المفهوم المعروف للعن مفهوم غير إسلامي ..

18 أبريل 2010
48
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم معاوية وقريش للعن يختلف عن المفهوم الإسلامي

المفهوم الإسلامي للعن أنه حكم إلهي بطرد شخص شرِّير من رحمة الله تعالى ، وهو كأي حكم لايثبت إلا بإخبار وتبليغ من النبي صلى الله عليه وآله ، فلا يكون إلا بوحي الله تعالى ، فيكون معنى قوله صلى الله عليه وآله : لعن الله فلاناً ، أن الله أخبرني أنه صدر فيه حكم الطرد من رحمته ، وها أنا أخبركم. فاللعن لا يتحقق إلا بإخبار معصوم.
أما إنشاء اللعن بقولك: لعن الله فلاناً ، فمعناه أني ألعن من لعنه الله تعالى ، فإن كان الشخص صدر لعنه من الله تعالى فقد وقع لعنك في محله ، وإلا فهو مجرد ادعاء منك ، ليس له أي أثر !
أما في مفهوم معاوية وقريش ، فاللعن إنشاءٌ ، وله تأثير وضعي(أتوماتيكي) من أي شخص صدر ! وقد أخذوه من ثقافتهم الوثنية ، وثقافة اليهود ، كما ستعرف !
وقد أصر القرشيون على ذلك وادعى رواتهم أن لعن النبي صلى الله عليه وآله لزعماء قريش المشركين كان عملاً من عند نفسه ، وأن الله تعالى وبَّخَه على ذلك وأنزل عليه آية (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَئٌْ) فندم النبي ودعا الله أن يجعل لعنته لقريش وظلمه لهم (صلاةً وقربةً ، وزكاةً وأجراً ، وزكاةً ورحمةً ، وكفارةً له يوم القيامة ، وقربةً تقربه بها يوم القيامة ، ومغفرةً وعافيةً ، وكذا وكذا .. وبركةً ورحمةً ومغفرةً وصلاةً .. على حدِّ تعابيرهم )! في عشرات الروايات في أصح كتبهم (البخاري:7/157) ! فصار الملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وآله بهذه الأدعية أربح وأفضل من غيرهم !
لكن مع كل ما قاله القرشيون لتهوين اللعن ، بقيت حساسيتهم منه عالية متأثرة بالمفهوم الجاهلي ، حتى لو أن شخصاً لعن بعيراً لنفروا منه ، لأنه حلت فيه اللعنة وصار مشؤوماً ، وسقط عن الإستفادة ! بل لم يرافقوه مع حاجتهم الشديدة اليه !
وقد فعل ذلك عمر ! ففي مصنف ابن أبي شيبة:6/163 بسند صحيح عندهم: (بينما عمر يسير في أصحابه وفي القوم رجل يسير على بعير له من القوم يضعه حيث يشاء فلا أدري بما التوى عليه فلعنه ، فقال عمر: من هذا اللاعن؟ قالوا: فلان ، قال: تخلف عنا أنت وبعيرك ، لاتصحبنا راحلة ملعونة) !! (وكنز العمال:3/877) .
ثم نسبوا ذلك الى النبي صلى الله عليه وآله فرووا في صحيح مسلم:8/23: (بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي(ص)وتضايق بهم الجبل فقال: حِلّْ ، اللهم العنها ! قال فقال النبي(ص): لاتصاحبنا ناقة عليها لعنة) ! وقال النووي: (وفي رواية: لاتصاحبنا راحلة عليها لعنة من الله تعالى) ( الأذكار النووية ص352).
وفي مجمع الزوائد:8/76: ( وعن أنس بن مالك قال سار رجل مع النبي فلعن بعيره فقال النبي(ص): يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون . رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط بنحوه ورجال أبي يعلي رجال الصحيح . وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله(ص)في مسير فلعن رجل ناقة فقال: أين صاحب الناقة؟ فقال الرجل: أنا . فقال: أخرها فقد أجبت فيها . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
وفي فيض القديرللمناوي:1/441: لكن يقويه رواية الديلمي له بلفظ: إذا أحرم أحدكم فليؤمن على دعائه إذا قال اللهم اغفر لنا ، فليقل آمين ، ولا يلعن بهيمة ولا إنساناً ، فإن دعاءه مستجاب) . انتهى .
فهذه أربعة أحاديث (صحيحة عندهم) تؤيد فعل عمر ! وتدل على أن اللعن أمرٌ إنشائي ، وأن الجارية أو الرجل إذا لعنا شخصاً أو حيواناً ، فقد حلت عليه اللعنة الإلهية وسكنت في دمه وروحه ، وصار مشؤوماً ! وكل لعنة مستجابة ، ولعنة المحرم خاصة كما في الحديث الرابع ، فلعنته لشخص تجعله شراً محضاً !
قال الطبراني في كتاب الدعاء ص576: ( عن عمران بن حصين قال: لعنت امرأة ناقة لها فقال النبي(ص)إنها ملعونة فحِلُّوا عنها ! (أي حلوا رباط حملها وخذوه عنها)قال: فلقد رأيتها تتبع المنازل ، ما يعرض لها أحد ، ناقة ورقاء)!

