حول حديث «لا تجتمع أمّتي على ضلالة» سندا ودلالة - للشيخ السبحاني دام ظله

جابر المحمدي

فلأجعَلنّ الحُزنَ بعدك مؤنسي
28 أبريل 2010
271
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم ،،
والصلاة والسلام على افضل الخلق محمد وآله الطاهرين.
واللعنة الابدية على اعدائهم من الاولين والآخرين.

السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

أما بعد ، فهذا بحث لآية الله العظمى الشيخ السبحاني دامت بركاته علينا ، يتناول حديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة" . دراسة ً من حيث سنده ودلالته .


قال الشيخ السبحاني حفظه الله :
استند الكلاميّون في مبحث الإمامة ، والأصوليّون في فصل حجيّة الإجماع ، إلى حديث «لا تجتمع أمّتي على ضلالة» فلابدّ من التحقيق حوله ـ سنداً ودلالة ـ فنقول :




أوّلاً ـ أسانيد الحديث :
روي هذا الحديث في السنن والمسانيد ، ومصادر أصول الفقه عند العامّة والخاصّة :

** أمّا مصادره عند العامّة ،،


1 ـ ففي سنن ابن ماجة :
رواه الحافظ أبو عبدالله محمّد بن يزيد القزويني (207 ـ 275هـ ) ، قال : حدّثنا العبّاس بن عثمان الدمشقي ، حدّثنا الوليد بن مسلم ، حدّثنا معان بن رفاعة السلاميّ ، حدّثني أبوخلف الأعمى ، قال : سمعت أنس بن مالك ، يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ، يقول : «إنّ أمّتي لا تجتمع على الضلالة ، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم» .
وعلّق محقّق الكتاب نقلاً عن كتاب «مجمع الزوائد» ، للهيثمي : في إسناده أبوخلف الأعمى ، واسمه حازم بن عطا ، وهو ضعيف ، وقد جاء الحديث بطرق في كلّها نظر . قاله شيخنا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي[1] .

أقول : أبوخلف الأعمى ، قال عنه الذهبي : يروي عن أنس بن مالك ، كذّبه يحيى بن معين ، وقال أبوحاتم : منكر الحديث[2] .

وإنّما أمر بالتمسّك بهم باعتبار أنّ اتّفاقهم أقرب إلى الإجماع .
وقال السيوطي : السواد الأعظم : أي جماعة الناس ومعظمهم . انتهى .
وقد استعمله الإمام أميرالمؤمنين عليه السّلام في بعض خطبه ، وقال :
«الزموا السواد الأعظم ، فإنّ يد الله مع الجماعة ، وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشاذّ من النّاس للشيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب ، ألا مَن دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه»[3] .





2 ـ وفي سنن الترمذي :
روى الترمذي (209 ـ 297هـ ) ، قال : حدّثنا أبوبكر بن نافع البصري ، حدّثني المعتمر بن سليمان ، حدّثنا سليمان المدني ، عن عبدالله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ، قال : «إنّ الله لا يجمع أمّتى» ، أو قال : «أمّة محمّدصلّى الله عليه و آله و سلّم على ضلالة ، ويدالله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ إلى النار» .
قال أبو عيسى (الترمذي) : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وسليمان المدني هو عندي سليمان بن سفيان ، وقد روى عنه أبو داود الطيالسي ، وأبوعامر العقدي ، وغير واحد من أهل العلم .
ثمّ أضاف : وتفسير الجماعة عند أهل العلم ، هم أهل الفقه والعلم والحديث .
قال : وسمعت الجارود بن معاذ ، يقول : سمعت علي بن الحسن ، يقول : سألت عبدالله بن المبارك : مَن الجماعة؟ قال : أبوبكر وعمر ، قيل له : قد مات أبوبكر وعمر؟ قال : فلان وفلان ، قيل له : قد مات فلان وفلان؟ فقال عبدالله بن المبارك : أبوحمزة السكّري جماعة .
ثمّ أضاف : أبوحمزة ، هو محمّد بن ميمون ، وكان شيخاً صالحاً ، وإنّما قال هذا في حياته عندنا[4] .
أقول : فيما ذكره من تفسير «الأمّة» بخصوص أهل الفقه والعلم والحديث! نظر واضح ، إذن أنّ اسم الأمّة يشمل جميع من آمن برسالة الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم ؟!
وأغرب منه تفسيرها بالخليفتين ، ثمّ تفسيرها بفلان وفلان ، هكذا مهملاً؟
وأمّا تطبيقها على أبي حمزة السكري ، فليس إلّا المغالاة في الرجال؟ ومن هنا نطمئنّ بأنّ الحديث أصبح ذريعة لمن يريد تبرير ملتزماته الفكريّة والاجتماعية .




