما ينفعهم بالتي هي أحسن وإيفاء الكيل والميزان والعدل في التعامل ، والإيفاء بالعهود وعدم النقض وأداء الأمانات إلى اهلها (حسن الائتمان) والحكم بين الناس بالعدل والبذل لذوي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر ، ومدح الصابرين والقانتين والقانعين والمنفقين وعدم الاستجابة للدعايات والتشويش والتخويف وشكر الله على نعمة الأمن مع إن المجتمعات تتخطف بعضها بالعدوان وبالغزوات الظالمة، وهذه وغيرها كثير من المفاهيم المؤسسة لمجتمع مثالي جدا يتمتع بالسعادة والطمأنينة والقدرة على البقاء والنمو. ( لقد اعددت الكثير من الآيات الكريمة ولكن حذفتها اختصارا ولأنني في الغالب اكلم من يعتني بالقرآن الكريم ويعرف هذه الإشارات)

وهنا نأتي الى واقع المجتمع الإسلامي بعد الرسول ص. فهل استمر في تبني هذه الباقة من الأخلاق الفاضلة؟
للأسف لو طالعنا تاريخ الإسلام ووصلنا الى واقع المجتمع الإسلامي الحالي سنجد أن الأخلاق اخر ما يسأل عنها المسلم من قمة الهرم وهي الخلافة إلى ادنى مستويات المجتمع.
فالعدل مرفوض والصدق معدوم والأمانة ميتة والإيثار معندم واستبدل بالانانية وأما حسن المعشر وغير ذلك فهو مرهون اما بالتكتلات الاجتماعية او مرهون بالتعصب الطائفي فمعاشرة كثير من المسلمين لا تطلب. ولكن قد تجد حسن معشر عند مجتمع مسلم مصغر ولكنه تراه ينقلب الى سوء معشر حين تتخالط الأعراق أو المذاهب أو حتى أبناء الأقاليم ، فالتركي يحتقر الجميع ويسوء معاملتهم والعربي يحتقر الجميع ويسوء معاملتهم وكذا الهندي والبربري والفارسي .
واما في المذاهب فلا نجد سوء معشر كما نجد في اجتماع أصحاب المذاهب ، وقد يكون هناك ظاهرة إقليمية حتى في العرق الواحد والمذهب الواحد فابناء الجنوب وابناء الشمال وابناء الشرق مع ابناء الغرب كلهم يتعاملون بسوء خلق واحتقار مستغرب لا يشبهه الا ما عند الكفار من تنابز وإساءات وثلب في غيبة الناس .
وخلاصة امر معاشرة الناس وحسنها عند المسلمين هو سيادة أخلاق القرية وتكتلاتها الاجتماعية الضرورية واما ما عداها فهي اخلاق غير ملزمة وغير متفشية في المجتمع الإسلامي فقلما تجد من يعتذر للاخر في المدن الكبيرة فينما تجد الانسان الكافر في المدن المتحضرة يكثر من الاعتذار والابتسامة بوجوه الناس والليونة في التعامل وما شابه ذلك من متطلبات حسن المعشر.
وهنا قد يأتي تساؤل مهم وهو: هل إن سوء خلق المسلمين تابع لدينهم؟ وحسن اخلاق بعض الامم المتحضرة غير الإسلامية تابع لدينها ؟
الحقيقة ان من يدرس الأديان يجد اغلب ما هو مثبت من نصوص مزيفة عند الكثير من الأديان يامر بعكس الاخلاق فخذ مثلا ، التوراة ستجد أنها تفرق بين زنا وزنا وبين قتل وقتل وبين كذب وكذب وبين اعتداء واعتداء ، فاذا كان القتل او الزنى او الكذب والاعتداء وسلب الحقوق واقعا على يهودي فهو محرم واذا كان واقعا على أممي فهو من المستحبات ويكفيك كتاب (استير وهو كتاب مقدس كامل يتبارك بزنى استير مع الاممين لمصلحة اليهود).
وقد تقول لي بان كتب الديانات الشرقية مثل الهندوسية والبوذية مليئة بمعالي الاخلاق فاقول لك انه قد فاتك انها ديانات مبنية على الطبقية فالأخلاق مطلوبة من الطبقة العليا القليلة العدد مع بعضها وغير مطلوبة مطلقا مع من هي ادنى منها واما طبقة العامة فلا يحكمها شيء ولا تكليف عليها بل هي كالحيوانات عندهم.
