رسالة تنزيه القميين-عمّا نسبه إليهم الشريف المرتضى من الجبر والتشبيه - للشريف الفتوني

مرآة التواريخ

مرآة التواريخ
20 أبريل 2010
379
0
0
تنزيه القمّيين

تأليف
العلامة الشريف أبي الحسن الفتوني العاملي
المتوفى 1138 هـ


تحقيق
كاظم الشيخ محمد تقي الجواهري


[[منشور في مجلة تراثنا – العدد 52]]

--------------------------------------------------------------------------------

(164)


--------------------------------------------------------------------------------

(165)

مقـدّمـة التحقيـق:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على خاتم الاَنبياء والمرسلين محمّـد وآله الاَطيبين الاَطهرين.
رغم أنّ التاريخ الفقهي الشيعي لم يُدوّن بأُسلوب علمي متكامل، ولم يخضع لمنهجية متبلورة الاَركان، ممّا حال دون سبر الغور في أعماقه وخصائصه ـ ذات المضامين الرفيعة والمفاهيم الجليلة ـ بالكيفية الملائمة والطرح المرموق.
إلاّ أنّ هذا لم يقف حائلاً ولم يشكّل عائقاً نحو إمكان تمييز مراتب الرقيّ ومراحل التطوّر التي أصابته منذ عصر ظهور الاِسلام إلى يومنا هذا.
ولقد تنوّعت الآراء واختلفت الاَقوال في تصنيف عوامل تطوّره ونهضته؛ فمن مذهبٍ قائلٍ بإرجاعها إلى أشخاص الفقهاء الاَعاظم، وآخر إلى عناوين خاصّة ـ مثل: مرحلة النشوء، النمو، التكامل... ـ وثالث إلى المدارس والمعاهد، إلى غير ذلك.
ولعلّ المذهب الاَخير أقرب إلى الدرك وأنسب للقبول، لِما فيه من


--------------------------------------------------------------------------------

(166)

العمومية والشمولية للقولين الاَوّليْن.
ولو استقصينا الجدول الزمني والمسيرة التاريخية للفقه الشيعي، لوجدنا أنّ المدارس التي قامت ونشأت في هذه الفترة وتلك، في هذا البلد وذاك، كانت ولا زالت هي المحاور الرئيسية في إكسابه ما وصل إليه من منزلة سامية ومكانة شامخة، فاق بها طرّاً سائر الفرق والمذاهب، من حيث سعة المحتوى وعمق المطالب ومتانة الاستدلال ورفعة الطرح وتنوّع الاَساليب؛ المنصبّة جميعاً في قناة إثبات المُدّعى ونقض المخالف.
ومدرسة قم ـ التي ازدهرت في الربع الاَوّل من القرن الرابع حتّى منتصف القرن الخامس ـ وبعد انتقال حركة التدريس والتأليف إليها من المدينة والكوفة، استطاعت أن تُظهر فاعليةً كبيرةً ودوراً مؤثّراً في تطوير الفقه الاِمامي وإرساء قواعده المتينة وأُطره الرصينة.
ولعلّ من أهمّ العوامل التي ساهمت في منح هذه المدرسة مكانتها المذكورة: هو ولاء قـم ـ ومشهورية انتمائها ـ لمذهب أهل البيت عليهم السلام ؛ حيث كانت ولا زالت تعدّ حصناً من حصون الشيعة المنيعة وثغراً من ثغورها الشامخة؛ والروايات الواردة عن الاَئمّة الاَطهار عليهم السلام في عظم منزلتها وشرفها كثيرة ومعروفة.
كما كانت تعدّ آنذاك الركن الآمن الذي اطمئنّ إليه فقهاء آل البيت عليهم السلام بعد ما لاقوه من شتّى صنوف القسوة والاِرهاب من بني العبّـاس وسوء معاملتهم لهم.
مضافاً إلى ذلك، فقد كانت قم مركزاً فقهيّاً كبيراً، لا سيّما في عهد النوّاب الاَربعة؛ إذ حفلت بالكثير من أعاظم الفقهاء وأجلّتهم، أمثال: الكليني والصدوق ووالده وابن قولويه وابن الجنيد وعلي بن إبراهيم وغيرهم.
وقد ساعد وجود الدولة البويهية حينذاك على نموّ المدرسة الفقهية


--------------------------------------------------------------------------------

(167)

الشيعيـة في قـم والري، لِمـا كانت تمتاز بـه من الـولاء والانقياد لمذهب أهل البيت عليهم السلام .
أمّا أهمّ ملامح مدرسة قم وأبرز خصائصها التي امتازت بها عن أقرانها فيمكن الاِشارة إلى جانبين منها:
الجانب الاَوّل: تدوين الحديث وتبويبه وتجميعه وتنظيمه، وقد تجلّى ذلك في موسوعة الشيخ الصدوق (ت 381 هـ) الحديثية الشهيرة من لا يحضره الفقيه.
الجانب الثاني: فاعلية ونشاط حركة الرسائل الفقهية الجوابية حينذاك، فكانت الاَسئلة ترد على الفقهاء فيكتبون أجوبتها على هيئة رسائل فقهية، وهذا ما كان له أعمق الاَثر في تطوير البحث الفقهي وإنمائه، بالرغم من محدودية هذه الرسائل من حيث عرضها لِما صحّ من الروايات والاَحاديث فقط.
إنّ هذا المختصر الذي استعرضناه عن قم ومدرستها الفقهية ما هو إلاّ زاوية صغيرة توخّينا منها بيان مصداقية من مصاديق الحقيقة الكليّة التي احتضنها التاريخ بكلّ قطع وثبات، حقيقة أنّ قم ومدرستها كانت محوراً أثرى الجبهة الفقهيّة الشيعية بأفضل مؤن التطوّر والازدهار على يد أجلّ الفقهاء والعلماء الكبار.
وبالتأمّل الدقيق في ما أوردناه آنفاً يظهر أنّ ما ذهب إليه السيّـد المرتضى (ت 406 هـ) ـ من وصف القمّيين باستثناء الصدوق بالمجبّرة والمشبّهة، وأنّ يونس بن عبـد الرحمن والفضل بن شاذان كانا يقولان بالقياس ويعملان به ـ ما كان إلاّ لمجرّد التباس الاَمر عليه ـ إن صحّ التعبير ـ


--------------------------------------------------------------------------------

(168)

وليس عناداً منه عليهم.
وإلاّ فماذا يعني كون الكثير الكثير من القميّين من خواصّ الاَئمّة عليهم السلام وأعيان شيعتهم وثقاتهم؛ بالنصّ القطعي الوارد عنهم عليهم السلام ، مضافاً إلى شهادة ذوي الفضل والجلالة من كبار علماء الرجال وأشياخهم، كالنجاشي والكشّـي والعلاّمة وابن داود، المدّونة في أسفارهم ومصنّفاتهم، التي أثبتوا فيها بصريح العبارة: أنّ الكثير من فضلاء الطائفة وجهابذتها كانوا من أهل قـم وأنّهم أهل علم وفقاهة وصحّة حديث، على طبق أمتن المباني الرجالية والقواعد الاستدلالية القطعيّة التي لا تقبل النقض بأيّ حال من الاَحوال، فكانت مورد الاتّفاق والاِجماع.
وهذه الرسالة تنزيـه القمّيّـين قد شيّدها العلاّمة، المحقّق، الرجالي، المدقّق، الثقة الثقة، البحّاثة، الفقيه، أبو الحسن الشريف العاملي النجفي، جدّ شيخنا صاحب الجواهر؛ لبيان حال القمّيّين وردّ ما نسبه إليهم زعيم الطائفة ورئيسها السيّد المرتضى علم الهدى قدس سره .
وقد رتّبها ؛ على مقدّمة وفصلين وخاتمة:
المقدّمة كانت: في بيان أنّ نسبة القميّين إلى المجبّرة والمشبّهة كان منشؤها المخالفين؛ تهمةً منهم للعلماء المكرمين وافتراءً على الاَئمّة المعصومين عليهم السلام ، وأنّ نقلهم ـ أي القميّين ـ الاَخبار المتضمّنة للجبر والتشبيه في كتبهم لا لاَجل اعتقادهم بها وتديّنهم بظواهرها، بل لغرض وصولهم إلى محامل وتأويلات صحيحة لها، أو لتورّعهم عن ردّ خبر منقول عن الاَئمّة عليهم السلام لمجرّد عدم فهم المعنى.
والفصل الاَوّل: في ذكر المعتبرين من أشاعرة قم.
والفصل الثاني: في ذكر المعتبرين من سائر القمّيّـين.
والخاتمة: في ذكر بعض الاَخبار المرويّة عن يونس بن عبـد الرحمن


--------------------------------------------------------------------------------

(169)

والفضل بن شاذان في إبطال القياس وعدم جواز العمل به؛ ردّاً لِما نسبه إليهما السيّـد المرتضى قدس سره من استعمالهما القياس.
سلك المصنّـف فـي رسالتـه الجليلـة هـذه ـ وعلى طول محاورهـا الاَربعة ـ مسلك التحقيق الدقيق والاستدلال القويم، على أساس النصّ الروائـي الجلي، والقرينـة الواضحة، والشاهـد المبين، والمؤيّـد المتين؛ بأرقى القواعد وأوثقهـا، وأرسخ المبانـي وأتمّها، على نحو لا يدع للريبة والشكّ أي مجال.


--------------------------------------------------------------------------------

(170)

ترجمـة المؤلّف

اسمـه: الشريف(1)، كنيتـه: أبو الحسن، وهو ليس من السادة الاَشراف كما قد يتبادر من اسمـه، يوصف في بعض التراجم بالعدل، وعشيرته «آل الفتوني» كثيرون في جبل عامل(2).
اسم أبيه: الشيخ محمّـد طاهر بن عبـد الحميد بن موسى بن علي بن محمّـد بن معتوق بن عبـد الحميد.
وأُمّـه: العلويـة أخت الشريف المير محمّـد صالح بن عبـد الواسع الحسيني الخاتون آبادي، جدّ صاحب الجواهر لاَُمّ والده الشيخ باقر، التي اسمها آمنة بنت فاطمة بنت المولى أبي الحسن الفتوني.
وقيل: إنّ أُمّ الشيخ باقر والد صاحب الجواهر هي بنت الشيخ الفتوني، فيكون الفتوني جـدّ صاحب الجواهر، أو جـدّ والده الشيخ باقر.

ولادتـه:

قال في الذريعة: كانت ولادته بأصفهان؛ لاَنّ والده تزوّج في ـ أوان إقامته بأصفهان ـ السيّـدة أُخت الاَمير محمّـد صالح الخاتون آبادي، فرزق منها الشريف، وكان يسكن محلّة «درب إمام» بأصبهان، ولذا يقال له الشريف الاِمام، ولم نعثر على تاريخ ولادته معيّناً، ولعلّها كانت حدود سنة
____________
(1) ذكر صاحب الروضات 7|142، وصاحب ريحانةالاَدب 2|321 أنّ: الشريف صفته لاَنّ والدته علوية النسب.
(2) أعيان الشيعة 7|343.


--------------------------------------------------------------------------------

(171)

1070 كما يظهر من تواريخ إجازات مشايخه له من سنة 1096 إلى سنة 1107 هـ.
ويظهر من الاِجازة الثانية له من العلاّمة المجلسي في سنة 1107 أنّه كان في ذلك التاريخ مجاوراً للغري، وأيضاً يظهر من تلك الاِجازات أنّ آباءه كلّهم علماء أجلاّء، ترجمهم سيّـدنا الحسن الصدر في تكملـة الاَمـل(1).

مشايخـه:

يروي بالاِجازة عن العلاّمـة محمّـد باقر المجلسي صاحب البحار.
وعن المحدّث الحرّ العاملي صاحب الوسائل.
وعن الشيخ أحمد بن محمّـد بن يوسف البحراني.
وعن خاله السيّـد الاَمير محمّـد صالح الحسيني الخاتون آبادي.
وعن المحدّث السيّـد نعمة الله الجزائري.
وعن المولى الفيض الكاشاني صاحب الوافي والصافي والشافي.
وعن المحقّق آقا حسين الخوانساري.
وعن الشيخ محمّـد حسين بن الحسن بن إبراهيم بن عبـد العالي الميسي.
وعن الشيخ صفيّ الدين بن فخر الدين الطريحي.
وعن الحاج محمود بن علي الميبدي المشهدي.
وعن الشيخ قاسم بن محمّـد الكاظمي.
____________
(1) الذريعة 2|371.


--------------------------------------------------------------------------------

(172)

وعن الشيخ عبـد الواحد بن محمّـد بن أحمد البوراني.

تلامذتـه والراوون عنـه:

تلمّذ عليه وروى عنه الكثير من أجلّة الطائفة وفضلائها، نذكر منهم:
1 ـ الشيخ أبو صالح محمّـد مهدي العاملي الفتوني.
2 ـ السيد محمّـد بن علي بن حيدر العاملي.
3 ـ الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري.
4 ـ المولى محمّـد إبراهيم بن غياث الدين الحويزاوي.
5 ـ السيّـد نصر الله الموسوي الحائري.
6 ـ السيّـد حسين القزويني، أحد مشايخ العلاّمة بحر العلوم.
7 ـ السيّـد محمّـد بن أمير الحاجّ شارح قصيدة أبي فراس.
8 ـ الشيخ أحمد بن الشيخ حسن النحوي.
قال صاحب التكملة إنّه استقصى في كتابه: بغية الوعاة في طبقات مشايخ الاِجازات مشايخه وتلامذته(1).

بعض أقوال العلماء فيه:

قال الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق: كان محقّقاً مدقّقاً، ثقة صالحاً، عدلاً(2). وقال السيّد بحر العلوم في إجازته للشيخ محمّـد اللاهيجي: الشيخ
____________
(1) تكملة أمل الآمل: 443.
(2) لؤلؤة البحرين: 107 رقم 40.


--------------------------------------------------------------------------------

(173)

الاَعظم، رئيس المحدّثين في زمانه، وقدوة الفقهاء في أوانه(1).
وقال صاحب الروضات رحمه الله: الفاضل العرّيف، الباذل جهده في سبيل التكليف... من أعظم فقهائنا المتأخّرين وأفاخم نبلائنا المتبحّرين...(2).
أمّا صاحب الجواهر فقد قال فيه: جدّي الفاضل المتبحّر الآخوند الملاّ أبو الحسن الشريف(3).
وأثنى عليه المحدّث النوري واصفاً إيّاه بـ: أفقه المحدّثين، وأكمل الربّانيين، الشريف العدل... أفضل أهل عصره وأطولهم باعاً(4).
وقال السيّـد عبـد الله آل السيّـد نعمة الله الجزائري: سُئل والدي يوماً: أيّهما أفضل، الشريف أبو الحسن أو الشيخ سليمان؟ فقال: أمّا الشريف أبو الحسن فقد مارسته كثيراً في أصبهان وفي المشهد وفي بلادنا لمّا قدم إلينا وأقام عندنا مدّة مديدة فرأيته في غاية الفضل والاِحاطة وسعة النظر؛ وأمّا الشيخ سليمان فلم أره...(5).

مؤلّفـاتـه:

1 ـ الفوائد الغروية والدرر النجفية:
مرتّب على مقصدين في مجلّدين: أحدهما في أُصول الدين والآخر في أُصول الفقه، وهو كتاب حسن فيه ما يستفاد من الاَحاديث من القواعد الفقهية والمسائل الاَُصولية ـ أي أُصول الفقه ـ وفيه تحقيقات رائقة وفوائد
____________
(1) حكاه عنه في أعيان الشيعة 7|342.
(2) روضات الجنّات 7|142 ـ 144.
(3) جواهر الكلام 29|313 و323.
(4) خاتمة مستدرك الوسائل 2|54.
(5) الاِجازة الكبيرة: 207.


--------------------------------------------------------------------------------

(174)

فائقة تدلّ على مهارته في العلوم العقلية والنقلية، فرغ منه سنة 1112 هـ(1).
2 ـ رسالة في الرضاع (الرضاعية):
مسهبة غرّاء ، اختار فيها القول بالتنزيل (أي نزّل ما يحرم بالمصاهرة ما يحرم بالنسب).
فرغ منها في النجف 25 المحرّم سنة 1111 هـ، وقيل: سنـة 1109 هـ، ذكر فيهـا: أنّـه ألّفهـا بعد استخارات عديدة عنـد رأس الاَميـر عليه السلام (2).
3 ـ شرح على كفاية المقتصد للمحقّق السبزواري:
من أوّل كتاب المتاجر... والظاهر أنّه لم يخرج منه إلاّ شرح المتاجر هذا، واعتمد في بقيّة الكتب على ما فصّله السبزواري في ذخيرته كما استظهر ذلك صاحب لؤلؤة البحرين(3).
4 ـ ضياء العالمين في بيان إمامة الاَئمّة المصطفين:
قال السيّـد محسن الاَمين في الاَعيان: رأيت منه نسخة مخطوطة في النجف الاَشرف في مكتبة الحسينية الشوشترية في ثلاث مجلّدات كبار سنة 1352 وكتب المؤلّف في بعض فصوله ما يقرب من ثلاثين صفحة في إيمان أبي طالب(4).
وقال صاحب الذريعة: ضياء العالمين في مجلّدين، في أكثر من 65000 بيت يوجد في مكتبة الاِمام أمير المؤمنين العامّة بالنجف، والمكتبة الجعفرية في كربلاء، ومكتبة كاشف الغطاء والمكتبة التسترية، وهو مرتّب
____________
(1) الذريعة 16|353.
(2) الذريعة 11|188.
(3) الذريعة 14|35، لؤلؤة البحرين: 109.
(4) أعيان الشيعة 7|343.


