ابو هريرة بين قصر الصحبة والكيس

مرآة التواريخ

مرآة التواريخ
20 أبريل 2010
379
0
0
ابو هريرة بين قصر الصحبة والكيس

البداية والنهاية - ابن كثير - ج 8 - ص 111 - 114
http://www.alwaraq.net/index2.htm?i=3251&page=2969
قال ابن كثير - وهو ممن لا يتهم عليه - :
(وممن توفي في هذه السنة :
أبو هريرة الدوسي ..

وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير الطيب ، وكان من حفاظ الصحابة ، وروى عن أبي بكر وعمر وأبي بن كعب ، وأسامة بن زيد ، ونضرة بن أبي نضرة ، والفضل بن العباس ، وكعب الأحبار ، وعائشة أم المؤمنين .
وحدث عنه خلائق من أهل العلم قد ذكرناهم مرتبين على حروف المعجم في التكميل ، كما ذكره شيخنا في تهذيبه .
قال البخاري : روى عنه نحو من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم ، من الصحابة والتابعين وغيرهم .
وقال عمرو بن علي الفلاس : كان ينزل المدينة وكان إسلامه سنة خيبر .

وقال الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر .
وروى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن قيس . قال : قال أبو هريرة : جئت يوم خيبر بعدما فرغوا من القتال .

وقد لزم أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه ، فلم يفارقه في حضر ولا سفر ، وكان أحرص شئ على سماع الحديث منه ، وتفقه عنه ، وكان يلزمه على شبع بطنه .

وقال أبو هريرة - وقد تمخط يوما في قميص له كتان - بخ بخ ، أبو هريرة يمتخط في الكتان ، لقد رأيتني أخر فيما بين المنبر والحجر من الجوع ، فيمر المار فيقول : به جنون وما بي إلا الجوع ، والله الذي لا إله إلا هو لقد كنت أعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد كنت أستقرئ أحدهم الآية وأنا أعلم بها منه ، وما بي إلا أن يستتبعني إلى منزله فيطعمني شيئا ، وذكر الحديث اللبن مع أهل الصفة كما قدمناه في دلائل النبوة .

وقال هشام بن عمار : حدثنا سعيد ، ثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن المقبري ، عن سالم مولى النضريين : أنه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما محمد بشر أغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ، فأيما رجل من المسلمين آذيته أو شتمته أو جلدته فاجعلها له قربة بها عندك يوم القيامة " قال أبو هريرة : لقد رفع علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الدرة ليضربني بها فلان يكون ضربني بها أحب إلي من حمر النعم ، ذلك بأني أرجو أن أكون مؤمنا وأن يستجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته ، وقال ابن أبي ذيب ، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة . قال : قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثا كثيرا فأنساه ، فقال : " ابسط رداءك ، فبسطته ، ثم قال : ضمه فضممته فما نسيت حديثا بعد " ( 2 ) رواه البخاري .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج . قال : سمعت أبا هريرة يقول : إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله الموعد إني كنت امرأ مسكينا أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق في الأسواق ، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم ، فحضرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما مجلسا فقال : " من بسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئا سمعه مني " . فبسطت بردة علي حتى قضى مقالته ثم قبضتها إلي فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئا سمعته منه بعد ذلك ( 3 ) . وقد رواه ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وله طرق أخر عنه .

وقد قيل إن هذا كان خاصا بتلك المقالة لم ينس منها شيئا ، بدليل أنه نسي بعض الأحاديث كما هو مصرح في الصحيح ، حيث نسي حديث " لا عدوى ولا طيرة " مع حديثه " لا يورد ممرض على مصح " وقيل : إن هذا كان عاما في ‹ صفحة 114 › تلك المقالة وغيرها والله أعلم .

وقال ابن أبي ذيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال : " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم
frown.gif
" .

رواه البخاري من حديث ابن أبي ذيب ، ورواه غير واحد عن أبي هريرة ، وهذا الوعاء الذي كان لا يتظاهر به هو الفتن والملاحم وما وقع بين الناس من الحروب والقتال ، وما سيقع التي لو أخبر بها قبل كونها لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه ، وردوا ما أخبر به من الحق ، كما قال : لو أخبرتكم أنكم تقتلون إمامكم وتقتتلون فيما بينكم بالسيوف لما صدقتموني . وقد يتمسك بهذا الحديث طوائف من أهل الأهواء والبدع الباطلة ، والأعمال الفاسدة ، ويسندون ذلك إلى هذا الجواب الذي لم يقله أبو هريرة ، ويعتقدون أن ما هم عليه كان في هذا الجواب الذي لم يخبر به أبو هريرة ، وما من مبطل مع تضاد أقوالهم إلا وهو يدعي هذا وكلهم يكذبون ، فإذا لم يكن أبو هريرة قد أخبر به فمن علمه بعده ؟ وإنما كان الذي فيه شئ من الفتن والملاحم كما أخبر بها هو وغيره من الصحابة ، مما ذكرناه ومما سنذكره في كتاب الفتن والملاحم .

وقال حماد بن زيد : حدثنا عمرو بن عبيد الأنصاري ، ثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أن مروان دعا أبا هريرة وأقعده خلف السرير ، وجعل مروان يسأل وجعلت أكتب عنه ، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به وأقعده من وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب ، فما زاد ولا نقص ، ولا قدم ولا أخر .
وروى أبو بكر بن عياش وغيره عن الأعمش عن أبي صالح . قال : كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن بأفضلهم .

وقال سفيان بن عيينة ، عن معمر ، عن وهب بن منبه ، عن أخيه همام بن منبه . قال : سمعت أبا هريرة يقول : ما من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا عنه عني ، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب .

وقال أبو زرعة الدمشقي : حدثني محمد بن زرعة الرعيني ، ثنا مروان بن محمد ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن إسماعيل بن عبد الله ، عن السائب بن يزيد قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول ‹ صفحة 115 › لأبي هريرة : لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولألحقنك بأرض دوس ، وقال لكعب الأحبار : لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة .
قال أبو زرعة ، وسمعت أبا مسهر يذكره عن سعيد بن عبد العزيز نحوا منه ولم يسنده ، وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها ، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص ، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك .

وقد جاء أن عمر أذن له بعد ذلك في التحديث ، فقال مسدد : حدثنا خالد الطحان ، ثنا يحيى بن عبد الله ، عن أبيه عن أبي هريرة . قال : بلغ عمر حديثي فأرسل إلي فقال : كنت معنا يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت فلان ؟ قال قلت : نعم ! وقد علمت لم تسألني عن ذلك ؟ قال : ولم سألتك ؟ قلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " قال : أما إذا فاذهب فحدث .


