موجة التأييد لأهل البيت عليهم السلام بعد الظلم الأموي .. وثورة زيد رحمه الله

18 أبريل 2010
48
0
0
1- إفاقة الأمة على الظلم الأموي
1- احتاج الأمر الى قرن من الزمان حتى يكتشف عامة المسلمين أن بني أمية الذين يحكمونهم ويظلمونهم ، قد سرقوا السلطة ، وأنهم حقاً أسرة أبي سفيان قائد المشركين في حروبهم مع النبي صلى الله عليه وآله ، وأن الحكم في الإسلام يجب أن يكون لأسرة النبي صلى الله عليه وآله . فظهرت موجة تعاطف واسعة مع آل الرسول صلى الله عليه وآله .

وساعد على ذلك ما بلغ المسلمين من آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله في مكانة أهل البيت عليهم السلام في الإسلام ، وما جسده حكم علي عليه السلام ، وما أثاره استشهاد الحسين عليه السلام في الوجدان ، وما بينه الأئمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله من جواهر علم الإسلام ، وكان ختام الأسباب ما فجَّره الإمام الباقر والصادق عليهما السلام من علوم !
وساعد على ذلك تفاقم ظلم الأمويين وسوء سيرة خلفائهم وعمالهم ، حتى لم يبق لهم من المسلمين عاذر ، إلا بعض بطانتهم المستفيدين منهم !

2- كانت القوى التي تصنع القرار في العالم الإسلامي يومها ، كما يلي:
كان الثقل العلمي للأمة في المدينة ، ممثلاً بوجود الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وبقية الفقهاء الذين تتبناهم السلطة مقابل مرجعية أهل البيت . ثم توزع هذا الثقل على بعض حواضر العالم الإسلامي كالكوفة والبصرة وبغداد .
أما الثقل السياسي فكان للشام والعراق وإيران ، ففيها تصنع أحداث العالم الإسلامي وتتخذ قراراته ، وباقي المناطق تتبعها .
أما الثقل العسكري فكان لليمانيين الذين قامت على أكتافهم أكثر الفتوحات وانتشروا في البلاد حامياتٍ وحكاماً ، ثم للقوة الشامية المقاتلة ، والقوة العراقية ، ثم دخلت القوة الخراسانية . فهذه القوى كانت تصنع تاريخ الأمة .

3- وصف مهندس الدولة العباسية أبو السفاح والمنصور ، محمد بن علي بن عبدالله بن العباس ، حالة الأمة في عصره ، فقال: ( أما الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي وولده . وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف وتقول: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل . وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون في أخلاق النصارى . وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان ، وعداوة لنا راسخة وجهلاً متراكباً . وأما أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهم أبو بكر وعمر . ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر ، وهناك صدور سالمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم تتوزعها النحل ، ولم تشغلها ديانة ، ولم يقدح فيها فساد ، وليست لهم اليوم همم العرب ، ولا فيهم كتحارب الاتباع للسادات وكتحالف القبائل وعصبية العشائر ، وما يزالون يدالون ويمتهنون ويظلمون ويكظمون ويتمنون الفرج ويأملون ، وهم جند ، لهم أبدان وأجسام ، ومناكب وكواهل وهامات ، ولحى وشوارب وأصوات هائلة). (أخبار الدولة العباسية/206، وشرح النهج:15/293).

4- هذا الوصف صحيح الى حد كبير ، وهو يبين لماذا اختار العباسيون إيران لتكون بداية حركتهم وثقلها العسكري ، فهي شعب خام عاش ظلم الولاة الأمويين والحاميات العربية التي تتحكم فيه . ولهذا اتفق العباسيون وأبو مسلم الخراساني على قتل كل العرب في إيران ، فكتب إبراهيم بن محمد العباسي في رسالته لأبي مسلم: (فاقتل من شككت في أمره ومن كان في أمره شبهة ومن وقع في نفسك منه شئ ! وإن استطعت أن لا تدع بخراسان لساناً عربياً فافعل فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله ، ولا تخالف هذا الشيخ يعنى سليمان بن كثير ولا تعصه وإذا أشكل عليك أمر فاكتف به مني).(الطبري:6/14، والنهاية:10/30).
5- سبب خصوبة جو السياسي العام في إيران الذي استغله أبو مسلم هو شعور الإيرانيين غير المسلمين بأنهم فقدوا دولتهم وملكهم ، واستعمرهم الغزاة العرب ! وشعور المسلمين منهم بأنهم محكومون باسم الإسلام من قبل حكام ظلمة ، سرقوا الحكم أصلاً من آل الرسول صلى الله عليه وآله .
لقد كان الجو العام في إيران والعراق والحجاز ضد النظام الأموي ، لكن فرق الإيرانيين عن غيرهم أنهم لاعبون جدد في الساحة السياسية المصيرية للأمة ، وأنهم قوة مقاتلة مطيعة لقادتها أكثر من غيرها ، بينما القوة الحجازية مجموعات صغيرة مختلفة ، والقوة العراقية متعددة بحسب القبائل والبلاد ، وهي لاعب قديم يحسب قادتها حساب الربح والخسارة الآنية في كل معركة .
أما قوة أهل الشام فهي عمدة النظام الأموي وذراع الخليفة ، لكنها فقدت تماسكها التاريخي باختلاف الأمويين أنفسهم ، وصراعهم مع ولاة المناطق ، وتأثير موجة العداء للنظام الأموي والولاء لآل الرسول صلى الله عليه وآله .
6- تركزت موجة عاطفة المسلمين في الحجاز والعراق وإيران وغيرها ، على آل النبي أو أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا عنوان عام يشمل عند عوام المسلمين والمناطق البعيدة كل بني هاشم ، فكلهم برأيهم أسرة النبي صلى الله عليه وآله وعشيرته وأهل بيته ، فلم يكن حاضراً في ذهنهم حديث الكساء الذي حدد فيه النبي صلى الله عليه وآله أهل بيته عند نزول آية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . وأنهم علي وفاطمة والحسنان وتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام فقط .

وقد كان هذا الإجمال والإبهام عند عامة الناس فرصة لكل فرع من بني هاشم أن يتصدى للثورة وقيادة الناس ، فالعباسيون يقولون نحن آل الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته وأبونا عم النبي صلى الله عليه وآله ، والحسنيون يقولون نحن آله وعترته وأمنا ابنته صلى الله عليه وآله ، والحسينيون يضيفون الى ذلك النص عليهم بأن الأئمة الربانيين عليهم السلام منهم ، ويستشهدون بأمجاد جدهم الإمام الحسين عليه السلام ومأساته ، وأن تعاطف الناس معهم مميزٌ بعمق عقائدي وعاطفي .

لهذا وجد كل فرع من بني هاشم تعاطفاً ونصرةً من الإيرانيين ، وابتكر بعضهم لتجاوز خلافات بني هاشم الداخلية مصطلح (الدعوة الى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ) وأوصوا أتباعهم أن لايسموا أحداً للخلافة ، بل يعملوا باسم نصرة آل الرسول صلى الله عليه وآله ويقولوا إن الخليفة سيكون شخصاً مرضياً من آل محمد صلى الله عليه وآله .

7- أول من تصدى للثورة من الهاشميين بعد الحسين عليه السلام زيد بن علي رحمه الله ، وهو حسيني ، وقد وجد أنصاراً في العراق ، لكنهم فشلوا في المعركة ، وشاء الله أن يصيبه سهم في جبهته فيقتل وينفرط أنصاره ، وواصل ثورته ابنه يحي رحمه الله فقصد إيران ووجد أنصاراً ، لكن شاء الله أن يصيبه سهم في جبهته كأبيه !

8- تصدى للثورة بعد يحيى عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر ، حفيد جعفر الطيار رحمه الله ، وفشل في الكوفة لكنه وجد أنصاراً من الإيرانيين وحكم مناطق منها ، والتحق به أبو جعفر المنصور فعينه جابياً لخراج بلدة إيذه في الأهواز ، حتى جاءه جيش الشام بقيادة ابن ضبارة فانهزم وانتهت خلافته !

9- وتصدى الحسنيون وكانوا زعامة الحركة في المدينة ، وأخذوا البيعة من العباسيين وغيرهم كما يأتي ، ولكنهم ركزوا نشاطهم على البصرة ، ولم ينشطوا في إيران لكسب الأنصار كما نشط العباسيون . ويظهر أنهم كانوا يركزون على النوعية دون الكمية ومن نماذج أنصارهم يعقوب الوزير: قال الذهبي في سيره:8/346: ( يعقوب الوزير الكبير الزاهد الخاشع.. بن داود بن طهمان الفارسي الكاتب. كان والده كاتباً للأمير نصر بن سيار متولي خراسان ، فلما خرج هناك يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بعد مصرع أبيه زيد ، كان داود يناصح يحيى سراً ، ثم قتل يحيى وظهر أبو مسلم صاحب الدعوة وطلب بدم يحيى وتتبع قتلته ، فجاءه داود مطمئناً إليه ، فطالبه بمال ثم أمنه . وتخرج أولاده في الآداب وهلك أبوهم ثم أظهروا مقالة الزيدية وانضموا إلى آل حسن.. وجال يعقوب بن داود في البلاد ، ثم صار أخوه علي بن داود كاتباً لإبراهيم بن عبد الله الثائر بالبصرة ، فلما قتل إبراهيم اختفوا مدة ، ثم ظفر المنصور بهذين فسجنهما ، ثم استخلف المهدي فمنَّ عليهما).
وقال ابن خلدون:3/211: (فكان ذلك سبباً لوصلته بالمهدي حتى استوزره فجمع الزيدية وولاهم شرقاً وغرباً وكثرت السعاية فيه من البطانة.. وتمكن أعداؤه من السعاية حتى سخطه ، وأمر به فحبس وحبس عماله وأصحابه ، ويقال بل دفع إليه علوياً ليقتله فأطلقه ) !
9- لم يتصدَّ الأئمة المعصومون بعد الحسين عليه السلام للثورة ، مع أنهم كان لهم شيعة ومحبون من الإيرانيين ، فقد أسس سلمان الفارسي رحمه الله للتشيع بين الإيرانيين في المدينة ثم في المدائن ، والتفَّ عدد كبير منهم حول أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة ، فقد دخل الأشعث بن قيس يوماً الى مسجد الكوفة متأخراً وكان علي عليه السلام يخطب ، فتخطى الأشعث رقاب الناس حتى وصل الى الصف الأول فقال: (يا أمير المؤمنين غلبتنا عليك هذه الحمراء !(أي الإيرانيون) فقال: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة ، يتخلف أحدهم يتقلب على حشاياه ، وهؤلاء يُهَجَّرون إلى ذكر الله ، إن طردتهم إني إذاً لمن الظالمين . أما والله لقد سمعته صلى الله عليه وآله يقول: ليضربنكم على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً). (مسند أبي يعلى:1/322 ، وكتاب الام للشافعي:7/176، وأمالي المحاملي/200، والغارات للثقفي:2/498، ونهج السعادة:2/703، ولسان العرب:4/549).

وكان للأئمة من أبناء علي عليهم السلام أصحاب في أكثر مدن إيران ، تجدهم في عداد تلاميذهم والرواة عنهم ، والعلماء والوكلاء المعتمدين منهم .

ومع ذلك لم يغيِّر الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام أسلوب آبائهما عليهم السلام في العمل العلمي العقائدي، ولم يعملا في طرح الشعارات وجمع الأنصار وأخذ البيعة منهم وإعدادهم للثورة ، كما فعل يحيى بن زيد رحمه الله ودعاة بني الحسن وبني العباس .



2- ثورة زيد بن علي رحمه الله فتحت باب الثورة من جديد

1- قلنا في المجلد الرابع:أجمع علماؤنا على مدح زيد بن علي بن الحسين رحمه الله .

قال المفيد قدس سره في الإرشاد:2/171: (وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين عليه السلام ). وكان زيد رحمه الله أصغر من أخيه الباقر عليه السلام بأربع وعشرين سنة ، وكان يحترم ابن أخيه الإمام الصادق عليه السلام ويستشيره مع أنه في سنه ، قال الصادق عليه السلام :(رحم الله عمي زيداً إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لوفَى بما دعا إليه ، ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأن ! فلما ولَّى قال جعفر بن محمد: ويلٌ لمن سمع واعيته فلم يجبه). (العيون:2/225).واشتشهد زيد رحمه الله سنة122وعمره42 سنة (تاريخ دمشق:19/476،ومقاتل الطالبيين/88 ).

2- كان زيد رحمه الله شاباً الى جنب أخيه الإمام الباقر عليه السلام معروفاً بصفاته المميزة،

وكان الإمام عليه السلام يصفه بلسانه المعبر عن أفكاره ، كما روى المرتضى رحمه الله (وأما زيد فلساني الذي أنطق به). (الناصريات/64) . وتقدم أنه رد على هشام الأحول عندما قال له: (ما فعل أخوك البقرة يعني الباقر عليه السلام ؟! فقال زيد: لَشَدَّ ما خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله ، سماه رسول الله الباقر وتسميه البقرة ! لتخالفنه في يوم القيامة فيدخل الجنة وتدخل النار) ! وقد واكب زيد جهاد أخيه الباقر عليه السلام وهو يفجر جداول علم النبوة ، ويتحدى الخليفة والنظام الأموي ، ويجرِّئ المسلمين عليه !
كان زيد يرى الشعبية الواسعة لأهل البيت عليهم السلام في الحجاز والعراق وخراسان فأخذ يفكر في الثورة لإسقاط الحكم الأموي الفاسد وإقامة حكم صالح ، ثم كان يعلن ذلك ، حتى أن الخليفة هشام سأله عن تفكيره بالثورة فلم ينكره !
(فقال له هشام: يازيد إن الله لا يجمع النبوة والملك لأحد ! فقال زيد: يا أمير المؤمنين ماهذا ؟! قال الله تبارك وتعالى:أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً).(تاريخ دمشق:19/468).

وقد رووا كثيراً عن السبب المباشر لثورته رحمه الله ، وأقوى الروايات أن هشاماً عندما نَكَبَ واليه على العراق خالد القسري وحبسه وطالبه بملايين ، أراد أن يضرب معه زيداًَ وشخصيات من بني هاشم: ( بعث إلى مكة فأخذوا زيداً ، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس ، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، لأنهم اتهموا أن لخالد القسري عندهم مالاً مودوعاً ) . (عمدة الطالب/256). فأحضروهم الى الشام ، ووبخ الخليفة زيداً فأجابه زيد بقوة ، ثم أرسله الى الكوفة ليواجه به خالد القسري !

قال اليعقوبي:2/325: ( وأقدم هشام زيد بن علي بن الحسين فقال له: إن يوسف بن عمر الثقفي كتب يذكر أن خالد بن عبد الله القسري ذكر له أن عندك ستمائة ألف درهم وديعة، فقال: ما لخالد عندي شئ! قال: فلابد من أن تشخص إلى يوسف بن عمر حتى يجمع بينك وبين خالد . قال: لا توجه بي إلى عبد ثقيف يتلاعب بي ، فقال: لابد من إشخاصك إليه ، فكلمه زيد بكلام كثير... قال له هشام: لقد بلغني أنك تؤهل نفسك للخلافة وأنت ابن أمة ! قال: ويلك مكان أمي يضعني؟ والله لقد كان إسحاق ابن حرة وإسماعيل ابن أمة ، فاختص الله عز وجل ولد إسماعيل فجعل منهم العرب ، فما زال ذلك ينمي حتى كان منهم رسول الله صلى الله عليه وآله . ثم قال: إتق الله يا هشام ! فقال: أو مثلك يأمرني بتقوى الله؟ فقال: نعم ! إنه ليس أحد دون أن يأمر بها ، ولا أحد فوق أن يسمعها . فأخرجه فأخرجه مع رسل من قبله...
وكتب هشام إلى يوسف بن عمر: إذا قدم عليك زيد بن علي فاجمع بينه وبين خالد ، ولا يقيمن قبلك ساعة واحدة ، فإني رأيته رجلاً حلو اللسان شديد البيان خليقاً بتمويه الكلام ، وأهل العراق أسرع شئ إلى مثله ! فلما قدم زيد الكوفة دخل إلى يوسف فقال: لم أشخصتني من عند أمير المؤمنين؟ قال: ذكر خالد بن عبد الله أن له عندك ستمائة ألف درهم . قال: فأحضر خالداً ! فأحضره وعليه حديد ثقيل فقال له يوسف: هذا زيد بن علي فاذكر ما لك عنده ! فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما لي عنده قليل ولا كثير ، ولا أردتم بإحضاره إلا ظلمه ! فأقبل يوسف على زيد وقال له: إن أمير المؤمنين أمرني أن أخرجك من الكوفة ساعة قدومك. قال: فأستريح ثلاثاً ثم أخرج. قال: ما إلى ذلك سبيل . قال: فيومي هذا ! قال: ولا ساعة واحدة ! فأخرجه مع رسل من قبله ، فتمثل عند خروجه:

منخرق الخفين يشكو الوجى...تنكبه أطراف مرو حداد
شرده الخوف وأزرى به...كذلك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة...والموت حتم في رقاب العباد
فلما صار رسل يوسف بالعذيْب انصرفوا ، وانكفأ زيد راجعاً إلى الكوفة).

قال في عمدة الطالب/256:(فخرجت الشيعة خلف زيد بن علي إلى القادسية فردوه وبايعوه.. حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة ، سوى أهل المداين والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة . وأقام بالعراق بضعة عشر شهراً ، كان منها شهرين بالبصرة والباقي بالكوفة ، وخرج سنة إحدى وعشرين ومائة) .

3- أفتى أبو حنيفة بوجوب الثورة مع زيد ،

وكان متحمساً يجمع المساعدات لحركته ، وكذلك عامة فقهاء الكوفة ، بينما تحفظ الأعمش لعدم ثقته بمن بايع زيداً ! (حدثني شريك قال إني لجالس عند الأعمش أنا وعمرو بن سعيد أخو سفيان بن سعيد الثوري ، إذ جاءنا عثمان بن عمير أبو اليقظان الفقيه ، فجلس إلى الأعمش فقال: أخلنا فإن لنا إليك حاجة . فقال: وما خطبكم هذا شريك وهذا عمرو بن سعيد ، أذكر حاجتك . فقال: أرسلني إليك زيد بن علي أدعوك إلى نصرته والجهاد معه وهو من عرفت . قال: أجل ، ما أعرفني بفضله . أقرياه مني السلام وقولا له . يقول لك الأعمش لست أثق لك جعلت فداك بالناس ، ولو أنا وجدنا لك ثلاثمائة رجل أثق بهم لغيرنا لك جوانبها) . (مقاتل الطالبيين/99).
وفي تفسير الكشاف:1/309، والنصائح الكافية/153: ( وكان الإمام أبو حنيفة يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي بن الحسين وحمل المال إليه ، والخروج معه على اللص المتغلب المسمى بالخليفة ! يعني هشام بن عبد الملك.. وقالت له امرأة: أشرتُ على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل ، فقال ليتني مكان ابنك . وكان يقول في المنصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عد آجرِّه لما فعلت ) .


4- لا يتسع المجال لتفصيل حركة زيد رحمه الله وأسباب فشلها عسكرياً ،
ولكن المؤكد أنها نجحت في هز النظام الأموي ونقض تماسكه كما قال الإمام الصادق عليه السلام : ( إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شئ تخرجون ، ولا تقولوا خرج زيد ، فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام ، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه ،إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه ، فالخارج منا اليوم إلى أي شئ يدعوكم ، إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله فنحن نشهدكم إنا لسنا نرضى به ! وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا ).(الكافي:8/264).
قال في السيرة الحلبية:2/207: (فحاربه يوسف بن عمر الثقفي أمير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك ، فانهزم أصحاب زيد عنه بعد أن خذله وانصرف عنه أكثرهم... وعند مقاتلته أصابته جراحات وأصابه سهم فى جهته ، وحال الليل بين الفريقين فطلبوا حجاماً من بعض القرى لينزع له النصل ، فاستخرجه فمات من ساعته ، فذفنوه من ساعته وأخفوا قبره وأجروا عليه الماء واستكتموا الحجام ذلك ، فلما أصبح الحجام مشى إلى يوسف بن عمر منتصحاً وأخبره ودله على موضع قبره فاستخرجه وبعث برأسه إلى هشام ، فكتب إليه هشام أن اصلبه عرياناً فصلبه كذلك.. وأقام مصلوباً أربع سنين وقيل خمس سنين فلم تُرَعورته ، وقيل إن بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها... وكان عند صلبه وجهوه إلى غير القبلة فدارت خشبته التي صلب عليه إلى أن صار وجهه إلى القبلة) . انتهى.
أقول: ذكر المؤرخون والمحدثون ما ظهر من كرامة لزيد رحمه الله عندما صلب ، قال ابن عساكر:19/479: (كان زيد بن علي حيث صلب ، يوجه وجهه ناحية الفرات فيصبح وقد دارت خشبته ناحية القبلة مراراً ! وعمدت العنكبوت حتى نسجت على عورته). وعمدة الطالب/258.
ومع هذه الكرامة أبقى هشام جثمان زيد رحمه الله مصلوباً أربع سنين وقيل خمسة !
وقال الصفدي في الوافي:15/22: ( وقال الموكَّل بخشبته: رأيت النبي (ص) في النوم وقد وقف على الخشبة وقال: هكذا تصنعون بولدي من بعدي! يا بنيَّ يا زيد ، قتلوك قتلهم الله ، صلبوك صلبهم الله ! فخرج هذا في الناس فكتب يوسف بن عمر إلى هشام أن عجل إلى العراق فقد فتنتهم ، فكتب إليه أحرقه بالنار ).
وقد نص على أن مدة صلبه أربع سنوات أو خمسة ، الذهبي في العبر:1/154 ، والدميري/860 ، والعصامي:1/349، ومسند زيد/11.لكن ابن كثير الأموي جعل ذلك قيلاً فقط !قال في النهاية:9/362:(ويقال إن زيداً مكث مصلوباً أربع سنين) !

