أيها الناس : اعلموا أني فاطمة !!!! - ( بحث )

19 أبريل 2010
4
0
0
الحمدلله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن والاها جم عن الإحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها .....

ثم الصلاة والسلام على فاطمة سر الإله وأبيها النبي الخاتم وبعلها سيد الوصيين وبنيها الطهر الميامين ورحمة الله وبركاته .


--------------------------------

* لمناسبة الأيام التي نمر فيها في هذا الردح من الزمن أحببنا أن نهدي هدية إلى مولاتنا البتول عليها السلام ولمولانا الحجة بن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف .

-------------------------------


- إنطلاقا من نداء الزهراء عليها السلام : (( أيها الناس اعلموا اني فاطمة ، وأبي محمد )) أحببنا أن نلبي نداء سيدتنا الزهراء عليها السلام ، وهو نداء لم يكن محصوراً في نطاق حوائط مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل هو نداء للزمن ولنا نحن جميعاً ولابناءنا وأحفادنا إلى يوم الدين ، بل وحتى في يوم الدين سيكون النداء واضح جلي بأن نعلم من هي الزهراء عليها السلام .

--------------------------------

قبل الدخول في الموضوع سأطرح ثلاث مقدمات لتسهيل القراءة ، وسأفرد لكل مقدمة مشاركة حتى تسهل القراءة .


1- التعريف بالنفس .
2- القبول المشروط .
3- المكاشفات الروحية للجوهر .


1- التعريف بالنفس : هو أن يعرف الإنسان نفسه لغيره بحيث يكون معلوماً لغيره ، ولو كان ذلك من غير تعريف شخصه ، كقوله أنا تلميذ عمرُ من غير ان يذكر الشخص اسمه .

* إن الذي يفكر في خطاب الزهراء عليها السلام بعد أن ظلمت وصبت عليها المصائب وما جار عليها القوم ، عليهم من الله ما يستحقون ، ما كان من الزهراء عليها السلام ؛ إلا أن قامت بموقف جريء كشفت من خلاله حقيقة الظلم الواقع عليها وعلى بعلها عليهما السلام ، وعلى الغصب الواقع على حقها وحق ولديها في فدك عليهم السلام .


* وما كان منها عليها السلام إلا أن خرجت من بيتها متجلببة بحجابها تخط أذيالها من سترها الطاهر عليها السلام ، لا تخرم مشيتها مشية أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى دخلت المسجد ، فأميط دونها ودون الناس ملاءة ، جلست خلفها وقبل أن تشرع في كلامها ، أنت أنة ؛ أجهش القوم بعدها في البكاء ، حتى بدأت :

((
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاوت عن

الإدراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن

القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته ابتدع الأشياء لا من شي‏ء كان قبلها وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها
................

إلى أن قالت عليها السلام :

ثم قالت أيها الناس اعلموا أني فاطمة و أبي محمد ص
أقول عودا وبدوا ولا أقول ما أقول غلطا ولا أفعل ما أفعل شططا لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ

عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم
.... )


- فلينظر الإنسان إلى هذه الخطبة التي بدأتها الزهراء عليها السلام بدرس في التوحيد والله يعجز أعظم المتكلمين في عصرنا هذا على الدخول في مثل هذا التوحيد المتقن الذي لا ينم إلا عن قلب امتحنته الله للتقوى كما نقرأ في زيارتها عليها السلام : (( يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك ..... ) .


- وكأنها في مقدمتها أرادت أن تطرح مقدمة تعرب نفسها من هي عليها السلام وما هي عقيدتها إلى أن قالت ( أيها الناس اعلموا أني فاطمة ) ، هذا الأسلوب الجريء في مناشدة الناس في معرفة حقها ومن هي ، ومكانتها وعلمها ودرجتها عند الله ، حقيقة هو نداء مستحق يجب التفكير فيه .


السؤال :

- من يقارن بين خطبة الإمام السجاد عليه السلام في الشام ، وبين خطبتها عليها السلام يجد أن الإمام السجاد قد نسب نفسه في الخطبة بالعديد من الأشياء التي يكشف فيها عن مقامه عليه السلام ، بداية من قوله ( أنا ابن مكة ومنى ...... حتى قوله أنا ابن المقتول بكربلاء ) مروراً بالنبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمير المؤمنين ضارب خراطيم الخلق والبهلول المعظم ، ثم بالسيدة الطاهرة خديجة عليها السلام ، والسيدة الزهراء عليها السلام ، حتى الإمام المقتول ظلماً .