وقال ابن وهب : حدثني يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان . أنا أبا هريرة كان يقول : إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي .
وقال صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة : سمعت أبا هريرة يقول : ما كنا نستطيع أن نقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر .

وقال محمد بن يحيى الذهلي ، ثنا عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري . قال قال عمر : أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما يعمل به . قال ثم يقول أبو هريرة : أفكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي ؟ أما والله إذا لأيقنت أن المحففة ستباشر ظهري ، فإن عمر كان يقول ، اشتغلوا بالقرآن فإن القرآن كلام الله ، ولهذا لما بعث أبا موسى إلى العراق قال له : إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فدعهم على ما هم عليه ، ولا تشغلهم بالأحاديث ، وأنا شريكك في ذلك . هذا معروف عن عمر رضي الله عنه . وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن ابن عمر . أنه مر بأبي هريرة وهو يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط ، فإن شهد دفنها فله قيراطان ، القيراط أعظم من أحد " . فقال له ابن عمر : أبا هر انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة فقال لها : يا أم المؤمنين أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط فإن شهد دفنها فله قيراطان " ؟ فقالت : اللهم نعم .
فقال أبو هريرة : إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس بالوادي وصفق بالأسواق ، إني إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها ، أو أكلة يطعمنيها ، فقال له ابن عمر : أنت يا أبا هر كنت ألزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه .


وقد روي أن عائشة تأولت أحاديث كثيرة من أبي هريرة ووهمته في بعضها ، وفي الصحيح أنها عابت عليه سرد الحديث ، أي الاكثار منه في الساعة الواحدة .
وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا بشر بن الوليد الكندي ، ثنا إسحاق بن سعد ، عن سعيد أن عائشة قالت لأبي هريرة : أكثرت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ، قال : إني والله ما كنت تشغلني عنه المكحلة والخضاب ، ولكن أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي . قالت : لعله .
وقال أبو يعلى : حدثنا إبراهيم الشامي ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة في حلة وهو يتبختر فيها ، فقال : يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا ؟
biggrin.gif
.

قال : والله إنكم لتؤذوننا ، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب * ( لتبيننه للناس ولا يكتمونه ) * [ آل عمران : 187 ] ما حدثتكم بشئ ، سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : " إن رجلا ممن كان قبلكم بينما هو يتبختر في حلة إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة " ( 3 ) . فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك - شك أبو يعلى - .

وقال محمد بن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، حدثني كثير ين زيد ، عن الوليد بن رباح . قال : سمعت أبا هريرة يقول لمروان : والله ما أنت بوال ، وإن الوالي لغيرك فدعه - يعني حين أرادوا يدفنون الحسن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولكن تدخل فيما لا يعنيك ، إنما يريد بهذا إرضاء من هو غائب عنك - يعني معاوية - .
قال : فأقبل عليه مروان مغضبا فقال : يا أبا هريرة إن الناس قد قالوا إنك أكثرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ، وإنما قدمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ، فقال أبو هريرة : نعم ! قدمت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر سنة سبع ، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات ، وأقمت معه حتى توفي ، أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه ، وأنا والله يومئذ مقل ، وأصلي خلفه وأحج وأغزو معه ، فكنت والله أعلم الناس بحديثه ، قد والله سبقني قوم بصحبته والهجرة إليه من قريش والأنصار ، وكانوا يعرفون لزومي له فيسألوني عن حديثه ، منهم عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فلا والله ما يخفى علي كل حديث كان بالمدينة ، وكل من أحب الله ورسوله ، وكل من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة ، وكل صاحب له ، وكان أبو بكر صاحبه في الغار وغيره ، وقد أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يساكنه - يعرض بأبي مروان الحكم بن العاص - . ‹ صفحة 117 › ثم قال أبو هريرة : ليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علما جما ومقالا ، قال : فوالله ما زال مروان يقصر عن أبي هريرة ويتقيه بعد ذلك ويخافه ويخاف جوابه . وفي رواية أن أبا هريرة قال لمروان : إني أسلمت وهاجرت اختيارا وطوعا ، وأحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا ، وأنتم أهل الدار وموضع الدعوة ، أخرجتم الداعي من أرضه ، وآذيتموه وأصحابه ، وتأخر إسلامكم عن إسلامي إلى الوقت المكروه إليكم . فندم مروان على كلامه له واتقاه .

وقال ابن أبي خيثمة : حدثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن عمر أو عثمان بن عروة عن أبيه - يعني عروة بن الزبير بن العوام - قال : قال لي أبي الزبير : ادنني من هذا اليماني - يعني أبا هريرة - فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأدنيته منه ، فجعل أبو هريرة يحدث ، وجعل الزبير يقول : صدق ، كذب ، صدق ، كذب .
قال : قلت يا أبة ما قولك صدق كذب ؟ قال : يا بني أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أشك ، ولكن منها ما يضعه على مواضعه ، ومنها ما وضعه على غير مواضعه .

وقال علي بن المديني عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي اليسر بن أبي عامر . قال : كنت عند طلحة بن عبيد الله إذ دخل رجل فقال : يا أبا محمد والله ما ندري هذا اليماني أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم ، أم يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمع ، أو ما لم يقل ؟ .
فقال طلحة . والله ما نشك أنه قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع ، وعلم ما لم نعلم ، إنا كنا قوما أغنياء ، لنا بيوتات وأهلون ، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع ، وكان هو مسكينا لا مال له ولا أهل ، وإنما كانت يده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يدور معه حيث ما دار ، فما شك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع ( 1 ) . وقد رواه الترمذي بنحوه .

وقال مسلم بن الحجاج : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، ثنا مروان الدمشقي عن الليث بن سعد ، حدثني بكير بن الأشج . قال : قال لنا بشر بن سعيد : اتقوا الله وتحفظوا من الحديث ، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب ، وحديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية يجعل ما قاله كعب عن رسول الله ، وما قاله رسول الله عن كعب ، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث .

وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : أبو هريرة كان يدلس - أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يميز هذا من هذا
ugone2far.gif
- ذكره ابن عساكر .

وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه " من أصبح جنبا فلا صيام له " فإنه لما حوقق عليه
mad.gif
قال : أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
biggrin.gif
.


وقال شريك عن مغيرة عن إبراهيم ، قال : كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة .

وروى الأعمش عن إبراهيم ، قال : ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة .

وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم قال : كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئا ، وما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة ، إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار ، أو حث على عمل صالح ، أو نهي عن شر جاء القرآن به .
وقد انتصر ابن عساكر لأبي هريرة ورد هذا الذي قاله إبراهيم النخعي . وقد قال ما قاله إبراهيم طائفة من الكوفيين
smile.gif
، والجمهور على خلافهم .



وروى غير واحد عن أبي هريرة أنه كان يتعوذ في سجوده أن يزني أو يسرق ، أو يكفر أو يعمل كبيرة . فقيل له : أتخاف ذلك ؟ فقال : ما يؤمنني وإبليس حي ، ومصرف القلوب يصرفها كيف يشاء ؟ .

وروى الطبراني عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب دعاه ليستعمله فأبى أن يعمل له ، فقال : أتكره العمل وقد عمل من هو خير منك ؟ - أو قال : قد طلبه من هو خير منك - ؟ قال : من ؟ قال : يوسف عليه السلام فقال أبو هريرة : يوسف نبي ابن نبي ، وأنا أبو هريرة بن أميمة ، فأخشى ثلاثا أو اثنتين . فقال عمر : أفلا قلت خمسا ؟ قال : أخشى أن أقول بغير علم ، وأقضي بغير حلم ، وأن يضرب ظهري ، وينزع مالي ، ويشتم عرضي
confused.gif
.


وقال سعيد بن أبي هند ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " ألا تسألني من هذه الغنائم التي سألني أصحابك ؟ فقلت : أسألك أن تعلمني مما علمك الله ، قال : فنزع نمرة على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني إلى القمل يدب عليها !! ، فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال : اجمعها إليك ‹ صفحة 120 › فصرها ، فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني " .

أسلم كما قدمنا عام خيبر ، فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه إلا حين بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، ووصاه به ، فجعله العلاء مؤذنا بين يديه ، وقال له أبو هريرة : لا تسبقني بآمين أيها الأمير .

وقد استعمله عمر بن الخطاب عليها في أيام إمارته ، وقاسمه مع جملة العمال .
قال عبد الرزاق : حدثنا معمر : عن أيوب ، عن ابن سيرين . أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف ، فقال له عمر : استأثرت بهذا الأموال أي عدو الله وعدو كتابه ؟ فقال أبو هريرة : لست بعدو الله ولا عدو كتابه ، ولكن عدو من عاداهما . فقال : فمن أين هي لك ؟ قال : خيل نتجت ، وغلة ورقيق لي ، وأعطية تتابعت علي . فنظروا فوجدوه كما قال . فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليستعمله فأبى أن يعمل له ، فقال له : تكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك ؟ طلبه يوسف عليه السلام ، فقال : إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي ، وأنا أبو هريرة بن أمية وأخشى ثلاثا واثنين ، قال عمر : فهلا قلت خمسة ؟ قال : أخشى أن أقول بغير علم ، وأقضي بغير حلم ، أو يضرب ظهري !! ، وينزع مالي !! ، ويشتم عرضي
confused.gif
!! .


وذكر غيره أن عمر غرمه في العمالة الأولى اثنى عشر ألفا فلهذا امتنع في الثانية .
913.gif


وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع : كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب الحمار ويلقى الرجل فيقول : الطريق قد جاء الأمير - يعني نفسه - وكان يمر بالصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الاعراب ، وهو أمير ، فلا يشعرون إلا وقد ألقى نفسه بينهم ويضرب برجليه كأنه مجنون
414.gif
، يريد بذلك أن يضحكهم ، فيفزع الصبيان منه ويفرون عنه ههنا وههنا يتضاحكون .


قال أبو رافع : وربما دعاني أبو هريرة إلى عشائه بالليل فيقول : دع العراق للأمير - يعني قطع اللحم - قال : فأنظر فإذا هو ثريد بالزيت .

وقال ابن وهب : حدثني عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن زياد القرظي أن ثعلبة بن أبي مالك حدثه أن أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة مروان فقال : أوسع الطريق للأمير يا بن أبي مالك . فقلت : أصلحك الله تلقى هذا ، فقال : أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه . وقد تقدم هذا . وروى نحوه من غير وجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الأعلا بن عبد الجبار ، ثنا حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال : كان معاوية إذا أعطى أبا هريرة سكت !! ، وإذا أمسك عنه تكلم !! .


وكانت وفاته في داره بالعقيق ، فحمل إلى المدينة فصلي عليه ، ثم دفن بالبقيع رحمه الله ورضي عنه . وكتب الوليد بن عتبة إلى معاوية بوفاة أبي هريرة ، فكتب إليه معاوية : أن انظروا ورثته فأحسن إليهم ، واصرف إليهم عشرة آلاف درهم ، وأحسن جوارهم ، واعمل إليهم معروفا ، فإنه كان ممن نصر عثمان ، وكان معه في الدار رحمهما الله تعالى . انتهت الترجمة (مختصرة)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
البداية والنهاية - ابن كثير - ج 1 - ص 17 - 19

http://www.alwaraq.net/index2.htm?i=3251&page=9
قال في الكلام على حديث خلق التربة :
(وقال الإمام أحمد بن حنبل ( 1 ) حدثنا حجاج حدثني ابن جريج أخبرني إسماعيل بن ‹ صفحة 18 › مية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال [ فيها ] يوم الأحد وخلق لشجر [ فيها ] يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاث ( 1 ) وخلق النور يوم الأربعاء وبث [ فيها ] لدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر خلق خلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " .
وهكذا رواه مسلم عن سريج بن يونس وهرون بن عبد الله والنسائي عن هارون ويوسف بن سعيد ثلاثتهم عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور عن ابن جريج به مثله سواء .
وقد رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم ين يعقوب الجوزجاني عن محمد ابن الصباح عن أبي عبيدة الجداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريح عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال يا أبا هريرة " إن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع ، وخلق التربة يوم السبت " وذكر تمامه بنحوه فقد اختلف فيه على ابن جريج .