5- روت المصادر حزن المسلمين على زيد رحمه الله ،

ورثاءهم له بقصائد كثيرة ، كما روت شماتة شاعر الخليفة الأموي حكيم بن عباس الكلبي ، واستجابة دعاء الإمام الصادق عليه السلام عليه:ففي دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الشيعي/253:(جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال: يا بن رسول الله إن حكيم بن عباس الكلبي ينشد الناس بالكوفة هجاءكم ! فقال: هل علقت منه بشئ ؟ قال: بلى فأنشده:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة... ولم نر مهديا على الجذع يصلبُ
وقستم بعثمان علياً سفاهةً... وعثمان خير من علي وأطيب


فرفع أبو عبد الله عليه السلام يديه إلى السماء وهما ينتفضان رعدة فقال: اللهم إن كان كاذباً فسلط عليه كلباً من كلابك ! قال فخرج حكيم من الكوفة فأدلج فلقيه الأسد فأكله ! فجاءوا بالبشير لأبي عبد الله عليه السلام وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبروه بذلك فخرَّ لله ساجداً وقال: الحمد لله الذي صدقنا وعده).ونوادر المعجزات/142 ، والمناقب:3/360 ، وتاريخ دمشق:15/134، والبصائر لأبي حيان/816 ، ومعجم الأدباء/799، و نثر الدرر/164، والصواعق لابن حجر:2/588 ، والفصول المهمة:2/920 ، وينابيع المودة :3/114، والإربلي في كشف الغمة:2/421وغيرها وغيرها .

6- يظهر من الخبر التالي أن الذين استشهدوا مع زيد رحمه الله كانوا250رجلاً ، فقد روىابن عنبة فيعمدة الطالب/258 ، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: ( أعطاني جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ألف دينار ، وأمرني أن أفرقها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب كل رجل أربعة دنانير). انتهى.

5- ويظهر من الخبرين التاليين أن زيداً ويحيى ومن استشهد معهما من أهل الجنة ، ففي ثواب الأعمال/220، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن آل أبي سفيان قتلوا الحسين بن علي عليه السلام فنزع الله ملكهم ، وقتل هشام زيد بن علي فنزع الله ملكه، وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع الله ملكه ، على قتل ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ).
وسأل الإمام الصادق عليه السلام أبا ولاد الكاهلي: (أرأيت عمي زيداً؟ قال: نعم رأيته مصلوباً ورأيت الناس بين شامت حنق ، وبين محزون محترق! فقال عليه السلام : أما الباكي فمعه في الجنة وأما الشامت فشريك في دمه ) ! (كشف الغمة:2/422) .

7- أحدثت شهادة زيد رحمه الله موجة غضب واسعة في الأمة ،

فقد وصف ابن واضح اليعقوبي في تاريخه:2/326 ، وهو مؤرخ دقيق ، حالة الأمة في العراق وإيران بعد شهادة زيد رحمه الله فقال: ( ولما قتل زيد وكان من أمره ما كان ، تحركت الشيعة بخراسان وظهر أمرهم ، وكثر من يأتيهم ويميل معهم ، وجعلوا يذكرون للناس أفعال بني أمية وما نالوا من آل رسول الله ، حتى لم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر وظهرت الدعاة ، ورئيت المنامات ، وتُدُورست كتب الملاحم ، وهرب يحيى بن زيد إلى خراسان ، فصار إلى بلخ فأقام بها متوارياً ، وكتب يوسف إلى هشام بحاله فكتب إلى نصر بن سيار بسببه ، فوجه نصر جيشاً إلى بلخ عليهم هدبة بن عامر السعدي فطلبوا يحيى حتى ظفروا به فأتوا به نصراً ، فحبسه في قهندز مرو.).



3- ثورة يحيى بن زيد رحمه الله في إيران

1- في الأصول الستة عشر/265، أن هشاماً الأحول أحضر الإمام الصادق عليه السلام الى الشام ليسأله عن يحيى بن زيد ، قال عليه السلام : ( كنت في منزلي فما شعرت إلا بالخيل والشرطة قد أحاطوا بالدار ! قال فتسوروا عليَّ ، فتطاير أهلي ومن عندي قال: فأخذوا يتسخرون الناس(يجبرونهم على نقل الإمام الى الشام) قلت: لا تسخروهم واستأجروا عليَّ في مالي ، قال: فحملوني في محمل وأحاطوا بي ، فأتاني آت من أهلي (في المنام أو المكاشفة) فقال: إنه ليس عليك بأس ، إنما يسألك عن يحيى بن زيد ، قال: فلما أدخلوني عليه قال: لو شعرنا أنك بهذه المنزلة ما بعثنا إليك ! إنما أردنا أن نسألك عن يحيى بن زيد ، فقلت: مالي به عهد قد خرج من هاهنا . قال: ردوه ، فردوني) .

2-قصد يحيى الى خراسان ، وأخذ يجمع أصحابه للثورة ، فاستطاع نصر بن سيار والي خراسان أن يلقي عليه القبض ويحبسه ، لكنه تخلص من الحبس.

ففي تاريخ اليعقوبي:2/331: (وكتب (نصر بن سيار) إلى هشام بخبره فوافق ورود كتابه موت هشام فكتب إليه الوليد أن خل سبيله ، وقيل: بل احتال يحيى بن زيد حتى هرب من الحبس ، وصار إلى بيهق من أرض أبرشهر ، فاجتمع إليه قوم من الشيعة فقالوا: حتى متى ترضون بالذلة؟ واجتمع معه نحو مائة وعشرين رجلاً ، فرجع حتى صار إلى نيسابور ، فخرج إليه عمرو بن زرارة القسري وهو عامل نيسابور فقاتل يحيى فظهر يحيى عليه فهزمه وأصحابه وأخذوا أسلحتهم ، ثم اتبعوهم حتى لحقوا عمرو بن زرارة فقتلوه .

وسار يحيى يريد بلخ ، فوجه إليه نصر بن سيار سلم بن أحوز الهلالي ، فسار سلم حتى صار إلى سرخس وسار يحيى حتى صار إلى باذغيس ، وسبق إلى مرو الروذ ، فلما بلغ نصراً ذلك سار إليه في جموعه ، فلقيه بالجوزجان فحاربه محاربة شديدة ، فأتت نشابة فوقعت في يحيى وبادر القوم فاحتزوا رأسه ، وقاتل أصحابه بعده حتى قتلوا عن آخرهم ) ! انتهى.

3-في مقاتل الطالبيين/106: ( لما أطلق يحيى بن زيد وفك حديده صار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحداد الذي فك قيده من رجله فسألوه أن يبيعهم إياه ، وتنافسوا فيه وتزايدوا حتى بلغ عشرين ألف درهم ، فخاف أن يشيع خبره فيؤخذ منه المال فقال لهم: إجمعوا ثمنه بينكم ، فرضوا بذلك وأعطوه المال فقطعه قطعة قطعة وقسمه بينهم ، فاتخذوا منه فصوصاً للخواتيم يتبركون بها !
وعبأ يحيى أصحابه على ما كان عبأهم عند قتال عمرو بن زرارة ، فاقتتلوا ثلاثة أيام ولياليها أشد قتال حتى قتل أصحاب يحيى كلهم ، وأتت يحيى نشابة في جبهته ، رماه رجل من موالي عنزة يقال له عيسى ، فوجده سوْرة بن محمد قتيلاً فاحتز رأسه... وصُلب يحيى بن زيد على باب مدينة الجوزجان ).
وفي تاريخ دمشق:64/224و228: أن يحيى كان مع أبيه زيد حين أقدمه هشام بن عبد الملك الى الشام ، وأن مقتله في الجوزجان كان في سنة125، وقيل سنة126: (بعد حرب شديد وزحوف ومواقف ، ثم أصاب يحيى سهم في صدغه فسقط إلى الأرض ، وانكبوا عليه فاحتزوا رأسه.. وصلبت جثته بجوزجان فلم يزل مصلوباً حتى ظهر أبو مسلم فأمر بجسده فأنزل . ووري بعد أن تولى هو الصلاة عليه ، وكتب أبو مسلم بإقامة النياحة ببلخ سبعة أيام بلياليها ، وبكى عليه الرجال والنساء والصبيان ، وأمر أهل مرو ففعلوا مثل ذلك ، وكثيرٌ من كور خراسان . وما ولد في تلك السنة مولود بخراسان من العرب ، ومن له حال ونبأ ، إلا سمي يحيى !... ودعا أبو مسلم بديوان بني أمية فجعل يتصفح أسماء قتله يحيى بن زيد ومن سار في ذلك البعث لقتاله ، فمن كان حياً قتله ، ومن كان ميتاً خلفه في أهله وفي عشيرته بما يسوءه). ونحوه الذهبي في تاريخه:8/299 ، ومقاتل الطالبيين/108.

4- في أخبار الدولة العباسية/288، أن نصر بن سيار عندما شعر بالهزيمة أمام موجة أبي مسلم الخراساني كان يرغب أن يستسلم له ، لكنه يعلم أنهم سيقتلونه بيحيى! قال: (والله ما زلنا نسمع بالرايات السود حتى رأيناها وابتلينا بها ، وبالله لو أني أعلم أني آمن فيهم لأسرعت إليهم وكنت رجلاً منهم ، ولكن كيف لي بذلك وأنا عندهم قاتل يحيى بن زيد، وهم يبكون عليه ويندبون صباحاً ومساء)!

5- صح عندنا أن يحيى بن زيد رحمه الله كان يعترف بإمامة ابن أخيه الصادق عليه السلام وأنه أوصى بالقيادة السياسية الى محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن .
ففي سند الصحيفة السجادية عن: (متوكل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي عليه السلام وهو متوجه إلى خراسان بعد قتل أبيه فسلمت عليه فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت من الحج ، فسألني عن أهله وبني عمه بالمدينة وأحفى السؤال عن جعفر بن محمد عليه السلام فأخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم على أبيه زيد بن علي ، فقال لي: قد كان عمي محمد بن علي أشار على أبي بترك الخروج وعرفه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره ، فهل لقيت ابن عمي جعفر بن محمد ؟ قلت: نعم ، قال: فهل سمعته يذكر شيئاً من أمري؟ قلت: نعم ، قال: بم ذكرني خبرني! قلت: جعلت فداك ما أحب أن أستقبلك بما سمعته منه ! فقال: أبالموت تخوفني هات ما سمعته ! فقلت: سمعته يقول: إنك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب ، فتغير وجهه وقال: يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، يا متوكل إن الله عز وجل أيد هذا الأمر بنا وجعل لنا العلم والسيف فجمعا لنا ، وخص بنو عمنا بالعلم وحده ! فقلت: جعلت فداك إني رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر عليه السلام أميل منهم إليك وإلى أبيك ، فقال إن عمي محمد بن على وابنه جعفراً دعوا الناس إلى الحياة ونحن دعوناهم إلى الموت ! فقلت: يا ابن رسول الله ، أهم أعلم أم أنتم؟ فأطرق إلى الأرض ملياً ثم رفع رأسه وقال: كلنا له علم غير أنهم يعلمون كلما نعلم ولا نعلم كلما يعلمون! ثم قال لي: أكتبت من ابن عمي شيئاً؟ قلت: نعم ، قال: أرنيه فأخرجت إليه وجوها من العلم وأخرجت له دعاء أملاه على أبو عبد الله عليه السلام وحدثني أن أباه محمد بن علي عليه السلام أملاه عليه وأخبره أنه من دعاء أبيه علي بن الحسين عليه السلام من دعاء الصحيفة الكاملة ، فنظر فيه يحيى حتى أتى على آخره ، وقال لي: أتأذن في نسخه؟ فقلت: يا ابن رسول الله أتستأذن فيما هو عنكم؟! فقال: أما لأخرجن إليك صحيفة من الدعاء الكامل مما حفظه أبي عن أبيه و أن أبي أوصاني بصونها ومنعها غير أهلها . قال عمير: قال أبي: فقمت إليه فقبلت رأسه وقلت له: والله يا ابن رسول الله إني لأدين الله بحبكم وطاعتكم ، وإني لأرجو أن يسعدني في حياتي ومماتي بولايتكم ، فرمى صحيفتي التي دفعتها إليه إلى غلام كان معه وقال: أكتب هذا الدعاء بخط بيِّنٍ حسن واعرضه علي لعلي أحفظه ، فإني كنت أطلبه من جعفر حفظه الله فيمنعنيه . قال متوكل: فندمت على ما فعلت ولم أدر ما أصنع ، ولم يكن أبو عبد الله تقدم إليَّ ألا أدفعه إلى أحد ! ثم دعا بعيبة فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة فنظر إلى الخاتم وقبله وبكى ، ثم فضه وفتح القفل ثم نشر الصحيفة ووضعها على عينه وأمرها على وجهه وقال: والله يا متوكل لولا ما ذكرت من قول ابن عمي أنني أقتل وأصلب لما دفعتها إليك ، ولكنت بها ضنيناً ، ولكني أعلم أن قوله حق أخذه عن آبائه وأنه سيصح ، فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بني أمية فيكتموه ويدخروه في خزائنهم لأنفسهم ، فاقبضها واكفنيها وتربص بها ، فإذا قضى الله من أمري وأمر هؤلاء القوم ما هو قاض فهي أمانة لي عندك حتى توصلها إلى ابني عمي محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي عليه السلام فإنهما القائمان في هذا الأمر بعدي . قال المتوكل: فقبضت الصحيفة فلما قتل يحيى بن زيد صرت إلى المدينة فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فحدثته الحديث عن يحيى فبكى واشتد وجده به وقال: رحم الله ابن عمي وألحقه بآبائه وأجداده ، والله يا متوكل ما منعني من دفع الدعاء إليه إلا الذي خافه على صحيفة أبيه ، وأين الصحيفة؟ فقلت: ها هي ففتحها وقال: هذا والله خط عمي زيد ودعاء جدي علي بن الحسين عليهما السلام ثم قال لابنه: قم يا إسمعيل فأتني بالدعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه ، فقام إسمعيل فأخرج صحيفة كأنها الصحيفة التي دفعها إلى يحيى بن زيد ، فقبلها أبو عبد الله ووضعها على عينه وقال: هذا خط أبي وإملاء جدي عليهما السلام بمشهد مني ، فقلت يا ابن رسول الله: إن رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيد ويحيى؟ فأذن لي في ذلك وقال: قد رأيتك لذلك أهلاً ، فنظرت وإذا هما أمر واحد و لم أجد حرفاً منها يخالف ما في الصحيفة الأخرى ، ثم استأذنت أبا عبد الله عليه السلام في دفع الصحيفة إلى ابني عبد الله ابن الحسن، فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، نعم فادفعها إليهما ، فلما نهضت للقائهما قال لي: مكانك ، ثم وجه إلى محمد وإبراهيم فجاءا فقال: هذا ميراث ابن عمكما يحيى من أبيه قد خصكما به دون إخوته ونحن مشترطون عليكما فيه شرطاً، فقالا: رحمك الله قل فقولك المقبول ، فقال: لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة ، قالا: ولم ذاك؟ قال إن ابن عمكما خاف عليها أمراً أخافه أنا عليكما قالا: إنما خاف عليها حين علم أنه يقتل ، فقال أبو عبد الله عليه السلام وأنتما فلا تأمنا فوالله إني لأعلم أنكما ستخرجان كما خرج وستقتلان كما قتل ! فقاما وهما يقولان: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ! فلما خرجا قال لي أبو عبد الله: يا متوكل كيف قال لك يحيى: ابن عمي محمد ابن على وابنه جعفرا دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت؟ قلت: نعم أصلحك الله قد قال لي ابن عمك يحيى ذلك . فقال: يرحم الله يحيى ، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذته نعسة وهو على منبره فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة ، يردون الناس على أعقابهم القهقرى ، فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه ، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً ، يعني بني أمية ! قال: يا جبريل على عهدي يكونون وفي زمني؟ قال: لا و لكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشراً ، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمساً ، ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ، ثم ملك الفراعنة قال: وأنزل الله تعالى في ذلك: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، يملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر . قال: فأطلع الله عز وجل نبيه عليه السلام على أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة وملكها طول هذه المدة ، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم ، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا ، أخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم ، قال: وأنزل الله تعالى فيهم:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ . ونعمة الله محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، حبهم إيمان يدخل الجنة ، وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار ، فأسر رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك إلى علي وأهل بيته قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلماً أو ينعش حقاً إلا اصطلمته البلية ، وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا ! قال المتوكل بن هرون: ثم أملى على أبو عبد الله عليه السلام الأدعية وهي خمسة وسبعون باباً..). ونحوه كفاية الأثر:307 .

6- وروينا بسند صحيح عن يحيى بن زيدعن أبيه أنهما كانا يعترفان بإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ويرويان حديثهم عن النبي صلى الله عليه وآله .
ففي كفاية الأثر في النص على الائمة الإثني عشر عليهم السلام /304: (عن يحيى بن زيد قال: سألت أبي عن الأئمة فقال: الأئمة إثنا عشر ، أربعة من الماضين وثمانية من الباقين . قلت: فسمهم يا أبه . فقال: أما الماضين فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ، ومن الباقين أخي الباقر وجعفر الصادق ابنه وبعده موسى ابنه وبعده علي ابنه وبعده حمد ابنه وبعده علي ابنه وبعده الحسن ابنه وبعده المهدي . فقلت: يا أبه ألست منهم؟ قال: لا ولكني من العترة . قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟ قال: عهد معهود عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله ).انتهى. ويؤيد ذلك ترحم الأئمة عليهم السلام على زيد ويحيى ومدحهم لهما رحمهما الله ولا بد أن نفسر ما روي لهما من مناقشات أو انتقاد لبعض مواقف الأئمة عليهم السلام ، بأنها كانت شكلية لإبعاد أذى السلطة عنهم عليهم السلام ، وعلى فرض صحتها فهي مخالفة عملية مع صحة عقيدتهما ووفائهما للأئمة لو انتصرا.




4- ثورة عبدالله بن معاوية بن عبدالله جعفر

1- كان عبدالله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار رحمه الله شاباً طموحاً ، وكان شاعراً ، وله أبيات مميزة ، كقوله:


إنا وإن أحسابنا كرمت.. يوماً على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا.. تبنى ونفعل مثل ما فعلوا
(تاريخ دمشق:33/219).
وله: فلست براءٍ عيب ذي الضغن كله... ولا سائلاً عنه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كل عيب كليلة... ولكن عين السخط تُبدي المساويا
(شرح النهج:18/206 ).



وذكر في تاريخ دمشق:33/212، أنه كان صديقاً للوليد بن يزيد ، يأتيه ويؤانسه ويلعب معه الشطرنج). وفي شرح ديوان الحماسة:2/39: ( وكان يرمى بالزندقة ، ويستولي عليه من عرف واشتهر أمره فيها... وكان عبد الله هذا أقسى خلق الله قلباً ! يغضب على الرجل فيأمر أن يضرب بالسياط وهو يتحدث ، ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط) ! ونحوه مقاتل الطالبيين/110 .
وذكر فقهاؤنا أنه كذب على الإمام الصادق عليه السلام فوضع جدولاً في علامات ثبوت الهلال ونسبه اليه ! (غنية النزوع/131، ومستند الشيعة:10/405 ، وإقبال الأعمال:1/61) .واتهموه بأنه أسس فرقة الجناحية الضالة ، ففي المواقف للإيجي:3/672: (قال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين: الأرواح تتناسخ ، وكان روح الله في آدم ، ثم في شيت ثم الأنبياء والأئمة ، حتى انتهت إلى علي وأولاده الثلاثة ، ثم إلى عبد الله هذا) ! وفي أنساب السمعاني:2/249: (الحلولية وهم أصناف... فمنهم من زعم أنها انتهت إلى بيان بن سمعان وادعي له بذلك الإلهية . ومنهم من زعم أن تلك الروح انتهت إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ، وعبدَه أتباعه وزعموا أنه إلهٌ وكفروا بالجنة والنار والقيامة واستحلوا جميع المحرمات من الميتة والخمر وذوات المحارم... وهكذا قول المنصورية في أبي منصور العجلي). راجع المجدي في أنساب الطالبين/297، والفائق للشبستري:2/310 . ومن المؤكد أنه كان له بطانة سوء في سلوكهم وعقائدئهم .

2- وفي أنساب الأشراف/60: (فلما ولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك وهو يزيد الناقص الخلافة ، وولي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان العراق ، خرج عبد الله بن معاوية عليه بالكوفة ) . وقال القاضي النعمان في شرح الأخبار:3/321: (وقام عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وادعى الإمامة ، وهو الذي قيل إن أبا هاشم أوصى إليه ، ودعا لنفسه بالكوفة فأجابه جماعة بها وذلك في سنة سبع وعشرين ومائة).

أقول: تدل أخباره على أنه لم يكن فيه صفات القيادة ، وأن الزيدية دفعوه الى الخروج دفعاً ، مستغلين اختلاف بني أمية وغيبة والي الكوفة ، وأنه هرب في أول المعركة ودخل قصر الكوفة الذي كان خالياً ! حيث كان الوالي حفيد عمر بن عبد العزيز غائباً عن الكوفة .
قال الذهبي في تاريخه:8/17: (فلما مات يزيد الناقص هاجت شيعة الكوفة وجيشوا ، وغلبوا على القصر وبايعوا عبد الله هذا ، فحشد معه خلائق فالتقاهم عسكر الكوفة وتمت لهم وقعة انهزم فيها عبد الله بن معاوية ، فدخل القصر وقتل خلق من شيعته ، ثم إنه أخرج من القصر وأمنوه وأخرجوه من الكوفة).
وفي تاريخ دمشق:33/215: (فأقام أياماً تبايعه الناس ، وأتته بيعته من المدائن ومن كل وجه ، وخرج يوم الأربعاء يريد ابن عمر... وانهزم فدخل القصر ! وثبتت الزيدية فقاتلوا قتالاً شديداً ، ولزموا أفواه السكك حتى أخذوا لعبد الله بن معاوية وأخويه أن يأخذوا حيث شاءوا من البلاد). وفي تاريخ الطبري:5/604: (ثم إن ربيعة أخذت لأنفسها وللزيدية ولعبد الله بن معاوية أماناً لا يمنعونهم ويذهبوا حيث شاءوا ) .
وفي تاريخ خليفة/298: (فرحَّله ومن معه من شيعته ومن تبعه من أهل المدائن وأهل السواد وأهل الكوفة ، فسارت بهم رسل عمر حتى أخرجوهم).

3- في شرح الأخبار:3/321: (وقال له رجال من أهل الكوفة: قد فني رجالنا بسببكم وقتل أكثرنا معكم ، فاخرج إلى فارس فإنهم أهل مودة ! فخرج اليها فنزل إصبهان ودعا إلى نفسه ، فأجابه ناس كثير من العرب والعجم ، فاستولى على أرض فارس كلها وإصبهان وما والاها من البلاد ، واستعمل أخاه الحسن بن معاوية على إصطخر ، ويزيد بن معاوية على شيراز ، وعلي بن معاوية على كرمان ، وصالح بن معاوية على قم . وجاءه بنو هاشم فمن أراد منهم عملاً فاستعمله ، ومن أراد صلة وصله . وقدم إليه معهم أبو العباس وأبو جعفر ابنا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فولاهما بعض الكور). (وضرب الدراهم وكتب عليها: قُلْ لاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . ثم غلب على إصبهان وعامة فارس والأهواز). (أنساب الأشراف/60).