--------------------------------------------------------------------------------

(175)

على مقدّمة ومقصدين وخاتمة(1).
وتوجد نسخة منه في مكتبة مؤسّسة آل البيت عليهم السلام العامرة مصوّرة من مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الاَشرف.
5 ـ شريعة الشيعة ودلائل الشريعة:
قال آقا بزرك في الذريعة: شرح لـ: مفاتيح الشرائع، خرج منه شرح الباب الاَوّل منه في سنة 1129 هـ، ويتلوه الباب الثاني في مقدّمات الصلاة.
وقال الشيخ يوسف البحراني في اللؤلؤة: وهو يشهد بفضله وتحقيقه، ودورانه مدار الاَخبار المأمونة عن العثار في جليله ودقيقه، ولا أعلم هل برز منه غير هذا أم لا(2).
6 ـ كتاب الاَنساب:
ذكر في أوّله بعد خطبة مختصرة أنّه: رأى في كربلاء كتاب حدائق الاَلباب في معرفة الاَنساب وفيه مشجّرات الملوك والمشاهير والسادات على طرز غريب يعسر الوصول منه على المراد، وطلب منه بعض السادات أن يؤلّف فيه كتاباً يسهل الوصول إلى ذخائر كنوزه ويكشف النقاب عن وجوه رموزه، فألّف هذا الكتاب، ورتّبـه على جملتين: الاَُولى منهما في آباء السبطين، والثانية في أبنائهما(3).
وذكر آقا بزرك رحمه الله أنّه: لم يسمّ المؤلّف الكتاب باسم خاصّ، لكن رأيت بعض الفضلاء عبّر عنه بـ: «حديقة النسب» ولو سمّاه بـ: «كشف النقاب» عن وجه رموز حدائق الاَلباب ـ كما وصفه المؤلّف به ـ لكان أوْلى.
____________
(1)الذريعة 15|124.
(2) الذريعة 14|187، لؤلؤة البحرين: 109.
(3) الذريعة 2|371.


--------------------------------------------------------------------------------

(176)

ولمّا رأيت حسن ترتيبه وهو مسطّر جعلته بهذا الترتيب مشجّراً بخطّ دقيق في خريطـة طويلـة إذا نشر طيّها يرى فيها الاَسماء متّصلة بآبائها إلى آدم بسهولة، وسمّيته: شجرة السبطين وشرعة الشطّين(1).
7 ـ مرآة الاَنوار ومشكاة الاَسرار:
تفسير جليل للقرآن، مقتصراً على ما ورد في متون الاَخبار، لم يخرج منه إلاّ شيء يسير من أوائل سورة البقرة(2) بعد مجلّده الاَوّل الكبير الذي هو في مقدّمات التفسير والعلوم المتعلّقة بالقرآن، لم يعمل مثله، طبع المجلد الاَوّل منه وحده في إيران سنة 1303، ونسبته إلى الشيخ الكازروني ـ على ما كُتب عليه ـ غلط وافتراء، هكذا ذكر السيّد محسن الاَمين في الاَعيان(3).
وقال المحدّث النوري رحمه الله في حاشية الخاتمة: ومن الحوادث الطريفة والسرقات اللطيفة أنّ مجلّد مقدّمات تفسير هذا المولى الجليل المسمّى: مرآة الاَنوار، موجود الآن بخطّ مؤلّفه في خزانة كتب حفيده شيخ الفقهاء صاحب جواهر الكلام طاب ثراه، واستنسخناه بتعب ومشقّة وكانت النسخة معي في بعض أسفاري إلى طهران، فأخذها منّي بعض أركان الدولة وكان عازماً على طبع تفسير البرهان للعالم السيّد هاشم البحراني، وقال لي: إنّ تفسيره خالٍ عن البيان، فيناسب أن تلحق به هذه النسخة ليتمّ المقصود بها فاستنسخها، ورجعت إلى العراق، وتوفّي هذا الباني قبل إتمام
____________
(1) الذريعة 14|372.
(2) قال آقا بزرك الطهراني: وهو في نسخة شيخنا العلاّمة النوري من أوّل سورة الفاتحة إلى أواسط سورة البقرة في مجلّد كبير، وفي نسخة أُخرى إلى الآية الرابعة من سورة النساء، (مثنى وثلاث ورباع). الذريعة 20|264.
(3) الذريعة 20|264، أعيان الشيعة 7|343.


--------------------------------------------------------------------------------

(177)

الطبع، فاشترى ما طبع من التفسير، ونسخة المرآة من ورثته بعض أرباب الطبع، فأكمل الناقص وطبع المرآة في مجلّد.
ولمّا عثرت عليه في المشهد الغروي رأيت مكتوباً على ظهر الورقة الاَُولى منه: كتاب مرآة الاَنوار ومشكاة الاَسرار، وهو مصباح لاَنظار الاَبرار، ومقدّمة للتفسير الذي صنّفه الشيخ الاَجلّ، والنحرير الاَنبل، العالم العلاّمة، والفاضل الفهّامة، الشيخ عبـد اللطيف الكازروني مولداً والنجفي سكناً... إلى آخره.
فتحيّرت وتعجّبت من هذه السرقة فكتبت إلى باني الطبع ما معناه:
إنّ هذا التفسير للمولى الجليل أبي الحسن الشريف، وأمّا عبد اللطيف فلم أسمع بذكره، ولم نره في كتاب، ولعلّ الكاتب السارق المطفىَ لنور الله اشتبه عليه ما في صدر الكتاب بعد الخطبة من قوله: يقول العبد الضعيف، الراجـي لطف ربّـه اللطيف، خادم كلام الله الشريـف... إلـى آخـره، فظنّ أنّـه أشار إلـى اسمـه فـي ضمـن هـذه العبـارة، ولكن النسبـة إلـى كازرون لا أدري ما منشؤها؟!
فوعدني في الجواب أن يتدارك ويغيّر ويبدّل الصفحة الاَُولى، ويكتب على ظهرها اسم مؤلّفه وشرح حاله الذي كتبته سالفاً على ظهر نسختي من التفسير، وإلى الآن ما وفى بعهده، وأعدّ نفسه لمؤاخذة المولى الشريف في غده.
فليبلّغ الناظر الغائب أنّ هذا التفسير المطبوع في سنة 1295 هـ في طهران ـ المكتوب في ظهره ما تقدّم ـ للمولى أبي الحسن الشريف، الذي يعبّر عنه في الجواهر بجدّي العلاّمة، لا لعبـد اللطيف الكازروني، الذي لم


--------------------------------------------------------------------------------

(178)

يتولّد بعد، وإلى الله المشتكى وهو المستعان(1).
8 ـ حقيقة مذهب الاِمامية:
وبيان أساسه الذي مَن ضلّ عنه ضلّ.
أوّله: الحمد لله الذي لم يخلق الخلق إلاّ ليعبدون...
فرغ منه يوم الجمعة آخر شعبان 1138 هـ، ويظهر من تاريخ وفاته أنّه آخر تصانيفه(2).
9 ـ شرح الصحيفة:
ذكرها الشيخ آقا بزرك في الذريعة(3).
10 ـ نصائح الملوك وآداب السلوك:
في شرح العهد المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام الذي كتبه لمالك الاَشتر حين ولاّه مصر، ألّفه بالفارسية باسم السلطان حسين الصفوي المتوفّى سنة 1135، ومعلوم من آخر النسخة أنّه أنهاه في سنة 1118، والذي يحتوي على حدود 3250 بيت(4).
11 ـ الكشكول:
يحتوي على 540 صفحة، وهو موجود في مكتبة كاشف الغطاء بالنجف، والظاهر أنّ النسخة بخطّه الشريف(5).
____________
(1) خاتمة مستدرك الوسائل 2|55.
(2) الذريعة 7|49.
(3) الذريعة 13|346.
(4) الذريعة 24|171، انظر: فهرس النسخ المخطوطة لمكتبة سپهسالار 2|33 و5|715 رقم النسخة 766.
(5) الذريعة 18|70.


--------------------------------------------------------------------------------

(179)

12 ـ معراج الكمال:
ذكره آقا بزرك رحمه الله، وقال: إنّ النسخة كانت عند الحاجّ مولى علي محمّـد النجف آبادي ـ قدّس الله سرّه ـ كما يظهر من فهرست كتبه(1).
13 ـ تنزية القمّيين:
وهو الكتاب الماثل بين يدي القارىَ الكريم، أشرنا إليه في صدر البحث.

وفاتـه ومدفنـه:

قال صاحب الاَعيان: إنّه توفّي سنة 1139. وقيل سنة 1138 كما أرّخه بعض أحفاده بخطّه على ظهر الفوائد الغروية(2)، وفي تتمّة أمل الآمل توفّي في أواخر العشر الاَربعين بعد المائة والاَلف(3).
قال صاحب نجوم السماء: دفن بالنجف الاَشرف(4).

النسخ المعتمدة في التحقيق:

اعتمدنا في تحقيقنا هذه الرسالة الشريفة على مصوّرتي النسختين التاليتين:
1 ـ النسخـة المخطوطـة المحفوظـة فـي مكتبـة آيـة الله العظمـى المرعشي قدس سره بقم المشرّفة برقم 5459، كتبها عبد الله الموسوي الاشتهاردي سنة 1357 هـ، تحتوي على 16 ورقة في 17 سطراً بحجم 22×17 سم .
____________
(1) الذريعة 21|232.
(2) وكذا في نسخة «ضياء العالمين» بخطّ الشيخ محمّـد حسين الجواهري.
(3) أعيان الشيعة 7|342.
(4) نجوم السماء: 218.


--------------------------------------------------------------------------------

(180)

أشرنا إليها في الهامش بلفظة: المخطوط.
2 ـ النسخة المطبوعة بقم المشرّفة سنة 1368 هـ، بتصحيح الشيخ محمّـد علي الرازي القاساني.
أشرنا لها في الهامش بلفظة: المطبوع.

منهجية التحقيق:

أجرينا مقابلة بين المخطوط والمطبوع، وثبّتنا الاختلافات الموجودة بينهما.
ثمّ قمنا باستخراج الآيات والنصوص الروائية والاَقوال من مصادرها.
واتّبعنا منهج التلفيق بين المخطوط والمطبوع والمصدر لغرض الحصول على المتن الاَنسب والاَقرب إلى الصواب واستفدنا من اختلافات النسختين مع المصادر فثبّتنا الراجح في المتن، وأشرنا إلى المرجوح في الهامش.
وقمنا كذلك بتصحيح بعض الاختلافات الرجالية التي واجهتنا أثناء العمل.
وترجمنا أيضاً للطوائف والفرق التي أوردها المصنّف في المتن.
سائلين المولى تبارك وتعالى أن يتقبّله بأحسن قبوله.
والحمـد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّـد وآلـه الغرّ الميامين.


--------------------------------------------------------------------------------

(181)

صورة الصفحة الأولى من المخطوطة


--------------------------------------------------------------------------------

(182)

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة



--------------------------------------------------------------------------------

--------------------------------------------------------------------------------

(183)


بسم الله الرحمـن الرحيـم

نحمدك اللّهمّ على ما هديتنا إلى فصيح المقال، لاِفادة صحيح الاَحوال، ونشكرك على ما حفظتنا من تفضيح حال الرجال، بإشاعة قبيح الاَقوال.
ونصلّي على حبيبك النبيّ الذي قبلت لمحبّته ضعيف الاَعمال، وعدّلت بشريعته عوج الاَديان غاية الاعتدال، وعلى آله الجارين على ذلك المنوال، في جميع الاَقوال والاَفعال، صلاةً مترادفةً متواردةً على الاتّصال.

وبعـد:
فإنّي لمّا رأيتُ كلام الفاضل الشريف المجتبى، والسيّـد المنيف المرتضى، أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي، الملقّب بـ: علم الهدى، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنّة مقرّه ومأواه، في بعض فوائده المكتوبة لبيان عدم جواز الاعتماد على أكثر ما يستفاد من الروايات.
أعني قوله: إنّ أعظم الفقه وجمهوره، بل جميعه، لا يخلو سنده ممّن

--------------------------------------------------------------------------------

(184)

يذهب مذهب الواقفة(1) وإلى غلاة(2) وخطّابية(3) وإلى قمّيٍّ مشبّه مجبّر، وإنّ القمّيين كلّهم أجمعين، من غير استثناء لاَحـد منهـم ـ إلاّ أبا جعفر بن بابويه رحمه الله ـ بالاَمس كانوا مشبّهة مجبّرة، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك... إلى آخره(4).
التزمتُ على نفسي تفتيش حال هؤلاء الاَعلام، لتحقيق هذا الكلام؛ لظهور كونه من الاَُمور العظام، فشرعتُ في تفحّص أحوالهم من كتب علمائنا المعتمدين، وتتبّع مرويّاتهم في أُصول الدين؛ إذ كان ذلك أدلّ دليل على الرشد والقبول، وأوضح سبيل إلى ما هو المأمول.
فرأيت ـ فـي مـا رأيتُ ـ صحّـة عقائـد كثيـر منهـم، سيّمـا رواة الاَخبار، ودريت ـ في مـا دريت ـ كمال الوثوق بغفير منهم، بحسب أخبار الاَئمّـة الاَخيار، كمـا سيظهر علـى مـن اجتنب الاعتساف، ولزم الاِنصاف.
____________
(1) الواقفة: هم الواقفـون على الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه الاِمام القائم، ولم يأتمّوا بعـده بإمام ولـم يتجاوزوه إلـى غيـره، وقـد قال بعضهـم ممّن ذكـر أنّه حيّ: إنّ الرضـا عليه السلام ومـن قام بعده ليسوا بأئمّـة، ولكنّهـم خلفاؤه واحداً بعـد واحد إلى أوان خروجه، وأنّ على الناس القبول منهم والانتهاء إلـى أمرهم.
انظر: فرق الشيعة: 81.
(2) الغلاة: هم الّذين قالوا: إنّ الاَئمّة عليهم السلام آلهة وإنّهم أنبياء وإنّهم رسل وإنّهم ملائكة، وهم الذّين تكلّموا بالاَظلّة وفي التناسخ في الاَرواح، وهم أهل القول بالدور في هذه الدار وإبطال القيامة والبعث والحساب.
انظر: فرق الشيعة: 36.
(3) الخطّابيـة: هـم أصحاب أبي الخطّاب محمّـد بن أبي زينب الاَجدع الاَسدي، الذي ادّعى النبوّة ثمّ الرسالة ثمّ ادّعى أنّه من الملائكة وأنّه رسول الله إلى أهل الاَرض والحجّة عليهم.
انظر: فرق الشيعة: 42.
(4) رسائل الشريف المرتضى 3|310.


--------------------------------------------------------------------------------

(185)

فحينئذ عزمت على بيان ما ظهر لي من تلك الاَحوال، حتّى يتورّع المتورّع عن أن ينسب إليهم مثل ذلك المقال، وإلاّ فكلام مَن مطلبه العناد والجدال، لا يخلو أصلاً من القيل والقال، وكذا من لا يعرف الرجال بالحقّ بل ينظر دائماً إلى من قال.
وإنّي بعد أن جزمت بوجوب هذا الاَمر، اجترأتُ بتحريره في ما أُسطّر، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(1).
فهاهنا مقدّمة وفصلان، ومن الله التوفيق وعليه التكلان:
____________
(1) سورة الكهف 18 : 29.


--------------------------------------------------------------------------------

(186)


أمّـا المقدّمـة:
ففي بيان ما يدلّ على أنّ نسبة ذلك المذهب إليهم إنّما نشأ من المخـالفيـن؛ تهمـةً علـى العلمـاء المكرميـن، وافتـراءً علـى الاَئمّـة المعصومين عليهم السلام .
وأنّ نقلهم تلك الاَخبار المتضمّنة ـ ظاهـراً ـ لذلك المذهب في كتبهم ليس لكونهم معتقدين بها ومتديّنين بظواهرها، بل إمّا لوصولهم إلى محامل وتأويلات صحيحة لها، أو لتورّعهم عن ردّ خبر منقول عن الاَئمّة عليهم السلام بمحض عدم فهم المعنى.
قال الصدوق أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في ديباجة كتاب توحيده: إنّ الـذي دعاني إلى تأليف كتابـي هذا، أنّي وجدت قومـاً من المخالفين لنا ينسبون عصابتنـا إلى القول بالتشبيـه والجبـر؛ لِمـا وجدوا في كتبهـم من الاَخبار التي جهلوا تفسيرهـا، ولـم يعرفوا معانيها، ووضعوهـا في غير موضعها، ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن، فقبّحوا بذلك عند الجهّال صورة مذهبنا، ولبّسوا عليهم طريقتنا، وصدّوا الناس عن دين الله، وحملوهم على جحـود حجج الله، فتقـرّبتُ إلـى الله تعالـى بتصنيف هـذا الكتاب في التوحيد ونفي التشبيه والجبر(1).

