بحث حول علم الأئمة الطاهرين عليهم السلام

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين ، محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين .
إنّ الأئمة الإثني عشر الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام أعلم الناس مطلقاً بمعارف الشريعة الإسلامية الغراء وأحكامها وتعاليمها ، وبالقرآن الكريم وتفسير آياته وبيانها ومعانيها ، وكانوا أيضاً على علم واطلاع على الكثير من الحقائق وعلى معرفة بعلوم مختلفة كالعلوم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والصحية والتاريخية وغيرها ، بل إنهم أخبروا ببعض الأمور التي لا سبيل إلى العلم بها إلاّ طريق الغيب ، ولم يذكر لنا التاريخ أنّ واحداً منهم عليهم السلام تتلمذ على يد واحدٍ من العلماء من سائر الناس ، فعلمهم بكل ذلك علم لدني مستمد من خلال طرق عديدة وهي :
1- ما ورثوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من علوم إمّا مشافهة أو كتابة ، حيث تلقى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الكثير من العلوم عن رسول الله صلى الله عليه وآله الذي هو بدوره تلقاها عن الله عزّ وجل من طريق الوحي ، فقد ورى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب ) .
قال الحاكم النيسابوري : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) (1) .
وروى الترمذي في جامعه الصحيح بسنده عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( أنا دار الحكمة وعلي بابها ) (2) .
ومن طرق الشيعة روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( علّم رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام ألف باب يفتح كل باب ألف باب)(3) .
وفي رواية أخرى رواها الصدوق رحمه الله بسند موثق عن ذريح المحاربي أنّه قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : نحن ورثة الأنبياء ، ثم قال : جلل رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام ثوباً ثم علّمه ألف كلمةكل كلمة يفتح ألف كلمة ) (4) .
وورث سائر الأئمة الطاهرين عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ما ورثه من علم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ففي الخبر الصحيح الذي رواه العلامة الصفار في بصائر الدرجات ومـن طريقه العلامـة الكليني في الكافي عـن محمد بن مسلم قال : (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله برمانتين من الجنة فلقيه علي عليه السلام فقال له : ما هاتان الرمانتان ؟
قال : أمّا هذه فالنبوّة ، ليس لك فيها نصيب ، وأمّا هذه فالعلم ، ثم فلقها رسول الله صلى الله عليه وآله فأعطاه نصفها وأخذ نصفها رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه ، قال : فلم يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله حرفاً إلاّ علّمه علياً عليه السلام ثم انتهى ذلك العلم إلينا ثم وضع يده على صدره ) (5) .
وروى محمد بن الحسن الصّفار في كتابه بصائر الدرجات بسند صحيح عن الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّها آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم نتوارثها كابر عن كابر ، نكتنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم ) (6) .
وروى بسند صحيح عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : ( يا جابر والله لو كنّا نحدث الناس أو حدّثنا برأينا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يتوارثها كابرٌ عن كابر ، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ) (7) .
وفي رواية أخرى صحيحة رواها بسنده عن أبي يزيد الأحول عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال : ( إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ولكنّها آثارٌ من رسول الله [و] أصول علم نتوارثها كابرٌ عن كابرٍ ، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم ) (8) .
وفي رواية صحيحة رواها ثقة الإسلام العلامة الكليني في كتابه الكافي بسنده عن قتيبة قال : ( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة فأجابة فيها ، فقال الرجل : أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟! فقال له : مه ، ما أجيبك فيه من شيء فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لسنا من أرأيت في شيء ) (9) .
وروى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام أنه قال : ( إنّ لله تعالى علماً خاصاً وعلماً عامّاً ، فأمّا العلم الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ، وأمّا علمه العام فإنّه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقربين وأنبياءه المرسلين،وقد وقع إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله )(10).
كما انتقلت إليهم مجموعة من الكتب والصحف والأوعية التي تتضمن علوماً مختلفة ورثوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقد أخرج العلامة الكليني في الكافي والعلامة الصفار في بصائر الدرجات كلاهما عن أبي بصير بسند صحيح أنّه قال أن الإمام الصادق عليه السلام قال له : ( يا أبا محمد إنّ الله عزّ وجل لم يعط الأنبياء شيئاً إلاّ وقد أعطاه محمداً صلى الله عليه وآله ، قال : وقد أعطى محمداً جميع ما أعطى الأنبياء ، ومنها الصحف التي قال الله عزّ وجل : (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (11) قلت : جعلت فداك هي الألواح ؟ قال : نعم ) (12) .
وروى العلامة الصفار في بصائر الدرجات وثقة الإسلام العلامة الكليني في الكافي بسند صحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال : ( سأل أبا عبد الله بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علماً ، فقال له : فالجامعة ؟ قال : تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه ، وليس من قضية إلاّ وهي فيها حتى إرش الخدش . قال : فمصحف فاطمة ؟ فسكت طويلاً ثم قال : إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة ) (13) .
___________________
(1) المستدرك على الصحيحين 3/137 حديث رقم : 4637 .
(2) الجامع الصحيح للترمذي «سنن الترمذي» 5/637 حديث رقم : 3723 .
(3) الخصال صفحة 648 ورواه الصفار في بصائر الدرجات صفحة 286 بسند صحيح أيضاً.
(4) الخصال صفحة 650 – 651 .
(5) بصائر الدرجات صفحة 289 ، الكافي 1/163 .
(6) بصائر الدرجات صفحة 284 .
(7) بصائر الدرجات صفحة 285 .
(8) بصائر الدرجات صفحة 284 .
(9) الكافي 1/58 .
(10) التوحيد صفحة 138 .
(11) الأعلى : 19 .