4- كانت ثورة عبدالله بن معاوية في السنتين اللتين اضطربت فيهما الخلافة الأموية بسبب اختلافهم ، من سنة125-127، وتولى فيهما ثلاثة خلفاء: الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، ويزيد بن الوليد ، وإبراهيم بن الوليد . فلما تولى آخرهم مروان بن محمد الملقب بالحمار واستتب له الأمر ، أرسل جيشاً من الشام بقيادة عامر بن ضبارة لمساندة عامله على العراق محمد بن هبيرة ، ومحاربة عبد الله بن معاوية ، وإعادة إيران الى طاعة الخليفة .
قال في تاريخ دمشق:25/430 ، عن جيش ابن ضبارة: (فلقيه بإصطخر ومعه أخواه الحسن ويزيد ابنا معاوية ، فهزمه ابن ضبارة حتى أتى خراسان ، وقد ظهر أبو مسلم في شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائة فحبس الهاشمي وأخويه ).
وفي مقاتل الطالبيين/115: ( فوجه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف فسار إليه ، حتى إذا قرب من أصبهان ندب ابن معاوية أصحابه إلى الخروج إليه وقتاله فلم يفعلوا ولا أجابوه ! فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخراسان ، وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر بن سيار ، فلما صار في طريقه نزل على رجل من الثناء ذي مروءة ونعمة وجاءه فسأله معونته فقال: أنت من ولد رسول الله؟ قال: لا . قال: أفأنت إبراهيم الامام الذي يدعى له بخراسان ؟ قال: لا . قال: فلا حاجة لي في نصرتك ! فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته ، فأخذه أبو مسلم فحبسه عنده ، واختلف في أمره بعد محبسه . فقال بعض أهل السير: إنه لم يزل محبوساً حتى كتب إلى أبي مسلم رسالته المشهورة التي أولها: من الأسير في يديه المحبوس بلا جرم لديه... وهي طويلة لا معنى لذكرها هاهنا . فلما كتب إليه بذلك أمر بقتله . وقال آخرون: بل دس إليه سماً فمات منه ، ووجه برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان . وقال آخرون: سلمه حياً إلى ابن ضبارة فقتله ، وحمل رأسه مروان ).
وفي تاريخ دمشق:33/219: (فحبس عبد الله بن معاوية وأخويه ثم قتله ، وخلى عن أخويه في سنة ثلاثين ومائة). وفي شرح الأخبار:3/321:(فأمره بقتل عبد الله فقتله ، وأمره بأن يرفع إليه يزيد والحسن بن معاوية أخوي عبد الله فرفعهما إليه فحبسهما أبو مسلم مدة ثم خلى سبيلهما. وأما علي بن معاوية فقتله ابن ضبارة).

5- ذكر البلاذريفي أنساب الأشراف/60 ، أن أبا جعفر المنصور قصد عبدالله بن جعفر مع من صار إليه من بني هاشم ، فولاه إيذرج من الأهواز فجبى خراجها . ولما ضعف أمر عبدالله بن معاوية أمام جيش ابن ضبارة ، هرب المنصور يريد البصرة ، فقبض عليه سليمان بن حبيب بن المهلب والي الأهواز وأغرمه المال ، وضربه وحبسه وأراد قتله ، فمنعه من ذلك سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب). وفي شرح الأخبار:3/321:(فهزمهم ابن ضبارة وأسر منهم أربعين رجلاً ، وكان فيمن أسر منهم عبد الله (بن محمد بن علي بن) العباس ، فقال له ابن ضبارة: ما جاءك بك إلى ابن معاوية ، فقد عرفت خلافه على أمير المؤمنين يعني مروان بن محمد؟ فقال: كان عليَّ دينٌ فأتيته لأصيب منه فضلاً . فقام إليه ابن قطن فقال: ابن أختنا فوهبه له وخلى سبيله وكان أسر معهم ، وبعث به وبهم إلى ابن هبيرة ، وحمله ابن هبيرة إلى مروان بن محمد ).




ملاحظات

1- لماذا قتل أبو مسلم عبدالله بن معاوية وهو هاشمي ثائر على بني أمية ؟
والجواب: أن أبا مسلم كان يعمل بأمر بكير بن مهران ويدعو للرضا من آل محمد بدون تسمية ! وفي السنة الأخيرة أعلن أن الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله الذي يدعو لبيعته هو إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن عباس ، الملقب بالإمام ، والذي سجنه مروان الحمار بسبب ذلك وقتله .
لذا كان عبدالله بن معاوية يشكل خطراً على خلافة ابن العباس ! خاصة أنه كان يدعي أن أبا هاشم بن محمد بن الحنفية أوصى اليه . (شرح الأخبار:3/316).
ومن البعيد أن يكون أبو مسلم قتله من نفسه ، بدون أمر قائده بكير .
ثم يأتي سؤال: هل يمكن أن يكون أبو مسلم أرسل رأس عبدالله بن معاوية الى ابن ضبارة ، فأرسله الى مروان ؟
والجواب: إذا صح ذلك فلا بد أن تكون صفقة بين أبي مسلم وابن ضبارة ، قبل أن تشتد الحرب بينهما ، ويقتل قحطبة قائد أبي مسلم ابن ضبارة .

2- أكدت مصادر عديدة أن والي الأهواز سليمان بن حبيب بن المهلب خوَّن المنصور بسرقة مال الخراج وضربه وأراد قتله ، ولذلك قتله المنصور عندما صار خليفة مع أن أخاه السفاح كان عفا عنه وولاه على الأهواز ! ( سير الذهبي:7/23 ، و/83 ، وتاريخه:9/466 ، ووافي الصفدي:9/121، وشرح النهج:15/238، والنزاع والتخاصم للمقريزي/39 ). بينما قال الطبري في تاريخه:6/41: (وأخذ يومئذ عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس في الأسَراء ، فنسبه ابن ضبارة فقال: ما جاء بك إلى ابن معاوية وقد عرفت خلافة أمير المؤمنين(يعني مروان)؟ قال: كان عليَّ دينٌ فأديته ، فقام إليه حرب بن قطن الكناني فقال: ابن أختنا فرهبه له وقال: ما كنت لأقدم على رجل من قريش . وقال له ابن ضبارة: إن الذي قد كنت معه قد عيب بأشياء فعندك منها علم؟ قال: نعم ، وعابه ورمى أصحابه باللواط فأتوا ابن ضبارة بغلمان عليهم أقبية قوهية مصبغة ألواناً ، فأقامهم للناس وهم أكثر من مائة غلام لينظروا إليهم !
وحمل ابن ضبارة عبد الله بن علي على البريد إلى ابن هبيرة ليخبره أخباره ، فحمله ابن هبيرة إلى مروان في أجناد أهل الشام). انتهى.
وقال الذهبي في سيره:7/83 ، بعد مدحه للمنصور: (وقد ولي بليدة من فارس لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة ، ثم عزله وضربه وصادره ، فلما استخلف قتله . وكان يلقب أبا الدوانيق ، لتدنيقه ومحاسبته الصناع).
وقال في تاريخه:9/466: (ولي بعض كور فارس في شبيبته لعاملها سليمان بن حبيب بن المهلب الأزدي ، ثم عزله وضربه ضرباً مبرحاً ، لكونه احتجز المال لنفسه ثم أغرمه المال فلما ولي المنصور الخلافة ضرب عنقه). ونحوه النهاية:10/37.
أقول: يتضح بذلك أن الرواة خلطوا بين تأديب ابن المهلب للمنصور ، وبين قبض ابن ضبارة عليه ، ويظهر أن المنصور كان في شبابه المبكر عاملاً لابن المهلب على بليدة في الأهواز كما ذكر الذهبي ، ويومها كسر الخراج فصادره ابن المهلب وأدبه . وقد كان المنصور أليفاً للأهواز ، فقد عمل فيها وسجن ، وتعرف في السجن على نوبخت المنجم . (تاريخ بغداد:10/53).
وعندما حكم عبدالله بن معاوية سنة127، الأهواز وقسماً من إيران ، قصده المنصور وأخوه السفاح فيمن قصده من بني هاشم وبايعاه بالخلافة ، فولاهما بليدتين أو بلدتين ، ولما انهزم إمامهما عبد الله فر السفاح ولم يتمكن المنصور من الفرار معه ووقع في أسر جيش الشام بقيادة ابن ضبارة ، فأرسله الى والي العراق ابن هبيرة فأرسله الى مروان ، فتقرب اليه المنصور بذم ابن عمه الهاشمي الذي بايعه بالأمس إماماً وخليفة ! ولا بد أن أخاه إبراهيم لم يكن مطروحاً للخلافة يومذاك ولم يكن في حبس مروان ، وإلا لحبسه معه !
ويؤكد ما رجحناه أن المنصور لم يذهب الى أبي مسلم الخراساني الذي يعمل لخلافة أخيه فيما زعموا ، بل بايع هو وأخوه السفاح عبدالله بن معاوية وعملا له ، وما ذلك إلا لأن أبا مسلم لم يدخل في عمله أحداً من العباسيين ولا الحسنيين ولا الحسينيين ، لأنه أراد الإحتفاظ لنفسه بالخيار فيمن يعلنه خليفة ويدعو الإيرانيين الى بيعته .
وحتى بعد أن أعلن تبنيه خلافة إبراهيم أخ المنصور في سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين ، كان ذلك مجرد تسمية قابلة للمناورة والتغيير قبل البيعة ، وستعرف مناورة أبي سلمة الخلال عندما دخل بجيش أبي مسلم الى الكوفة ، ومراسلته للإمام الصادق عليه السلام ولعبدالله بن الحسن المثنى يعرض عليهما أن يأخذ لهما البيعة ! لذلك لم يكن تغير شئ على عبد الله المنصور في سنة 127-131، بل بقي شاباً مشرداً من عمال بني أمية فترة ، ومتجولاً يبحث عن عمل مناسب فترة ، حتى بايع أبو سلمة الخلال أخاه السفاح فتغير حاله وصار أحد قادة جيشه .
إن هذه الحادثة القطعية تكشف كثيراً من أكاذيب بني العباس عن إمامة أبيهم محمد ووصيته لأخيهم إبراهيم الذي سموه بالإمام ! فكل ذلك للتغطية على بيعتهم لمحمد بن عبدالله بن الحسن بالخلافة ، وقد كان المنصور نفسه يأخذ بركاب فرسه ويقول: هذا مهدينا أهل البيت . كما ذكرنا في المقدمة !
بل تدل رواية ابن خلدون:3/187، على أن بيعة بني العباس لمحمد بن عبدالله كانت في تلك الأيام أو بعدها عند اضطراب أمر مروان بن محمد ! قال:
(حين اضطرب أمر مروان بن محمد اجتمعوا إليه(عبدالله بن الحسن) وتشاوروا فيمن يعقدون له الخلافة ، فاتفقوا على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن علي وكان يقال إن المنصور ممن بايعه تلك الليلة) !

3- يلفتك ما جاء في رواية القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار:3/321: (وجاءه بنو هاشم فمن أراد منهم عملاً فاستعمله ومن أراد صلة وصله . وقدم إليه معهم أبو العباس وأبو جعفر ابنا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فولاهما بعض الكور). ومعناه أن السفاح كالمنصور لم يكن مشغولاً بثورة أبي مسلم في خراسان ! كما صور نفسه وصوروه فيما بعد !

4- يتضح أن عبدالله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر لم يكن شيعياً ، ولا متديناً فلم أجد أحداً وثقه من علماء الشيعة ولا السنة. ولم يكن متزناً بحكم أنه نديم لأمير متهتك هو الوليد بن يزيد ، المعروف بالفاسق والخليع ! كما لم يكن فيه من صفات القيادة إلا أنه فصيح يقدم نفسه على أنه بطل ، مع أنه خوَّار !
وهذا يدل على قوة الزيديين في الكوفة الذين دفعوه الى الثورة ، وعلى قوة تيار محبة أهل البيت عليهم السلام الذي كان يغري كل طامح من بني هاشم باستغلاله !

5- بقي أن نذكر أنه سليمان بن حبيب بن المهلب رحمه الله الذي قتله المنصور انتقاماً ، كان شيعياً متديناً رحمه الله ، وكان والي الأهواز لابن هبيرة والي العراق . وهو الذي أرسل الى الخليل يدعوه الى الأهواز. (أعيان الشيعة:6/340، و:7/295 ).


6- ذكر الحافظ أبو نعيم الأصفهاني أن مهران كان مولى لعبدالله بن جعفر ،
أي أنه أسلم على يده (كتاب الضعفاء وغيره) . ولعل مهراناً هذا كان من ندماء عبدالله ، كما كان هو من ندماء الأمير الأموي يزيد الفاسق !



الحسنيون والحسينيون


في موجة تأييد الأمة لأهل البيت عليهم السلام





1- مناقبية الأخوَّة عند الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام



يضرب المثل للأخوين المتصافيين فيقال: أخوان كالحسن والحسين ، لأن سلوكهما عليهما السلام كان نبوياً في المودة والإحترام ، وإيثار أحدهما لأخيه عليهما السلام .
وتجلى ذلك في حرص الحسن على أن يُغَيِّبَ الحسين عليهما السلام عن تنازله لمعاوية ، فلا تجد له ذكراً في مفاوضات الصلح ولا في دخول معاوية الى الكوفة !
كما تجلى عندما كان الحسن عليه السلام يكابد السم في إحدى المرات التي دس له معاوية السم ، فجاءه الحسين عليه السلام : ( فلما نظر إليه بكى ، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكى لما يُصنع بك ! فقال له الحسن عليه السلام : إن الذي يؤتى إليَّ سُمٌّ يُدَسُّ إليَّ فأقتل به ، ولكن لايومَ كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدَّعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار)! (أمالي الصدوق/177).
وأوصى الإمام الحسن عليه السلام أولاده أن يكونوا مع عمهم الحسين عليه السلام في كربلائه الموعودة ، فاستشهد بين يديه ثلاثة منهم: القاسم وعبد الله وعمرو .
وكان أولاد الإمام الحسن عليه السلام بضعة عشر بنتاً وابناً ، وغالب ذريته من ولديه زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن الذي يسمى الحسن المثنى. (الذريعة:2/372).



2- زيد بن الإمام الحسن عليه السلام وذريته


مدحه علماؤنا مدحاً عاماً ، فقال المفيد رحمه الله في الإرشاد:2/21: (كان جليل القدر كريم الطبع ظلف النفس (متورع ومتقشف) كثير البر ، ومدحه الشعراء وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله.. كان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله .. كان مسالماً لبني أمية ومتقلداً من قبلهم الأعمال وكان رأيه التقية لأعدائه والتألف لهم والمداراة.. ومات زيد وله تسعون سنة ، فرثاه جماعة من الشعراء وذكروا مآثره). ثم ذكر أن سليمان بن عبد الملك عزله عن صدقات النبي صلى الله عليه وآله وأعادها اليه ابن عبد العزيز .
وقال في عمدة الطالب/69: (تخلف عن عمه الحسين عليه السلام فلم يخرج معه إلى العراق وبايع بعد قتل عمه الحسين عبد الله بن الزبير ، لأن أخته لأمه وأبيه كانت تحت عبد الله بن الزبير.. فلما قتل عبد الله أخذ زيد بيد أخته ورجع إلى المدينة.. عاش مائة سنة ، وقيل خمساً وتسعين ، وقيل تسعين ).
وبعد زيد بن الحسن ، ولَّى الوليد بن عبد الملك ابنه الحسن بن زيد صدقات النبي صلى الله عليه وآله فنازعه فيها أبو هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية ، فشكى ابن زيد الى الوليد بن عبد الملك فحبس أبا هاشم وطال حبسه ، فتوسط له الإمام زين العابدين عليه السلام وطلب أن يطلقه لأنه مكذوب عليه . (الوافي للصفدي:15/19) .
واشتهر زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن عليه السلام : (كان أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي ، وعمل له على غير المدينة أيضاً ، وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى ، وهو أول من لبس السواد من العلويين ، وبلغ من السن ثمانين سنة ) . (عمدة الطالب/69).
وفي ميزان الإعتدال:1/492: (وليَ المدينة للمنصور خمس سنين ، ثم عزله وصادره ثم سجنه ، فلما ولي المهدي أطلقه وأكرمه وأدناه . وكان شيخ بني هاشم في زمانه.. وهذا هو والد الست نفيسة ) .
أقول: اشتهرت بنته نفيسة أكثر منه ، ففي الأعلام:8/44: ( نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب: صاحبة المشهد المعروف بمصر. تقية صالحة عالمة بالتفسير والحديث . ولدت بمكة ونشأت في المدينة ، وتزوجت إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق . وانتقلت إلى القاهرة فتوفيت فيها . حجت ثلاثين حجة ، وكانت تحفظ القرآن وسمع عليها الإمام الشافعي ، ولما مات أُدخلت جنازته إلى دارها وصلت عليه . وكان العلماء يزورونها ويأخذون عنها ).



3- الحسن بن الإمام الحسن عليه السلام وذريته



تقدم في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام أن الحسن بن الحسن شهد كربلاء مع عمه الحسين عليه السلام وأثخن بالجراح ، فلما أرادوا أخد الرؤوس وجدوا به رمقاً ، وكانت أمه من قبيلة فزارة فاستوهبه رئيسها أسماء بن خارجة ، فقال عبيد الله بن زياد: (دعوا لأبي حسان بن أخته ، وعالجه أسماء حتى برئ ثم لحق بالمدينة... حتى دس إليه الوليد بن عبد الملك من سقاه سماً فمات ، وعمره إذ ذاك خمس وثلاثون سنة ، وكان يشبَّه برسول الله صلى الله عليه وآله ). ( عمدة الطالب/100).
قال المفيد رحمه الله في الإرشاد:2/23: ( أما الحسن بن الحسن فكان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً.. وروي أن الحسن بن الحسن خطب إلى عمه الحسين عليه السلام إحدى ابنتيه فقال له الحسين: إختر يا بني أحبهما إليك ، فاستحيا الحسن ولم يُحِرْ جواباً ، فقال الحسين عليه السلام : فإني قد اخترت لك ابنتي فاطمة وهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله . وقُبض الحسن بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة وأخوه زيد بن الحسن حيّ.. ولما مات.. ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين على قبره فسطاطاً وكانت تقوم الليل وتصوم النهار وكانت تشبه بالحور العين لجمالها فلما كان رأس السنة قالت لمواليها: إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط).
ووقف الى جانبه الإمام زين العابدين عليهما السلام وظهرت له كرامة،ففي فتح الباري:11/124: (كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن حيان (واليه على المدينة): أنظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلدة وأوقفه للناس ، قال فبعث إليه فجئ به فقام إليه علي بن الحسين فقال: يا ابن عم تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك ، فذكر حديث علي باللفظ الثاني ، فقالها فرفع إليه عثمان رأسه فقال: أرى وجه رجل كُذِبَ عليه ! خلوا سبيله فسأكتب إلى أمير المؤمنين بعذره فأطلق) ! وفي السلسلة العلوية/4 ، أن سليمان بن عبد الملك قتله بالسم ، على عادة ملوك بني أمية !
أقول: أكثر من مدحه الأئمة عليهم السلام من الحسنيين شهيد فخ حفيد الحسن هذا ، فهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن عليه السلام .




4- عبد الله بن الحسن المثنى أبو الثورة العباسية



هو عبدالله بن الحسن بن الحسن عليه السلام ، ويسمى عبد الله المحض ، لأن أباه ابن الحسن وأمه بنت الحسين عليهما السلام . وهو صاحب شخصية قوية ، وكان سياسياً ولم يكن عالماً ! وهو صاحب مشروع الثورة على الأمويين بعد زيد بن علي رحمه الله ، وقد ابتكر ادعاء المهدية لولده محمد ودعا الى بيعته ولم يقبل أن يبايعوه هو ! واستطاع أن يضم اليه العباسيين فبايعوا ابنه بالإمامة والطاعة ، لكنه لم يستطع أن يضم اليه أئمة العترة من ذرية الحسين عليه السلام .
ثم انقلب عليه العباسيون فيما بعد واتفقوا مع أبي مسلم أن يبايع أبا العباس السفاح بالخلافة ، فثار عليهم عبد الله بن الحسن وقُتل هو وأكثر أولاده ، وواصل الذين أفلتوا منهم ثوراتهم فأسسوا دولتهم في المغرب ، وما زالوا يحكمونها الى اليوم ، ودولتهم في شمال إيران وقد انتهت ، كما حكم الحسنيون الحجاز مدة طويلة حتى ورثهم آل سعود ، وما زالوا الى اليوم يحكمون الأردن .
قال السيد الخوئي في ترجمته في معجم رجال الحديث:11/170: (وكان شيخ بني هاشم في زمانه.. وكان قوي النفس شجاعاً.. ثم إن الروايات قد كثرت في ذم عبد الله هذا.. سليمان بن هارون قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن العجلية يزعمون أن عبد الله بن الحسن يدعي أن سيف رسول الله صلى الله عليه وآله عنده ! قال عليه السلام : والله لقد كذب ! فوالله ما هو عنده وما رآه بواحدة من عينية قط ، ولا رآه أبوه إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليه السلام . وإن صاحبه لمحفوظ ومحفوظ له .
لا يذهبن يميناً ولا شمالاً فإن الأمر واضح ! والله لو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله ما استطاعوا ، ولو أن خلق الله كلهم جميعاً كفروا حتى لا يبقى أحد ، جاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله.. فالسند صحيح... عن علي بن سعيد قال: كنت قاعداً عند أبي عبد الله عليه السلام (إلى أن قال): فقال محمد بن عبد الله بن علي: العجب لعبد الله بن الحسن أنه يهزأ ويقول في جفركم الذي تدعون ! فغضب أبو عبد الله عليه السلام فقال: العجب لعبد الله بن الحسن يقول: ليس فينا إمام ، صدقَ ما هو بإمام ولا كان أبوه إماماً . ويزعم أن علي بن أبي طالب لم يكن إماماً !
أخبرني سماعة بن مهران قال: أخبرني الكلبي النسابة قال: دخلت المدينة ولست أعرف شيئاً من هذا الأمر ، فأتيت المسجد فإذا جماعة من قريش فقلت: أخبروني عن عالم أهل هذا البيت فقالوا: عبد الله بن الحسن ، فأتيت منزله فاستأذنت فخرج إليَّ رجل ظننت أنه غلام له فقلت له: إستأذن لي على مولاك فدخل ثم خرج فقال لي أدخل ، فدخلت فإذا أنا بالشيخ معتكف شديد الاجتهاد (إلى أن قال): قلت: أخبرني عن رجل قال لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء ، فقال: تبين برأس الجوزاء ، والباقي وزرٌ عليه وعقوبة ! فقلت في نفسي: واحدة ، فقلت: ما يقول الشيخ في المسح على الخفين؟ فقال: قد مسح قوم صالحون ونحن أهل البيت لانمسح . فقلت في نفسي: ثنتان ، فقلت: ما تقول في أكل الجري أحلال هو أم حرام؟ فقال: حلال إلا أنا أهل البيت نعافه ، فقلت في نفسي: ثلاث ، فقلت: ما تقول في شرب النبيذ ؟ فقال: حلال إلا أنا أهل البيت لا نشربه ، فخرجت من عنده وأنا أقول: هذه العصابة تكذب على أهل هذا البيت) !
وأضاف السيد الخوئي قدس سره : (أقول: هذه الرواية تدل على أن عبد الله بن الحسن كان قد نصب نفسه للإمامة وكان يفتي بغير ما أنزل الله..). انتهى.
أقول: من الصفات البارزة في عبد الله بن الحسن قوة شخصيته ، قال ابن خلدون:3/84 ، يصفه وهو معتقل عندما كان المنصور في الحج: ( ثم إن المنصور أخذهم وسار بهم من الربذة ، فمر بهم على بلغة شقراء ، فناداه عبد الله بن الحسن: يا أبا جعفر ما هكذا فعلنا بأسرائكم يوم بدر ! فأخسأه أبو جعفر ، وتفل عليه ومضى . فلما قدموا إلى الكوفة قال عبد الله لمن معه: أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذه الطاغية ؟ قال: فلقيه الحسن وعلي ابنا أخيه مشتملين على سيفين فقالا له: قد جئناك يا ابن رسول الله فمرنا بالذي تريد . قال: قد قضيتما ما عليكما ولن تغنيا في هؤلاء شيئاً فانصرفا) !
وعندما كان في السجن في العراق طلب منه المنصور أن يوافق على حل ما لمشكلة ولده محمد ، فأجاب عبدالله: (لا والله ، لا أرد عليكما حرفاً ! إن أحب أن يأذن لي فألقاه فليفعل . فانصرف الرجلان فأبلغاه فقال (المنصور): أراد أن يسحرني ! لا والله لا ترى عينه عيني حتى يأتيني بابنيه). (الطبري:6/173، والكامل:5/524 ) .