3 ـ وفي سنن أبي داود :
روى أبوداود (202 ـ 275هـ ) قال : حدّثنا محمّد بن عوف الطائي ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل ، حدّثني أبي ، قال ابن عوف : وقرأت في أصل إسماعيل ، قال حدّثني ضمضم ، عن شريح ، عن أبي مالك ـ يعني الأشعري ـ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «إنّ الله أجاركم من ثلاث خلال : أن لا يدعو عليكم نبيّكم فتهلكوا جميعاً ، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحقّ ، وأن لا تجتمعوا على ضلالة»[5] .

وفي السند محمّد بن عوف الطائي ، ذكره الذهبي ، قال : محمّد بن عوف ، عن سليمان بن عثمان ، مجهول الحال[6] .

وأيضاً فيه ضمضم ، ذكره الذهبي ، وقال : ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد . وثقّه يحيى بن معين ، وضعّفه أبوحاتم ، روى عنه جماعة[7] .

وقد اتّفقت السنن الثلاثة ـ في حديث الباب ـ على لفظ «ضلالة» ولم نجد في شي ء منها لفظ « . . .على خطأ» .






4 ـ وفي مسند أحمد بن حنبل
روى أحمد بن حنبل (164 ـ 241هـ ) في مسنده ، قال : حدّثنا أبواليمان ، حدّثنا ابن عياش ، عن البختري بن عبيد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم ، أنّه قال : «إثنان خير من واحد ، وثلاثة خير من اثنين ، وأربعة خير من ثلاثة ، فعليكم بالجماعة ، فإنّ الله عزّوجلّ لن يجمع أمتي إلّا على هدى»[8] .

وفي السند ابن عياش الحميري ، قال عنه الذهبي : مجهول[9] .

وفي السند أيضاً البختري ، وهو البختري بن عبيد ، ذكره الذهبي ، وقال : ضعّفه أبوحاتم ، وغيره تركه ، فأمّا أبوحاتم فأنصف فيه ، وأمّا أبونعيم الحافظ ، فقال : روى عن أبيه موضوعات .

وقال ابن عدي : روى عن أبيه قدر عشرين حديثاً عامّتها مناكير ، منها اشربوا أعينكم الماء ، ومنها : الأذنان من الرأس ، ثمّ قال : وله عند ابن ماجة حديث عن أبيه عن أبي هريرة : صلوا على أولادكم[10] .






5 ـ وفي المستدرك على الصحيحين الحاكم
روى الحاكم النيسابوري (321 ـ 405هـ ) ، في المستدرك على الصحيحين بأسانيد سبعة تجتمع في المعتمر بن سليمان ، قال :
فيما احتجّ به العلماء على أنّ الإجماع حجّة ، حديث مختلفٌ فيه على المعتمر بن سليمان قال : حدّثنا أبوالحسين محمّد بن أحمد بن تميم الأصمّ ببغداد ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكر ، حدّثنا خالد بن يزيد القرني ، حدّثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه عن عبدالله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «لا يجمع الله هذه الأمّة على الضلالة أبداً ، وقال : يدالله على الجماعة ، فاتّبعوا السواد الأعظم ، فإنّه من شذّ شذّ في النّار»[11] .


