( ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه )

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

أولا : بما أن الأخ العزيز الخزاعي ... طلب عدم مشاركة أحد بمداخلة في موضوعه وأنه من حقه أن يطلب من المراقبين حذف أي مداخلة ... لذلك قررت أن أفرد ردوي هذه في موضوع مستقل بها .

ثانيا : لقد تحدثت هناك في الموضوع الذي أثاره الأخ العزيز الخزاعي أولا حول الدليل الذي جعل السيد فضل الله يتبنى الرأي القائل : بأن يوسف همّ بإمرأة العزيز لا شعوريا ومال إليها طبيعيا ، وقلنا أنه لا يوجد دليل مركون إليه يدل على أن هذا التفسير هو الصحيح لا من روايات أهل البيت عليهم السلام ولا اللغة باعتبار أن استخدام الهم بمعنى الشهوة والميل الطبعي استخدام مجازي ، فيحتاج الأمر إلى قرينة ودليل يدلان على أن القرآن استخدم هذه اللفظة في معناها الغير حقيقي ، وهذا الدليل مفقود ، وكذلك ظاهر الألفاظ والسياق لا يشجعان على هذا التفسير بل إلى غيره من الآراء الأخرى المناسبة أقرب . أما القول بأننا إذا استخدمنا لفظة الهم في معناها الحقيقي فإنه يلزم من ذلك أن نقول بأن يوسف عزم على المعصية لذلك علينا أن نأخذ بالمعنى المجازي فهو مغالطة ، لأن الآيات الكريمة لم تبين لنا متعلق الهم ، فلا بد من وجود دليل آخر يبين لنا هذا المتعلق ، وباحتمال وجود أكثر من متعلق لهذا الهم فالركون إلى واحد منها والجزم به أو الاستقرار عليه يحتاج إلى مرجح ، ولا مرجح يجعلنا نجزم بأن المراد به – أي الهم - الشهوة والميل الطبعي ، نعم بالنسبة لهم زوجة العزيز بينته الآيات الكريمة وهو أن همها المعصية أما متعلق هم يوسف عليه السلام فلا وهذا يكفي في دفع هذه المغالطة . ثم انتقلت إلى نقطة أخرى وهي هل يوجد من المفسرين الشيعة من تبنى هذا الرأي الذي تبناه السيد فضل واستقر عليه وجزم به كما جزم السيد فضل الله أم لا ، وقد نقلت هناك ما أورده الشيخ الطبرسي عليه الرحمة من آراء في تفسير الآية الكريمة وبينت أنه لا يوجد في كلامه دليل يدل على أنه تبنى هذا التفسير واستقر عليه والآن ننتقل إلى ما أورده العلامة الطبرسي في تفسيره ( مجمع البيان ) لنرى هل تبنى هذا التفسير واستقر عليه وجزم به أم لا في تفسيره هذا ... وإن شاء الله تعالى بعد الانتهاء من هذه النقطة سأتحدث حول نقطة أخرى وهي الأساس في الموضوع وهي هل هذا التفسير الذي استقر عليه السيد فضل الله وتبناه يتنافى مع عصمة الأنبياء عليهم السلام أم لا ؟

ثالثا : أما ما ذكره الشيخ الطبرسي عليه الرّحمة في كتابه ( مجمع البيان ) حول تفسير الآية الكريمة : ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) فنحن ننقل هنا نص ما ورد في كتاب ( مجمع البيان ) : قال العلامة :

(( ] المعنى [ ( ولقد همّت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) اختلف العلماء فيه على قولين :

( أحدهما ) أنه لم يوجد من يوسف ذنب كبير ولا صغير .
( وألاخر ) أنه وجد منه العزم على القبيح ثم انصرف عنه .

فأما الأولون فإنهم اختلفوا في تأويل الآية على وجوه :

( أحدها ) أن الهمّ في ظاهر الآية قد تعلق بما لا يصح تعلق العزم به على الحقيقة لأنه قال ولقد همّت به وهمّ بها فعلق الهم بهما وذاتهما لا يجوز أن يرادا ويعزم عليهما لأن الموجود الباقي لا يصح أن يراد ويعزم عليه فإذا حملنا الهم في الآية على العزم فلا بدّ من تقدير أمر محذوف يتعلق العزم به وقد أمكن أن نعلق عزمه عليه السلام بغير القبيح ونجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه فكأنه قال ولقد همت بالفاحشة منه وأرادت ذلك وهمّ يوسف عليه السلام بضربها ودفعها عن نفسه كما يقال هممت بفلان أي بضربه وإيقاع مكروه به ، وعلى هذا فيكون معنى رؤية البرهان أن الله سبحانه أراه برهاناً على أنه إن أقدم على ما همّ به أهلكه أهلها أو قتلوه أو ادعت عليه المراودة على القبيح وقذفته بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه ، فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل وظن اقتراف الفاحشة به ، ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك ويكون جواب لولا محذوف كما حذف في قوله تعالى : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله رؤوف رحيم ) وقوله : ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) أي لولا فضل الله لهلكتم ولو تعلمون علم اليقين لم يهلكم التكاثر ومثله قول امرىء القيس :
ولو أنها نفس تموت سويّة ولكنّها نفس تساقط أنفسا
يريد فلو أنها نفس تموت سوية لنقضت وفنيت فحذف الجواب تعويلا على أن الكلام يقتضيه وعلى هذا يكون جواب لولا محذوف يدل عليه قوله وهمّ بها ولا يجوز أن يكون قوله ( وهمّ بها ) جوابا للولا لأن جواب لولا لا يتقدم عليه .
( وثانيها ) أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير ويكون التقدير ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ولما رأى برهان ربه لم يهمّ بها ويجري ذلك مجرى قولهم قد كنت هلكت لولا أني تداركتك وقد كنت قلت لولا أني خلصتك والمعنى لولا تداركي لهلكت ولولا تخليصي إياك لقتلت ، وإن كان لم يقع هلاك وقتل ومثله قول الشاعر :
فلا يدعني قومي ليوم كريهة لئن لم أعجل ضربة أو أعجل .
وقال آخر :
فلا يدعني قومي صريحا لحرة لئن كنت مقتولا ويسلم عامر .
وفي القرآن ان كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ، وهذا الوجه اختاره أبو مسلم وهو قريب من الأول .

وثالثها : أن معنى قوله همّ بها اشتهاها ومال طبعه إلى ما دعته إليه وقد يجوز أن تسمى الشهوة على سبيل التوسع والمجاز ولا قبح في الشهوة لأنها من فعل الله تعالى وإنما يتعلق القبح بالمشتهي ، وقد روي هذا التأويل عن الحسن قال : أما همّها فكان أخبث الهمّ وأما همّه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء .
وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال همّها القصد وهمّه أنه تمناها أن تكون زوجة له وعلى هذا الوجه فيجب أن يكون قوله لولا أن رأى برهان ربه متعلقاً بمحذوف أيضاً كأنه قال لولا أن رأى برهان ربه لعزم أو فعل .

( سؤال ) قالوا أن قوله ولقد همت به وهمّ بها خرجا مخرجا واحداً فلم جعلتم همّها به متعلقاً بالقبيح وهمّه متعلقاً بغير القبيح ، وجوابه أن الظاهر لا يدل على ما تعلق به الهم ففيهما جميعا وإنما أثبتنا همّها به متعلقاً بالقبيح لشهادة القرآن والآثار به ولأنها ممن يجوز عليه فعل القبيح والشاهد لذلك من الكتاب قوله وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وقوله وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين ، وقوله حكاية عنها الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ، والشاهد من الآثار اجماع المفسرين على أنّها همّت بالمعصية والفاحشة وأما يوسف عليه السلام فقد دلّت الأدلة النقلية التي لا يتطرق إليها الاحتمال والمجاز على أنه لا يجوز أن يفعل القبيح ولا يعزم عليه فأما الشاهد من القرآن على أنه ما همّ بالفاحشة فقوله سبحانه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء وقوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وغير ذلك من قوله : قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء والعزم على الفاحشة من أكبر السوء .

وأما الفرقة الأخرى فإنهم قالوا فيه ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء فقال بعضهم أنه قعد بين رجليها وحلّ تكة سراويله وقال بعضهم حل السراويل حق بلغ الثنن وجلس منها مجلس الرجل من امرأته وقد نزّهه الله سبحانه عن ذلك كله بقوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء وأمثال ذلك مما عددناه .

