لماذا آذى بعض الصحابة أهل البيت عليهم السلام؟ (سياق قصصي)

أدب الحوار

New Member
18 أبريل 2010
126
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا آذى بعض الصحابة أهل البيت عليهم السلام؟
سـيـاق قصـصـي مُـفـتـرَض



كنت مع صديقي نتمشَّى على شاطئ البحر، وكان صديقي سنِّياً، وأنا شيعيٌّ، وقد اتفقنا على أن نحترم بعضنا بعضاً على أساس المشتركات التي تجمع بيننا، وأن نجعل الأمور التي نختلف فيها، مجالاً للحوار الجاد، بعيداً عن إساءة الظن، وبعيداً عن التراشق بالتهم..

طبعاً لم تكن العلاقة منذ البدء بهذا النحو؛ لأنَّ (أهل الخير) لم يقصِّروا في ملء قلبه غيضاً على كلِّ ما هو شيعي، وملء قلبي غيضاً على كلِّ ما هو سُنِّي، فكان كل منَّا ينظر إلى صاحبه نظرة العدو إلى عدوِّه.. وكنا - حينها - ندخل نقاشات هي أشبه بمصارعة الثيران، حيث كان الهدف أن ينجح أحدنا في الإطاحة بصاحبه..!

ولكننا عرفنا بعد مشوار من التفكير وإعادة النظر: أنَّ ما كنَّا فيه لا يليق بنا كمسلمين نزعم أننا أتباع القرآن الكريم الذي جاء فيه:

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125] .

ولا يليق بنا كمنتمين إلى نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان يتحرَّق ألماً على الضالين، وكان ينظر إليهم نظر الأب المشفق على مصير أولاده الذين يسلكون الطريق الخاطئ، حتى إنه - صلى الله عليه وآله وسلم – كان يكاد يضر بنفسه من شدَّة أساه على الضالين، وهذا ما جاء في القرآن الكريم:

(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف: 6] .

فإن كان نبينا الكريم يتألم من أجل الكفَّار، أفيحسن بنا أن نتعامل بعداء مع إخواننا من المسلمين؟

على كلٍّ: اجتزنا بعد معاناة مرحلة الطفولة والمراهقة، وأصبحنا ناضجين في ساحة الحوار..

وتوطَّدت العلاقة بيننا بعد أن فهمنا أنَّ كلَّ واحد منَّا يُحبُّ القيم الدينية والإنسانية، وليس بيننا أحدٌ يملك دليلاً على أنَّه خير من أخيه في هذه المحبة الخالصة، بل نحن فيها على حدٍّ سواء..

ثبت لنا هذا من خلال تجارب عديدة لا يتسع المجال لذكرها هاهنا..

ولنرجع إلى فصل من فصول الحوار التي عشتُها مع صديقي ذلك اليوم على شاطئ البحر.

فبينما نحن نتمشى، بادرني أخي السني بقوله:
هل تأذن لي – أخي – أن أستفهمك عن شيء حول فكرك؟

أجبته معجباً بأخلاقه الحميدة:
نعم؛ تفضَّل، وما أحلى الحوار في هذا المنظر البحري الجميل!

فقال:
أنت تعتقد أنَّ هناك مجموعة من الصحابة قاموا بظلم أهل البيت رضي الله عنهم.. وسؤالي: ما هو الدافع الذي يمكننا افتراضه لهذا العدوان والظلم، مع أنهم جميعاً كانوا مجتمعاً منسجماً من حيث الأهداف والقيم الواحدة؟ إننا يمكن أن نتصوَّر العداء والظلم بين المختلفين في العقيدة، أو المختلفين في المصالح.. ولكن ما هو الدافع الذي يمكن افتراضه للعدوان على أهل البيت من قبل الصحابة رضي الله عنهم؟

انتهى سؤال أخي السنِّي، ولبضع لحظات حاولت أن أستكنهَ خلفية سؤاله، ففهمت أنه يرمي إلى نفي وقوع الظلم من خلال استبعاد وجود دافع؛ ولذا أصبح السؤال عندي ذا أهمية، كما أعجبني هذا النضج في سؤاله.. وطويت مراحل التفكير في لُحيظات، وانطلقتُ باتجاه المناقشة، فقلتُ له:
سؤال جميل يا سيدي الكريم، ولكنني أفهم من سؤالك أنَّك تفترض أنه لا يمكن أن يكون الظلم والعدوان إلاَّ على أساس اختلاف الرؤية العقيدية، أو المصلحة الدنيوية.. أليس كذلك؟

أجابني:
يمكنك أن تقول هذا..