5- عداوة عبدالله بن الحسن وأولاده للأئمة عليهم السلام



والأحاديث في ذلك كثيرة ، فيها الصحيح كالذي ذكره السيد الخوئي قدس سره في ترجمته . وقد أورد في البحار:47/270 ، عدداً منها في سيرة الإمام الصادق عليه السلام تحت عنوان: ( أحوال أقربائه وعشائره وما جرى بينه وبينهم ، وما وقع عليهم من الجور والظلم ، وأحوال من خرج في زمانه عليه السلام من بني الحسن عليه السلام وأولاد زيد رحمه الله وغيرهم) . وروى فيه بضع عشرة رواية تدل على ذم عبد الله بن الحسن وأولاده ، وحسدهم للأئمة عليهم السلام ، وعداوتهم لهم ، وسوء أدبهم !
وفي بعضها ، أن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ليس منا إلا وله عدو من أهل بيته ، فقيل له: بنو الحسن لا يعرفون لمن الحق؟ قال: بلى ، ولكن يمنعهم الحسد).
وفي بعضها ، أن محمد بن عبدالله بن الحسن الذي ادعوا له المهدية قال مرة للإمام الصادق عليه السلام : ( والله إني لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك ! فقال: أما ما قلت إنك أعلم مني ، فقد أعتق جدي وجدك ألف نسمة من كد يده ، فسمهم لي ، وإن أحببت أن أسميهم لك إلى آدم فعلت !
وأما ما قلت إنك أسخى مني فوالله ما بتُّ ليلة ولله عليَّ حق يطالبني به .
وأما ما قلت إنك أشجع مني ، فكأني أرى رأسك وقد جئ به ووضع على حِجْر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا ! قال: فحكى ذلك لأبيه فقال: يا بني آجرني الله فيك ! إن جعفراً أخبرني أنك صاحب حِجْر الزنابير).
وفي بعضها ، أن علي بن سعيد قال للإمام الصادق عليه السلام : (جعلت فداك إن عبد الله بن الحسن يقول: ما لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا . فقال أبو عبد الله عليه السلام بعد كلام: أما تعجبون من عبد الله يزعم أن أباه علياً عليه السلام لم يكن إماماً ! ويقول: إنه ليس عندنا علم ، وصدق والله ما عنده علم ! ولكن والله وأهوى بيده إلى صدره إن عندنا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسيفه ودرعه ، وعندنا والله مصحف فاطمة عليها السلام ، ما فيه آية من كتاب الله ، وإنه لمن إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده ، والجفر ، وما يدرون ما هو: مسك شاة أو مسك بعير) .
وفي بعضها ، أن رجلاً قال للإمام الصادق عليه السلام : (العجب لعبد الله بن الحسن إنه يهزأ ويقول: هذا في جفركم الذي تدعون! فغضب أبو عبد الله عليه السلام فقال: العجب لعبد الله بن الحسن يقول: ليس فينا إمام صدق ، ما هو بإمام ولا كان أبوه إماماً ، يزعم أن علي بن أبي طالب عليه السلام يكن إماماً ويردد ذلك ، وأما قوله: في الجفر فإنما هو جلد ثور مذبوح كالجراب فيه كتب ، وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة من حلال وحرام ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده ، وفيه مصحف فاطمة عليها السلام ، ما فيه آية من القرآن ، وإن عندي خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله ، ودرعه ، وسيفه ولواءه ، وعندي الجفر على رغم أنف من رُغِم ) .
وفي بعضها ، أن الإمام الصادق عليه السلام لقي محمداً هذا في الطريق فدعا الإمام الى منزله فأبى أن يذهب ، وأرسل معه ولده إسماعيل رحمه الله ، وأومأ له أن يصمت (فلما انتهى إلى منزله أعاد إليه الرسول ليأتيه ، فأبى.. فضحك محمد ثم قال: ما منعه من إتياني إلا أنه ينظر في الصحف ، قال: فرجع إسماعيل فحكى لأبي عبد الله الكلام ، فأرسل رسولاً من قبله وقال: إن إسماعيل أخبرني بما كان منك ، وقد صدقت، إني أنظر في الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى، فسل نفسك وأباك هل ذلك عندكما؟ قال: فلما أن بلغه الرسول سكت فلم يجب بشئ).
وفي بعضها ، أن عبد الخالق بن عبد ربه قال للإمام الصادق عليه السلام إن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ذكر أنك تقول إن عندك كتاب علي عليه السلام ، وقد نفى أن يكون علي عليه السلام ترك كتاباً ! فقال عليه السلام : (ما هو والله كما يقولون ، إنهما جفران مكتوب فيهما ، لا والله إنهما لإهابان عليهما أصوافهما وأشعارهما ، مدحوسين كتباً ، في أحدهما وفي الآخر سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ...الخ.).
وفي بعضها ، (عن عبيد بن زرارة قال: لقيت أبا عبد الله عليه السلام في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، فقلت له: جعلت فداك ، إن هذا قد ألف الكلام وسارع الناس إليه ، فما الذي تأمر به ؟ قال فقال: إتقوا الله واسكنوا ما سكنت السماء والأرض) . أي سكنت الأرض من الخسف.. الخبر .
وفي بعضها ، أنه ( وقع بين جعفر عليه السلام وعبد الله بن الحسن كلام في صدر يوم فأغلظ له في القول عبد الله بن حسن ، ثم افترقا وراحا إلى المسجد ، فالتقيا على باب المسجد ، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام لعبد الله بن الحسن: كيف أمسيت يا أبا محمد ؟ فقال: بخير كما يقول المغضب ! فقال: يا أبا محمد أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب ، فقال: لا تزال تجئ بالشئ لا نعرفه ، قال: فإني أتلو عليك به قرآناً قال: وذلك أيضاً ؟ قال: نعم ، قال: فهاته ، قال: قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ . قال: فلا تراني بعدها قاطعاً رحمنا) .
وفي بعضها ، ذم لأخيه الحسن المثلث الذي مات معه في السجن ، ففي رجال الطوسي:2/651 ، (عن سليمان بن خالد قال: لقيت الحسن بن الحسن فقال: أما لنا حق ؟ أما لنا حرمة ؟ إذا اخترتم منا رجلاً واحداً كفاكم ! فلم يكن عندي له جواب ، فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فأخبرته بما كان من قوله لي ، فقال لي: إلقه ، فقل له أتيناكم فقلنا هل عندكم ما ليس عند غيركم؟ فقلتم لا ، فصدقناكم وكنتم أهل ذلك . وأتينا بني عمكم ، فقلنا هل عندكم ما ليس عند الناس؟ فقالوا نعم ، فصدقناهم وكانوا أهل ذلك ! قال: فلقيته فقلت له ما قال لي ، فقال لي الحسن: فإن عندنا ما ليس عند الناس ، فلم يكن عندي شئ ، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فأخبرته فقال لي: إلقه وقل: إن الله عز وجل يقول في كتابه: ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فاقعدوا لنا حتى نسألكم ! قال: فلقيته فحاججته بذلك ، فقال لي: أفما عندكم شئ إلا تعيبونا؟ إن كان فلان تفرغ وشغلنا ، فذاك الذي يذهب بحقنا ؟! ).
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال عنه: ( لو توفي الحسن بن الحسن بالزنا والربا وشرب الخمر كان خيراً مما توفي عليه ) ! (رجال السيد الخوئي:5/289) .
وفي بعضها ، ذم لحسنيين آخرين ، فقد روت سالمة مولاة الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في مرض وفاته: (أعطوا الحسن بن علي بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين ديناراً ، وأعط فلاناً كذا ، وفلاناً كذا ، فقلت: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟! قال: تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ نعم يا سالمة إن الله خلق الجنة فطيبها وطيب ريحها ، وإن ريحها لتوجد من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم) .



6- موقف الأئمة عليه السلام من الثوار الحسنيين



كان الأئمة عليهم السلام يحذرون الحسنيين من العمل للوصول الى الحكم ، لأن النتيجة ستكون عكسية عليهم ، وفي نفس الوقت كانوا يتعاطفون معهم عندما يقع عليهم ظلم أو تحل بهم نكبة . لكن لا يصح اعتبار هذا التعاطف تأييداً لسياستهم .
فقد جاء محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ادعوا له المهدية ، يوماً الى منزل الإمام الصادق عليه السلام فلما ذهب: ( رقَّ له أبو عبد الله عليه السلام ودمعت عينه ، فقلت له: لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع ؟ قال: رققت له لأنه ينسب في أمر ليس له! لم أجده في كتاب علي من خلفاء هذه الأمة ولا ملوكها) . (الكافي:8/395).
وقد تعاطف الإمام الصادق عليه السلام مع الحسينيين ، عندما اعتقل العباسيون عبدالله بن الحسن وجماعته وعندما قُتل ولداه محمد وإبراهيم ، وكتب له الإمام عليه السلام رسالة تعزية عبرت عن تأثره ، رواها ابن طاووس رحمه الله في كتاب الإقبال:3/82 ، وبعض مصادرنا ، جاء فيها: ( بسم الرحمن الرحيم . إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه، أما بعد فلئن كنتَ تفردتَ أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ، ما انفردت بالحزن والغبطة والكآبة وأليم وجل القلب دوني ، فلقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحر المصيبة مثلما نالك ، ولكن رجعت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيه صلى الله عليه وآله : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا . وحين يقول: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ... وذكر عليه السلام آيات عديدة ثم قال: واعلم أي عم وابن عم أن الله جل جلاله لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط ، ولا شئ أحب إليه من الضر والجهد والأذى مع الصبر ، وأنه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط ، ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون . ولولا ذلك ما قتل زكريا ويحيى ، ظلماً وعدواناً في بغي من البغايا . ولولا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب عليه السلام لمَّا قام بأمر الله جل وعز ظلماً ، وعمك الحسين بن فاطمة صلى الله عليهما اضطهاداً وعدواناً . ولولا ذلك ما قال الله عز وجل في كتابه: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . ولولا ذلك لما قال في كتابه: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ...
فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي وإخوتي ، بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله جل وعز ، والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره . أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة ، وأنقذكم وإيانا من كل هلكة ، بحوله وقوته إنه سميع قريب ، وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته). انتهى.
وأشك في صحة هذه الرواية ، لكن ابن طاووس رحمه الله صححها واستنتج منها أن عبدالله بن الحسن وجماعته ممدوحون مرضيون ، قال رحمه الله : ( وهذا يدل على أن هذه الجماعة المحمولين كانوا عند مولانا الصادق عليه السلام معذورين وممدوحين ومظلومين وبحبه عارفين. ثم أجاب رحمه الله على الرويات التي تنص على مخالفتهم للأئمة عليهم السلام بقوله: (وذلك محتملٌ للتقية لئلا يُنسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين . ثم استدل رحمه الله بقول النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام : يقتل منك أو يصاب منك نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون ).
ثم ذكر رحمه الله رواية تطبِّق هذا الحديث على عبد الله بن الحسن وجماعته ، مع أنها وردت في الحسين وأصحابه عليه السلام دون غيرهم ! وختم رحمه الله بقوله: ( وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه السلام ، وأنهم مضوا إلى الله جل جلاله بشرف المقام والظفر بالسعادة). انتهى.
وهذا الرأي يتناسب مع طبع هذا السيد الجليل ابن طاووس رحمه الله فهو حسن الظن سريع التصديق ، ثم هو من ذرية الحسن المثنى رحمه الله !