وقال في مبحث إبطال الرؤية وتأويل آياتها وطلب موسى إيّاها: وأمّا الاَخبار التي رويت في هذا المعنى، وأخرجها مشايخنا ـ رضي الله عنهم ـ في مصنّفاتهـم، عندي صحيحـة، وإنّما تركت إيرادها في هذا الباب خشية
____________
(1) التوحيد: 17.

--------------------------------------------------------------------------------

(187)

أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذّب بها، فيكفر بالله عزّ وجلّ وهو لا يعلم.
وكذا الاَخبار التي ذكرها أحمد بن محمّـد بن عيسى في نوادره، والتي أوردها محمّـد بن أحمـد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية، صحيحـة، لا يردّها إلاّ مكذّب بالحقّ أو جاهل به، وألفاظها ألفاظ القرآن، ولكلّ خبر منها معنىً ينفي التشبيه والتعطيل ويثبت التوحيد، وقد أمرنا الاَئمّة صلوات الله عليهم أن لا نكلّم الناس إلاّ على قدر عقولهم(1).
ثمّ قال: ومعنى الرؤية الواردة في الاَخبار: العلم(2).

أقـول:
وسيرشدك إلى صدق ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ ما سنشير إليه عند ترجمة الاَسامي من الاَخبار التي رواها هؤلاء في ردّ الجبر والتشبيه، ورؤيـة الذات، وكفر قائلها؛ إذ معلوم أنّ كلّ مَن اطّلع على هذه الروايات لا يعتريه شكّ ولا تبقى له شبهة أصلاً، فضلاً عن الاعتقاد بضدّها.
وظاهرٌ أنّ ذكرهم تلك الاَخبار المتشابهة غير مضرّ بعد ظهور كونهم راوين لخلافها ومعتقدين له.
ألا ترى إلى الكليني ـ رحمة الله عليه ـ كيف روى أيضاً بعضها مع حسن عقيدته جزماً، فهكذا غيره من أرباب الحديث.
وقـد روى الصدوق عـن جمـع منهم ـ أيضاً ـ ما يدلّ علـى المقصود كـ: ما رواه عن أحمد بن هارون الفامي، قال: حدّثنا محمّـد بن عبـد الله بن جعفر الحميري القمّي، عن أبيه، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن علي
____________
(1) التوحيد: 119.
(2) التوحيد: 120.

--------------------------------------------------------------------------------

(188)


ابن معبد، عن الحسين بن خالد (1) ، عن أبي الحسن بن موسى الرضا عليه السلام ، قال: قلت له: يابن رسول الله! إنّ الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر؛ لِما روي من الاَخبار التي رويت عن آبائك الاَئمّـة عليهم السلام .
فقال عليه السلام : «يابن خالد! أخبرني عن الاَخبار التي رويت عن آبائي الاَئمّة عليهم السلام في التشبيه والجبر أكثر أم الاَخبار التي رويت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك؟».
فقلت: بل ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله في ذلك أكثر.
قال: «فليقولوا: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول بالتشبيه والجبر إذن».
فقلت له: إنّهم يقولون: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقل من ذلك شيئاً، وإنّما روي عليه.
____________
(1) في المخطوط والمطبوع : الحسن بن خالد البرقي ، وفي المصدر : الحسين بن خالد - بدون تقييد بالبرقي - وهو مردد بين الحسين بن خالد الخفاف ، والحسين بن خالد الصيرفي . قال الوحيد البهبهاني في ترجمة الحسين بن خالد الصيرفي : الظاهر أن الحسين ابن خالد الذي يظهر من رواياته في التوحيد فضله ، هو هذا الرجل . تعليقة الوحيد : 155 .
وقال حجة الإسلام العلامة الشفتي - بعد ذكر روايات الحسين بن خالد من غير تقييد ، عن الرضا ( عليه السلام ) ، وذكر رواية التوحيد ضمن هذه الروايات - : إن الراوي عن الحسين بن خالد المقيد بالصيرفي الراوي عن مولانا الرضا ( عليه السلام ) ، هو الراوي عن الحسين بن خالد المطلق الراوي عن مولانا الرضا ( عليه السلام ) ، وكذا الحال في الراوي عن الراوي ، فيظهر منه أن الحسين بن خالد في المقامين واحد . والحاصل أن الطريق إلى الحسين بن خالد المقيد بالصيرفي الراوي عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، هو الطريق إلى الحسين بن خالد المطلق الراوي عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، وهو دليل على أن الحسين بن خالد المطلق الراوي عنه ( عليه السلام ) هو المقيد المذكور . الرسائل الرجالية : 389 .


--------------------------------------------------------------------------------

(189)

قال: «فليقولوا في آبائي عليهم السلام أيضاً: إنّهم لم يقولوا من ذلك شيئاً، وإنّما روي عليهم».
ثمّ قال عليه السلام : «من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة.
يابن خالد! إنّما وضع الاَخبار عنّا في التشبيه والجبر الغلاةُ الّذين صغّروا عظمة الله، فمن أحبّهم فقد أبغضنا ومن أبغضهم فقد أحبّنا، ومن والاهم فقد عادانا ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا ومن قطعهم فقد وصلنا، [ومن جفاهم فقد برّنا ومن برّهم فقد جفانا، ومن أكرمهم فقد أهاننا ومن أهانهم فقد أكرمنا، ومن قبلهم فقد ردّنا ومن ردّهم فقد قبلنا، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ومن أساء إليهم فقد أحسن إليناج ومن صدّقهم فقد كذّبنا ومن كذّبهم فقد صدّقنا، [ومن أعطاهم فقد حرمنا ومن حرمهم فقد أعطانا].
يابن خالد! من كان من شيعتنا فلا يتّخذنّ منهم وليّاً ولا نصيراً»(1).
ولا يخفى أنّ هذا الخبر كالصريح في أنّ انتسابهم إلى ذلك المذهب تهمة من العامّة، وهم كانوا يتبرّؤون منه.

لا يقال:
إذا كان حالهم على ما ذكرتم فلِمَ لم يسقطوا ذكر تلك الاَخبار من كتبهم، حتّى لا يقع الناس فيهم، سيّمـا مع دلالة هذا الخبر على كونها موضوعة؟!

____________
(1) التوحيد: 363 ح 12، وما بين المعقوفين غير موجود في المخطوط والمطبوع، أضفناه من المصدر.

--------------------------------------------------------------------------------

(190)

لاَنّا نقول:
لو كان جميع تلك الاَخبار موضوعة لكان كما تقول، لكنّه ليس الاَمر هكذا، إذ كثير منها كانت مرويّة عن الاَئمّة عليهم السلام بطرق لم يكن لهم طريق إلى ردّها، فلم يمكنهم إلاّ ذكرها، وإن لم يكن لهم علم بتأويلها، كما أشار إليه الصدوق(1)، وورد في الاَخبار الكثيرة من لزوم قبول الاَحاديث المنسوبة إلى الاَئمّة عليهم السلام ، وترك تأويلها إليهم حين لم يعلم، وأنّهم عليهم السلام كانوا يتكلّمون على سبعين وجهاً، وأنّ حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله كلّ أحد.
على أنّ ذلك ليس مختصّاً بهم، بل جارٍ في كلام جميع المحدّثين كما أشرنا. فتدبّر.
وقـد ورد مجمـلاً فـي بعض الاَخبار أيضاً مـا يشعر بحسن حال القمّيّين، وكون الاَئمّة عنهم راضين:
كقول الصادق عليه السلام ليونس بن يعقوب ـ حين سأله عن عمران بن عبـد الله الاَشعـري القمّي ـ: «هـذا نَجيبُ قـومٍ نجبـاء، مـا نَصِبَ لهم جبّار إلاّ قصمه الله»(2) يعني أهل قـم، والاَشاعرة منهم.
وكقول أبي جعفر الثاني عليه السلام لعلي بن مهزيار في توقيعه إليه: «قـد فهمت ما ذكرت من أمر القمّيّـين ـ خلّصهم الله وفرّج عنهم ـ وسررتني بمـا ذكرت من ذلك»(3)... الخبر.
وغير ذلك ممّـا لا يسع المقام ذكره.
____________
(1) كما مرّ في صفحة 186.
(2) رجال الكشّي: 333 رقم 609.
(3) رجال الكشّي: 550 رقم 1040.


--------------------------------------------------------------------------------

(191)


الفصل الاَوّل
في ذكر المعتبَرين من أشاعرة قـم


أعني من انتسب إلى سعد بن مالك بن الاَحوص بن السائب بن مالك ابن عامر بن أبي عامر عبيد بـن ذخران بـن عوف بـن الجماهر بن الاَشعر.
إذ سعد هو أوّل مَن تحوّل من الكوفة وسكن بقم بعد أن كان جدّه سائب بن مالك تحوّل من الحجاز إلى الكوفة، وقد نقل: أنّ أبا عامر كان صحابيّاً.
قـال النجـاشـي: روي أنّـه لـمّـا هـزم هـوازن يـوم حنيـن عـقـد رسول الله صلى الله عليه وآله لاَبي عامر الاَشعري على خيل فقُتل، فدعا له، فقال: «اللّهمّ اعطِ عُبَيْدَك عُبَيْداً أبا عامر واجعله في الاَكثرين يوم القيامة»(1).
* فمن هؤلاء: عيسى بن عبـد الله بن سعد الاَشعري القمّي، وهو بالاتّفاق من خواصّ أصحاب الصادق عليه السلام .
قال علي بـن أحمـد العقيقي في رجالـه ـ على مـا نقل عنـه العلاّمـة فـي الخلاصـة ـ: إنّ عيسى بن عبـد الله كان يشبـه أباه، وكان وجهـاً عند أبي عبـد الله عليه السلام مختصّاً به(2).
وقال النجاشي: عيسى بن عبـد الله الاَشعري: روى عن أبي عبـد الله وأبي الحسن عليهما السلام وله مسائل عن الرضا عليه السلام (3).
____________
(1) رجال النجاشي: 82 رقم 198.
(2) رجال العلاّمة الحلّي: 123 رقم 7.
(3) رجال النجاشي: 296 رقم 805.


--------------------------------------------------------------------------------

(192)

وروى الكشّي عن محمّـد بن مسعود العيّاشي، عن علي بن محمّـد، عن أحمد بن محمّـد، عن موسى بن طلحة، عن أبي محمّـد أخي يونس ابن يعقوب، عنه، قال: كنت بالمدينة فاستقبلني جعفر بن محمّـد عليه السلام في أزقّتها، فقال: «اذهب يا يونس! فإنّ بالباب رجلاً منّـا أهل البيت».
قال: فجئت إلى الباب فإذا عيسى بن عبـد الله القمّي جالس، قال: فقلت له: من أنت؟
قـال: أنا رجل مـن أهل قـم. قال: فلـم يكن بأسرع مـن أن أقبـل أبو عبـد الله عليه السلام فدخل على الحمار الدار، ثمّ التفت إلينا فقال: «ادخلا»، ثمّ قال: «يا يونس بن يعقوب! أحسبك أنكرت قولي لك: إنّ عيسى بن عبـد الله منّـا أهل البيت؟!».
قال: قلت: إي والله جعلت فداك، إنّ عيسى بن عبـد الله رجل من أهل قـم.
فقال: «يا يونس! عيسى بن عبـد الله هو منّا حيّ، وهو منّا ميّت»(1).
وقد روى أيضاً عن يونس بن يعقوب بسند صحيح واضح، أنّه قال: دخل عيسى بن عبـد الله القمّي على أبي عبـد الله عليه السلام فأوصاه بأشياء، ثمّ ودّعه وخرج عنه، فقال لخادمه: «ادعه» فانصرف إليه فأوصاه بأشياء، ثمّ قال له: «يا عيسى بن عبـد الله! إنّ الله عزّ وجلّ يقول: (وأمُرْ أهْلَكَ بالصلوةِ)(2) وإنّك منّا أهل البيت، فإذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصلّ ستّ ركعات». قال: ثمّ ودّعه، وقبّل ما بين عيني عيسى فانصرف.
قال يونس: فما تركت الستّ ركعات منذ سمعت أبا عبـد الله عليه السلام
____________
(1) رجال الكشّـي: 332 رقم 607.
(2) سورة طه 20: 132.


--------------------------------------------------------------------------------

(193)

يقول ذلك لعيسى بن عبـد الله(1).
لكنّه قليل الرواية.
* وكذا ابنه، وهو: محمّـد بن عيسى الذي هو من أجلّة شيوخ قـم، ومدحـه كـلّ العلمـاء، ودخل علـى الـرضا عليه السلام وسمع منـه، وروى عـن الجواد عليه السلام ، والاَخبار الدالّة على كونه بريئاً ممّا ذكره السيّد متعدّدة، سنذكر بعضها في سعد بن عبـد الله، وبعضها في ابنه الذي كثرت رواياتنا عنه:
* وهو: أبو جعفر أحمـد بن محمّـد بن عيسى، ولقد وثّقـه أهل الرجال ومدحه كلّهم بكونه: وجيهاً، فقيهاً، من أكابر شيوخ أهل قم، وإنّه كان غير مدافَع، وكان الرئيس الذي يلقى السلطان، ولقي الرضا، والجواد، والهادي عليهم السلام ، وصنّف كتباً كثيرة، منها كتاب التوحيد، وقد أخرج بعض أخباره علماؤنا في كتبهم، ولنذكر منها بعض ما يدلّ على بُرئه ممّا ذكره السيّـد.
روى الصدوق في التوحيـد عن أحمد بـن هارون، عن محمّـد بـن عبـد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمّـد بن عيسى، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبـد الله عليه السلام .
وبالاِسناد المتقدّم عن أحمد بن محمّـد بن عيسى، عن محمّـد بن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن مفضّل بن عمر، عنه عليه السلام ، قال: «مَن شبّه الله بخلقه فهو مشرك، ومَن أنكر قدرته فهو كافر، إنّ الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء، وكلّ مـا وقع في الوهم فهو بخلافه»(2).
وروى عن أبيه، عن سعد بن عبـد الله، عن [أحمد بن محمّـد بن
____________
(1) رجال الكشّي: 333 رقم 610.
(2) التوحيد: 76 ح 31 وص 80 ح 36.

--------------------------------------------------------------------------------

(194)


أبي نصر](1)، عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال: «جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! هل رأيت ربّك حين عبدته؟!
فقال عليه السلام : ويلك، ما كنت أعبـد ربّاً لم أره.
قال: وكيف رأيته؟!
قال: ويلك، لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الاِيمان»(2).
وروى عن محمّـد بن الحسن بن الوليد، عن محمّـد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبـد الله جميعـاً، عن أحمـد بن محمّـد بن عيسى، عن أبيه والحسين بن سعيد ومحمّـد بن خالد البرقي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، قال: دخلت على أبي عبـد الله عليه السلام ، فقال لي: «أتنعت الله؟».
فقلت: نعم.
فقال: «هات».
فقلت: هو السميع البصير.
قال: «هذه صفة يشترك فيها المخلوق».
قلت: فكيف تنعته؟
فقال: «هو نور لا ظلمة فيه، وحياة لا موت فيه، وعلم لا جهل فيه، وحقّ لا باطل فيه».
____________
(1) في المخطوط: أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي نصر. والظاهر أنّه تصحيف، والصحيح ما أثبتناه بين المعقوفين، من المصدر وكتب طبقات الرجال.
(2) التوحيد: 109 ح 6.



