لمحة إلى مقام السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها

أدب الحوار

New Member
18 أبريل 2010
126
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد


لَمْحة إلى مقام السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها
على أســاس ما اتّـفـق المُسـلمـون عـليـه مـن قُـرآن وسـنَّـة



بقـلـم: صــوت الاسـتـقـامـة


قصور الأفهام إزاء شموخ المقام

حين نتكلم عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، فإننا نتكلَّم عن مقام العصمة والطهارة ، وخط الاصطفاء الإلهي ، الذي شاء الله تبارك وتعالى أن يمتد على طول تاريخ البشرية ، ليمثله أسمى المخلوقات شرفاً ومنقبةً وقرباً من الله تبارك وتعالى.. وحينئذ: علينا أن نعترف سلفاً بقصورنا عن إدراك مقام الزهراء عليها السلام.. وكيف يمكن لغير المعصوم أن يحيط بحقيقة المعصوم ، وأنّى يتيسّر للغارق في الظلمات أن يدرك نورانية الأطهار.. وإنَّما نتحسّس الطريق إلى الزهراء ـ سلام الله عليها ـ عن طريق كلام المعصومين أنفسهم ، قرآناً وسنةً ، ونحن مع ذلك نقرّ بأن قراءتنا ستبقى بمستوى فهمنا القاصر ، وسنبقى في سجن الألفاظ فحسب.. وتبقى الحقائق المُقدّسة بمنأى عن منال الأيدي الملطّخة بسواد المعاصي..


الزهراء (ع) في مسار الاصطفاء والتطهير الإلهي
قدّر الله تبارك وتعالى أن يتجسد خطُّ الاصطفاء عبر التاريخ في أعظم الشخصيات الإنسانية ، التي حازت منتهى الفضل ، وغاية الكرامة ، وأعلن عن هذا الخط المبارك قولُه تعالى :

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33) .

وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تحدثت عن المُصطفَين (بفتح الفاء) والمخلَصين (بفتح اللام) . (انظُر: سورة الأعراف: 144 ، وسورة البقرة: 130 ، و سورة ص: 47 ، وسورة الحج: 75)

وقد كانت مريم ابنة عمران ـ سلام الله عليها ـ حلقة مباركة في سلسلة الاصطفاء والتطهير ، فقال الله تعالى :

(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42) .

وكان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ الحلقة الأكثر إشراقاً في هذه السلسلة ، بل واسطة العقد الثمين ، ومن هنا نقرأ في رواية (صحيح مسلم 7 : 58) ـ اللفظ ـ ورواية (أمالي المفيد: 216) ـ المعنى ـ :

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) .

ولم يقف خطّ الاصطفاء والمُخلَصين المُطهَّرين عند النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، بل استمر في خاصة بني هاشم ، فقال الله تبارك وتعالى في آية التطهير :

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33) .

فبيَّن أن التطهير قد شمل أهل البيت عليهم السلام.. ولمّا كان التطهير يلازم الاصطفاء ، عبَّر الله تعالى عن أهل البيت بالاصطفاء والسبق بالخيرات في آية أخرى ، فقال تعالى :

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...) (فاطر:32) .

وقد كانت الزهراء سلام الله عليها ، وبإجماع الأمة الإسلامية ، من أولئك المطهَّرين الذين نزلت في شأنهم آية التطهير ، وكانت بإجماع المسلمين أيضاً من الذين اصطفاهم الله فأورثهم القرآن الكريم بعد النبي صلى الله عليه وآله .

وهذا ما يفسر لنا مضاهاة الزهراء لمريم المُصطفاة المطهَّرة ، كما نقرأ في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1339) ـ بسند صحيح ـ عن ابن عباس قوله :

(... فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنتُ خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم ابنة عمران ، وآسية امرأة فرعون) .

وفي المصدر نفسه ـ عن أنس رفعه ـ : (حسبك من نساء العالمين...) الحديث .

وفي المستدرك على الصحيحين (3/170) أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال لفاطمة ـ عليها السلام ـ :

(يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء هذه الأمة ، وسيدة نساء المؤمنين) . قال الحاكم : هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه . وقال الحافظ الذهبي : صحيح .

فهذه لمحة إلى موقع الزهراء ـ عليها السلام ـ في مسار الاصطفاء وخط التطهير.. الذي ضاهت فيه مريم عليها السلام ، بل فاقتها بسيادة جميع نساء العالمين ، وكيف لا تكون بَضْعَةُ المصطفى ، الذي هو خير الخلق أجمعين ، كيف لا تكون سيدةَ نساء العالمين جميعاً .