7- استبصار ابن عبدالله بن الحسن وتحديثه بموقف الإمام الصادق عليه السلام



من أهم النصوص في الموضوع رواية موسى بن عبدالله بن الحسن ، التي رواها في الكافي:1/343، تحت عنوان: باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة ، وقد روى فيه تسعة عشر حديثاً مليئة بالفوائد ، منها في صفحة/358 ، عن عبد الله بن إبراهيم بن محمد الجعفري قال: أتينا خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام نعزيها بابن بنتها ، فوجدنا عندها موسى بن عبد الله بن الحسن ، فإذا هي في ناحية قريباً من النساء فعزيناهم ، ثم أقبلنا عليه...
فقال موسى بن عبد الله: ( والله لأخبرنكم بالعجب ! رأيت أبي رحمه الله (عبدالله بن الحسن المثنى) لما أخذ في أمر محمد بن عبد الله وأجمع على لقاء أصحابه ، فقال: لا أجد هذا الأمر يستقيم إلا أن ألقى أبا عبد الله جعفر بن محمد ، فانطلق وهو متكئ عليَّ فانطلقت معه حتى أتينا أبا عبد الله ، فلقيناه خارجاً يريد المسجد فاستوقفه أبي وكلمه ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : ليس هذا موضع ذلك ، نلتقي إن شاء الله . فرجع أبي مسروراً ، ثم أقام حتى إذا كان الغد أو بعده بيوم انطلقنا حتى أتيناه فدخل عليه أبي وأنا معه ، فابتدأ الكلام ثم قال له فيما يقول: قد علمت جعلت فداك أن السن لي عليك ، فإن في قومك من هو أسن منك ، ولكن الله عز وجل قد قدم لك فضلاً ليس هو لأحد من قومك ، وقد جئتك معتمداً لما أعلم من برك وأعلم فديتك أنك إذا أجبتني لم يتخلف عني أحد من أصحابك ، و لم يختلف علي اثنان من قريش ولا غيرهم . فقال له أبو عبد الله عليه السلام : إنك تجد غيري أطوع لك مني ولا حاجة لك في ، فوالله إنك لتعلم أني أريد البادية أو أهم بها فأثقل عنها ، وأريد الحج فما أدركه إلا بعد كد وتعب ومشقة على نفسي ، فاطلب غيري وسله ذلك ولا تعلمهم أنك جئتني. فقال له: إن الناس مادُّون أعناقهم إليك وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد ، ولك أن لا تكلف قتالاً ولا مكروهاً . قال: وهجم علينا ناس فدخلوا وقطعوا كلامنا ، فقال أبي: جعلت فداك ما تقول؟ فقال: نلتقي إن شاء الله ، فقال: أليس على ما أحب؟ قال: على ما تحب إن شاء الله من إصلاح حالك . ثم انصرف حتى جاء البيت فبعث رسولاً إلى محمد في جبل بجهينة يقال له الأشقر ، على ليلتين من المدينة ، فبشره وأعلمه أنه قد ظفر له بوجه حاجته وما طلب ، ثم عاد بعد ثلاثة أيام فوقفنا بالباب ولم نكن نحجب إذا جئنا ، فأبطأ الرسول ثم أذن لنا ، فدخلنا عليه فجلست في ناحية الحجرة ودنا أبي إليه فقبل رأسه ثم قال: جعلت فداك قد عدت إليك راجياً مؤملاً قد انبسط رجائي وأملي ، ورجوت الدرك لحاجتي . فقال له أبو عبد الله عليه السلام :يا ابن عم إني أعيذك بالله من التعرض لهذا الأمر الذي أمسيت فيه ، وإني لخائف عليك أن يكسبك شراً ، فجرى الكلام بينهما حتى أفضى إلى ما لم يكن يريد ، وكان من قوله: بأي شئ كان الحسين أحق بها من الحسن؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : رحم الله الحسن ورحم الحسين وكيف ذكرت هذا ؟ قال: لأن الحسين كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسن من ولد الحسن !
فقال أبو عبد الله عليه السلام :إن الله تبارك وتعالى لما أن أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله أوحى إليه بما شاء ولم يؤامر أحداً من خلقه ، وأمر محمد صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بما شاء ففعل ما أمر به ، ولسنا نقول فيه إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله من تبجيله وتصديقه فلو كان أمر الحسين عليه السلام أن يصيرها في الأسن ، أو ينقلها في ولدهما يعني الوصية لفعل ذلك الحسين ، وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه ، ولقد ولى وترك ذلك ، ولكنه مضى لما أمره جدك وعمك ، فإن قلت خيراً فما أولاك به ، وإن قلت هجراً فيغفر الله لك ، أطعني يا ابن عم واسمع كلامي ، فوالله الذي لا إله إلا هو لا آلوك نصحاً وحرصاً ، فكيف ولا أراك تفعل وما لأمر الله من مرد .
فسُرَّ أبي عند ذلك . فقال له أبو عبد الله عليه السلام : والله إنك لتعلم أنه الأحول الأكشف الأخضر المقتول بسدة أشجع بين دورها عند بطن مسيلها ، فقال أبي: ليس هو ذاك ، والله لنجازين باليوم يوماً وبالساعة ساعة وبالسنة سنة ، ولنقومن بثار بني أبي طالب جميعاً .
فقال له أبو عبد الله عليه السلام : يغفر الله لك ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق صاحبنا: مَنَّتْكَ نفسُك في الخَلاء ضلالا ! لا والله لا يملك أكثر من حيطان المدينة ولا يبلغ عمله الطائف إذا أحفل ، يعني إذا أجهد نفسه ، وما للأمر من بد أن يقع فاتق الله وارحم نفسك وبني أبيك ، فوالله إني لأراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ! والله إنه المقتول بسدة أشجع بين دورها ، والله لكأني به صريعاً مسلوباً بزته ، بين رجليه لبنة ، ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع ! قال موسى بن عبد الله: يعنيني ! وليخرجن معه فينهزم ويُقتل صاحبه ، ثم يمضي فيخرج مع راية أخرى ، فيقتل كبشها ويتفرق جيشها ، فإن أطاعني فليطلب الأمان عند ذلك من بني العباس حتى يأتيه الله بالفرج ! ولقد علمت بأن هذا الأمر لا يتم ، وإنك لتعلم ونعلم أن ابنك الأحولُ الأخضرُ الأكشفُ ، المقتول بسدة أشجع ، بين دورها عند بطن مسيلها ! فقام أبي وهو يقول: بل يغني الله عنك، ولتعودن أو ليفئ الله بك وبغيرك ، وما أردت بهذا إلا امتناع غيرك ، وأن تكون ذريعتهم إلى ذاك !
فقال أبو عبد الله عليه السلام : الله يعلم ما أريد إلا نصحك ورشدك ، وما عليَّ إلا الجهد ! فقام أبي يجر ثوبه مغضباً فلحقه أبو عبد الله عليه السلام فقال له: أخبرك أني سمعت عمك وهو خالك يذكر أنك وبني أبيك ستقتلون ، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل ، ووالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه ، لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إليَّ وبأحب أهل بيتي إليَّ ، ما يعدلك عندي شئ ، فلا ترى أني غششتك ! فخرج أبي من عنده مغضباً أسفاً !
قال: فما أقمنا بعد ذلك إلا قليلاً عشرين ليلة أو نحوها ، حتى قدمت رسل أبي جعفر فأخذوا أبي وعمومتي سليمان بن حسن ، وحسن بن حسن ، وإبراهيم بن حسن ، وداود بن حسن ، وعلي بن حسن ، وسليمان بن داود بن حسن ، وعلي بن إبراهيم بن حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن ، وطباطبا إبراهيم بن إسماعيل بن حسن ، وعبد الله بن داود ، وقال: فصُفِّدوا في الحديد ، ثم حملوا في محامل أعراء لا وطاء فيها ، ووقفوا بالمصلى لكي يشتمهم الناس قال: فكفَّ الناس عنهم ورقُّوا لهم للحال التي هم فيها ، ثم انطلقوا بهم حتى وقفوا عند باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله . قال عبد الله بن إبراهيم الجعفري: فحدثتنا خديجة بنت عمر بن علي أنهم لما أوقفوا عند باب المسجد ، الباب الذي يقال له باب جبرئيل ، اطَّلَعَ عليهم أبو عبد الله عليه السلام وعامة ردائه مطروح بالأرض ، ثم اطلع من باب المسجد فقال: لعنكم الله يا معشر الأنصار ، ثلاثاً ، ما على هذا عاهدتم رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا بايعتموه ، أما والله إن كنت حريصاً ولكني غلبت ، وليس للقضاء مدفع ، ثم قام وأخذ إحدى نعليه فأدخلها رجله والأخرى في يده ، وعامة ردائه يجره في الأرض ، ثم دخل في بيته فحُمَّ عشرين ليلة لم يزل يبكي فيها الليل والنهار ، حتى خفنا عليه ! فهذا حديث خديجة .
قال الجعفري: وحدثنا موسى بن عبد الله بن الحسن أنه لما طلع بالقوم في المحامل قام أبو عبد الله عليه السلام من المسجد ثم أهوى إلى المحمل الذي فيه عبد الله بن الحسن يريد كلامه ، فمنع أشد المنع وأهوى إليه الحرسي فدفعه وقال: تنح عن هذا فإن الله سيكفيك ويكفي غيرك ، ثم دخل بهم الزقاق ! ورجع أبو عبد الله عليه السلام إلى منزله فلم يبلغ بهم البقيع حتى ابتلي الحرسي بلاء شديداً ! رمحته ناقته فدقت وركه فمات فيها ، ومضى القوم .
فأقمنا بعد ذلك حيناً ، ثم أتى محمد بن عبد الله بن الحسن ، فأخبر أن أباه وعمومته قتلوا ، قتلهم أبو جعفر ، إلا حسن بن جعفر ، وطباطبا ، وعلي بن إبراهيم ، وسليمان بن داود ، وداود بن حسن وعبد الله بن داود ، قال: فظهر محمد بن عبد الله عند ذلك ودعا الناس لبيعته ، قال: فكنت ثالث ثلاثة بايعوه واستوثق الناس لبيعته ، ولم يختلف عليه قرشي ولا أنصاري ولا عربي .
قال: وشاور عيسى بن زيد وكان من ثقاته ، وكان على شرطته فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه ، فقال له عيسى بن زيد: إن دعوتهم دعاء يسيراً لم يجيبوك أو تُغلظ عليهم ، فخلني وإياهم . فقال له محمد: إمض إلى من أردت منهم فقال: إبعث إلى رئيسهم وكبيرهم يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فإنك إذا أغلظت عليه علموا جميعاً أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبد الله قال: فوالله ما لبثنا أن أتيَ بأبي عبد الله عليه السلام حتى أوقف بين يديه فقال له عيسى بن زيد: أسلم تسلم ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أحَدَثَتْ نبوةٌ بعد محمد صلى الله عليه وآله ؟ فقال له محمد: لا، ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ، ولا تكلفن حرباً . فقال له أبو عبد الله: ما فيَّ حرب ولا قتال ، ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته الذي حاق به ، ولكن لا ينفع حذر من قدر ، يا ابن أخي عليك بالشباب ودع عنك الشيوخ . فقال له محمد: ما أقرب ما بيني وبينك في السن ، فقال له أبو عبد الله: إني لم أعازك ولم أجئ لأتقدم عليك في الذي أنت فيه ، فقال له محمد: لا والله لا بد من أن تبايع ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : ما فيَّ يا ابن أخي طلب ولا هرب ، وإني لأريد الخروج إلى البادية فيصدني ذلك ويثقل عليَّ حتى يكلمني في ذلك الأهل غير مرة ، وما يمنعني منه إلا الضعف ، والله والرحم أن تدبر عنا ونشقى بك ! فقال له: يا أبا عبد الله قد والله مات أبو الدوانيق يعني أبا جعفر ! فقال له أبو عبد الله: وما تصنع بي وقد مات؟ قال: أريد الجَمالَ بك ، قال: ما إلى ما تريد سبيل ، لا والله ما مات أبو الدوانيق إلا أن يكون مات موت النوم ! قال: والله لتبايعني طائعاً ، أو مكرهاً ولا تحمد في بيعتك ! فأبى عليه إباءا شديداً فأمر به إلى الحبس ! فقال له عيسى بن زيد: أما إن طرحناه في السجن وقد خرب السجن وليس عليه اليوم غلق ، خفنا أن يهرب منه . فضحك أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أو تراك تسجنني؟! قال: نعم والذي أكرم محمداً صلى الله عليه وآله بالنبوة لأسجننك ولأشددن عليك ! فقال عيسى بن زيد: إحبسوه في المخبأ ، وذلك دار ريطة اليوم ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أما والله إني سأقول ثم أصدق ، فقال له عيسى بن زيد: لو تكلمت لكسرت فمك ! فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أما والله يا أكشف يا أزرق ، لكأني بك تطلب لنفسك جُحْراً تدخل فيه ! وما أنت في المذكورين عند اللقاء ! وإني لأظنك إذا صُفَّق خلفك طرت مثل الهيق النافر ، فنفر عليه محمد بانتهار: إحبسه وشدد عليه وأغلظ عليه . فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أما والله لكأني بك خارجاً من سدة أشجع إلى بطن الوادي وقد حمل عليك فارس معلم ، في يده طرادة نصفها أبيض ونصفها أسود ، على فرس كميت أقرح فطعنك فلم يصنع فيك شيئاً ، وضربت خيشوم فرسه فطرحته وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدئليين ، عليه غديرتان مضفورتان قد خرجتا من تحت بيضته كثير شعر الشاربين ، فهو والله صاحبك فلا رحم الله رمته ! فقال له محمد: يا أبا عبد الله حَسَبْتَ فأخطأت !
وقام إليه السراقي ابن سلح الحوت ، فدفع في ظهره حتى أدخل السجن ! واصطفى ما كان له من مال وما كان لقومه ممن لم يخرج مع محمد !
قال: فطلع بإسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو شيخ كبير ضعيف قد ذهبت إحدى عينيه وذهبت رجلاه وهو يحمل حملاً ، فدعاه إلى البيعة فقال له: يا ابن أخي إني شيخ كبير ضعيف ، وأنا إلى برِّك وعونك أحوج !
فقال له: لا بد من أن تبايع ، فقال له: وأي شئ تنتفع ببيعتي ، والله إني لأضيِّق عليك مكان إسم رجل إن كتبته ! قال: لابد لك أن تفعل ، فأغلظ عليه في القول فقال له إسماعيل: أدع لي جعفر بن محمد فلعلنا نبايع جميعاً . قال: فدعا جعفراً عليه السلام فقال له إسماعيل: جعلت فداك إن رأيت أن تبين له فافعل ، لعل الله يكفه عنا ، قال: قد أجمعتُ ألا أكلمه فَلْيَرَ فيَّ رأيه ! فقال إسماعيل لأبي عبد الله عليه السلام : أنشدك الله هل تذكر يوماً أتيت أباك محمد بن علي عليه السلام وعليَّ حلتان صفراوان ، فأدام النظر إليَّ ثم بكى ، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال لي: يبكيني أنك تقتل عند كبر سنك ضياعاً ، لا ينتطح في دمك عنزان ! قال فقلت: متى ذاك ؟ قال: إذا دعيت إلى الباطل فأبيته ، وإذا نظرت إلى أحول مشوم قومه ينتمي من آل الحسن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، يدعو إلى نفسه قد تسمى بغير اسمه ، فأحدث عهدك واكتب وصيتك فإنك مقتول من يومك أو من غد؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام : نعم وهذا ورب الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلا أقله ، فأستودعك الله يا أبا الحسن ، وأعظم الله أجرنا فيك ، وأحسن الخلاقة على من خلفت ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ! قال: ثم احْتُمِل إسماعيلُ ، ورُدَّ جعفر إلى الحبس . قال: فوالله ما أمسينا حتى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر فتوطؤوه حتى قتلوه ! وبعث محمد بن عبد الله إلى جعفر عليه السلام فخلى سبيله !
قال: وأقمنا بعد ذلك حتى استهللنا شهر رمضان ، فبلغنا خروج عيسى بن موسى يريد المدينة ، قال: فتقدم محمد بن عبد الله على مقدمته يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وكان على مقدمة عيسى بن موسى ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن ، وقاسم ، ومحمد بن زيد ، وعلي وإبراهيم بنو الحسن بن زيد ، فهزم يزيد بن معاوية ، وقدم عيسى بن موسى المدينة ، وصار القتال بالمدينة ، فنزل بذباب ، ودخلت علينا المسودة من خلفنا ، وخرج محمد في أصحابه ، حتى بلغ السوق فأوصلهم ومضى ث، م تبعهم حتى انتهى إلى مسجد الخوامين ، فنظر إلى ما هناك فضاء ليس مسود ولا مبيض ، فاستقدم حتى انتهى إلى شعب فزارة ، ثم دخل هذيل ، ثم مضى إلى أشجع ، فخرج إليه الفارس الذي قال أبو عبد الله عليه السلام من خلفه من سكة هذيل فطعنه فلم يصنع فيه شيئاً ، وحمل على الفارس وضرب خيشوم فرسه بالسيف فطعنه الفارس فأنفذه في الدرع وانثنى عليه محمد فضربه فأثخنه ، وخرج إليه حميد بن قحطبة وهو مدبر على الفارس يضربه من زقاق العماريين ، فطعنه طعنة أنفذ السنان فيه فكسر الرمح وحمل على حميد ، فطعنه حميد بزج الرمح فصرعه ، ثم نزل فضربه حتى أثخنه وقتله وأخذ رأسه ، ودخل الجند من كل جانب وأخذت المدينة ، وأجلينا هرباً في البلاد .
قال موسى بن عبد الله: فانطلقت حتى لحقت بإبراهيم بن عبد الله ، فوجدت عيسى بن زيد مكمناً عنده فأخبرته بسوء تدبيره ، وخرجنا معه حتى أصيب رحمه الله ثم مضيت مع ابن أخي الأشتر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن حتى أصيب بالسند ، ثم رجعت شريداً طريداً تضيق عليَّ البلاد ، فلما ضاقت علي الأرض واشتد الخوف ، ذكرت ما قال أبو عبد الله عليه السلام فجئت إلى المهدي وقد حج وهو يخطب الناس في ظل الكعبة ، فما شعر إلا وأني قد قمت من تحت المنبر فقلت: لي الأمان يا أمير المؤمنين وأدلك على نصيحة لك عندي ؟ فقال: نعم ، ما هي؟ قلت: أدلك على موسى بن عبد الله بن حسن ، فقال: نعم لك الأمان فقلت له: أعطني ما أثق به ، فأخذت منه عهوداً ومواثيق ووثقت لنفسي ، ثم قلت: أنا موسى بن عبد الله ، فقال لي: إذاً تكرم وتحبى ! فقلت له: أقطعني إلى بعض أهل بيتك يقوم بأمري عندك . فقال: أنظر إلى من أردت ، فقلت: عمك العباس بن محمد ، فقال العباس: لا حاجة لي فيك ! فقلت: ولكن لي فيك الحاجة أسألك بحق أمير المؤمنين إلا قبلتني فقبلني شاء أو أبى ، وقال لي المهدي: من يعرفك وحوله أصحابنا أو أكثرهم فقلت: هذا الحسن بن زيد يعرفني ، وهذا موسى بن جعفر يعرفني ، وهذا الحسن بن عبيد الله بن عباس يعرفني . فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين كأنه لم يغب عنا ! ثم قلت للمهدي: يا أمير المؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرجل ، وأشرت إلى موسى بن جعفر عليه السلام . قال موسى بن عبد الله: وكذبت على جعفر كذبة فقلت له: وأمرني أن أقرئك السلام وقال: إنه إمام عدل وسخي ، قال: فأمر لموسى بن جعفر عليه السلام بخمسة آلاف دينار ، فأمر لي موسى عليه السلام منها بألفي دينار، ووصل عامة أصحابه ووصلني فأحسن صلتي ! فحيث ما ذكر ولد محمد بن علي بن الحسين فقولوا: صلى الله عليهم وملائكته وحملة عرشه والكرام الكاتبون ، وخصوا أبا عبد الله عليه السلام بأطيب ذلك، وجزى موسى بن جعفر عني خيراً فأنا والله مولاهم بعد الله). وبعضه: الطبري:6/188 .
وفي مقاتل الطالبيين/148: (إني لواقف بين القبر والمنبر إذ رأيت بني الحسن يخرج بهم من دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة فأرسل إلي جعفر بن محمد فقال: ما وراءك ؟ قلت: رأيت بني الحسن يخرج بهم في محامل . فقال: أجلس فجلست قال: فدعا غلاماً له ثم دعا ربه كثيراً ثم قال لغلامه: إذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني . قال: فأتاه الرسول فقال: قد أقبل بهم . فقام جعفر فوقف وراء ستر شعر ابيض من ورائه فطلع بعبد الله بن الحسن وإبراهيم بن الحسن وجميع أهلهم كل واحد منهم معاد له مسود فلما نظر إليهم جعفر بن محمد هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته ثم أقبل علي فقال: يا أبا عبد الله ، والله لا تحفظ لله حرمة بعد هذا ، والله ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وآله بما أعطوه من البيعة على العقبة... على أن تمنعوا رسول الله وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم . قال: فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم ثم لا أحد يمنع يد لامس ! اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار ).


ملاحظات

1- هذه الرواية الصحيحة تكشف موقف عبدالله بن الحسن المثنى وأولاده وأتباعه ، من إمامة الإمام الصادق وبقية الأئمة الحسينين عليهم السلام . فهو يرى أن الإمام الحسن عليه السلام أكبر سناً من الإمام الحسين عليه السلام ، فأبناؤه أولى بالإمامة ، وكان الواجب على الحسين عليه السلام أن يجعلها بعده في أكبر أولاد أخيه ، وقد أخطأ عندما جعلها في ولده علي بن الحسين عليه السلام ! وهذا هو التفكير القرشي في الإمامة ، كأنها مقام يختاره الناس فيجب أن يخضع لمقاييس القبيلة والعرف الإجتماعي !
مع أنها اختيارٌ من الله تعالى وعصمةٌ وعلمٌ واجتباء ، لادخل للبشر فيها !
ومنطق عبدالله بن الحسن نفس منطق هشام الأحول مع الإمام الباقر عليه السلام عندما قال له: ( أليس الله بعث محمداً من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها ، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ، ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة ؟ ومن أين أورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي وما أنتم أنبياء ! ) .
وهو نفس منطق قريش الجاهلي الذي استعملوه مع النبي صلى الله عليه وآله ، واستعملته قريش وحتى بنو الحسن مع عترته المعصومين عليهم السلام !
لاحظ جرأة عبد الله على عمه الحسين عليه السلام ( لأن الحسين كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسنِّ من وُلد الحسن ! فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى لما أن أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله أوحى إليه بما شاء ولم يؤامر أحداً من خلقه ، وأمر محمد صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بما شاء ففعل ما أمر به ، ولسنا نقول فيه إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله من تبجيله وتصديقه ، فلو كان أمَر الحسينَ أن يُصَيِّرها في الأسنّ أو ينقلها في ولدهما يعني الوصية ، لفعل ذلك الحسين ، وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه). فعبدالله يتهم عمه الإمام الحسين عليه السلام بأنه استأثر لأولاده بالإمامة ! مع أنه يشهد أن النبي صلى الله عليه وآله قال فيه وفي أخيه: (هما سيدا أهل الجنة) ! لكنه الحسد الذي يجعل صاحبه يتهم المعصومين عليهم السلام ويعترض على الله تعالى! وقد قال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً . وقال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ !

2- نلاحظ في أحداث القصة ، البصيرة الربانية عند الإمام الصادق عليه السلام ويقينه بما سيحدث فهو يصفه كمن يشاهده أمامه ، فيقع كما أخبر به عليه السلام لا ينخرم عنه بشعرة ! ونلاحظ في المقابل إيمان عبدالله وأولاده بما يقوله الصادق عليه السلام عن مستقبلهم ، وإن أظهروا التشكيك والمكابرة ، ولذا قال له: عليه السلام (والله إنك لتعلم..).

3- لايغرك أدب عبدالله وأولاده مع الإمام الصادق عليه السلام عند حاجتهم الى تأييده ، لأنهم يعرفون أن شعبيته أوسع من شعبيتهم وأعمق ، ولذلك يقول له عبدالله: (إن الناس مادُّون أعناقهم إليك ، وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد ، ولك أن لا تكلف قتالاً ولا مكروهاً) . وعندما ردهم الإمام عليه السلام رداً جميلاً ليناً ووعدهم بعدم معارضتهم ، كشفوا عن حقيقتهم التي لاتختلف بشئ عن حقيقة جبابرة بني أمية إن لم تزد عليها ! فهم يزعمون أنهم يثورون على بني أمية للنهي عن المنكر وإنصاف المسلمين ، وأول عملهم أنهم يجبرون المسلمين على بيعتهم ، ولا يتورعون عن قتل ابن عمهم ( إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو شيخ كبير ضعيف ، قد ذهبت إحدى عينيه وذهبت رجلاه ، وهو يُحمل حملاً) ! فقتلوه ظلماً وعدواناً لمجرد أنه لم يبايع طاغيتهم محمد المتسمي بالمهدي !
وأهانوا الإمام الصادق عليه السلام وحبسوه لأنه لم يبايعهم ، ودفعوه في ظهره وأدخلوه السجن ! وصادروا أمواله وأموال كل من لم يبايعهم ! وربما أرادوا قتله فأنجاه الله بكرامة لم تصل الينا ! فأي حكم يريد أن يقيمه هذا المهدي المزعوم فيملأ الأرض عدلاً؟ إن المكتوب يقرأ من عنوانه ، وعنوانه ظلم لاعدل !
ولك أن تقدر ما تَحَمَّله الإمام الباقر عليه السلام والأئمة المعصومون عليهم السلام من أقاربهم المخالفين، وكل ذنبهم أن الله اختارهم للإمامة ولم يختر أولئك !
قال أمير المؤمنين عليه السلام ( والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم... أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم) ! (نهج البلاغة:1/82 ، و2/27 ) .

4- وصف الإمام الصادق عليه السلام محمد بن عبدالله الذي ادعى المهدية بأوصاف شديدة كما رأيت ، وفيها قوله لأبيه: (والله إنك لتعلم أنه الأحول الأكشف الأخضر ، المقتول بسدة أشجع بين دورها عند بطن مسيلها ) ! واستشهد ببيت للأخطل يهجو به جريراً: فانعق بضأنك يا جرير فإنما.. مَنَّتْكَ نفسُك في الخَلاء ضلالا !
(والمعنى إنك من رعاة الغنم لا من الأشراف ، وما منتك نفسك به في الخلاء أنك من العظماء ، فضلال باطل ). (خزانة الأدب:11/140، وأمالي المرتضى:1/157 . وقد أغرب في تفسيره في البحار:47/289 ، وشرح الكافي:6/314) .
5- عين أبي زياد أو عين زياد: بساتين أنشأها الإمام الصادق عليه السلام قرب المدينة ، ففي تاريخ المدينة لعمر بن شبة:1/172، أن سيول المدينة تنحدر وتجتمع عند إضم الذي سمي به لانضمام السيول اليه: (ثم تجتمع فتنحدر على عين أبي زياد ، ثم تنحدر فيلقاها شعاب يمنة ويسرة). وفي تاج العروس:18/413، أنها عند وادي نعمان.
وقال الشيخ الأنصاري رحمه الله (يظهر من بعض الأخبار أن عين زياد كانت ملكاً لأبي عبد الله عليه السلام ). (المكاسب:2/210 . الوسائل: 6/140). وفي الكافي:3/569 ، أن غلتها كانت أربعة آلاف دينار ، وأن الإمام الصادق عليه السلام كان يقسمها ويبقى له أربع مئة دينار .
وفي الطبري:6/205: (كتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى: من لقيك من آل أبي طالب فاكتب إلي باسمه ، ومن لم يلقك فاقبض ماله . قال فقبض عين أبى زياد وكان جعفر بن محمد تغيب عنه ، فلما قدم أبو جعفر كلمه جعفر ، وقال: ما لي قد قبضه مهديكم) ! يذكِّره الإمام عليه السلام ببيعته له وأنه كان يأخذ بركابه ويمشي معه كالخادم ويقول: هذا مهدينا أهل البيت ، وكان الإمام عليه السلام ينهاهم عن ذلك !
وفي الطبري:6/224: (فقال: يا أمير المؤمنين ردَّ عليَّ قطيعتي عين أبى زياد آكل من سعفها . قال: إياي تكلم بهذا الكلام ، والله لأزهقن نفسك ! قال فلا تعجل عليَّ قد بلغت ثلاثاً وستين وفيها مات أبي وجدي وعلي بن أبي طالب! وعليَّ كذا وكذا إن رِبْتُك بشئ أبداً ، وإن بقيتُ بعدك إن ربتُ الذي يقوم بعدك . قال: فرق له وأعفاه. وحدثني هشام بن إبراهيم بن هشام بن راشد قال: لم يرد أبو جعفر عين أبى زياد حتى مات فردها المهدى على ولده). ونحوه تاريخ الإسلام:9/31 .
وفي مقاتل الطالبيين/184، عن الرومي مولى جعفر بن محمد قال: ( أرسلني جعفر بن محمد عليه السلام أنظر ما يصنعون؟ فجئته فأخبرته أن محمداً قتل ، وأن عيسى قبض على عين أبي زياد ، فنكس طويلاً ثم قال: ما يدعو عيسى إلى أن يسبنا ويقطع أرحامنا ! فوالله لا يذوق هو ولا ولده منها شيئاً أبداً ).
وفي الكافي:5/229، أن أحدهم أراد أن يشتري تمرها من السلطة ، فبعث يسأل الإمام عليه السلام عن ذلك فأجاب: (يشتريه فإنه إن لم يشتره اشتراه غيره ).