--------------------------------------------------------------------------------

(195)

فخرجت من عنده، وأنا أعلم الناس بالتوحيد(1).
وعن محمّـد بن الحسن بن الوليد، عن محمّـد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّـد بن عيسى، عن مروك بن عبيد، عن جميع بن عمير، قال: قال لي أبو عبـد الله عليه السلام : «أيّ شيء من الله أكبر؟».
فقلت: الله أكبر من كلّ شيء.
فقال: «وكان ثـمّ شيء فيكون الله أكبر منه؟!».
فقلت: فما هو؟
قال: «الله أكبر من أن يوصف»(2).
وروى عن أبيه ومحمّـد بن الحسن بن الوليد، عن سعد بن عبـد الله وعبـد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن أحمد بن محمّـد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن محمّـد ابن علي الحلبي، عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال: «مـا أمر الله العباد إلاّ بدون سعتهم، وكلّ شيء أُمر الناس بأخذه فهم متّسعون له، وما لا يتّسعون له فهو موضوع عنهم، ولكنّ الناس لا خير فيهم»(3).
وروى عن علي بن عبـد الله الورّاق، عن محمّـد بن جعفر بن بطّة، عن محمّـد بن الحسن الصفّار ومحمّـد بن علي بن محبوب ومحمّـد بن الحسين بن عبـد العزيز المهتدي، عن أحمد بن محمّـد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبـد الله، عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال: «إنّ الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل
____________
(1) التوحيد: 146 ح 14.
(2) التوحيد: 313 ح 2، الكافي 1|91 ح 9.
(3) التوحيد: 347 ح 6.


--------------------------------------------------------------------------------

(196)


يزعم أنّ الله عزّ وجلّ أجبر الناس على المعاصي، فهذا قد ظلم الله في حكمه، فهو كافر.
ورجل يزعم أنّ الاَمر مفوّض إليهم، فهذا قد أوهن الله في سلطانـه، فهو كافر.
ورجل يزعم أنّ الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلّفهم ما لا يطيقون، وإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله، فهذا مسلم بالغ»(1).
والاَخبار من هذا القبيل عنه كثيرة سيّمـا في توحيد الصدوق، والكافي، وربّما نشير إلى بعضها فيما بعد أيضاً، فتأمّل فيها حتّى يظهر لك حسن عقيدة الرجل، وأبيه، وأنّه في غاية الرفعة عن انتساب تلك الاَباطيل إليه.
على أنّه كيف يجوّز العقل أن يكون مثل هؤلاء الرجال؛ الّذين لقوا غير واحد من الاَئمّة، حتّى صاروا من خواصّهم وناشري أحكامهم، معتقدين لاَمر باطل مخرج عن الاِسلام فضلاً عن الاِيمان؟! والاِمام يتغافل ويسكت مع علمه بأنّهم يطيعونه في كلّ ما يقول من أُمور الدنيا والدين، ويسألونه عن الحقّ واليقين، ويوصلون عنه إلى سائر المؤمنين.
هذا، مع أنّ الاَئمّة كانوا في كمال الشفقة على شيعتهم، خصوصاً على أصحابهم، ولم يرضوا لهم أدنى رزية.
وقد نقل أيضاً أنّ أحمد هذا كان في غاية التديّن، حتّى أخرج جمعاً من قـم لاَجل فساد مذاهبهم، وضعف فتاويهم ورواياتهم، وكان يسأل الاَئمّة عن أمثال هذه العقائد ويعمل بأوامرهم.
____________
(1) التوحيد: 360 ح 5.

--------------------------------------------------------------------------------

(197)

روى الكشّي عن العيّاشي: أنّـه كتب أحمد بن محمّـد بن عيسى إليه ـ يعني الهادي عليه السلام ـ في قوم يتكلّمون ويقرؤون أحاديث وينسبونها إليك وإلى آبائك، فيها ما تشمئزّ منها القلوب، ولا يجوز لنا ردّها إذ كانوا يروونها عن آبائك، ولا قبولها لِما فيها.. الخبر..
إلى أن كتب: فإن رأيت أن تبيّن لنا وتمنّ علينا بما فيه السلامة لمواليك ونجاتهم من هذه الاَقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك.
فوقّع عليه السلام : «ليس هذا ديننا فاعتزله»(1).
وإشعار الخبر وتأييده لِما نحن فيه أيضاً غير خفي.
* ومن هؤلاء: أبو يحيى زكريّا بن آدم بن عبـد الله بن سعد الاَشعري، الذي كان من خواصّ أصحاب الرضا عليه السلام ، حتّى إنّه جعله زميله سنةً في طريق الحجّ، ولقي أبا جعفر عليه السلام أيضاً، وكان يتولّى أُمورهما، وقد وثّقه علماء الرجال، وذكروه بأحْمدَ الاَحوال، ورووا فيه مدائح عظيمة كثيرة.
منها: ما رواه الكشّي عن محمّـد بن قولويه، عن سعد بن عبـد الله، عن محمّـد بن عيسى، عن أحمد بن الوليد، عن علي بن المسيّب، قال: قلت للرضا عليه السلام : شقّتـي بعيدة، ولست أصل إليك فـي كلّ وقت، فممّـن آخذ معالم ديني؟
فقال عليه السلام : «من زكريّا بن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا».
قال علي بن المسيب: فلمّا انصرفت قدمت إلى زكريّا بن آدم فسألته عمّـا احتجت إليه(2).

____________
(1) رجال الكشّي: 516 رقم 994.
(2) رجال الكشّي: 594 رقم 1112.

--------------------------------------------------------------------------------

(198)


ومـا رواه عنه، عن سعد بن عبـد الله بن أبي خلف، عن محمّـد بن حمزة، عن زكريّا بن آدم، قال: قلت للرضا عليه السلام : إنّي أُريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء فيهم.
فقال: «لا تفعل! فإنّ أهل بيتك يُدفع عنهم بك كمـا يُدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلام »(1).
ومـا رواه عـن أبـي طالب بـن الصلت القمّي، قـال: دخلت علـى أبـي جعفر عليه السلام في آخر عمره، فسمعته يقول: «جزى الله صفوان بن يحيى، ومحمّـد بن سنان، وزكريّا بن آدم، وسعد بن سعد، عنّي خيراً فقد وفوا لي»(2)..
ومنها مـا رواه الشيخ في كتاب الغيبة، والكشّي أيضاً، إنّه لمّا مات زكريّا بن آدم خرج محمّـد بن إسحاق والحسن بن محمّـد بن عمران نحو الحجّ، وكان ذلك بعد موته بثلاثة أشهر، فتلقّاهما كتابه عليه السلام في بعض الطريق، فإذا فيه: «ذكرت ما جرى من قضاء الله تعالى في الرجل المتوفّى رحمة الله عليه يوم ولد، ويوم قبض، ويوم يبعث حيّـاً، فقد عاش أيّام حياته عارفاً بالحقّ، قائلاً به، صابراً، محتسباً للحقّ، قائماً بما يجب لله ولرسوله، ومضى رحمة الله عليه غير ناكث ولا مبدّل، جزاه الله أجر نيّته، وأعطاه خيراً ينفعه(3)»(4).. الخبر.
وسيجيء خبر آخر أيضاً في زكريّا بن إدريس.
____________
(1) رجال الكشّي: 594 رقم 1111.
(2) رجال الكشّي: 503 رقم 964.
(3) في الغيبة: «جزاء سعيه»، وفي رجال الكشّي: «خير أُمنيّته».
(4) الغيبة ـ للشيخ الطوسي ـ: 348 ذيل ح 303، رجال الكشّي: 595 رقم 1114.

--------------------------------------------------------------------------------

(199)

وقد كان له كتاب معتبر أيضاً، ورواه عنه جماعة من أصحابنا؛ منهم ابن عمّه، الذي هو ـ باتّفاق أهل الرجال ـ من ثقات أهل قم، وعيونهم، وشيوخهم، ومصنّفيهم:
أعني: سعد بن سعد بن سعد الاَشعري، وهو أيضاً من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، وروى روايات كثيرة، وقد مرّ آنفاً ما يدلّ على حسن حاله.
وروى الصدوق أيضاً في توحيده عنه أنّه قال: سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: «هو الذي أنتم عليه»(1).
* ومن هؤلاء: أبو جرير زكريّا بن إدريس بن عبـد الله الاَشعري، الـذي وثّقـه وأبـاه كـلّ علمـاء الرجـال، وروى عـن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام بقولِ جمعٍ كثيرٍ.
ولقد كفى في حسن حاله، وصحّة عقائده؛ مـا رواه الكشّي عن محمّـد بن قولويه، عن سعد، عن أحمد بن محمّـد بن عيسى، عن محمّـد ابن حمزة بن اليسع، عن زكريّا بن آدم، قال: دخلت على الرضا عليه السلام من أوّل الليل في حدثان موت أبي جرير، فسألني عنه، وترحّم عليه، ولم يزل يحدّثني وأُحدّثه حتّى طلع الفجر، فقام عليه السلام فصلّى الفجر(2).
* ومن هؤلاء: أبو علي أحمد بن إسحاق بن عبـد الله بن سعد الاَشعري، الذي وثّقه وأباه كلّ علماء الرجال، وكان وافد القمّيّين وكبيرهم، وروى روايات عن الجواد والهادي عليهما السلام ، وكان من خاصّة أبي محمّـد عليه السلام ورأى صاحب الزمان، وصار وكيله، ومن خواصّه، وسفرائه، واستمرّ على
____________
(1) التوحيد: 46 ح 6.
(2) رجال الكشّي: 616 رقم 1150.


--------------------------------------------------------------------------------

(200)

هذه الحال حتّى مات رحمه الله.
قال في ربيع الشيعة: إنّه من الوكلاء، وإنّه من السفراء، والاَبواب المعروفين، الّذين لا يختلف الشيعة القائلون بإمامة الحسن بن علي عليهما السلام فيهم(1).
وروى الكشّي عن محمّـد بن مسعود العيّاشي، عن علي بن محمّـد، وروى الشيخ في كتاب الغيبة عن أحمد بن إدريس جميعاً، عن محمّـد بن أحمد، عن محمّـد بن عيسى، عن أبي محمّـد الرازي، قال: كنت أنا وأحمد بن أبي عبـد الله البرقي بالعسكر، فورد علينا رسول من الرجل، فقال لنا: الغائب العليل ثقة، وأيّوب بن نوح، وإبراهيم بن محمّـد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع، وأحمد بن إسحاق ثقات جميعاً(2).
وروى الكشّي عـن محمّـد بـن علي، عـن أحمـد بن الحسين بن أبـي القاسم القمّي، قال: كتب محمّـد بن أحمد بن الصلت القمّي إلى الدار كتاباً، ذكر فيه قصّة أحمد بن إسحاق القمّي وصحبته، وأنّه يريد الحجّ، واحتاج إلى ألف دينار، فإن رأى سيّدي أن يأمر بإقراضه إيّاه ويسترجع منه في البلد إذا رجعنا.
فوقّع صلوات الله عليه: «هي له منّا صِلة، وإذا رجع فله عندنا سواها»(3).. الخبر.
وروى أيضاً عن جعفر بن معروف الكشّي، قال: كتب أبو عبـد الله البلخي إليّ يذكر عن الحسين بن روح القمّي أنّ أحمد بن إسحاق كتب إليه
____________
(1) إعلام الورى بأعلام الهدى (ربيع الشيعة) 2|259.
(2) رجال الكشّي: 557 رقم 1053، الغيبة: 417 ح 395.
(3) رجال الكشّي: 556 رقم 1051.


--------------------------------------------------------------------------------

(201)

ـ أي الصاحب عليه السلام ـ يستأذنه في الحجّ، فأذِن له وبعث إليه بثوب، فقال أحمد بن إسحاق: نعى إليّ نفسي. فانصرف من الحجّ، فمات بحلوان(1).
فانظر أيّها اللبيب المنصف! هل يمكن نسبة مثل هذا الرجل إلى تلك العقائد الفاسدة بعد هذه الدلالات؟!
فكيف تردّ الروايات وهذا من أعاظم الرواة؟!
* ومن هؤلاء: أحمد بن حمزة بن اليسع بن عبـد الله بن سعد الاَشعري، الذي وثّقه وكذا أخاه محمّد بن حمزة أبا طاهر كلّ أهل الرجال، وكان هذا من أصحاب الهادي عليه السلام ، وبقي إلى زمان الصاحب عليه السلام ، وهو الذي خرج فيه التوقيع الذي مرّ في أحمد بن إسحاق(2)، وكفى ذلك.
مع أنّه لم يروِ كثيراً، وروى أبوه عن الرضا عليه السلام ، ووجدنا في باب صيد الحَرَم من الكافي روايته عن أبي عبـد الله عليه السلام أيضاً(3).
* ومن هؤلاء: أبو جعفر محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبـد الله بن سعد الاَشعري، الذي وثّقه كلّ علماء الرجال، وصرّحوا بأنْ ليس عليه مطعن في نفسه بشيء، غير أنّه كان يروي في بعض الاَوقات عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، وهو راوي روايات كثيرة، ومصنّف كتب كبيرة، منها: كتاب نوادر الحكمة، المعروف عند القمّيّين بـ: دبّة شبيب، المعمول ما فيه عندهم، سوى ما استثناه منه ابن الوليد.
وقد كان جدّه عمران بن عبـد الله من أصحاب الصادق عليه السلام حتّى روي أنّه دخل يوماً عليه عليه السلام فبرّه وبشّه وقرّبه وسأله عنه وعن ولده وأهل
____________
(1) رجال الكشّي: 557 رقم 1052.
(2) راجع ص 200.
(3) الكافي 4|238 ح 28.

--------------------------------------------------------------------------------

(202)


بيته وبني أعمامه وحدّثه مليّاً، فلمّا خرج سأل الاَصحابُ عنه، فقال: «هذا نجيب قوم نجباء، ما نصب لهم أحد إلاّ قصمه الله»(1).
وفي رواية: أنّه أهدى له عليه السلام في منى مضارب وخياماً، فقبض عليه السلام على يده، ثمّ قال: «أسأل الله أن يصلّي على محمّـد وآل محمّـد، وأن يظلّك وعترتك يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه»(2).
لكنّـه هـو.
وكـذا ولده مرزبـان بـن عمـران، الذي روى الكشّي عنه أنّـه قال للرضا عليه السلام : أمـن شيعتكم أنـا؟ فقال: «نعـم»، قال
frown.gif
3) اسمـي مكتوب عندكم؟ قال: «نعم»(4).
وكـذا سبطـه عمران بن محمّـد بن عمران، الثقة الراوي عن الرضا والجواد عليهما السلام (5).
كلّهـم(6) قليل الروايـة جـدّاً، والـذي كثـرت روايتـه مـن هؤلاء هـو أبو جعفر محمّـد بن أحمد المذكور؛ ولنذكر بعض ما يدلّ على كونه بريئاً ممّـا توهّم في هؤلاء.
روى الصدوق في توحيـده عن محمّـد بن الحسن بن الوليد، عن محمّـد بـن يحيى العطّـار، عن محمّـد بـن أحمد بـن يحيى، عن محمّـد ابـن عيسى، عن هشام بـن إبراهيـم، قـال: قال العبّـاسي: قلت لـه ـ يعني
____________
(1) رجال الكشّي: 333 رقم 608 و609.
(2) رجال الكشّي: 331 رقم 606.
(3) في المصدر زيادة: «قلت:».
(4) رجال الكشّي: 505 رقم 971.
(5) رجال الشيخ: 381 رقم 21، جامع الرواة 1|643.
(6) أي: عمران بن عبـد الله، وولده مرزبان، وسبطه عمران بن محمّـد.

--------------------------------------------------------------------------------

(203)

أبا الحسن عليه السلام ـ: جعلت فداك، أمرني بعض مواليك أن أسألك عن مسألة.
قال: «ومن هو؟».
قلت: الحسن بن سهل.
قال: «في أيّ شيء المسألة؟».
قال: قلت: في التوحيد.
قال: «وأيّ شيء من التوحيد؟».
قال: يسألك عن الله جسم أو لا جسم؟
قال: فقال لي: «إنّ للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: مذهب إثبات بتشبيه، ومذهب النفي، ومذهب إثبات بلا تشبيه، فمذهب الاِثبات بتشبيه لا يجـوز، ومذهب النفي لا يجـوز، والطريق فـي المذهب الثالث: إثبات بلا تشبيه»(1).
وروى عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّـد بن أحمد بن يحيـى، عن أبي عبـد الله الرازي، عن الحسن بـن الحسين اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن مهزم، قال: [قال أبو عبـد الله عليه السلام : «أخبرني عمّا اختلف فيه مَن خلّفت من موالينا؟».
قال: قلت: في الجبر والتفويض.
قال: «فَسَلْني»](2).
قلت: أجْبَرَ الله العباد على المعاصي؟!
قال: «الله أقْهَرُ لهم من ذلك».
قال: قلت: ففوّض إليهم؟
____________
(1) التوحيد: 100 ح 10.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

--------------------------------------------------------------------------------

(204)

قال: «الله أقْدَرُ عليهم من ذلك».
قال: قلت: فأي شيء هذا أصلحك الله؟
قال: فقلّب يده مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ قال: «لو أجبتك فيه لكفرت»(1).
وروى عن أبيه ومحمّـد بن الحسن بن الوليد، عن محمّـد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمّـد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبـد، عن عمر بن أُذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبـد الله عليه السلام يقول: «كما إنّ بادىَ النعم من الله عزّ وجلّ، وقد نحلكموه، فكذلك الشرّ من أنفسكم، وإن جرى به قدره»(2).
* ومن هؤلاء: عبـد العزيز بن المهتدي بن محمّـد بن عبـد العزيز الاَشعري، الذي هو من خواصّ أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، وكان وكيلاً لهما، موثوقاً به، معتمداً عليه عندهما، معدّلاً عند كلّ علماء الرجال.
قال الفضل بن شاذان: ما رأيت قمّيّـاً يشبهه في زمانه(3).
وقال الشيخ: خرج له توقيع بغفران الذنب(4).
وروى الكشّي عن العيّاشي، عن علي بن محمّـد، عن أحمد بن محمّـد، عن عبـد العزيز أو عن(5) من رواه عنه، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: كتبت إليـه: إنّ لك معي شيئاً، فمُرني بأمرك فيه؛ إلى مَن أدفعه؟ فكتب إليّ(6)،: «قبضت ما في هذه الرقعة، والحمد لله، وغفر الله ذنبك، ورحمنا
____________
(1) التوحيد: 363 ح 11.
(2) التوحيد: 368 ح 6.
(3) رجال الكشّي: 506 رقم 974.
(4) انظر: الغيبة: 211.
(5) «عـن» ليست في المصدر.
(6) في المصدر: «إنّي».