قال الحاكم ـ بعد نقله للحديث بأسانيد سبعة ـ :
فقد استقر الخلاف في إسناد هذا الحديث على المعتمر بن سليمان ، وهو أحد أركان الحديث من سبعة أوجه ، لا يسعنا أن نحكم أنّ كلّها محمولة على الخطأ بحكم الصواب ، لقول من قال عن المعتمر عن سليمان بن سفيان المدني ، عن عبدالله بن دينار .
ونحن إذا قلنا هذا القول ، نسبنا الراوي إلى الجهالة فوهن به الحديث .
ولكنّا نقول : إنّ المعتمر بن سليمان ، أحد أئمّة الحديث ، وقد روي عنه هذا الحديث بأسانيد يصحّ بمثلها الحديث ، فلابدّ من أن يكون له أصل بأحد هذه الأسانيد .
ثمّ وجدنا للحديث شواهد من غير حديث المعتمر لا ادّعي صحتها ولا أحكم بتوهينها ، بل يلزمني ذكرها لإجماع أهل السنّة على هذه القاعدة من قواعد الإسلام .
فمن روي عنه هذا الحديث من الصحابة : عبدالله بن عبّاس [ثمّ ذكر الحاكم حديث ابن عبّاس] .
وأمّا معتمر الذي وقع في سند الحديث .
ذكره الذهبي ، وقال : معتمر بن سليمان التيمي البصري أحد الثقات الأعلام . قال ابن خراش : صدوق يخطئ من حفظه ، وإذا حدّث من كتابه فهو ثقة .
قلت : هو ثقة مطلقاً . ونقل ابن دحية ، عن ابن معين : ليس بحجّة[12] .





هذا ما عند العامّة ، مسنداً ، وأمّا روايته مرسلاً فقد تضافرت في كتبهم ، بل أرسلوه إرسال المسلمات ، وإليك بعض مصادره :

1 ـ فذكر الغزالي (450 ـ 505هـ ) : في «المنخول» قال : وممّا تمسّك به الأصوليّون ، قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة» وروي «على خطأ» ، ولا طريق إلى ردّه بكونه من أخبار الآحاد ، فإنّ القواعد القطعيّة يجوز إثباتها بها ، وإن كانت مظنونة . فإن قيل : فما المختار عندكم في إثبات الإجماع؟
قلنا : لا مطمع في مسلك عقلي إذ ليس فيه ما يدلّ عليه ، ولم يشهد له من جهة السمع خبر متواتر ، ولا نصُّ كتاب ، وإثبات الإجماع بالإجماع تهافت ، والقياس المظنون لا مجال له في القطعيّات[13] .

والتناقض في كلامه ظاهر حيث قال : «إنّ القواعد القطعيّة يجوز إثباتها بأخبار الآحاد وإن كانت مظنونة» وهذا ينافي ما قاله أخيراً : «القياس المظنون لا مجال له في القطعيّات» .
وجه التناقض : أنّ الخبر الواحد والقياس من حيث إفادة الظنّ سيّان ، فكيف تثبت القواعد القطعيّة بالظنّ مستنداً إلى خبر الواحد ، ولا يثبت بالقياس؟!
وأعجب منه إثباته القواعد القطعيّة بالظنّ ، مع أنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين .
نعم ، قال الغزالي في «المستصفى» : تظافرت الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم مع اتّفاق المعنى في عصمة هذه الأمّة من الخطأ[14] .

وأمّا تاج الدين السبكي عبدالوهاب بن علي (ت/771هـ ) ، في كتابه «رفع الحاجب على ابن الحاجب» ، فإنّه بعد ذكر طرق الحديث ورواته قال : أمّا الحديث فلا أشكّ أنّه اليوم غير متواتر ، بل لا يصحّ ، أعني لم يصحّ منه طريق على السبيل الذي يرتضيه جهابذة الحفاظ ، ولكنّي اعتقد صحّة القدر المشترك من كلّ طرقه ، والأغلب على الظنّ أنّه «عدم اجتماعها على الخطأ» . وأقول : مع ذلك جاز أن يكون متواتراً في سالف الزمان ثمّ انقلب آحاداً[15] .