6- يُعرف راوي القصة موسى بن عبدالله باسم (موسى الجون) وصار شيعياً ، وله أولاده كثيرون ولعله أكثر الحسنيين ذرية ، وذكر النووي:18/144، عن الزبير بن بكار أن أمه ولدته ولها ستون سنة ! ويبدو أنها أخطأت في حساب عمرها .
وروى ابن بكار خطبة الإمام الصادق صلى الله عليه وآله عند هشام بن الوليد جواباً على شكوى بني العباس على بني علي عليه السلام ، وفيها: ( إن الله تعالى لما بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وآله كان أبونا أبو طالب المواسي له بنفسه والناصر له ، وأبوكم العباس وأبو لهب يكذبانه ويؤلبان عليه شياطين الكفر ، وأبوكم يبغي له الغوائل ، ويقود إليه القبائل في بدر وكان في أول رعيلها وصاحب خيلها ورجلها ، المطعم يومئذ والناصب الحرب له ، ثم قال: فكان أبوكم طليقنا وعتيقنا ، وأسلم كارهاً تحت سيوفنا ، لم يهاجر إلى الله ورسوله هجرة قط ، فقطع الله ولايته منا بقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَئٍ . (مستدرك الوسائل:17/204).
ومن أولاده المشهورين عبدالله بن موسى بن عبدالله ، الذي طلبه المأمون فتوارى عنه ، فكتب له يعطيه الأمان ويضمن له أن يوليه العهد بعده ، فأجابه:
(وصل كتابك وفهمته ، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص ، وتحتال علي حيلة المغتال القاصد لسفك دمي ، وعجبت من بذلك العهد وولايته لي بعدك ، كأنك تظن أنه لم يبغلني ما فعلته بالرضا ، ففي أي شئ ظننت أني أرغب من ذلك... أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا ؟!... فلم أجد أضر على الاسلام منك ، لأن الكفار أظهروا كفرهم فاستبصر الناس في أمرهم ، وعرفوهم فخافوهم ، وأنت ختلت المسلمين بالاسلام وأسررت الكفر فقتلت بالظنة وعاقبت بالتهمة وأخذت المال من غير حله فأنفقته في غير حله ، وشربت الخمر المحرمة صراحاً وأنفقت مال الله على الملهين وأعطيته المغنيين... فإن يسعدني الدهر ويعني الله عليك بأنصار الحق أبذل نفسي في جهادك بذلاً يرضيه مني ، وإن يمهلك ويؤخرك.. فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عز وجل من نيتي... ولم يزل عبد الله متوارياً إلى أن مات في أيام المتوكل) . (مقاتل الطالبيين/630) .
ومن أولاده بنو الأخيضر الذين حكموا اليمامة مدة وأغاروا على مكة والمدينة مراراً ، ثم حكموا الحرمين . (ابن خلدون:4/98 ، وسر السلسلة العلوية/9) .
وقد ترجمت له مصادرهم ، ووثقه ابن شبة ، والخطيب ، وابن معين . وقال البخاري فيه نظر . (تاريخ الذهبي:13/416 ، وتاريخ بغداد:13/27، وتاريخ دمشق:60/443).
أقول: طبيعي أن يتوقف فيه بخاري لأن مروياته شديدة عليهم ، ففيها أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر وعمر أن يسلما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. وفيها ، أن الله تعالى اختار علياً عليه السلام خليفة: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما عُرج بي إلى السماء وصرت إلى سدرة المنتهى أوحى الله إليَّ: يا محمد قد بلوت خلقي فمن وجدت أطوعهم؟ قلت: يا رب علياً . قال: صدقت يا محمد . ثم قال: هل اخترت لأمتك خليفة من بعدك ، يعلمهم ما جهلوا من كتابي ويؤدي عني؟ قلت: اللهم اختر لي فإن اختيارك خير من اختياري. قال: قد اخترت لك علياً).(نوادر المعجزات للطبري/74). راجع: مناقب أمير المؤمنين لسليمان الكوفي:2/271 ، ومقاتل الطالبيين/259، و290 ، و415 ، و437 ، وشرح الأخبار:3/326 ، وعمدة الطالب/111 ، والبحار:28/316 ، و:30/386 ، ومعجم السيد الخوئي:20/55).

7- مع أن عبدالله بن الحسن كان يملك قدرة تأثير وإقناع يضرب بها المثل، لكنه لم يؤثر على كل أولاده فكان منهم ومن ذريتهم شيعة للإمام الصادق عليه السلام . وابنه موسى صاحب القصة نموذج لمن تشيع منهم بما رآه من آيات .
ويظهر أن أفضل الحسنيين وأعمقهم إيماناً وتشيعاً الشهيد بفخ وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن الإمام الحسن عليه السلام الذي ثار على الدولة العباسية عندما تبنت إبادة أبناء علي وفاطمة عليهما السلام ، وقد أثنى عليه الأئمة عليهم السلام كثيراً .

8- تضمنت الرواية أن عبدالله بن الحسن كان أكبر سناً من الإمام الصادق عليه السلام وذكر في الإحتجاج:1/131 أن عبدالله بن الحسن توفي سنة145 ، وله خمس وسبعون سنة ، فولادته نحو السبعين هجرية ، بينما ولادة الإمام الصادق عليه السلام سنة ثمانين هجرية ، أما ولادة محمد بن عبدالله بن الحسن فسنة ثلاث وتسعين أو خمس وتسعين ، فيكون الإمام الصادق عليه السلام أكبر منه ببضع عشرة سنة .

9- تضمنت الرواية لعنة الإمام الصادق عليه السلام للأنصار لعدم وفائهم للنبي صلى الله عليه وآله بحماية ذريته مما يحمون منه أنفسهم وذراريهم ! قال عليه السلام : ( لعنكم الله يا معشر الأنصار ، ثلاثاً ، ما على هذا عاهدتم رسول الله صلى الله عليه وآله ولا بايعتموه). وتكرر هذا الإحتجاج من الأئمة عليهم السلام على الأنصار وقريش لأن النبي صلى الله عليه وآله أخذ بيعة العقبة على حمايته وحماية ذريته ، وأن لاينازعوا الأمر أهله . وبنحوها كانت بيعة الشجرة ! فكان يجب على الأنصار أن يقاوموا السقيفة وظلم قريش وبني أمية لأهل البيت عليهم السلام ولكنهم لم يفعلوا ونقضوا بيعتهم ، فعاقبهم الله بالقتل والذل !
وقد بحثنا ذلك في الإنتصار:7/11 ، وأوردنا مصادره وتصحيح حديثه .




8- عبدالله بن الحسن يدعو الى مؤتمر الأبواء لبيعة ابنه!

روت مصادر التاريخ أن عبدالله بن الحسن دعا شخصيات بني هاشم الى مؤتمر الأبواء سنة126 ، ليبايعوا ابنه محمداً على أنه المهدي الموعود !
ففي مقاتل الطالبيين/140، و171، عن عمر بن شبة وعدة مؤرخين عاصروا تلك الفترة ، بعدة أسانيد قال: (إن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة واختاركم لها ، وأكثركم بركة يا ذرية محمد صلى الله عليه وآله بنو عمه وعترته ، وأولى الناس بالفزع في أمر الله ، من وضعه الله موضعكم من نبيه صلى الله عليه وآله ، وقد ترون كتاب الله معطلاً وسنة نبيه متروكة والباطل حياً والحق ميتاً . قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله قبل أن ينزع منكم اسمكم ، وتهونوا عليه كما هانت بنو إسرائيل وكانوا أحب خلقه إليه . وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم ، فقد قتلوا صاحبهم يعني الوليد بن يزيد فهلمَّ نبايع محمداً ، فقد علمتم أنه المهدي . فقالوا: لم يجتمع أصحابنا بعد ، ولو اجتمعوا فعلنا ، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمد ! فأرسل إليه ابن الحسن فأبى أن يأتي ، فقام وقال: أنا آت به الساعة فخرج بنفسه حتى أتى مضرب الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث فأوسع له الفضل ولم يصدره ، فعلمت أن الفضل أسن منه ، فقام له جعفر وصدره فعلمت أنه أسن منه . ثم خرجنا جميعاً حتى أتينا عبد الله فدعا إلى بيعة محمد فقال له جعفر: إنك شيخ وإن شئت بايعتك وأما ابنك فوالله لا أبايعه وأدعك).
وفي رواية أخرى: ( إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن علي ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن ، وابناه محمد وإبراهيم ، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان . فقال صالح بن علي(ممثلاً بني العباس): قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم وقد جمعكم الله في هذا الموضع ، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم ، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين .
فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه . وقال أبو جعفر المنصور: لأي شئ تخدعون أنفسكم ! ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أطول أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ! يريد محمد بن عبد الله . قالوا: قد والله صدقت ، إن هذا لهو الذي نعلم !
فبايعوا جميعاً محمداً ومسحوا على يده !
قال عيسى(بن زيد بن الحسن): فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه ، وأرسل جعفر بن محمد محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين فجئناهم ، فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجل مثنية ، فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شئ اجتمعتم؟ فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله .
قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه ، فقال جعفر: لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد ! إن كنت ترى يعني عبد الله أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك . فغضب عبد الله وقال: علمتَ خلاف ما تقول ! ووالله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني !
فقال: والله ما ذاك يحملني ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن ، وقال: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم وإن ابنيك لمقتولان !
ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري . فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر؟ قال: نعم . قال: فإنا والله نجده يقتله ! قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً ؟ قال: نعم . قال: فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة ! قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما !
قال: فلما قال جعفر ذلك انفضَّ القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها ، وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا: يا أبا عبد الله أتقول هذا؟ قال: نعم ، أقوله والله وأعلمه).
والإرشاد/276 ، وإعلام الورى/271 و272 ، ومناقب ابن شهرآشوب:4/228 ، وفيه: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنك ، وإنما هي لهذا يعني السفاح ، ثم لهذا يعني المنصور ، يقتله على أحجار الزيت ، ثم يقتل أخاه بالطفوف وقوائم فرسه في الماء ، فتبعه المنصور فقال: ما قلت يا أبا عبد الله؟ فقال: ما سمعته وإنه لكائن! قال: فحدثني من سمع المنصور أنه قال: انصرفت من وقتي فهيأت أمري ، فكان كما قال). وإثبات الهداة:3/112 ، عن إعلام الورى ، والبحار:47/276 ، عنه وعن الإرشاد .

ملاحظات
1- أورد السيد الخوئي هذا الحديث في ترجمة عبد الله بن الحسن في معجم رجال الحديث:11/170 ، وقال: (قال المفيد قدس سره : وهذا حديث مشهور كالذي قبله لاتختلف العلماء بالآثار في صحتها). وأضاف: والمتحصل أن عبد الله بن الحسن مجروح مذموم ، ولا أقل من أنه لم يثبت وثاقته أو حسنه ، والله العالم ).

2- جعلنا تاريخ هذا المؤتمر سنة126 ، لقول عبدالله بن الحسن في خطبته: (وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم ، فقد قتلوا صاحبهم يعني الوليد بن يزيد فهلمَّ نبايع محمداً ) . ويزيد بن الوليد المعروف بالفاسق قتله سَمِيُّه الوليد بن يزيد المعروف بالناقص (يوم الخميس لليلتين بقيتا من من جمادى الآخرة سنة 126). (الطبري:5/556) .
وبويع ليزيد الناقص وامتنع أهل حمص عن بيعته ، ثم مات أو قتل بعد شهور ، ثم بويع لإبراهيم بن الوليد ، واضطرب أمر بني أمية بينه وبين مروان بن محمد . قال الطبري:5/596: (ثم كان إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان غير أنه لم يتم له أمر.. وكان يسلم عليه جمعة بالخلافة ، وجمعة بالأمرة ، وجمعة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالأمرة)!انتهى. وبعد صراع في بقية تلك السنة غلب مروان بن محمد الملقب بالحمار وبويع له في أوائل سنة127. (تاريخ دمشق:57/327).
ومعنى ذلك أن نشاط الحسنيين بدأ في تلك السنة ، أي بعد ثورة زيد بسبع سنين ! وأن العباسيين مثلهم ، بل كانوا تابعين لهم ومتحمسين لبيعة مهديهم محمد بن عبد الله ، كما هو صريح كلام صالح بن علي بن عبدالله بن عباس ، وابن أخيه المنصور ، أما أبو السفاح والمنصور محمد بن علي فكان يومها في الشام يعيش على سفرة بني أمية التي تصله في مكانه البعيد في الأردن ، وعندما شحت سفرتهم لاضطراب الخلافة احتاج ابناه السفاح والمنصور أن يلتحقا بعبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب الذي ثار في إيران فملك الأهواز وأصفهان في سنة127 ، ووظفهما عنده ، كما تقدم .
وبهذا تسقط أكاذيب كثيرة للعباسيين ، بأنهم بدؤوا دعوتهم قبل ذلك التاريخ وأنهم أرسلوا دعاتهم الى خراسان من زمن عمر بن عبد العزيز !
وستعرف أن أبا مسلم بدأ حركته للعباسيين في أواخر سنة 128 ، في خلافة مروان الحمار ، وأنه أظهر خلافة إبراهيم بن محمد بن علي بن عباس في أواخر سنة132 ، فقبض مروان على إبراهيم وسجنه في حران ، ثم قتله .

3- عقدنا في المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه فصلاً في تحريف البشارة النبوية وادعاء المهدية ، وقلنا إن معاوية ادعى المهدية في مقابل مهدي بني هاشم ، ثم ادعاها موسى بن طلحة بن عبيد الله ، ثم ادعاها عدد من بني هاشم ، ومنهم اثنان إسم كل منهما محمد واسم أبيه عبدالله ، وهما محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ، ثم محمد بن عبد الله المنصور المعروف بالمهدي العباسي ، وحاول أنصار كل منهما أن يطبقوا أحاديث المهدي الموعود على صاحبهم . وكان عبد الله بن الحسن المثنى أبرعهم ! فادعاها أول الأمر لنفسه: (لم يزل عبد الله بن الحسن منذ كان صبياً يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه ويسمى بالمهدي) ! (مقاتل الطالبيين/239). ثم ادعاها لابنه محمد ورباه تربية خاصة وحجبه عن الناس وأشاع حوله الأساطير ! ففي تهذيب الكمال:25/467: (عن ابن أخي الزهري: تجالسنا بالمدينة أنا وعبد الله بن حسن فتذاكرنا المهدي ، فقال عبد الله بن حسن: المهدي من ولد الحسن بن علي . فقلت: يأبى ذاك علماء أهل بيتك فقال عبد الله: المهدي والله من ولد الحسن بن علي ثم من ولدي خاصة). لذلك نرجح أنه هو الذي زاد في حديث البشارة النبوية: إسم أبيه إسم أبي ، مع أن أصله: إسمه إسمي وكنيته كنيتي ، وليس فيه: واسم أبيه إسم أبي !
وقد أقنع عبد الله حلفاءه العباسيين بمهدية ابنه وبايعوه ! فكان المنصور يأخذ بركاب محمد هذا ويقول: (هذا مهدينا أهل البيت) ! (مقاتل الطالبيين/239) .
ثم عندما اختلفوا مع الحسنيين ادعى المنصور المهدية لابنه محمد ، المعروف بالمهدي العباسي ! ووضعوا أحاديث عن ابن عباس وغيره مثل: (منا السفاح والمنصور ، والمهدي يسلمها إلى الدجال) . (العيون لابن قتيبة:1/302).

4- نلاحظ أن الأئمة عليهم السلام تعمدوا في مناسبات عديدة أن يخبروا بني العباس بأنهم سيحكمون ، فقد أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بأن الطفل علي بن عبدالله بن العباس هو أبو الملوك العباسيين! وأخبر الإمام الباقر عليه السلام المنصور بأنه سيحكم وسماه جباراً ! ثم أكد له ذلك الإمام الصادق عليه السلام ، وأخبر أبناء عمه الحسنيين بأنهم لايصلون الى الحكم ، وأن العباسيين سيحكمون ويقتلونهم ! وهو عمل مقصود ، يحقق عدة أهداف لخدمة الإسلام وأمته ، فهو يثبت اختصاص الأئمة صلى الله عليه وآله بعلم بعض المغيبات عليه السلام كرامةً من الله ورسوله صلى الله عليه وآله . ويشجع العباسيين على العمل ضد الأمويين ، كما يشجعهم على الحسنيين !
وكأن الله تعالى لم يشأ أن يحكم الحسنيون الأمة ، لأنهم أسوأ من العباسيين في حسدهم لأئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، فهم يتبنون تجاههم سياسة الإبادة التامة ! فأراد الله عز وجل أن يبعد ضرر حكمهم عن إسم الإمام الحسن عليه السلام ، وعن الأئمة الحسينيين عليهم السلام حتى لايقيسهم الناس بهم ! وكذلك الأمر في حكم الحسينيين غير الأئمة عليهم السلام كما في ثورة زيد وابنه يحيى رحمه الله . وكذلك العلويين كما في ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر . فقد كانت مقومات النجاح متوفرة لهم ولكن الصدفة بل الإرادة الربانية أطاحت بجهودهم !

9- الحسنيون يُقنعون فقهاء البصرة والمدينة بمبايعة مهديهم !

نشط عبد الله بن الحسن المثنى وأولاده في الدعوة الى مهديهم من سنة126 وأقنعوا أكثر علماء عصرهم بذلك ، فبايعه كبار فقهاء البصرة والمدينة من معتزلة وتقليديين مثل عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، وحفص بن سالم ، وابن عجلان ، ومالك بن أنس، وأبي حنيفة وغيرهم ، بعضهم بايعه في زمن بني أمية ، وبعضهم زمن بني العباس ، وأفتوا بوجوب الخروج معه ، وبأن بيعة المسلمين للمنصور باطلة لأنها بيعة إكراه ! ووفى هؤلاء الفقهاء والمتصوفة ببيعتهم لمحمد ولم ينكثوها كما نكثها المنصور وغيره من بني عباس ، وأفتوا بالخروج معه على المنصور بعد ثلاث عشرة سنة من حكم العباسيين !
ففي تاريخ الطبري:6/228و229، أن المنصور قال لمحمد بن عثمان بن خالد الزبيري: (هيه يا عثمان أنت الخارج على أمير المؤمنين والمعين عليه؟! قال: بايعت أنا وأنت رجلاً بمكة ، فوفيت ببيعتي وغدرت بيعتك!... قال: أين المال الذي عندك؟ قال: دفعته إلى أمير المؤمنين رحمه الله ! قال: ومن أمير المؤمنين؟ قال محمد بن عبد الله . قال: أبايعته ؟ قال: نعم كما بايعته ! قال يا ابن اللخناء: قال ذاك من قامت عنه الإماء ! قال: إضرب عنقه . قال فأمر فضربت عنقه).
ويظهر أن واصل بن عطاء رئيس المعتزلة ، وعمرو بن عبيد كبير علماء البصرة قادا حركة بيعة الفقهاء لمهدي الحسنيين ! ففي مقاتل الطالبيين/196، بسنده عن ابن فضالة النحوي قال: ( اجتمع واصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد في بيت عثمان بن عبد الرحمن المخزومي من أهل البصرة ، فتذاكروا الجور فقال عمرو بن عبيد: فمن يقول بهذا الأمر ممن يستوجبه وهو له أهل؟ فقال واصل: يقوم به والله من أصبح خير هذه الأمة: محمد بن عبد الله بن الحسن . فقال عمرو بن عبيد: ما أرى أن نبايع ولا نقوم إلا مع من اختبرناه ، وعرفنا سيرته . فقال له واصل: والله لو لم يكن في محمد بن عبد الله أمر يدل على فضله إلا أن أباه عبد الله بن الحسن ، في سنه وفضله وموضعه قد رآه لهذا الأمر أهلاً ، وقدمه فيه على نفسه ، لكان لذلك يستحق ما نراه له ، فكيف بحال محمد في نفسه وفضله ؟
قال يحيى(بن الحسن الوارد في سند الحديث): وسمعت أبا عبيد الله بن حمزة يحدث قال: خرج جماعة من أهل البصرة من المعتزلة منهم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهما ، حتى أتوا سويقة ، فسألوا عبد الله بن الحسن أن يخرج لهم ابنه محمداً حتى يكلموه ، فضرب لهم عبد الله فسطاطاً ، واجتمع هو ومن شاوره من ثقاته أن يخرج إليهم إبراهيم بن عبد الله . فأخرج إليهم إبراهيم وعليه ريطتان ومعه عكازة حتى أوقفه عليهم ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر محمد بن عبد الله وحاله ، ودعاهم إلى بيعته وعذرهم في التأخر عنه ، فقالوا: اللهم إنا نرضى برجل هذا رسوله فبايعوه وانصرفوا إلى البصرة ).
ملاحظات
1- قوله: ( اجتمع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد في بيت عثمان بن عبد الرحمن المخزومي من أهل البصرة). (عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع القرشي المخزومي حجازي سمع عروة بن الزبير). (الجرح والتعديل:6/157) . فصاحب البيت الذي اجتمعوا فيه من الرواة ، وأبوه كان قاضي البصرة (أخبار القضاة لابن حيان:2/142). وأمه أم كلثوم بنت أبي بكر . (تاريخ دمشق:69/249) .

2- قوله: حتى أتوا سويقة . (موضع قرب المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه).(معجم البلدان:3/286). (فيه مساكن ونخيل للحسنيين).(أعيان الشيعة:6/99).
ومعناه أن وفد فقهاء البصرة وشخصياتها جاؤوا خصيصاً ليروا مهدي الحسنيين فإن اقتنعوا بشخصيته بايعوه ، ويفاجؤك هنا مشهد غير طبيعي هو أن مهدي الحسنيين كان مخفياً حيث غيَّبَه أبوه ، ولما طلبوا منه أن يريهم طلعته البهية ، نصب لهم فسطاطاً وعقد مجلساً ، وأراهم أخاه إبراهيم بزيِّ الصلحاء ! فكلمهم وأعجبهم فبايعوا أخاه ! وعادوا الى البصرة فرحين شاكرين ! ومعناه أن أولئك الفقهاء على مستوى من السذاجة والبله ، أو الحيلة والنفاق !

3- لا يبعد أن يكون وقت هذه الحادثة سنة126 سنة قتل يزيد بن الوليد ، وصراع بني أمية على الخلافة ، فقد قتل يزيد يزيداً وسط السنة ، والمرجح أن تكون الحادثة الثانية التي اجتمع فيها هؤلاء الفقهاء في مكة بالإمام الصادق عليه السلام في السنة التالية127 ، وفيها بايعوا مهديهم ، وفيها تمت بيعة مروان الحمار .

4- يظهر أن بيعة فقهاء البصرة وشخصياتها لمهدي الحسنيين ، أثمرت شعبية واسعة للحسنيين ، فبعد قتل مهديهم في المدينة سنة145، ذهب أخوه إبراهيم الى البصرة وسيطر عليها بسهولة ، وجند منها خمسين ألف مقاتل ، قصد فيها الكوفة ، ومدحه بشار بن برد وشجعه على المنصور فقال:

إذا بلغ الرّأى المشورة فاستعن برأى نصيحٍ أو نصاحة حازم

وآذن من القربى المقدّم نفسه ولا تشهد الشورى امرءًا غير كاتم
وما خير كفّ أمسك الغلّ أختها وما خير سيف لم يوتّد بقائم
وخل الهوينا للضعيف ولاتكن نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وحارب إذا لم تعط إلا ظلامة شبا الحرب خير من قبول المظالم



(نهاية الإرب:3/6/71 ، بهجة المجالس:لابن عبد البر/212، والأغاني:3/150، ومحاضرات الراغب/16).
5- ذكر المؤرخون عدداً آخر من الفقهاء بايعوا مهدي الحسنيين، قال الذهبي في تاريخه:9/23: (فلما قتل وولي المدينة جعفر بن سليمان ، أتوه بابن عجلان فكلمه كلاماً شديداً وقال: خرجت مع الكذاب ! وأمر بقطع يده ، فلم ينطق إلا أنه حرك شفتيه . فقال من حضر من العلماء: أصلح الله الأمير ، إن ابن عجلان فقيه المدينة وعابدها ، وإنما شبه عليه وظن أنه المهدي الذي جاءت فيه الرواية ، ولم يزالوا يرغبون إليه حتى تركه . ولزم عبيد الله بن عمر ضيعة له واعتزل فيها ، وخرج أخواه عبد الله وأبو بكر مع محمد بن عبد الله ولم يقتلا ، عفا عنهما المنصور . واختفى جعفر الصادق وذهب إلى مال له بالفراغ معتزلاً للفتنة رحمه الله ...
قال سعد بن عبد الحميد بن جعفر: أخبرني غير واحد أن مالكاً استفتيَ في الخروج مع محمد وقيل له: إن في أعناقنا بيعة للمنصور ، فقال: إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين ! فأسرع الناس إلى محمد ، ولزم مالك بيته ).