فقلت له:
إذاً قل لي: لماذا اعتدى إخوة يوسف عليه السلام على أخيهم؟

صمت صديقي قليلاً، وكأنه يستحضر أفكاره، ثم قال:
لم أفكِّر في هذا الموضوع من قبل.. هل يمكنك أن تقول لي رأيك؟

قلت له:
من خلال سورة يوسف، يمكننا أن ندرك أن القضية كانت حسداً منهم له؛ لأنهم وجدوا يوسف أحبَّ إلى أبيهم منهم، فقد قال الله تعالى: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف: 8] .

فمقام القُرب والمنزلة التي كانت ليوسف عند أبيه (عليهما السلام) كانت السبب الرئيس في العدوان الذي ارتكبه أولئك الإخوة في حق أخيهم الصغير..

قاطعني صديقي قائلاً:
تقصد أن تقول إنَّ سبب ظلم بعض الصحابة لأهل البيت هو الحسد؟

قلتُ له:
أرجو ألاَّ يزعجك جوابي، لأن الجواب: نعم.

قال لي ببعض الانفعال الذي لم يفلح في كتمانه:
ولماذا يحسدونهم؟

أجبته:
من أجل مقام القُرب الذي نالوه من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال:
تقصد بمقام القُرب: الإمامة والعصمة وغيرها؟

أجبته:
نعم صحيح.

فقال لي:
ولكن كيف نتصوَّر أنَّ مجموعة من المجتمع الإسلامي يمكن أن تحسد أناساً آخرين، وهم يعلمون أنَّ الفضل الذي حصلوا عليه هو من عند الله تعالى؟

أجبته:
لقد حسد اليهود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه على أنَّ النبوة والاصطفاء كانا فيهم، وليس في اليهود، فقال الله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [النساء: 54]

فقال لي صديقي:
ولكن أولئك يهود معادون للإسلام وأهله، وهذا منهم أمرٌ طبيعي، فكيف قست هذا على المسلمين؟

أجبته:
يمكن لناصر اليهود أن يجيب: بأي دافع تتوقع أن يعادي اليهود الإسلام؟ فتقول له: بدافع الحسد. فإذا قال لك: كيف تتوقع أن يحسدوا المسلمين على ما يعلمون أنه فضل من الله اختصهم به، واليهود يؤمنون بالله؟ فبماذا تجيبه؟

إنَّ العداء صدر من اليهود وصدر من بعض المسلمين.

والمعتدَى عليه في الحالتين مُفضَّل من قبل الله تعالى.

والمعتدِي في كلا الحالتين يعلم أنَّ المعتدى عليه قد اصطُفي من قبل الله تعالى.

فالصورتان متطابقتان تماماً، إلا في شيء واحد، وهو أنَّ الظالم لأهل البيت هو من دائرة دين الإسلام، والمعتدي على النبي وأصحابه هو من دائرة الأديان السماوية.

كففتُ عن الكلام لأسمع تعليق صاحبي على هذا الكلام.. ولكنني وجدته غارقاً في التفكير، فنظرت إلى وجهه، فوجدت علامات الحيرة بادية على ملامح وجهه السمح.. ولكنه سرعان ما كسر قارورة الصمت، فقال لي:

لكن كيف يمكنني أن أتصور أنَّ بعض الصحابة حسدوا أهل البيت، وبالتالي ظلموهم، مع أننا نعلم أنهم عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتعلَّموا منه، وتربَّوا على يديه.. ألا يُشكِّل هذا طعناً في جهود النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟

قلتُ له:
لقد كان إخوة يوسف أولى من بعض الصحابة بما تقول؛ لأنهم لم يتربَّوا على يدَي النبي فحسب، بل في بيت النبي، وهم أبناء النبي.. أي نبي الله يعقوب عليه السلام.. ومع ذلك فكَّروا في قتل أخيهم الطفل، ثم قرروا رميه في غيابة الجُب، وخانوا الأمانة التي استأمنهم عليها أبوهم، وكذبوا على أبيهم..

إنَّ فشل بعض الطلاَّب لا يعني بالضرورة أنَّ المقصِّر هو من تولى تربيتهم.. أليس كذلك؟

أحسست أن صديقي يئس من إقناعي، وتعب مني، وقد وجد طريقة ودِّية لإنهاء الحوار حيث قال:

والله أتعبتني يا أخي.. وكلامك صعب القبول به.. ولكنني أعدك أن أفكر فيه..

وانتهى فصلٌ آخر من فصول الحوار..

والحمد لله ربِّ العالمين.