فملخص ما رأيناه من قراءة مجمل الديانات في الأرض نجده لا يتصف بالدعوة الى الأخلاق الفاضلة بينما نجده في القرآن بشكل واضح وصريح ويؤسس بناء مجتمع أخلاقي بكل وضوح.
فما السر في اعتماد الأمم التي لا وجود للقيم الأخلاقية في ديانتها على القيم الأخلاقية بشكلها العام او الظاهر على اقل تقدير بينما ينعدم ذلك من مجتمع مسلم مبني أساس على دين يدعو لمجتمع أخلاقي؟
ويجب ان نشير الى ان بعض الباحثين يقولون هذا تعميم على المجتمعات الاسلامية قد يكون فيه ظلم لها وذلك لوجود بعض الأخلاق في بعض مجتمعاتها الصغيرة وهو حصول تحقق اجمالي . فاقول : قدمت ان الاخلاق بمعنى حسن المعشر على نطاق فكر القرية او المحلة موجود ولكن ليس هو عمود الاخلاق وسيأتي ما يدعم هذا السؤال المتقدم للفرق بين التمسك الأخلاقي في المجتمعات رغم المخالفة مع الديانة نفسها ، حيث ان اليهودي مدعو للكذب على الآخرين ولكننا نجده حريصا -في التعامل التجاري مثلا - على التمسك بالامانة والصدق وحسن المعاشرة وكذا البوذي الياباني والكوري وكذا النصراني ، بينما قلما نجد تاجرا أمينا في سوق المسلمين واذا تعامل مع غير مذهبه او غير طينته ينقلب إلى وحش كاسر ومعتدٍ على الحقوق بشكل عجيب الا اذا وجد قوة او شهوة فيما يعتقد عند الطرف المقابل.
السر بسيط جدا .
المسلم لا يعي وجوده نتيجة تغييب الحاكم لشخصيته ومسخها الى شخصية غريبة الأطوار ، بينما الكافر المتحضر يعي وجوده ويعتقد أن مفهوم الاجتماع يقتضي المحافظة على معايير الأمانة والصدق والعدل وبقية القيم الأخلاقية من اجل النمو عبر تثبيت الموثوقية والمصداقية لشخصيته ولامته حتى يرتفع بين الأمم ، لان التبادل يعتمد في ثباته وثبات نموه على المصداقية الدائمة والثابتة. بينما لا يعي المسلم هذا مطلقا . فلا الأخلاق عنده ضرورة دينية وهو لا يعترف بتعاليم دينه إلا بالمقدار اللساني ولا يعترف بان الأخلاق مصلحة له ولامته من اجل النهوض والترقي.
وليس من العسير عليك أن تجد في مجتمعك أو في شارعك من تستغرب له لارتكابه أخطاء أخلاقية عجيبة فإذا تعامل بخس في الميزان وإذا وعد لم يفي وإذا وجد اقل غفله من جاره سطى على ماله وحقوقه ، فقد حدثت قضية طريفة في عمارة سكنية وهي إن ساكنا اجنبيا لاحظ سرعة استهلاك وقود التدفئة في بيته وخزانات الوقود في سطح البناية ، فاخبر بذلك حارس البناية ليعرف سر هذا النفاذ السريع للوقود؟ هل هو ناتج عن تسرب او سرقة او سوء في الحارقة ؟ وما شابه ذلك ، فبقي الحارس يراقب فوجد أن إمام الجامع الساكن في نفس البناية قد عمل ثقبا صغيرا في خزان هذا الرجل الأجنبي وهو يوميا قبل صلاة الصبح يصعد للسطح ليمد أنبوبا بلاستيكيا رفيعا ويسحب حوالي عشرين إلى ثلاثين لتر من الوقود يوميا ويفرغها في خزانه ، وبعد أن تأكد الحارس اخبر الشرطة والقي القبض على إمام الجامع وهو يقوم بعملية التفريغ المقدسة ، فقال أمام الشرطة وبكل صلافة ان هذا الأجنبي مبتدع لا حرمة لماله فإذا لم افعل ذلك سيحاسبني الله على عدم إظهار عدم حرمة مال المبتدع. فقيل له انه من قومك ومن أهل لغتك ومن دينك فقال فليكن ولكنه يختلف معي في المشرب وهو عندي من أهل البدعة (طبعا كلاهما سني المذهب ولكنهما مختلفان فالإمام السارق سلفي والمسروق ضد السلفية) . هذه الحادثة ليست حالة مبالغة وليس مختصة بالفكر السلفي وإنما هي حالة عامة في المجتمعات الإسلامية الكبرى خصوصا في المدن الكبيرة . وهي تختلف كليا عن التزامات أهل القرية المليئة بالخوف والرعب من الملاحظة والتسقيط العام.