الاستقامة التامّة والعصمة السامية
إنّ وقوع إنسان ما في مسار الاصطفاء ، واتصافه بالتطهير من كل شائبة ورجس ، هو حصيلة مدد إلهي ما كان ليكون إلا في ضوء استحقاق في ذات الإنسان وما يتصف به من الاستقامة والإخلاص .

وحين نتساءل عن السبب في هذه السيادة التي نالتها الزهراء سلام الله عليها ، فإننا يمكن أن نجد بعض الجواب في مجموعة من الروايات .

فمن ذلك ما عن السيِّدة عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قالت :

(ما رأيت أحداً أصدقَ لهجةً منها ، إلاّ أن يكون الذي وَلَدَها) . قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . وقال الحافظ الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم .

فحين تكون الاستقامة بمستوى المسؤولية التي كانت تستشعرها الزهراء ـ سلام الله عليها ـ إزاء ربِّها تبارك وتعالى ، من الطبيعي أن يعترف المؤالف والمخالف بكمال استقامتها ، بحدّ لا يفوقه أحدٌ إلاّ خاتم الأنبياء والمرسلين .

وهذه الشهادة من السيِّدة عائشة ، صدرت في مناسبة أخرى بعبارة أكثر تفصيلاً ، حيث قالت ـ فيما رواه الحاكم في المستدرك (3/167) :

(ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت إذا دخلت عليه رحب بها ، وقام إليها ، فأخذ بيدها فقبلها ، وأجلسها في مجلسه) . قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وقال الحافظ الذهبي في التلخيص : صحيح .

ومن الطبيعي أن تقوم البنت لأبيها ، فتوقّره هذا التوقير ، وتوليه هذا الاحترام والتقدير.. وأمَّا أن يكون الأب ، وهو سيد الخلائق أجمعين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، يفعل هذا مع ابنته ، فهذا ما يستوقفُ كلّ لبيب ، ليفكِّر في دلالات هذا السلوك المُتميِّز ، الذي لم يُروَ في التاريخ أنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مارسه مع أحد من الناس مهما بلغت منزلته..

ولا أنسى أنّ أحد كبار العلماء كان يقول في خطبة الجمعة ـ وهو يتحدّث عن مقام الزهراء سلام الله عليها ـ : إن هناك فرقاً بين أن يقال : (قام لها) ، وأن يقال : (قال إليها) .

وما أروعها من التفاتة..! وما أعمقها من نكتة..!

وإنَّه ليحقُّ لكلِّ مُؤمن أن يتساءل هنا : أكان يجوز أن تُعامَلَ فاطمةُ الزهراء عليها السلام ، وهي بهذا السمو والمنزلة عند النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، أكان يجوز أن تعامل بتلك المعاملة المريبة التي قاست من مَرَارتها بعد وفاة أبيها..؟!

ولنعد إلى كمال استقامتها سلام الله عليها ، فنقول :

إنّ تمام الاستقامة إنما تكون بموافقة العبد لمولاه تبارك وتعالى في كل ما يحب ويرضى ، فلو أن عبداً استطاع أن يصل إلى هذه المنزلة من الاستقامة ، فقد بلغ الغاية الممكنة بلا ريب.. ولكن السيدة الزهراء ـ عليها السلام ـ فاقت هذه المنزلة أيضاً ، واجتازتها إلى منزلة أسمى.. فقد حققت الموافقة لرضا الله تعالى في كل ما تفعل وتترك ، ثم بلغت منزلة تنقطع دونها الهمم ، ولا تتم لعبد إلا بلطف من الله تعالى ، وهي المنزلة التي عبَّر عنها النبيُّ ـ صلى الله عليه وآله ـ في قوله لابنته فاطمة ـ فيما رواه الطبراني في المعجم الكبير (1/108) ـ :

(إن الله يغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/203) : إسناده حسن .

فقد تجاوزت فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ منزلة أن تلتزم برضا الله ، وبلغت إلى مرتبة أرفع ، وهي أن يكون رضاها وسخطها معياراً لتشخيص رضا الله ـ عز وجل ـ وسخطه .