وهكذا صارت الناقة الورقاء الجميلة ملعونة يجب تركها والإبتعاد عنها ! حتى لايتعرض الشخص لشر اللعنة الإلهية التي حلت فيها !
هذا هو الإسلام القرشي ! وأكثر منه ، فقد قال ابن رجب الحنبلي في شرح حديث لبيك ص47: (وكان بعض السلف لا يدخل بيته بشئ ملعون ، ولا يأكل من بيض دجاجة يلعنها ، ولا يشرب من لبن شاة لعنها ! قال بعضهم: ما أكلت شيئاً ملعوناً قط . وذكر ابن حامد من أصحابنا عن أحمد قال: من لعن عبده فعليه أن يعتقه ، أو شيئاً من ماله أن عليه أن يتصدق به ! قال: ويجئ في لعن زوجته أنه يلزمه أن يطلقها). انتهى .
ولذلك مدحوا رواتهم وعلماءهم بأنهم لايلعنون شيئاً ! فروى ابن سعد:7/223: أن النكري: (حدث أن أبا الجوزاء لم يلعن شيئاً قط ولم يأكل شيئاً لُعن قط ، قال: حتى إن كان ليرشو الخادم في الشهر الدرهم والدرهمين حتى لاتلعن الطعام إذا أصابها حر التنور) !! (وحلية الأولياء:3/79).
وهكذا يمكنك أن تشتري مصيرك من الطباخة بدرهمين ، حتى لاتطعمك طعاماً أو خبزاً ملعوناً فيجري في دمك وتكون ملعوناً أو نصف ملعون !
وهكذا يتهمون الله تعالى بأنه غير عادل ، لأنه جعل مصير الناس على أسوأ من كف عفريت ! جعله على ألسنة كل الناس ، وكم فيهم أصحاب ألسنة حداد !
ما أدري كيف يتعقل علماؤهم أن الله الحكيم الحليم ، يجعل رضاه وغضبه ، ومصير إنسان أو حيوان ، لعبة بيد رجل عامي أو امرأة ؟! فما أسهل أن يقوم شخص بلعن كل طعامهم وشرابهم فيحرمهم منه ، أو يلعن أشخاصهم فتحل فيها اللعنة ! ولو سألنا من يعتقد بهذه العقيدة اليهودية كإمامهم ابن رجب: لو أن أحداً لعن إمامه ابن تيمية فهل يتركه ويهرب منه ؟!
إن مشكلتهم الذهنية أنهم أخذوا من اليهود ، فخلطوا الإنشاء الإمضائي للعن ، الذي يتحدث عنه القرآن ، والإنشاء المحض وجعلوه كافياً لوقوع اللعنة !
ومشكلتهم قبل ذلك سياسية ، فهم يريدون أن يكون اللعن إنشاء ، ولا يقبلونه إخباراً فقط ، لأنهم لاطريق لهم لتخليص الملعونين القرشيين المحبوبين عندهم ، إلا بإعطاء قيمة دينية لإنشا ءاللعن !
وهذا العنصر القرشي الجاهلي في اللعن ، مهمٌّ عند معاوية ، فهو يريد أن يَصْدُر من الناس إنشاء لعن متواصل على علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته بني هاشم ، ليؤثر فيهم تأثيراً وضعياً وتحل عليهم اللعنة الإلهية ، وينظر لهم الناس بهذا المنظار ! وقد بحثنا ذلك في كتاب ألف سؤال وإشكال على المخالفين:2/مسألة 145.


المفهوم الإسلامي للَّعن في مذهب أهل البيت عليهم السلام


اللعن في مذهب أهل البيت عليهم السلام في أصله إخبار ، لأنه قرار إلهي تابع لقوانين يعلمها الله تعالى وحده ، وقد يُعلِّمها لنبيه والأوصياءمن آله صلى الله عليه وآله .
وهو قرارٌ يتضمن ثلاثة أحكام: الحكم على صاحبه بأنه يستحق النار ، والحكم عليه بأنه لا يؤمل منه الخير ، والحكم عليه بالطرد من مجتمع المؤمنين في الدنيا .
أما إنشاء اللعن من غير المعصوم عليه السلام فهو تصديقٌ له صلى الله عليه وآله في إخباره بلعن الملعونين ، واتباعٌ له بالبراءة ممن لعنه الله تعالى ، أو رسوله صلى الله عليه وآله أو أوصياؤه عليهم السلام .
فاللعن حق محصور بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والمعصومين عليهم السلام لأنه لايمكن لغيرهم أن يعرف موجبات استحقاقه ، وأن فلاناً ملعونٌ عند الله أو غير ملعون ؟!