(12) الكافي 1/225 ، بصائر الدرجات صفحة 156.
(13) الكافي 1/241 ، بصائر الدرجات صفحة 174 .
يتبع ... يتبع .. يتبع ... >>>ملاحظة : هذا البحث مقتبس من كتابنا ( الفوائد البديعة ) وهو رد على كتاب السنة والشيعة لظهير .





2- الإلهام وهو ما يلقى في قلب الإمام من علم ومعرفة .
3- تحديث الملائكة .
فهما – الإلهام وتحديث الملائكة – أيضاً مصدران من مصادر علم الإمام المعصوم عليه السلام، أثبتت ذلك الرّوايات الصحيحة الواردة عنهم عليهم السلام منها :
ما رواة العلامة الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن الحارث بن المغيرة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال : ( إنّ الأرض لا تترك بغير عالم قلت : الذي يعلمه عالمكم ما هو ؟ قال : وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي بن أبي طالب عليه السلام ، علم يستغني عن الناس ولا يستغني الناس عنه .
قلت : وحكمة يقذف في صدره أو ينكت في أذنه ، قال : ذاك وذاك ) (1) .
وما رواه الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال : ( الأئمة علماء صادقون مفهّمون محدّثون ) (2) .
وما رواه النعماني في كتابه الغيبة بسند موثق عن زرارة بن أعين رضي الله عنه عن الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه الطاهرين عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : ( إنّ من أهل بيتي إثني عشر محدثاً .
فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد وكان أخا علي بن الحسين عليهما السلام من الرضاعة ، سبحان الله محدثا ؟ - كالمنكر لذلك – قال : فأقبل عليه أبو جعفر عليه السلام فقال له : أما والله إنّ ابن أمّك كان كذلك – يعني علي بن الحسين عليهما السلام - ) (3) .
وما رواه الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن الحارث بن المغيرة النصري قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك الذي يسأل عنه الإمام وليس عنده فيه شيء من أين يعلمه ؟ قال : ينكت في القلب نكتاً أو ينقر في الأذن نقراً ) (4).
وما رواه العلامة الكليني في الكافي بسند صحيح عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قال : ( مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأمّا الماضي فمفسّر ، وأمّا الغابر فمزبور ، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا ) (5).
وما رواه الشيخ الكليني في الكافي بسند صحيح عن أبي بصير أنّه قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ) (6) قال : خلق من خلق الله عزّ وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده ، وهو مع الأئمة من بعده ) (7) .
وفي رواية الصفار في بصائر الدرجات بسنده الصحيح عن محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ( في قول الله عزّ وجل (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ) فقال : خلق من خلق الله أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده)(8) .
وتوهم بعضهم أنّ هناك تلازماً بين النبوّة وتحديث الملائكة بمعنى أنّ كل من حدّث من قبل الملائكة يلزم أن يكون نبيّاً ، ولذلك نجده يتهم الشيعة بالقول بأنهم لا يعتقدون بختم النبوة بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله لما ورد عندهم من آثار تفيد أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا على اتصال ببعض الملائكة الذين كانوا يحدّثونهم وينقلون إليهم التوجيهات والتسديدات الرّبانية .
والحق أنه لا تلازم بين النبوّة وتحديث الملائكة بالمعنى الذي أشرنا إليه ، فليس كل من حدّثته الملائكة يلزم أن يكون نبيّاً ، فقد أخبرنا القرآن المجيد عن بعض النساء اللاتي حدّثن من قبل الملائكة وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى بعضهن ولسن بنبيات ، فقد أخبر القرآن عن أنّ الملائكة حدثت السيد مريم عليها السلام وأخبرتها باصطفاء الله تعالى لها وتطهيرها واصطفائها على نساء العالمين،قال تعالى : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (9) ويخبرنا بأن الملائكة حدّثتها وبشّرتها بابنها المسيح عيسى عليه السلام قال تعالى : (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (10) ، ويخبرنا بأن الملائكـة حدثت زوجة إبراهيم عليه السلام ، وبشّرتها بأن الله سيرزقها الولد ، قال تعال : (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (11) ، ويخبرنا بأن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى أم موسى عليه السلام قال تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (12) .
فهذه نماذج من النساء حدثنا القرآن الكريم عنهن ولم يكنّ نبيات ومع ذلك شاهدن الملائكة وحدثنهم أو أوحي إلى بعضهن بطريق آخر غير التحديث ، وهذا مما لا يمكن أن ينكره أحد بعد أن أخبر عنه كتاب الله المجيد .
وروى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون ، فإن يك في أمتي أحدٌ فإنّه عمر ، زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) (13) .
وهذه الرواية تؤيد ما قلناه من أنه لا يلزم من تحديث الملائكة وتكليمها لشخص أن يكون نبياً ، فهي تثبت أنّ جماعة من بني إسرائيل ليسوا بأنبياء ومع ذلك كانوا يحدثون ويكلمون من قبل الملائكة .
وذهب البعض إلى أنّ المراد بالتحديث والكلام في هذه الرواية هو الإلهام ولكنه بعيد لأن حقيقة التحديث والكلام غير حقيقة الإلهام ، وذهب شراح البخاري كالقسطلاني في إرشاد الساري إلى أن الكلام المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في ذيل الرواية : ( فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) هو إثبات ذلك لعمر وليس نفيه عنه قال القسطلاني : ( وليس قوله فإن يكن للترديد بل للتأكيد ) (14) ، فهم يثبتون ما أثبتته الرواية من تحديث وتكليم من قبل الملائكة لجماعة من بني إسرائيل يثبتونه لعمر بن الخطاب ويزعمون أنّ الملائكة تحدثه وعليه يكون لازم قول ظهير أنّ كل من قال بأن عمر محدثاً يكون غير معتقد بختم النبوّة ، فهل سيلتزم ظهير أو غيره ممن يقولون برأيه بذلك ويثبتون لكل أصحاب هذا القول من أهل السنة عدم اعتقاد ختم النبوّة بنبوّة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله أم أنّ المكيال هنا آخر ؟!
