الرد على افتراء عبد الله بن محمد السلفي (البداء)

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبعد : -

قال عبد الله بن محمد السلفي في كتابه ( من عقائد الشيعة ) وتحت عنوان : (
ما عقيدة البداء التي يؤمن بها الرّافضة ؟ ) : (( البداء هو بمعنى الظهور بعد الخفاء، أو بمعنى نشأة رأي جديد. والبداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم، وكلاهما محال على الله، لكن الرافضة تنسب البداء إلى الله.

جاء عن الريان بن الصلت، قال: "سمعت الرضا يقول: ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله البداء". وعن أبي عبد الله أنه قال: "ما عُبد الله بشيء مثل البداء". تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

أنظر أخي المسلم كيف ينسبون الجهل إلى المولى سبحانه وتعالى وهو القائل جل وعلا عن نفسه: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله". وفي المقابل، يعتقد الرافضة أن الأئمة يعلمون كل العلوم ولا تخفى عليهم خافية.
هل هذه عقيدة الإسلام التي جاء بها محمد، صلى الله عليه وسلم؟
)) .

أقول :
إنّ مسلسل الكذب والإفتراء من قبل بعض مشائخ الوهابية وكتابهم على الشيعة الإمامية الإثنا عشرية أتباع أهل البيت عليهم السلام مستمرٌُ وقائمٌ على قدم وساق فبين الفينة والأخرى يظهر لنا هؤلاء القوم نماذج من أكاذيبهم وافتراءاتهم هذه ، كما أنه لا زال بعضهم – كالببغاء – يكرر أكاذيب وافتراءات قد افتراها وكذبها أسلافه من أعداء ومناوئي شيعة أهل البيت عليهم السلام ومنهم صاحبنا هذا ( عبد الله بن محمد السلفي ) فالقول بأن الشيعة في قولهم بالبداء ينسبون الجهل إلى الله عز وجل فرية قديمة ، وقد ردّ علماء الشيعة على هذه الفرية وقائليها وأثبتوا بالدليل أن الشيعة في قولهم بالبداء لا ينسبون الجهل إلى الله عز وجل ، وأن معنى البداء عند الشيعة ليس هو بالمعنى الذي يقول به مناوؤهم من أنه بمعنى ( الظهور بعد الخفاء ) أو بمعنى ( نشأة رأي جديد ) بل هو نسخ في التكوين لضرب من المصلحة تقتضيها حكمة الله عز وجل كالنسخ في التشريع يدل عليه قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