--------------------------------------------------------------------------------

(205)

وإيّاك، ورضى عنك برضاي عنك»(1).
وقد روي بأسانيد معتبرة، أنّه كتب إلى الرضا عليه السلام : عمّن آخذ معالم ديني؟ فكتب إليه: «خذ معالم دينك من يونس بن عبـد الرحمن»(2).
ولا يخفى أنّه لم يكن مشبّهاً ولا مجبّراً، على أنّه لو كان هكذا كيف جاز الاِرشاد إليه؟!
لكنّه أيضاً ليس كثير الرواية، فلا ضرورة إلى زيادة كلام فيه.
وكذا في سبطه محمّـد بن الحسين بن عبـد العزيز، وقد مرّ في أخبار أحمد بن محمّـد بن عيسى ما هو من رواته.
* ومـن هؤلاء: أبـو القاسم سعـد بن عبـد الله بن أبي خلف الاَشعري، الذي هو من أجلّة شيوخ أصحابنا القمّيّين وغيرهم، وقد صرّح بتوثيقه، وفقاهته، وجلالة حاله، وصحّة إيمانه، كلّ أهل الرجال، وقيل: لقي أبا محمّـد عليه السلام أيضاً.
وقد روى من كتبه أخباراً كثيرة كبار أصحابنا، ولنشِر إلى بعض ما يؤيّد مطلبنا منها.
فمن ذلك: الخبر الثاني، والثالث، والخامس من الاَخبار التي رويناها بوساطة أحمد بن محمّـد بن عيسى الاَشعري(3).
ومـن ذلك: مـا رواه الصدوق في توحيـده، عن أبيه، عن سعد بن عبـد الله، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّـد بن عيسى بن عبـد الله الاَشعري، عمّن ذكره، قال: سئل أبو جعفر عليه السلام : أيجوز أن يقال: إنّ الله
____________
(1) رجال الكشّي: 506 رقم 976.
(2) رجال الكشّي: 483 رقم 910، وص 490 رقم 935، وص 491 رقم 938.
(3) راجع ص 193 وص 194 وص 195.

--------------------------------------------------------------------------------

(206)

شيء؟
قال: «نعم، يخرجه من الحدّين: حدّ التعطيل، وحدّ التشبيه»(1).
وما رواه أيضاً عن علي بن عبـد الله الورّاق، عن سعد بن عبـد الله، عن إسماعيل بن سهل، عن عثمان بن عيسى، عن محمّـد بن عجلان، قال: قلت لاَبي عبـد الله عليه السلام : فوَّضَ اللهُ الاَمرَ إلى العباد؟
فقال: «الله أكرَمُ من أن يفوّضَ إليهم».
قلت: فأجْبَرَ اللهُ العبادَ على أفعالهم؟
فقال: «اللهُ أعْدَلُ من أن يُجْبِرَ عبـداً على فعلٍ ثمّ يعذِّبَهُ عليه»(2).
ومـا رواه عن أبيه، عن سعد بن عبـد الله، عن أحمد بن محمّـد بن خالد، عن أبيه، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن الرضا عليه السلام ، قال: ذكر عنده الجبر والتفويض، فقال: «ألا أُعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه، ولا تخاصمون عليه أحداً إلاّ كسرتموه؟!».
قلنا: إن رأيت ذلك.
فقال : «إنّ الله عزّ وجلّ لم يُطَعْ بإكراه ، ولم يُعْصَ بغلبة ، ولم يهمِل العباد في ملكه ، هو المالك لِما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن ائتمر العباد [ بطاعته لم يكن الله عنها صادّاً ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا] بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحِلْ فعلوه، فليس هو الذي أدخلهم فيه»، ثمّ قال عليه السلام : «من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه»(3).
____________
(1) التوحيد: 104 ح 1.
(2) التوحيد: 361 ح 6.
(3) التوحيد: 361 ح 7، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.


--------------------------------------------------------------------------------

(207)

ولقـد روى أصحابنا سيّمـا الصدوق والكليني بواسطته أخباراً متعدّدة في هذا المعنى، اكتفينا نحن بمـا فيه الكفاية لمَن يطلب الهداية.
* ومن هؤلاء: أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الاَشعري، الذي وثّقه كلّ علماء الرجال، وصرّحوا بفقاهته، وعلمه، وصحّة أحاديثه، وكثرتها، وهو شيخُ كثيرٍ من أصحابنا، وروي عنه أخبار كثيرة، وله كتب معتبرة.
ولنذكر نبذاً ممّا يدلّ على حسن عقيدته، وكونه بريئاً ممّا نسب إلى هؤلاء.
فمنها: الخبران الاَخيران ممّا مرّ في محمّـد بن أحمد بن يحيى(1).
ومنها: ما رواه الصدوق في توحيده عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّـد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن علي بن أبي حمزة، قال: قلت لاَبي عبـد الله عليه السلام : سمعت هشام بن الحكـم يروي عنكـم: إنّ الله عزّ وجلّ جسم، صمدي، نوري، معرفته ضرورة يَمُنّ بها على مَن يشاء من خلقه.
فقال عليه السلام : «سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو، ليس كمثله شـيء وهـو السميـع البصير، لا يُحـدّ، ولا يُحسّ، ولا يُجسّ، ولا يُمسّ، لا تدركه الحواسّ ولا يحيط به شيء، لا جسم، ولا صورة، ولا تخطيط، ولا تحديد»(2).
وما رواه عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه ـ أحمد ـ، عن أبـي سعيـد الآدمـي، عـن بشـر بـن بشّـار النيشابـوري، قـال: كتبت إلـى
____________
(1) راجع ص 203 وص 204.
(2) التوحيد: 98 ح 4.


--------------------------------------------------------------------------------

(208)

أبـي الحسن عليه السلام : أنّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، منهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة.
فكتب عليه السلام : «سبحان من لا يُحدّ، ولا يُوصف، ولا يشبهه شيء، وليس كمثله شيء، وهو السميع البصير»(1).
والاَخبار المروية عنه في هذا الباب كثيرة موجودة في الكافي وغيره، وقد مرّ في ما ذكرنا آنفاً ما يدلّ على حسن عقيدة ابنه أيضاً، وهو:
أبو عبـد الله الحسين بن أحمـد بن إدريس، الذي هو شيخ الصدوق، وما ذكره إلاّ مقروناً بالرحمة والرضوان، وقد ذكر في توحيـده أخباراً بواسطته دالّة على حسن عقيدته، تركناها مخافة الاِطناب، مع كونه قليل الرواية.
ثـمّ مـن هؤلاء الاَشاعرة جماعة كثيرة صرّح علماء الرجال بتوثيقهـم أو مدحهم وحسن عقيدتهم، وربّما يظهر ذلك من بعض رواياتهم في نفي الجبر والتشبيه أيضاً، لكن تركنا ذكرهم مفصّلاً لِما مرّ، وكفاية ما ذكر وعدم كونهم لما نحن فيه بمثابة ما زبر، ولنذكر بعضهم مجملاً:
فمنهم: أبو قتادة علي بن محمّـد بن حفص الاَشعري، الذي وثّقه أهل الرجال كلّهم، وقالوا: روى عن الصادق عليه السلام ، وعمّر حتّى روى عنه أحمد بن محمّـد بن عيسى(2).
ومنهم: أبو علي الريّان بن الصلت الاَشعري، الخراساني الاَصل، البغدادي، القمّي، الذي صرّح أهل الرجال بكونه ثقة صدوقاً، روى عن
____________
(1) التوحيد: 101 ح 13.
(2) رجال النجاشي: 272 رقم 713؛ ورواية أحمد بن محمّـد بن عيسى عنه في التهذيب 5|202 ح 673، والاستبصار 2|264 ح 930.


--------------------------------------------------------------------------------

(209)

الرضا عليه السلام ، وقال فيه: «إنّ المؤمن موفّق»(1) وأذِن له في الدخول عليه، وأعطاه من ثيابـه ودراهمـه ابتداءً منـه عليه السلام ، وقد كان الريّان تمنّى ذلك.
وكذا كان ابناه علي ومحمّـد، من الثقات، والرواة عظيمي الشأن.
قيل: كان علي وكيلاً لاَبي محمّـد عليه السلام (2).
ومنهم: حمزة بن يعلى الاَشعري، أبو علي القمّي، الثقة عند كلّ علماء الرجال، وروى عن الرضا والجواد عليهما السلام (3).
ومنهم: أحمد بن عبد الله بن عيسى بن مصقلة بن سعد الاَشعري، الذي له نسخة عن الجواد عليه السلام ، ووثّقه كلّ أهل الرجال(4).
ومنهم: أبو جعفر محمّد بن علي بن محبوب الاَشعري، المشهور، الذي روى عنه أكابر القمّيّين، وصرّح علماء الرجال بكونه: ثقة، عيناً، فقيهاً، صحيح المذهب(5).
وقد مـرّ في أحمد بن محمّـد بن عيسى ما يدلّ على حسن حاله أيضاً(6).
ومنهم: أبو عبـد الله الحسين بن محمّـد بن عامر بن عمران بن أبي عمير الاَشعري، الذي وثّقه كلّ أهل الرجال، وله كتاب(7)، روى عنه
____________
(1) رجال الكشّي: 546 رقم 1035 وص 547 رقم 1036.
(2)الخلاصة ـ القسم الاَوّل ـ: 99 رقم 37، رجال ابن داود: 138 رقم 1051، التحرير الطاووسي: 380.
(3) رجال النجاشي: 141 رقم 366.
(4) رجال النجاشي: 101 رقم 252.
(5) رجال النجاشي: 349 رقم 940.
(6) راجع ص 195.
(7) رجال النجاشي: 66 رقم 156، وانظر: معجم رجال الحديث 7|83.


--------------------------------------------------------------------------------

(210)

الكليني بلا واسطة كثيراً، وقد ينسب إلى جدّه أيضاً، فيقال: حسين بن محمّـد بن عمران.
وقد روى الصدوق في التوحيد عنه خبراً في ردّ الجبر والتفويض(1).
وروايات الكليني في هذا الباب أيضاً موجودة.
وهـو يروي عن عمّـه الذي كان مـن وجوه أهل قـم وثقاتهم؛ أعني: عبـدالله بن عامر.
هذا مجمل أحوال هؤلاء، ولو حاول أحد ذكر جميع ما ورد فيهم وتتبّع غيرهم أيضاً ممّن انتسب إلى هؤلاء لطال الكلام، وزاد عن إفادة المرام، فلنختم بذلك في هذا المقام.

* * *
____________
(1) التوحيد: 362 ح 10.


--------------------------------------------------------------------------------

(211)


الفصل الثاني
في ذكر المعتبَرين من سائر القمّيّـين


* فمنهم: أبو طالب عبـد الله بن الصلت القمّي، مولى تيم الله بن ثعلبة، الذي وثّقه كلّ علماء الرجال، ومدحوه بأحسن مدائح، وكان من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، وجيهاً عندهما.
وروى الكشّي عن علي بن محمّـد، عن محمّـد بن عبـد الجبّار، عن أبي طالب القمّي، قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أبيات شعر، وذكرت فيها أباه عليه السلام وسألته أن يأذن لي في أن أقول فيه، فقطع الشعر، وحبسه، وكتب في صدر ما بقي من القرطاس: «قد أحسنت، فجزاك الله خيراً»(1).
وعن العيّاشي، عن حمدان بن أحمد النهدي، عن أبي طالب، قال: كتبت إلـى أبـي جعفـر بـن الرضا عليهما السلام يأذن لـي أن أرثـي أبـا الحسن عليه السلام ـ أعني أباه ـ قال: فكتب إليّ: «اندبني واندب أبي»(2).
ومن الاَخبار الدالّة على برئه ممّا نسب إلى أهل بلده:
رواية الصدوق عن علي بن الحسين بن الصلت، عن محمّـد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن عمّه أبي طالب عبـد الله بن الصلت، عن يونس بن عبـد الرحمن، قال: قلت لاَبي الحسن موسى عليه السلام : لاَيّ علّة عرج الله بنبيّـه صلى الله عليه وآله إلى السماء، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وخاطبه وناجاه هناك، والله لا يوصف بمكان؟
____________
(1) رجال الكشّي: 245 رقم 45 وص 568 رقم 1075.
(2) رجال الكشّي: 567 رقم 1074.


--------------------------------------------------------------------------------

(212)

فقـال عليه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ لا يشبهـه شيء، ولا يوصف بمكان، ولا يجري عليه زمان، ولكنّه عزّ وجلّ أراد أن يشرّف به ملائكته، وسكّان سماواته، ويكرمهم بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته مـا يخبر بـه بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقول المشبّهون، سبحان الله عمّا يشركون»(1).
ورواية الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسن زعلان، عن أبي طالب القمّي، عن رجل، قال: قلت لاَبي عبـد الله عليه السلام : أجبر الله العباد على المعاصي؟
قال: «لا».
قلت: ففوّض إليهم الاَمر؟
قال: «لا».
قلت: فماذا؟
قال: «لطف من ربّك بين ذلك»(2).
وقد ظهر من الخبر الاَوّل حسن حال أخيه علي، وكذا ابن أخيه محمّـد بن أحمد أيضاً، وقد مرّ في أحمد بن إسحاق ما يدلّ على كون محمّـد من الوكلاء والسفراء(3)، فتأمّل.
* ومنهم: أبو العبّـاس عبـد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري القمّي، الذي هو ثقة بالاتّفاق، ومن أكابر شيوخ قم، وروى أحاديث كثيرة سمعها من علماء الكوفة، وصنّف كتباً، روى منها أصحابنـا، وكان مـن أصحاب الرضـا والجـواد والهادي والعسكري
____________
(1) التوحيد: 175 ح 5.
(2) الكافي 1|121 ح 8.
(3) راجع ص 200.

--------------------------------------------------------------------------------

(213)

والصاحب عليهم السلام ، وله مسائل وتوقيعات لاَبي محمّـد عليه السلام على يد محمّـد ابن عثمان العمـري(1).
وقد كثرت أيضاً مرويّاته الدالّة على برئه ممّا قيل في أهل بلده كما ذكرناه في المقدّمة من الخبر الصريح في المقصود(2)، وكالخبر الاَوّل والخامس ممّا ذكرناه في أحمد بن محمّـد بن عيسى(3).
ولِما رواه الصدوق عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السرّاج، قال: قلت لاَبي عبـد الله عليه السلام : إنّ بعض أصحابنا يزعم أنّ لله صورة مثل الاِنسان، وقال آخر: إنّه في صورة أمرد جعد قطط.
فخرّ أبو عبـد الله عليه السلام ساجداً، ثمّ رفع رأسه، فقال: «سبحان الله الذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الاَبصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لاَنّ الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالى عن صفة مَن سواه علوّاً كبيراً»(4).
وبالجملة: الاَخبار الدالّة على حسن حاله كثيرة، وكذا في براءة ابنه أيضاً.
أعني: محمّـد بن عبـد الله الحميري، الذي وثّقه كلّ علماء الرجال، وصرّحوا بكونه كاتباً للصاحب عليه السلام ، وأنّ له مسائل عنه في الشريعة.
قال بعض الاَصحاب: وقعت إليّ تلك المسائل بأصلها، والتوقيعات
____________
(1) رجال النجاشي: 219 رقم 573.
(2) راجع ص 187.
(3) راجع ص 193 وص 195.
(4) التوحيد: 103 ح 19.