** وأمّا مصادر الحديث في كتب الشيعة
فلم ينقله مسنَداً ، إلّا الصدوق في الخصال ، ومنه أخذ صاحب الاحتجاج ونقله فيه .
وورد أيضاً في رسالة الإمام الهادي عليه السّلام التي كتبها في الردّ على أهل الجبر والتفويض ، نقلها ابن شعبة الحرّاني في «تحف العقول» ، مرسلاً لا مسنداً .
ونقله أيضاً الأصوليّون منهم عند البحث في الإجماع ، وإليك ما وقفنا عليه من نصوص هذا الحديث ، عندهم :

ففي الخصال للصدوق:
روى الصدوق (306 ـ 381هـ ) ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا عبدالرحمان بن محمّد الحسيني ، قال : حدّثنا أبوجعفر محمّد بن حفص الخثعمي ، قال : حدّثنا الحسن بن عبدالواحد ، قال حدّثني أحمد بن التغلبي[16] ، قال : حدّثني أحمد بن عبدالحميد ، قال : حدّثني حفص بن منصور العطّار ، قال : حدّثنا أبوسعيد الورّاق ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : «لمّا كان من أمر أبي بكر وبيعة النّاس له ، وفعلهم بعليّ بن أبي طالب عليه السّلام لم يزل أبوبكر يظهر له الانبساط ، ويرى منه انقباضاً ، فكبُر ذلك على أبي بكر ، فأحبّ لقاءَ ه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه لما اجتمع النّاس عليه وتقليدهم إيّاه أمر الأمّة ، وقلّة رغبته وزهده فيه .
أتاه في وقت غفلة ، وطلب منه الخلوة [ثمّ نقل بعض ما دار بينهما من الكلام إلى أن قال :]
فقال له علي عليه السّلام : «فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه ، ولا حرصت عليه ، ولا وثقت بنفسك في القيام به ، وبما يحتاج منك فيه؟» .
فقال أبوبكر : حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «إنّ الله لا يجمع أمّتي على ضلال» ولما رأيت اجتماعهم اتّبعت حديث النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم وأحلت أن يكون اجتماعهم على خلاف الهدى وأعطيتهم قود الإجابة ، ولو علمت أنّ أحداً يتخلّف لامتنعت .
فقال علي عليه السّلام : «أمّا ما ذكرت من حديث النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم : «إنّ الله لا يجمع أمّتي على ضلال» ، أفَكنتُ من الأمّة أو لم أكن؟ قال : بلى ، قال : «وكذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من الأنصار؟» .
قال : كلّ من الأمّة .
فقال علي عليه السّلام : «فكيف تحتجّ بحديث النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم وأمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك ، وليس للأمّة فيهم طعن ، ولا في صحبة الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم ونصيحته منهم تقصير؟!»[17] .

والملاحظ : أنّ السند مشتمل على رجال مجهولين ، أو مهملين ، فلا يمكن الاحتجاج به ، على صحّة ما فيه .
أضف إلى ذلك : أنّه من المحتمل أن يكون قبول الإمام للحديث من باب الجدل والردّ على الخليفة إلزاماً له بما سلكه .