فكيف يقول الشيعة بالبداء بالمعنى الذي يحاول أن يلصقه به أعداؤهم وهم يروون عن إمامهم الصادق جعفر بن محمد عليه وعلى آبائه السلام قوله : ( من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم ) وقوله : ( من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فابرأ منه ) وقوله : ( ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له ) وقوله : ( إن الله لم يبدو له من جهل ) ؟ .
وهذه جملة من أقوال علماء الشيعة في معنى البداء :
1- قال الشيخ الصدوق عليه الرّحمة في كتابه التوحيد : ( ليس البداء كما يظنّه جهال النّاس بأنّه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك ، ولكن يجب علينا أن نقرّ لله عزّ وجل بأنّ له البداء ، معناه أنّ له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء ، ويبدأ بخلق غيره ، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه ، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدّة المتوفّى عنها زوجها ، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت مّا إلاّ وهو يعلم أنّ الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك ، ويعلم أنّ في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به ، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم ، فمن أقرّ لله عزّ وجل بأنّ له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء ، ويقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ويأمر بما يشاء كيف شاء فقد أقرّ بالبداء ، وما عظّم الله عزّ وجل بشيء أفضل من الإقرار بأنّ له الخلق والأمر ، والتقديم والتأخير وإثبات مالم يكن ومحو ما قد كان ، والبداء هو ردٌّ على اليهود لأنّهم قالوا : إنّ الله قد فرغ من الأمر فقلنا : إنّ الله كلّ يوم في شأن ، يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء ، والبداء ليس بداء ندامة ، وهو إنما هو ظهور أمر ، يقول العرب : بدا لي شخص في طريقي أي ظهر ، قال الله عزّ وجل : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } أي ظهر لهم ، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره ، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره ، ومتى ظهر له من عبد إثيان الزّنا نقص من رزقه وعمره ، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزّنا زاد في رزقه وعمره ) ( التوحيد ص 335- 336 ) .
2- قال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي عليه الرّحمة : ( البداء حقيقة في اللغة هو الظهور ، ولذلك يقال : بدا لنا سور المدينة ، وبدا لنا وجه الرأي ، وقال الله تعالى : { وبدا لهم سيئات ما عملوا } ويراد بذلك كله ظهر . وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلاً ، وكذلك في الظن ، فأمّا إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى ، فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ، ومنه مالا يجوز ، فأمّا ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه . ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع ، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى ، دون مالا يجوز عليه من حصول العلم بد أن لم يكن ، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنّه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم ، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلاً لهم ، أطلق على ذلك لفظ البداء ) ( عن تعليقة البحار ج 4 ص 125 ناقلاً عن كتاب العدة ) .
3- قال الشيخ المفيد عليه الرّحمة : ( قول الإمامية في البداء طريقه السمع دون العقل ، وقد جاءت الأخبار به عن أئمة الهدى عليهم السلام . والأصل في البداء هو الظهور . قال الله تعالى : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } يعني به ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم وتقديرهم . وقال : { وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم } يعني ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم ذلك . وتقول العرب : قد بدا لفلان عمل حسن ، وبان له كلام فصيح ، كما يقولون : بدا من فلان كذا . فيجعلون اللام قائمة مقامه . فالمعنى في قول الإمامية : بدا لله في كذا ، أي ظهر له فيه ، ومعنى ظهر فيه ، أي ظهر منه ، وليس المراد منه تعقب الرأي ووضوح أمر كان قد خفي عنه ، وجميع أفعاله تعالى : الظاهرة في خلقه بعد أن لم تكن فهي معلومة فيما لم يزل ، وإنما يوصف منها بالبداء ما لم يكن في الإحتساب ظهوره ولا في غالب الظن وقوعه . فأما ما علم كونه وغلب في الظن حصوله فلا يستعمل فيه لفظ البداء ...
وقد يكون الشيء مكتوباً بشرط فيتغير الحال فيه ، قال الله تعالى : { ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده } فتبين أن الآجال على ضربين : ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان . ألا ترى إلى قوله تعالى : { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } وقوله سبحانه وتعالى : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } فبين أن آجالهم كانت مشترطة في الإمتداد بالبر ، والإنقطاع بالفسوق ، وقال تعالى – فيما خبّر به عن نوح عليه السلام في خطابه لقومه - : { ... استغفروا ربّكم إنه كان غفّارا * يرسل السماء عليكم مدرارا ... } إلى آخر الآيات .
فاشترط لهم في مدّ الأجل وسبوغ النعم ، الاستغفار ، فلما لم يفعلوا ، قطع آجالهم ، وبتر أعمارهم ، واستأصلهم بالعذاب . فالبداء من الله يختص ما كان مشتركاً في التقدير ، وليس هو الإنتقال من عزيمة إلى عزيمة ، ولا من تعقب الراي ، تعالى الله عما يقول المبطلون علواً كبيرا ) ( عن تعليقة البحار ج 4 ص 126 ، ناقلاً عن كتاب تصحيح الاعتقاد ) .
4- وقال العلامة المجلسي عليه الرّحمة : ( ثم اعلم أنّ الآيات والأخبار تدل على أنّ الله خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات . أحدهما : اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلاً ، وهو مطابق لعلمه تعالى . والآخر : لوح المحو والإثبات ، فيثبت فيه شيئاً ثم يمحوه ولحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب . مثلا يكتب فيه أنّ عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه أنّ مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره ، فإذا وصل الرحم مثلاً يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستّون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللوح المحفوظ أنّه يصل عمره ستّون ، كما أنّ الطبيب الحاذق إذا اطّلع على مزاج شخص يحكم بأنّ عمره بحسب المزاج يكون ستين سنة ، فإذا شرب سمّاً ومات ، أو قتله إنسان فنقص من ذلك ، أو استعمل دواءاً قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب ، والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمّى بالبداء ) ( البحار ج 4 ص 130 ) .
5- قال الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها في صفحة 263 : ( وأمّا البداء الّذي تقول به الشيعة ... فهو عبارة عن إظهار الله جلّ شأنه أمراً يرسم في ألواح المحو والإثبات وربّما يطلع عليه بعض الملائكة المقربين أو أحد الأنبياء والمرسلين فيخبر الملك به النبي والنبي يخبر به أمّته ، لم يقع بعد ذلك ، لأنّه محاه وأوجد في الخارج غيره ، وكل ذلك كان جلّت عظمته يعلمه حق العلم ولكن في علمه المخزون المصون الّذي لم يطّلع عليه لا ملك مقرّب ولانبي مرسل ولا وليٌّ ممتحن ، وهذا المقام من العلم هو المعبّر عنه في القرآن الكريم بـ ( أمّ الكتاب ) المشار إليه وإلى المقام الأول بقوله تعالى : { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب } ( الرّعد : 39 ) ... ) .