ما يجري في المجتمع قد لا يكون ذو أهمية كبرى تجاه القيم السائدة في أساس الحكم عند المسلمين وهو مصدر التوجيه والرعاية للمجتمع الاسلامي، وللاسف نجد الحاكم المسلم يتصف بأعلى درجات الظلم والكذب والخديعة والجبن مع الصلافة ، وليس له أي أمان او التزام أخلاقي ، فاذا طلب الحاكم من أصدقاءه الحكام الحكام الالتزام بالامن المشترك سيكون هو أول متآمر عليهم مع أعدائهم الداخليين والخارجيين من اجل القضاء عليهم، إن من يعرف حالة الحكام المسلمين يعرف انه يعيش في مجتمع ذئاب متحفزة لنهش لحوم بعضها فما أن تحين فرصة للانقضاض الا ورأينا الدماء انهارا بلا أي سبب خارج عن شهوة السلطة وطلب العلو في الأرض على البشر .
ولكن هل ينتصر المسلمون في المعارك ؟ نتيجة دمويتهم ؟
الجواب انه طيلة التاريخ الاسلامي منذ زمن العباسيين أنفسهم بل حتى قبلهم لا يوجد انتصارات حقيقية فقد تكون هناك معركة فيها نوع من النصر ولكن في النتيجة هي المراوحة على نفس المكان ، فلو استثنينا التقدم المغولي في الهند والتقدم العثماني القليل في أوربا، فليس عند المسلمين الا الهزائم والهروب من ساحة المعركة ولكن قد ينتصرون بالأكاذيب وبث الدعايات على الشعوب الفقيرة والمسكينة التي لا تدري ما القضية؟ وذلك لآن الحاكم كاذب وهو متآمر والمعركة كاذبة بالاساس ، والمحكوم لا يتصف بالالتزام الأخلاقي تجاه بلده ولا اتجاه دينه فيولي الدبر بكل سهولة ولا يحتاج إلى تعليل وتبرير لمخالفته لدينه في الثبات والإيثار .
وماذا نقول لوصف حالة المسلمين الأخلاقية ؟
إنها أسوء صورة عرفها التاريخ.
وهنا مصدر العجب.
فأمة دينها يبني مجتمعا على أرقى معالي الاخلاق فتتصف باسوء الأخلاق من الظلم والجور والكذب والخيانة والغش و الخدعة وسوء المعاملة وفحش الالفاظ وعير ذلك مما هو اسوء خلق عرفه الانسان.
المسؤول الأول هو الحكام الأوائل الذين أسسوا أساس الظلم والجور وحرفوا تعاليم الإسلام وجعلوا الفكر الإسلامي عجينة طيعة لتبرير سوء الخلق والخروج على الدين باسم الدين وقد وصلت نظريات الحكام المسلمين الى اعتبار الحاكم أهم مصدر للتشريع وان الله يتابع الحاكم في قراراته وليس حاكما عليها. والعياذ بالله من هذا الكفر الفضيع الذي دعا إليه اغلب حكام المسلين لحد هذا اليوم .
ولا احتاج أن ازيد من تنبيه المثقف المسلم لما عليه أسس نبذ الاخلاق في النظريات المذهبية التي تسمى مقالات المسلمين مثل رفض مبدأ العدل وتبرير ظلم الحاكم وخديعته وكذبه ، والضغط على الناس حين تجويعيهم وترذيلهم بان هذا أمر الله والحاكم ليس بيده شيئا وانما هي من الله مباشرة ومن قال بأنها من الحاكم ومن عند أنفسهم فقد كفر قطعا ويجب قطع رأسه لأن هذا الكلام يعني تجريد الله من سلطانه فكيف يخلق الإنسان فعله والله موجود؟
اذن يجب على المسلم قبول كل رذيلة على أنها من الله وان الله نفسه لا تمتنع عليه الرذائل (حاشاه سبحانه وتعالى) وهناك عشرات المقالات العقدية والفقهية التي تؤسس لدين لا أخلاقي يعتمد سيف الحاكم بدل الخلق والالتزام الديني . ولا يمكن استقصاءها جميعا ويكفيك أن تنظر في باب الحيل الشرعية وباب العقيدة في الجبر والتكليف والحسن والقبح وغير ذلك فستجد المبررات الشرعية المذهبية لسوء الاخلاق وتنسب للإسلام بكل وقاحة وينسب الكفر لمن يخالفها بكل صلافة وهي مناقضة للإسلام جوهرا وصورة.