وفي تحف العقول لابن شعبة :
فإن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة ـ وهو من أعلام الشيعة في القرن الرابع الهجري ، يروي عن أبي علي محمّد بن همام ، المتوفّى سنة (336هـ ) ، المعاصر للصدوق (ت/381هـ ) ، أستاذ الشيخ المفيد (336 ـ 413هـ ) ـ قد روى في كتابه القيّم «تحف العقول» رسالة الإمام الهادي إلى الأهوازيّين في الردّ على أهل الجبر والتفويض ، وجاء فيه ما نصّه :

وقد اجتمعت الأمّة قاطبة لا اختلاف بينهم على أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق ، وفي حال اجتماعهم ، مقرّون بتصديق الكتاب وتحقيقه ، مُصيبون ، مُهتدون ، وذلك بقول رسول الله : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة» . فأخبر أنّ جميع ما اجتمع عليه الأمّة كلّها حقّ ، هذا إذا لم يخالف بعضها بعضاً[18] .

والرسالة مرسلة لم نجد لها سنداً ، ونقلها الشيخ الطبرسي في «الاحتجاج»[19] بلا إسناد أيضاً ، كما رواها المجلسي في «البحار» مرسلاً[20] .


هذا مجموع ما ورد في كتب الحديث للشيعة ، وأمّا غير الكتب الحديثية فقد جاء في غير واحد من المصادر الاصولية كما يلي :
أ . فالشيخ الطوسي (385 ـ 460هـ ) ، نقل الحديث عند البحث عن حجّية الإجماع في نظر أهل السنّة ، فقال : واستدلّوا أيضاً على صحّة الإجماع بما روي عن النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال : «لا تجتمع أمّتي على خطأ» ، وبلفظ آخر : «لم يكن الله ليجمع أمّتي على الخطأ» ، وبقوله : «كونوا مع الجماعة» ، وبقوله : «يد الله على الجماعة» ، وما أشبه ذلك من الألفاظ .
ثمّ أجاب عن الاستدلال بهذه الأحاديث فقال : وهذه الأخبار لا يصحّ التعلّق بها لأنّها كلّها أخبار آحاد لا توجب علماً ، وهذه مسألة طريقها العلم .
وليس لهم أن يقولوا : إنّ الأمّة قد تلقّتها بالقبول وعملت بها .
لأنّا أوّلاً : لا نسلّم أنّ الأمّة كلّها تلقّتها بالقبول .
ولو سلّمنا ذلك لم يكن أيضاً فيها حجّة ، لأنّ كلامنا في صحة الإجماع الذي لا يثبت إلّا بعد ثبوت الخبر ، والخبر لا يصحّ حتّى يثبت أنّهم لا يجمعون على خطأ .
إلى أن قال : ولو سلّم جميع ذلك ، لجاز أن يحمل على طائفة من الأمّة ، وهم الأئمّة من آل محمّدصلّى الله عليه و آله و سلّم ، لأنّ لفظ الأمّة لا يفيد الاستغراق على ما مضى القول فيه .
وذلك أولى من حيث دلّت الدلالة على عصمتهم من القبائح .
وإن قالوا : يجبب حمله على جميع الأمّة لفقد الدلالة على أنّ المراد بعض الأمّة .
كان لغيرهم أن يقول : أنا أحمل الخبر على جميع الأمّة من لدن النبي إلى أن تقوم الساعة ، حيث إنّ لفظ الأمّة يشملهم ويتناولهم ، فمن أين أنّ إجماع كلّ عصر حجّة؟
وأمّا ما في الخبر الثاني من قوله : «لم يكن الله ليجمع أمّتي على خطأ» ، فصحيح ولا يجي ء من ذلك أنّهم لا يجتمعون على خطأ .
وليس لهم أن يقولوا : إن هذا لا اختصاص فيه لأمّتنا بذلك دون سائر الأمم ، لأنّ الله تعالى لا يجمع سائر الأمم على الخطأ .
وذلك أنّه ـ وإن كان الأمر على ما قالوه ـ فلا يمتنع أن يخصّ هؤلاء بالذكر ، ومن عداهم يُعلم أنّ حالهم كحالهم بدليل آخر ، ولذلك نظائر كثيرة في القرآن والأخبار .
على أنّ هذا هو القول بدليل الخطاب الذي لا يعتمده أكثر من خالفنا[21] .