ورووا أنّ الله عزّ وجل أرسل ملكاً لرجل يخبره بحبّه سبحانه وتعالى له ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : ( أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا غير أنى أحببته في الله عزّ وجل ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) (15) .
ورووا أنّ الملائكة كانت تسلم على بعض الصحابة من ذلك ما أخرجه مسلم ابن الحجاج في صحيحه عن عمران بن الحصين أنّه قال : ( ... وقد كان يسلّم عليّ حتى اكتويت فَتُرِكْتُ ، ثم تركت الكي فعاد ) (16) .
قال النووي في شرح وبيان معنى كلام ابن الحصين : ( ومعنى الحديث أن عمران بن الحصين رضي الله عنه كانت به بواسير فكان يصبر على المهمات وكانت الملائكة تسـلم عليـه فاكتوى فانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه ) (17) .
ورووا أنّ الملائكة علّمت حذيفة بن اليمان دعاءً في تحميد الله ، ففي مسند أحمد بسنده عن حذيفة بن اليمان قال : ( أنّه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلماً يقول اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، بيدك الخير كله ، إليك يرجع الأمر كله علانيته وسرّه ، فأهل أن تحمد إنك على كل شيء قدير ، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني عملاً زاكياً ترضى به عني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاك ملك يعلمك تحميد ربك ) (18) .
إنّ القول بختم النبوّة بنبوّة النبي محمد صلى الله عليه وآله من ضروريات مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، فرواياتهم وكتب علمائهم المؤلفة في بيان عقيدة المذهب أو المؤلفة في خصوص نبوّة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تشهد على أنّ خاتم الأنبياء هو محمد صلى الله عليه وآله فلا نبي بعده وعلى هذه العقيدة اجماعهم واتفاقهم وتسالمهم ، ولا يوجد قائل منهم لا من عامتهم ولا علمائهم مـن يدّعي أو يزعم عـدم ختم النبوّة بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله أو يدّعي نبوّة أحد بعده .
___________________
(1) بصائر الدرجات صفحة 307 .
(2) بصائر الدرجات صفحة 302 ، ورواه العلامة الكليني في الكافي 1/271 .
(3) الغيبة للنعماني صفحة 66 .
(4) بصائر الدرجات صفحة 299.
(5) الكافي 1/264 .
(6) الشورى : 52 .
(7) الكافي 1/273 .
(8) بصائر الدرجات صفحة 419 .
(9( آل عمران : 42 .
(10) آل عمران : 45.
(11) هود : 71- 73 .
(12) القصص : 7 .
(13) صحيح البخاري 3/1349 حديث رقم : 3486 .
(14) إرشاد الساري 8/179 .
(15) صحيح مسلم 4/1988 برقم : 2567 ، صحيح ابن حبّان 2/331 برقم : 572 و 2/337 برقم: 576 ، مسند أحمد 2/408 برقم : 9280 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : ( إسناده صحيح على شرط مسلم ) و 2/462 برقم : 9959 وقال الأرنؤوط : ( إسناده صحيح ) ، مسند إسحاق بن راهويه 1/114 برقم : 27 ، الأدب المفرد 1/128 برقم :350 ، مصنف ابن أبي شيبة 7/64 برقم : 34223 .
(16) صحيح مسلم 2/899 حديث رقم : 1226 .
(17) شرح النووي على صحيح مسلم 8/206 .
(18) مسند أحمد 5/395 رواية رقم : 23403 .





والخلاصة : إنّ علم الأئمة الطاهرين عليهم السلام علم لدني من الله سبحانه وتعالى كعلم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اكتسبوه من خلال الطرق التي أشرنا إليها .
وعليه فليس هناك ما يمنع أن يطلع الأئمة عليهم السلام على بعض الأمور الغيبية من خلال مصادر علمهم المذكورة ، وعلماء أهل السنة يعترفون بأن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر بعض الصحابة ببعض المغيبات وأطلعهم على بعض المخفيات ، فهذا القسطلاني في كتابه إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري عند شرحه لقول أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه : ( حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم ) يقول : ( ... وأراد بالوعاء الأول ما حفظه من الأحاديث وبالثاني ما كتمه من أخبار الفتن وأشراط الساعة وما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من فساد الدين على يدي أغيلمة من سفهاء قريش ، وقد كان أبو هريرة يقول : لو شئت أن أسميهم بأسمائهم ، أو المراد الأحاديث التي فيها تبيين أمراء الجور وأحوالهم وذمهم ، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعض ذلك ولا يصرّح خوفاً على نفسه منهم ... ) (1) .

ورووا أن حذيفة بن اليمان قال : (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ... ) (2) .