**
إن اللعن ككل أفعال الله الحكيمة العادلة له قانون استحقاق ، فلا تتصور أنه فوضى ، وأن كل إنسان يمكنه أن يلعن فيزرع اللعنة في دم إنسان أو حيوان ! وهذا معنى مارواه الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها ترددت بينهما فإن وجدت مساغاً وإلا رجعت على صاحبها ) . (الكافي:2/360 ، وشبيهه في تفسير الطبري:13/278، وقريب من معناه في مجمع الزائد:8/74 ، ووثقه وقال رواه أحمد). ومساغها هو الملعون من الله تعالى ورسوله وأوصيائه عليهم السلام فقط ، وإلا كان لعنه سبّاً وشتماً للناس لايؤثر عليهم شيئاً بل يرجع على صاحبه ، فينال جزاءه !

لقد طمأن أهل البيت عليهم السلام المسلمين بقاعدة عقلية تقول إن الله تعالى لايمكن أن يلعن المؤمن واستدلوا بقوله تعالى:إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً. (الأحزاب:64) ، وأن المؤمن الذي يرتكب جريمة توجب لعنه ، يكون خرج عن الإيمان .
ففي الكافي :2/27: عن الإمام الباقر عليه السلام قال من حديث: ( لما أذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله في الخروج من مكة إلى المدينة ، أنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض ، وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها وبها النار لمن عمل بها ، وأنزل في بيان القاتل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً . ولا يلعن الله مؤمناً قال الله عز وجل: إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً).

أما لعن المعصوم لأحد فمعناه: أن الله تعالى لعنه وأخرجه من الإيمان وحكم عليه باستحقاق العذاب ، ولذا قد يهدد المعصوم أناساً باللعن ليردعهم بذلك عن معصيتهم ، كما هدد الإمام الصادق عليه السلام تاركي الأمر بالمعروف! (الكافي:8/158)

ولذلك لاتجد في مصادرنا لعناً غير منطقي ، فلا امرأة تلعن ناقتها فتصير ملعونة ، فيأمر النبي صلى الله عليه وآله بطردها من الخدمة ! ولا رجل يلعن بعيره كذلك !
ولا أثر للعن الناس على حيوان أوإنسان أوطعام ، ولو أتعب اللاعن نفسه من الصباح الى المساء ! بل لعنه لغوٌ أو عبثٌ ، أو ظلمٌ يرجع على صاحبه ، إلا أن يكون لمن ثبت استحقاقه للعن بنص الله تعالى ورسوله وآله صلى الله عليه وآله فيقع في محله .

وعليه ، فإن لعن معاوية وبني أمية لعلي وأهل بيته عليهم السلام ليس أكثر من ظلامة يرجع اللعن فيها على فاعليها والآمرين بها ، ويرجع ثوابه للمظلومين الطاهرين .

وفي المقابل ، فإن الملعون بحق كزعماء قريش وبني أمية ، وكافة من صدر فيهم لعن في القرآن أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو لسان أحد من المعصومين من عترته عليهم السلام ، لاينفعه أن يمدحه الناس ويعظموه ويقدسوه ! فهو ملعون من قرنه الى قدمه ، شاء أم أبى ، وشاء الخلق أم أبوا ، ولا وسيلة ولا حيلة لرد اللعن عنه ، أو تخفيفه عليه ، كما أراد رواة قريش لزعمائهم !
ففي الكافي:2/187، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً إلا حضر من الملائكة مثلهم ، فإن دعوا بخير أمَّنوا ، وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم ، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاها .
وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين ، فإن تكلموا تكلم الشيطان بنحو كلامهم ، وإذا ضحكوا ضحكوا معهم ، وإذا نالوا من أولياء الله نالوا معهم ! فمن ابتلي من المؤمنين بهم ، فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك شيطان ولا جليسه ، فإنَّ غضب الله عز وجل لا يقوم له شئ ، ولعنته لا يردها شئ ، ثم قال صلوات الله عليه: فإن لم يستطع فلينكر ولو بقلبه وليقم ، ولو حلب شاة أو فواق ناقة): انتهى.
بل ورد أن اللعنة قد تسري الى البطن السابع من الذرية ، فعن الإمام الرضا عليه السلام قال: (أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام : إذا أُطعتُ رضيتُ ، وإذا رضيتُ باركتُ ، وليس لبركتي نهاية . وإذا عُصِيتُ غضبتُ ، وإذا غضبتُ لَعَنْتُ ولعنتي تبلغ السابع من الورى) ! (الكافي:2/275) .
بل قد تسري في ذرية الملعون الى يوم القيامة ، فقد قال الإمام الباقر عليه السلام لسدير عندما اقترح عليه امرأة ليتزوجها فقال عليه السلام : (يا سدير ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن قوماً فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة ، وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار).(الكافي:5/569).