إن القول بأن الشيعة ينسبون الجهل إلى الله عز وجل يكذبه الرّوايات التي رواها الشيعة عن الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام ، فهم يروون عن أئمتهم الكثير من الرّوايات والتي هي صريحة في تنزيه الله عز وجل عن الجهل والتي تثبت أن علمه سبحانه وتعالى مطلق عالم بما كان وبما يكون لا منتهى لعلمه ، ولا تخفى عليه خافية في الأرض والسماء ومن هذه الرّوايات : -
ما رواه الشيخ الصدوق عليه الرّحمة في كتابه ( التوحيد ) بسنده عن منصور بن حازم أنه قال : ( قلت له – أي الإمام الصادق عليه السلام - : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله ؟ قال : فقال : بلى ، قبل أن يخلق السماوات والأرض ) ( التوحيد ص 135 ) .
وما رواه أيضا بسنده عن منصور بن حازم قال : ( سألته – أي الإمام الصادق عليه السلام : - هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله عزّ وجل ؟ قال : لا ، بل كان في علمه قبل أن ينشيء السماوات والأرض ) ( التوحيد ص 135 – 136 ) .
وروى الشيخ الصدوق بسنده عن عبد الله بن مسكان قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان ، أم علمه عندما خلقه وبعد ما خلقه ؟ فقال : تعالى الله ، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعدما كوّنه ، وكذلك علمه بجميع الأشياء كعلمه بالمكان ) ( التوحيد ص 137 ) .
وروى الشيخ الصدوق عليه الرّحمة بسنده عن منصور الصقيل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( إن الله علم لاجهل فيه ، وحياة لا موت فيه ، نور لا ظلمة فيه ) ( التوحيد ص 137 ) .
وفي رواية ينقلها السيد الطباطبائي في الميزان عن تفسير العياشي وفيها أن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( إن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب ، وقال : كل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يضعه ، وليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه ، إن الله لا يبدو له من جهل ) ( الميزان ج 11 ص 383 – 384 ) .
ويكذبه أقوال علماء الشيعة الصريحة في إثبات العلم المطلق له سبحانه وتعالى والنافية لكل جهل عنه عز وجل :
1- قال الشيخ محمد بن محمد المفيد عليه الرّحمة في كتابه أوائل المقالات ص 60 : ( إنّ الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه وأنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه ، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوماً إلاّ وهو عالم بحقيقته ، وأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء وبهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور ، والأخبار المتواترة من آل الرّسول صلى الله عليه وآله وسلّم وهو مذهب جميع الإمامية .
2- قال الشيخ الطوسي قدّس الله روحه : ( ... وأنه تعالى عالم ، بمعنى أن الأشياء واضحة له حاضرة عنده غير غائبة عنه ، بدليل أنه فعل الأفعال المحكمة المتقنة وكل من كان كذلك فهو عالم بالضرورة ) ( الرسائل العشر ص 94 المسألة السادسة ) .
3- قال المقداد بن عبد الله السيوري : ( الباري تعالى عالم بكلّ ما يصح أن يكون معلوماً ، واجباً كان أو ممكناً ، قديماً ، أو حادثاً ) ( النافع يوم الحشر ص 13 ) .
4- قال السيد عبد الله شبّر : ( ويكفي في ثبوت علمه تعالى الآيات المتضافرة والأخبار المتواترة .... أن الله تعالى يعلم الأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها ، لا يخفى عليه خافية ، يعلم السّر وأخفى ، ما تكن الصدور ولا يجهل شيئاً ) ( حق اليقين ج 1 ص 63 ) .
5- قال السيد محسن الأمين العاملي : ( وعلمه تعالى محيط بجميع الأشياء إحاطة تامة جزئياتها وكلّياتها لا يمكن أن يخفى عليه شيء ) ( نقض الوشيعة ص 515 ) .
6- قال السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي رحمة الله عليه وقدّس سرّه : ( وقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على أن الله تعالى لم يزل عالماً قبل أن يخلق الخلق بشتى أنواعه بمقتضى حكم العقل الفطري وطبقاً للكتاب والسّنة ) ( محاضرات في أصول الفقه للفياض ج5 ص 333 ) .
7- قال الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله تعالى : ( اتفقت الإمامية – تبعاً لنصوص الكتاب والسّنة والبراهين العقلية – على أنّه سبحانه عالم بالأشياء والحوادث كلّها غابرها وحاضرها ومستقبلها كلّيها وجزئيّها لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض ) ( الإلهيات للشيخ جعفر السبحاني ص 566 ) .
8- وقال السيد محمد علي الحسيني العاملي في كتابه ( دراسات في عقائد الشيعة الإمامية ) : ( يجب الاعتقاد بأن الله عزّ وجل عالمٌ بجميع الأشياء كبيرها وصغيرها الجزئية منها حتى الزرة وكليها ، محيط بها إحاطة حقيقية واقعية يعلم خطرات القلوب ولحظات العيون ، ويعلم بكل حركة يتحركها حيوان في الأرض والسماء والبحار والأنهار ، ويعلم عدد الرمل والحصى ، ومحيط بأعضاء كل حيوان ، البعوضة منها وغيرها حتى الحيوانات التي لا ترى بالعين المجردة ، ويعلم بموتها وحياتها ، ونفعها وضرها واعمارها وأرزاقها ، ويعلم بما هو موجود في الحال وما يصدر عنه في المستقبل ومحيط بكل ما خلقه من سماوات وأرض وجبال وأودية ، وكواكب وبحار وأنهار وما فيهن وما بينهّن والأشجار والثمار وغيرها . قال الله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلإّ في كتاب مبين } . وقوله سبحانه : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد } وقال عزّ شأنه : { إن الله بكل شيء عليم } وقال جلّت عظمته : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } وغيرها من الآيات الكثيرة ) ( دراسات في عقائد الشيعة الإمامية ص 45 – 46 ) .