وروى مسلم وغيره عن عمرو بن أخطب قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا ) (3) .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر أبا هريرة بأسماء بعض أمراء الجور الذين يأتون بعده وبعض أحوالهم وغير ذلك من الأمور والفتن والأحداث التي ستحدث في مستقبل الزمان مما أطلع عليه من قبل الوحي ، وأخبر الصحابة بما كان وبما هو كائن وكان حذيفة يعلم بكل فتنة هي كائنة فيما بينه وبين الساعة فمن باب أولى أنّه أطلع علياً عليه السلام بمثل ذلك وأخبره بالكثير من الوقائع والأحداث والفتن والأمور التي ستقع وتحدث فيما يأتي من الزمان وبما كان وبما يكون إلى يوم القيامة لكونه عليه السلام خليفته صلى الله عليه وآله والإمام على الأمة والقائم بشؤونها وأمورها بعده فهو أولى بأن يعلم مثل هذه الأمور لحكم منصبه القيادي هذا ، وانتقل ذلك إلى الأئمة الطاهرين من بعده عليهم السلام أيضاً لكونهم قادة الأمة ، فكل إمام ينقل هذه العلوم إلى اللاحق إمّا مشافهة أو عن طريق الكتب التي ورثوها من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، إضافة إلى ذلك ما يطلع عليه الإمام من مخفيات وغيبيات من طريق الإلهام والتحديث من قبل الملائكة .
وقد ثبت في الآثار المروية عنهم عليهم السلام أنهم أطلعوا على مثل هذه الأمور ، كما وثبت أنهم عليهم السلام أخبروا ببعض ما يعد أمراً غيبياً ، وإخبارهم بذلك ليس لأنهم يعلمون الغيب بالذات وإنما لأنهم أطلعوا عليه ممن يعلم الغيب بالذات وهو الله عزّ وجل .
قال الشيخ المفيد رحمه الله : ( إنّ الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه ، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطاً في إمامتهم وإنّما أكرمهم الله تعالى وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتمسك بإمامتهم وليس ذلك بواجب عقلاً ولكنه وجب لهم من جهة السماع ، فأمّا إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بيّن الفساد لأن الوصف بذلك إنّما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلاّ الله عزّ وجل وعلى هذا جماعة أهل الإمامة إلاّ من شذّ عنهم من المفوّضة ومن انتمى إليهم من الغلاة ) (4) .
وقال العلامة الطبرسي رحمه الله ردّاً على من اتّهم الشيعة الإمامية الإثني عشرية بأنّهم يدّعون علم الغيب لأئمتهم : ( إنّ هذا القول ظلم منه لهؤلاء القوم – يعني الشيعة – ولا نعلم أحداً منهم بل أحداً من أهل الإسلام يصف أحداً من الناس بعلم الغيب ، ومن وصف مخلوقاً بذلك فقد فارق الدّين ، والشيعة الإمامية براء من هذا القول فمن نسبهم إلى ذلك فا الله فيما بينه وبينهم ) (5)
وقال أيضاً : ( ولا نعلم أحداً منهم – يعني الشيعة – استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق ، فإنما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المخلوقات ، وهذه صفة القديم سبحانه العالم لذاته لا يشركه فيها أحد من المخلوقين ، ومن اعتقد أنّ غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة خارج على ملة الإسلام ) (6) .
وقال العلامة المجلسي رحمه الله : (اعلم أنّ الغلو في النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام إنّما يكون بالقول بإلوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية أو في الخلق والرّزق ، أو أنّ الله تعالى حلّ فيهم أو اتّحد بهم ، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى ، أو بالقول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي ، والقول بكل منـها إلحادٌ وكفـرٌ وخـروجٌ عـن الدين كما دلّت عليه الأدلة العقلية والآيات والأخبار) (7) .
وقال الشيخ محمد تقي فلسفي رحمه الله: ( إن علم الغيب في هذا العالم بأسره يختص به وحده ، وإنّ أي موجود آخر أرضياً كان أو سماوياً بشراً كان أو من غير البشر لا علم له بالغيب ولا يمكنه الدخول في هذا المجال المقدس بصورة مستقلة من تلقاء ذاته ) .
وقال : ( ولكن هناك بعض الأشخاص يحظون – إلى حدٍ ما – بمعرفة بعض الأمور الغيبية وذلك وفقاً لما تسمح به مشيئة الله سبحانه وتعالى وإرادته ، وهذا ما نصّت عليه بعض آيات القرآن الكريم : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (8) (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) (9) .
إذن فالطريقة الأولى للإطلاع على غيب العالم هي أن يأذن الله سبحانه بذلك .
فهناك أشخاص مقربون من الله وأوليائه المنتجبين الكرام تحدّثوا خلال فترة وجودهم في هذه الدنيا عن الأمور الغيبية ، وهذا كان بإذن الله سبحانه وتعالى واستناداً إلى الإلهام الرباني ) (10) .
وقال الشيخ محمد جواد مغنية : ( إنّ كلمة الغيب لا تدل على معناها فحسب بل تدل أيضاً على أنّ الغيب لله وحده وبالإضافة إلى هذه الدلالة فإنّ أقرب الناس إلى ربّه يعلن للأجيال بأنّه أمام الغيب بشر لا فرق بينه وبين غيره من الناس ، ثم لا يكتفي بهذا الإعلان بل يستدل على ذلك بالحس والوجدان وهو أنّه لو علم الغيب لعرف عواقب الأمور ) (11).
وقال : ( فلا يكون إخبار الرسول به – بالأمور الغيبية – علماً بالغيب ، بل نقلاً عمّن يعلم الغيب ، والفرق بعيد بين مصدر العلم وبين النقل عن مصدره ، لأنّ الأول أصل والثاني فرع ) (12) .
وقال السيد محمد جواد فضل الله : ( والواقع الذي لا جدال فيه أنّ علم الغيب من حيث كونه صفة ذاتية مما يختص به سبحانه وتعالى ، الذي هو عالم الغيب والشهادة دون أن يشاركه فيه أي موجود مهما كانت منزلته ، ومهما كان مقامه ، ومعنى علم الغيب هنا هو إنكشاف واقع الأشياء ذاتاً دون الحاجة إلى الاستعانة بأي شيء آخر لتحقيق ذلك الانكشاف ، ولا يمكن نسبة علم الغيب بهذا المعنى للأئمة فإنه الغلو بل هو الشرك بعينه.