المفهوم القرشي للَّعن كالمفهوم اليهودي !

1- نجد في ثقافة اليهود والنصارى أن الله سبحانه لعن قابيل لقتله هابيل: (1. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك).(العهد القديم ص8)
وهذا يشبه ما في القرآن ، ولا يتناقض معه .
2- ونجد لعنة نوح عليه السلام لحام وذريته وتبريكه لسام! فقد اتهمت توراتهم نوحاً عليه السلام بأنه شرب خمراً ! ونام فانكشفت عورته فلم يسترها كنعان ، فلعنه وجعل ذريته عبيداً للساميين ! قالت: (وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً . 21. وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه . 22. فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجا . 23. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء . فلم يبصرا عورة أبيهما .24. فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير . 25. فقال ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته. 26. وقال مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبداً لهم . 27. ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبدا لهم).(العهد القديم/15). وهذا من أساطيرهم في تفضيل الساميين وذم الحاميين !
3- ونجد أن اللعنة عندهم تشمل حتى الأنبياء عليهم السلام !
(27. أبوك الأول أخطأ ووسطاؤك عصوا عليَّ . 28. فدنست رؤساء القدس ، ودفعت يعقوب إلى اللعن ، وإسرائيل إلى الشتائم). (العهد القديم ص1045).
وهذا من افتراء اليهود على أنبياء الله عليهم السلام !
4- وأن اللعنة قد تتحول الى بركة كما زعم القرشيون لزعمائهم: (لأنهم لم يلاقوا بني إسرائيل بالخبز والماء ، بل استأجروا عليهم بلعام لكي يلعنهم وحول إلهنا اللعنة إلى بركة). (العهد القديم ص776).
ومن هنا تعلم القرشيون فرية أن النبي صلى الله عليه وآله طلب من ربه تحويل لعنته الى بركة !

5- وأن البركة كاللعنة تقع على المبارك عليه حتى بالحيلة: (أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة....(العهد القديم ص298) . وقد أطالت التوراة ص42 وما بعدها في رواية قصة يعقوب ، كيف احتال على أبيه إسحاق وكذب عليه فأوهمه أنه أخوه عيسو وسرق بركته ! قالت: (26.فقال له إسحق أبوه تقدم وقبلني يا ابني . 27. فتقدم وقبله فشم رائحة ثيابه وباركه وقال أنظر رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب . 28. فليعطك الله من ندى السماء . ومن دسم الأرض . وكثرة حنطة وخمر. 29. ليستعبد لك شعوب . وتسجد لك قبائل . كن سيدا لإخوتك . وليسجد لك بنو أمك . ليكن لاعنوك ملعونين . ومباركوك مباركين... 34. فعندما سمع عيسو كلام أبيه صرخ صرخة عظيمة ومرة جداً وقال لأبيه باركني أنا أيضاً يا أبي. 35. فقال قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك) !! انتهى. ومنه أخذ القرشيون مقولة أن اللعنة تؤثر(أتوماتيكياً)من أي شخص صدرت ، وبدون أي قانون للإستحقاق !

6- وأن اللعنة وقعت على اليهود ، فلا ترتفع حتى اليوم الموعود لخروج الرب !
(10. وتتحول الأرض كلها كالعربة من جبع إلى رمون جنوب أورشليم . وترتفع وتعمر في مكانها من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزوايا ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك . 11. فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن ، فتعمر أورشليم بالأمن). ( العهد القديم ص1353) . (وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الانسان ، لأن تصور قلب الانسان شرير منذ حداثته . ولا أعود أيضاً أميت كل حي كما فعلت). (العهد القديم ص14).
ولعنة اليهود على لسان الأنبياء عليهم السلام حقيقة ثابتة عندنا وعندهم ، بل تحولت الى عقدة في حياتهم ، فكلما أصابتهم مصيبة قالوا إنها بسبب لعنة أنبيائهم ! ويسمون يوم هزيمتهم على يد النبي صلى الله عليه وآله في خيبر(يوم الغفران) زاعمين أن هزيمتهم غفرانٌ لذنوبهم ! ويزعم هذا النص أن لعنتهم سترتفع عنهم في آخر الزمان عندما يقيمون دولتهم ، ويأتي نبيهم المنتظر !
أما نحن فنعتقد أن تشكيل دولتهم ليس نهاية لعنتهم ، بل هو حشرهم تمهيداً لظهور الإمام المهدي ونزول المسيح عليهما السلام ! قال الله تعالى: (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً). (الاسراء:104) .