فأما البرهان الذي رآه فقد اختلف فيه على وجوه :
( أحدها ) أنه حجة الله سبحانه في تحريم الزنا والعلم بالعذاب الذي يستحقه الزاني عن محمد بن كعب والجبائي .
(وثانيها ) أنه ما أتاه الله سبحانه من آداب الأنبياء وأخلاق الأصفياء في العفاف وصيانة النفس عن الأدناس عن أبي مسلم .
( وثالثها ) أنه النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش والحكمة الصارفة عن القبائح روي ذلك عن الصادق عليه السلام .
( ورابعها ) أنه كان في البيت صنم فألقت المرأة عليه ثوباً ، فقال عليه السلام ان كنت تستحين من الصنم فأنا أحق أن أستحي من الواحد القهار عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام .
( وخامسها ) أنه اللطف الذي لطف الله تعالى به في تلك الحال أو قبلها فاختار عنده الامتناع عن المعاصي وهو ما يقتضي كونه معصوما لأن العصمة هي اللطف الذي يختار عنده التنزه عن القبائح والامتناع من فعلها ويجوز أن يكون الرؤية ههنا بمعنى العلم كما يجوز أن يكون بمعنى الادراك فأما ما ذكر في البرهان من الأشياء البعيدة بأن قيل أنه سمع قائلا يقول يا ابن يعقوب لا تكونن كالطير له ريش فإذا زنا ذهب ريشه وقيل أنه رأى صورة يعقوب عاضا على أنامله وقيل أنه رأى كفاً بدت فيما بينهما مكتوبا عليها النهي عن ذلك فلم ينته فأرسل الله سبحانه جبريل عليه السلام وقال أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة فرآه عاضاً على اصبعه فكل هذا سواء ثناء على الأنبياء مع أن ذلك ينافي التكليف ويقتضي أن لا يستحق على الامتناع من القبيح مدحا ولا ثوابا وهذا من أقبح القول فيه عليه السلام . ( انتهى ما أورده العلامة المجلسي من آراء في تفسير الآية الكريمة ، ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه ) .

اقول :

أولاً : إن الرأي الذي يوافق رأي السيد فضل الله هو من ضمن ما نقله من أقوال بالنسبة للجماعة الأولى من العلماء وبالتحديد هو الذي نقله تحت ( وثالثهما ) ، وقد نسب هذا التفسير إلى الحسن البصري وهو سني المذهب .
ثانيا : لا نجد في كلام العلامة الطبرسي هذا ما يدل على أنه تبى هذا الرأي أو واحدا من الآراء التي نقلها بل نقلها دون أن يتبني رأيا واحدا منها أو يستقر عليه ويرجحه على غيره .

رابعا : أنقل رأي آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي دام ظله حول جواب وجه له :
السؤال : ( ما رأيكم الشريف بمن يقول في آية سورة يوسف (( فهمت به وهم بها(1) )) أن مشاعر يوسف قد تحركت باتجاه امرأة العزيز من واقع الضعف الانساني .. فأدركه برهان ربه فاستخلصه من ارتكاب المحرم ؟ )

الجواب : ( بسمه تعالى : إنّ عصمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام تعني أنهم بلغوا من العلم واليقين حداً لا تنقدح في نفوسهم الدواعي فضلاً عن فعلها ، وهذا لا ينافي قدرة الانسان على المعصية كما أن الإنسان العادي معصوم عن بعض الأفعال القبيحة ككشف العورة أمام الناس في الشارع مع قدرته على ذلك لكنه لشدة قبحها في نظره لا ينقدح في نفسه الداعي لفعلها فضلاً عن القيام بها . وأما ألاية المذكورة (( و لقد همت وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) فهي على عكس المطلوب أدل ، لأن لفظ ( لولا ) دال على امتناع همّه بالمعصية لرؤية برهان ربه ، وهذه هي عقيدة الشيعة المستفادة من الآيات والأخبار المعتبرة ، وكل ( ما ) يخالف ما ذكرنا فهو يخالف للمسلمات في المذهب _ والله العالم ) .
________________________
(1) هكذا وردت الآية في السؤال وهو اشتابه ، والصحيح ( ولقد همت به وهم بها )

التلميذ


العلامة المشهدي ( كنز الدقائق )
 

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرّحمن الرّحيم

أولا : قال العلامة المشهدي في تفسيره كنز الدقائق ( 1) : (" ولقد همَّت به وهمَّ بها " قيل : قصدت مخالطته فقصد مخالطتها . والهم بالشيء قصده والعزم عليه , ومنه : الهمام : وهو الذي اذا همَّ بشيء أمضاه , وقيل المراد بهمه : ميل الطبع ومنازعة الشهوة , لا القصد الاختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف , بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله من يكف عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفة الهم كقولك : لو لم أخف الله ) .

ويذكر الأخ العزيزالخزاعي أن العلامة المشهدي نقل عن كتاب الاحتجاج الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام مجيبا لبعض الزنادقة وقد قال : وأجده قد شهر هفوات الانبياء ليقول في يوسف : ولقد همَّت به وهمَّ بها … وأما هفوات الانبياء وما بينه الله في كتابه .. فان ذلك من أدل الدلائل على حكمة الله الباهرة , وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة , لأنه علم أن براهين الانبياء تكبر في صدور أممهم وان منهم من يتخذ بعضهم الها كالذي كان من النصارى في ابن مريم , فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي انفرد به عز وجل .

أقول : إن العلامة المشهدي نقل رأيين صدّر كل واحد منهما بقول : " قيل " وهذه اللفظة تفيد التضعيف ، ولا يوجد في كلامه أدنى دليل على أنه تبنى رأياً واحداً منهما أو استقر عليه كما فعل السيد فضل الله حيث استقر على القول بالإنجذاب اللاشعوري والميل الطبعي ... ومن العجيب أن أخينا العزيز الخزاعي ادّعى أن العلامة المشهدي تبنى الرأي الثاني وهذا نص قوله في موضوعه : ( وبهذا يظهر أن صاحب كنز الدقائق يتبنى الثاني ميل الطبع ومنازعة الشهوة) . مع أنه كما ذكرنا لا دليل البته في كلام العلامة المشهدي على أنه تبنى واحداً منهما . أما ما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام ، فلا توجد أيضاً فيه دلالة على أن يوسف عليه السلام تحرك أو انجذب لا شعوريا ومال طبيعيا إلى زوجة العزيز ولا علاقة له بهذا الموضوع تماما لمن تدبر فيه .. إضافة إلى أن هذا القول لم يثبت عنه عليه السلام بسند صحيح .

ثانيا : أنقل هنا رأياً للشهيد آية الله العظمى السيد محمد الصدر ، وهو رأيٌ وجيه أيضاً في التفسير الآية الكريمة قال قدس الله روحه : ( وأمّا فهمي للآية فبعيد عن هذا الاسفاف تماما ، بل المراد أن همّت به ، وهم بها ، للضرب لا العمل الجنسي , فإنها حين رأت إصراره وإباءه الكامل حاولت ضربه : ( ولقد همّت به ) وهو حين رأى إصرارها على الباطل إلى درجة الضرب ، حاول ردعها بالضرب أيضاً ( وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه ) . وهذا البرهان : أنّه أدرك في تلك اللحظة أنّ هذه المرأة ذات فضل عليه في حياته الشخصية منذ عدة سنوات ، وليس من المعقول أخلاقياً أن يقابل الفضل بالضرب ، فارتدع ثمّ بادر إلى الخروج من الغرفة ، لكي ينجو . فسحبت قميصه من دبره إلى آخر القصة . فهذا هو الأظهر من الآية الكريمة ويكفينا هنا مجرد احتمال ذلك ، لأنّ الاحتمال مبطل للإستدلال المضاد ) .
_____________________
(1) باعتبار أن تفسير العلامة المشهدي غير متوفر لدي فقد اعتمدت في نقل قوله على ما نقله الأخ العزيز الخزاعي .
______________________________________
الأخ عبد الله : في ما ذكرته أنت عن العلامة الطباطبائي من تفسير للآية كفاية للرد عليك .. فليس فيما ذكرت دلالة على أنه مال إليها لا شعوريا أو طبيعيا .. بل فيه أنه يطلب من الله عز وجل أن يصرف عنه كيد النساء بمجموعهن لا زوجة العزيز ... وأنتم تقولون بأن الميل حصل منه لخصوص زوجة العزيز ، إلاّ اللهم إذا كنتم تقولون أيضا أنه حصل منه هذا الميل حتى بالنسبة لبقية النساء ، وعليه فهو يطب منه العون في صرف كيدهن عنه ويلجأ إلى الله في ذلك ليتصرف هو بعلمه وحكمته في صرف هذا الكيد الذي أوقع يوسف في الكثير من المشاكل أو قد يوقعه في المستقل في شيء منها ... فلا أدري من أين تستفيدون من ذلك أنه يدل على حصول الميل اللاشعوري والطبعي منه عليه السلام تجاه زوجة العزيز ؟

التلميذ



السيد عبد الله شبر
 

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

أولا : قال السيد عبد الله شبر في تفسيره ( الجوهر الثمين ) : ( قوله تعالى ولقد همت به ، الهم بالشيء قصده والعزم عليه أي قصدت مخالطته وقوله تعالى وهم بها مال طبعه إليها فهمّته منازعة الشهوة الطبيعية لا القصد الاختياري فلا قبح فيه إذ لا اختيار فيه بل إنما يمدح ويثاب من كفّ نفسه عن العفل . قوله تعالى : لولا أن رأى برهان ربه أي لولا النبوة المانعة من القبيح لعزم وهمّ .

أوهم ّ يوسف بضربها ودفعها عن نفسه لولا أن رأى البرهان أنه إن ضربها أهلكه أهلها ... ) .