--------------------------------------------------------------------------------

(214)

بين سطورها(1).
وله كتب كبيرة، وروايات كثيرة، وممّا يدلّ على ما نحن فيه: خبر المقدّمة(2) والاَوّل(3) ممّا ذكرناه في أحمد بن محمّـد بن عيسى، وكفى ذلك للمنصف.
* ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم القمّي، الذي نشر أحاديث أهل الكوفة في قم، حين انتقل منها إليها، وهو من أعيان أصحابنا، ووجوه أهل قم، ومن أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، ممدوح عند علماء الرجال كمال المدح، راوي روايات كثيرة سيّما في نفي التشبيه والجبر وأمثالها، وقد مرّ أصرحها في المقدّمة(4)، وخبر في محمّـد بن أحمد بن يحيى الاَشعري(5)، وسيجيء بعضها في ابنه:
أبي الحسن علي بن إبراهيم، الذي هو من مشاهير أصحابنا القمّيّين وغيرهم، وصرّح جميع أهل الرجال بتوثيقه، وكونه ثبتاً معتمداً صحيح المذهب(6)، ولقي الهادي عليه السلام (7)، وروى روايات كثيرة، وصنّف كتباً، منها: التفسير المشهور.
والاَخبار المروية عنه الدالّة على كونه بريئاً ممّا نسب إلى أهل قم
____________
(1) رجال النجاشي: 354 رقم 949؛ وبعض الاَصحاب هو: أحمد بن الحسين.
(2) راجع ص 187 ـ 188.
(3) راجع ص 193.
(4) راجع ص 187، وانظرترجمته في: رجال النجاشي: 16 رقم 19، والفهرست: 4 رقم 6.
(5) راجع ص 204.
(6) رجال النجاشي: 260 رقم 680.
(7) انظر: مجمع الرجال 4|152.

--------------------------------------------------------------------------------

(215)

كادت أن تبلغ حدّ التواتر، مع أنّه صرّح في أوّل تفسيره عند تقسيم الآيات بأنّ بعضها في ردّ المجبّرة، وبعضها في ردّ القدرية، وبعضها في ردّ المعتزلة، وذكر ما يدلّ على هذا من الآيات.
ثمّ قال: إنّ بعض الآيات التي استند إلى ظاهرها المجبّرون وأمثالهم مؤوّلة ولها معاني صحيحة، لكنّهم لم يعرفوا.
وذكر أيضاً عند تفسير الآيات الموهمة للتشبيه ظاهراً ـ [و] كذا آيات الرؤية ـ معاني وروايات في تأويلها(1).
ولنذكر بعضاً منها، وممّا رواه علماؤنا عنه، وعن أبيه في هذا الباب، حتّى تتّضح براءَتـه عمّـا توهّـم فيـه على أُولي الاَلباب، ويصحّ أنّ بعض [الـ]ـكلمات الموهمة للخلاف أيضاً مؤوّلـ[ـة] كعبارات سائر الاَصحاب.
قال في أوّل تفسيره ـ عند ذكر بعض الآيات في الرؤية ـ:
حدّثني أبي، عن أحمد بن محمّـد بن أبي نصر، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال: قال لي: «يـا أحمد! مـا الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟».
فقال: قلت: جعلت فداك، قلنا نحن بالصورة؛ للحديث الذي روي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله رأى ربّه في صورة شابّ، وقال هشام بالنفي للجسم.
فقال: «يا أحمد! إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لمّا أُسري به إلى السماء، وبلغ عند سدرة المنتهى، خرق له في الحجب مثل سَمّ الاَُبرة، فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى، وأردتم أنتم التشبيه. دع هذا يا أحمد! لا ينفتح عليك أمر عظيم»(2).
____________
(1) تفسير القمّي ـ المقدّمة ـ: 5.
(2) تفسير القمّي ـ المقدّمة ـ: 20.

--------------------------------------------------------------------------------

(216)

وقال عند تفسير قوله: (ثمّ دنا فتدلّى * فكان قاب قوسين أو أدنى)(1):
أخبرني أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّـد، عن الحسن بن العبّـاس، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (ما ضلّ صاحبكم)(2).. الخبر..
إلى أن قال: «(فكان قاب قوسين أو أدنى) كان بين لفظه وبين سماع محمّـد صلى الله عليه وآله كما بين وتر القوس وعودها»(3).
وقال في قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أُخرى): «قال الرسول: رأيت الوحي نزلة أُخرى (عند سدرة المنتهى)»، وفي قوله تعالى: (إذ يغشى السدرة ما يغشى): «يعني من حجب النور»، وفي (ما زاغ البصر وما طغى) يقول: «ما عمي البصر عن تلك الحجب، وما طغى القلب بزيادة في ما أُوحي إليه»(4).
قال: وفي قوله تعالى: (وأنّ إلى ربّك المنتهى)(5): «إذا انتهى الكلام إلى الله تعالى فأمسكوا»(6).
وقال في قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة)(7):
____________
(1) سورة النجم 53: 8 و9.
(2) سورة النجم 53: 2.
(3) تفسير القمّي 2| 334؛ وفيه «الحسين بن العبّـاس» بدل «الحسن بن العبّـاس».
(4) تفسير القمّي 2| 335؛ والآيات هي 13 و14 و16 و17 من سورة النجم.
(5) سورة النجم 53: 42.
(6) تفسير القمّي 2| 338.
(7) سورة القيامة 75: 22 و23.


--------------------------------------------------------------------------------

(217)

«أي وجوه مشرقة، ينظرون إلى وجه الله أي رحمة الله تعالى»(1).
وقال في تفسير قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)(2):
حدّثنا محمّـد بن أبي عبـد الله، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن محمّـد بن مارد، أنّ أبا عبـد الله عليه السلام سئل عن تفسير ذلك فقال: «أي استوى عن كلّ شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء»(3).
وقـال رضي الله عنه فـي ردّ التوصيف، مـا رواه الكليني عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّـد بن يحيى الخثعمي، عن عبـد الرحمن بن عتيك القصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شيء من الصفة، فرفع يده إلى السمـاء، ثـمّ قال: «تعالى الجبّـار، تعالى الجبّـار، من تعاطى ما ثَمَّ هلك، (فلا يوصف الله عزّ وجلّ إلاّ بما وصف نفسه عزّ وجلّ)»(4).
وقد روى الكليني أيضاً عن العبّاس بن معروف، عن ابن أبي نجران، عن حمّاد بن عثمان، عن عبـد الرحيم بن عتيك القصير، قال: كتبت على يدي عبـد الملك بن أعين إلى أبي عبـد الله عليه السلام : أنّ قوماً بالعراق يصفون الله بالصورة وبالتخطيط، فإن رأيت ـ جعلني الله فداك ـ أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد.
فكتب إليّ: «سألت ـ رحمك الله ـ عن التوحيد، وما ذهب إليه مَن قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى عمّا يصفه الواصفون [المشبّهون الله بخلقه، المفترون على الله.
____________
(1) تفسير القمّي 2| 397؛ وفيه: «ونعمته» بدل «تعالى».
(2) سورة طـه 20: 5.
(3) تفسير القمّي 2| 59.
(4) الكافي 1| 74 ح 10، وما بين القوسين لم يرد في المصدر المطبوع.

--------------------------------------------------------------------------------

(218)

فاعلم ـ رحمك الله ـ أنّ المذهب الصحيح فـي التوحيد مـا نزل بـه القرآن من صفات الله جلّ وعزّ، فَانْفِ عن الله تعالى البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون]، ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان»(1).
وروى الصدوق فـي توحيـده عـن محمّـد بن موسى بـن المتوكّل، عـن علي بن إبراهيـم، عن أبيـه، عن الريّان بن الصلت، عن علي بن موسى عليه السلام ، عن أبيه، عن آبائه [ عليهم السلام ]، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «قال الله جلّ جلاله: ما آمن بي مَن فسّر برأيه كلامي، وما عرفني مَن شبّهني بخلقي، وما على ديني مَن استعمل القياس في ديني»(2).
وروى عن حمزة بن محمّـد العلوي، عن علي بن إبراهيم. والكليني عن علي بلا واسطة، عن محمّـد بن عيسى، عن يونس بن عبـد الرحمن، عن محمّـد بن حكيم، قال: وصفت لاَبي الحسن عليه السلام قول هشام الجواليقي وما يقول في الشابّ الموفّق ووصفت له قول هشام بن الحكم، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ لا يشبهه شيء»(3).
وروى عن محمّـد بن موسى بن المتوكّل، عن علي، عن أبيه، عن الصقر بن أبي دلف، قال: سألت أبا الحسن علي بن محمّـد عليهما السلام عن التوحيد، وقلت له: إنّي أقول بقول هشام بن الحكم.
فغضب عليه السلام ثـمّ قـال: «مـا لكم ولقول هشام، ليس منّـا من زعم أنّ الله عزّ وجلّ جسم، نحن منه براء في الدنيا والآخرة.
____________
(1) الكافي 1| 78 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) التوحيد: 68 ح 23.
(3) التوحيد: 97 ح 1، الكافي 1| 82 ح 8.


--------------------------------------------------------------------------------

(219)

يابن أبي دلف! إنّ الجسم محدَث، والله محدِثه ومجسّمه»(1).
وروى الكليني عن علي، عن محمّـد بن عيسى، عن عبـد الرحمن ابن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهّم شيئاً؟
فقال: «نعم، غير معقول، ولا محدود، فما وقع عليه وهمك من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء، ولا تدركه الاَوهام، وكيف تدركه الاَوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصوّر في الاَوهام؟! إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود»(2).
وروى الصدوق عن أبيه، عن علي، عن أبيه. والكليني، عن علي، عن أبيه، عن العبّـاس بن عمرو الفقيمي، عن الهشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنّه قال للزنديق حين سأله: ما هو؟
قال: «هو شيء بخلاف الاَشياء، أرجع بقولي شيء إلى إثبات معنىً، وأنّه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنّه لا جسم، ولا صورة، ولا يُحسّ، ولا يُجسّ، ولا يُدْرَكُ بالحواسّ الخمس، ولا تُدرِكُهُ الاَوهام»(3).
والخبر طويل صريح في المذهب الحقّ، وإبطال النفي والتشبيه، وأمثال ذلك من أراده فليرجع إلى الكافي.
وروى الصدوق عـن حمـزة بـن محمّـد العلـوي ومحمّـد بـن علي ماجيلويـه، عن علي بن ابراهيم.
والكليني عن علي بغير واسطة، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن
____________
(1) التوحيد: 104 ح 20.
(2) الكافي 1| 64 ح 1.
(3) التوحيد: 104 ح 2، الكافي 1| 63 ـ 64 ضمن ح 5.


--------------------------------------------------------------------------------

(220)


علي بن عطية، عن خيثمة، عن أبي جعفر عليه السلام .
وعن علي، عن محمّـد بن عيسى، عن يونس، عن أبي المغري، رفعه عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «إنّ الله تبارك وتعالى خلوّ من خلقه، وخلقه خلوّ منه، وكلّ ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كلّ شيء»(1).
وروى الصدوق أيضاً عن أبيه، عن علي، عن أبيه.
والكليني عن علي، عن أبيـه، عن علي بن معبـد، عن عبـد الله بن سنان، عن أبيـه، قـال: حضرت أبا جعفـر عليه السلام فدخل عليـه رجل مـن الخوارج، فقال لـه: يا أبا جعفر! أيّ شيء تعبـد؟
قال: «الله تعالى».
قال: رأيته؟
قال: « لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الاِيمان، لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواسّ، ولا يشبّه بالناس، موصوف بالآيـات، معـروف بالعلامـات، لا يجور فـي حكمـه، ذلك الله، لا إله إلاّ هو».
قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته(2).
وروى الصدوق عن حمزة بن محمّـد، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، عن أبي عبـد الله عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو
____________
(1) التوحيد: 105 ح 4 و 5، الكافي 1| 65 ح 3 و 5.
(2) التوحيد: 108 ح 5، الكافي 1| 75 ح 5.

--------------------------------------------------------------------------------

(221)

سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أين ما كانوا)(1).
فقال: «هو واحد أحَدِيُّ الذات، بائن من خلقه، وبذاك وصف نفسه، وهو بكلّ شيء محيط بالاِشراف والاِحاطة والقدرة، لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الاَرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالاِحاطة والعلم لا بالذات، لاَنّ الاَماكن محدودة تحويها حدود أربعة، فإذا كان بالذات لزمه الحواية»(2).
وروى أيضاً عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن حمّاد بن عمرو، عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال: «كذب من زعم أنّ الله عزّ وجلّ في شيء، أو من شيء، أو على شيء»(3).
وروى هو أيضاً عن محمّـد بن علي ماجيلويه، عن علي.
والكليني عن علي، عن مختار بن محمّـد بن المختار الهمداني، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: سألته عن أدنى المعرفة؟ فقال: «الاِقرار بأنّه لا إلـه غيره، ولا شبه له، ولا نظير، وأنّه قديم مثبت، موجود غير فقيد، وأنّه ليس كمثله شيء»(4).
وروى الكلينـي عـن علي، عن محمّـد بـن عيسى، عن يونس بن عبـد الرحمن، عن غير واحد، عن أبي جعفر وأبي عبـد الله عليهما السلام ، قالا: «إنّ الله أرحم بخلقه من أن يجبرهم على الذنوب ثمّ يعذّبهم عليها، والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون».
____________
(1) سورة المجادلة 58: 7.
(2) التوحيد: 131 ح 13.
(3) التوحيد: 178 ح 10.
(4) التوحيد: 283 ح 1، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1|133 ح 2، الكافي 1|67 ح 1.


--------------------------------------------------------------------------------

(222)

قالا: فسئلا عليهما السلام : هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا: «نعم، أوسع ممّا بين السماء والاَرض»(1).
وفي رواية أُخرى بعد قوله: «يعذّبهم عليها» قلت: جعلت فداك، ففوّض الله إلى العباد؟ فقال: «لو فوّض إليهم لم يحصرهم بالاَمر والنهي» قلت: فبينهما منزلة(2).. الخبر..
وبالجملة: الاَخبار المروية بوساطة هذا الرجل، في هذا الباب، أزيد من أربعين مذكورة في كتب الاَصحاب، سيّما تفسيره، والكافي، وتوحيد الصدوق، سوى عباراتـه في تفسيـره، فإنّها أكثر من أن تحصى، لكن في هذا القدر كفاية لمَن طلب الحقّ، بل أقلّ من هذا أيضاً، وإنّما أطلقنا عنان القلم في هذا المقام، لكون هذا الرجل ـ من بينهم ـ أشدّ قرباً إلى تلك الظنون عند بعض الاَعلام، بسبب ما أشرنا إليه في أوّل الكلام.
* ومن هؤلاء: أبو جعفر محمّـد بن يحيى العطّـار القمّي، شيخ الكليني، وهو من أجلّة شيوخ قم، ووثّقه كلّ علماء الرجال، وذكروه بأحمد الاَحوال، وروى روايات كثيرة، غاية الكثرة في تأليفاته، وقد ذكر أكثرها أصحابنا، ولنشِر إلى بعض ما يدلّ منها على المقصود.
فمنها: الخبر الرابع ممّا ذكرناه في أحمد بن محمّـد بن عيسى(3)، والخبر الاَوّل والاَخير ممّا ذكرناه في محمّـد بن أحمد بن يحيى الاَشعري(4) والخبر الاَخير في عبـد الله بن الصلت(5).
____________
(1) الكافي 1| 121 ح 9.
(2) الكافي 1| 122 ح 11.
(3) راجع ص 195.
(4) راجع ص 202 وص 204.
(5) راجع ص 212.

--------------------------------------------------------------------------------

(223)

ومنها: رواية الصدوق عن محمّـد بن الحسن بن الوليد، عن محمّـد ابن يحيى العطّار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّـد بن أُرومة، عن إبراهيـم بن الحكم، عن عبـد الله بن جون(1)، عن أبي عبـد الله عليه السلام ، أنّه كان يقول: «الحمد لله الذي لا يُحَسّ، ولا يُجَسّ، ولا يُمَسّ، ولا يُدرك بالحواسّ الخمس، ولا يَقع عليه الوهم، ولا تَصِفه الاَلسن، وكلّ شيء حسّته الحواسّ، أو لمسته الاَيدي، فهو مخلوق، الحمد لله الذي كان إذ لم يكن شيء غيره، وكوّن الاَشياء فكانت كما كوّنها، وعلم ما كان وما هو كائن»(2).
ومنها: روايته عن أحمد بن محمّـد بن يحيى العطّـار، عن أبيه، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه.
وبهـذا الاِسنـاد عن سهـل، عن حمـزة بن محمّـد، قال: كتبت إلـى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم والصورة، فكتب: «سبحان من ليس كمثله شيء، لا جسم ولا صورة»(3).
والاَخبار في هذا المعنى منه كثيرة، لكن يكفي ما ذكرناه لمَن طلب البصيرة.
ويُعلم ممّا ذكرنا آنفاً حسن عقيدة ابنه أيضاً.
أعني: أحمد بن محمّـد بن يحيى العطّار، الذي هو شيخ الصدوق أبي جعفر، وقد ذكره في مواضع من كتبه مقروناً بالرحمة والرضوان،
____________
(1) كذا في المخطوط والمطبوع، وفي المصدر: عبـد الله بن جرير العبدي، وفي نسخة التوحيد عند العلاّمة المجلسي: عبـد الله بن جوين العبدي.
انظر: بحار الاَنوار 3|300 ح 31 الهامش، ولم أجد له ذكر في كتب الرجال.
(2) التوحيد: 75 ح 29، وص 59 ح 17 بسند آخر عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير.
(3) التوحيد: 102 ح 16 و ح 17.