أمّا علم الغيب بمعنى انكشاف الواقع في بعض الحالات للنبي أو الإمام بمعونة من الله لاقتضاء بعض الضرورات الرسالية أو لإظهار تميز النبي أو الإمام عن غيره من البشر الذي ربما يكون في بعض الحالات ضرورة رسالية ملحة فلا نرى أي محالية في نسبته للأئمة بل هو أمرٌ ممكن عقلاً قابلية ووقوعاً ، فإذا ثبت إمكانه العقلي ثبت إمكانه الوقوعي بالضرورة .
ويظهر من هذا أنّ الإتهام الظالم الذي ألصقه بعض كتبة التاريخ – من القدماء والمحدثين – بالشيعة من أنهم يعتقدون في أئمتهم علم الغيب هو من الصفات المختصة بالله سبحانه وتعالى لا يعدوا كونه تجن مفتعل وتجاوز على الحقيقة ) (13).
وقال السيد أمير محمد الكاظمي : ( ليس في الشيعة من يقول بأنّ الأئمة عليهم السلام يعلمون علم الغيب من عند أنفسهم ، ومن ينسب ذلك إليهم فهو مفترٍ عليهم ، لأن علم الغيب مخصوص بالله وحده ، وإنّما يقولون إنّهم ينبئون عن بعض المغيبات بتعليم الله لهم ، وليس في هذا شيءٌ من الغلو وإلاّ كان ماقصه الله تعالى عن نبيّه عيسى عليه السلام بقوله : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (14) غلواً باطلاً وهو كفر صراح ) (15) .
وقال العلامة الطباطبائي رحمه الله : ( وأما قوله : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) (16) فلا يدل إلاّ على اختصاص علم الغيب بالذات به تعالى كسائر آيات اختصاص الغيب به ، ولا ينفي على الغير به بتعليم منه تعالى كما يشير إليه قوله : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) (17) وقد حكى الله سبحانه نحواً من هذه الأخبار عن المسيح عليه السلام إذ قال : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ ) (18) ومن المعلوم أنّ القائل أن النبي عليه السلام كان يخبر الناس بما يكون في نحو لا ينفي كون ذلك بتعليم من الله له .
وقد تواترت الأخبار على تفرقها وتنوعها من طرق الفريقين على إخباره صلى الله عليه وآله بكثير من الحوادث المستقبلية ) (19) .
قال الشيخ غلام رضا كاردان : ( تعتقد الشيعة الإمامية بأن الله عزّ وجل وحده يعلم الغيب والشهادة ، ولا أحد غيره يعلم ذاتاً بشيء ، وإنّما علم كل عالم وجميع الكمالات الأخرى وأصحابها مملوكة لله عزّ وجل ولكن قد يُعلم الله عزّ وجل بعض الأشخاص من علمه بحسب المصلحة كما يقول القرآن المجيد : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (20) أو كما في قوله : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) فالمستفاد من الآيتين أنّ الله عزّ وجل قد يصطفي أحداً من أنبيائه فيطلعه على الغيب ) (21) .
___________________
(1) إرشاد الشاري 1/317 .
(2) صحيح مسلم 4/2216 برقم : 2891 ، المستدرك على الصحيحين 4/518 برقم : 8454 ، مسند أحمد 5/388 برقم : 23339 ، مسند الشاميين 4/130 برقم : 2917 ، فتح الباري 6/607 ، تاريخ دمشق 8/351 و 12/266 ، السنن الواردة في الفتن 1/233 ، الفتن 1/28 برقم : 3 ، سير أعلام النبلاء 2/365 ، تهذيب الكمال 5/501 ، الدر المنثور 7/480 .
(3) صحيح مسلم 4/2217 برقم : 2892 ، صحيح ابن حبّان 15/9 برقم : 6638 .
(4) أوائل المقالات صفحة 67 .
(5) تفسير مجمع البيان 3/447 .
(6) تفسير مجمع البيان 5/353 .
(7) بحار الأنوار 25/346 .
(8) آل عمران : 179 .
(9) الجن : 26 – 27 .
(10) المعاد بين الرّوح والجسد 1/273 – 274 .
(11) الكاشف 3/431- 432 .
(12) الكاشف 3/433 .
(13) الإمام الصادق خصائصه ومميزاته صفحة 75 – 76 .
(14) آل عمران : 49 .
(15) محاورة عقائدية صفحة 32 .
(16) النمل : 65 .
(17) الجن : 26 – 27 .
(18) آل عمران : 49 .
(19) تفسير الميزان 15/393 .
(20) آل عمران : 179 .
(21) الرّد على شبهات الوهابية صفحة 15-16 .




وما يظهر من الرّوايات أنّهم عليهم السلام يعلمون الغيب فهو ناظر ليس إلى علم الغيب الذاتي وإنّما إلى العلم بالغيب بإطلاع لهم ممن يعلم الغيب بالذات وهو الله سبحانه أو بإخبار لهم ممن أطلع على الغيب من عالم الغيب بالذات ، ومن كل ما أوردناه يظهر جواب ما ورد في مضمون بعض الروايات من أنهم عليهم السلام أخبروا ببعض المخفيات والمغيبات .
ولقد نفى الأئمة عليهم السلام عن أنفسهم علمهم الذاتي والاستقلالي بالغيب وأثبتوا علمهم ببعضه بتعليم من الله عزّ وجل لهم ، ففي الرواية الصحيحة التي رواها الصفار في بصائر الدرجات بسنده عن ضريس قال : ( كنت مع أبي بصير عند أبي جعفر عليه السلام فقال له أبو بصير : بما يعلم عالمكم جعلت فداك ؟ قال : يا أبا محمد إن عالمنا لا يعلم الغيب ولو وكل الله عالمنا إلى نفسه كان كبعضكم ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة ) (1) .