أقول : إن السيد عبد الله شبرّ رحمة الله عليه ردد تفسير ( وهمّ بها ) بين معنيين أو تفسيرين ، الأول : الميل الطبيعي ، والثاني : الضرب . ولم يتبنى رأياً معيناً لهم يوسف عليه السلام ولم يستقر على واحد منهما كما استقر السيد فضل الله على رأيه وجزم به .
مع العلم أن السيد عبد الله شبّر فسر قوله ( أصب ) في الآية الكريمة ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) فسّره بالميل الطبعي فقال : ( قوله تعالى : " أصب " أمل بطيعي ) وإذا كان معنى " أصب " هنا ( أمل بطبعي ) فهذا يعني أن يوسف عليه السلام لم يحصل منه حتى هذا " الميل الطبعي " أي أن معنى الآية : أن يوسف عليه السلام يطلب من الله عز وجل أن يصرف عنه كيد النساء حتى لا يميل بطبعه إليهن . فلا ميل طبعي حصل منه عليه السلام على هذا التفسير الذي ذكره السيد عبد الله شبر إلى وقت دعائه هذا .

ثانيا : ((( دفاع عن الشيخ محمد جواد مغنية )))

قال الأخ الخزاعي في مداخلة له في موضوعه وهو يرد علي بخصوص استشهادي بقول الشيخ محمد جواد مغنية :
( خامساً : نقلك لتفسير مغنية على أنه لا يقول بالميل الطبعي صحيح .. لكن من حقنا أن نناقشه بما أنك أوردته فهو يقول في معرض وصفه ليوسف عليه السلام ( وأنه يعلم ما توسوس به نفسه ) .. رائع جداً .. وهنا إشكال على مغنية : بماذا كانت نفس يوسف عليه توسوس له ؟؟؟!!! مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا الوصف في حال الحادثة !!! .. والله أن القول بأن الغريزة تنجذب لا شعوريا وأن الطبع يميل لا شعوريا وهو مما يخرج عن التكليف أهون ألف مرة من القول ( وأنه يعلم ما توسوس به نفسه ) أو على أقل التقادير لا يقل عنه - طبعا على رفضكم له واعتباركم أنه لا يليق بمقام النبي يوسف عليه السلام - فأرجو الدقة والملاحظة ) .

أما نص كلام الشيخ مغنية فهو الآتي :
( وبيان ثان : أن جميع المقتضيات كانت متوفرة للفعل ، فالمرأة باذلة بل متهالكة ، وهو قوي وقادر من حيث الرجولة ، والخلوة تامة بأكمل معانيها ، فلا سامع ولا ناظر .. ولكن هناك مانع ليوسف أقوى من كل زاجر ، وأعظم من كل سامع وناظر ، وهو علمه بحلال الله وحرامه ، وحياؤه منه ، ويقينه بأن الله أقرب إليه من حبل الوريد ، وأنه يعلم ما توسوس به نفسه ، بل وما هو أخفى من ذلك .. هذا هو البرهان الذي منع يوسف عن التفكير بالحرام ، ويمنع كل من آمن حقاً وصدقاً بالله واليوم الآخر ، نبياً كان أو غير نبي ، وقال قائل : أن يوسف ما تجلى له برهان ربه هذا إلا حين همّت به ، وهم بها .. حاشا للأنبياء والصديقين .. ان برهان الله لازم لا ينفك بحال عن المؤمنين الصادقين منفردين ومجتمعين بالحسان وبغير الحسان ) .

وبمقارنة بسيطة نجد أن الأخ العزيز الخزاعي أراد أن يلصق بالشيخ مغنية عندما قال : ( وأنه يعلم ما توسوس به نفسه ) أراد أن يلصق به أنه يقول في نبي الله يوسف بأعظم مما يقوله السيد فضل الله من الميل اللاشعوري والطبيعي .. وليسمح لنا الأخ العزيز الخزاعي لنقول له أن هذا تجني على الشيخ مغنية رحمة الله عليه ... فالشيخ في مقام الدفاع عن نبي الله يوسف عليه السلام فهو يعني بكلامه هذا أن يوسف كان يعيش حالة استحضار لرقابة الله عز وجل له واطلاعه عن كل أعماله وتصرفاته ونواياه ظاهرها ومخفيها وتيقنه بأن الله عز وجل قريب منه مطلع عليه عالم حتى بما تحدثه به نفسه بل ما هو أخفى من ذلك ، فلا يعني قوله : ( وأنه يعلم ما توسوس به نفسه ) أن الشيخ يقول أن نفس يوسف كانت توسوس له بشيء من الشر ، كلا لا يستفاد منه ذلك بل الشيخ يريد من هذه العبارة أن يقول بأن يوسف عليه السلام يعلم أن الله عز وجل عالم بالمخفيات والسرائر والبواطن وما تحدث به النفوس أصحابها – سواء كان حديث خير أو شر - ، هذا هو مقصود الشيخ ومراده رحمة الله عليه .

ثالثا : يقول آية الله السيد مهدي المرعشي حفظه الله : ( إن قوله تعالى " ولقد همت به " إلى آخره معناه أنه لو لم يكن له برهان من ربه وهو العصمة لهمّ بها ، والحال أنّه لم يهم بذلك القبيح وذلك لأن كلمة " لولا " هي أداة إمتناع لوجود ، أي امتناع ما قبلها ووجود ما بعدها ، فمعنى ذلك أنه عليه السلام لم يهمّ بها لوجود البرهان لديه وهو العصمة ، فإننا نعتقد بعصمة جميع الأنبياء فكيف يمكن والحال هذه أن يهمّ المعصوم الذي عرلاف الله حق معرفته ووصل إلى مرتبة العش والقرب الإلهيان ، كيف يمكن له أن يهمّ في معصية معشوقه ، وإن قلت إن القبيح إنما هو الوقوع والفعل الخارجيان فما لم يصدرا منه ويتحققا خارجا لا قبيح . قلت : الفعل والوقوع الخارجيان إنما يستحق بهما المكلف العقاب فهما موضوعان وملاكان له ، أما القبح بما هو قبح فلا فرق فيه بين ما يتحقق الفعل حارجا أولا ، فلو أن نبياً من الأنبياء كان جالساً بين أصحابه وقد أخذ يفكر في الزنا نعوذ بالله ويهمّ به أفلا يعد هذا الشيء منه قبيحا فيما لو علم به أصحابه ، إن من وصل إلى مرتبة النبوة وأن يرى جبريل ويخاطب من قبل الجليل لا يمكن في حقه أن يهمّ في معصية الخالق أبداً والله سبحانه الهادي ) .


بسم الله الرحمن الرحيم

أولا : الرد على الأخ العزيز الخزاعي

أقول : بالنسبة لملاحظته الأولى :

الشيء الذي ينبغي أن يفهمه الأخ العزيز الخزاعي أنني هنا لست في مقام الرّد عليه هو شخصيا باعتباره أنه يتبنى هذا التفسير أو ذاك ، بل قلت فيما سبق أنه قد يوحي نقل الأخ العزيز الخزاعي ( أرجو التمعن في كلمة قد يوحي ) لأقوال المفسرين، يوحي للبعض أن هؤلا أو بعضهم يتبنون هذا التفسير أوأنهم مستقرون عليه كما استقر عليه وتبناه السيد فضل الله ، ولم أقل أن الأخ الخزاعي أراد ذلك أو قال به ، فليراجع كلامي في مداخلاتي السابقة ليتضح الأمر بدقة أكثر ، وعليه قمت بنقل ما نقله العديد من المفسرين من آراء حول هم يوسف لأثبت أنه لم يقطع بهذا التفسير واحد منهم ولم يستقر عليه كتفسير جازم للآية الكريمة بل يرددون تفسيرها بين أكثر من رأي . نعم الأخ الخزاعي نسب إلى المشهدي أنه يتبنى هذا التفسير، وقد أثبت أن الأمر ليس كذلك ... كما أنه ذكر أن العلامة الطباطبائي لم يتبنى هذا التفسير . والخلاصة أن مداخلاتي هنا منصبة في بيان أنه لم يستقر على هذا التفسير أو يتبناه دون غيره أحد من المفسرين وإنما ذكروه كتفسير للآية من جملة مجموعة من التفاسير دون الإستقرار عليه أو الجزم به ، نعم هذا هو الغرض من مداخلاتي . أما أنهم لم يرفضوا هذا التفسير واحتملوه كتفسير للآية فهذا ليس موضوع حديثي أبدا ... فليفهم مرادي بدقة .


ثانيا : الرد على الملاحظة الثانية :
كما أن القارىء قد يفهم من موضوعي ما ذكرت فإنه قد يفهم من موضوعك أيها الأخ العزيز ما ذكرت أنا سابقا وما ذكرته في الرد عليك بالنسبة لملاحظتك الأولى ، وقد بينت أنك لم تقصد ذلك وإنما هدفك فقط نقل الأقوال الخاصة بالميل الطبيعي ، كما بينت أيضا أن هدفي هو بيان الاشتباه الذي قد يقع فيه البعض من كون من نقلت أنت أقوالهم يتبنون هذا التفسير أو هم مستقرون عليه ، ومن حقي أن أرفع هذا الإشتباه وأبين هذه الحقيقة ... بل اعتبر موضوعي هذا موضوعا مستقلا خاصا الهدف منه بيان مسألة مهمة وهي أنه لم يستقر على هذا الرأي أو يتبناه واحد من المفسرين كما استقر عليه السيد فضل الله وتبناه دون غيره ، وما الضير في ذلك ، فلماذا يحجر علي في أن أبين ذلك ؟ هل هناك مانع من ذلك ؟ أليس من حقنا أن نناقش آراء العلماء ؟ أليس من حقنا أن نبين الحقيقة ؟ فهل رد فلا ن من العلماء على فلان من العلماء يعتبر تنقيصا منه أو شيئا من هذا القبيل ؟ مع أن هذا الأمر معروف في الفكر الشيعي فنرى التلميذ يرد على أستاذه المرجع الفلاني ويناقش أقواله بل ويبين في بعض الأحيان اشتباهه في مسألة أو مسائل معينة ، فلا تقام الدنيا لأن هذا التلميذ ناقش أفكار أستاذه أو ردها أو بين اشتباهه . فلماذا هنا لا ؟ !!! أما بالنسبة لتفسير السيد عبد الله شبر فقد نقلت سابقا أنه لم يستقر على هذا الرأي أو يتبناه كما تبناه فضل الله بل ردد تفسير الآية بين تفسيرين أو رأيين وهذا ما أردت قوله . وأما بالنسبة لتفسيره ( أصب إليهن ) بقوله ( أميل بطبعي ) هذا منقول في تفسيره ، وقلت بما معناه : إن كان السيد يفسر قوله تعالى ( أصب إليهن ) بـ ( أميل بطبعي ) ففيه دلالة على أنه لم يمل بطبعه لحد الآن وهو يطلب من الله عز وجل أن يرد كيد النساء عنه ويؤيده ويستمر في ذلك حتى لا يحصل منه شيء من الميل الطبعي في حال ما إذا لم يستمر الله في تأييده بالعصمة التي تمنعه من ذلك ، هذا الذي أفهمه أنا من خلال تفسير السيد عبد الله لـ ( أصب إليهن ) بقوله ( أمل بطبعي ) . ولكن الذي يهمني من كل ذلك أن السيد عبد الله شبر لم يستقر في تفسير الآية على رأي واحد بل ردده بين رأيين . وهذا كاف لحد الآن في بيان أنه لم يستقر على رأي الميل الطبيعي كما استقر عليه السيد فضل الله ، وهو موضوع حديثي فعلا .

ثالثا : الرد على الملاحظة الثالثة :

أيها العزيز أحب أن أبين لك نقطة مهمة وهي لم يكن يوما ما دخولي في نقاش مع أحد سواء كان شيعيا أو غيره بهدف المماراة أو الجدال أو شيء من هذا القبيل ، ولا أحب ولا أرغب أن أناقش بالباطل أبدا وبتاتا فهذا ليس من سلوكي أو طريقتي أو نهجي ، لم ولن أتبنى هذا هذا المنهج أبدا فلا داعي لأن تتهمني بذلك ، فالله يشهد على ما أقول أن الهدف هو بيان الحقيقة التي قد تنطلي على البعض عندما تفهم خطأ أو تموه بحيث يجعل القارىء الكريم يشتبه في فهما أو يفهما بالخطأ . وأما بالنسبة لما ذكره الشيخ مغنية وما زلت تحاول وللأسف – مغالطا - أن تبين أن قوله هذا أخطر من القول بالميل الطبعي مع أنني بينت ذلك وقلت بما أجمله هنا أن قوله : ( وأنه يعلم ما توسوس به نفسه ) يريد منه الشيخ مغنية رحمة الله عليه أن يقول أن يوسف يعلم بأن الله عز وجل مطلع على دقائق الأمور وخفاياه وأسرارها حتى ما تحدث به النفس صاحبها ، بمعنى أن المراد من وسوسة النفس هو حديثها ، ولم يقل الشيخ أن نفس موسى حدثته بالشر أو شيء من هذا القبيل . فحديث النفس لا ينحصر في الشر فقط .. بل فيه وفي الخير .. فلا أعلم كيف فهمت من عبارة الشيخ أن مراده أن الله يعلم ما تحدث به نفسه من الشر ؟ مع أن الشيخ ليس في مقام بيان ذلك ، وإنما هو بصدد بيان معرفة يوسف بعلم الله بالغيب وأنه لا تخفى عليه خافية ليقول أن هذه المعرفة التي يمكلها يوسف من استشعار لوجود الله تمنعه من كل ذلك ... أما قولك أنه لا داعي لذكرها فهو من العجاب ... ولن نغبطك عليك .

رابعا : الرد على الملاحظة الرابعة

الذي أتيت بأقوالهم هم من المراجع العظام وبعضهم من المجتهدين وأهل الأختصاص وليس كما تريد أن توحي أنت ، وهم في نظري أفهم من غيرهم في معنى آيات الله عز وجل .. وهذا منك من الإدعاءات الغريبة والعجيبة بحيث تجعل من مرجع أو مجتهد متخصص في فهم آيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت العصمة أنه غير متخصص في ذلك ... هذا المجتهد أو المرجع الذي درس الكثير من العلوم من فقه وأصول ولغة وصرف ونحو وبلاغة وعلم منطق وفلسفة وعقائد ، درسها ودرّسها وبذل كل عمره في هذا المجال يأتي ليقول عنه الأخ الخزاعي أو الأخ ابن عربي أنه ليس من أهل الأختصاص في فهم آيات كتاب الله ... إنا لله وإنا إليه راجعون .. من يوافقكما أيها الأخوين العزيزين على قولكما هذا ؟ . والعجيب منه أكثر دعوى الأخ ابن عربي أن هؤلاء لم يجمعوا بين الفقه والتفسير ، وكيف يكون فقيها وهو لا يعلم تفسير آيات كتاب الله عز وجل ؟!!! .

خامسا : الرد على الأخ العزيز ابن عربي

أقول : مضى في الرد على ملاحظة الأخ العزيز الخزاعي الرابعة شيئ من الرد على الأخ ابن عربي ، أما قوله أن ملاحظات الأخ الخزاعي صحيحة فيذكرني بردود الوهابية في تأييد بعض مواضيع زملائهم حول مداخلاتهم في حواراتهم مع الأخوة الأعزاء الشيعة ، فهم يؤيدون مداخلات اخوانهم سواء حتى وإن كانت لا تمت للموضوع المنا قش بصلة بل يؤيدون حتى شتمهم وسبهم للشيعة أما حول قوله أن السيد مهدي المرعشي غير معروف فكان الأولى له قبل أن يقول بأنه غير معروف أن يسأل عنه في قم المقدسة ليتأكد هل هو شخص موجود وهل هو معروف في الحوزة أم لا ؟ فهل سأل أخينا ابن عربي عن السيد المرعشي فقيل له لا يعرف هذا الرجل أم لم يسأل عنه ... أرجو من الأخوة الأعزاء الذين يعيشون في قم المقدسة أن يدلوا بشهادتهم هنا بالنسبة للسيد مهدي المرعشي ويقولوا لنا هل يعرفون هذا الرجل أم لا ... ولا بأس أن ينقل لنا شيخنا العاملي شيئا حول شخصية هذا السيد ومستواه العلمي . أما بالنسبة لمصادر أقوال العلماء التي استشهدت بها .
1- الشيخ محمد جواد مغنية .... نقلت كلامه من تفسيره الكاشف ج 4 ص 302 ، 303 .
2- آية الله العظمى الميزاد جواد التبريزي نقلت كلامه من كتاب ( الحوزة العلمية تدين الإنحراف ص 153 ) وقوله هذا مختوم بخمته المبارك .
3- آية الله العظمى الشهيد السعيد السيد محمد الصدر رحمة الله عليه نقلت كلامه من كتاب ( الحوزة تدين الإنحراف ) وقوله هذا ملحق بالكتاب كصورة من كتاب له يسمى ( بينات (1) ... ردود المرجع الديني السيد محمد الصدر دام ظله على الشبهات البيروتية .. ص 10 ) .
4- آية السيد مهدي المرعشي نقلت كلامه من كتاب ( الحوزة العلمية تدين الانحراف ) ص 262 . وقوله هذا مختوم بختمه المبارك .

والخاصة : أنني بيت هدفي من طرحي لموضوعي هذا ...

وللجميع خالص الحب والتحية .

التلميذ


تفسير الأمثل
 

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

أولا : ما ورد في تفسير " الأمثل "

قال :

(( وهنا يبلغ أمر يوسف وامرأة العزيز إلى أدقّ مرحلة وأخطرها ، حيث يعبر القرآن عنه تعبيراً ذا مغزى كبير " ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه " .
وفي معنى هذه الجملة اقوال بين المفسرين يمكن تصنيفها وأجمالها إلى ثلاثة تفاسير (1) :

1- إن امرأة العزيز كانت تريد أن تقضي وطراً مع يوسف ، وبذلت وستها في ذلك ، وكاد يوسف يستجيب لرغبتها بطبيعة كونه بشرا شابا لم يتزوج وهو إزاء المثيرات الجنسية وجهاً لوجه لولا أن رأى برهان ربه ، أي روح الإيمان والتقوى وتربية النفس ، أضف إلى كل ذلك مقام العصمة الذي كان حائلاً دون هذا العمل ! . فعلى هذا يكون الفرق بين معاني " همّ " أي القصد من امرأة العزيز ، والقصد من قبل يوسف ، هو أن يوسف كان يتوقف على شرط لم يتحقق ، أي ( عدم وجود برهان ربه ) ولكن القصد من امرأة العزيز كان مطلقاً ، ولأنها لم يكن لديها مثل هذا المقام من التقوى والعفة ، فإنها صممت على هذا القصد حتى آخر مرحلة وإلى أن اصطدمت جبهتها بالصخرة الصماء ! . ونظير هذا التعبير موجود في آداب العربية وغيرها كما نقول مثلاً : إن الجماعة الفلانية التي لا ترتبط برباط ولا ذمّة صممت على الإغارة على مزرعة فلان ونهب خيراته ولو لم أتربّ سنين طوالاً عند استاذي العارف الزاهد فلان ، لأقدمت على هذا العمل معهم . فعلى هذا كان تصميم يوسف مشروطاً بشرط لم يتحقق ، وهذا الأمر لا منافاة له مع مقام يوسف من العصمة والتقوى وهو يوضح هذا المقام العظيم كذلك . ومنا فيمكن القول أن بعض الروايات التي تزعم أن يوسف كان مهيئاً لينال وطراً من امرأة العزيز وخلع ثيابه عن بدنه ، وذكرت تعبيرات أخرى نستحي من ذكرها ، كل هذه الأمور عارية من الصحة ومختلقة ، وهذه أعمال مكانها في نفوس الأفراد المنحرفين الملوّثين غير الأتقياء . فكيف يمكن أن يتّهم يوسف مع هذه المنزلة وقداسة روحه ومقام تقواه بمثل هذا الاتهام .
الطريف أن التفسير الأول نقل عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في عبارة موجزة جداً وقصيرة ، حيث يسأله المأمون : ( الخليفة العباسي ) قائلاً : ألا تقولون أن الأنبياء معصمون ؟ فقال الإمام : ( بلي ) . فقال : فما هو تفسير هذه الآية الكريمة " ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه " فقال الإمام عليه السلام : ( لقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه ) فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن .

2- إن تصميم كل من إمرأة العزيز ويوسف لا علاقة له بالوطر الجنسي ، بل كان تصميما على الصراع وضرب بعضهما البعض . فتصميم امرأة العزيز على هذا العمل كان لعدم انتصارها في عشقها وبروز روح الانتقام فيها ثأراً لهذا العشق . وتصميم يوسف كان دفاعاً عن نفسه ، وعدم التسليم لطلب تلك المرأة . ومن جملة القرائن التي تذكر هذا الموضوع :
أولا : إن امرأة العزيز كانت قد صممت على نيل الوطر الجنسي قبل هذه الحالة ، وكانت قد هيأت مقدمات هذا الأمر ، فلا مجال – إذن – لأن يقول القرآن : إنها صممت على هذا العمل لأن هذه الساعة لم تكن ساعة تصميم .
وثانيا : إن ظهور حالة الخشونة والانتقام بعد هذه الهزيمة أمر طبعي ، لأنها بذلت ما في وسعها لإقناع يوسف ولمّا لم توفّق إلى ما رغبت فيه توسلت بطريق آخر وهو طريق الخشونة والصراع .

وثالثا : إننا نقرأ في ذيل هذه الآية : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) والمراد بالفحشاء هو التلوث وعدم العفة .. والمراد بالسوء ، هو نجاته من مخالب امرأة العزيز وعلى كل حال فحين رأى يوسف برهان ربه .. اجتنب الصراع مع امرأة العزيز لئلا يهجم عليها فيضربها ، وهذا نفسه يكون دليلاً على تجاوزه ، ولذا رجّح أن يبتعد عن ذلك المكان ويفرّ نحو الباب .

3- مما لا شك فيه أن يوسف كان شاباً يحمل جميع الأحاسيس التي في الشباب (2) وبالرغم من أن غرائزه كانت طوع عقله وإيمانه إلا أن مثل هذا الإنسان – بطبيعة الحال – يهيج طوفان في داخله لما يشاهد من مثيرات في هذا المجال ( 3) فيصطرع العقل والغريزة (4) ، وكلما كانت أمواج المثيرات أشدّ كانت كفّة الغرائز أرجح ، حتى أنها قد تصل في لحظة خاطفة إلى أقصى مرحلة من القوّة ، بحيث لو استطاع أن يبتعد عن هذه المرحلة خطوة ويتجاوز هذا المزلق المهول ، فإن قوّة الإيمان والعقل تتعبأ وتثور على الغريزة حتى تجرها إلى الوراء . والقرآن يصور هذه اللحظة الخاطفة الحساسة والمتأزّمة التي وقعت بين زما نين هادئين يمكن الركون إليهما – في الآية المتقدمة – فيكون المراد من قوله تعالى : ( وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) أن يوسف انجرّ إلى حافّة الهاوية في الصراع بين الغريزة والعقل ، ولكن فجأة هزمت قوة الإيمان والعقل القصوى طوفان الغريزة (5) .. لئلا يتصور أحد أن لو استطاع يوسف أن يخلص نفسه من هذه الهاوية ، فإن ذلك أمر يسير عليه لأن أسباب الذنب والهياج كانت فيه ضعيفة .. كلا أبداً .. فهو في هذه اللحظة الحساسة جاهد نفسه أشدّ الجهاد . ( الأمثل ج 7 ص 163- 165 ) .

ثانيا : سئل المرحوم آية الله العظمى السيد الخوئي طيب الله ثراه
( ما المقصود من قوله تعالى : ( ولقد همت به وهم بها ) في سورة يوسف ؟
فأجاب :
( تفسيره أن المرأة مالت إليه بالحرام ، ولكنه لولم يعصمه الله لمال إليها وأجابها بأنه (6) بشر كغيره فأراه الله برهانه فصرف عنه السوء فامتنع من المعصية ، والله العالم ) ( صراط النجاة ج 2 ص 431 .
____________________________
(1) فالمفسر هنا بصدد نقل بعض الأقوال للمفسرين من الفريقين سنة وشيعة ، وسيظهر من كلامه أنه لا يتبنى أو يستقر على تفسير معين لهم يوسف عليه السلام ... وإنما هو فقط ناقل لأقوال المفسرين دون أن يجزم بواحد منها أو يستقر عليه كما فعل السيد فضل الله في استقراره على الرأي القائل بالميل الطبعي والتحرك اللاشعوري . نعم هو ينقلها بإسلوبه الخاص كما فهم معناها من أقوالهم . ( التلميذ ) .
(2) وهذا مما لا شك فيه . ( التلميذ )
(3) إذا كان ذلك في مجال الحلال مع الزوجة أو الأمة فنعم . ( التلميذ )
(4) إلاّ أن الموقف الذي كان فيه يوسف عليه السلام ليس موقف حلال وإنما هي دعوى من إمرأة أجنبية عنه عليه السلام ، فالمطلوب منه هنا أن يمارس الحرام ... فهل تحركت غرائزه وأحاسيسه في هذا الموقف الذي تدعوه فيه هذه المرأة أن يمارس معها الحرام أم لا ؟ الذي يدعي أن مشاعره وغرائزه وأحاسيه شعوريا أو لا شعوريا إراديا أو لا إراديا قد ثارت وتحركت في هذا الموقف عليه أن يأتي بالدليل وهو مفقود لحد الآن لم يأت به أنصار هذا الرأي . فالمعصوم مطلع على حقيقة الذنب ونتائجه الوخيمة تماما كالإنسان الذي يعرف حقيقة مياه المجاري ومضارها على صحته فهو مهما بلغ به العطش مبلغه فلا تتحرك غريزة العطش عنده لتندفع إراديا أو لا إراديا للشرب من ذلك الماء الملوث ، فهكذا المعصوم لا تتحرك أحاسيسه وغرائزه لتدفعه إلى الذنب أو المعصية حتى لا شعوريا فضلا عن أن يستجيب لهذه الغرائز والأحاسيس . ( التلميذ ) .
(5) كتب المفسر في الهامش : ( مقتبس من تفسير " في ظلال القرآن " لسيد قطب ذيل الآية ج 4 ص 711 ) .
(6) كذا في المصدر ويحتمل ( لأنه ) .


التلميذ




بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ العزيز عبد الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قلت : ( 1- هل ديدن المفسر للقرآن هو عرض الآراء والتفاسير المحتملة فقط ، أم له أن يستقر على رأي ثبت عنده ؟ )

أقول : لا ليس دائما ديدن المفسر هو عرض الآراء والتفاسير المحتملة للآية أو الآيات وله أن يستقر على رأي معين في حال وجود دليل صحيح مركونا إليه من أخبار المعصومين عليهم السلام ، أو في حال ما إذا كان ظهور الآيات وسياقها لا يحتمل إلاّ هذا التفسير المعين أو في حال ما إذا كان المعنى اللغوي للآيات لا يحتمل إلا هذا التفسير والرأي أو أن هناك اجماع من المفسرين على هذا التفسير واستقرارهم عليه ، أما إذا كان كل ذلك مفقودا ويحتمل في تفسير الآية أو الآيات أكثر من معنى وتفسير ولا يوجد دليل يأخذ بعنق المفسر للإستقرار على رأي معين وترجيحه على غيره من الآراء المحتملة في تفسيرها فيكون ذلك تفسير بالرأي وبدون دليل وعليه يكون من حق الآخرين مطالبة هذا المفسر بالدليل ومناقشة رأيه ، وكدلك في الحال الذي يعتمد المفسر على دليل ويكون هذا الدليل قاصرا أ ولا يفيد المعنى والرأي الذي استقر عليه .

قلت : ( 2- ما المأخذ على السيد فضل الله في استقراره على رأي معين ؟ ) .
أقول : لو تابعت مداخلاتي في هذا الموضوع من أولها إلى آخرها لتبين لك ما هو المأخذ ، وإن كنت تريد أن تعرف صراحة هذا المأخذ فهو أن السيد شذّ عن بقية مفسري الشيعة في استقراره على رأي معين في تفسير هم يوسف عليه السلام بدون دليل معتمد أو معتبر يجعله يرجح هذا الرأي على غيره ويستقر عليه دون غيره ، وكل مداخلاتي في هذا الموضوع أو غرضي من طرحه هو بيان هذا الشذوذ منه في استقراره على هذا الرأي وتبنيه والجزم به . وأرجو أن لا أفهم في طرحي لهذا الموضوع خطأ ، فأنا لست من الذين يتصيدون أخطاء العلماء أو من الذين يحبون التشهير بأحد منهم ، وإنما الهدف هو بيان الحقيقة لا أقل ولا أكثر من ذلك . ولا أعلم ما هي الحساسية في هذا الموضوع التي تجعل من بعض الأخوة يتحسس من طرح مثل هذه المواضيع مع أنها مواضيع علمية ، وذات فائدة كبيرة .. ولا تنتقص من أحد لأن من نناقش رأيه غير معصوم عن الخطأ و الإشتباه ، ليكون كل ما يقوله هو الصح وغيره هو الخطأ ، وإلاّ يكون مثلا مناقشة تلامذة السيد الخوئي لآراء استاذهم في مسألة أو مسائل معينة تبناها وبيانهم اشتباه السيد فيها تنقيصا من مقامه رحمة الله عليه ، وهذا ما لا يقوله عاقل ، ونحن نعلم أن هدف هذا التلميذ هو بيان هذا الإشتباه وأيضا بيان الحق فيه . فأرجو فهم ذلك بدقة .

قلت : ( 3- هل للمفسر المتأخر أن يخالف المتقدمين في فهمه للنص القرآني تمشيا مع معطيات جديدة ؟
ودمتم ) .
أقول : له كل الحق في ذلك ، ولم يوجد في موضوعي أو مداخلاتي ما يشير إلى أنني أقول خلاف ذلك ، لكن نحن نسأل هنا ما هي المعطيات الجديدة التي توصل إليها السيد فضل الله بخصوص هم يوسف ليجعله يستقر على رأيه هذا ويرجحه على غيره ؟ أرجو بيان هذه المعطيات وتوضيحها لنعرف إذا كانت تصلح دليلا يجعل من السيد فضل الله يستقر على هذا الرأي ويرجحه على غيره ؟ .

التلميذ




بسم الله الرّحمن الرّحيم

الأخ ابن الإسلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قلت : ( في تفسير الأمثل ذكر ثلاثة آراء صحيح ، لكنه رفض الأول ، وسكت عن الثاني أي نقله كما هو

ونقل الثالث الميل الطبعي بكلمات من عندياته ونوعية الكلمات يُشم منها رائحة القبول الواضح وقد أكد هذا الاخ العاملي في مداخلته على موضوع الاخ الخزاعي ) .

أقول : أما قولك أنه رفض الأول ، وسكت عن الثاني ، وأن الثالث يشم من كلماته رأئحة القبول الواضح فغير صحيح ، بل الذي يظهر من كل ذلك أنه لم يرجح رأيا على رأي بل هو نقل هذه الآراء جميعها دون ترجيح ، وكلامه واضح ظاهر لا يحتاج إلى أن نتناقش حوله ، علما أنه بالنسبة للرأي الثالث ، أشار في الهامش أنه مستوحى من كتاب ظلال القرآن للسيد قطب ، ونحن نطالب بالنص الصريح من عبارة صاحب الأمثل التي تدل على أنه تبنى الرأي الثالث ، لا شم الرائحة ، فإن كنت أنت تشم هذه الرائحة ، فغيرك لا يشمها . وأنا أحترم رأي أستاذي وشيخي الشيخ العاملي ولكني لا أوافقه .

قلت : ( وهذا يعني استقرار صاحب الأمثل واستقرار صاحب مجمع البيان قبله واستقرار العارف الملا صدرا الشيرازي كذلك وآخرون ) .

أقول : أما صاحب الأمثل فلم يستقر على رأي واحد كما بينا ، وصاحب المجمع أيضا كذلك فقد نقلت كلامه من تفسيريه ولا يوجد في كلامه ما يدل على تبنيه لرأي معين واستقراره عليه ، أما الملا صدرا الشيرازي فسيأتي الكلام حول تفسيره للآية ، وأما الآخرون فلا نعرفهم .

الأخ العزيز ابن عربي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يهمني كون كتاب الحوزة تدين الانحراف معروف المؤلف أو غيره ، أنا نقلت آراء بعض العلماء الفقهاء في تفسير الآية الكريمة وهم :
1- الشيخ محمد جواد مغنية ... وكلامه مصدره تفسيره ، وليس كتاب " الحوزة تدين الإنحراف "
2- آية الله العظمى الميزا جواد التبريزي ... وذكرت أن مصدر كلامه هو كتاب " الحوزة تدين الإنحراف " ولكن نص كلامه أيضا يوجد في كتاب آخر للميزا حفظه الله وهو " صراط النجاة " ج 3 ص 448 .
3- راي السيد محمد الصدر ، وذكرت أن كلامه مصدره هو كتاب له اسمه " بينات (1) ... ردود المرجع الديني السيد محمد الصدر دام ظله على الشبهات البيروتية .. ص 10 " وقد نقل صورة منه صاحب كتاب " الحوزة تدين الانحراف "
4- السيد مهدي المرعشي ... وذكرت أن كلامه مصدره كتاب " الحوزة تدين الانحراف " ولم أجد كلامه لحد الآن في غير هذا المصدر ولكن كلامه مختوم بخمته ومنقول بخط اليد .
وعليه ، فلا شك في صحة نسبة قول الشيخ مغنية إليه لوجوده في تفسيره وكذلك قول الميزا التبريزي لوجوده أيضا في كتاب له يسمى صراط النجاة ، وكذلك السيد محمد الصدر لوجوده في كتابه الذي اشرنا إليه أعلاه ، وأنا شخصيا لا أشك أيضا في صحة نسبة قول المرعشي إليه لوجود صورة من جواب السؤال بخط اليد مع ختم السيد .

التلميذ




التبيان ... الشيخ الطوسي عليه الرحمة
 

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

أولا : الشيخ الطوسي في التبيان .
قال : ( قوله تعالى : " ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " آية بلا خلاف . قرأ أهل الكوفة ، ونافع " المخلصين " بفتح اللام . الباقون بكسرها . قال أبو علي حجة من كسر اللام قوله " اخلصوا دينهم " ومن فتخ اللام ، فيكون بني الفعل للمفعول به ، ويكون معناه ومعنى من كسر اللام واحد ، فإذا أخلصوا هم دينهم فهم مخلصون ، وإذا أخلصوا فهم مخلصون . ومعنى " الهم " في اللغة على وجوه ، منها : العزم على الفعل ، كقوله " إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم " ، أي أرادوا ذلك وعزموا عليه ومثله قول الشاعر :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكي حلائله
وقال حاتمك طي :
ولله صعلوك تساور همه * ويمضي على الأيام والدهر مقدما .
ومنها : خطور الشيء بالبال ، وان لم يعزم عليه . كقوله " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما " ، والمعنى أن الفشل خطر ببالهم ، ولو كان الهم ههنا عزما لما كان الله وليهما ، لأنه قال : ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله " ، وإرادة المعصية والعزم عليها معصية بلا خلاف ، وقال قوم : العزم غلى الكبير كبير ، وعلى الكفر كفر ، ولا يجوز أن يكون الله ولي من عزم على الفرار عن نصرة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقوي ذلك ما قال كعب ابن زهير :
فكم فيهم من سيد متوسع * ومن فاعل للخير إن هم أو عزم
ففرق بين الهم والعزم ، وظاهر التفرقة يقتضي اختلاف المعنى ، ومنها المقاربة يقولون : هم بكذا ، وكذا أي كاد يفعله قال ذو الرمة :
أقول لمسعود بجرعاء مالك * وقد هم دمعي أن تسيح اوائله .
والدمع لا يجوز عليه العزم ، وإنما أراد كاد ، وقارب ، وقال أبو الأسود الدؤلي :
وكنت متى تهمم يمينك مرة * لتفعل خيرا يعتقبها شمالكا
وعلى هذا قوله تعالى " جدارا يريد أن ينقض " أي يطاد ، وقال الحارثي :
يريد الرمح صدر أبي براء * ويرغب عن دماء بني عقيل .
ومنها : الشهوة وميل الطباع ، يقول القائل فيما يشتهيه ، ويميل طبعه ونفسه إليه هذا من همي ، وهذا أهم الأشياء إلي . وروي هذا التأويل في الآية عن الحسن (1) وقال : أما همها وكان أخبث الهم ، وأما همه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء . وإذا احتمل الهم هذه الوجوه نفينا عنه عليه السلام العزم على القبيح واجزنا باقي الوجوه لأت كل واحد منها يليق بحاله .
ويمكن أن يحمل الهم في الآية على العزم ، ويكون المعنى ، وهم بضربها ودفعها عن نفسه ، كما يقول القائل : كنت هممت بفلان أي بأن أوقع به ضربا أو مكروها وتكون الفائدة على هذا الوجه في قوله " لولا أن رأى برهان ربه " مع أن الدفع عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها ، إنه لما هم بدفعها أراه الله برهانا على أنه إن أقدم على ما يهم به ، أهلكه أهلها وقتلوه ، وإنها تدعي عليه المراودة لها على القبيح وتقذفه بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه ، فأخبر تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والنكروه أو ظن القبيح واعتقاده فيه . فإن قيل هذا يقتضي أن جواب ( لولا ) تقدمها في ترتيب الكلام ، ويكون التقدير : لولا أن رأى برهان ربه لهم بضربها ، وتقدم جواب ( لولا ) قبيح أو يقتضي أن تكون ( لولا ) بغير جواب ! .
قلنا : أما تقدم جواب ( لولا ) فجائز مستعمل وسنذكر ذلك فيما بعد ، ولا نحتاج إليه في هذا الجواب ، لأن العزم على الضرب والهم به وقعا إلا أنه انصرف عنها بالبرهان الذي رآه ، ويكون التقدير ولقد همت به ، وهم بدفعها لولا أن رأى برهان ربه ، لفعل ذلك ، فالجواب المتعلق بـ ( لولا ) محذوف في الكلام ، كما جذف في قوله : ولولا فضل الله عليكم ورحمته . وإن الله رؤف رحيم " معناه ، ولولا فضل الله عليكم لهلكتم ومثله " كلا لو نعلمون علم اليقين " لم تنافسوا في الدنيا وتحرصوا على حطامها ، وقال امرؤ القيس :
فلو أنها نفس تموت سوية * ولكنها نفس تساقط أنفسا
والمعنى فلو أنها نفس تموت سوية لنقصت وفنيت ، فحذف الجواب تعويلا على أن الكلام يقتضيه ، ولا بد لمن حمل الآية على أنه هم بالفاحشة أن يقدر الجواب ، لأن التقدير ، ولقد همت بالزنا وهم بمثله ، و " لولا أن رأى برهان ربه " لفعله . وإنما حمل همها على الفاحشة وهمه على غير ذلك ، لأن الدليل دل من جهة العقل والشرع على أن الأنبياء ، لا يجوز عليهم فعل القبائح ، ولم يدل على أنه لا يجوز عليها ذلك بل نطق القرآن بأنها همت بالقبيح ، قال الله تعالى " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه . وقوله حاكيا عنها " الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ، وقال " قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " واجمعت الأمة من المفسرين وأصحاب الأخبار على أنها همت بالمعصية ، وقد بين الله تعالى ذلك في مواضيع كثيرة أن يوسف لم يهم بالفاحشة ولا عزم عليها منها قوله " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " وقوله " انه من عبادنا المخلصين " ومن ارتكب الفاحشة لا يوصف بذلك وقوله " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " ولو كان الأمر على ما قاله الجهال من جلوسه مجلس الخائن وانتهائه إلى حل السراويل ، لكان خائناً ، ولم يكن صرف عنه السوء والفحشاء . وقال أيضا " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " وفي موضع آخر حكاية عنها " أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين " وقوله حكاية عن العزيز حين رأى القميص قد من دبر " انه من كيدكن إن كيدكن عظيم " فنسب الكيد إليها دونه ، وقوله أيضا " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين " فخصها الخطاب وأمرها بالاستغفار دونه . وقوله " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ، وإلاّ(تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن " والاستجابة تقتضي براءة ساحته من كل سوء ، ويدل على أنه لو فعل ما ذكروه ، لكان قد صبا ولم يصرف عنه كيدهن . وقوله " قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء " والعزم على المعصية من أكبر السوء . وقوله حاكيا عن الملك " ائتوني به أستخله لنفسي ، فلما كلمه قال انك اليوم لدينا مكين أمين " ومن فعل ما قاله الجهال لا يقال له ذلك .
ووجه آخر في الآية : إذا حمل الهم على أن المراد به العزم ، وهو أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير ، ويكون التقدير ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها ويجري ذلك مجرى قولهم : قد كنت هلكت لولا أني تداركتك ، وقتلت لولا أني خلصتك ، والمعنى لولا تداركي لك لهلكت ولولا تخليصي لك لقتلت ، وإن لم يكن وقع هلاك ولا قتل قال الشاعر :
فلا يدعني قومي صريحا لحرة * لئن كنت مقتولا ويسلم عامر
وقال آخر :
فلا يدعني قومي صريحا لحرة * لئن لم أعجل طعنة أو اعجل
فقدم جواب ( لئن ) في البيتين جميعا . وقال قوم : لو جاز هذا لجاز أن تقول : قام زيد لولا عمرو ، وقصد زيد لولا بكر ، وقد بينا أن ذلك غير مستبعد ، وأن القائل يقول : قد كنت قمت لولا كذا ، وكذا ، وقد كنت قصدتك لولا ان صدني فلان ، وان لم يقع قيام ولا قصد . على أن في الكلام شرطا ، وهو قوله " لولا أن رأى برهان ربه " فكيف يحمل على الإطلاق .


أقول : لقد نقل الشيخ الطوسي عليه الرحمة أكثر من رأي في تفسير هم يوسف عليه السلام في الآية الكريمة ولكنه لا يظهر من قوله أنه رجح تفسيرا على آخر بشكل صريح واستقر عليه دون غيره كما فعل السيد فضل الله .

ثانيا : قال الشيخ سليمان الظاهر العاملي في كتابه " دفع أوهام توضيح المرام في الرّد على القاديانية " ص 106 : (( وجواب السؤال الخامس عن الأقوال في تأويل " ولقد همت به وهم بها " أن الجواب يبنى على أحد القولين : قول من يجوز على الأنبياء ارتكاب الكبائر والصغائر من الذنوب كالحشوية وأضرابهم ممن تلقى ذلك عن الإسرائيليات ، وقول من لا يجوز ذلك وهو المختار والذي ذهب إليه معظم المسلمين ، فكان لا بد لهم من تأويل هذه الآية على ما ينطبق على المقرر من عصمة الأنبياء بدليل العقل والشرع ، على أن ألآيات الورادة في سورة يوسف تكاد تكون نصاً على براءة هوسف – عليه السلام – من الهم بالذنب بل ومن خطوره في تفسه الشريفة ... )) .
_________________________
(1) يقصد الحسن البصري .


التلميذ







أولا : كلام الشريف المرتضى في تفسير الآية .

قال الشريف المرتضى في كتابه " الأمالي " ج 2 ص 125 :
(( إن سأل سائل عن قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام " ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " فقال : هل يسوغ ما تأول بعضهم هذه الآية عليه من أن يوسف عليه السلام عزم على المعصية وأرادها وأنه جلس مجلس الرجل من المرأة ثم انصرف عن ذلك بأن رأى صورة أبيه يعقوب عاضاً على إصبعه متوعداً له على مواقعة المعصية أو بأن نودي له بالنهي والزجر في الحال على ما ورد به الحديث .. الجواب : قلنا إذا ثبت بأدلة العقول التي لا يداخلها الاحتمال والمجاز ووجوه التأويلات أن المعاصي لا تجوز على الأنبياء عليهم السلام صرفنا كل ما ورد ظاهره بخلاف ذلك من كتاب أو سنة إلى ما يطابق الأدلة ويوافقها كما يفعل مثل ذلك فيما يرد ظاهره مخالفاً لما تدل عليه العقول من صفاته تعالى وما يجوز عليه أولا يجوز ، ولهذه الآية وجوه من التأويل كل واحد منها يقتضي براءة نبي الله من العزم على الفاحشة وإرادة المعصية .. :

أولها :