بينما الزهراء عليها السلام اكتفت بالقول :

أيها الناس اعلموا اني فاطمة ، وأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) . فقط !!!!



-رجوعا إلى المقدمات :

* التعريف بالنفس عادة يكون بنسب الشخص نفسه إلى من هو أعظم منه ، كقولك إني خادم المهدي عجل الله فرجه ، أو قولك أنا تلميذ فلان العالم أو ما شابه .


فماذا نستفيد من قول الزهراء فقط دون زيادة : ( أيها الناس اعلموا أني فاطمة ، وأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟



وهل من هنا استمد شاعر أهل البيت المبدع محمد مهدي الجواهري بعد أن نظم قصيدة العينية في مدح الإمام الحسين عليه السلام ، وقال ما هو هكذا ؟

فيا أيها الوتر في الخالدين---فذا الى الأن لم يشفع ِ
ويا عظة الطامحين العظام---للاهين عن غدهم قنع ِ
تعاليت من مفزع للحتوف---وبورك قبرك من مفزع ِ
تلوذ الدهور فمن سجدٍ ----على جانبيه ومن ركع ِ
شممت ثراك فهب النسيم---نسيم الكرامة من بلقع ِ
وعفرت خدي بجيث أستراح --- خد تفرى ولم يضرع ِ
وحيث سنابك خيل الطغاة---جالت عليه ولم يخشع ِ
وخلت وقدطارت الذكريات---بروحي الى عالم أرفع ِ
وطفت بقبرك طوف الخيال----بصومعة الملهم المبدع ِ
كأن يدا من وراء الضريح---حمراء مبتورة الأصبع ِ
تمد الى عالم بالخنوع ---والضيم ذي شرق مترع ِ
تخبط في غابة أطبقت ---على مذئب منه أو مسبع ِ
لتبدل منه جديب الضمير ---- بأخر معشوشب ممرع ِ
وتدفع هذه النفوس الصغار---خوفا الى حرم أمنع ِ
تعاليت من فلك قطره --- يدور على المحور الأوسع ِ
فيابن البتول وحسبي ---بها ضمانا على كل ما أدعي
ويابن التي لم يضع مثلها---كمثلك حملا ولم ترضع ِ

---------------------------------------------

هذا بداية البحث في قولها عليها السلام ، والله يوفق لإكمال البقية في مشاركتين أو ثلاث لتسهيل قراءة البحث .




والله موفقكم ،، والحجة يرعى
وإذا حكمتم بين الناس أن تحمكوا بالعدل




المقدمة الثانية :القبول المشروط في الإسلام

- الدين الإسلامي الحنيف وضع لبعض الأمور التعبدية شروطاً تستوجب قبول هذا العمل ، عل الفكرة تكون أوضح لو طرقنا أبواب بعض الأمثلة :


1- قال الله سبحانه وتعالى : ((قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم )) .صدق الله العلي العظيم


* الواضح من سياق الآية ، أن الله سبحانه وتعالى وضع سبلاً لقبول الصدقة ، بحيث ألا يتبع هذه الصدقة قول سوء أو فعل يخشى معه عدم قبول الصدقة ، كمعايرة الفقير ، أو الرياء في الصدقة ، أو غيره من الأمور التي تبطل خير الصدقة ، فبذلك نستطيع أن نقول بأن قبول الصدقة مشروط بعدم إلحاقها بمن أو أذى .

2- الدعاء :

* كما تنص الروايات الوردة عن أهل البيت عليهم السلام ، بأن قبول الدعاء يكون مشروطاً بكيفية معينة توجب اتباع بعض الأمور حتى يكون الدعاء مقبولاً ، مثال ذلك :

الطهارة
الابتداء بتحميد الله وتقديسه
ذكر فضله والاعتراف بنعمه
ذكر ذنوب الداعي والاستغفار منها
الصلاة على محمد وآل محمد
التشفع بأحد الأولياء والصالحين لا سيما أهل البيت عليهم السلام ، وعلى الأخص مولانا حجة الله بن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف .
-----------------

* فمن ذلك نستشف أن بعض الأمور التعبدية في الشارع الإسلامي وضعها الشارع ووضع قبولها مواكباً لأمور معينة لتندرج فيما يصطلح عليه القبول المشروط بالإسلام .