وفي الرّواية الصحيحة التي رواها الكشي في رجاله قال : ( حمدويه ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن المغيرة قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام أنا ويحيى بـن عبد الله بن الحسن فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون (2) أنّك تعلم الغيب فقال : سبحان الله ، سبحان الله ، ضع يدك على رأسي فو الله ما بقيت شعرة في جسدي ولا في رأسي إلاّ قامت ، قال : ثم قال : لا والله ما هي إلاّ رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله ) (3) .
وفي رواية أخرى صحيحة رواها الكشي عن ( حمدويه قال : حدثنا يعقوب ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنّهم يقولون تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب فرفع يده إلى السماء وقال : سبحان الله ، سبحان الله ، لا والله ما يعلم هذا إلاّ الله)(4).
ثم إن قول الشيعة أن أئمتهم محدثون أو ملهمون لا يعد غلواً في الأئمة l فقد مرّ عليك أن أهل السنة أثبتوا التحديث أو الإلهمام لعمر بن الخطاب ، كما رووا أنه علم بوضع جيش المسلمين الذي أرسله بقيادة سارية والجيش بعيد عنه آلاف الأميال وهو في المدينة في المسجد يخطب على المنبر فأصدر توجيهاته لقائد جيشه من مكانه ، يقول أبو الفداء عبد الرقيب بن علي الإبي : ( وقال عبد الله بن أحمد في زوائده على الفضائل(355) : حدثنا أبو عمرو الحارث بن مسكين المصري ، ثنا ابن وهب عن يحيى ابن أيوب عن ابن عجلان عن نافع عن عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب بعث جيشاً وأمّر عليهم رجلاً يدعى سارية قال: فبينا عمر يخطب الناس يوماً ، قال : فجعل يصيح وهو على المنبر:يا ساري الجبل يا ساري الجبل ، فقدم رسول الجيش فسأله فقال : يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمنا فإذا بصايح يصيح : يا ساري الجبل يا ساري الجبل ، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله ، فقيل لعمر – يعني ابن الخطاب – إنك كنت تصيح بذلك .
قال ابن عجلان : وحدثني إياس بن معاوية بن قرة بمثل ذلك .
هذا أثر إسناده حسن رواه الآجري في الشريعة (3/97) وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (7/131) وقال : هذا إسناد جيد حسن ، وعزاه الحافظ في الإصابة (2/3) إلى البيهقي في الدلائل واللالكائي في شرح السنة (9/127) والزين عاقولي في فوائده وابن الأعرابي في كرامات الأولياء وحرملة في جمعه لحديث ابن وهب وقال: وهو إسناد حسن )
ثم ذكر تحسين الشيخ محمد الألباني للرواية في تعليقه على أحاديث المشكاة وأنه رد في سلسلته الصحيحة على من أنكرها كما ذكر أيضاً تحسين ابن حجر لإسنادها(5).
فهذه الرواية – كما هو واضح من تحسين العديد من علماء السنيين لها – أنها رواية معتبرة عندهم ، وعليه نسأل ونقول : كيف علم عمر بن الخطاب بوضع الجيش الأمر الذي دعاه يصيح وهو على منبر المسجد يا ساري الجبل يا ساري الجبل منبهاً قائد جيشه ومرشداً له لتجنيبه الهزيمة وتمكينه من النصر على الأعداء؟!
فلا يخلو الأمر من طريقين لهذا العلم ولا ثالث لهما (6) ، وهما الإلهام والتحديث فإن زعموا أن علمه بذلك كان عن طريق الإلهام ، فنقول لهم لقد ثبت عند الشيعة الأدلة الصحيحة والصريحة أن أئمتهم الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ملهمون ، فيكون ما ورد في الروايات من إخبارهم عليهم السلام ببعض المغيبات قد يكون من هذا الطريق ، وإن كان هذا الزعم من أهل السنة لا يعد غلواً في عمر فكذلك أيضاً قول الشيعة في أئمتهم لا يعد علواً فيهم عليهم السلام.
وإن ادّعوا أن علمه – عمر – بذلك كان عن طريق التحديث لأنه ثبت عنهم أنّ عمر محدثاً ، فنقول لهم لقد ثبت عند الشيعة أيضاً بالأدلة الصحيحة أنّ أئمتهم عليهم السلام محدثون ، فيكون بعض ما ورد في رواياتهم من إخبارهم عليهم السلام ببعض المغيبات من هذا الطريق ، فإن كان ادعاؤهم التحديث لعمر لا يعد غلواً في عمر فكذلك قول الشيعة لا يعد غلواً في الأئمة عليهم السلام .
ورووا ( أن عمر بن الخطاب قال لرجل ما اسمك ؟ فقال جمرة ، فقال ابن من ؟ فقال ابن شهاب ، قال ممن ؟ قال من الحرقة ، قال أين مسكنك ؟ قال بحرة النار ؟ قال بأيها ؟ قال بذات لظى ، قال عمر : أدرك أهلك فقد احترقوا ، قال فكان كما قال عمر بن الخطاب)! (7) .
وتعليقنا على هذه الرواية هو نفس تعليقنا على الرواية السابقة .
إن ما ينفيه الوهابية عن أئمتنا من اطلاعهم على بعض الغيبيات ، ويتهمون الشيعة لروايتهم لذلك أو قولهم به بالغلو في الأئمة وما شاكل ذلك من اتهامات يثبتونه لعلمائهم ويعتبرونه نوعاً من الفراسة !