ويكذبه الكثير من عبارات الأدعية التي يلهج بها الشيعة عقيب صلواتهم وأثناء ممارستهم للدعاء والمناجاة لله عز وجل في ساعات الليل والنهار ، ففي بعض هذه الأدعية عبارات واضحة الدلالة في تنزيه الله عز وجل عن كل جهل وأن علمه غير محدود عالم بكل ما يمكن أن يكون معلوما ففي دعاء الصباح لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والذي يدعو به الكثير من الشيعة يومياً عقيب صلاة الفجر يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : ( ... يا من قرب من خطرات الظنون ، وبعد عن لحظات العيون ، وعلم بما كان قبل أن يكون ... ) . وفي الدعاء المعروف بدعاء كميل وهو الدعاء الذي علمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأحد أصحابه وهو كميل بن زياد النخعي وهذا الدعاء يمارسه الشيعة في كل ليلة جمعة جماعات وفرادى وفيه : ( اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ، وبقوتك التي قهرت بها كل شيء وبقوتك التي قهرت بها كل شيء وخضع لها كل شيء ، وذل لها كل شيء ، وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء ، وبعزتك التي لا يقوم لها شيء ، وبعظمتك التي ملأت أركان كل شيء ، وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء ، وبعلمك الذي أحاط بكل شيء ... ) .
وقول الإمام الرضا سلام عليه : ( ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله البداء ) ناظر إلى هذا المعنى الذي تقول به الشيعة بالنسبة للبداء أي أن الله بعث الأنبياء عليهم السلام بالإقرار له سبحانه بأن له أن يقدم ويؤخر حسب المصلحة التي يراها سبحانه وتقتضيها حكمته فيمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وهذه العقيدة مما يلزم لكل مسلم أن يعتقد بها بالنسبة لله عز وجل وهو معنى قول الإمام الصادق عليه السلام : (ما عُبد الله بشيء مثل البداء ) إذ أن القول بخلاف ذلك ليست من عقيدة المسلم بل هو من عقائد اليهود الذين قالوا : ( يد الله مغلولة ) غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا .
أما قوله : أن الشيعة يعتقدون بأن أئمتهم يعلمون الغيب ولا تخفى عليهم خافية فهو أيضا محض كذب وافتراء على الشيعة ، فلا يوجد من يقول بهذا القول من الشيعة الإمامية الإثنا عشرية ولا يدعون لأئمتهم علم الغيب الذاتي فهذا مما هو مختص بالله عز وجل ، أما أن يعلم هولاء بعض المغيبات فهذا مما لا ينكره الشيعة ، ولكن ليس منبع هذا العلم بهذه المغيبات هو ذات الأئمة ( بمعنى أن علمهم بها ذاتي ) بل بإخبار من ذي علم بالغيب وهو الله عز وجل ، وصل إليهم عن طريق ما أثر لهم من علم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو بدوره تلقاه عن الوحي من الله عز وجل .

