إثارات رائعة للعلامة المجلسي حول آية الولاية

المنهجي

New Member
18 أبريل 2010
14
0
0
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 35 - ص 203 - 206

اعلم أن الاستدلال بالآية الكريمة على إمامته صلوات الله عليه يتوقف على بيان أمور .


الأول : أن الآية خاصة وليست بعامة لجميع المؤمنين ، وبيانه أنه تعالى خص الحكم بالولاية بالمؤمنين المتصفين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع ، وظاهر أن تلك الأوصاف غير شاملة لجميع المؤمنين ،

وليس لأحد أن يقول : إن المراد بقوله : ( وهم راكعون ) أن هذه شيمتهم وعادتهم ولا يكون حالا عن إيتاء الزكاة وذلك لان قوله : ( يقيمون الصلاة ) قد دخل فيه الركوع ، فلو لم يحمل على الحالية لكان كالتكرار والتأويل المفيد أولى من البعيد الذي لا يفيد

وأما حمل الركوع على غير الحقيقة الشرعية بحمله على الخضوع من غير داع إليه سوى العصبية فلا يرضى به ذو فطنة رضية مع أن الآية على أي حال تنادي بسياقها على الاختصاص .

وقد قيل وجه آخر وهو أن قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ) خطاب عام لجميع المؤمنين ، ودخل في الخطاب النبي صلى الله عليه وآله وغيره ، ثم قال : ( ورسوله ) فأخرج النبي صلى الله عليه وآله من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته ، ثم قال : ( والذين آمنوا ) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية ، وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه وذلك محال . وفيه ضعف والأول أولى .


الثاني : أن المراد بالولي هنا الأولى بالتصرف والذي يلي تدبير الامر كما يقال : فلان ولي المرأة وولي الطفل وولي الدم ، والسلطان ولي أمر الرعية ، ويقال لمن يقيمه بعده : هو ولي عهد المسلمين ، وقال الكميت : يمدح عليا . ونعم ولي الأمر بعد وليه * ومنتجع التقوى ونعم المؤدب

وقال المبرد في كتاب العبارة عن صفات الله : أصل الولي الذي هو أولى أي أحق ، والولي وإن كان يستعمل في مكان آخر كالمحب والناصر لكن لا يمكن إرادة غير الأولى بالتصرف والتدبير هاهنا ،

لان لفظة ( إنما ) يفيد التخصيص ولا يرتاب فيه من تتبع اللغة وكلام الفصحاء وموارد الاستعمالات وتصريحات القوم ، والتخصيص ينافي حمله على المعاني الأخر ، إذ سائر المعاني المحتملة في بادئ الرأي لا يختص شيء منها ببعض المؤمنين دون بعض

كما قال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) .

وبعض الأصحاب استدل على ذلك بأن الظاهر من الخطاب أن يكون عاما لجميع المكلفين من المؤمنين وغيرهم كما في قوله تعالى : ( كتب عليكم الصيام ) وغير ذلك ، فإذا دخل الجميع تحته استحال أن يكون المراد باللفظة الموالاة في الدين ، لأن هذه الموالاة يختص بها المؤمنون دون غيرهم ، فلابد إذا من حملها على ما يصح دخول الجميع فيه وهو معنى الإمامة ووجوب الطاعة ، وفيه كلام .


الثالث : أن الآية نازلة فيه عليه السلام وقد عرفت بما أوردنا من الأخبار تواترها من طريق المخالف والمؤالف ، مع أن ما تركناه مخافة الإطناب وحجم الكتاب أكثر ما أوردناه ، وعليه إجماع المفسرين وقد رواها الزمخشري والبيضاوي والرازي في تفاسيرهم مع شدة تعصبهم وكثرة اهتمامهم في إخفاء فضائله عليه السلام ، إذ كان هذا في الاشتهار كالشمس في رائعة النهار ، فإخفاء ذلك مما يكشف الأستار عن الذي انطوت عليه ضمائرهم الخبيثة من بغض الحيدر الكرار .


وقد روى الرازي ، عن ابن عباس برواية عكرمة وعن أبي ذر نحوا مما مر من روايتهما ، وقد عرفت ما نقل في ذلك أكابر المفسرين والمحدثين من قدماء المخالفين الذين عليهم مدار تفاسيرهم ، وأما إطلاق الجمع على الواحد تعظيما فهو شائع ذائع في اللغة والعرف ، وقد ذكر المفسرون هذا الوجه في كثير من الآيات الكريمة كما قال تعالى ( والسماء بنيناها بأيد) و (إنا أرسلنا نوحا)

و (وإنا نحن نزلنا الذكر) وقوله : (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) مع أن القائل كان واحدا ، وأمثالها كثيرة ،

ومن خطاب الملوك والرؤساء : فعلنا كذا ، وأمرنا بكذا ،

ومن الخطاب الشائع في عرف العرب والعجم إذا خاطبوا واحدا : فعلتم كذا ، وقلتم كذا ، تعظيما له .

وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف صح أن يكون لعلي واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جئ به على لفظ الجمع - وإن كان السبب فيه رجلا واحدا - ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين تجب أن يكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها انتهى .


على أنه يظهر من بعض روايات الشيعة أن المراد به جميع الأئمة عليهم السلام وأنهم قد وفقوا جميعا لمثل ذلك الفضيلة .

وأيضا كل من قال : بأن المراد بالولي في هذه الآية ما يرجع إلى الإمامة قائل بأن المقصود بها علي عليه السلام ولا قائل بالفرق ، فإذا ثبت الأول ثبت الثاني .

هذا ملخص استدلال القوم وأما تفاصيل القول فيه ودفع الشبه الواردة عليه فموكول إلى مظانه كالشافي وغيره ، وليس وظيفتنا في هذا الكتاب إلا نقل الاخبار ولو أردنا التعرض لأمثال ذلك لكان كل باب كتابا وما أوردته كاف لمن أراد صوابا .