7- ونجد عند النصارى أن كل من يصلب ملعون حتى لو كان صالحاً !
(13. المسيح افتدانا من لعنة الناموس ، إذ صار لعنة لأجلنا ! لأنه مكتوب: ملعون كل من علق على خشبة . 14 لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع ، لننال بالإيمان موعد الروح). (العهد الجديد ص307).
وقد أخذوا هذه العقيدة من اليهود ، وأن بعض الأعمال أو الحالات تؤثر على الشخص فتجعله ملعوناً بشكل(أوتوماتيكي)ولو لم يكن مستحقاً ، ومنها الصلب ! وأن المسيح عليه السلام تحمل أن تقع عليه اللعنة ليفدي بها المؤمنين به !


خطة معاوية في إجبار الناس على سبِّ علي عليه السلام ولعنه !

لماذا اختار معاوية وهو السياسي المحنك ، سياسة إجبار الناس على سب علي عليه السلام ولعنه والبراءة منه ؟ وهو يعرف أنه مشروع حادٌّ عنيف ، باهضُ التكاليف ؟ فمهما يكن علي بن أبي طالب عليه السلام في رأيه ، فهو ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وعضده ، ومناقبه وأحاديث النبي فيه لايمكن أن ينساها المسلمون ، فهم يحبونه ، ومنهم من يعتقدون أنه إمامٌ رباني ، ووصي النبي صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى .
فما الداعي لمعاوية أن يجعل لعنه والبراءة منه(فريضة دينية) على الناس بمرسوم خلافي ، ويشدد على ولاته في تنفيدها على منابر الجمعة وقصور الحكام ، ويأمرهم أن يمتحنوا بها الناس ويقتلوا من لا ينفدها ، أو يعترض عليها ؟!
لقد بذل معاوية لمشروعه جهوداً كبيرة وأموالاً طائلة ، وسخَّر له أجهزة الدولة وأئمة المساجد ، وشغل به الناس وامتحنهم ، وقتل بموجبه الألوف المؤلفة !
فلماذا كان يراه أمراً ضرورياً حتى لو بلغت نفقاته المالية ملايين ، وبلغت كلفته السياسية توتُّرات في البلاد ومشكلات ، وسفك دماء .
قبل أن نصل الى السبب الحقيقي عند معاوية ، فلنقرأ الأولوية المطلقة التي أعطاها لمشروعه هذا فجعله أهم من كل مشاريع الأمن والإعمار والفتوحات !
قال الطبري في تاريخه:4/187: (إن معاوية بن أبي سفيان لما ولَّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة41 ، دعاه فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال: أما بعد فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا...وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة ، فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة: لاتتحم عن شتم عليٍّ وذمه ! والترحُّم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب عليٍّ والإقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم! وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم والاستماع منهم . فقال المغيرة: قد جَرَّبْتُ وجُرِّبْتُ وعملتُ قبلك لغيرك ، فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذم . قال: بل نحمد إن شاء الله ) . ( وتاريخ الكوفة ص315 وجمهرة خطب العرب:2/184، والمنتظم:5/241 ، رواه مبتوراً ، والنصائح الكافية ص100)
وقال أحمد بن حنبل في مسنده:1/189: (لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال: فأقام خطباء يقعون في عليٍّ ، قال: وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل(ابن عم عمر بن الخطاب) قال: فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه ، الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة فاشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم ! قال قلت: وما ذاك؟ قال قال رسول الله(ص):أثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، قال قلت: من هم ؟ فقال رسول الله: وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك . قال: ثم سكت ، قال قلت: ومن العاشر ؟ قال: قال أنا) . انتهى .
أقول: بقطع النظر عن رأينا في هذا الحديث المعروف باسم (حديث العشرة المبشرة)فإن مقدمته تدلك على شدة حرص معاوية على تنفيذ مشروعه ، وسرعة إطاعة المغيرة لأمره ، وابتدائه بتعيين خطباء من العلماء والرواة ، برواتب من بيت المال ، وكل عملهم أن يجلسوا في المساجد والبيوت والساحات ، ويخطبوا في الناس ، ويدرِّسوهم ، ويرووا لهم أي شئ فيه سب عليً عليه السلام وذمه وشتمه ، وأي شئ مدح عثمان ومعاوية وبني أمية !
وقد روى هذا الحديث عدد من مصادرهم وصححوه: كالنسائي في فضائل الصحابة ص32 ، كما في رواية أحمد ، وفي ص27، بنحوه ، وفيه: (فقلت ألا تعجب من هذا الظالم أقام خطباء يشتمون علياً ! فقال: أوَقد فعلوها ؟!) وفي سننه:5/55 ، بنحوه ، وفي ص59 ، كرواية أحمد . وابن أبي عاصم في السنة ص604 ، بنحو رواية أحمد . وأبو يعلى:2/258، بنحوه . وخيثمة الأطرابلسي في مسنده ص201، كما في أحمد . وابن حبان:15/457، بنحوه ، وكنز العمال:13/249، وتاريخ دمشق:21/75، و:35/273، , و:60/253، وتهذيب الكمال:15/136، والنهاية:7/393 ).