وأخيراً أنقل قول أحد دكاترة الوهابية وهو الدكتور علي السالوس والذي هو صريح في تكذيب كل شيخ من مشائخ الوهابية أو غيرهم ممن نسب أو ينسب إلى الشيعة القول بالبداء بالمعنى الذي لا تقول به الشيعة والذي لا زمه نسبة الجهل إلى الله عز وجل يقول الدكتور علي السالوس في كتابه : (( مع الشيعة الإمامية الإثنا عشرية في الأصول والفروع ج 1 ص 313 ) بعد أن ذكر معنى البداء لغة وأنه بمعناه اللغوي يستوجب الجهل : ( ومما لا جدال فيه أن القول بالبداء – بهذا المعنى المرفوض – يخرج الشيعة قطعاً من ملة الإسلام ، ولكنني أرى أنهم لا يقصدون على الإطلاق نسبة الجهل إلى الله سبحانه ، فهم يرون أن الله عز وجل يحيط علمه بكل شيء ، وأن اللوح المحفوظ المشار إليه بأم الكتاب فيه كل ما كان وما يكون ، وذكر لما يثبت ويمحى (( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )) فالمحو والإثبات ليس في أم الكتاب فنقوشه محفوظة مستمرة ... )) .
أقول : وشهد شاهد من أهلها ...
ولنا مع الشيخ عبد الله السلفي وقفة أخرى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .