الإمامة الإلهيّة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأبعد غوراً من أن يبلغها النّاس بعقولهم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم


الإهداء
نهدي ثواب هذا العمل المتواضع إلى سبايا كربلاء وعلى الأخص سيّدتنا ومولاتنا زينب الكبرى عليها السّلام وسيّدتنا ومولاتنا سكينة عليها السّلام وسيّدتنا ومولاتنا رقية صلوات الله تعالى عليهم أجمعين ولعنة الله تعالى على أعدائهم بني أميّة ومن أسّس لهم بنيانهم أصحاب الصّحيفة الملعونة.

تمهيد
كثير من المسلمين يخلطون بين مفهوم تولّي منصب الخلافة وسدّة الحكم وبين مفهوم الإمامة الإلهيّة أو مفهوم الإمامة في القرآن الكريم، وهذا الخلط ناشئ مع الأسف الشّديد - حسب رأيي - لسببين:
- السّبب الأوّل
عزوف كثير من المسلمين عن أحاديث أهل بيت العصمة صلوات الله تعالى عليهم وعدم الجدّ في قراءة تراث أهل البيت عليهم السّلام الموجود في مصادرنا المعتبرة كالكتب الأربعة الشّريفة.
فروايات أهل بيت العصمة عليهم السّلام بعد كتاب الله تعالى، لها الحرُمة والتقديس؛ فمنهج التعاطي مع كتاب الله تعالى يتم عن طريق تقديسه وبذل أقصى الجهد في فهمه وتدبّر واستنباط معانيه ومحاولة كشف أسراره والتعبّد به، (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، وهذا منطبق تمام الإنطباق على أحاديث وروايات أهل البيت (ع)؛ بل أنّ القرآن لا يُفهم ولا يُستنبط معناه إلّا عن طريق حديثهم الشّريف، وكما قال الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنّ اللطيف الخبير قد عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين -وجمع بين مسبحتيه- ولا أقول كهاتين -وجمع بين المسبحة والوسطى- فتسبق إحداهما الأخرى فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلّوا).

- السّبب الثّاني
وهو مرتبط بالسّبب الّذي ذكرناه سابقاً؛ فعزوف المسلمين عن كتبهم جعلهم يتوجّهون إلى كتب البكرية لعنهم الله تعالى كصحاحهم الستّة ومسانيدهم وهي عندنا لا تساوي عفطة عنز، لكن نرجع إليها في سبيل إلزام الخصم، أو في سبيل المحاججات الكلاميّة، أو لمعرفة التّاريخ الإسلامي بين الجمع فيما رواه المسلمون وغيرهم أو بعض المسائل المرتبطة بعلم الحديث والرّجال وما أشبه ليس إلّا، فلا نأخذ بما يفهموه أو يقرّروه من مفاهيم خاطئة فهم أهل بدعة وضلالة وعدم فهم هذا الأمر ولّد عند كثير من أبنائنا المسلمين جهل في تراثنا الإسلاميّ بل حتّى تعداه إلى أن يتبنون مفهوم الإمامة الّذي قرّره علماء البكريّة لعنهم الله تعالى.


الإمامة وفق المفهوم القرآني
قال تعالى:
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)[البقرة:124].

(أ) مفهوم الإمامة عند الدّين البكري
من يقرأ ما سطّره علماء البكريّة وقرّروه في كتبهم سيندهش بل سيضحك على هذه العقول السّاذجة المنحرفة الّتي ابتعدت عن نهج الإسلام فضلّت وأضلت.

1- من يختار الإمام عند الملّة البكريّة
قال سعد الدّين التفتازاني: "المقبول عندنا وعند المعتزلة والخوارج والصالحية خلافا للشيعة هو اختيار أهل الحل والعقد وبيعتهم من غير أن يشترط إجماعهم على ذلك ولا عدد محدود بل ينعقد بعقد واحد منهم.
ولهذا لم يتوقف أبو بكر إلى انتشار الأخبار في الأقطار ولم ينكر عليه أحد وقال عمر لأبي عبيدة ابسط يدك أبايعك فقال أتقول هذا وأبو بكر حاضر فبايع أبا بكر وهذا مذهب الأشعري إلا أنه يشترط أن يكون العقد بمشهد من الشهود لئلا يدّعي آخر أنّه عقد عقدا سرّاً متقدما على هذا العقد وذهب أكثر المعتزلة إلى اشتراط عدد خمسة ممن يصلح للإمامة أخذا من أمر الشورى لنا على كون البيعة والاختيار طريقا".[شرح المقاصد في علم الكلام: ج2، ص281].

فلاحظ يرحمك الله كيف أنّ هذه الإمامة المزعومة الّتي يدّعون أنّها استخلاف لرسول الله تعالى صلوات الله عليه وعلى آله كيف جعلوها بيد النّاس كيفما شاؤوا جعلوها لفلان أو فلان؛ بل وتنعقد الإمامة وعلى الجميع السّمع والطّاعة إذا بايع شخص واحد إمامهم المزعوم!! ثمّ لاحظ كلام التفتازاني صريحاً أنّ خلافة أبي بكر تمّت بمبايعة شخص واحد؟! فتدبّر.

2- صفات الإمام عند الملّة البكريّة
قال القاضي الباقلاني: "فإن قال قائل فخبرونا ما صفة الإمام المعقود له عندكم قيل لهم يجب أن يكون على أوصاف منها أن يكون قرشيا من الصميم ومنها أن يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضيا من قضاة المسلمين ومنها أن يكون ذا بصيرة بأمر الحرب وتدبير الجيوش والسرايا وسد الثغور وحماية البيضة وحفظ الأمة والانتقام من ظالمها والأخذ لمظلومها وما يتعلق به من مصالحها ومنها أن يكون ممن لا تلحقه رقة ولا هوادة في إقامة الحدود ولا جزع لضرب الرقاب والأبشار ومنها أن يكون من أمثلهم في العلم وسائر هذه الأبواب التي يمكن التفاضل فيها إلا أن يمنع عارض من إقامة الأفضل فيسوغ نصب المفضول وليس من صفاته أن يكون معصوما ولا عالما بالغيب ولا أفرس الأمة وأشجعهم ولا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قبائل قريش". [تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: ص471].

- الإمام لا ينخلع وإن كان أفسق خلق الله تعالى
قال القاضي الباقلاني أيضاً: "إن قال قائل ما الذي يوجب خلعه الإمام عندكم قيل له يوجب ذلك أمور منها كفر بعد الإيمان ومنها تركه إقامة الصلاة والدعاء إلى ذلك ومنها عند كثير من الناس فسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار وتناول النفوس المحرمة وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود.
وقال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث لا ينخلع بهذه الأمور ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء مما يدعو إليه من معاصي الله.
واحتجوا في ذلك بأخبار كثيرة متظاهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه في وجوب طاعة الأئمة وإن جاروا واستأثروا بالأموال وأنه قال صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع ولو لعبد حبشي وصلوا وراء كل بر وفاجر) وروي أنه قال أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك وأطيعوهم ما أقاموا الصلاة في أخبار كثيرة وردت في هذا الباب". [تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: ص478-479].


*الخلاصة*
الإمامة عند أهل الضلال، هي:
1- الحكومة السياسيّة.
2- مرتبطة ببيعة الناس؛ بمعنى قد تكون الإمامة متّصلة أو منفصلة.
3- الإمام إنسان عادي له بعض الشرائط.
فترتّب على ذلك إنّ الإمامة صارت فروع من فروع الدين؛ لذلك طرحوا عدّة أصول وشروط للإمامة، وهي:
أ- أنّها تتم بالشورى.
ب- أنّها تتم ببيعة الناس.
ج- يُشترط فيها العدالة [وهذا من النّاحية النظريّة؛ فحتّى هذا الشرط تجاوزوه فراجع كلمة الباقلّاني أعلاه].

فبالتالي أصبحت الإمامة شأن من شئون الناس؛ بل وأصبحت الأمّة بأسرها هي الإمام عندهم.


