علم النبي بالغيب من بديهيات القران الكريم

18 أبريل 2010
6
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ، ويعلم ما في البر والبحر ، وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) .
( وعنده ) اي عند الله عز وجل ، ( مفاتح الغيب ) مرتبة وجودية تختلف عن الكتاب المبين ، لا يعلمها الا هو بالذات .
والسؤال ما هو الكتاب المبين ، هل هو كتاب تدويني أم تكويني ، وما هو حقيقة هذا الكتاب .
واختصارا للجهد ، نقول : ان هذا الكتاب هو مرتبة راقية من مراتب القران الكريم ، كما ان مفاتح الغيب ربما تكون أرقى مرتبة من مراتب وحقيقة القران الكريم ، والذي نزل في ليلة القدر هو بعض مراتب هذه الحقيقة ، وليس هو في تلك المرتبة كتاب تدويني ، نعم نزوله خلال ثلاثة وعشرين سنة هو مرتبة تدوينة لحقيقة القران الكريم .
فللقران الكريم حقيقة ، ولذه الحقيقة مراتب وجودية ، كما أن كل انسان له حقيقة وله مراتب مضافة الى هذه الحقيقة .
فاسمه اللفظي يحكي تلك الحقيقة ، وصورته الفتوغرافية تحكي تلك الحقيقة ، واسمه المدون أو صورته المرسومة تحكي أيضا تلك الحقيقة ، والتعدي على أي نحو من هذه الانحاء يعتبر في الجملة تعدي على تلك الحقيقة ، وحقيقة الانسان في وجوده الخارجي ، وهذا الوجود الخارجي ايضا له مراتب كثيرة : روح ، نفس ، قوى ، جسد ... .
ومن المعلوم ان حقيقة القران الكريم بأعلى مراتبها متحدة من حيث الوجود مع نور النبي صلى الله عليه واله .
كما أنه من المقطوع به ، ان ( الكتاب المبين ) هو مرتبة عالية من مراتب القران الكريم ، وله مراتب اعلى المشار اليه في قوله تعالى ( انه لقران كريم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون ) ، فالكتاب المكنون هو مرتبة عالية ايضا من الكتاب المبين ، وتتوسط هذه المرتبة ما هو مذكور في قوله تعالى ( بل هو قران مجيد في لوح محفوظ ) فالقران المحفوظ وسط بين القران المبين والقران المكنون .
فمن تحقق بحقيقة القران الكريم علم ما في البر والبحر علما افاضيا من الله عز وجل ، فان الله تعالى قادر على أن يجعل علم الغيب لبعوضة ، ولا تقاس البعوضة بمن هو عدل للقران الكريم في كل مراتبه الوجودية .
بل القران الكريم في كل مراتبة الوجودية ما هو الا وصف وشرح وتفسير وبيان لحقيقة ذلك النور الذي خلقه قبل خلق الاشياء بأربعة عشر الف سنة ، ففي الحديث الصحيح ( كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل قبل خلق ادم بأربعة عشر ألف سنة ) أي اربعة عشرة مرتبة وجودية ، وهي بعدد المعصومين عليه السلام .
ونحن حينما نقول بان النبي صلى الله عليه واله يعلم الغيب بتعليم وافاضة من الله عز وجل أو أنه صلى الله عليه واله واسطة كل خير وكمال لكل موجود ومخلوق انما هو بلحاظ وجوده النوري ، لا وجوده البدني .
وما تاتي من روايات هي بيان لهذه الحقيقة القرانية .


الطائفة الاولى : علمهم بما كان و يكون :
1 / صحيحة ابي بصير عن ابي عبدالله عليه السلام ـ في حديث طويل ـ وإن عندنا الجامعة ومايدريهم ما الجامعة ... وإن عندنا الجعفر ومايدريهم ماهو الجفر ... وإن عندنا لمصحف فاطمة ومايدريهم مامصحف فاطمة ... ثم سكت ساعة ثم قال : إن عندنا علم ماكان وعلم ماهو كائن الى ان تقوم الساعة ، قال : قلت : جعلت فداك هذا والله هو العلم ، قال : إنه لعلم وليس بذاك ... الحديث .
2 / صحيحة عبدالاعلى وابن بشير قالا : قال عليه السلام ابتداءً منه : والله لاني لاعلم مافي السماوات ومافي الارض وما في الجنة وما في النار وما كان ومايكون الى أن تقوم الساعة .

3 / صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه واله فقال : علم النبي علم جميع النبيين ، وعلم ماكان وعلم ماهو كائن الى قيام الساعة ، ثم قال : والذي نفسي بيده إني لاعلم علم النبي صلى الله عليه واله وعلم ماكان وعلم ماهو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة .
4 / حسنة سيف التمار قال : كنا مع أبي عبدالله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجرة فقال : علينا عين ؟ فقلنا يمنة ويسرة فلم نر أحداً ، فقلنا : ليس علينا عين ، قال : وربّ الكعبة والبيت ـ ثلاث مرات ـ لو كنت بين موسى والخضر لاخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما ماليس في أيديهما لان موس والخضر اعطيا علم ماكان ، ولم يعطيا علم ماهو كائن ، وإن رسول الله صلى الله عليه واله أعطي علم ما كان وماهو كائن الى يوم القيامة ، فورثناه من رسول الله صلى الله عليه واله وراثة .
5 / وفي مستفيضة عبد الاعلى وعبيدة بن بشير وعبدالله بن بشير قالوا : قال عليه السلام : « والله اني لاعلم مافي السماوات ومافى الارض ومافي الجنة ومافي النار وماكان ومايكون الى ان تقوم الساعة » فرأى أن ذلك كَبُر على من سمعه ، فقال : اعلمه من كتاب انظر إليه هكذا ثم بسط كفيه ثم قال إن الله يقول ( ونزلنا عليك الكتاب فيه تبياناً لكل شيء ) .
6 / وفي الصحيح الى حماد اللحام قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : نحن والله نعلم ما في السماوات وما في الارض وما في الجنة وما في النار ومابين ذلك ، فبهت انظر إليه ، قال : فقال : ياحماد إن ذلك من كتاب الله ان ذلك في كتاب الله ان ذلك في كتاب الله ، ثم تلا هذه الاية ( يوم نبعث من كل امة شهيداً عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ، ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) انه من كتاب الله فيه تبيان كل شيء فيه تبيان كل شيء
7/ وفي مستفيضة معاوية بن وهب في ثواب زوار الحسين عليه السلام قال : استأذنت على أبي عبدالله عليه السلام فأذن لي فسمعته يقول في كلام له : يامن خصّنا بالوصية وأعطانا علم مامضى وعلم مابقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا وجعلنا ورثة الانبياء عليهم السلام ... .


الطائفة الثانية : نظرهم في الملكوت ، وعلمهم بما يحدث في السماوات والارض .
ماجاء من روايات مستفيضة أنه لايحجب عنهم مايحدث في السماوات والارض والجنة والنار ، وقد عقد لها صاحب البحار بابين أورد فيهما عدّة من الروايات .
1 / صحيحة عبدالاعلى وعبيدة بن بشير قال : قال أبو عبدالله عليه السلام ابتداء منه : والله إني لاعلم ما في السماوات والارض وما في الجنة وما في النار ومكان ومايكون إلى أن تقوم الساعة ، ثم قال : أعلمه من كتاب الله أنظر إليه هكذا ، ثم بسط كفيه ، ثم قال : ان الله يقول ( ونزلنا إليك الكتاب فيه تبيان كل شيء )
2 / صحيحة المفضل عن ابي عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : اعطيت تسعاً لم يعطها أحد قبلي سوى النبي صلى الله عليه واله فتحت لي السبل ، وعلمت المنايا والبلايا والانسان وفصل الخطاب ، ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربي فما غاب عني ماكان قبلي ولا مايأتي بعدي وإن بولايتي أكمل الله لهذه الامة دينهم ... .
3 / رواية الحسن بن عبدالله عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة : والله إني لديان الناس يوم الدين ، وقسيم الله بين الجنة والنار .... ولقد أعطيت السبع التي لم يسبق إليها أحد قبلي ، بُصرت سبل الكتاب وفتحت لي الاسباب وعلمت الانساب ومجرى الحساب وعلمت المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب ، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شيء غاب عني ولم يفتني ماسبقني ولم يشركني أحد فيما أشهدني يوم شهادة الاشهاد ، وأنا الشاهد عليهم وعلى يدي يتم موعد الله وتكمل كلمته وبي يكمل الدين ، وانا النعمة التي أنعمها الله على خلقه ، وأنا الاسلام الذي ارتضاه لنفسه ، كل ذلك منّ من الله .
4 / صحيحة هشام عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى ( وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين ) قال : كشط له عن الارض ومن عليها وعن السماء وما فيها والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه ، وفعل ذلك برسول الله صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين صلوات الله عليه
5 / وفي الحسن الى أبي داود السبيعي عن بريدة الاسلمي عن رسول الله صلى الله عليه واله قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله: ياعلي إن الله أشهدك معي سبع مواطن حتى ذكر الموطن الثاني ، أتاني جبرئيل فأسرى بي الى السماء ، فقال : أين أخوك ؟ فقلت : ودعته خلفي : فقال : فادع الله يأتيك به ، قال : فدعوت فإذا أنت معي فكشط لي عن السماوات السبع والارضين السبع حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها فلم أر من ذلك شيئا إلا وقد رأيته كما رأيته
6 / وفي صحيحة عبدالله بن مسكان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : ( وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض ) قال كشط لابراهيم السماوات السبع حتى نظر الى مافوق العرش وكشط له الارض حتى رأى مافي الهواء وفعل بمحمد صلى الله عليه واله مثل ذلك وإني لارى صاحبكم والائمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك.
وغيرها من روايات وقد روى الشيخ الجليل الصفار احد عشرة رواية في ذلك فراجع .


الطائفة الثالثة : أنهم عليهم السلام خزان علم الله تعالى .
ماورد مستفيضاً ـ بل متواتراً اجمالا ـ من أنهم عليهم السلام خزنة علمه في أرضه وسمائه ، وعمله تعالى لايختص بالشهادة بل أعم من الشهادة والغيب ، ومن كان خازناً له تعالى فله حظ وافر من العلم بالغيب والشهادة ، من هذه الروايات :
1 / صحيحة ابن ابي يعفور قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يا ابن ابي يعفور إن الله واحد متوحد بالوحدانية ، متفرد بأمره ، فخلق خلقاً فقدرهم لذلك الامر ، فنحن هم يابن ابي يعفور فنحن حجج الله في عباده ، وخزانه على علمه ، والقائمون بذلك .
2 / مصححة أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنه قال : يا أبا بصير : نحن شجرة العلم ونحن أهل بيت النبي صلى الله عليه واله ، وفي دارنا مهبط جبرئيل ، ونحن خزّان علم الله ، ونحن معادن وحي الله ، من تبعنا نجا ومن تخلف عنّا هلك ، حقاً على الله عز وجل .
3 / حسنة سورة بن كليب الاخرى عن ابي عبدالله عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى ( ربّنا آرنا الذين أضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الاسفلين ) قال : ياسورة هما والله ـ ثلاثا ـ والله ياسورة ، إنّا لخزّان علم الله في السماء وإنّا لخزان علم الله في الار .
4 / صحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إن الله عز وجل خلقنا فأحسن خلقنا ، وصوّرنا فأحسن صورنا ، وجعلنا خزانه في سمائه وأرضه ، ولنا نطقت الشجرة ، وبعبادتنا عبدالله عز وجل ، ولولانا ماعُبد الله .
والروايات على هذه الشاكلة كثيرة جدا وهي متطابقة مع محكمات القران الكريم .