تحديد خلفاء النبي من خلال فهمنا لدور النبي الأكرم في هداية الأمَّة

أدب الحوار

New Member
18 أبريل 2010
126
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

تحديد خلفاء النبي من خلال فهمنا لدور النبي الأكرم في هداية الأمَّة



إنَّنا نقرأ دور النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله - في هداية البشريَّة، فنلاحظ أنَّه لم يكن مُجرَّد شخص يبلغ وحي ربِّه إلى الناس، بل كان بالإضافة إلى ذلك يقوم بوظائف أساسيَّة أهمُّها:

1- تحقيق الهداية القرآنية؛ فالقرآن لا يهدي بنفسه، بل النبي هو الهادي بنور القرآن، قال تعالى (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (ابراهيم: 1) ، فلاحظ أنَّ القرآن الكريم نسب الإخراج من الظلمات إلى النور إلى النبي وليس إلى القرآن، وهذا لا ينفي هداية القرآن، ولكنه صريح في أن النبي هو الذي يُحقِّق هداية القرآن. أي أن القرآن من غير النبي ليس يملك لوحده أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور.
2- تفسير القرآن الكريم، وبيان محكمه ومتشابهه، وكشف مبهماته وغوامضه.
3- تمثيل الأسوة الحسنة في السلوك الأخلاقي، ليقتدي به كل من سواه.
4- الدفاع عن حقانية الإسلام ومنظومة الفكر الإلهي الصحيح، في وجه الشبهات والأطروحات الفكرية المغرضة.
5- إدراة الدولة الإسلامية بالصورة التي تحمي الأمّة من الوقوع في أي منزلق خطير قد يؤثِّر سلباً على موقع الحق والاستقامة في حياة المؤمنين.

ونحن نتساءل: هل برحيل النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يعد الناس بحاجة إلى الهداية النبوية؟

إنَّ من يجيب بنعم، فهو لم يقرأ السيرة النبوية، ولم يطَّلع على وضع الناس في حياة النبي وبعده، ولم يمتلك صورة واقعيَّة عن مزايا ورزايا المجتمع الإسلامي، وما يحدق به من مخاطر.. وأمَّا من يمتلك ثقافة تاريخيَّة متوسِّطة، فهو يدرك بكل وضوح أنَّ الناس بعد وفاة النبي لم يكونوا أقلَّ احتياجاً إلى شخص النبي الكريم في مواقع المسؤولية التي كان النبي الأكرم يشغلها بكل جدارة وكفاءة..

ومن هنا نُدرك أنَّ الاطلاع الصحيح على التاريخ والمجريات، لا يدع مجالاً للشك في الضرورة المُلحَّة لوجود من يقوم مقام النبي في تلك الوظائف والمسؤوليات بالغة الأهمِّية.. إذاً فلا بُد من خليفة للنبي، ولا بُدَّ لخليفة النبي أن يكون متوفِّراً على مزايا النبي ما عدا النبوَّة المتَّفق على ختمها.. فما هو موقع هذه الفكرة في مذاهب المسلمين وفرقهم؟

من المؤسف أنَّ جميع الفرق الإسلاميَّة، وبالرغم من إدراكها لصحَّة هذا الاستدلال، إلاَّ أنَّها لا تؤمن ولا تُذعن بضرورة وجود من ينوب النبي ويكون في مستواه من حيث الجدارة.. ما عدا فرقة إسلاميَّة واحدة، وهم الشيعة الإماميَّة الاثنا عشريَّة.

ويبدو أنَّ الزيديَّة يؤمنون بهذه الفكرة على المستوى النظري بكلِّ صراحة (كما يُفهم من تصريحات علمائهم بهذا الصدد) ، إلا أنَّهم حين يطبِّقون النظريَّة في واقع الحياة، تجدهم يُقدِّمون للناس نماذج علمائيَّة اعتيادية تحتمل الضلال كما تحتمل الهداية، وتحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب.

وأعتقد أنَّ سائر المذهب كان موقفهم منطقيًّا بالنظر إلى منظومتهم الفكريَّة؛ لأنَّهم إذا أرادوا أن يقبلوا هذه الفكر، فإنهم سيجدون أنَّها لا تنسجم مع نسيج فكرهم العقدي؛ لأنَّ أكبر أئمَّتهم كانوا لا يعرفون تفسير آيات من القرآن الكريم، بل ربما لا يحفظون القرآن الكريم، فضلاً عن وضوح أنهم لم يكونوا يدانون موقع الهداية النبويَّة.

إلاَّ أنَّ من المُلفت للنَّظر أنَّ كثيراً من طُلاب العلم الزيديَّة يتَّجهون إلى مذهب الشيعة الإماميَّة؛ لأنهم يكتشفون حقَّانيَّة الفكرة، ولا يجدون لها تطبيقاً صحيحاً في مذهبهم..

فالخلاصة: أنَّ هذه الأطروحة تدعم مذهب الشيعة الإماميَّة في ضرورة أن ينوب عن النبيِّ - صلى الله عليه وآله - خلفاء يحملون مزايا النبي ما عدا النبوَّة، ولا يعتقد بهذه الفكرة - بالرغم من وضوحها وحقَّانيتها - غير الشيعة الإماميَّة. وهذا يعني أنَّنا لن نجد لها تطبيقاً صحيحاً إلا في أئمَّتهم أئمَّة أهل البيت عليهم السلام.

وهذه الفكرة هي الفكرة المنطقيَّة الوحيدة التي تُفسِّر سبب اقتران أهل البيت بالقرآن في ضمان الهداية (حديث الثقلين) ؛ إذ لو كان موقع أهل البيت كموقع بقيَّة الأمَّة، لما كان هناك معنى لأن يقترن ذكرهم بالقرآن الكريم.. والأمر الوحيد الذي يُبرِّر تموقعهم في هذا الموقع الشريف، هو أن نقول بأنَّهم يقومون مقام النبي في هداية الناس بالقرآن الكريم، فكما أنَّ النبيَّ كان يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، فكذا الأئمَّة من أهل بيته يُخرجون النَّاس من الظلمات إلى النُّور.

ونحن وإن كنَّا توصَّلنا إلى حقَّانيَّة هذه الفكرة انطلاقاً من تأمُّل دور الهداية النبويَّة، فإنَّ هناك العديد من الأدلَّة التي تدعم هذه الفكرة، ومن جملتها العديد من الروايات التي اتَّفق على روايتها السنة والزيدية والشيعة، والتي لسنا بصدد استعراضها، ويمكن مراجعتها في العديد من الكتب التي ألفها الزيدية والإمامية في موضوع الإمامة والولاية..

والحمد لله رب العالمين..