الزهراء ونبوة الأنبياء :

- فيما يلي سنبين أن قبول نبوة الانبياء وتكاملها واتمام الحجية على العباد متعلق بالاقرار بالفضل للزهراء عليها السلام ، وبتحقيق محبتها ، بل ويتجاوز المقام إلى ان تكون الزهراء عليها السلام حجة على المعصومين أنفسهم ، وفيه ما يلي :


قال الإمام الرضا عليه السلام : (ما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها ومحبتها )(1)



* كما في الرواية عن الرضا عليه السلام ، فتكامل نبوة الأنبياء مشروط بالإقرار للزهراء عليها السلام بالفضل والمحبة ، فما هي عظيمة الزهراء عليها السلام بحيث أن تتعلق نبوة الأنبياء بالزهراء عليها السلام ، وهم _الأنبياء _ حجج الله على عباده ، وهم كلمته في أرضه ، وهم الداعين إليه سبحانه وتعالى ، بل ومما يزيد المقام حيرة لهذه المرأة الطاهرة المقدسة هو ما يرويه الإمام أبو محمد العسكري عليه السلام :

( كلنا حجج الله على البرايا وأمنا فاطمة حجة علينا )


* ولو أضيف معنى الرواية السابقة إلى ما ورد عن أمير المؤمنين في نهج البلاغة :

(( ونحن وسيلته في خلقه ونحن خاصته ومحل قدسه ونحن حجته في غيبه ... ))


* فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس وما كان معذبهم حتى يبعث فيهم رسولاً ، وأن تكون نبوة النبي والرسول مقيدة بالاقرار للزهراء عليها السلام بالفضل والمحبة ، بل ويتجاوز المقام في ذلك بأن يكون أهل بيت النبوة عليهم السلام حجج الله على عباده ، والزهراء عليها السلام حجة عليهم كما ورد على لسان الإمام العسكري عليه السلام !!!!




................ يتبع




---------------------------------------------------------------
(1) الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي ص 12 .
* البحار - العلامة المجلسي ج42 ص 105
* مجمع النورين - الشيخ أبو الحسن المرندي ص39



بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمدلله رب العالمين ، ثم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .

وبعد .....


- نكمل المشاركة السابقة بوقفة بيان لنسهل المقدمة الثالثة ، فنقول :


* الحاصل من عدد كبير من الروايات بين أيدينا والذي يفهم منها ، أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وفيه صلة حاصلة وهم أهل البيت عليهم السلام ، أي النبي الأمي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين .


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كنت وعلي نوراً بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربع عشرة ألف عام فلم يزل يتمحض في النور حتى إذا وصلنا إلى حضرة العظيمة في ثمانين ألف سنة ثم خلق الله الخلائق من نورنا فنحن صنائع الله ، والخلق كلهم صنائع لنا . (1)


يروي الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ، عن الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) : (نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا ) .(2)


وأيضا في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( إنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا ) . (3)

* والظاهر من بيان الروايات ، بأن الله سبحانه وتعالى خلق أهل البيت عليهم السلام ، ثم خلق الخلق لهم ، وكلمة لهم قد تورد تشويش على الذهن لمن كان في قلبه مرض ، بحيث يعتقد بأن (لهم) أي لعبادتهم أو هم الذين خلقوا بعد الله ، والواقع أنه لأ ....................

- الرواية تنسجم مع ما يرد من حديث الكساء في قوله تعالى :

يا ملائكتي ويا سكان سماواتي ، إني ما خلقت سماء مبنية ، ولا أرضا مدحية ، ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ، ولا فلكاً يدور ، ولا بحراً يجري ، ولا فلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء .


- وما يعضده قول الأمين جبرائيل حينما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

السلام عليك يا رسول الله ، العلي الاعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك : وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ، ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا لأجلكم ومحبتكم .



* فالمتحصل هنا بأن الله سبحانه وتعالى خلق الكون على محبتهم والإقرار بفضلهم ويعاضده حديث النبي أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر ، كما يصب في نفس بحر ما ذكرنا بأن النبوة لا تكتمل لنبي حتى يقر بالفضل إلى الزهراء عليها السلام .

* ولكن ما يجب أن يورد هنا بأن اللفظ الإلهي له سبحانه وتعالى في هذا الإقرار بأن الخلق مجبول على محبتهم ، ومن ترك محبتهم ترك الفطرة ، ما جاء إلا بعد أن دخلت الزهراء تحت الكساء وبها تكتمل الحجة والنور .