(ب) الإمامة عند المسلمين رضي الله تعالى عنهم
بما أنّ رسول الله (ص) مهامه الشّريفة لها بعدين، هما:
1- مستوى تشريعي: بمعنى المرجعيّة الدينية؛ أي مبيّن للأحكام الإلهيّة ومطبّق لها.
2- مستوى تكويني: هي الولاية التكوينيّة؛ وهي ولاية التصرّف في الأمور التكوينيّة.
فالإمامة هي إمتداد للنبوّة وهي ما أوضحته الآية المباركة:
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون)[المائدة:55]، فولاية الله تعالى على الخلق هي ولاية تكوينيّة وتشريعيّة وهي بالتبع لرسوله والأئمّة عليهم السلام.
فالإمامة حسب المفهوم القرآني، هي:
"الولاية التكوينيّة الّتي تتبعها المرجعيّة التشريعيّة والزعامة السياسيّة هي شأن من شؤون الإمامة، وهي من أصول الدين". - فلذا عندما أصبح الغاصبين الأوائل كأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وبني أميّة وأضرابهم ومن جاء بعده ملعنهم الله تعالى جميعاً وعزلوا أهل البيت عليهم السّلام، فهذا الأمر لا يطعن في إمامة آل محمّد عليهم السّلام ولم تبطل إمامتهم فهم كانوا ومازالوا أئمّة الخلق وحجّة الله البالغة في السموات والأرض -.

فشروط الإمامة هي:
1- أنّها جعل إلهي
مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين)[المائدة:67]
فالله تعالى قال لنبيّه "بلّغ" ولم يقل بيّن أو اجعل؛ فهذا يدل على أنّها جعل إلهي، كما قال تعالى لنبيّه إبراهيم عليه السّلام: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا).
2- أنّها لا تستلزم بيعة الناس لأنّها شأن إلهي لا من شؤون الناس.
3- يُشترط فيها العصمة.
فالإمام لا بدّ أن يكون: منصوصاً عليه لأنها جعل إلهي لا دخل للنّاس فيه، والإمام مرتبط بالله تعالى، وله العصمة المطلقة.
قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)[البقرة:124].
فالإمامة أعظم من النبوّة بدليل الآية لأن إبراهيم عليه السّلام كان نبيّاً عند الخطاب الإلهي، وهي جعل إلهي، ولا ينال الإمامة من كان ظالماً لنفسه أو غيره ولو للحظة في عمره وإن تاب فالآية مطلقة.

فالإمامة الإلهيّة وفق المفهوم القرآني الّذي يتبعه شيعة أهل البيت عليهم السّلام كما قال مولانا الإمام علي الهادي عليه السّلام عن أهل بيت العصمة:
(ساسة العباد وأركان البلاد)، وبكلمة جامعة مانعة نقول: "أنّ الإمامة هي الولاية والسلطنة الإلهيّة على عامّة الخلق".

هذه كانت بعض الإثارات العلميّة والنقاط الأساسيّة حول مفهوم الإمامة وفق القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة، ومفهوم الإمامة عند أهل الضلال أصحاب الدّين البكري، نرجو أن نكون قد وفّقنا في عرضها بشكل سلس وموجز حتّى يستفيد منها إن شاء الله جميع المؤمنين والمؤمنات حفظهم الله تعالى.
فساسة البلاد وأئمّة العباد وحجج الله الباهرات هم أربعة عشر معصوماً صلوات ربّي وسلامه عليهم:
أوّلهم الرّسول الأعظم محمّد بن عبد الله، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فاطمة الزّهراء، الحسن بن علي المجتبى، الحسين بن علي الشّهيد، علي بن الحسين زين العابدين، محمّد بن علي الباقر، جعفر بن محمّد الصّادق، موسى بن جعفر الكاظم، علي بن موسى الرّضا، محمّد بن علي الجواد، علي بن محمّد الهادي، الحسن بن علي العسكري، وآخرهم الخلف الحجّة المهديّ المنتظر محمّد بن الحسن المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه أرواحنا وأرواح العالمين لتراب نعليه الفدى.
هؤلاء هم عدّتي وسادتي وأولياء نعمتي بهم خلقني الله تعالى وبهم رزقني الله تعالى وعلى ولايتهم ألقى الله ربّي من عدوّهم ومخالفهم تبرّأت وعلى ولايتهم أموت وبولايتهم ألقى ربّي الغفور.