وقد عدّ العلّامة في فصل خصائص النبي من كتاب النكاح ، أنّ من خصائصه أنّ أمّته لا تجتمع على الضلالة[22] .

وقد نقل المحقّق التستري أنّ العلّامة نقل الحديث في كتابيه «الألفين» و«المنتهى» .
أقول : أمّا كتاب الألفين فقد ذكر أنّ من فوائد الإمام عصمة الأمّة ، قال ما نصّه : امتناع الخطأ والإمامة[23] مع تمكّن الإمام من المكلّف . . . إلى آخر ما ذكره[24] .


فهو يعدّ الأمّة معصومة لأجل وجود الإمام من دون إشارة إلى الحديث .
وأمّا «المنتهى» فلم نعثر فيه على الحديث .
وقال المحقّق التستري : وأقوى ما ينبغي أن يُعتمد عليه من نقل الحديث : «لا تجتمع أمّتي على الخطأ» ، وما في معناه لاشتهاره وقوّة دلالته ، وتعويل معظمهم ولا سيّما أوائلهم عليه ، وتلقيهم له بالقبول لفظاً ومعنى ، وادّعاء جماعة منهم تواتره معنى . . .
إلى أن قال : حكى بعض المحدّثين عن التحف مرسلاً عنه عليه السّلام أنّه قال أيضاً : «إنّ الله قد احتجّ على العباد بأمور ثلاثة : الكتاب ، والسنة ، وما أجمع عليه المسلمون» .
وقد روي في هذا الباب أخبار أخر من طرقنا تقتضي حجّية الإجماع الواقع على الحكم بنفسه ، ووجوب العمل بخبر أجمع على العمل به ، أو على روايته مع قبوله ، كما تقتضي إمكان وقوع الإجماع والعلم به .
وهي أخبار شتّى .
إلى أن قال : مؤيدة بما ورد في المنع من فراق الجماعة وغيره ، ولتطلب جميعاً من كتاب المناهج ، وفّق الله سبحانه لإتمامه[25] .


هذا ما وقفنا عليه في كتب أصحابنا الإماميّة إلى أواخر القرن الثالث عشر من مصادر هذا الحديث مسنداً ومرسلاً .
وقد ذكر هذا الحديث في كتب علم الأصول الاستدلالية عند المتأخرين ، ولا داعي للإطالة بالنقل عنها[26] .





ثانياً : دلالة الحديث وخلاصة البحث :
ويمكن بيان مدلول الحديث ، بالتأكّد ممّا يلي :

1 ـ أنّ الرواية من أخبار الآحاد ، لم تنقل بسند صحيح في كتب الفريقين ، وقد عرفت وجه الضعف في كلّ سند عند نقله من كتب الصحاح والمسانيد .

2 ـ أنّ المنقول مسنداً هو بلفظ «ضلالة» لا لفظ «على غير هدى» كما في مسند أحمد ، ولا لفظ «خطأ» ، الذي جاء في المصادر الأخرى ، غير الحديثيّة .

3 ـ
أنّ الحديث على فرض ثبوته يرجع إلى المسائل العقائديّة التي عليها مدار الهداية والضلالة ، أو ما يرجع إلى صلاح الأمّة من وحدة الكلمة والاجتناب عن التشتّت فيما يمسّ وحدة المسلمين .
وأمّا المسائل الفقهية فلا يوصف المصيب والمخطئ فيها بالهداية والضلالة ، كما لا يكون مصير الشاذّ فيها مصير النار أو نصيب الشيطان .
ويتأكّد ذلك بعدم ورود كلمة «خطأ» في النصوص المسندة ، إطلاقاً ، بل جاء ذلك في بعض المراسيل .
وعلى ذلك : فالاستدلال به على حجّية الاجماع في المسائل الفقهية غير تام .