* وللسائل أن يسأل لماذا هذا الإصرار على كون الزهراء هي آخر من دخل ؟ وأن الزهراء بها تكتمل الحجة ولماذا ذلك ؟ .... فنقول


الجواب واضح في سؤال الأمين جبرائيل : أي رب ومن تحت الكساء

* فكان تعريف ذلك النور العظيم ، والخلق الجليل ، ورحمة الله في الأرضين وحجته على عباده وسبب خلقه ، كل ذلك كان التعريف بهم باسم علم واحد ، ونسب إليها البقية :

قال :هم اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ،هم فــــــــــــــــاطــــــــــــــــمــــــــة وأبوها وبعلها وبنوها .




أختم هذا المشاركة بهذه الرواية ، يرويها الملا محمد باقر في كتاب الخصائص الفاطمية : (( وهي فاطمة بنورها ظهر الوجود من الفاتحة إلى الخاتمة )) .



* اللهم وفقنا لتأدية بعض حقها .


..................................يتبع مع أمل الاستفادة .




---------------------------------------------------------
(1) شرح إحقاق الحق -السيد المرعشي - ج5 ص246

(2) الأنوار البهية - ص293

(3) القاضي سعيد القمي - التعليقة على الفوائد الرضوية - ص57
نهج البلاغة - ج3 - ص32
علم الإمام عليه السلام - الشيخ محمد حسين المظفر ص30




والله موفقكم ،، والحجة يرعى
وإذا حكمتم بين الناس أن تحمكوا بالعدل





اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها يارب العالمين .



* انتهينا في المشاركة السابقة إلى هذا الحديث القدسي (( وهي فاطمة بنورها ظهر الوجود من الفاتحة إلى الخاتمة )) .

- الذي يدقق في ألفاظ الحديث سيجد أن الحديث القدسي قد وصف الزهراء عليها السلام بأنها مصدر انعكاس الوجود ، وبنورها يكون ذلك ، ونستطيع أن نمثل على ذلك بمثال بأن الوجود وخلق الله كأنه متجسد في جسم معين ، وهذا الجسم داخل زجاجة ، ونحن نرى النور والفيض الإلهي والجمال الخالقي من خلال هذه الزجاجة ، بحيث تكون الزجاجة هي الزهراء عليها السلام ، وبنورها يظهر الوجود من الفاتحة إلى الخاتمة .


قال تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) . صدق الله العلي العظيم .


محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد قال:حدثنا محمد بن الحسين الصايغ قال: حدثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله عز وجل: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) * " المشكاة فاطمة (عليها السلام) فيها مصباح الحسن المصباح والحسين في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري كان فاطمة (عليها السلام) كوكب دري بين نساء أهل الأرض * (يوقد من شجرة مباركة) * توقد من إبراهيم (عليه السلام) * (لا شرقية ولا غربية) * يعني لا يهودية ولا نصرانية * (يكاد زيتها يضئ) * يكاد العلم ينفجر منها * (ولو لم تمسه نار نور) * على نور إمام منها بعد إمام * (يهدي الله لنوره من يشاء) * يهدي الله إلى الأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصا * (ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم)

* يظهر من هذا الرواية بأن الزهراء عليها السلام هي الانعكاس لمصادر النور وهي التي من خلالها يرى النور والجمال الخالقي ، فنحن نسير بخطى قصير جداً في بحر هذه السيدة الطاهرة ، أحببت أن أضيف هذه المشاركة حتى أختم البحث في المشاركة التالية واسأل الله التوفيق والقبول .







المقدمة الثالثة :

3-المكاشفات الروحية للجوهر :

* بما أننا أوضحنا المقدمتين السابقتين ، سنسلك في هذه الأخيرة ، وإن شاء الله يكون النسق متصل ، والفائدة متحصلة .

* الكلام في كون الأشياء لها جوهر وحقيقة ، كلام مطول ، ولكن يكفينا منه أن نعرف بأن للأشياء جوهر ينم عن حقيقتها ، وأصل وجودها ، وصورتها الفعلية في هذا الوجود ، وبعض تلك الصور قد يخفى عن أعيننا لأسباب معينة.

- وتلك الحقائق قد تكون مشابهة نوعاً ما لما يحشر عليه الإنسان ، مثلما نعلمه من حشر المغتاب بصورة كذا من الحيوانات ، وحشر الكاذب أو آكل الحرام أو الزاني بصور معينة ، والسبب في ذلك هو أن الذنوب التي يرتكبها الإنسان تصنع نوعاً من الحجب على روحه فلا يتمكن من الوصول لمرحلة إدراك الحقائق فيطمس على قلبه حتى يزول ذلك في وقته :

( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) . صدق الله العلي العظيم

- في تلك اللحظات يبدأ الإنسان يدرك الحقائق والصور الحقيقية للوجودات والعلل الأساسية في هذا المخلوق .