وهذا المقام هو ما يعبر عنه شيعة أهل البيت بالعصمة ؛ فإن معناها الموافقة التامة لرضا الله تعالى ، بحيث يصبح كل ما يصدر عن المعصوم تجسيداً لإرادة الله تعالى ومشيئته .

ومن هنا نستطيع أن نفهم السر في اصطحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ للزهراء وبعلها وبنيها في قصة المباهلة ، وعدم اصطحابه لأحد غيرهم ، وقوله عند ذلك ـ كما في رواية مسلم ـ : (اللهم هؤلاء أهلي) ، فإنّ هؤلاء الأطهار كانوا يمثلون أهل بيت النبوة ، وكان البروز بهم هو إبراز لكل الإيمان ، ومن هنا ينقل المفسر السني الشهير: الفخر الرازي في تفسيره أن النصارى خافوا من الهلاك حين رأوا نورانية الوجوه التي خرجت للمباهلة.. وإنه لمن العجيب أن يدرك الكفار نوارنية أهل البيت ، ولا يدركها بعض من ينتسب إلى الإسلام..! بل المصيبة العظمى أن يقوم أفرادٌ من هذه الأمّة بالاعتداء على هذا البيت الشريف..

ومن هنا نفهم أيضاً السر في أنّ من يسالم الزهراء ـ عليها السلام ـ يكون مسالماً لرسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن يحاربها فهو محاربٌ لرسول الله.. ففي مسند أحمد بن حنبل (2/442) عن أبي هريرة ، قال :

(نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ) . وقد روي مثله عن زيد بن أرقم ، وأبي سعيد الخدري ، وأم سلمة ، وابن عباس رضي الله عنهم . وهو حديث صحيح على التحقيق .

وإنه من الجدير بنا أن نتساءل عن سبب هذا الحديث ومناسبته؟

فإن الذي يُفهم منه أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان بصدد الإشارة إلى حرب على أهل البيت بعد التحاقه بالرفيق الأعلى..

ولئن حاول البعض أن يفهم الحرب على الإمام عليٍّ ـ عليه السلام ـ على أساس ما جرى بينه وبين مناوئيه في عهد خلافته بالخصوص.. وأن يفهم الحرب على الحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ بالنحو نفسه.. أقول : لئن سلمنا جدلاً بهذا الفهم ، فبأي وجه نفهم الحرب على فاطمة الزهراء عليها السلام؟!

هل كان النبي بصدد الإشارة إلى وحدة العنوان الجامع لهؤلاء المطهَّرين ، بحيث تكون الحرب على أحدهم هي حرب على جميع خط الاصطفاء والتطهير الذي يجسدونه عليهم السلام؟

أم كان النبي بصدد الإشارة إلى خصوصية الواقع الذي سيقاسيه كل واحد منهم في جهاده واستقامته؟ وبناء عليه: تكون هذه الرواية ذات دلالة واضحة بأن الزهراء ـ عليها السلام ـ ستُواجَه بحرب.. وحين نفتش أوراق التاريخ ، ونقرأ الوثائق الواصلة إلينا ، نجد أن سيدة نساء أهل الجنة التي كان يقوم إليها النبي الأكرم من مجلسه إجلالاً واحتراماً ، قد هُجِم على دارها ، وأُضرمت النار على بابها ، ووُكزت بنعل السيف ، حتى أُسقطتْ جنينها ، ومضت مقتولة شهيدة.. سلامُ الله عليها .

فحسب الفهم الأول: نكون ملزمين بالقول بأن الذين حاربوا أي واحد من أهل الكساء ، كانوا حرباً للنبي صلى الله عليه وآله..

وحسب الفهم الثاني: نكون ملزمين بإعادة حساباتنا فيما يرتبط بأحداث ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله.. تلك الأحداث التي لا يستطيع من لم يؤتَ حظّاً من التعمّق أن يصدق بها ويتحمل عظيمَ ما تتطلبه من موقف إزاء تلك الفئة التي مارست الظلم والعدوان والجريمة البشعة ضد سيدة نساء أهل الجنة..

وعلى كلٍّ ؛ لا ريب أن ما وقع من أولئك الظالمين ، هو إيذاء للنبي صلى الله عليه وآله ، والله تعالى يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57) .