وقد تكلم في هذا الحديث على ابن المديني والبخاري والبيهقي وغيرهم من الحفاظ .
rolleyes.gif


قال البخاري في التأريخ ، وقال بعضهم عن كعب وهو أصح يعني أن هذا الحديث مما سمعه أبو هريرة وتلقاه من كعب الأحبار فإنهما كانا يصطحبان ويتجالسان للحديث ، فهذا يحدثه عن صحفه ، وهذا يحدثه بما يصدقه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه ، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكد رفعه بقوله " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي " ثم في متنه غرابة شديدة
ugone2far.gif
. فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات ، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام . وهذا خلاف القرآن لان الأرض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السماوات في يومين من دخان . وهو بخار الماء الذي ارتفع حين اضطرب الماء العظيم الذي خلق من ربذة الأرض بالقدرة العظيمة البالغة كما قال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى ( 2 ) السماء فسواهن سبع سماوات " قال إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء * ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين ( الأحد والاثنين ) وخلق الأرض على حوت وهو النون قال الله تعالى ( نون والقلم وما يسطرون ) ( 3 ) والحوت ‹ صفحة 19 › في الماء والماء على صفات والصفات على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح . وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت . وخلق الله يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من المنافع . وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب وفتق السماء وكانت رتقا فجعلها سبع سماوات في يومين الخميس والجمعة . وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها . ثم قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والبحار وجبال البرد وما لا يعلمه غيره . ثم زين السماء بالكواكب فجعلها زينة وحفظا يحفظ من الشياطين . فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش . هذا الاسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة وكان كثير منها متلقى من الإسرائيليات . فإن كعب الأحبار لما أسلم في زمن عمر كان يتحدث بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأشياء من علوم أهل الكتاب فيستمع له عمر تأليفا له ، وتعجبا مما عنده مما يوافق كثير منه الحق الذي ورد به الشرع المطهر فاستجاز كثير من الناس نقل ما يورده كعب الأحبار لهذا ، ولما جاء من الاذن في التحديث عن بني إسرائيل لكن كثيرا ما يقع مما يرويه غلط كبير وخطأ كثير * وقد روى البخاري في صحيحه ( 1 ) عن معاوية أنه كان يقول في كعب الأحبار ( وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب ) أي فيما ينقله لا أنه يتعمد ذلك والله أعلم .

ونحن نورد ما نورده من الذي يسوقه كثير من كبار الأئمة المتقدمين عنهم . ثم نتبع ذلك من الأحاديث بما يشهد له بالصحة أو يكذبه ويبقى الباقي مما لا يصدق ولا يكذب وبه المستعان وعليه التكلان .) انتهى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 17 › ( 1 ) مسند أحمد ج 2 / 327 .
‹ هامش ص 18 › ( 1 ) في المسند : الثلاثاء وما بين معكوفين في الحديث زيادة من المسند .
( 2 ) قال البيهقي في الأسماء ص 520 : قال يحيى بن زياد الفراء : الاستواء في كلام العرب على جهتين : إحداهما : ان يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته ; أو يستوي من اعوجاج ، ووجه ثالث : أن تقول كان مقبلا علي فلان يشاتمني والي سواء على معنى أقبل إلي وعلي . وعن ابن عباس قال : استوى : صعد .
( 3 ) سورة القلم الآية 1 .
‹ هامش ص 19 › ( 1 ) صحيح البخاري - من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن انه سمع معاوية " يحدث رهطا من قريش بالمدينة . وذكر كعب الأحبار فقال : انه كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا لنبلو مع ذلك عليه الكذب .
( 2 ) البخاري - كتاب بدء الخلق - ج 4 / 73 . عند مسلم في 49 كتاب التوبة ج 14 ( 2751 ) عن قتيبة بن سعد وفيه : لما خلق الله . وقوله عنده : قال العيني في شرح البخاري : والعندية ليست مكانية بل إشارة إلى كمال كونه مكنونا عن الخلق ، مرفوعا عن حيز إدراكهم .
( 3 ) في كتاب بدء الخلق . باب ما جاء في سبع أرضين .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهنا ننقل تحقيقين لما فيهما من الفوائد بهذا الخصوص

خلاصة عبقات الأنوار - السيد حامد النقوي - ج 3 - ص 245 - 253
قال قدس الله سره الشريف في ترجمة ابي هريرة ضمن بعض من ترجمهم من الصحابة ممن طُعن فيهم :
(4 أبو هريرة :
لقد كذَّبَ عمر بن الخطاب أبا هريرة واتهمه وأنكر عليه ، حتى ضربه بالدرة وهدده بإخراجه من المدينة المنورة . .
قال السرخسي : " ولما بلغ عمر أن أبا هريرة يروي [ بعض ] ما لا يعرف قال : لتكفن عن هذا أو لألحقنك بجبال دوس " 2 .
وقال ابن عبد البر : " وعن أبي هريرة أنه قال : لقد حدثتكم بأحاديث لو ‹ صفحة 246 › حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة " 1 .
وفي [ كنز العمال ] : " عن السائب بن يزيد قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لا بي هريرة : لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس .
وقال لكعب : لتتركن أو لألحقنك بأرض القردة . كر " 2 .
ورواه ابن كثير وفيه أيضا : " وقال صالح بن أبي الأخضر عن [ الزهري عن ] أبي سلمة سمعت أبا هريرة يقول : ما كنا نستطيع أن نقول " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر " 3 .

وفي [ تذكرة الحفاظ ] بترجمة عمر : " عن أبي سلمة عن أبي هريرة قلت له : [ أ ] كنت تحدث في زمان عمر هكذا ؟ فقال : لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته " 4 .

وقال ابن قتيبة : " وأما ما طعنه " يعني النظام " على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فإن أبا هريرة صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه ، وعمر بعده نحوا من خمسين سنة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين - وفيها توفيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وتوفيت عائشة رضي الله عنها قبلها بسنة - فلما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الأولين إليه اتهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك ؟ ومن سمعه معك ؟ وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم إنكارا عليه ، لتطاول الأيام بها وبه ، وكان عمر أيضا شديدا على ‹ صفحة 247 › من أكثر الرواية أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه ، وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية ، يريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي " 1 .

وفي [ شرح نهج البلاغة ] عن الإسكافي : " وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرتضي الرواية ، ضربه عمر بالدرة وقال [ له ] : قد أكثرت الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " 2 .

* وكان عثمان أيضا يكذب أبا هريرة ،
وكذا سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام كما مضى في عبارة ابن قتيبة .
وفي [ شرح النهج ] عن أبي جعفر الإسكافي : " وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال : ألا إن أكذب الناس - أو أكذب الأحياء - على رسول الله " ص " أبو هريرة الدوسي " 3 .

* وكانت عائشة " المجتهدة ! ! " أشد الناس إنكارا على أبي هريرة ، كما نص عليه ابن قتيبة في عبارته الماضية ، وقد أوردنا طرفا من قضاياها معه في القسم الأول من مجلد ( حديث الغدير ) .