لو أردنا ان نناقش أسس البناء اللا أخلاقي في فكر المسلمين فسندخل نفقا مظلما وسنتهم بمخالفة الدين وإننا نقول بخلق فعل الإنسان وبالتمرد على الله وهذا كفر فضيع وما شابه ذلك من نقاش بيزنطي مبني على الخديعة والتحريف للنصوص بشكل واضح لدينا ولكنه معكوس تماما لدى الآخرين ، فلهذا ليس من المجدي معالجة مشكلة الأخلاق عند المسلمين مرحليا على أساس النقاش في الأسس النظرية لتبرير انعدام القيم الأخلاقية بل يجب التفكير بطريقة أخرى أكثر نجاحا .
يجب على المسلمين إحداث ثورة أخلاقية لبناء مجتمع يمكن أن يتطور بشكل صحيح ويمكن أن يساير العالم في ركب الحضارة والتحضر ، ولكن ما هو اساس هذه الثورة؟ وعلى ماذا تستند اذا كانت المبررات الدينية المذهبية مخالفة لهذه الثورة؟
أقول انه على أساس المصلحة للفرد وللمجتمع .
المصلحة هي التي تدعونا للتمسك بالأخلاق ومعالي معاييرها. فحين نطالب كل موظف بتحديد نفعه من المال العام وحين نطالب كل حاكم بالالتزام بالعهود والمواثيق وعدم الخيانة ، وحين نطالب المجتمع ببذل أقصى الجهد في سبيل تحصيل صورة المصداقية والموثوقية للفرد المسلم وللتاجر المسلم ، فإننا سنكون مركز استقطاب العالم لأن حكمنا سيكون نظيفا أخلاقيا وشعبنا سيكون ملتزما أخلاقيا يمكن التعامل معه بسهولة وليس كما هو عليه حال بعض الشعوب فأنت حين تشتري بضاعة من الصين الشيوعية يجب أن تنظرها بنفسك وتعزلها وتشحنها حتى تطمئن من عدم التبديل والغش ، فلو كنتَ قادرا على إنتاج ما تنتجه الصين وترسله على أسس الموثوقية الرائعة بلا نظر من المشتري ، فانك ستعمل في عالم التجارة بما لا يسعه زمنك ولا تستطيع ان تؤديه وحدك لكثرته وكبير حجمه ، وهذا بنفسه أعظم المصلحة التي تجر النفع لك ولجميع المجتمع المسلم.
فنحن ندعو المسلمين أن يقلدوا كل الأمم التي لا تؤمن بالقيم الأخلاقية ولكنها تعمل بالقيم الأخلاقية من اجل رفعة مجتمعها وقوة دولتها وانتشار سلطانها بين الأمم . من دون أن ندخل نقاشا بيزنطيا معهم في ضرورة الأخلاق دينيا بعدما اسقطت الكثير من المذاهب الإسلامية أسس الخلاق وقيمها الحقيقية حينما انكرت القيمة نفسها وحينما أنكرت فعل الإنسان وقدرته وإرادته وحينما حرفت النصوص وانقلب الظلم عدلا والعدل ظلما والصدق قبحا والكذب حسنا . فلا ينبغي لنا الآن الدخول في هذه المتاهة -رغم أهمية مناقشتها بعمق- حتى لا نبقى بلا أخلاق فيسير قطار الأمم علينا وتفوتنا المصلحة والتقدم المنشود .
ولو استعملنا المعايير الأخلاقية لأسباب مصلحية فقط فسنخلص من الحاكم الجائر ومن أفعاله العجيبة في التسلط على أرواح وأموال وأعراض المسلمين ، لأن من يجد نفسه مطالبا بالأمانة والصدق وعدم مخالفة النظم الأخلاقية سوف لن يستطيع ان يتجبر ويفعل الكثير من الجرائم المعهودة وإنما سيمارس جرائم صغيرة ومخفية بحسب شهوته وسوف يأمن الناس من غائلته ووحشيته التي نراها الآن بكل وضوح على جميع حكام المسلمين تقريبا.
علينا أن نطالب بالأمانة ونبذ الخيانة والإيثار وبناء مجتمع كمجتمع القرآن من دون ان ندعو لتطبيق القران نفسه لئلا نكفر في مذاهبهم التي تقول إن الدين مبني على الخيانة والظلم ومن قال غير ذلك فقد كفر بالله واشرك.