يقول ابن القيّم الجوزية وهو يتحدث عن فراسة استاذه ابن تيمية الحراني : (ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أموراً عجيبة ، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ، ووقائع فراسته تستدعي سفراً ضخماً ، أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة وأن جيوش المسلمين تكسر ، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام وأن كلب الجيش وحدته في الأموال وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة ، ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم ، وأن الظفر والنصر للمسلمين ، وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يميناً ، فيقال له قل إن شاء الله ، فيقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ، وسمعته يقول ذلك ، قال فلما أكثروا علي قلت لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة ، وأن النصر لجيوش الإسلام قال وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو ، وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر ، ولما طلب إلى الديار المصرية ، وأريد قتله بعد ما أنضجت له القدور وقلبت له الأمور ، اجتمع أصحابه لوداعه وقالوا قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك ، فقال والله لا يصلون إلى ذلك أبداً ، قالوا أفتحبس ؟ قال نعم ويطول حبسي ، ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس ، سمعته يقول ذلك ، ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك ، وقالوا الآن بلغ مراده منك فسجد لله شكراً وأطال ، فقيل له ما سبب هذه السجدة ؟ فقال هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن وقرب زوال أمره فقيل له متى هذا ؟ قال لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته، فوقع الأمر مثل ما أخبر به سمعت ذلك منه ، وقال مرة يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أموراً لا أذكرها لهم ، فقلت له أو غيري لو أخبرتهم؟ فقال أتريدون أن أكون معرفاً كمعرف الولاة ؟ وقلت له يوماً لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الاستقامة والصلاح ، فقال لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال شهراً ، وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها ، وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها ، وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته والله أعلم ) (8) .
وكلام ابن القيّم هذا صريح في أن ابن تيمية أخبر ببعض الأمور التي لا سبيل إلى الإطلاع عليها إلاّ من خلال الإطلاع على الغيب ، مثل إخباره بما في الضمائر، وأنّه قد جزم بوقوع بعض الأمور التي أخبر عندها جزماً باتاً ، فعندما قيل له قل إن شاء الله قال : (إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً )!، كما يظهر من كلام ابن القيم أن ابن تيمية له إطلاع على ما في اللوح المحفوظ أو بعضه وهذا ظاهر من قوله : (لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة ، وأن النصر لجيوش الإسلام )! ، وهذا الذي يزعم ابن القيّم حصوله لشيخه ابن تيمية بعيد كل البعد عن الفراسة .
ويقول الحافظ عمر بن علي البزار في كتابه (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية)في الفصل التاسع تحت عنوان (في ذكر بعض كراماته وفراسته) : ( أخبرني غير واحد من الثقات ببعض ما شاهده من كراماته ، وأنا أذكر بعضها على سبيل الإختصار وأبدأ من ذلك ببعض ما شاهدته .
فمنها اثنين جرى بيني وبين بعض الفضلاء منازعة في عدة مسائل وطال كلامنا فيها ، وجعلنا نقطع الكلام في كل مسألة بأن نرجع إلى الشيخ وما يرجحه من القول فيها ، ثم أن الشيخ رضي الله عنه حضر ، فلما هممنا بسؤاله عن ذلك سبقنا هو وشرع يذكر لنا مسألة مسألة كما كنا فيه ، وجعل يذكر غالب ما أوردناه في كل مسأله ، ويذكر أقوال العلماء ثم يرجح منها ما يرجحه الدليل حتى أتى على آخر ما أردنا أن نسأله عنه ، وبين لنا ما قصدنا أن نستعلمه منه ، فبقيت أنا وصاحبي ومن حضرنا أولا مبهوتين متعجبين مما كاشفنا به وأظهره الله عليه مما كان في خواطرنا.
وكنت في خلال الأيام التي صحبته فيها إذا بحث مسأله يحضر لي إيراد فما يستتم خاطري به حتى يشرع فيورده ويذكر الجواب من عدة وجوه.
وحدثني الشيخ الصالح المقريء أحمد بن الحريمي أنه سافر إلى دمشق قال فاتفق أنى لما قدمتها لم يكن معي شئ من النفقة البتة ، وأنا لا أعرف أحداً من أهلها فجعلت أمشي في زقاق منها كالحائر ، فإذا بشيخ قد أقبل نحوي مسرعاً فسلم وهش في وجهي ووضع في يدي صرة فيها دراهم صالحة ، وقال لي أنفق هذه الآن وخلي خاطرك مما أنت فيه فإن الله لا يضيعك ، ثم رد على أثره كأنه ما جاء إلاّ من أجلي فدعوت له وفرحت بذلك ، وقلت لبعض من رأيته من الناس من هذا الشيخ؟ فقال وكأنك لا تعرفه هذا ابن تيمية لي مدة طويلة لم أره اجتاز بهذا الدرب.
وكان جل قصدي من سفري إلى دمشق لقاءه ، فتحققت أن الله أظهره علي وعلى حالي ، فما احتجت بعدها إلى أحد مدة إقامتي بدمشق بل فتح الله علي من حيث لا احتسب ، واستدللت فيما بعد عليه وقصدت زيارته والسلام عليه فكان يكرمني ويسألني عن حالي فأحمد الله تعالى إليه.
وحدثني الشيخ العالم المقريء تقي الدين عبد الله ابن الشيخ الصالح المقريء احمد بن سعيد قال : سافرت إلى مصر حين كان الشيخ مقيماً بها ، فاتفق أني قدمتها ليلاً وأنا مثقل مريض ، فأنزلت في بعض الأمكنة فلم ألبث أن سمعت من ينادي باسمي وكنيتي فأجبته وأنا ضعيف فدخل إلي جماعة من أصحاب الشيخ ممن كنت قد اجتمعت ببعضهم في دمشق ، فقلت كيف عرفتم بقدومي وأنا قدمت هذه الساعة فذكروا أن الشيخ أخبرنا بأنك قدمت وأنت مريض وأمرنا أن نسرع بنقلك وما رأينا أحداً جاء ولا أخبرنا بشيء ، فعلمت أن ذلك من كرامات الشيخرضي الله عنه.