هدف معاوية: رد اللعن على بني هاشم !

لم يَنْسَ معاوية أن نبي بني هاشم صلى الله عليه وآله حتى الأمس كان يلعن أبا سفيان وبني أمية ، وزعماء قريش المتحالفين معه ضد بني هاشم ، ويسميهم أئمة الكفر !
لقد أعلن محمد بن عبدالله أنه نبي مرسل من ربه ، وأن على الجميع الإيمان به وطاعته ، فكذبه زعماء قريش ، فأقنع محمد أهل يثرب اليمانيين بدعوته ، وتحالف معهم ضد قومه ، ونزل قرآنه بلعن زعماء قومه وسبهم ، وربَّى من اتبعه على ذلك ، في قنوت صلواته وفي آيات قرآنه !
كيف ينسى معاوية آيات القرآن التي كان يتلوها النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنون فتُدَوِّي بها جنبات المدينة ، ويكتبها العرب فيرددونها في أحيائهم وحدائهم لإبلهم ! وفيها الحملات الشعواء على المكذبين لمحمد ووصفهم بأبشع الأوصاف ! حتى الطعن في نسبهم وأمهاتهم فقال: ( فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ . وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ . وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَلِينَ . سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ).(القلم:8-15)
وكيف ينسى معاوية أن محمداً جَرَّأ العوام على الخروج على طاعة أبي سفيان وبقية زعماء القبائل ، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا . يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا . وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا . (الأحزاب:57-68)
وحتى بعد أن انتصر محمد صلى الله عليه وآله وفتح مكة وخضع له أبو سفيان وزعماء قريش لم يقنعه ذلك ، فنزلت عليه سورة التوبة وهاجمتهم وسمتهم منافقين: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ). (التوبة:67-68) .
وسمتهم (أئمة الكفر) وجعلت قتالهم فريضة دينية ، فقال: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ . أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) .( التوبة:12-14) .
وبعد أن غلبهم في مكة سماهم الطلقاء أي أسرى حرب عبيد له ولأهل بيته ، ثم أطلقهم ولم يعتقهم ، ومعناه أنهم بقوا على ملكيته ، بينما سمى أسرى أهل الطائف العتقاء فهم أحسن منهم درجة ، وجعل ولاءهم لبعضهم وفصلهم عن المسلمين الى يوم القيامة ! فقال: (المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة)! ( مسند أحمد:4/363 ، وهو صحيح على شرط الشيخين. راجع بحث المؤلفة قلوبهم والطلقاء)
وسمى بني أمية وهم برأي معاوية معدن الحق والملك في قريش والعرب ، سماهم الشجرة الملعونة ، ووصفهم بأنهم كإبليس يحسدون النبي وبني هاشم ! (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا . وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ اسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا . قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً . قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا .(الإسراء:60-63) .
ثم ادعى القرآن أن بني أمية إذا استعادوا حقهم وحكموا من بعده سيفسدون ويقطعون رحمهم مع بني هاشم، فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ . (محمّد:22-23)
وقد تقدم قول معاوية لابن عباس: (فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكفَّ لسانك ! فقال: يا معاوية أتنهانا عن قراءة القرآن؟! قال: لا . قال: أتنهانا عن تأويله ؟! قال: نعم . قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟ ثم قال: فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به ؟ قال: العمل به . قال: فكيف نعمل به ولا نعلم ما عنى الله ؟ ! قال: سل عن ذلك من يتأوله غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك ! قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان ؟!! يا معاوية أتنهانا أن نعبد الله بالقرآن بما فيه من حلال وحرام؟! فإن لم تسأل الأمة عن ذلك حتى تعلم تهلك وتختلف . قال: إقرؤا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم وارووا ما سوى ذلك) !! (الإحتجاج:2/16)