وفي الطبري:6/188: (مالك بن أنس استفتيَ في الخروج مع محمد وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر ، فقال: إنما بايعتم مكرهين ، وليس على كل مكره يمين . فأسرع الناس إلى محمد ، ولزم مالك بيته ).
وفي الطبري:6/211: (أتيَ بابن هرمز إلى عيسى بعدما قتل محمد فقال: أيها الشيخ أما وزعك فقهك عن الخروج مع من خرج ! قال: كانت فتنة شملت الناس فشملتنا فيهم ! قال: إذهب راشداً ... سمعت مالك بن أنس يقول كنت آتي ابن هرمز فيأمر الجارية فتغلق الباب وترخى الستر ، ثم يذكر أول هذه الأمة ثم يبكى حتى تخضل لحيته. قال: ثم خرج مع محمد فقيل له: والله ما فيك شئ ! قال قد علمت ولكن يراني جاهل فيقتدى بي) . راجع:الطبري:6/226.
وفي الطبري:6/226: (وخرج معه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة... وخرج معه عبد الواحد بن أبي عون... وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وعبد الحميد بن جعفر ، وعبد الله بن عطاء بن يعقوب وبنوه... وعبد الله وعطاء ويعقوب وعثمان وعبد العزيز بنو عبد الله بن عطاء . قال أبو جعفر لعيسى بن موسى: من استنصر مع محمد؟ قال: آل الزبير. قال ومَن؟ قال: وآل عمر . قال: أما والله لعن غير مودة بهما له ولا محبة له ولا لأهل بيته).

أقول: ترجع أسباب مبايعة الفقهاء والشخصيات لمهدي الحسنيين ، الى تنامي وعي الأمة لأمجاد علي والحسن والحسين عليهم السلام وأبنائهم الأئمة عليهم السلام ، وثقتهم بأنهم يعملون لتحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان ، والى الموجة التي أحدثتها جهود الإمام الباقر والصادق عليه السلام وثورة زيد رحمه الله . كما ترجع الى ويلات المسلمين من بني أمية ، وسوء ظنهم بالعباسيين ، وشعورهم بأن سياستهم نفس سياسة بني أمية !
وقد تقدم موقف الإمام الصادق عليه السلام وتكذيبه عبدالله بن الحسن وابنه في ادعاء المهدية ، وقد أخبر عليه السلام بأنه سيقتل هو وأخوه ! ففي رجال الطوسي:2/473: ( عن أبي غيلان قال: أتيت الفضيل بن يسار فأخبرته أن محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن قد خرجا ، فقال لي: ليس أمرهما بشئ قال: فصنعت ذلك مراراً ، كل ذلك يرد علي مثل هذا الرد . قال قلت: رحمك الله قد أتيتك غير مرة أخبرك فتقول ليس أمرهما بشئ ، أفبرأيك تقول هذا ؟ قال فقال: لا والله ، ولكن سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن خرجا قتلا ). وفي تاريخ الطبري:6/223: (حدثتني أمي أم حسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن حسين قالت: قلت لعمي جعفر بن محمد: إني فديتك ، ما أمر محمد بن عبد الله ؟ قال: فتنة يقتل فيها محمد عند بيت رومي ، ويقتل أخوه لأبيه وأمه بالعراق وحوافر فرسه في ماء). انتهى.

وممن اقتدى بالإمام الصادق عليه السلام سليمان بن الأعمش رحمه الله ولذلك نجا من فخ المنصور ، حيث زوَّرَ له كتاباً: (على لسان محمد يدعوه إلى نصرته ، فلما قرأه قال: قد خبرناكم يا بني هاشم فإذا أنتم تحبون الثريد ، فلما رجع الرسول إلى أبي جعفر(المنصور) فأخبره ، قال: أشهد أن هذا كلام الأعمش). (الطبري:6/203).

10- فقهاء البصرة يحاولون إقناع الإمام الصادق عليه السلام برأيهم

يظهر أن الحسنيين دفعوا هؤلاء الفقهاء ليقنعوا الإمام الصادق عليه السلام بالإنضمام اليهم ، فناقشهم الإمام عليه السلام وأثبت لهم أن مشروع الحسنيين لايختلف عن مشروع بني أمية ! لأنه لايقوم على حكم الأمة بالعلم والفقه ، بل بالجبر والظن والهوى !
روى في الكافي:5/23، والتهذيب:6/148، بسند صحيح عن عبد الكريم بن عتبة ، قال: (كنت قاعداً عند أبي عبد الله عليه السلام بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة ، فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة ، وناس من رؤسائهم ، وذلك حدثان قتل الوليد واختلاف أهل الشام بينهم ، فتكلموا وأكثروا ، وخطبوا فأطالوا ، فقال لهم أبو عبد الله عليه السلام : إنكم قد أكثرتم عليَّ فأسندوا أمركم إلى رجل منكم وليتكلم بحججكم ويوجز ، فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد ، فتكلم فأبلغ وأطال ، فكان فيما قال أن قال: قد قتل أهل الشام خليفتهم ، وضرب الله عز وجل بعضهم ببعض وشتت الله أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاً له دين وعقل ومروة ، وموضع ومعدن للخلافة ، وهو محمد بن عبد الله بن الحسن ، فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ، ثم نظهر معه ، فمن كان بايعنا فهو منا وكنا منه ، ومن اعتزلنا كففنا عنه ، ومن نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه ورده إلى الحق وأهله . وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخل معنا ، فإنه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك وكثرة شيعتك .
فلما فرغ قال أبو عبد الله عليه السلام : أكلكم على مثل ما قال عمرو ؟ قالوا: نعم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: إنما نسخط إذا عصي الله ، فأما إذا أطيع رضينا . أخبرني يا عمرو لو أن الأمة قلدتك أمرها وولتك بغير قتال ولا مؤونة ، وقيل لك ولِّها من شئت ، من كنت توليها ؟ قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين. قال: بين المسلمين كلهم؟ قال: نعم ، قال: بين فقهائهم وخيارهم ؟ قال: نعم ، قال: قريش وغيرهم؟ قال: نعم ، قال: والعرب والعجم ؟ قال: نعم ، قال: أخبرني يا عمرو أتتولى أبا بكر وعمر أو تتبرأ منهما ؟ قال: أتولاهما ، فقال: فقد خالفتهما ! ما تقولون أنتم تتولونهما أو تتبرؤون منهما ، قالوا: نتولاهما . قال: يا عمرو إن كنت رجلاً تتبرأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف عليهما ، وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما ! قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور فيه أحداً ، ثم ردها أبو بكر عليه ولم يشاور فيه أحداً ! ثم جعلها عمر شورى بين ستة وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار ، غير أولئك الستة من قريش ! وأوصى فيهم شيئاً لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك ، إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين ! قال: وما صنع؟ قال: أمر صهيباً أن يصلي بالناس ثلاثة أيام ، وأن يشاور أولئك الستة ليس معهم أحد ، وابن عمر يشاورونه وليس له من الأمر شئ وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا أو يبايعوا رجلاً أن يضربوا أعناق أولئك الستة جميعاً ! فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضربوا أعناق الإثنين !
أفترضون بهذا أنتم فيما تجعلون من الشورى في جماعة من المسلمين ؟
قالوا: لا . ثم قال: يا عمرو ، دع ذا ، أرأيت لو بايعت صاحبك الذي تدعوني إلى بيعته ثم اجتمعت لكم الأمة فلم يختلف عليكم رجلان فيها ، فأفضتم إلى المشركين الذين لا يسلمون ولا يؤدون الجزية ، أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في المشركين في حروبه ؟
قال: نعم ، قال: فتصنع ماذا؟ قال: ندعوهم إلى الإسلام فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية . قال: وإن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب؟ قال: سواء ، قال: وإن كانوا مشركي العرب وعبدة الأوثان؟ قال: سواء ، قال: أخبرني عن القرآن تقرؤه ؟ قال: نعم ، قال: إقرأ: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ . فاستثناء الله عز وجل واشتراطه من الذين أوتوا الكتاب فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال: نعم ، قال عمن أخذت ذا؟ قال: سمعت الناس يقولون. قال: فدع ذا ، فإن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة؟ قال:أخرج الخمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه. قال: أخبرني عن الخمس من تعطيه؟ قال: حيثما سمى الله ، قال فقرأ: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَئٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.. قال: الذي للرسول من تعطيه؟ ومن ذو القربى قال: قد اختلف فيه الفقهاء فقال بعضهم: قرابة النبي (ص) وأهل بيته ، وقال بعضهم: الخليفة ، وقال بعضهم: قرابة الذين قاتلوا عليه من المسلمين ، قال: فأي ذلك تقول أنت؟ قال: لا أدري ، قال: فأراك لا تدري فدع ذا . ثم قال: أرأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟ قال: نعم ، قال: فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله في سيرته ، بيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم فأسألهم فإنهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا ، على أنه إن دهمه من عدوه دهمٌ أن يستنفرهم فيقاتل بهم ، وليس لهم في الغنيمة نصيب ، وأنت تقول بين جميعهم ! فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله في كل ما قلت في سيرته في المشركين ! ومع هذا ما تقول في الصدقة ؟ فقرأ عليه الآية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . قال: نعم ، فكيف تقسمها؟ قال: أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء من الثمانية جزءاً ، قال: وإن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف منهم رجلاً واحداً أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف ؟ قال: نعم ، قال: وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء ؟ قال: نعم ، قال: فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله في كل ما قلت في سيرته ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ولا يقسمه بينهم بالسوية ، وإنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى ، وليس عليه في ذلك شئ موقت موظف ، وإنما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضره منهم، فإن كان في نفسك مما قلت شئ فالق فقهاء أهل المدينة، فإنهم لا يختلفون في أن رسول الله صلى الله عليه وآله كذا كان يصنع .
ثم أقبل على عمرو بن عبيد فقال له: إتق الله ، وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله ، فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله أن رسول الله قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه ، فهو ضَالٌّ متكلف) .


ملاحظات
1- طرح عليهم الإمام عليه السلام في احتجاجه أنهم وغيرهم لايملكون آلية لانتخاب خليفة ، وأنهم لاعلم لهم بفقه الإسلام ليحكموا المسلمين به . وهما دليلان على ضرورة وجود الإمام المعصوم والعصمة أمر خفي يعلمه الله تعالى ولا يعلمه البشر: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ.. كما أن الحاكم يحتاج الى علم بالكتاب وغيره ، وهو علم يورثه الله للأئمة المختارين من عترة نبيه صلى الله عليه وآله فقط: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا .
2- أثبت الإمام عليه السلام لفقهاء البصرة أنهم لاعلم لهم بالأحكام الشرعية في مسائل مالية محسوسة كتوزيع غنائم الحرب والجزية والصدقات ، فكيف بغيرها ! وإذا كانوا هم فقهاء الأمة لايعرفون فكيف بمن سيبايعونه وهو أقل علماً منهم ؟!
3- وخلص الإمام عليه السلام الى وضع عقبة أمام كل طامح للحكم من المسلمين ، وهي شرط الأعلمية في قائد الحركة والدولة ! وإذا اعترف المسلمون بهذا القانون فسيصلون الى أهل البيت عليهم السلام ، الذين هم أعلم الأمة !
4- ألفت الإمام عليه السلام فقهاء البصرة الى شورى عمر المزعومة ، وتناقضه مع أبي بكر ، كما ألفت الى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد الحكام عنها ، بل عدم فهمهم لها .
ومما يتصل بالموضوع قول الإمام الصادق عليه السلام : ( إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير) ! (الكافي:5/24) .
ومما يتصل به قول مهدي العباسيين المتقدم للإمام الصادق عليه السلام يوماً: (والله إني لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك ! فقال: أما ما قلت إنك أعلم مني ، فقد أعتق جدي وجدك ألف نسمة من كد يده فسمهم لي ، وإن أحببت أن أسميهم لك إلى آدم ، فعلت ) ! (المناقب:3/355).

11- لم يستفد الحسنيون من القاعدة الزيدية وضيعوا فرصاً ذهبية

نلاحظ في تاريخ حركة الحسنيين (بقطع النظر عن رأينا بأن هدفهم دنيوي) أنهم كانت تنقصهم المبادرة وسرعة الإقدام ، وكأن الله شاء أن لايحكموا ! فتراهم لم يشاركوا مع زيد رحمه الله في ثورته ، مع أن عبدالله بن الحسن كان شخصية بارزة ، لكن اكتفى بادعاء المهدية لابنه بعد حركة زيد رحمه الله (تاريخ الدولة العباسية/384).
ثم أوصى لهم يحيى بن زيد رحمه الله فقال للمتوكل بن هارون عن نسخة الصحيفة: ( فهي أمانة لي عندك حتى توصلها إلى ابني عمي محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام فإنهما القائمان في هذا الأمر بعدي).
لكنهم لم يقوموا بعد شهادته رحمه الله بنشاط مهم ، واكتفوا بأخذ البيعة لمهديهم سنة127 ، وبنشاطهم في البصرة مع الفقهاء الذين بايعوا مهديهم .
كانت نظرة عبد الله بن الحسن لأهل الكوفة سيئة ، قال: ( أهل الكوفة نفخ في العلانية ، خَوَرٌ في السريرة ، هرجٌ في الرخاء ، جزعٌ في اللقاء ، تتقدمهم ألسنتهم ولا تشايعهم قلوبهم ، ولقد تواترت إلي كتبهم بدعوتهم فصممت عن ندائهم ، وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم ، يأساً منهم واطراحاً لهم ، وما لهم مثل إلا كما قال علي بن أبي طالب: إن أهملتم خضتم ، وإن حوربتم خرتم ، وإن اجتمع الناس على إمامة طعنتم ، وإن أجبتم إلى مشقة نكصتم). (كامل ابن الأثير:5/235) .
لكن لا عذر لعبد الله في عدم التحرك في إيران لجمع أنصار يحيى رحمه الله ومواصلة حركته بعد أن أوصى لهم ، خاصة بعد أن رفع أبو مسلم الخراساني شعار الثأر بدم يحيى وأمر بالبكاء عليه !
ومع ذلك صب عبدالله حتى حج إبراهيم بن محمد ومعه قحطبة سنة129 ، واقترح أن يرسل ولده محمداً ليبايعوا له في خراسان ! (حج (إبراهيم) في سنة تسع وعشرين ومئة وحج معه قحطبة ، فلقيه عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بمكة فاستسلفه مالاً، وقد بلغه أن قحطبة قدم عليه بمال من خراسان ، فقال له إبراهيم: كم تريد؟ قال: أريد أربعة آلاف دينار ، فقال إبراهيم: والله ما هي عندي ولكن هذه ألف دينار فخذها صلة ، وأمر عروة مولاه بحملها إليه . وانصرفوا صادرين من حجهم وقد سقط إلى عبد الله بن الحسن وضحٌ من أمر إبراهيم ، فلما صاروا إلى المدينة اتخذ عبد الله بن الحسن طعاماً فدعا أهل بيته ، ودعا إبراهيم ومن كان معه فلما طعموا قال عبد الله لإبراهيم ، وليس معهما إلا رجلان من مشايخهم: إنه قد بلغنا أن أهل خراسان قد تحركوا لدعوتنا ، فلو نظرنا في ذلك فاخترنا منا من يقوم بالأمر فيهم ، فقال إبراهيم: نجمع مشايخنا فننظر فلن نخرج مما اتفقوا عليه . وافترقا على ذلك ، وجمع أهله وأهل بيته وبعث إلى إبراهيم ومعه يومئذ داود بن علي ويحيى بن محمد ، فلما أتوه قدم إليهم الطعام فلما فرغوا من طعامهم قال عبد الله: إنه قد انتهى إلي تشمير أهل المشرق في الدعاء إلى آل محمد فانظروا في ذلك واتفقوا على رجل يقوم بالأمر فتأتيهم رسله . فقال بعضهم: أنت أسن أهل بيتك فقل ، فقال: نعم ، محمد ابني فقد أملته الشيعة وهو في فضله ونعمة الله عليه ، فوصفه بالفضل فأسكت القوم . فقال إبراهيم: سبحان الله يا أبا محمد ، تدع مشايخنا وذوي الأسنان منا وتدعونا إلى فتى كبعضنا ! لو دعوتنا إلى نفسك أو إلى بعض من ترى . ما هاهنا أحد من ذوي الأسنان يرضى بهذا في نفسه وإن أعطاك الرضا في علانيته ! قال من حضر منهم: صدق وبرَّ ، فأيقن(إبراهيم) بأن قد وطأ الأمر لنفسه . وانصرف إبراهيم إلى منزله من السراة). (تاريخ الدولة العباسية/387).
فلماذا لم يبادر عبد الله ويرسل أحداً الى خراسان الى جنب أبي مسلم ، أو موازياً له ؟ لعل سببه أنه يعرف أن هوى أبي مسلم مع أولاد العباس ، وأنه يخاف أن يُغضب الخليفة مروان ، فقد كان يحتفظ معه بعلاقة حسنة: ( قال مروان بن محمد لعبد الله بن الحسن: إئتني بابنك محمد . قال: وما تصنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: لا شئ ، إلا أنه إن أتانا أكرمناه وإن قاتلناه ، وإن بعد عنا لم نهجه... عن المغبرة بن زميل العنبري أن مروان بن محمد قال له: ما فعل مهديكم؟ قال: لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين فليس كما يبلغك. فقال: بلى ، ولكن يصلحه الله ويرشده). (مقاتل الطالبيين/175) .
ومعناه أن مرواناً كان يعلم بمشروع الحسنيين ، وقد قرر أن لايهيجهم قبل أن يظهروا حركتهم ! ولذا اتهمهم العباسيون بأنهم حركوا الخليفة ضد إبراهيم (الإمام) وأنهم السبب في سجنه وقتله ، فزعموا أن عبدالله كتب له: ( إنك تظن يا أمير المؤمنين أن أحداً لا ينازعكم ملككم غير بني أبي طالب ، هذا إبراهيم بن محمد في جوارك بالشام قد زحفت إليك شيعته من خراسان . فقال إبراهيم: كذب عبد الله بن الحسن يا أمير المؤمنين ! أفلا ينصح لك في محمد ابنه الذي يزعم أنه مهدي هذه الأمة ، وهو مستخف منك ومن الوليد بن يزيد ومن هشام بن عبد الملك تربصه للخلافة ). (تاريخ الدولة العباسية/394).
ثم زعم العباسيون أن مرواناً أحضر عبد الله الى حران ، فدافع عن نفسه بأنه ليس عنده حركة بل الحركة في خراسان تأخذ البيعة لإبراهيم ! ( فقال له عبد الله بن الحسن: وما أنا وهذا ، وصاحب أمرهم إبراهيم بن محمد وهو المتحرك لها ، وكان أبوه من قبله على مثل رأيه فشأنك به ! فحلفه على براءته مما ظن به فحلف له ، ولما حلف له أخذ بيعته وخلى عنه). (تاريخ الدولة العباسية/394) . ولا نعلم صدق هذه التهمة ، لكن المؤكد أن الحسنيين فوَّتوا فرصاً كثيرة ، وآخرها أن القائد بن هبيرة الذي كان معه عشرون ألف مقاتل وكان مرابطاً في واسط ولم يستطع أبو مسلم الخراساني والسفاح الإنتصار عليه طوال سنة: (بعث ابن هبيرة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بأن يبايع له ، فأبطأ عنه جوابه) . (ابن خلدون:3/175) .
أما العباسيون فلم يفوتوا الفرصة ، فاعتمدوا على الإيرانيين الذين ركزوا اهتمامهم على خراسان، ووثقوا علاقتهم مع كبيرهم بكير بن ماهان ، الذي أرسل فتاه أبا مسلم وكان ابن تسع عشرة سنة ، فلم يقبله المعارضون ، ثم عاود إرساله في السنة التالية129، وأمره أن يبايع للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله ، بدون تسمية أحد فأخذ يسجل نجاحاته ، كما يأتي !