...................................


* من هنا أنطلق حتى نستطيع أن نبدأ في هذه الرواية :



عن أبي عبدالله عليه السلام : لم سميت الزهراء زهراء ؟ فقال : لانها تزهر لامير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور ، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه واله فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة فاذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه واله فيسألونه عمارأو افيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها - صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها - بالصفرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحا وشكرا لله عزوجل فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه واله ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الائمة منا أهل البيت إمام بعد إمام .(1)

روي عن الإمام الصادق عليه السلام : خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض والسماء .... خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم ) .


- فالذي يدقق في الروايتين السابقتين يجد بأن الزهراء كان لها نور مادي وليس معنوي فقط فهو يتجاوز المعنوية ليصل إلى المادية الظاهرة ، ونستطيع أن نشبه ذلك بكوب الماء الشفاف ، الذي يملأ إلى نصفه بالماء ولكن الماء يُرى ولا يلمس خارجه ، حتى يمتلأ الكوب تماماً ويبدأ ينسكب خارجه فيصبح محسوساً بالخارج ، فهو هكذا النور الذي نقصد بتجاوزه من المعنوية إلى المادية ، ولله المثل الأعلى .

- فلماذا صعب على بعض الناس إدراك حقيقة هذا النور أو تجاهلوه ، حتى أصبحوا يساوون الزهراء بغيرها من النساء بل ويفضل غير الزهراء عليها سلام الله عليها ، هل تجاوزت الذنوب محل معرفة مقام أهل البيت عليهم السلام ؟

* لا أعتقد ذلك وأورد هذه الرواية لما أريد قوله ، وعلى القارئ أن يحدد رأيه :

كيفية الشهادة: كتب عمر بن الخطاب عهدا إلى معاوية عليه اللعنة ذكر فيه ما يلي: فأتيت داره (أي دار الإمام عليه السلام) مستشيرا لإخراجه منها، فقالت الأمة فضة و قد قلت لها: قولي لعلي يخرج الى بيعة ابي بكر فقد اجتمع المسلمون، فقالت: ان امير المؤمنين عليا مشغول، فقلت: خلي عنك هذا و قولي له يخرج و إلا دخلنا عليه و اخرجناه كرها، فخرجت فاطمة فوقفت وراء الباب فقالت: أيها الضالون المكذبون ماذا تقولون ؟ و أي شيء تريدون، فقلت: يا فاطمة، فقالت: ما تشاء يا عمر ؟ فقلت: ما بال ابن عمك قد اوردك للجواب و جلس من وراء الحجاب ؟ فقالت لي: طغيانك يا عمر اخرجني، و الزمك الحجة و كل ضال غوى، فقلت: دعي عنك الأباطيل و أساطير النساء و قولي لعلي: يخرج، فقالت: لا حب و لا كرامة، أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر ؟ و كان حزب الشيطان ضعيفا، فقلت: ان لم يخرج جئت بالحطب الجزل و اضرمتها نارا على أهل هذا البيت واحرق من فيه، أو يقاد علي إلى البيعة، وأخذت سوط قنفذ فضربتها، و قلت لخالد بن الوليد: أنت و رجالنا هلمّوا في جمع الحطب، فقلت: اني مضرمها، فقالت يا عدو الله و عدو رسوله و عدو أمير المؤمنين، فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه، فرمته، فتصعب عليّ، فضربت كفيها بالسوط فآلمها فسمعت لها زفيرا و بكاء، فكدت ان ألين و أنقلب عن الباب. فذكرت أحقاد علي و ولوعه في دماء صناديد العرب، و كيد محمد وسحره، فركلت الباب، و قد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه و سمعتها و قد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها و قالت: يا أبتاه يا رسول الله هكذا كان يفعل بحبيبتك و ابنتك، آه يافضة إليك فخذيني، فقد و الله قتل ما في احشائي من حمل، و سمعتها تمخض و هي مستندة الى الجدار، فدفعت الباب و دخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها و تأثرت الى الأرض.... الخ الخبر. وقد اخبرت عليها السلام بنفسها ما جرى عليها كما عن ارشاد القلوب:... فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى ابي بكر فضرب به عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فرده عَليّ وأنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر ويسفع وجهي، فيضربني بيده حتى انتشر قرطي من اذني و جاءني المخاض، فأسقطت محسنا بغير جرم. (2)

* فهذا هو المتهجم على الزهراء يقول أنها دخلت عليه بوجه أغشى بصره !