* وقد كذبه الزبير بالعوام - وهو أحد العشرة المبشرة كما يقولون - فقد ذكر ابن كثير : " قال ابن [ أبي ] خيثمة ثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن [ أبي ] سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن عمر - أو عثمان - ابن عروة عن أبيه - يعني عروة بن الزبير بن العوام - قال : قال لي أبي الزبير : أدنني من هذا [ اليماني ] - يعني أبا هريرة - فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأدنيته منه ، فجعل أبو هريرة يحدث وجعل الزبير يقول صدق ‹ صفحة 248 › كذب صدق كذب . قال قلت : يا أبت ما قولك صدق كذب ؟ قال : يا بني أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله " ص " فلا أشك ، ولكن منها ما وضعه [ يضعه ] على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه " 1 .

من كلمات التابعين وكبار العلماء في أبي هريرة :

-إبراهيم بن يزيد التيمي :
قال أبو جعفر الإسكافي على ما نقل عنه ابن أبي الحديد : " وروى سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي قال : كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار . وروى أبو أسامة عن الأعمش قال : كان إبراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت [ من أحد ] الحديث أتيته فعرضته عليه ، فأتيته يوما بأحاديث من أحاديث [ حديث ] أبي صالح عن أبي هريرة فقال : دعني من أبي هريرة ، أنهم كانوا ينكرون [ يتركون ] كثيرا من أحاديثه [ حديثه ] " 2 .

-إبراهيم بن يزيد النخعي :
قال ابن كثير : " وقال شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال : كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة ، وروى الأعمش عن إبراهيم قال : ما كانوا يأخذون من كل [ بكل ] حديث أبي هريرة . [ و ] قال الثوري عن منصور عن إبراهيم قال : كانوا يرون في أحاديث أبي ‹ صفحة 249 › هريرة أشياء [ شيئا ] ، وما كانوا يأخذون من حديثه [ بكل حديث أبي هريرة ] إلا ما كان من صفة جنة أو نار ، أو حث على عمل صالح أو نهى عن شئ [ شر ] جاء القرآن به " 1 .

-بسر بن سعيد :
قال ابن كثير : " وقال مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مروان الدمشقي عن الليث بن سعد حدثني بكير بن الأشج قال قال بسر ابن سعيد : اتقوا الله وتحفظوا [ من ] الحديث فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث حديث [ عن ] رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله " ص " وفي رواية : يجعل ما قاله كعب عن رسول الله " ص " وما قال [ قاله ] رسول الله " ص " عن كعب ، . فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث " 2 .

-شعبة بن الحجاج :
قال ابن كثير : " وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : كان أبو هريرة يدلس ، أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبين [ يميز ] هذا من هذا . ذكره ابن عساكر . وكان شعبة بهذا يشير إلى حديثه : من أصبح جنبا ، فلا صيام له ، فإنه لما حوقق [ عليه ] قال أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله " ص " " 3 . ‹ صفحة 250 › .

-أبو حنيفة :
قال الإسكافي على ما جاء في [ شرح النهج ] : " وروى أبو يوسف قال قلت لأبي حنيفة يجئ الخبر [ الخبر يجئ ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قياسنا ما نصنع به ؟ قال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي [ ف‍ ] قلت : ما تقول في رواية أبي بكر وعمر ؟ فقال : ناهيك به [ بهما ] ، فقلت : علي وعثمان ؟ فقال : كذلك ، فلما رآني أعد الصحابة قال : الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك " 1 .

أقول : ولعمري إن أبا حنيفة النعمان وإن سلك في تعديل قاطبة الأصحاب مسلك المجازفة والعدوان إلا أنه أحسن غاية الإحسان في استثناء أبي هريرة وغيره من أولي البغي والطغيان .
وقال أبو حنيفة - كما ذكر الكفوي نقلا عن الصدر الشهيد - : " أقلد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأي إلا ثلاثة نفر : أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب ، فقيل له في ذلك فقال أما أنس فقد بلغني أنه اختلط عقله في آخر عمره ، وكان يستفتي من علقمة ، وأنا لا أقلد علقمة فكيف أقلد من يستفتي من علقمة ؟ وأما أبو هريرة فكان يروي كلما بلغه وسمع من غير تأمل في المعنى " 2 .

-محمد بن الحسن الشيباني :
قال ابن حزم في مسألة أحقية البائع بالمتاع إذا ؟ ؟ أفلس التي خالف فيها ‹ صفحة 251 › الحنفية " روينا من طريق أبي عبيد أنه ناظر في هذه المسألة محمد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أن قال : هذا حديث أبي هريرة
eplus2.gif
!!.

قال أبو محمد : نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق ، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبد الله بن المبارك : من أفقه ، أبو يوسف أو محمد بن الحسن ؟ فقال : قل أيهما أكذب ؟ " 1 .

-عيسى بن أبان البصري الحنفي :
قال علي بن يحيى الزندويستي : " قال عيسى بن أبان أقلد جميع الصحابة إلا ثلاثة منهم : أبو هريرة ووابصة بن معبد وأبو سنابل بن بعكك " 2 .

-أبو جعفر محمد بن عبد الله الهندواني :
قال الزندويستي : " واختلفوا أن تقليد قول الصحابة حجة تقبل بغير معرفة المعنى ويعمل به ، حتى روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه سئل فقيل له : إذا قلت قولا وكتاب الله يخالف قولك ؟ قال أترك قولي بكتاب الله ، فقيل له : إذا كان قول الصحابي يخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بقول الصحابي ، فقيل له : إذا كان قول التابعي يخالف قولك ؟ قال : لا يترك قولي بقوله ، قال : إذا كان ؟ ؟ التابعي رجلا فأنا رجل ، ثم قال : أترك قولي بجميع قول الصحابة إلا ثلاثة منهم : أبو هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب رضي الله عنهم . قال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله : إنما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون ، أما أبو هريرة فإنه روى عن رسول الله صلى الله عليه ‹ صفحة 252 › وسلم أنه قال من أصبح جنبا فلا صوم له ، قالت عائشة رضي الله عنها : أخطأ أبو هريرة ، كان رسول الله " ص " يصبح جنبا من غير احتلام ثم يتم صومه وذلك في رمضان ، قال أبو هريرة : هي أعلم ، كنت سمعته من الفضل بن العباس ، والفضل كان يومئذ ميتا ، فقد أحال خبره إلى ميت ، فصار مطعونا . . " 1 .