--------------------------------------------------------------------------------

(224)

وروى عنه روايات في ردّ التشبيه وأمثاله(1)، لا نطيل الكلام بذكرها.
* ومن هؤلاء أيضاً: أبو جعفر الاَعرج، الملقّب بـ: مملولة، محمّـد ابن الحسن بن فرّوخ الصفّـار القمّي، الذي وثّقه علماء الرجال، وروى عنه شيوخ أصحابنا، صاحب روايات كثيرة، وكتب كبيرة، وله مسائل كتب بها إلى أبي محمّـد عليه السلام .
وبالجملة: هو ممدوح الصغير والكبير، وممّا روي عنـه فـي نفي الجبر والتشبيـه: الخبر الثالث، والسادس، ممّا مرّ في أحمد بن محمّـد بن عيسى(2). ومن ذلك: رواية الصدوق عن محمّـد بن الحسن بن الوليد، عن محمّـد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّـد بن عيسى، عن علي بن سيف بن عميرة، عن محمّـد بن عبيد، قال: دخلت على الرضا عليه السلام ، فقال لـي: «قل للعبّـاسي يكفّ عن الكلام فـي التوحيد وغيـره، ويكلّـم الناس بمـا يعرفون، ويكفّ عمّـا ينكرون.
وإذا سألوك عـن التوحيد، فقل كما قال الله عزّ وجـلّ: (قل هـو الله أحـدٌ * الله الصمدُ * لـم يلدْ ولـم يولـد * ولـم يكن لـه كفواً أحـد)(3).
وإذا سألوك عـن الكيفية فقل كما قال الله عزّ وجلّ: (ليس كمثله شيء)(4).
____________
(1) انظر التوحيد على سبيل المثال لا الحصر.
(2) راجع ص 194 وص 195.
(3) سورة الاِخلاص.
(4) سورة الشورى 42: 11.

--------------------------------------------------------------------------------

(225)

[وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عزّ وجلّ: (وهو السميع العليم)(1)، فكلّم الناس بما يعرفون]»(2).
ومنه: روايته أيضاً عن محمّـد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن محمّـد بن عيسى بن عبيد، عن عبـد الرحمن بن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهّم شيئاً؟ فقال: «نعم، غيـر معقول، ولا محـدود، فمـا وقع عليه وهمك من شيء فهو بخلافـه، ولا يشبهه شيء»(3).. الخبر.
ومنه: روايته أيضاً عن محمّـد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّـار، عن محمّـد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّـد بن الفضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام : هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربّه عزّ وجلّ؟ فقال: «نعـم، رآه بقلبـه، أمـا سمعت الله عـزّ وجـلّ يقـول: (مـا كذَبَ الفؤادُ مـا رأى)(4)أي لم يرهُ بالبصر، ولكن رآه بالفؤاد»(5).
والاَخبار عنه في هذا المعنى كثيرة، لا نطوّل الكلام بذكرها.
* ومنهم: أبو جعفر محمّـد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّي، شيخ الصدوق أبي جعفر وسائر القمّيّين، وفقيههم، ومتقدّمهم، ووجههم، وقد صرّح كلّ أهل الرجال بأنّه: ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه، بصير بالفقه، عظيم القدر، صاحب كتب وروايات كثيرة(6).
____________
(1) سورة البقرة 2: 137.
(2) التوحيد: 95 ح 14، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(3) التوحيد: 106 ح 6.
(4) سورة النجم 53: 11.
(5) التوحيد: 116 ح 17.
(6) انظر مثلاً: رجال النجاشي: 383 رقم 1042.


--------------------------------------------------------------------------------

(226)

وقد روى عنه الصدوق أخباراً في ردّ التشبيه والجبر وأمثالهما، كادت [أن] تبلغ خمسين؛ أسلفنا منها ما فيه الكفاية، كالخبر الثالث والرابع والخامس ممّا مرّ في أحمد بن محمّـد بن عيسى(1).
والاَوّل والاَخير ممّا ذكر في محمّـد بن أحمد بن يحيى الاَشعري(2).
والاَول ممّا مرّ في محمّـد بن يحيى العطّـار(3).
والاَربعـة الاَخبـار التي رويناها في الصفّـار(4).
* ومنهم: أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، والد أبي جعفر محمّـد بن علي، وأبي عبـد الله الحسين بن علي، وهو الذي اعترف بتوثيقه وتوثيق ولديه وفضلهم وفقاهتهم كلّ علماء الرجال.
وقد خرج إليه ـ كما نصّ أصحابنا عليه ـ توقيع من أبي محمّـد عليه السلام في كمال العزّة، وفيه: «أُوصيك يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن علي بن الحسين القمّي، وفّقك الله لمرضاته، وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته».. التوقيع.
وفي آخره أيضاً: «فاصبر يا شيخي ومعتمدي، وأمُرْ جميع شيعتي بالصبر، فـ (إنّ الاَرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين)(5) والسلام عليك ورحمة الله وبركاته»(6).
____________
(1) راجع ص 194 وص 195.
(2) راجع ص 202 وص 204.
(3) راجع ص 222 ـ 223.
(4) راجع ص 224 وص 225.
(5) سورة الاَعراف 7: 128.
(6) مناقب ابن شهرآشوب 4: 426، بحار الاَنوار عنه 50|317 ذيل ح 14، جامع المقال: 195، وانظر مقدّمة كتاب الاِمامة والتبصرة: 21.


--------------------------------------------------------------------------------

(227)

ثمّ إنّه قدِم إلى بغداد في زمان الغيبة الصغرى، واجتمع مع الحسين ابن روح، وسأله مسائل، ثمّ كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الاَسود، وسأله أن يوصل له رقعته إلى الصاحب عليه السلام ، ويسأله فيها الولد، فخرج إليه التوقيع: «قد دعونا الله لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيّرين»(1) فولد له الولدان اللذان ذكرناهما.
والثاني منهما(2): هو شيخ السيّـد المرتضى رضي الله عنه (3)، ولقد لاحظ فيه حقّه حيث نسبه إلى ما نسبه مع أنّ له كتاباً في نفي التشبيه على ما ذكره الشيخ وغيره من علماء الرجال(4).
وروى الكشّـي: أنّ جماعة من أصحابنا قالوا: سمعنا جمعاً من أصحابنا يقولون: كنّـا عند أبي الحسن علي بن محمّـد السمري رحمه الله(5)،
____________
(1) رجال النجاشي: 261 رقم 684.
(2) أي من أولاد أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المتقدّم في ص 226، وهو أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي.
(3) رجال الشيخ الطوسي: 484 رقم 52 باب من لم يرو عنهم، حاوي الاَقوال 1|309 رقم 197.
(4) لم نعثر على ذكر الشيخ في رجاله: أنّ للحسين بن علي بن بابويه كتاباً في نفي التشبيه، بل ذكر ـ فى باب من لم يروَ عنهم: 466 رقم 28 ـ الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، كثير الرواية، يروي عن جماعة، وعن أبيه، وعن أخيه محمّـد بن علي، ثقة.
نعم الشيخ النجاشي ذكر فى رجاله: 68 رقم 163 أنّ له كتب منها: كتاب التوحيد ونفي التشبيه، ولعلّه هو المقصود من لفظ: «الشيخ» في المتن، أو هو من سهو القلم والله العالم.
(5) في المخطوط: «السيمري»، والظاهر أنّ الصحيح: «علي بن محمّـد السمري»، كما في غيبة الشيخ الطوسي، والاحتجاج، وبحار الاَنوار.
وهو آخر النوّاب الاَربعة للحجّة ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ والسفير بعد أبي القاسم ابن روح، وكان يُكنّى بأبي الحسن، وثقته وجلالته أشهر من أنّ يذكر
=


--------------------------------------------------------------------------------

(228)

فقال: رحم الله علي بن بابويه. فقيل: هو حيّ. فقال: إنّه مات في يومنا هذا. فكُتب اليوم، فجاء الخبر بأنّه مات فيه(1).
هذا، مع أنّ ما روي عنه في ردّ الجبر والتشبيه وأمثالهما لا يحصى.
روى ابنه نصف كتاب التوحيد عنـه، وقد ذكرنا نبذاً منها أيضاً: كالخبر الثاني والخامس ممّا مرّ في أحمد بن محمّـد بن عيسى(2).
والثاني ممّا ذكرنا في محمّـد بن أحمد بن يحيى(3).
والاَوّل والثالث ممّا ذكر في سعد بن عبـد الله(4).
والاَوّل ممّا مرّ في أحمد بن إدريس(5).
وثلاثة أخبار ممّا ذكرنا في علي بن إبراهيم(6).
ثمّ إنّ من هؤلاء أيضاً جماعة معتمدة، عظيم شأنهم، وجليل مرتبتهم؛ لا نطيل الكلام بذكرهم وتفصيل حالهم ومرويّاتهم.
* فمنهـم: البرقيان المشهوران؛ أعني أبا عبـد الله محمّـد بن خالد،
____________

=
وأظهر من أنّ يحرّر، فهو كالشمس لا يحتاج إلى بيان نوره، وقد كانت سفارته عن الحجّة المنتظر ـ عجّل الله تعالى فرجه وجعلنا من كلّ مكروه فداه ـ بوصيّة الشيخ أبي القاسم ابن روح إليه عند موته بأمر الحجّة عليه السلام .
ومن كراماته أنه أخبر بموت علي بن الحسين بن بابويه القمي رضي الله عنه ساعة وفاته، فأرّخوا، فأتى الخبر بعد 17 يوماً أو 18 يوماً أنه قبض في تلك الساعة التي ذكرها، ومات أبو الحسن هذا سنة 329 هـ، وبموته وقعت الغيبة التامّة.
انظر : رجال المامقاني 2/ 305. (1) لم نعثر عليه في رجال الكشّي، نعم وجدناه في رجال النجاشي: 262 رقم 684.
(2) راجع ص 193 وص 195.
(3) راجع ص 203.
(4) راجع ص 205 وص 206.
(5) راجع ص 207.
(6) راجع ص 219 وص 220 وص 221.


--------------------------------------------------------------------------------

(229)

وابنه أحمد بن محمّـد، اللذين سكنا برقة قم، وما يدلّ على كونهما بريئين ممّا نحن فيه؛ من مروياتهما كثير سيّما في الكافي، وتوحيد الصدوق، وقد مرّ بعضها في ما رويناه هاهنا.
ويستفاد من خبر المقدّمة حُسن اعتقاد حسين بن خالد(1) أيضاً، لكنّه قليل الرواية.
* ومنهـم: محمّـد بن عبـد الجبّار، وقد يقال له: محمّـد بن الصهبان، وهو شيخ موثوق به، معتمد عليه عند الاَصحاب، كثير الرواية، من رجال الهادي والعسكري عليهما السلام (2)، وفي ما روى عنه الصدوق، والكليني، في نفي التشبيه وشبههم كفاية في دلالة حسن حالـه، وقد ذكرنا قليل منهـا في مـا مـرّ(3).
* ومنهـم: محمّـد بن أحمد بن جعفر القمّي العطّار، الذي أدرك الهادي عليه السلام ، وصار وكيلاً لاَبي محمّـد عليه السلام ، ومن خواصّه(4)، والاَكثر على أنّه بقي إلى زمان الصاحب، وصار وكيلاً له في كمال القرب، حتّى روى الكشّـي عن أبي حامد: أنّه لم يكن له ثالث في القرب من الاَصل(5).
* ومنهـم: أبو القاسم الحسين بـن روح بن أبي بحر النوبختـي القمّي، الذي هو من أبواب الصاحب، ونوّابه، وخواصّه، وعيون سفرائه.
وبالجملة: جلالته كالشمس في رائعة النهار، والشاكّ فيه من أهل
____________
(1) في المخطوط والمطبوع: «حسن بن خالد»، والصحيح ما أثبتناه في ص 188.
(2) رجال الشيخ: 423 رقم 17، و ص 435 رقم 5، وكذا أنّه من أصحاب الاِمام الجواد عليه السلام في رجال الشيخ: 407 رقم 25.
(3) راجع ص 207 وص 211.
(4) رجال الشيخ: 436 رقم 17.
(5) رجال الكشّي: 534 رقم 1019.


--------------------------------------------------------------------------------

(230)

النار.
* ومنهـم: محمّـد بن علي ماجيلويه القمّي، الذي هو من شيوخ الصدوق، وما ذكره إلاّ مقروناً بالرحمة والرضوان(1)، وروى في توحيده عنه أخباراً في ما نحن فيه؛ ذكرنا بعضها سابقاً(2).
* ومنهـم: أبو القاسم جعفر بن محمّـد بن قولويه القمّي، الذي هو من شيوخ أصحابنا، موثوق به، معتمد عليه عند كلّ علماء الرجال(3).
* ومنهـم: أحمد بن محمّـد بن الحسن بن الوليد، شيخ المفيد، الفاضل الجليل(4).
* ومنهـم: محمّـد بن أحمد بن داود، شيخ المفيد والقمّيّين أيضاً، صاحب الفضل والعلم والكتب الكثيرة(5).
* ومنهـم: أحمد بن جعفر بن بطّة القمّي، الذي روى عنه الصدوق أخباراً في ردّ الجبر والتشبيه، وقد مرّ واحد منها في أحمد بن محمّـد بن عيسى(6).
* ومنهـم: أبو الحسن علي بن عبـد الله العطّـار القمّي، الثقة، الذي نقل النجاشي: أنّ له كتاب الاستطاعة على مذهب أهل العدل، رواه عن أحمد بن محمّـد بن عيسى(7).
____________
(1) الوجيزة: 310 رقم 1740.
(2) راجع ص 219 وص 221.
(3) رجال النجاشي: 123 رقم 318، الفهرست ـ للشيخ الطوسي ـ: 42 رقم 141.
(4) الوجيزة: 153 رقم 120.
(5) رجال النجاشي: 384 رقم 1045، فهرست الشيخ: 136 رقم 603.
(6) راجع ص 195. والصحيح: «محمّـد بن جعفر بن بطّة القمّي».
(7) رجال النجاشي: 254 رقم 666.


--------------------------------------------------------------------------------

(231)

* ومنهم: جعفر بن علي بن أحمد القمّي، المعروف بـ: ابن الرازي، الثقة الجليل(1)، الذي روى عنه الصدوق(2) أخباراً؛ منها في التوحيد وردّ التشبيه(3).
وغير هؤلاء أيضاً كثير، يطول الكلام بذكرهم جميعاً، فلنكتفِ بهذا.


* * *
____________
(1) رجال الشيخ: 457 رقم 1 باب من لم يرو عنهم، وكلمة «ثقة» ساقطة من رجال الشيخ المطبوع وقد ذكرها القهپائي في مجمع الرجال 2|31، رجال ابن داود: 64 رقم 316.
(2) تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال: 83؛ وفيها: وربّما يوصفه ـ يعني الصدوق ـ بالاِيلاقي أيضاً بعد وصفه بالقمّي، والظاهر منه ومن المامقاني في التنقيح 1|219 اتّحاد الرجل الذي ذهب السيّد الخوئي رضي الله عنه في معجمه 5|51 إلى تعدّده.
(3) التوحيد: 417 ح 1، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1|154 ح 1.

--------------------------------------------------------------------------------

(232)

[ الخاتمـة ]

ولنختـم الرسالـة بذكر بعض الاَخبـار التي رويت عن يونس بن عبـد الرحمن، بـل الفضل بن شاذان أيضاً؛ في إبطـال القياس، وعدم جواز العمل به، حتّى يظهر أنّ ما قاله أيضاً السيّد المرتضى علم الهدى رضي الله عنه ـ بعد قدح القمّيّـين ـ: من أنّ يونس بن عبـد الرحمن والفضل بن شاذان كانـا يستعملان القياس(1)؛ ليس كمـا ينبغي، إذ لا يعقل أنّ رجلاً عارفـاً ـ سيّما مثل يونس ـ روى أخباراً في بطلان شيء ومع ذلك يجوّز العمل به، فضلاً عن أن يعمل بـه.
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن محمّـد بن عيسى، عن يونس بن عبـد الرحمن، عن أبي جعفر الاَحول، عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال: «لا يسع الناس حتّى يسألوا ويتفقّهوا ويعرفوا إمامهم، ويسعهم أن يأخذوا بمـا يقول، وإن كانت تقية»(2).
وبهذا السند عن يونس، عن عبـد الرحمن بن الحجّاج، قال: قال لي أبو عبـد الله عليه السلام : «إيّاك وخصلتين، ففيهما هلك مَن هلك: إيّاك أن تفتي الناس برأيك، أو تدين بما لا تعلم»(3).
وبالاِسناد السابق عن يونس، عن داود بن فرقد، عمّن حدّثه، عن ابن شبرمة، قال: ما ذكرت حديثاً سمعته عن جعفر بن محمّـد عليه السلام إلاّ كاد
____________
(1) رسائل الشريف المرتضى 3|311.
(2) الكافي 1|31 ح 4.
(3) الكافي 1|33 ح 2.