وكيف ينسى معاوية أن النبي صلى الله عليه وآله واجهه وأباه وأخاه ، فلعنهم مباشرةً في أكثر من مناسبة ، ومنها على رؤوس الأشهاد في مسجده ، فتحملوا وكظموها !
وهذا أبو ذر الغفاري والحسن بن علي وأمثالهم يواجهون معاوية بأن النبي لعنه ودعا عليه ! ويروون أنه لعن أبا في سبعة مواطن حفظها الناس ورووها ! يوم هاجر النبي وجاء أبو سفيان من الشام ، فسب النبي وأوعده وهم أن يبطش به . ويوم بدر . ويوم أحد . ويوم حنين حيث ائتمر مع هوازن واليهود ، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً... ويوم الحديبية إذ صدوا النبي والمسلمين عن العمرة . ويوم الأحزاب إذ جاء أبو سفيان بجمع قريش فلعن رسول الله القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة . فقيل له: يا رسول الله أما في الأتباع مؤمن؟ قال: لا تعيب اللعنة مؤمناً من الأتباع ، أما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج . ويوم العقبة في رجوع النبي صلى الله عليه وآله من تبوك إذ تآمر لقتله اثنا عشر رجلاً ليقتلوه ، سبعة منهم من بني أمية ، وخمسة من سائر قريش ، فلعن الله ورسول الله من حل الثنية غير النبي صلى الله عليه وآله وسائقه وقائده . (الإحتجاج:1/401 ، مختصراً)
وفي الترمذي:4/295 ، عن عمر: (قال: قال رسول الله يوم أحد: اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية).
وفي البخاري:5/35 ، أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول في قنوت صلاة الصبح: (اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً) . انتهى. وتقدمت أحاديث لعن النبي صلى الله عليه وآله لأبي سفيان ومعاوية وبني أمية .
قد تسأل: كيف يكون لعن علي عليه السلام برأي معاوية رداً على لعن النبي صلى الله عليه وآله ولعن القرآن لأبي سفيان وأئمة المشركين ؟
والجواب: ألا تعرف أن علياً عليه السلام يمثل تحدي الإسلام وتحدي النبي صلى الله عليه وآله للمكذبين المشركين ، وأنه سيف محمد صلى الله عليه وآله الذي جندل أبطال قريش وزعماءها وأذاقها مرارات الثكل والهزيمة ! وأن كل ثأر قريش مجتمع فيه ؟!
إن قريشاً لاتستطيع أن تعلن تأزمها وبغضها للنبي صلى الله عليه وآله صراحة ، لكنه تستطيع أن تعلنه على علي وبني هاشم ! وقد تقدم قول عثمان لعلي عليه السلام : (ما أصنع بكم إن كانت قريش لاتحبكم وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب ، تشرب آنافهم قبل شفاههم) ! (تاريخ دمشق:3/116 ، والمنمق ص35، وشرح النهج:9/22 ، وتذكرة ابن حمدون ص1567 ، ونثر الدرر للآبي ص259).
لاحظ جيداً قوله: ( لا تحبكم... قتلتم..) ومعناه أن الجريمة في بني هاشم وهم المسؤولون عنها ، لافرق بين أن يكون القاتل علي أو النبي صلى الله عليه وآله ! فالموضوع بنو هاشم ، والموجود منهم ورئيسهم الذي مثَّل في عهد النبي صلى الله عليه وآله كل التحدي العسكري لزعامة قريش بقتل عشرات زعمائها وصناديدها ، هو علي عليه السلام ! لذا كان من الضروري عند معاوية تدمير شخصية علي بن أبي طالب وأهل بيته ! فأعطى لمشروع تسقيطه الأولوية على كل مشاريع الأمبراطورية الأموية ، وكان يسميه أبا تراب ، ويصفه بأقذع الأوصاف !
وقد تسأل: وهل معنى هذا أن معاوية كان يخطط لإسقاط شخصية النبي صلى الله عليه وآله وضرب الإسلام ؟!
الجواب: ولماذا لا ؟ أليس هو وأبوه صرَّحا برفضهما للأذان لأن النبي صلى الله عليه وآله بزعمهما وضع إسمه مع إسم الله تعالى! فقال أبوه: أنظروا الى أخي بني هاشم أين وضع إسمه ، وقال معاوية: وهل يبقى لأحد مع هذا ذكر ، لا والله إلا دفناً دفناً !
وهل يكون الدفن إلا بدفن علي أولاً ؟!
وقد تقول: معنى هذا أن نتهم معاوية في عقله ، لأنه لايمكنه دفن ذكر النبي صلى الله عليه وآله الذي يقوم ملك معاوية على إسمه ودينه !
والجواب: ولماذا تبرئ معاوية من التصورات الخيالية والعمل لها ؟! أنظر الى تصوراته الخيالية عن ولده يزيد ووصيته له ، لتعرف أنه كان يفكر في الفراغ ، فالذي يتعب نفسه أربعين سنة في تأسيس إمبراطورية ، ثم يسلمها الى ولد أهوج كيزيد فيقضي على ذكر آل أبي سفيان في سنتين ويمسح بهم الأرض ! إنما يعيش في خيال العظمة الكاذب ، ويتصور أن بإمكانه أن يرفع شخصية أبي سفيان وشخصيته الى الأسرة المختارة لخلافة الله في أرضه ، وأن بإمكانه أن ينقص من شخصية محمد وبني هاشم ، حتى ينساهم الناس ويصير القرآن نازلاً على معاوية ! فهو كاتب الوحي وأمين الله عليه ، ومحمد لايقرأ ولا يكتب !