-أبو بكر الجصاص :
قال الجصاص ما نصه : " وقد روى أبو هريرة خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أصبح جنبا فلا يصومن يومه ذلك ، إلا أنه لما أخبر برواية عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا علم لي بهذا ، أخبرني الفضل بن العباس ، وهذا مما يوهن خبره لأنه قال بديا ما أنا قلت - ورب الكعبة - من أصبح جنبا فقد أفطر ، محمد قال ذلك ورب الكعبة ، وأفتى السائل عن ذلك بالافطار ، فلما أخذ [ أخبر ] برواية عائشة وأم سلمة تبرأ من عهدته وقال : لا علم لي بهذا ، إنما أخبرني به الفضل . " 2 .

-عمر بن عبد العزيز الصدر الشهيد :
وقد تقدم ما يفيد طعنه في أبي هريرة عن كتاب [ كتائب أعلام الأخيار ] .

-الحنفية :
وأبو هريرة مطعون لدى فقهاء الحنفية ، وذلك مشهور عنهم ، قال ابن حجر العسقلاني في كتاب البيوع : " قال الحنابلة : واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار [ شتى ] ، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من ‹ صفحة 253 › رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة ، فلا يؤخذ بما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 245 › 1 ) كنز العمال 15 / 294 .
2 ) الأصول 1 / 341 .
‹ هامش ص 246 › 1 ) جامع بيان العلم 399 .
2 ) كنز العمال 10 / 179 .
3 ) البداية والنهاية 8 / 106 - 107 .
4 ) تذكرة الحفاظ 1 / 7 .
‹ هامش ص 247 › 1 ) تأويل مختلف الحديث 38 .
2 ) شرح نهج البلاغة 4 / 67 .
3 ) شرح نهج البلاغة 4 / 68 .
‹ هامش ص 248 › 1 ) تاريخ ابن كثير 8 / 108 . 2 ) شرح نهج البلاغة 4 / 68 .
‹ هامش ص 249 › 1 ) تاريخ ابن كثير 8 / 109 . 2 ) تاريخ ابن كثير 8 / 109 . 3 ) تاريخ ابن كثير 8 / 109 .
‹ هامش ص 250 ›
1 ) شرح نهج البلاغة 4 / 68 . 2 ) كتاب أعلام الأخيار من علماء مذهب النعمان المختار .
‹ هامش ص 251 ›
1 ) المحلى لا بن حزم .
2 ) روضة العلماء .
‹ هامش ص 252 ›
1 ) روضة العلماء .
2 ) أحكام القرآن 1 / 195 .
‹ هامش ص 253 › 1 ) فتح الباري 4 / 290 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلاصة عبقات الأنوار - السيد حامد النقوي - ج 3 - ص 253 - 256
رواه مخالفا للقياس الجلي ، وهو كلام آذى به قائله [ قائله به ] نفسه ، وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه ، وقد ترك أبو حنيفة القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك . وأظن [ أن ] لهذه النكتة ؟ ؟ أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة ، إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة ، فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك .
وقال ابن السمعاني في الاصطلام : التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله ، بل هو بدعة وضلالة ، وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله " ص " له ، يعني المتقدم في كتاب العلم وفي أول البيوع " 1 .

-شيوخ المعتزلة :
وتقدم قول أبي جعفر الإسكافي : " وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا ، غير مرضي الرواية ، ضربه عمر رضي الله عنه بالدرة وقال له : قد أكثرت الرواية وأخرتك [ وأحربك - ظ ] أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

-أبو جعفر الإسكافي :
وقد طعن فيه أبو جعفر الإسكافي كما سمعت ، وقال أيضا [ شرح النهج ] " إن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية قبيحة في ‹ صفحة 254 › علي رضي الله عنه تقتضي الطعن والبراءة منه ، وجعل لهم جعلا يرغب في مثله ، فاختلفوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير . قال : وأما أبو هريرة : فروي عنه الحديث الذي معناه أن عليا رضي الله عنه خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسخطه ، فخطب على المنبر وقال : لاها الله ، لا يجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله ، إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد ، أو كلاما هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي " .

أقول : بل يتبين عدم اعتماد الصحابة والتابعين على حديثه من كلام أبي هريرة نفسه ، فقد أخرج عنه الحميدي أنه قال : " ألا إنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . . " 1 .

وفي [ المرقاة ] : " وعنه " أي أبي هريرة قال : " إنكم " أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين - " تقولون : أكثر أبو هريرة " أي الرواية " عن النبي ( ص ) والله الموعد " أي : موعدنا ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب ، لأن الأسرار تنكشف هنالك .

-وقال الطيبي : أي لقاء الموعد ، ويعني به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد وأنقص ، لا سيما على رسول الله " ص " وقد قال : من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار " 2 .

وقال الإسكافي على ما نقل عنه : " روى الأعمش قال : لما قدم أبو هريرة ‹ صفحة 255 › العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما كثر [ فلما رأى كثرة ] من استقبله من الناس جثى على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال : يا أهل العراق ، أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل نبي حرما و [ أن ] حرمي المدينة [ بالمدينة ] ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد [ بالله ] أن عليا أحدث فيها ، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه أمارة المدينة .

قال ابن أبي الحديد : قلت : [ أما قوله ] ما بين عير إلى ثور [ فالظاهر أنه ] غلط من الراوي لأن ثورا بمكة وهو جبل يقال له ثور أطحل ، وفيه الغار الذي دخله رسول الله [ النبي ] صلى الله عليه وآله وأبو بكر [ رضي الله عنه ] . . فأما قول أبي هريرة إن عليا عليه السلام أحدث [ في المدينة ] ، فحاش لله ، كان علي عليه السلام أتقى لله من ذلك ، و [ والله ] لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له إلا مثله " 1 .