وحدثني أيضاً قال : مرضت بدمشق إذ كنت فيها مرضة شديدة منعتني حتى من الجلوس ، فلم أشعر إلاّ والشيخ عند رأسي وأنا مثقل مشتد بالحمى والمرض ، فدعا لي وقال جاءت العافية ، فما هو إلاّ أن فارقني وجاءت العافية وشفيت من وقتي ) .
وقال : (وحدثني أيضاً قال أخبرني الشيخ ابن عماد الدين المقرئ المطرز ، قال قدمت على الشيخ ومعي حينئذ نفقة فسلمت عليه فرد علي ورحب بي وأدناني ولم يسألني هل معك نفقة أم لا، فلما كان بعد أيام ونفدت نفقتي أردت أن أخرج من مجلسه بعد أن صليت مع الناس وراءه فمنعني وأجلسني دونهم فلما خلا المجلس دفع إلي جملة دراهم وقال أنت الآن بغير نفقة فارتفق بهذه فعجبت من ذلك وعلمت أن الله كشفه على حالي أولاً لما كان معي نفقة وآخراً لما نفدت واحتجت إلى نفقة.
وحدثني من لا أتهمه أن الشيخ رضي الله عنه حين نزل المغل بالشام لأخذ دمشق وغيرها رجف أهلها وخافوا خوفاً شديداً، وجاء إليه جماعة منهم وسألوه الدعاء للمسلمين فتوجه إلى الله ثم قال أبشروا فإن الله يأتيكم بالنصر في اليوم الفلاني بعد ثالثة حتى ترون الرؤوس معبأة بعضها فوق بعض.
قال الذي حدثني فوالذي نفسي بيده أو كما حلف ما مضى إلا ثلاث مثل قوله حتى رأينا رؤوسهم كما قال الشيخ على ظاهر دمشق معبأة بعضها فوق بعض.
وحدثني الشيخ الصالح الورع عثمان بن أحمد بن عيسى النساج ، أن الشيخ رضي الله عنه كان يعود المرضى بالبيمارستان بدمشق في كل أسبوع فجاء على عادته فعادهم فوصل إلى شاب منهم فدعا له فشفي سريعاً ، وجاء إلى الشيخ يقصد السلام عليه فلما رآه هش له وأدناه ثم دفع إليه نفقة وقال قد شفاك الله ، فعاهد الله أن تعجل الرجوع إلى بلدك أيجوز أن تترك زوجتك وبناتك أربعاً ضيعة وتقيم هاهنا؟ فقبل يده وقال يا سيدي أنا تائب إلى الله على يدك ، وقال الفتى وعجبت مما كاشفني به وكنت قد تركتهم بلا نفقة ولم يكن قد عرف بحالي أحد من أهل دمشق.
وحدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه أخبر عن بعض القضاة أنه قد مضى متوجهاً إلى مصر المحروسة ليقلد القضاء وأنه سمعه يقول حال ما أصل إلى البلد قاضياً احكم بقتل فلان رجل معين من فضلاء أهل العلم والدين قد أجمع الناس على علمه وزهده وورعه ، ولكن حصل في قلب القاضي منه من الشحناء والعداوة ما صوب له الحكم بقتله ، فعظم ذلك على من سمعه خوفاً من وقوع ما عزم عليه من القتل لمثل هذا الرجل الصالح وحذرا على القاضي أن يوقعه الهوى والشيطان في ذلك فيلقى الله متلبساً بدم حرام وفتك بمسلم معصوم الدم بيقين ، وكرهوا وقوع مثل ذلك لما فيه من عظيم المفاسد ، فأبلغ الشيخ رضي الله عنه هذا الخبر بصفته، فقال إن الله لا يمكنه مما قصد ولا يصل إلى مصر حياً ، فبقى بين القاضي وبين مصر قدر يسير وأدركه الموت فمات قبل وصولها كما أجرى الله تعالى على لسان الشيخ رضي الله عنه ) .
___________________
(1) بصائر الدرجات صفحة 345 .
(2) الذين زعموا للأئمة عليهم السلام العلم الذاتي بالغيب هم الغلاة ، وقد تبرأ الأئمة عليهم السلام منهم والشيعة تبعاً لأئمتهم تبرؤوا من هؤلاء الغلاة وأقوالهم وعقائدهم وحكموا بكفرهم ومروقهم من الدين .
(3) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي ) 2/587 .
(4) اختيار معرفة الرجال 2/588 .
(5) كرامات الأولياء للإبي صفحة 68- 69 .
(6) لأن علم الغيب الذاتي من مختصات الله عزّ وجل فلا عالم بالغيب بالذات إلاّ هو سبحانه فلا عمر ولا غيره يملك هذا النوع من العلم بالغيب ، فينحصر العلم بذلك من خلال الطريقين المذكورين فقط .
(7) موطأ مالك 2/973 ، عون المعبود 10/296 ، تاريخ دمشق 44/281،أخبار المدينة صفحة400، مصنف عبد الرزاق 11/43 رواية رقم : 19864 ، كنز العمال 12/290 رواية رقم : 35982 ، الإصابة في تمييز الصحابة 1/539 ترجمة جمرة بن شهاب ، الصواعق المحرقة 1/249 ، زاد المعاد 2/338 ، تاريخ الخلفاء صفحة 126 .
(8) مدارج السالكين 2/489- 490 .