* فمتى يكون إدراك النور وحقيقة النور وجوهر الزهراء عليها السلام أو على الاقل الاقتراب من ذلك الجوهر لو كان إدراكه قد يكون مشكلاً ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كان يوم لاقيامة ، تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة ، مدبجة الجنبين ، خطامها من لؤلؤ رطب ، قوائمها من الزمرد الأخضر ، ذنبها من المسك الاذفر ، عيناها ياقوتتان حمراوان ، عليها قبة من نور ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله ، على رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون ركناً كل ركن مرصع بالدر في أفق السماء ، وعن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن شمالها سبعون ألف ملك ، وجبرائيل آخر بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته :

يا أهل المحشر غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة ()، فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله ، فتنزح بنفسها عن ناقتها وتقول : إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني ، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي ، فإذا النداء من قبل الله جل جلاله : ياحبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي ، واشفعي تشفعي ، فوعزتي وجلالي لا جازتي ظلم ظالم ، فتقول : إلهي وسيدي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبيي ومحبي ذريتي ). (3)


* تعليقي الأخير أن نور الزهراء الذي أغشى بصر ذلك الرجل ، هو سبب طأطأة رؤوس القوم ، زيادة على أن يكون احتراماً للزهراء عليها السلام ، هو نور الزهراء الذي لا يمكن رؤيته على حقيقته لشدته على النفس ، فسبحان الذي خلقها ، ورحم الله من عرف قدرها ، ووفق الله شيعتها .




وأخيرا:


أيها الناس اعلموا أنها فاطـــــــــــمــــــــــــــــــــة

-------------------------------------------------------------------
(1)بحار الأنوار - باب أسماءها وبعض فضائلها عليها السلام .
(2) البحار : ج 30 ص 293 - 295 ، والهداية الكبرى للخصيبي ، ص 417
(3) مصادر السنة والشيعة : كشف الخفاء للعجلوني:1/96 - وفي تاريخ بغداد:8/136
سبل الهدى والرشاد :11/50 - أمالي الصدوق ص69






* كنا وعدنا بذكر خاصية من خصوصيات الزهراء عليها السلام ، والحمدلله على التوفيق .


----------


قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : وأما إبنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي بضعة مني وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض . (1)


* الإنسان في طور حياته له مدارك على العالم الخارجي ، يكتسب به المعرفة الخارجية إلى داخله ، كمثل الحواس ، فهي مدركات الإنسان على العالم الخارجي ، به يعرف الحرارة والبرودة والجمال والقبح وغيره .

* من المعيب على الإنسان ككونه إنسان أن يعتقد بأن الحواس هي المدركات الوحيدة في شخصه وتكوينه ، فذلك إنما يكون لغير ذي العقل ، وأما الانسان بما هو انسان فإن مداركه تتعدد كالآتي :

1-الحواس
2- القلب
3- العقل
4- الروح


* فهو من الحواس يحس بالأشياء الملموسة كالتي ذكرنا سابقاً .

* وهو بالقلب يدرك الأشياء الغير ملموسة كالحب ، فاقد البصر لا يمنعه ذلك من إدراك الجمال ، ولكن للجمال معنى مختلف لديه ، وكذلك الأصم بإمكانه إدراك الجمال ، كما هو المشهور عن الموسيقار الأصم الذي نظم سيمفونياته الخاصة وهي أشهر مما ينظمه صحيح السمع .

- فإبمكان الإنسان بالقلب أن يدرك بعض الأمور الغائبة عن الحواس .

* العقل به يحس الإنسان الكليات اللازم معرفتها ، ودرجة إدراك العقل أعلى من درجة إدراك القلب .

* وأما الروح فهي المدرك الأعلى ، وهي اللامحدود من بين البقية ، فالروح الطاهرة المطيعة لله سبحانه وتعالى ، تلك التي تعرج إلى ملكوت الله حال الصلاة متجردة عن الجسد ، تكون قد بلغت مقاماً أعلى مما تستطيعه الحواس أو القلب أو العقل .

--------------------------

* بعد تلك المقدمة فقط لنقارن بين درجة الانسان وقوة مدركاته ، فمدركات الانسان البسيط ليست كمدركات المعصوم عليه السلام ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك النبي كان يدرك بحواسه مالا يدركه غيره من غير المعصومين ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

( إني أسمع تسبيح الحصى )
( أنا على الأرض وأرى سدرة المنتهى)

* إذا كانت عين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تدرك سدرة المنتهى وهو على الأرض ، فكيف بنا لو نظرنا إلى :

قلب رسول الله ؟

عقل رسول الله ؟

روح رسول الله !!!!؟



------------------------------------------

هل لنا الآن أن نعود إلى الحديث الذي ذكرناه أول المشاركة ؟

( فاطمة هي روحي التي بين جنبي ) !


فأي مقام بلغته هذه السيدة المقدسة ، اللهم وفقنا لخدمتها يارب ولو بالقليل جداً .


------------------------------
(1) : فرائد السمطين - تأليف شيخ الإسلام المحدث الكبير إبراهيم بن محمد بن مؤيد الجويني الخراساني - الباب السابع _ ج2 - ص 34 - ح 371 :



والله موفقكم ،، والحجة يرعى
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل






بكاء الزهراء عليها السلام :

* إن للمعصوم عليه السلام بعدان يحددان ملامح شخصيته ، بعد مادي ، ويتضح من خلال المادة الفزيوية التي يتعامل بها مع الخلق ، والشكل الظاهر منه ، وما يجري عليه من المرض وما شابه .

وهناك بعد إلهي ، وهو حقيقة روحه المنطلقة إلى الله سبحانه وتعالى بلا قيود والساكنة في ظل العرش المتأملة بالتسبيح والتقديس والتهليل له سبحانه وتعالى ، وهو مصداق قوله تعالى في الآية الكريمة : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ....))

فالبعد الأولي المادي هو إقراره بالبشرية
وبعده الثاني الروحي إقراره بتحمله وقدرته على استيعاب طاقة الوحي العالية جداً .

وكذلك قوله تعالى سبحانه وتعالى عند خلق آدم عليه السلام : (( إذ قال ربك لملائكة إني خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )) .

فالبعد الأولي المادي هو خلق آدم عليه السلام من طين .
والبعد الثاني الروحي هو نفخ الروح الإلهية فيه .

- وكوننا قلنا أن له عليه السلام بعدان ، ذلك لا يعني إنفصال القوتين عن بعضهما البعض ، لكون كل قوة مبتنية على الأخرى ، فذلك الذي يزداد روحياً من قيام الليل ، هو يستعين بمادة جسده المادية الطينية ، في قيام وقعود وسجود وركوع ، حتى يزكي روحه وينطق بها في عوالم الرحيمية .

- وكذلك الذي يجد في نفسه مرضاً خبيثاً جرته عليه ذنوبه ، فهو يصوم ويستعين بقوة جسده الطينية ليتحمل مرارة الجوع وعذاب العطش ، لكي يزكي نفسه من الذنوب المانعة له من الصفاء الروحي .

واستشهادي على ذلك ، سؤال أمير المؤمنين وسيد الموحدين بعد رسول الله (صلى الله عليهما وآلهما وسلم ) ، لله سبحانه وتعالى في دعاء كميل

قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحى وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي

فقوة الجوارح متعلقة بمادة الجسد
وشدة العزيمة متعلقة بمادة الروح

وإذا اكتملتا جنباً إلى جنب استطاع الإنسان أن يعيش صفاء إلهياً ، مع الله سبحانه وتعالى ، وأن يترقى في مراتب الكمال ، كما هو نص بقية فقرة الدعاء :

حَتّى اَسْرَحَ اِلَيْكَ في مَيادينِ السّابِقينَ وَاُسْرِعَ اِلَيْكَ فِي الْبارِزينَ وَاَشْتاقَ اِلى قُرْبِكَ فِي الْمُشْتاقينَ وَاَدْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ الُْمخْلِصينَ، وَاَخافَكَ مَخافَةَ الْمُوقِنينَ، وَاَجْتَمِعَ فى جِوارِكَ مَعَ الْمُؤْمِنينَ .


- بعد ذلك التقديم ، نرى أن الزهراء عليها السلام تتعامل بكلا البعدين مع ما جرى عليها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا كان فقد العالم بقول النبي الأكرم (بكسر اللام ) : إذا مات العالم ثلم الدين ثلمة لا تسد ، فكيف بفقد سيد الخلق ، والصادر الأول ، وعقل الكل ، وجامع التكوينات ؟

تلك مصيبة حلت على الكائنات ، في نقل لبعض الروايات حتى إبليس بكى في يوم وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا البعد الذي ترعاه الزهراء سلام الله عليه ، أبعد مما ننظر نحن إليه ، كما أن إدراك المصائب يحتاج إلى طاقة روحية عالية ، فالزهراء عليها السلام بعلمها وفضلها ، وكمال نورها ، تعلم من هو النبي ، وقريبة من حقيقة النبي الأعظم ، فتعلم فقد ذلك الكل ، يصيبها بمصيبة سلام الله عليها .