الإمامة وشروطها والإمام وصفاته على لسان الإمام المعظّم مفرّج الكروب علي بن موسى الرّضا عليه وعلى آبائه وأولاده المعصومين أفضّل السّلام
- روى علماء الإسلام وأعلام المسلمين رضي الله تعالى عنه(*) عن عبد العزيز بن مسلم قال:
كنّا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي عليه السّلام فأعلمته خوض الناس فيه فتبسم عليه السّلام ثم قال يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلّى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عز وجل: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلّى الله عليه وآله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) وأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض صلّى الله عليه وآله حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم عليا عليه السّلام علما وإماما وما ترك لهم شيئا يحتاج إليه الأمّة إلا بيّنه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به.
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟!
إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أوينالوها بآرائهم أويقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السّلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) فقال الخليل عليه السّلام سرورا بها: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) قال الله تبارك وتعالى: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثمّ أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِين * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين).
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي صلّى الله عليه وآله فقال جلّ وتعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين) فكانت له خاصة فقلّدها صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السّلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهي في ولد علي عليه السّلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلّى الله عليه وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهال.
إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلّى الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السّلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدّنيا وعزّ المؤمنين إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزّكاة والصّيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف الإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعوإلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار الإمام الماء العذب على الظمإ والدّال على الهدى والمنجي من الردى الإمام النار على اليفاع الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك من فارقه فهالك الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة.
الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله.
الإمام المطهّر من الذنوب والمبرأ عن العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.
الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهّاب.
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أويمكنه اختياره هيهات هيهات ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وخسأت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أوفضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف بكله أوينعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف وأنّى؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا!! أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد صلّى الله عليه وآله؟
كذبتهم والله أنفسهم ومَنّتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا، تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا قاتلهم الله أنى يؤفكون ولقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون) وقال عز وجل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية. وقال: (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُون * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُون * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُون * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيم * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِين) وقال عز وجل: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، أم قالوا سمعنا وهم لا يسمعون (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُون * وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون) أم (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) بل هو (فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم).
فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة ،مخصوص بدعوة الرسول صلّى الله عليه وآله، ونسل المطهّرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من الرسول صلّى الله عليه وآله، والرضا من الله عزّ وجل، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسّياسة، مفروض الطّاعة، قائم بأمر الله عزّ وجل، ناصح لعباد الله حافظ لدين الله.
إنّ الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى: (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون) وقوله تبارك وتعالى: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا).
وقوله في طالوت: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم) وقال لنبيه صلّى الله عليه وآله: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات الله عليهم: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا* فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا).
وإن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، هو معصوم مؤيّد، موفّق مسدّد، قد أَمن من الخطايا، والزلل، والعثار، يخصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه؟! أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه، تعدّوا - وبيت الله - الحقّ ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه، واتّبعوا أهواءهم فذمّهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين) وقال: (فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُم) وقال: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار) وصلّى الله على النبيّ محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(*) مصادر الخبر الشّريف
1- الشّيخ الكليني، الكافي الشّريف، ج1، ص198-203، ح1.
2- الشّيخ النعماني، كتاب الغيبة، ص225-231، ح6، باب13.
3- الشّيخ الصّدوق، أمالي الصّدوق، ص477-481، ح1، المجلس97.
4- الشّيخ الصّدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص612-618، ح31، باب58.
5- الشّيخ الصّدوق، معاني الأخبار، ص96-101، ح2، باب معنى الإمام المبين.
6- الشّيخ الصّدوق، عيون أخبار الرّضا عليه السّلام، ج2، ص195-200، ح1، باب20.
7- الشّيخ الطبرسي، الإحتجاج، ج2، ص433-436.
8- الشّيخ الحسن بن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص436-442.
9- الشّيخ الحرّ العاملي، الفصول المهمّة في أصول الأئمّة، ج1، ص384-386، ح515.
10- العلّامة الجلسي، بحار الأنوار، ج25، ص80-83، ح4، باب4.
11- السيّد هاشم البحراني، غاية المرام، ج3، ص313-316، باب34.



اللّهم العن قتلة الزّهراء لا سيّما عمر بن الخطاب لعنة الله تعالى عليه وعلى أتباعه والمائلين إليه والشّاكين في كفره.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرج مهديّهم والعن عدوّهم ،،،