اختار معاوية اللعن بالذات لأنه سلاح ديني؟

اللعن سلاح ديني ، استعمله الله تعالى ضد إبليس وأتباعه منذ أهبط آدم عليه السلام الى الأرض . وهو يعني غضب الله على الملعون وطرده من رحمته !
وبعد آدم عليه السلام كان الأنبياء يستعملونه بتوجيه ربهم ضد الكافرين المطرودين من رحمة الله . وقد استعمله النبي صلى الله عليه وآله بأمر ربه ضد أنواع من المكذبين والمنافقين والعاصين . فكان له وقع عظيم عليهم ، لأن اللعن في ثقافة العرب الوثنية اليهودية أمر شديد يثير أعصابهم ! ويصعب أن نحدد بالضبط من أين جاءت هذه العقيدة للعرب في اللعن ، لكن يكفي دليلاً على عمقها في ثقافتهم أنهم اختاروا عبارة: (أبيت اللعن) تحيةً لملوكهم ! أي أبيت أن تفعل ما يوجب لك اللعن ، بينما اختاروا تحية لعامتهم: عِمْ صبحاً ، أي أنعم صباحاً !
قال ابن منظور في لسان العرب:14/5: ( كانت العرب يحيي أحدهم الملك يقول أبيت اللعن . وفي حديث ابن ذي يزن: قال له عبد المطلب لما دخل عليه: أبيت اللعن ، هذه من تحايا الملوك في الجاهلية والدعاء لهم ، معناه: أبيت أن تأتي من الأمور ما تلعن عليه وتذم بسببه). وفي:13/387: (واللعن: الإبعاد والطرد من الخير، وقيل: الطرد والإبعاد من الله ، ومن الخلق السب والدعاء... وقوله تعالى: بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ ، أي أبعدهم . وقوله تعالى: وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ، قال ابن عباس: اللاعنون كل شئ في الأرض إلا الثقلين... قال الأزهري: اللعين المشتوم المسبب ، واللعين: المطرود.. واللعين: الشيطان ، صفة غالبة لأنه طرد من السماء ، وقيل: لأنه أبعد من رحمة الله . واللعنة: الدعاء عليه). انتهى. وتعميمهم اللاعنين لادليل عليه ، بل الصحيح أن اللاعنين هم الذين لهم من الله حق اللعن ، ابتداءً أو إمضاءً .
وفي:12/641: (عن ابن الأعرابي ، قال: ويقال أنعم صباحاً وعم صباحاً بمعنى واحد . قال الأزهري: كأنه لما كثر هذا الحرف في كلامهم حذفوا بعض حروفه لمعرفة المخاطب به ، وهذا كقولهم: لاهمَّ ، وتمام الكلام اللهم). وفي فتح الباري:6/391
frown.gif
وقيل إن قحطان أول من قيل له أبيت اللعن وعم صباحاً).
وقد استبدلها الإسلام بالسلام ، ففي كنز الفوائد للكراجكي ص75: (ومن ذلك أن صفوان بن أمية وعمرو بن وهب الجعفي قالا: من لنا بمحمد ؟ فقال عمرو بن وهب: لولا ديْنٌ عليَّ لخرجتُ إلى محمد حتى أقتله ! فقال صفوان: عليَّ دينك ونفقة عيالك إن قتلته ! فخرج حتى قدم المدينة فدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أنعم صباحاً ، أبيت اللعن . فقال النبي صلى الله عليه وآله :قد أبدلنا الله بها خيراً منها . قال: إن عهدك بها حديث . قال: أجل ، ثم أكرمنا الله بالنبوة . ثم قال: يا عمرو ما جاء بك؟ قال ابني أسير عندكم ! قال: لا، ولكنك جلست مع صفوان ، ثم قص عليه الذي قال ! فقال عمرو: والله ما حضرنا أحد ، وما أتاك بهذا إلا الذي يأتيك بأخبار السماء ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله). انتهى .
فمعاوية إذن أمام سلاح استعملته الأديان ، واعتقدت به العرب وحرصت على تنزيه ملوكها عنه ، فهدف معاوية أن يرد على بني هاشم السلاح الذي استعملوه ، فيجعل لعن علي عليه السلام وأهل بيته ، ديناً يتربي عليه المسلمون ، ويترسخ في ثقافتهم وأجيالهم ، ويقابله مدح بني أمية وأنهم أهل لشعار (أبيت اللعن) !


( من كتاب جواهر التاريخ مجلد 2- تحت الطبع)