عشرة مواقف لفاطمة الزهراء عليها السلام.. يكفي الواحد منها لمن كان له قلب !

18 أبريل 2010
48
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم



عشرة مواقف لفاطمة الزهراء عليها السلام.. يكفي الواحد منها لمن كان له قلب !


1-يوم بكت وأبكت أباها رسول الله صلى الله عليه وآله !
2 ـ يوم بكى أبوها صلى الله عليه وآله لظلامتها..وبكت لفقده !
3 ـ يوم واجهت المهاجمين لدارها !
4- يوم أخذوا علياً عليه السلام فخرجت خلفه لتمنعهم من قتله !
5 ـ يوم دارت مع علي عليهما السلام على زعماء الأنصار وأقامت عليهم الحجة
6- يوم أقامت مجالس العزاء والبكاء على النبي صلى الله عليه وآله وأصرت عليها !
7- يوم جاء أبو بكر وعمر لزيارتها ليعتذرا منها !
8- يوم خطبت في المسجد النبوي فهزَّت حتى الجماد !
9- يوم اشتد مرضها فجاءت نساء الأنصار والمهاجرين لعيادتها
10- يوم أوصت علياً أن يدفنها ليلاً سراً ولايأذن لهما بالصلاة عليه

-----------------------


الموقف السادس :
6- يوم أقامت مجالس العزاء والبكاء على النبي صلى الله عليه وآله وأصرت عليها !
روت مصادر الجميع أن فاطمة عليها السلام كانت تندب أباها صلى الله عليه وآله وتبكيه ، وروت فقرات مؤثرة من نوحها عليه ، وأبيات شعر بليغة .
قال البخاري:5/144: (عن أنس قال لما ثقل النبي(ص)جعل يتغشاه فقالت فاطمة: واكرب أباه ! فقال لها: ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم ! فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه . يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه . يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام : ياأنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب!). انتهى.
وروت مصادر الحديث والسيرة أحاديث أخرى تهزُّ قلب الإنسان ، من ذلك (أنها أخذت قبضة من تراب النبي(ص) فوضعتها على عينيها ثم قالت:
ماذا على من شمَّ تربة أحمدٍ أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا
صُبَّتْ عَليَّ مصائبٌ لو أنها صُبَّتْ على الأيام عُدْنَ لياليا
(مسند أحمد:2/489 )


أين كانت تقيم فاطمة عليها السلام مجالس عزائها على أبيها صلى الله عليه وآله ؟

تدل الروايات على أنها كانت تقيمها عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وفي بيتها وفي البقيع ، وكانت تذهب الى قبر عمها حمزة رحمه الله كل يوم خميس وإثنين . واستمر برنامجها هذا طوال مدتها بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وهي كما في رواياتنا نحو ثلاثة أشهر وفي رواية البخاري ستة أشهر ، وفيما يلي بعض الضوء على هذه المجالس:

من الطبيعي أن تكون نساء الأنصار والمهاجرين قد أقمنَ مجالس ندب على النبي صلى الله عليه وآله في أحيائهن كما فعلن يوم شهادة حمزة رحمه الله وغيره وأن يحضر غالبهن مجلس فاطمة الزهراء عليها السلام فيعزينها ويندبن معها رسول الله صلى الله عليه وآله !
وطبيعي أن يكون لهذه المجالس دورٌ اجتماعي وسياسي في ذلك الظرف الحساس ، الذي حدثت فيه بيعة السقيفة ، وخالفها بنو هاشم وغيرهم ، وهاجم الطلقاء بيت فاطمة وعلي عليهما السلام لإجبار من فيه على البيعة .
والسؤال الذي يفرض نفسه: ما بال رواة السلطة لم يرووا أخبار هذه المجالس؟
والجواب: أن الوضع لم يكن طبيعياً لا في المسجد ولا في بيت علي وفاطمة ! فالحزب القرشي بعد بيعة أبي بكر جعلوا السقيفة مركز نشاطهم ، بعد أن أهانوا سعد بن عبادة المريض ، فحمله أولاده الى بيته ، وتركوا لهم السقيفة !
لكنهم بعد الهجوم على بيت علي وفاطمة عليهما السلام جعلوا مسجد النبي صلى الله عليه وآله مركزهم! واتخذوا إجراءات مشددة في المسجد وحول القبر النبوي الشريف ، شبيهاً بالأحكام العرفية ، ومنعوا إقامة مجالس العزاء ، ومطلق التجمع عند قبر النبي صلى الله عليه وآله ، فقد كان خوف السلطة القرشية الجديدة من أمرين:
الأول ، مجالس الندب التي تقيمها فاطمة عليها السلام ، أن توظفها لتأليب الأنصار وبعض المهاجرين ضد بيعة أبي بكر .
والثاني ، أن تستجير فاطمة وعلي بقبر النبي صلى الله عليه وآله كما هي عادة العرب ، معلنين أنهم أهل الوصية والخلافة ، مطالبين بالوفاء لهم بالبيعة ورد بيعة أبي بكر !
فكان الحل عند القرشيين أن أطلقوا نصاً دينياً يمنع التجمع عند قبر النبي صلى الله عليه وآله حتى للصلاة ! وقالوا إن ذلك آخر ما قاله النبي صلى الله عليه وآله في آخر لحظات حياته ، وأنه لعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، أي صلوا عندها ! وفرضواتنفيذ هذه (الوصية النبوية) بالقوة !
قالت عائشة: (لما نزل برسول الله (ص)طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا . البخاري:1/422 ، 6/386 ، 8/116 ، ومسلم:2/67 ، والنسائي:1/115، والدارمي:1/326 ، والبيهقي:4/80 ، وأحمد:1/218 ، 6 /34 ، 229 ، 275) . (الألباني في أحكام الجنائز ص216)
وقالت عائشة: (قال رسول الله (ص) في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . قالت: فلولا ذاك أُبْرِزَ قبرُه ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ). البخاري:3/156 ، 198 ، 8 / 114، وأبو عوانة:2 / 399 ، وأحمد: 6 / 80 ، 121 ، 255 ). ( الألباني في أحكام الجنائز ص216) .
وقال السرخسي في المبسوط:1/206: (ورأى عمر رجلاً يصلي بالليل إلى قبر فناداه: القبر القبر ، فظن الرجل أنه يقول القمر ، فجعل ينظر إلى السماء ، فما زال به حتى بينه). انتهى .

والى يومنا هذا لم يستطع عالم من أتباع الخلافة القرشية أن يثبت أن اليهود والنصارى اتخذوا قبراً لنبي من أنبيائهم مسجداً ! اللهم إلا المؤمنون الذين مدحهم الله بأنهم اتخذوا مسجداً على قبور أهل الكهف فقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ). (الكهف:21).
فقد غفل واضعوا الحديث فكذبوا على تاريخ اليهودوالنصارى ، كما غفلوا عن هذه الآية التي تكذب زعمهم ! لأن همهم كان منع مجالس فاطمة عليها السلام !


الأحكام العرفية في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وعند قبره !

ثم اخترع القرشيون حديثاً للتأكيد على تحريم التجمع عند قبر النبي صلى الله عليه وآله ومنع استجارة بني هاشم به فقالوا إن النبي نفسه نهى أن يجعل قبره صنماً ومجمعاً ولو للعبادة فقال: (لاتتخذوا قبري عيداً أو وثناً)! وفسروه بالنهي عن قصد قبره صلى الله عليه وآله في أوقات معينة ، أو مطلقاً للتعبد عنده أو لغير ذلك! (أحكام الجنائز للألباني ص219) !
وبذلك ضمنوا(التبرير الشرعي)لمنع علي عليه السلام إن أراد أن يستجير بقبر النبي صلى الله عليه وآله ويطالب بالخلافة ! لأن الإستجارة بالقبر عند العرب تفرض الإستجابة لمطلب المستجير ، وإلا لحق العار بذوي صاحب القبر ومن يعز عليهم !
ولكنهم لم يكونوا يعرفون أن حرمة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله عند علي وفاطمة عليهما السلام أعظم من الخلافة ، وأنهما ليسا حاضرين لكسر حرمته صلى الله عليه وآله بأي ثمن !

قد يقال: إن عادة الإستجارة بالقبر قد نسخها الإسلام .
وجوابه: أن التاريخ يثبت أن العرب ما زالوا في الجاهلية والإسلام يستجيرون بقبور عظمائهم فينصبون خيمة ويقيمون عند القبر حتى يلبى طلبهم ! وقد روت المصادر استجارة جماعة بقبر غالب جد الفرزذق ، وهو بكاظمة قرب الكويت ، قال في المستطرف:217: (وكان الفرزدق يجير من عاذ بقبر أبيه غالب بن صعصعة فمن استجار بقبر أبيه أجاره ، وإن امرأة من بني جعفر بن كلاب خافت لما هجا الفرزدق بني جعفر أن يسميها وينسبها ، فعاذت بقبر أبيه ، فلم يذكر لها إسماً ولا نسباً ، ولكن قال:فلا والذي عاذت به لا أضيرها...عجوز تصلي الخمس عاذت بغالب
( راجع أنساب الأشراف للبلاذري:2/3037 ، الإشتقاق لابن دريد ص147، والتذكرة الحمدونية ص317 ، والأعلام:5/114، وغيرها) .
كما رووا استجارة الكميت بقبر معاوية بن هشام ، بعد أن قبض عليه الأمويون وأرادوا قتله فأجاره عبد الملك بن مروان: (فقال مسلمة للكميت: يا أبا المستهل؟ إن أمير المؤمنين قد أمرني بإحضارك ! قال أتسلمني يا أبا شاكر؟ قال: كلا ولكني أحتال لك . ثم قال له: إن معاوية بن هشام مات قريباً وقد جزع عليه جزعاً شديداً ، فإذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره ، وأنا أبعث إليك بنيه يكونون معك في الرواق ، فإذا دعا بك تقدمت عليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك ويقولون: هذا استجار بقبر أبينا ونحن أحق بإجارته ! فأصبح هشام على عادته متطلعاً من قصره إلى القبر فقال: ما هذا؟ فقالوا: لعله مستجير بالقبر ! فقال: يجار من كان إلا الكميت فإنه لا جوار له . فقيل: فإنه الكميت . فقال: يحضر أعنف إحضار ! فلما دعى به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه ، فلما نظر هشام إليهم إغرورقت عيناه واستعبر وهم يقولون: يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد مات وما حظه من الدنيا ، فاجعله هبة له ولنا ، ولا تفضحنا فيمن استجار به ! فبكى هشام حتى انتحب ثم أقبل على الكميت فقال له....) (الغدير:2/207 ) وذكر عتابه للكميت على قصائده المدوية في ذم بني أمية ، واعتذار الكميت ، وعفوه عنه .
ورووا قصة استجارة عجرد الشاعر بقبر سليمان بن علي العباسي ، وعفو المنصور عنه ، ذكر ذلك الصولي في (أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم ص2) . الى آخر قصص الإستجارة بالقبر في الجاهلية والإسلام .


إجراء جديد لمنع مجلس فاطمة عليها السلام

رغم كل هذه الإجراءات ، بقي مجلس فاطمة الزهراء عليها السلام مصدر قلق للحكومة الجديدة ، فعملت لمنعه بحديث روته عن النبي صلى الله عليه وآله ينهى عن أصل البكاء على الميت ، لأن الله يعذبه ببكاء أهله عليه ! قال البخاري:2/85: (وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه. وكان عمر يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي بالتراب)!
لكن حديث عمر وتشدده في تطبيقه لم ينفع في إيقاف مجالس فاطمة الزهراء عليها السلام ! خاصة أن نساء الأنصار كنَّ ينحن في عهد النبي صلى الله عليه وآله فلم ينههنَّ بل أقمنَ مجلس نياحة على حمزة عند باب المسجد يعزين بذلك النبي صلى الله عليه وآله في عمه حمزة رحمه الله ! فقد روى أحمد في مسنده:2/40 ، عن ابن عمر أن رسول الله لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن ، قال فقال رسول الله(ص): ولكن حمزة لا بواكي له ! قال ثم نام فاستنبه وهنَّ يبكين ، قال: فهنَّ اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة ). انتهى .
وفي مسند ابن راهويه:2/599: ( فقال رسول الله(ص): لكن حمزة لا بواكي له ! قال فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة ، فجعلت عائشة تبكي معهن ، فنام رسول الله(ص)فاستيقظ عند المغرب ، فصلى المغرب ثم نام ونحن نبكي ، فاستيقظ رسول الله(ص)العشاء الآخرة فصلى العشاء ، ثم نام ونحن نبكي ، فاستيقظ رسول الله ونحن نبكي ، فقال: ألا أراهن يبكين حتى الآن؟ مروهن فليرجعن ، ثم دعا لهنَّ ولأزواجهن ولأولادهن).انتهى.

لكن رواة السلطة حرفوا هذا الحديث ووضعوا فيه أن النبي صلى الله عليه وآله عاملَ نساء الأنصار بفظاظة وسوء خلق ! مع أنهنَّ جئن من أجله ، وأقمن مجلس النياحة على عمه أمام باب داره ومسجده ! ففي مسند أحمد:2/84 ،عن عبد الله بن عمر أيضاً ! (أن رسول الله(ص) لما رجع من أحد سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهن فقال: لكن حمزة لا بواكي له ، فبلغ ذلك نساء الأنصار فجئن يبكين على حمزة ، قال فانتبه رسول الله(ص)من الليل فسمعهن وهن يبكين فقال: ويحهن لم يزلن يبكين بعد منذ الليلة ؟! مروهن فليرجعن ولايبكين على هالك بعد اليوم) ! انتهى .
ولا يمكن لعاقل أن يقبل أنه صلى الله عليه وآله خرَّب مجلسهن أو أنهاه بهذه الفظاظة ، فوبخهنَّ على تطويل النياحة ، ثم نهاهن عن البكاء على أي ميت !!

والخلاصة ، أن هذا الحديث العُمري لم ينفع في منع مجلس فاطمة عليها السلام ، لكن يبدو أنها نقلته بعد المسجد الى دارها !
وربما كان مجلسها في الفترة الأولى لوفاة النبي صلى الله عليه وآله صباحاً ومساءاً ، وبعد انتهاء المجالس في أحياء الأنصار ، كان هو المجلس الوحيد الذي تقصده نساء الأنصار وبعض نساء المهاجرين ، وربما بعض نساء الطلقاء !
هنا يأتي دور ما ذكرته مصادرنا من أن (بعض أهل المدينة) شَكوْا من استمرار مجالس فاطمة عليها السلام ليلاً ونهاراً ! قال الإمام الصادق عليه السلام : (البكاؤون خمسة: آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمد ، وعلي بن الحسين .
فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية !
وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره ، وحتى قيل له: تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ .
وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له: إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار ، وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل ، فصالحهم على واحد منهما .
وأما فاطمة فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك ! فكانت تخرج إلى المقابر فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف .
وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة). انتهى . (الخصال للصدوق ص272ورواه أيضاً في الأمالي ص 204 ، والنيسابوري في روضة الواعظين ص 451 ، وابن شهراشوب في المناقب: 3/104).
وقال المجلسي في بحار الأنوار:43/177: ( واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا ، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا ، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً ، فقال: حباً وكرامة ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل على فاطمة وهي لاتفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء ، فلما رأته سكنت هنيئة له ، فقال لها: يا بنت رسول الله إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً . فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً ، أو ألحق بأبي رسول الله ! فقال لها علي: إفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك . ثم إنه بني لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان ، وكانت إذا أصبحت عليها السلام قدمت الحسن والحسين أمامها ، وخرجت إلى البقيع باكية ، فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها) !

أقول: ينبغي الإلفات الى أن تأذي بعض أهل المدينة أو جماعة السلطة ، لايمكن أن يكون من مجرد بكاء فاطمة عليها السلام وذويها في بيتها أو في البقيع ، بل من مجلسها الذي كان يحضره نساء الأنصار فيأخذ قسماً من النهار وجزءاً من الليل ، وتندب فيه النادبات ، ويقرأنَ فيه القرآن والشعر ، وربما تحدثت فيه فاطمة ! ثم تنعكس أخباره وأجواؤه على مدينة النبي صلى الله عليه وآله وحكومتها الجديدة !

أراكة الأحزان.. وبيت الأحزان !
يقع مشهد الأئمة من أهل البيت عليهم السلام في أعلى نقطة في البقيع على يمين الداخل ، وقد هدمه الوهابيون في سنة 1348هجرية ، وما زال قسم من جداره الشرقي موجوداً . وموضع بيت الأحزان في البقيع خلف هذا المشهد الشريف من جهة الشرق ، وقد شمله الهدم ، ففي الذريعة:7/52: (ولكن انهدم بيت الأحزان في بقيع الغرقد لمجاورته مراقد أئمة الشيعة^ ، وذلك لأجل أنه قد يؤخذ الجار بجرم الجار ) . انتهى .
وقال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد ص301: (وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عليها السلام عن البلد في نياحتها على أبيها صلى الله عليه وآله وخروجها بولديها في لُمَّة من نسائها إلى البقيع يندبن رسول الله صلى الله عليه وآله ، في ظل أراكة كانت هناك ، فلما قطعت بني لها علي عليه السلام بيتاً في البقيع كانت تأوى إليه للنياحة يدعى بيت الأحزان ، وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة ، كما تزار المشاهد المقدسة ، حتى هدم في هذه الأيام ........... وهدم المقدسات في البقيع ، وذلك سنة 1344 للهجرة .
وكنا سنة 1339 تشرفنا بزيارة هذا البيت بيت الأحزان ، إذ منَّ الله علينا في تلك السنة بحج بيته وزيارة نبيه ، ومشاهد أهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام في البقيع) .

وقال صاحب الذريعة: 7 /52: ( أقول: إن دار تميم الداري معروفة بالمدينة وهو مشهد يزار حتى اليوم ، وكذا دار أبي بكر وعثمان ، ولكن انهدم بيت الأحزان في بقيع الغرقد لمجاورته مراقد أئمة الشيعة عليهم السلام ، وذلك لأجل أنه: قد يؤخذ الجار بجرم الجار ) ! انتهى .

ورحم الله صاحب الذريعة على حسن ظنه ، فقد تصور أن غرضهم هدم المشهد فقط ، وأن بيت الأحزان لم يكن مقصودهم بالأصل بل بالعرض!
لكن الذي يعرف تفكيرهؤلاء أكثر يجزم بأن بيت الأحزان كان مقصوداً لهم بالأصل كالمشهد وضريحه وقبته ، إن لم يكن مقصوداً بالكره أكثر منه !
لقد أصدر عمر الحكم بإعدام أراكة البقيع أو سدرته فقطعوها ، ولم يكن ذنبها إلا أن الزهراء ونساء الأنصار استظللنَ بها وندبنَ النبي صلى الله عليه وآله تحتها، أما بيت الأحزان الذي بناه علي عليه السلام لهذا الغرض فيظهر أنهم لم يستطيعوا هدمه يومذاك ، ثم توارث المسلمون تجديده ، مَعْلَماً وشاهداً !
ولئن كان بيت الأحزان وسدرة البقيع ، اختصت شهرتهما بالشيعة ، وناقش في أصل قصتهما مخالفوهم ، فإن شجرة الرضوان عمَّ خبرها ورواه حتى رواة الحكومة ! واعترفوا بأن حكم الإعدام صدر في حق الشجرة ومن يصلي تحتها !
قال السيد شرف الدين رحمه الله في النص والإجتهاد ص368: ( المورد65 قطعة شجر الحديبية: شجرة الحديبية هذه بويع رسول الله صلى الله عليه وآله بيعة الرضوان تحتها ، فكان من عواقب تلك البيعة أن فتح الله لعبده ورسوله فتحاً مبيناً ونصره نصراً عزيزاً ، وكان بعض المسلمين يصلون تحتها تبركاً بها ، وشكراً لله تعالى على ما بلغهم من أمانيهم في تلك البيعة المباركة . فبلغ عمر ما كان من صلاتهم تحتها فأمر بقطعها ! وقال(1): ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد عاد إلى الصلاة عندها إلا قتلته بالسيف ، كما يقتل المرتد ! (519) .
سبحان الله وبحمده والله أكبر ! يأمره بالأمس رسول الله بقتل ذي الخويصرة وهو رأس المارقة ، فيمتنع عن قتله احتراماً لصلاته ثم يستلُّ اليوم سيفه لقتل من يصلي من أهل الإيمان تحت الشجرة شجرة الرضوان؟!
وَيْ ، ويْ ! ما الذي أرخص له دماء المصلين من المخلصين لله تعالى في صلاتهم؟إن هذه لبذرة أجذرت وآتت أكلها في نجد(حيث يطلع قرن الشيطان)!
وقال في هامشه: (1) كما في السطر الأخير من ص59 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي (منه قدس) . ( 519 ) الغدير للأميني:6/146 ، شرح النهج الحديدي:3/122 ، سيرة عمر لابن الجوزي ص107 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ، السيرة الحلبية ج 3 / 29 ، فتح الباري: 7 /361 وقد صححه ، إرشاد الساري:6/337 ، شرح المواهب للزرقاني:2/207 ، الدر المنثور:6/73 ، عمدة القاري:8/284 وقال: إسناد صحيح ..الى آخر ماذكره من مصادر .


( من كتاب : جواهر التاريخ تحت الطباعة )