-وقال العيدروس اليمني : " وقال أبو هريرة يوم دفن الحسن بن علي : قاتل الله مروان قال والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دفن عثمان بالبقيع ، فقلت : يا مروان اتق الله ولا تقل لعلي إلا خيرا ، فأشهد لقد سمعت رسول الله " ص " يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ليس بفرار ، وأشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحسن : اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه . ‹ صفحة 256 › قال مروان : إنك والله لقد أكثرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث فلا نسمع منك ما تقول ، فهلم غيرك يعلم ما تقول ، قال قلت : هذا أبو سعيد الخدري ، فقال مروان : لقد ضاع حديث رسول الله " ص " حين لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري ، والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غلام ، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ، فاتق الله يا أبا هريرة . قال قلت : نعما أوصيت به ، وسكت عنه " 1 .) انتهى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 253 › 1 ) فتح الباري 4 / 290 .
‹ هامش ص 254 › 1 ) الجمع بين الصحيحين - مخطوط .
2 ) المرقاة - شرح المشكاة 5 / 458 .
‹ هامش ص 255 › 1 ) شرح نهج البلاغة 4 / 67 .
‹ هامش ص 256 › 1 ) العقد النبوي - مخطوط .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشيعة هم أهل السنة - الدكتور محمد التيجاني - ص 221 - 225
قال :
(وجمع بعض المحققين مجموع مرويات الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين وأمهات المؤمنين وأهل البيت الطاهرين . فلم تبلغ كلها عشر معشار ما رواه أبو هريرة بمفرده ، ( مع العلم بأن من هؤلاء علي بن أبي طالب الذي صاحب النبي ثلاثين عاما ) .
ومن ثم توجهت إلى أبي هريرة أصابع الاتهام ووصفته بالكذب والوضع والتدليس وقالوا بأنه أول راوية أتهم في الإسلام . ولكن أهل السنة والجماعة يلقبونه بـ " راوية الإسلام" ويحترمونه كثيرا ويحتجون به ولعل البعض منهم يعتقد بأنه أعلم من علي وذلك لحديث يرويه هو عن نفسه قال : قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه قال : أبسط رداءك فبسطته قال فغرف بيديه ثم قال : ضمه فضممته فما نسيت شيا بعدها ( 1 ) .
وأكثر أبو هريرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ضربه عمر بن الخطاب بالدرة وقال له : قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله . وذلك لرواية رواها أن الله خلق السماوات والأرض والخلق فعد سبعة أيام ، فلما سمع بذلك عمر دعاه وطلب منه إعادة الحديث فلما أعاده ضربه عمر وقال : يقول الله في ستة أيام وأنت تقول في سبعة ؟ فقال أبو هريرة : علني سمعته من كعب الأحبار ، فقال عمر : ما دمت لا تفرق بين أحاديث النبي وكعب الأحبار فلا تحدث ( 2 ) .
‹ صفحة 222 › كما يروى أن الإمام علي بن أبي طالب قال : ألا إن أكذب الأحياء على رسول الله أبو هريرة الدوسي ( 1 ) . كما أن عائشة أم المؤمنين كذبته عدة مرات في عدة أحاديث كان يرويها عن رسول الله ، فأنكرت عليه مرة وقالت له : متى سمعت رسول الله يقول ذلك ؟ فقال لها : لقد شغلك عن حديث رسول الله ( ص 9 المرآة والمكحلة والخضاب ، ولما أصرت على تكذيبه وشهرت به ، وتدخل مروان بن الحكم وتثبت من صحة الحديث اعترف عند ذلك أبو هريرة وقال : إني لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما سمعته من الفضل بن العباس ( 2 ) . وفي هذه الرواية بالخصوص اتهمه ابن قتيبة وقال فيه : لقد استشهد أبو هريرة بالفضل بن العباس بعد موته ، ونسب الحديث إليه ليوهم الناس بأنه سمعه منه ( 3 ) . كما قال ابن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث : كان أبو هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا وكذا ، وإنما سمعته من غيره . كما أن الذهبي أخرج في كتابه أعلام النبلاء بأن يزيد بن إبراهيم سمع شعبة بن الحجاج يقول : كان أبو هريرة مدلسا . وجاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير أن يزيد بن هارون سمع شعبة يقول فيه ذلك أيضا يعني كان مدلسا ، وكان يروي ما سمعه من كعب الأحبار ومن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يميز ين هذا وهذا . كما أن أبا جعفر الإسكافي قال : أبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية ( 4 ) . ‹ صفحة 223 › وقد اشتهر أبو هريرة في حياته من بين الصحابة بالكذب والتدليس والإكثار من الأحاديث الموضوعة حتى أن بعضهم كان يستهزئ به ويطلب منه وضع الأحاديث لما يريد . فقد روي أن رجلا من قريش لبس جبة جديدة وأخذ يتبختر فيها ومر بأبي هريرة فقال له : يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا ؟ فقال أبو هريرة : سمعت أبا القاسم يقول : إن رجلا ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حلته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة ، فوالله ما أدري لعله كان من قومك ورهطك ( 1 ) . وكيف لا يشك الناس في روايات أبي هريرة إذا كانت متناقضة ، فقد يروي حديثا ثم يروي نقيضه وإذا عارضوه واحتجوا عليه بما رواه سابقا ، يعرض عنهم أو يرطن بالحبشية ( 2 ) . وكيف لا يتهمونه بالكذب والوضع وقد شهد هو على نفسه بأنه يحدث من جعبته وينسبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . أخرج البخاري في صحيحه أن أبا هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، تقول المرأة أما أن تطعمني وإما أن تطلقني ، ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن أطعمني إلى من تدعني ، فقالوا : يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ! فقال : لا هذا من كيس أبي هريرة ( 3 ) .
أنظر كيف يبدأ الحديث بقوله : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم بعد ذلك عندما ينكرون عليه ويستفهمونه ، يعترف بوضعه ويقول هو من كيس أبي هريرة ! ‹ صفحة 224 › فهنيئا لأبي هريرة بهذا الكيس الملئ بالأكاذيب والأساطير والذي وجد له رواجا عند معاوية وبني أمية واكتسب من ورائه الجاه والسلطان والأموال والقصور فقد ولاه معاوية ولاية المدينة المنورة وبنى له قصر العقيق وزوجه من المرأة الشريفة التي كان أبو هريرة يخدمها . وإذا كان أبو هريرة وزير معاوية المغرب فليس ذلك لفضله ولا لشرفه أو علمه ولكنه كان يحد عنده الأحاديث التي يريدها ويرويها وإذا كان بعض الصحابة يتلكأون في لعن أبي تراب ويجدون في ذلك حرجا ، فإن أبا هريرة لعن عليا في عقر داره وعلى مسمع من شيعته . روى أبن أبي الحديد قال : لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته وقال : يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على رسول الله وأحرق نفسي بالنار ، والله لقد سمعت رسول الله يقول : إن لكل نبي حرما وإن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد أن عليا قد أحدث فيها . فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه المدينة ( 1 ) .