4 ـ
لو سلّمنا دلالة الحديث ـ كما فرضوها ـ فالمصون من الضلالة إنّما هي الأمّة بما هي ، لا خصوص الفقهاء فقط ، ولا أهل العلم ، ولا أهل الحديث فقط!
وعلى ذلك ينحصر مفاد الحديث بما اتّفق عليه جميع الأمّة .


5 ـ
أنّ مصونيّة الأمّة كما يمكن أن يكون لعصمتها كما قيل ، فإنّه يمكن أن يكون لوجود معصوم فيهم لما ثبت في محلّه أنّ الزمان لا يخلو عن إمام معصوم ، والرواية ساكتة عن سبب العصمة من الضلالة ، فلا يمكن أن يستدلّ بالرواية على أنّ الأمّة مع قطع النظر عن المعصوم مصونة عن الخطأ ، لاحتمال أن تكون عصمة الأمّة بعصمة الإمام ، لا مطلقاً .
قال أمير المؤمنين عليه السّلام «اللّهمّ بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً ، وإمّا خائفاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته»[
27] .
وروى العياشي بإسناده إلى إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله عليه السّلام : قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين ، وتحريف الغالين ، وانتحال الجاهلين ، كما ينفي الكير[28] خبث الحديد[29] .




والحمد لله رب العالمين،،


--------- الهوامش ------------

(1) ابن ماجة ، السنن : 2/1303 ، الحديث 3950 .
(2) الذهبي : ميزان الاعتدال : 4/521 ، برقم 10156 .
(3) نهج البلاغة ، طبعة محمّد عبده ، الخطبة برقم 123 ، وفي طبعة صبحي الصالح ، برقم 127 .
(4) الترمذي ، السنن : 4/466 ، برقم 2167 ، كتاب الفتن .
(5) سنن أبي داود : 4/98 ، برقم 4253 .
(6) ميزان الاعتدال : 3/676 ، برقم 8030 .
(7) مزان الاعتدال : 2/331 ، برقم 3960 .
(8) مسند أحمد بن حنبل : 5/145 .
(9) ميزان الاعتدال : 4/594 ، برقم 10821 .
(10) ميزان الاعتدال : 1/299 ، برقم 1133 .
(11) المستدرك : 1/115 .
(12) ميزان الاعتدال : 3/143 ، برقم 8648 .
(13) المنخول ، ص305 ـ 306 ، طبع دار الفكر .
(14) المستصفى : 1/111 .
(15) السبكي : رفع الحاجب عن ابن الحاجب ، ورقة 176 ، ب من المخطوط في الأزهر .
(16) هو أحمد بن عبدالله بن ميمون التغلبي ، قال ابن حجر : ثقة زاهد .
(17) الصدوق ، الخصال : 2/548 ـ 549 ، أبواب الأربعين ، الحديث 30 .
(18) ابن شعبة ، تحف العقول : 458 ، باب ما روي عن الإمام الهادي عليه السّلام .
(19) الاحتجاج : 2/478 ، برقم 328 .
(20) البحار : 4/15 .
(21) الطوسي : 2/625 ـ 626 ، نقلناه بتلخيص .
(22) التذكرة : 2/568 هـ /17 .
(23) كذا في النسخة المطبوعة في مؤسّسة دارالهجرة ، ولعلّ الصحيح : (على الأمّة) .
(24) الألفين : 211 .
(25) التستري ، كشف القناع : 6 ـ 7 ، طبع عام 1316هـ .
(26) ونذكّر بأنّ الحاكم النيسابوري (المتوفّى 405هـ ) جمع أحاديث باب «لا يجمع الله اُمّتي على الضلالة» ذكر ذلك في معرفة علوم الحديث ص251 قال : «الأبواب التي جمعتها وذاكرت جماعة من أئمّة الحديث ببعضها» . التحرير
(27) نهج البلاغة : قسم الحكم ، برقم 147 .
(28) الكير : جلد غليظ ذوحافات ينفخ فيه الحداد .
(29) الكشي ، الرجال : 10 ، برقم5 ، فصل فضل الزيارة والحديث .