منزلتها ومنزلة مُحبِّها في يوم القيامة
حين بلغت الزهراء ـ سلام الله عليها ـ تلك المنزلة الشريفة المرتبة السامية عند الله تعالى ، بحيث أصبح رضا الله يتجسد في رضاها ، وغضبه يتجسّد في غضبها ، كانت هي الأحبّ إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن هنا نقرأ في الرواية صحيحة السند في سنن الترمذي ، قولَ الصحابي بريدة :

(كان أحبَّ النساء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فاطمةُ ، ومن الرجال عليٌّ) . (انظر: الصحيح المسند من فضائل أهل بيت النبوة، لأم شعيب الوادعية: ص70) .

وقد قرأنا كيف كان النبي يعظمها ويجلها ، إلى درجة أنه عدّ من حاربها بعده ، كمن حاربه هو صلى الله عليه وآله..

وهذه المنزلة التي حازتها السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، كان لا بد لها من تجلٍّ يوم القيامة.. وقد وصلتنا أحاديث نبوية شريفة ، تذكر فضلها في يوم القيامة ، سواء بالنسبة إلى منزلتها ، أو إلى منزلة من والاها وأحبَّها سلام الله عليها..

أمّا بالنسبة إلى من أحبَّها ، فإننا نقرأ فيما روي في مسند أحمد بن حنبل (2/25) برقم (576) ، عن الإمام عليٍّ سلام الله عليه أنه قال:

(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ : مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا ، كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

قال المحقق أحمد محمد شاكر: إسناده حسن .

ويمكننا أن نتأكد من صحة هذا الحديث حين نتأمل آية المودة ، أقصد قوله تعالى: (...قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى:23) (وانظر: تفسير الدر المنثور 5 : 701 ، وموسوعة الإمامة في نصوص أهل السنة، ج5 ، ص136 فما بعدها) ؛ فإن إعطاء الآية حق تأمّلها ، ينتهي بنا إلى القول بأن الله ورسوله لخّصا الدين كله في مودّة هؤلاء الأطهار.. هذا يعني أنّ مودّتهم ليست مجرد عاطفة يزعمها من شاء ، بل هي عقيدة مشرقة تتملك القل والقلب ، فيتحرك المؤمن على أساسها في سبيل رضا الله تعالى ، وإلا فلا معنى لأن يكتفي النبي بالمطالبة بالمودة في حدودها الشخصية العاطفية فحسب ، فإن مطالبة خاتم الأنبياء والمرسلين ، يلزم أن تكون في مستوى شمولية رسالته وعمق هدايته العظمى..

ومن هنا ندرك أن المعترض على سببية مودتهم عليهم السلام للفوز العظيم يوم القيامة ، هو في الواقع لم يفهم المراد من المودة ، وبالتالي فإنه لم يعشها في تجربته الإيمانية..

وثمة مجال كبير للتوسع في هذه النقطة ، كالتطرق إلى الروايات المتواترة في كتب المسلمين ، والتي تدل صراحة على أن النجاة مختصة بشيعة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين..

وأمّا بالنسبة إلى منزلة السيدة الزهراء ـ عليها السلام ـ في يوم القيامة ، فحسبك ما رُوِيَ عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه قال :

(إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بُطنان العرش: يا أهل الموقف ؛ غضوا أبصاركم ونكِّسوا رؤوسكم ، لتجوز فاطمةُ بنتُ محمد على الصراط) . رواه سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص: 262) وقال: أما حديثنا فإسناده صحيح ، ورجاله ثقاة .

ونختتم هذه اللمحة مع التأكيد على أن ما تركناه أكثر مما تناولناه ، وأن ما فهمناه في تناولنا هذا عن الزهراء سلام الله عليها ، هو بحسب إدراكنا الذي يحفه القصور من كل جانب..

ونسأل الله تعالى أن يحشرنا في شيعة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، ويرزقنا شفاعتها ، ويجعلنا ممّن يتبرّأ من أعدائها الذين لعنهم الله ـ كما هو لفظ الآية التي سجلناها آنفاً ـ في الدنيا والآخرة ، وأعدّ لهم عذاباً مهيناً .

والله من وراء القصد ، وهو ولي التوفيق .

والحمد لله رب العالمين .

ــــــــــــــــــــ

لمزيد من التوسـع، راجـع:
1 - بحـار الأنوار للعـلامة المجـلسـي قدس سره، المجـلد: 43 .
2 - فاطمـة الزهـراء ـ عليها السلام ـ من المهـد إلى اللحـد، للسـيد القزويني قدس سره.
3 - البتـول.. الأحـب إلى قلب الرسـول، للشـيخ العلامة رياض الباوي حفظه الله تعالى.