ويكفينا دليلا أنه كان واليا على المدينة من قبل معاوية ، ولا شك في أن المحققين والباحثين الأحرار سيشكون في كل من تولى عدو الله ورسوله وعادى ولي الله ورسوله . ولا شك في أن أبا هريرة لم يصل إلى ذلك المنصب الرفيع وهو ولاية المدينة عاصمة الإسلام ، إلا للخدمات التي أسداها لمعاوية وحكام بني أمية ، وسبحان مقلب الأحوال فقد جاء أبو هريرة إلى المدينة عريانا ليس له إلا نمرة يستر بها عورته ويستجدي المارة ليسدوا رمقه والقمل يجري فوق جلده . وإذا به فجأة يصبح والي المدينة المنورة يسكن قصر العقيق وعنده الأموال والخدم والعبيد ولا يتكلم الناس إلا بإذنه . ‹ صفحة 225 › كل ذلك من بركات كيسه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 221 › ( 1 ) صحيح البخاري ج 1 ص 38 من كتاب العلم باب حفظ العلم وكذلك ج 3 ص 2 .
(2 ) أنظر كتاب أبي هريرة لمحمود أبو ربه المصري .
‹ هامش ص 222 › ( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 28 .
( 2 ) صحيح البخاري ج 2 ص 232 باب الصائم يصبح جنبا وموطأ مالك ج 3 ص 272 .
( 3 ) سر أعلام النبلاء للذهبي .
( 4 ) شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ج 4 ص 68 .
‹ هامش ص 223 › ( 1 ) البداية والنهاية ج 8 ص 108 .
( 2 ) صحيح البخاري ج 7 ص 31 باب لا هامة .
( 3 ) صحيح البخاري ج 6 ص 190 باب وجوب النفقة على الأهل والعيال .
‹ هامش ص 225 › ( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 67 .
( 2 ) طبقات ابن سعد ج 2 ص 63 .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشيعة هم أهل السنة - الدكتور محمد التيجاني - ص 225 - 228
وهلم بنا الآن إلى أبي هريرة لنعرف موقفه من السنة النبوية .
‹ صفحة 226 ›
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ( 1 ) .
وإذا قلنا في الأبحاث السابقة أن أبا بكر وعمر قد أحرقا السنة النبوية المكنونة ومنعا المتحدثين من نقلها ، فها هو أبو هريرة يفصح بهذا الحديث عن المكنون ويؤكد ما ذهبنا إليه ، ويعترف بأنه ما كان يحدث إلا بما يروق الخلفاء الحاكمين .
وعلى هذا الأساس فإن أبا هريرة كان يملك كيسين أو وعاءين أحدهما كان يبثه وهو الذي تحدثنا عنه وفيه ما يشتهيه الحاكمون .
وأما الوعاء الثاني الذي كتمه أبو هريرة ولم يحدث به خوفا من أن يقطع بلعومه فهو الذي يحوي الأحاديث الصحيحة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ولو كان أبو هريرة ثقة ما كان ليكتم الأحاديث الحقيقية ويبث الأوهام والأكاذيب لتأييد الظالمين ، وهو يعلم بأن الله لعن من يكتم البينات .
فقد أخرج له البخاري قوله : إن الناس يقولون : أكثر أبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديا ، ثم تلو : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلوم النبي يشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون ( 2 )
فكيف يقول أبو هريرة : لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يقول هنا حفظت عن رسول الله وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الوعاء الثاني لو بثثته قطع هذا البلعوم !
وهل هذه إلا شهادة منه بأنه كتم الحق رغم الآيتين في كتاب الله ؟ ! ‹ صفحة 227 › وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه : ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ( 1 ) وقال : رب مبلغ أوعى من سامع .
وأخرج البخاري أن النبي حرض وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا به من وراءهم ( 1 ) .
فهل لنا أن نتساءل وهل للباحثين أن يتساءلوا لماذا قتل الصحابي عندما يتحدث بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقطع منه البلعوم ؟ ! فلا بد أن هناك سرا لا يحب الخلفاء إفشاءه وقد أشرنا إلى ذلك السر في الأبحاث السابقة من كتاب فاسألوا أهل الذكر ونوجز هنا بأنه يتعلق بالنص على خلافة علي .
وليس اللوم على أبي هريرة فقد عرف قدره وشهد على نفسه بأن الله لعنه ولعنه اللاعنون إذ كتم حديث النبي . ولكن اللوم على أهل السنة والجماعة الذي يجعلون من أبي هريرة راوية السنة ، وهو يشهد بأنه كتمها ويشهد بأنه دلسها وكذب عليها ويشهد أيضا بأنها اختلطت عليه فلم يعرف حديث النبي من حديث غيره .
وهذا كله من أحاديث واعترافات صحيحة جاءت في صحيح البخاري وغيره من صحاح أهل السنة والجماعة .
كيف يطمئنون لرجل طعن في عدالته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأتهمه بالكذب فقال : إنه أكذب الأحياء على النبي ، واتهمه عمر بن الخطاب وضربه وهدده بالنفي ، كما طعنت فيه عائشة وكذبته عدة مرات ، وطعن فيه كثير من الصحابة وردوا أحاديثه المتناقضة فكان يعترف مرة ويرطن بالحبشية أخرى وطعن فيه كثير من علماء الإسلام واتهموه بالكذب والتدليس والتكالب على موائد معاوية وذهبه وفضته .
فكيف يصح بعد كل هذا أن يصبح أبو هريرة راوية الإسلام ويأخذون عنه أحكام الدين ؟ وقد أكد بعض العلماء المحققين بأن أبا هريرة هو الذي أدخل في الإسلام ‹ صفحة 228 › عقائد اليهود والإسرائيليات التي ملأت كتب الحديث ، أو أن كعب الأحبار اليهودي هو الذي أدخلها عن طريقه وبواسطته ، فجاءت روايات تشبيه الله وتجسيمه ونظرية الحلول ، والأقوال المنكرة في الأنبياء كلها عن أبي هريرة .
فهل يتوب أهل السنة والجماعة إلى رشدهم ليعرفوا عمن يأخذون السنة الحقيقية وإذا ما سألوا فنقول لهم : تعالوا إلى باب مدينة العلم والأئمة من بنيه فهم حفظة السنة وهم أمان الأمة وهم سفينة النجاة وهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وهم العروة الوثقى وحبل الله المتين . انتهى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 225 › ( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 67 .
( 2 ) طبقات ابن سعد ج 2 ص 63 .
‹ هامش ص 226 › ( 1 ) صحيح البخاري ج 1 ص 38 باب حفظ العلم .
( 2 ) صحيح البخاري ج 1 ص 37 باب حفظ العلم .
‹ هامش ص 227 › ( 1 ) صحيح البخاري ج 1 ص 30 .
‹ هامش ص 228 › ( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم ومالك وغيرهم .
تم . . . . .


أقول : ولعلنا نضيف بعض الإضافات لنقرّ به أعين من ادّعى فيه دعوى ينقضها البرهان القويم .
smile.gif


اللهم صل على محمد وآل محمد

مرآة التواريخ ،،،