12- رسالة أبو سلمة الخلال الى الإمام عليه السلام وبقية العلويين

من المؤكد فيما يسمى الثورة العباسية أو الحسنية ، أنها كانت إيرانية بقيادة الفرس ، وأنهم قدموها الى العباسيين الذين لم يتعبوا فيها ، ولم يقاتلوا إلا بعد أن بايعهم القادة الفرس بالخلافة ، وظهر النصر على الخليفة الأموي المكسور !
أما صُنَّاع الثورة فهم ثلاث شخصيات: بكير بن ماهان وهو المؤسس والمنظر والقائد حتى أن مات في أواخر سنة127. (كامل ابن الأثير:5/339) . وبعده أبو مسلم الخراساني غلام بكير ، الذي قاد الثورة وأجاد العمل سياسياً وعسكرياً واستفاد من الخلاف المضري اليمني ، واستولى على إيران قرية قرية ، أو مدينة ومدينة ، أو منطقة منطقة ، من أقصى خراسان الى الأهواز وحلوان ، الى داخل العراق .
وبعده أبو سلمة الخلال الذي استخلفه بكير بن ماهان رئيساً للحركة في الكوفة فقاد الثورة وهو مختف في الكوفة حى حرر الكوفة من بني أمية وأنصارهم .
وقد سجل التاريخ لأبي سلمة حركة غريبة عندما أكمل أبو مسلم تحرير إيران ووصلت قواته الى الكوفة ، ولم يبق إلا معركة واسط المحاصرة ، ومعركة الموصل مع الخليفة الأموي المكسور ، ووصل العباسيون الى الكوفة من الشام والحجاز ، وفيهم أولاد محمد بن علي ، وهم السفاح والمنصور ، وقد كان أبو مسلم أعلن أخاهم إبراهيم خليفة فسجنه مروان في حران وقتله .
وحركته الغريبة أنه قام بحبس بني العباس في الكوفة أربعين يوماً أو شهرين بحجة كتمان أمرهم حتى يتهيأ الجو السياسي ، بل رووا أنه أهانهم ولم يعطهم أجرة الجمال الذي حملهم الى الكوفة ! ثم كتب رسائل الى ثلاثة من العلويين هم الإمام الصادق عليه السلام وعبدالله بن الحسن وعمر بن علي ، يقول إنا دعونا الناس الى الرضا من آل محمد ولم نسم شخصاً ، ويعرض عليهم أن يأخذ لهم البيعة !
وأوصى الرسول أن يبدأ بالإمام الصادق عليه السلام فإن أجابه فلا يوصل الرسالتين الى عبد الله وعمر ! لكن أبا الجهم مولى باهلة وهو قائد صغير عند أبي مسلم عرف بالأمر فحرك بعض القادة ضد أبي سلمة ، فاعتذر أبو سلمة بأنه كان يحكم الأمر للعباسيين ! قال في عمدة الطالب/101: ( ولما قدم أبو العباس السفاح وأهله سراً على أبي سلمة الخلال الكوفة ، ستر أمرهم وعزم أن يجعلها شورى بين ولد علي والعباس حتى يختاروا هم من أرادوا ، ثم قال: أخاف أن لا يتفقوا ، فعزم على أن يعدل بالأمر إلى ولد علي من الحسن والحسين ، فكتب إلى ثلاثة نفر منهم: جعفر بن محمد علي بن الحسين ، وعمر بن علي بن الحسين ، وعبد الله بن الحسن ، ووجه بالكتب مع رجل من مواليهم من ساكني الكوفة ، فبدأ بجعفر بن محمد فلقيه ليلاً وأعلمه أنه رسول أبي سلمة وأن معه كتاباً إليه منه ، فقال: وما أنا وأبو سلمة وهو شيعة لغيري؟ فقال الرسول: تقرأ الكتاب وتجيب عليه بما رأيت . فقال جعفر لخادمه: قدم مني السراج ، فقدمه فوضع عليه كتاب أبي سلمة فأحرقه فقال: ألا تجيبه؟ فقال: قد رأيت الجواب !
فخرج من عنده وأتى عبد الله بن الحسن بن الحسن فقبل كتابه ، وركب إلى جعفر بن محمد فقال له: أي أمر جاء بك يا أبا محمد ، لو أعلمتني لجئتك؟
فقال: أمر يجلُّ عن الوصف ! قال: وما هو يا أبا محمد ؟ قال: هذا كتاب أبي سلمة يدعوني لأمر يجل عن الوصف! قال: وما هو يا أبا محمد ؟ قال: هذا كتاب أبي سلمة يدعوني لأمر ويراني أحق الناس به وقد جاءته شيعتنا من خراسان !
فقال له جعفر الصادق عليه السلام : ومتى صاروا شيعتك؟ أأنت وجهت أبا سلمة إلى خراسان وأمرته بلبس السواد ؟ هل تعرف أحداً منهم باسمه ونسبه؟ كيف يكونون من شيعتك وأنت لا تعرفهم ولا يعرفونك؟
فقال: عبد الله إن كان هذا الكلام منك لشئ ! فقال جعفر عليه السلام : قد علم الله أني أوجب على نفسي النصح لكل مسلم فكيف أدخره عنك ، فلا تُمنينَّ نفسك الأباطيل ، فإن هذه الدولة ستتم لهؤلاء القوم ولا تتم لأحد من آل أبي طالب ، وقد جاءني مثل ما جاءك ! فانصرف غير راض بما قاله . وأما عمر بن علي بن الحسين فرد الكتاب وقال: ما أعرف كاتبه فأجيبه ). انتهى.
يدل هذا النص ونصوص مشابهة على أن أبا سلمة الخلال أراد أن يغير مسار الخلافة من بني العباس الى بني علي عليه السلام ، ولم يكن عمله بدافع عقائدي لشهادة الإمام الصادق عليه السلام بأنه شيعة لغيره ! بل بحسابات سياسية لمصلحة الإيرانيين كما تدل عليه شخصيته المقربة من مؤسس الثورة بكير بن ماهان ، فهو يعبر عن أفكاره أكثر من غلامه أبي مسلم ، وقائده قحطبة وأولاد قحطبة !
وترى من النص أن عبدالله بن الحسن اهتز فرحاً بأمل كاذب ضلله به أبو سلمة فنصحه الإمام الصادق عليه السلام فأساء به الظن كعادته ، وأرسل الى أبي سلمة أن يبايع لابنه محمد ! لكن حركة ابن قحطبة أحبطت خطة أبي سلمة وفرضت السفاح.

13- بيعة الإيرانيين للسفاح وطلبه حضور الحسنيين للبيعة

من أدق التعابير عن إنتاج الخلافة العباسية ، قول ابن حبان في الثقات:2/323: (وولى أبو مسلم أبا العباس ، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وذلك يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة... وهو أول عباسي تولى الخلافة ). انتهى.
وأخذت الشخصيات ووجهاء القبائل تتوافد من الحجاز والعراق لبيعة للسفاح في عاصمته الأنبار ، وفي تاريخ اليعقوبي:2/359: (وقدم عبد الله بن الحسن بن الحسن على أبي العباس ، ومعه أخوه الحسن بن الحسن بن الحسن ، فأكرمه أبو العباس وبرَّه وآثره ووصله الصلات الكثيرة . ثم بلغه عن محمد بن عبد الله أمر كرهه فذكر ذلك لعبد الله بن الحسن ، فقال: يا أمير المؤمنين ما عليك من محمد شئ تكرهه. وقال له الحسن بن الحسن أخو عبد الله بن الحسن: يا أمير المؤمنين أتتكلم بلسان الثقة والقرابة أم على جهة الرهبة للملك والهيبة للخلافة ؟ فقال: بل بلسان القرابة . فقال: أرأيت ، يا أمير المؤمنين ، إن كان الله قضى لمحمد أن يلي هذا الأمر ، ثم أجلبت وأهل السماوات والأرض معك أكنت دافعاً عنه؟ قال: لا ! قال: فإن كان لم يقض ذلك لمحمد ثم أجلب محمد ، وأهل السماوات والأرض معه أيضرك محمد ؟ قال: لا والله ! ولا القول إلا ما قلت ! قال: فلم تنغص هذا الشيخ نعمتك عليه ومعروفك عنده ؟ قال: لا تسمعني ذاكراً له بعد اليوم . وبلغ أبا العباس أن محمد بن عبد الله قد تحرك بالمدينة ، فكتب إلى عبد الله بن الحسن في ذلك وكتب في الكتاب:

أريد حياته ، ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
فكتب إليه عبد الله بن الحسن:
وكيف يريد ذاك ، وأنت منه بمنزلة النياط من الفؤاد
وطفئ أمر محمد في خلافة أبي العباس ، فلم يظهر منه شئ وكان متى بلغ أبا العباس عنه شئ ذكر ذلك لعبد الله فيقول: يا أمير المؤمنين ! إنا نحميها بكل قذاة يخل ناظرك منها ، فيقول: بك أثق ، وعلى الله أتوكل. وكان أبو العباس كريماً حليماً جواداً ، وصولاً لذوي أرحامه). وبعضه تاريخ بغداد:9/438 .

14- جعل المنصور هدفه الأول القبض على مهدي الحسنيين


( لما استخلف أبو جعفر(المنصور) لم تكن له همة إلا طلب محمد والمسألة عنه وما يريد ، فدعا بني هاشم رجلاً رجلاً كلهم يُخْليه(يُفرده) فيسألهم عنه ، فيقولون يا أمير المؤمنين قد علم أنك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل اليوم ، فهو يخافك على نفسه ، وهو لا يريد لك خلافاً ولا يحب لك معصية وما أشبه هذه المقالة ، إلا حسن بن زيد فإنه أخبره خبره وقال والله ما آمن وثوبه عليك...
وقد ذكر أن محمداً كان يذكر أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر بني مروان ، مع سائر المعتزلة الذين كانوا معهم هنالك). (الطبري في تاريخه:6/155، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين/143، والذهبي في تاريخه:9/15).

وقد وصف الطبري وغيره بحث المنصور عن مهدي الحسنيين ، فقال:6/157: (اشترى أبو جعفر رقيقاً من رقيق الأعراب ، ثم أعطى الرجل منهم البعير والرجل البعيرين والرجل الذوْد (عدة أباعر) وفرقهم في طلب محمد في ظهر المدينة ، فكان الرجل منهم يرد الماء كالمار وكالضال فيفرون عنه... قدم محمد البصرة مختفياً في أربعين فأتوا عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له عبد الرحمن: أهلكتني وشهرتني ، فانزل عندي وفرق أصحابك فأبى! فقال: ليس لك عندي منزل ، فنزل في بنى راسب...
قدم محمد فنزل على عبد الله بن شيبان أحد بني مرة بن عبيد فأقام ستة أيام ثم خرج فبلغ أبا جعفر مقدمه البصرة ، فأقبل مغذاً حتى نزل الجسر الأكبر... وكان محمد قد خرج قبل مقدم أبي جعفر...
وقد وصف زياد والي المدينة مجئ المنصور الى المدينة وحيرته وقلقه في أمر مهدي الحسنيين الى حد الهوس: (فأدخلني ووقف خلفي بين البابين فإذا الشمع في نواحي القبة فهي تزهر ، ووصيف قائم في ناحيتها ، وأبو جعفر مُحْتَبٍ بحمائل سيفه على بساط ، ليس تحته وسادة ولا مصلى ، وإذا هو منكس رأسه ينقر بجُرْز في يده ، قال فأخبرني الربيع أنها حاله من حين صلى العتمة إلى تلك الساعة ! قال: فما زلت واقفاً حتى إني لأنتظر نداء الصبح وأجد لذلك فرجاً ، فما يكلمني بكلمة ، ثم رفع رأسه إليَّ فقال: يا ابن الفاعلة أين محمد وإبراهيم؟!
قال: ثم نكس رأسه ونكت أطول مما مضى له ، ثم رفع رأسه الثانية فقال: يا ابن الفاعلة أين محمد وإبراهيم ؟ قتلني الله إن لم أقتلك ! قال: قلت له: أنت نفرتهما عنك ! بعثت رسولا بالمال الذي أمرت بقسمه على بني هاشم فنزل القادسية ثم أخرج سكيناً يحده وقال بعثني أمير المؤمنين لأذبح محمداً وإبراهيم فجاءتهما بذلك الأخبار فهربا ) ! (الطبري:6/162).
(استعمل أبو جعفر على المدينة محمد بن خالد بعد زياد ، وأمره بالجد في طلب محمد وبسط يده في النفقة في طلبه ، فأغذ السير حتى قدم المدينة هلال رجب سنة141 فوجد في بيت المال سبعين ألف دينار وألف ألف درهم فاستغرق ذلك المال ، ورفع في محاسبته أموالاً كثيرة أنفقها في طلب محمد ، فاستبطأه أبو جعفر واتهمه ، فكتب إليه أبو جعفر يأمره بكشف المدينة وأعراضها... وأمر القسري أهل المدينة فلزموا بيوتهم سبعة أيام وطافت رسله والجند ببيوت الناس يكشفونها لا يحسون شيئاً... فلما استبطأه أبو جعفر ورأى ما استغرق من الأموال عزله...
جد أبو جعفر حين حبس عبد الله في طلب ابنيه ، فبعث عيناً له وكتب معه كتاباً على ألسن الشيعة إلى محمد يذكرون طاعتهم ومسارعتهم ، وبعث معه بمال وألطاف فقدم الرجل المدينة... وكان لأبي جعفر كاتب على سره كان متشيعاً فكتب إلى عبد الله بن حسن بأمر ذلك العين وما بعث له...
قال لي السندي مولى أمير المؤمنين: أتدري ما رفع عقبة بن سلم عند أمير المؤمنين؟ قلت: لا ، قال أوفد عمي عمر بن حفص وفداً من السند فيهم عقبة فدخلوا على أبي جعفر ، فلما قضوا حوائجهم نهضوا فاسترد عقبة فأجلسه ثم قال له: من أنت؟ قال: رجل من جند أمير المؤمنين وخدمه صحبت عمر بن حفص . قال: وما اسمك؟ قال عقبة بن سلم بن نافع . قال: ممن أنت؟ قال: من الأزد ، ثم من بنى هناءة . قال: إني لارى لك هيأة وموضعاً وإني لأريدك لأمر أنا به معنيٌّ ، لم أزل أرتاد له رجلاً عسى أن تكونه ، إن كفيتنيه رفعتك ، فقال: أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين فيَّ .. ثم ذكر الطبري كيف وجهه للتجسس على عبدالله بن الحسن وأولاده ، وأنه تقرب منهم فوثقوا به وعرف الوقت الذي وقتوه لخروجهم ). (تاريخ الطبري:6/157

ووضع عليه العيون وكان يداهمه فيفلت منه: (خرج إليه بالخيل والرجال ففزع منه محمد فأحْضَرَ شَدّاً فأفلت وله ابن صغير ولد في خوفه ذلك وكان مع جارية له ، فهوى من الجبل فتقطع) ! وعندما خرج محمد حبس قائد السرية ( فلم يزل محبوساً حتى قتل محمد ) . (تاريخ الطبري:6/169).

وسمع المنصور أن شخصاً إسمه وَبَر المزني رآه فكتب يطلبه: (فحُمل إليه رجل منهم يدعى وبراً فسأله عن قصة محمد وما حكى له العين؟ فخلف أنه ما يعرف من ذلك شيئاَ ، فأمر به فضرب سبعمائة سوط وحبس حتى مات) ! (الطبري:6/162).

وبَصَّر المنصور عليه عند المنجمين ، فكتب الى رياح واليه على المدينة: (إن محمداً ببلاد فيها الأترج والأعناب فاطلبه بها... قال هذه رضوى فطلبه فلم يجده). (الطبري:6/162).

وكان واليه يحضر العلويين ويهددهم ليسلموا محمداً وإبراهيم !( بعث إلينا رياح فأتيته أنا وجعفر بن محمد بن علي بن حسين ، وحسين بن علي بن حسين بن علي ، وعلي بن عمر بن علي بن حسين بن علي ، وحسن بن علي بن حسين بن علي بن حسين بن علي ، ورجال من قريش ، منهم إسماعيل بن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة ، ومعه ابنه خالد ، فإنا لعنده في دار مروان... فوثب ابن مسلم بن عقبة وكان مع رياح فاتكأ على سيفه فقال: أطعني في هؤلاء فاضرب أعناقهم . فقال: علي بن عمر: فكدنا والله تلك الليلة أن نطيح حتى قام حسين بن علي فقال: والله ما ذاك لك إنا على السمع والطاعة).(الطبري:6/184).

وسجلت المصادر إحضار المنصور لعبد الله بن الحسن والإمام الصادق عليه السلام وتهديدهما بالقتل إن لم يحضرا محمداً ! ففي الخرائج:2/635 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (دعاني أبو جعفر الخليفة ومعي عبد الله بن الحسن ، وهو يومئذ نازل بالحيرة قبل أن تبنى بغداد ، يريد قتلنا لا يشك الناس فيه . فلما دخلت عليه دعوت الله بكلام ، وقد قال لابن نهيك وهو القائم على رأسه: إذا ضربت بإحدى يديَّ على الأخرى فلا تناظره حتى تضرب عنقه ! فلما تكلمت بما أريد ، نزع الله من قلب أبي جعفر الخليفة الغيظ . فلما دخلت أجلسني مجلسه وأمر لي بجائزة).
وفي الغارات:2/850: عن ابن عبيد: (رأيت جعفر بن محمد وعبد الله بن الحسن بالغري عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام فأذن عبد الله وأقام الصلاة وصلى مع جعفر ، وسمعت جعفراً يقول: هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام ).
أقول: كان المنصور يعرف جيداً أن الإمام الصادق عليه السلام رفض ادعاء الحسنيين مهدية محمد ، ولكنه وجدها فرصة لقتل الإمام عليه السلام ! وقد تكرر منه ذلك !

وعندما كان المنصور في الحج حبس شخصيات آل الحسن !
( لما حج أبو جعفر في سنة140 ، أتاه عبد الله وحسن ابنا حسن... قال: أين ابنك؟ فقال لا أدري ، قال: لتأتيني به . قال: لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه ! قال: يا ربيع قم به إلى الحبس..). وقال الذهبي في تاريخه:9/15: (فلما طال أمر الأخوين على المنصور أمر رياحاً (واليه على المدينة) بأخذ بني حسن وحبسهم ، فأخذ حسناً وإبراهيم ابني حسن بن حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن بن حسن ، وسليمان وعبد الله ابني داود بن حسن بن حسن ، وأخاه علياً العابد ، ثم قيدهم وجهر على المنبر بسب محمد بن عبد الله وأخيه فسبح الناس وعظموا ما قال ، فقال رياح: ألصق الله بوجوهكم الهوان ! لأكتبن إلى خليفتكم غشكم وقلة نصحكم ! فقالوا: لا سمع منك يا بن المحدودة ! وبادروه يرمونه بالحصى ، فنزل واقتحم دار مروان وأغلق الباب فحف بها الناس فرموه وشتموه ، ثم أنهم كفوا .

ثم نقل الحسنيين من سجن المدينة الى الهاشميات في العراق:( لم يزل بنو حسن محبوسين عند رياح حتى حج أبو جعفر سنة144 فتلقاه رياح بالربذة فرده إلى المدينة ، وأمره بإشخاص بني حسن إليه ). (الطبري:6/173).
(ثم إن آل حسن حملوا في أقيادهم إلى العراق ، ولما نظر إليهم جعفر الصادق وهم يخرج بهم من دار مروان جرت دموعه على لحيته ، ثم قال: والله لا تحفظ لله حرمة بعد هؤلاء ، وأخذ معهم أخوهم من أمهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وهو ابن فاطمة بنت الحسين . وقال الواقدي: أنا رأيت عبد الله بن حسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان ، وهم في الحديد فيجعلون في المحامل عراة ليس تحتهم وطاء ! وأنا يومئذ قد راهقت الإحتلام... وأخذ معهم يومئذ نحو من أربعمائة نفس من جهينة ومزينة وغيرهم ، فأراهم بالربذة ملتفين في الشمس ، وسجنت مع عبد الله بن حسن فوافى المنصور الربذة منصرفاً من الحج فسأل عبد الله بن حسن من المنصور أن يأذن له في الدخول فامتنع..). (تاريخ الذهبي:9/15).
(لما حمل بنو حسن كان محمد وإبراهيم يأتيان معتمين كهيئة الأعراب فيسايران أبا هما ويسائلانه ويستأذناه في الخروج فيقول: لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك ، ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين ). (الطبري:6/175).
(لما قدم بعبد الله بن حسن وأهله مقيدين فأشرف بهم على النجف قال لأهله أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية قال فلقيه ابنا أخي الحسن وعلى مشتملين على سيفين فقالا له قد جئناك يا ابن رسول الله فمرنا بالذي تريد قال قد قضيتما ما عليكما ولن تغنيا في هؤلاء شيئا فانصرفا ). (تاريخ الطبري:6/178).
(حبس من بني حسن ثلاثة عشر رجلاً ، وحبس معهم العثماني وابنان له ، في قصر ابن هبيرة ، وكان في شرقي الكوفة مما يلي بغداد فكان أول من مات منهم إبراهيم بن حسن ، ثم عبد الله بن حسن). (الطبري:6/179).

وقتل المنصور حفيد عثمان بن عفان لأنه كان مع بني الحسن: (دخل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان على أبي جعفر ، وعليه قميص وساج ، وإزار رقيق تحت قميصه ، فلما وقف بين يديه قال: إيهاً يا ديوث ! قال محمد: سبحان الله ، والله لقد عرفتني بغير ذلك صغيراً وكبيراً ! قال: فممَّ حملت ابنتك ، وكانت تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن ، وقد أعطيتني الايمان بالطلاق والعتاق ألا تغشني ولا تمالئ عليَّ عدواً... وأمر بشق ثيابه فشق قميصه عن إزاره فأشف عن عورته ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط فبلغت منه كل مبلغ ، وأبو جعفر يفتري عليه ولا يكني ! فأصاب سوط منها وجهه فقال له: ويحك أكفف عن وجهي فإن له حرمة من رسول الله (ص) قال فأغري أبو جعفر فقال للجلاد: الرأس الرأس ! قال فضرب على رأسه نحواً من ثلاثين سوطاً ، ثم دعا بساجور من خشب شبيه به في طوله وكان طويلاً ، فشد في عنقه وشدت به يده ثم أخرج به ملبباً ، فلما طلع به من حجرة أبي جعفر وثب إليه مولى له فقال: بأبي أنت وأمي ألا ألوثك بردائي ؟ قال: بلى جزيت خيراً ، فوالله لشفوف إزاري أشد عليَّ من الضرب الذي نالني ! فألقى عليه المولى الثوب ومضى به إلى أصحابه المحبسين... فأخرج كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه وأسالت دمه وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت ! ... ثم لبثنا هنيهة فخرج أبو جعفر في شق محمل معادله الربيع في شقه الأيمن على بغلة شقراء فناداه عبد الله: يا أبا جعفر ، والله ما هكذا فعلنا بأسرائكم يوم بدر ! قال: فأخسأه أبو جعفر وتفل عليه ومضى ولم يعرج) ! (الطبري:6/176).
(كتب إليه أبو عون...أن أهل خراسان قد تقاعسوا عني وطال عليهم أمر محمد بن عبد الله ، فأمر أبو جعفر عند ذلك بمحمد بن عبد الله بن عمرو (بن عثمان بن عفان) فضربت عنقه وأرسل برأسه إلى خراسان.. فطافوا في كور خراسان وجعلوا يحلفون بالله أن هذا رأس محمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله !... يوهمون الناس أنه رأس محمد بن عبد الله بن حسن الذي كانوا يجدون خروجه على أبي جعفر في الرواية... فلما قدم به ارتاب أهل خراسان وقالوا: أليس قد قتل مرة وأتينا برأسه؟!). (الطبري:6/179). وفي تاريخ الذهبي:9/273، أنه كان أصغر إخوته من أمه وكانوا: (يرقون عليه ويحبونه ، وكان لا يفارقهم ) .

وقتل المنصور شاباً حسنياً موصوفاً بالجَمَال، فبنى عليه أسطوانة كما يأتي !
وقتل الباقين بأنواع من القتل! ففي مقاتل الطالبيين/153: (مات ميِّت من آل الحسن وهم بالهاشمية محبوسون فأُخرج عبد الله ابن الحسن يرسف في قيوده ليصلي عليه... يعقوب وإسحاق ومحمداً وإبراهيم بني الحسن قتلوا في الحبس بضروب من القتل ، وإن إبراهيم بن الحسن دفن حياً ، وطرح على عبد الله بن الحسن بيت) ! وقال اليعقوبي:2/370 (فلم يزالوا في الحبس حتى ماتوا ، وقد قيل إنهم وجدوا مسمرين في الحيطان). وتقدم تضامن الإمام الصادق عليه السلام معهم رغم عداوتهم له .