- لذلك نرى أن عظم المصيبة كان موجوداً وظاهراً أيضاً على أمير المؤمنين عليه السلام ، والمتتبع للروايات يعلم ما حال أمير المؤمنين بعد فقد النبي ، فتلك طامة وقعت على رأس حجة الله في الأرض ، ومع ذلك بعض الموجودين لم يكونوا مهتمين بل كانوا يتقاسمون الخلافة في سقيفة بني ساعدة ، إذا روح المعصوم تدرك حجم وهول المصيبة .

* إضافة على ذلك أن نهب حقها عليه السلام ، وغصب إرثها ، وفقد جنينها ، وعصرها بين الحائط والباب ، وكسر ضلعها ، ولطم وجهها ، ونقف قرطها ، لهو تعد ٍ وإنتهاك وتجري على مقام العصمة ، فلها الحق كل الحق في البكاء ، وليت روحي ذهبت قبل نزول دمعتها.

-------------

هل خفي مقام الزهراء عليها السلام عن صالح الملائكة وعن سلمان ؟

* في الجواب أنقل رواية ، ينقلها السيد الأستاذ كمال الحيدري ، في كتابه التوحيد ، الجزء الثاني :

(( عن الرضا عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني .

قال علي (ع) : يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل عليه السلام ؟

فقال : يا علي ، إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا .

ياعلي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بربهم وبولايتنا . ياعلي ، لولا نحن ما خلق الله تعالى آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا عز وجل وتسبيحه وتقديسه وتهليله ، لأن أول من خلق الله أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده .

ثم خلق الملائكة ، فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمورنا ، فسبحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون ، وأنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة لتسبيحنا ، ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه ، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا الله لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال وأنه عظيم المحل ، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العزة والقوة ، قلنا : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقالت الملائكة ، لا حول ولا قوة إلا بالله )) .


فتلك ملائكة الله ، لم تعرف حقيقة الأنوار ، رزقنا الله السكون إلى شفاعتهم يوم القيامة ، بل واستعظمت شأنهم ، وشأن الزهراء بينهم ، حتى سبحوا ، فسبحت الملائكة ، ثم كبروا فكبرت الملائكة ، ثم حوقلوا ، فحوقلت الملائكة ... فتم لهم نفي الألوهية عنهم ، وإدراك أنهم عبيد مخلوقون ، ولكن لم يدركوا كنههم ، وأنى لهم ؟

وكيف يقدرون ؟


وفيهم فاطمة !




عليها وعلى ابنها ولي نعمتنا ، وعلى أبنائها المعصومين وبعلها وأبيها أفضل التحية والتسليم .


نكمل بتوفيق الله ،،



والله موفقكم ،، والحجة يرعى
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل





اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، اللهم صل على ولي نعمتي القائم بأمرك وعلى أمه الزهراء وآبائه الطاهرين .
------------------------------------------------------------------------------------------------------




قال الإمام السجاد (عليه السلام ) : الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين .

* وإننا لا نشك ولا نهم بأن نشك بأن سيدنا ومولانا علي أمير المؤمنين عليه السلام ، لهو إمام الموقنين ، وسيد الموحدين بعد رسول الله _صلى الله عليه وآله وسلم _ ، وفي ذلك يقول عليه السلام : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً .

ولكني وجدته سلام الله عليه بطل خيبر يقول كلمات أذهلت عقلي ، وأطاشت لبابه :

" السلام عليك يا رسول الله منّى والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك، وقرّة عينك، وزائرتك، والبائتة في الثري ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.. قلّ يا رسول الله! عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي، ............

قد استُرجِعَت الوديعة وأُخذت الرهينة وأُخلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء.

يا رسول الله! أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من

قلبي أو يختار الله لي دارك الّتي فيها أنت مقيم، كمد مقيّح، وهم مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو..

وستنبئك ابنتك بتظاهر أُمّتك عليّ وعلى هضمها حقّها فاحفها السؤال و استخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ....



نفسي على زفراتها محبوسة *** ياليتها خرجت مع الزفرات
لاخير بعدكِ في الحياة وإنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي






يرفع بمناسبة وفاة السيدة الطاهرة أم ولي نعمتي عليهما السلام ،،





والله موفقكم ،، والحجة يرعى
وإذا حكمتكم بين الناس أن تحكموا بالعدل