--------------------------------------------------------------------------------

(233)

أن يتصدّع قلبـي، قـال: «حدّثنـي أبي، عـن جدّي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ».
قـال ابن شبرمـة: وأُقسم بالله مـا كذب أبوه على جدّه، ولا جدّه على رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مَن عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك، ومَن أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ، والمحكم من المتشابه، فقد هلك وأهلك»(1).
وروى عن محمّد بن أبي عبد الله رفعه، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لاَبي الحسن عليه السلام : بما أُوحّد الله؟ فقال: «يا يونس! لا تكوننّ مبتدعاً، مَن نظر برأيه هلك، ومَن ترك أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله ضلّ، ومَن ترك كتاب الله، وقول نبيّه، كفر»(2).
وعن علي بن إبراهيـم، عن محمّـد بن عيسى، عن يونس بن عبـدالرحمن، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال: قلت: أصلحك الله، إنّا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فما يرد علينا شيء إلاّ وعندنا فيه شيء مسطّر، وذلك ممّا أنعم الله به علينا بكم، ثمّ يرد علينا الشيء الصغير وليس عندنا فيه شيء، فينظر بعضنا إلى بعض، وعندنا ما يشبهه، أفنقيس على أحسنه؟ فقال: «وما لكم والقياس، إنّما هلك مَن هلك من قبلكـم بالقياس».
ثمّ قال: «إذا جاءكم مـا تعلمون فقولوا به، وإن جاءكم مـا لا تعلمون فها»، وأهوى بيده إلى فيه.
ثمّ قال: «لعن الله أبا حنيفة، كان يقول: قال علي وقلت أنا، وقالت
____________
(1) الكافي 1|34 ح 9.
(2) الكافي 1|45 ح 10.


--------------------------------------------------------------------------------

(234)

الصحابة وقلت».
ثمّ قال: «أكنت تجلس إليه؟».
فقلت: لا، ولكن هذا كلامه.
فقلت: أصلحك الله أتى رسول الله صلى الله عليه وآله الناس بما يكتفون به في عهده؟
قال: «نعم، وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة».
فقلت: ضاع من ذلك شيء؟
فقال: «لا، هو عند أهله»(1).
وعنه، عن محمّـد، عن يونس، عن أبان، عن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:.. ـ وذكر الخبر إلى أن قال: ـ قال عليه السلام : «إنّ أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس، فلم يزدادوا من الحقّ إلاّ بُعداً، إنّ دين الله لا يصاب بالقياس»(2).
وروى عن محمّـد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان ابـن يحيـى، عن عبـد الرحمن بن الحجّـاج، عن أبـان بـن تغلب، عـن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال: «إنّ السُنّة لا تقاس، ألا ترى أنّ المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ ياأبان! إنّ السُنّة إذا قيست محق الدين»(3).
وعـن علـي، عـن محمّـد، عن يونس، عن قتيبـة، قال: سأل رجل أبا عبـد الله عليه السلام عن مسألة، فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما كان يكون القول فيها؟! فقال له: «مه، ما أجبتك فيه من شيء فهو
____________
(1) الكافي 1|46 ح 13.
(2) الكافي 1|46 ح 14.
(3) الكافي 1|46 ح 15.


--------------------------------------------------------------------------------

(235)

عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لسنا من (أرأيت) في شيء»(1).
وقد روى هذا الخبر الصفّار في البصائر عن إبراهيم بن هاشم، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن عنبسة(2).
وروى الكليني عن علي، عن محمّـد بن عيسى بن عبيد، عن يونس رفعه، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام : «إنّ أفضل الاَعمال عند الله ما عمل بالسُنّة وإن قلّ»(3).
وعن علي، عن محمّـد، عن يونس، عن حريز، عن زرارة، قال: سألت أبا عبـد الله عليه السلام عن الحلال والحرام، فقال: «حلال محمّـد صلى الله عليه وآله حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره، ولا يجيء غيره».
وقال: «قال عليّ عليه السلام : ما أحدٌ ابتدع بدعة إلاّ ترك بها سُنّة»(4).

أقول:
لا يخفى أنّ هذه الاَخبار مع ما أشرنا إليه في ترجمة عبـد العزيز المهتدي(5)، ما كان متضمّناً لاَمر الاِمام عليه السلام إيّاه بأخذ معالم دينه عن يونس ابن عبـد الرحمن(6).
وما روي في كتب الاَصحاب مكرّراً من أنّ الاِمام نظر إلى كتاب
____________
(1) الكافي 1|47 ح 21.
(2) بصائر الدرجات: 320 ح 8.
(3) الكافي 1|56 ح 7.
(4) الكافي 1|47 ح 19.
(5) راجع ص 205.
(6) رجال الكشّي: 483 رقم 910.


--------------------------------------------------------------------------------

(236)

يونس، وصدّق جميع ما كان فيه(1).
وغير ذلك ممّا روى علماء الرجال في ترجمة يونس، يعطي خلاف ما نسب إليه السيّـد.
على أنّ جرحه إيّاه ـ وكذا القمّيّـين ـ شهادة عادل واحد، معارض بأقوى منه كثيراً، من شهادات مَن عمل بأقوالهم، وشهد بصحّة أحوالهم من سائر علمائنا العدول المحدّثين، والمتكلّمين، كالصدوق والشيخين وأمثالهم، وكالكشّي والنجاشي، وابن الغضائري وابن داود والعيّاشي وغيرهم، حيث إنّ كلّهم شهدوا بحسن حالهم، وصحّة مقالهم، ولم يذكروا شيئاً من ذلك مع الاقتران بما ذكرناه من القرائن، وتقديم الجارح ـ على تقدير تسليمه ـ إنّما هو حين انتفاء المرجّح، وقيام التعارض.
على أنّ لنا أن نحكم في كلّ أحد ممّن لم نلقه، ولم نرَ شخصه بما اشتهر عنه عند الثقات من أحواله، وما يصل إلينا من أفعاله وأقواله، وليس علينا، بل لا يمكننا تحصيل العلم بباطن كلّ شخص كما هو الواقع، وقد وصل إلينا من منقولات هؤلاء ما يدلّ على خلاف ما نسب إليهم السيّـد، وهو ليس بمعصوم، ويجوز عليه الخطأ والاشتباه، فكيف يمكن لنا تصديق قوله، والعمل برأيه؟!
مع أنّا نرى أنّ قوله موافق لقول أعادي الدين، المفترين على أصحاب الاَئمّة المعصومين عليهم السلام ، ومعارض لاَقوال سائر علماء الدين، ونرى أيضاً أنّ بين هؤلاء الجماعة رجال لا يمكن انتسابهم إلى أدنى زلل، فضلاً عمّا هو الكفر، بل لا يمكن للسيّد أيضاً أن ينسبهم إلى ذلك.
____________
(1) رجال الكشّي: 484 رقم 915.

--------------------------------------------------------------------------------

(237)

هذا، وقد روى الكشّي خبراً يحلّ بعض هذه الاَُمور، يعجبني أن أذكر شيئاً منه:
روى الكشّي عن حمدويه وإبراهيم، قالا: حدّثنا أبو جعفر محمّـد ابن عيسى العبيدي، قال: سمعت هشام بن إبراهيم الجبلي وهو المشرقي، يقول: استأذنت لجماعة على الرضا عليه السلام في سنة تسع وتسعين ومائة، فحضروا، وحضرنا ستّة عشر رجلاً على باب أبي الحسن عليه السلام ، فخرج مسافر، فقال: يدخل آل يقطين، ويونس بن عبـد الرحمن، ويدخل الباقون رجلاً رجلاً فلمّا دخلوا وخرجوا، خرج مسافر ودعاني، وموسى بن صالح، وجعفر بن عيسى، ويونس، فأدخلنا جميعاً عليه، والعبّاس قائم ناحية بلا حذاء ولا رداء، وذلك في سنة أبي الصرايا، فسلّمنا، ثمّ أمرنا بالجلوس، فلمّا جلسنا، قال له جعفر بن عيسى: يا سيدي! نشكو إلى الله وإليك ما نحن فيه من أصحابنا.
فقال: «وما أنتم فيه منهم؟!».
فقال جعفر: هم والله يا سيّدي يزندقونا، ويكفّرونا، ويبرؤون منّا.
فقال: «هكذا كان أصحاب علي بن الحسين، ومحمّـد بن علي، وأصحاب جعفر، وموسى صلوات الله عليهم، ولقد كان أصحاب زرارة يكفّرون غيرهم، وكذلك غيرهم كانوا يكفّرونهم».. الخبر.
إلى أن قال: فقال يونس: جعلت فداك، إنّهم يزعمون أنّا زنادقة.
فقال: «أرأيتك لو كنت زنديقاً فقال لك: هو مؤمن، ما كان ينفعك من ذلك؟! ولو كنت مؤمناً فقالوا: هو زنديق، ما كان يضرّك منه؟!».
فقال المشرقي له: والله ما نقول إلاّ ما يقول آباؤك عليهم السلام ، عندنا كتاب سمّيناه كتاب الجوامع، فيه جميع ما يتكلّم الناس فيه، عن آبائك صلوات

--------------------------------------------------------------------------------

(238)

الله عليهم، وإنّما نتكلّم عليه!
وقال جعفر شبيهاً بهذا الكلام.
فأقبل على جعفر، فقال: «فإذا كنتم لا تتكلّمون بكلام آبائي فبكلام أبي بكر وعمر تريدون أن تتكلّموا؟!»(1).
وليكن هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا المقام، والحمد لله ربّ العالمين كثيراً، وصلّى الله على محمّـد وآله وسلّم تسليماً.


* * *

وقد فرغ من تسويده مؤلّفه العبـد الضعيف، الراجي لطف ربّه اللطيف، أبو الحسن العاملي الشريف، في المشهد المشرّف، أعني: النجف الاَشرف، في الشهر الثاني من السنة الخامسة من العشر الأول من المائة الثانية من الألف الثاني [ صفر 1205 هـ] من الهجرة النبوية، على صادعها وآلـه ألف ألف صلاة وسلام وتحية.


* * *


تمّت الرسالة


* * *
وفي آخرها : كتبه عبـد الله الموسوي الاشتهاردي في سنة 1357.

____________
(1) رجال الكشّي: 498 رقم 956.


--------------------------------------------------------------------------------

(239)


مصادر التحقيق :

1 - القرآن الكريم .
2 - الإجازة الكبيرة ، لعبد الله الجزائري التستري ، مكتبة المرعشي / قم - الطبعة الأولى 1409 ه‍ .
3 - الاحتجاج ، لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، نشر المرتضى / مشهد 1403 ه‍ .
4 - الاستبصار ، للشيخ الطوسي ، دار الكتب الإسلامية / طهران - الطبعة الثالثة 1390 ه‍ .
5 - إعلام الورى بأعلام الهدى ، للفضل بن الحسن الطبرسي ، مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث / قم - الطبعة الأولى 1417 ه‍ .
6 - أعيان الشيعة ، للسيد محسن الأمين ، دار التعارف / بيروت 1406 ه‍ .
7 - الإمامة والتبصرة ، لعلي بن الحسين بن بابويه القمي ، مؤسسة الإمام المهدي ( عج ) / قم - الطبعة الأولى 1404 ه‍ .
8 - بحار الأنوار ، لمحمد باقر المجلسي ، مؤسسة الوفاء / بيروت - الطبعة الثالثة 1403 ه‍ .
9 - بصائر الدرجات ، لمحمد بن الحسن الصفار ، مؤسسة الأعلمي / طهران 1404 ه‍ .
10 - التحرير الطاووسي ، لأحمد بن موسى آل طاووس ، مكتبة المرعشي / قم - الطبعة الأولى 1411 ه‍ .
11 - تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال ، لمحمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني - طبعة حجرية .
12 - تفسير القمي ، لعلي بن إبراهيم القمي ، دار الكتاب / قم - الطبعة ‹ صفحة 240 › الثالثة 1404 ه‍ .
13 - تكملة أمل الآمل ، للسيد حسن الصدر ، مكتبة المرعشي / قم 1406 ه‍ .
14 - التوحيد ، للشيخ الصدوق ، مؤسسة النشر الإسلامي / قم - الطبعة الأولى 1398 ه‍ .
15 - تهذيب الأحكام ، للشيخ الطوسي ، دار الكتب الإسلامية / طهران - الطبعة الثالثة 1390 ه‍ .
16 - جامع الرواة ، لمحمد بن علي الأردبيلي ، مكتبة المرعشي / قم - الطبعة الأولى 1403 ه‍ .
17 - جامع المقال ، لفخر الدين الطريحي ، مكتبة جعفري تبريزي / طهران .
18 - جواهر الكلام ، للشيخ محمد حسن النجفي ، دار إحياء التراث العربي / بيروت 1981 م .
19 - حاوي الأقوال ، لعبد النبي الجزائري ، مؤسسة الهداية لإحياء التراث / قم - الطبعة الأولى 1418 ه‍ .
20 - خاتمة مستدرك الوسائل ، للشيخ حسين النوري الطبرسي ، مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث / قم - الطبعة الأولى 1415 ه‍ .
21 - الخلاصة ( رجال العلامة الحلي ) ، للحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي الحلي ، مكتبة الشريف الرضي / قم 1402 ه‍ .
22 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لآقا بزرك الطهراني ، دار الأضواء / بيروت - الطبعة الثالثة 1403 ه‍ .
23 - رجال ابن داود ، للحسن بن علي بن داود الحلي ، مكتبة الشريف الرضي / قم .
24 - رجال الشيخ الطوسي ، للشيخ الطوسي ، المكتبة الحيدرية / النجف الأشرف - الطبعة الأولى 1381 ه‍ .
25 - رجال الكشي ، للشيخ الطوسي ، جامعة مشهد 1348 ه‍ . ش .
26 - رجال المامقاني ( تنقيح المقال ) ، للشيخ عبد الله المامقاني - حجرية .
27 - رجال النجاشي ، لأحمد بن علي النجاشي ، مؤسسة النشر الإسلامي / قم - الطبعة الأولى 1407 ه‍ .
28 - الرسائل الرجالية ، للسيد محمد باقر الشفتي ، مكتبة مسجد السيد / أصفهان - الطبعة الأولى 1417 ه‍ .
29 - رسائل الشريف المرتضى ، لعلي بن الحسين بن موسى ، دار القرآن الكريم / قم 1405 ه‍ .
30 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ، لمحمد باقر الخوانساري ، مكتبة إسماعيليان / قم 1390 ه‍ .
31 - ريحانة الأدب ، لمحمد علي التبريزي المدرس ، مطبعة شركة سهابي / طهران - الطبعة الثانية .
32 - عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، للشيخ الصدوق ، منشورات جهان / طهران .
33 - الغيبة ، للشيخ الطوسي ، مؤسسة المعارف الإسلامية / قم - الطبعة الأولى 1411 ه‍ . 34 - فرق الشيعة ، للحسن بن محمد النوبختي ، المكتبة المرتضوية / النجف الأشرف 1355 ه‍ .
35 - فهرس النسخ المخطوطة لمكتبة سپهسالار ، لابن يوسف الشيرازي ، طهران 1315 ه‍ . ش .
36 - الفهرست ، للشيخ الطوسي ، مكتبة الشريف الرضي / قم .
37 - الكافي ، للشيخ الكليني ، المكتبة الإسلامية / طهران 1388 ه‍ .
38 - لؤلؤة البحرين ، ليوسف بن أحمد البحراني ، مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث / قم - الطبعة الثانية .
39 - مجمع الرجال ، لعناية الله بن علي القهپائي ، مؤسسة إسماعيليان .
40 - معجم رجال الحديث ، للسيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، الطبعة الخامسة 1413 ه‍ .
41 - المناقب ، لمحمد بن علي بن شهرآشوب ، منشورات علامة / قم .
42 - نجوم السماء ، لمحمد مهدي اللكهنوي ، مكتبة بصيرتي / قم .
43 - الوجيزة ، لمحمد باقر المجلسي ، مؤسسة الأعلمي / بيروت - الطبعة الأولى 1415 ه‍ .




ــــــــــــــ انتهت ــــــــــــــــ



نقلها بكاملها مع المقدمة
مرآة التواريخ
في يوم الثلاثاء 13/3/1430 هـ
الموافق 10/3/2009 م

حامداً مصلياً ..