أن الهم في ظاهر الآية متعلق بما لا يصح أن يعلق به العزم أو الإرادة على الحقيقة لأنه تعالى قال : " ولقد همت به وهمّ بها " فعلق الهم بهما وذاتاهما لا يجوز أن يراد أو يعزم عليهما لأن الموجود الباقي لا يصح ذلك فيه ، فلا بد من تقدير محذوف يتعلق العزم به ، وقد يمكن أن يكون ما تعلق به همه عليه السلام إنما هو ضربها أو دفعها عن نفسه كما يقول القائل كنت هممت بفلان وقد هم فلان بفلان أي بأن يوقع به ضرباً أو مكروهاً .. فإن قيل فأي معنى لقوله تعالى " لولا أن رأى برهان ربه " والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها .. قلنا يمكن أن يكون الوجه في ذلك أنه لما همّ بدفعها وضربها أراه الله برهاناً على أنه إن أقدم على ما هم به أهلكه أهلها أي قتلوه أو أنها تدعي عليه المراودة عن القبيح وتقذفه بأنه دعاها إليه وإن ضربه لها كان لامتناعها فيظن به ذلك بعض من لا تأمل له ولا علم بأن مثله لا يجوز عليه . فأخبر الله تعالى بأنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء يعني بذلك القتل والمكروه الذين كانا يوقعان به لأنهما يستحقان الوصف بذلك من حيث القبح أو يعني بالسوء والفحشاء ظنهم بذلك .. فإن قيل هذا الجواب يقضي أن جواب لولا يتقدمها ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بضربها ودفعها ، وتقديم جواب لولا قبيح غير متسعمل أو يقتضي أن تكون لولا بغير جواب .. قلنا أما تقدم جواب لولا فجائز وسنذكر ما فيه عند الجواب المختص بذلك غير أنا لا نحتاج إليه في هذا الجواب لأن العزم على الضرب والهم بالضرب قد وقع إلاّ أنه انصرف عنه بالبرهان ، والتقدير ولقد همت به وهم بدفعها لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك ، فالجواب في الحقيقة محذوف والكلام يقتضيه كما حذف الجواب في قوله تعالى : " ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤف رحيم " معناه لولا فضل الله عليكم ورحمته لهلكتم ومثله " كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم " معناه لو تعلمون علم اليقين لم تتنافسوا في الدنيا وتتفاخروا بها .. وقال امروء القيس :
فلو أنّها نفس تموت سوية ** ولكنّها نفس تساقط أنفسا
أراد فلو أنها نفس تموت سوية لانقضت وفنيت فحذف الجواب ..على أن من تأول هذه الآية على الوجه الذي لا يليق بنبي الله وأضاف العزم على المعصية إليه لا بد له من تقدير جواب محذوف ويكون التقدير عنده ولقد همت بالزنا وهم به لولا أن رأى برهان ربه لفعله .. فإن قيل قوله هم بها كقوله همت به فلم جعلتم همّها متعلقاً بالقبيح وهمه بها متعلقاً بماذكرتم من الضرب وغيره .. قلنا أما الظاهر فلا يدل على ما تعلق الهم به والعزم فيهما جميعا وإنما أثبتنا همها به بأن يكون متعلقاً بالقبيح لشهادة الكتاب والآثار به وهي ممن يجوز عليها فعل القبيح ولم يؤثر دليل على امتناعه عليها كما أثر ذلك فيه عليه السلام والموضع الذي يشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى : " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ..." إلى قوله ... " في ضلال مبين " وقوله تعالى : " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب " وقوله : " الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " وفي موضع آخر: " فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " وفي موضع آخر : " فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " والآثار واردة باطباق مفسري القرآن ومتأوليه على أنها همت بالفاحشة والمعصية .

والوجه الثاني في تأويل الآية :

أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير ويكون تلخيصه ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ويجري ذلك مجرى قولهم قد كنت هلكت لولا أني تداركتك ، وقتلت لولا أني خلصتك ، والمعنى لولا تداركي لهلكت ولولا تخليصي لقتلت وإن لم يكن وقع هلاك ولا قتل .. قال الشاعر :
فلا تدعني قومي صريحا لحرة ** لأن كنت مقتولا ويسلم عامر
.. وقال آخر :
فلا تدعني قومي ليوم كريهة ** لئن لم أعجّل ضربة أو أعجل

فقدم جواب الشرط في البيتين جميعا ، وقد استشهد عليه أيضاً بقوله تعالى : " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لهمّت طائفة منهم أن يضلوك " والهم لم يقع لمكان فضل الله ورحمته ، ومما يشهد لهذا التأويل أن في الكلام شرطاً وهو قوله تعالى : " لولا أن رأى برهان ربه " فكيف يحمل على الاطلاق مع حصول الشرط وليس لهم أن يجعلوا جواب لولا محذوفاً مقدرا لأن جعل جوابها موجوداً أولاً ، وقد استبعد قوم تقديم جواب لولا عليها قالوا ولو جاز ذلك لجاز قام زيد لولا عمرو وقصدتك لولا بكر ، وقد بينا بما أوردناه من الأمثلة والشواهد جواز تقديم جواب لولا والذي ذكروه لا يشبه بما أجزناه ، وقد يجوز أن يقول القائل قد كان زيد قام لولا كذا وكذا ، وقد كنت قصدتك لولا أن صدني فلان وإن لم يقع قيام ولا قصد ، وهذا الذي يشبه الآية وليس تقديم جواب لولا بأبعد من حذف جواب لولا جملة من الكلام ، وإذا جاز عندهم الحذف لئلا يلزمهم تقديم الجواب جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لا يلزم الحذف ..

والجواب الثالث :

ما اختاره أبو علي الجبائي وإن كان غيره قد تقدّمه إلى معناه وهو أن يكون معنى همّ بها اشتهاها ومال طبعه إلى ما دعته إليه ، وقد يجوز أن يسمى بالشهوة في مجاز اللغة همّاً كما يقول القائل فيما لا يشتهيه ليس هذا من همّي وهذا أهمّ الأشياء إليّ ولا قبح في الشهوة لأنها من فعل الله تعالى فيه وإنما يتعلق القبيح بتناول المشتهي .. وقد روي هذا الجواب عن الحسن البصري قال : أما همّها فكان أخبث الهم وأما همّه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى : " لولا أن رأى برهان ربه " متعلق بمحذوف كأنه قال : لولا أن رأى برهان ربه لعزم وفعل ..

والجواب الرابع :

أن من عادة العرب أن يسموا الشيء باسم ما يقع في الأكثر عنده وعلى هذا لا ينكر أن يكون المراد بهم بها اي خطر بباله أمرها ووسوس إليه الشيطان بالدعاء إليها من غير أن يكون هناك همّ أو عزم فسمي الخطور بالبال هما من حيث كان الهم يقع في الأكثر عنده والعزم في الأغلب يتبعه وإنما أنكرنا ما ادعاه جهلة المفسرون ومحرفوا القصاص وقذفوا به نبي الله عليه السلام من حيث كان منفرا عنهم وقادحا في الغرض المجري إليه بإرسالهم والقصة تشهد بذلك لأنه تعالى قال : " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " ومن أكبر السوء والفحشاء العزم على الزنا ثم الأخذ فيه والشروع في مقدماته وقوله تعالى أيضا : " انه من عبادنا المخلصين " يقتضي تنزيهه عن الهم بالزنا والعزم عليه وحكايته عن النسوة قولهن : " حاش لله ما علمنا عليه من سوء " يدل أيضا على أنه بريء من القبيح .. )) .

ثانيا : أقول :
لقد ذكرالشريف المرتضى عليه الرّحمة أربعة وجوه في تفسير الآية الكريمة ولكنه لم يستقر على رأي واحد معين منها كما استقر السيد فضل الله على رأي الميل الطبعي والشهوة بدون دليل ، علما أنه – أي الشريف المرتضى – نسب تفسير الهم بالميل الطبعي والشهوة نسبه إلى بعض أهل السنة كما هو واضح كلامه .

ثالثا : إن من يتمعن في كلام المفسرين الذين ذكروا الرأي القائل بالميل الطبعي والشهوة وأن الهم يمكن أن يراد به الشهوة والميل الطبعي مجازا ، ويتمعن في كلام السيد فضل الله وبالتحديد قوله : " وهكذا نتصوّر موقف يوسف ، فقد أحس بالإنجذاب في إحساس لاشعوري ، وهم بها استجابة لذلك الإحساس ، كما همت به ، ولكنه توقف ثم تراجع " يجد أن السيد فضل الله يذهب إلى أن حالة الهم التي حصلت ليوسف جاءت متأخرة عن ثوران الشهوة وميل الطبع ، وأن الهم عنده حالة أخرى حصلت استجابة لذلك الإحساس اللاشعوري بينما هؤلاء يعتبرون أن الهم في الآية هو ثوران الشهوة الطبيعي اللا إرادي وليس الهم مرحلة ثانية أعقبت ثوران الشهوة والإنجذاب الطبعي .
بعبارة أخرى : أن السيد فضل الله يفسر الهم بأنه حالة ثانية حصلت ليوسف نتيجة الإحساس اللاشعوري بينما من ذكر رأي الميل الطبعي يفسر الهم بأنه هو نفسه الإحساس الأولى ... يعني الشهوة التي تحركت في ذلك الموقف لا شعوريا هي الهم وهذا الذي يريدونه من الميل الطبعي والشهوة وهو عير ما يريده السيد فضل الله كما هو ظاهر قوله أعلاه .
وإلا إذا كان معنى " الهمّ " الذي يريده السيد فضل الله هو نفسه الإنجذاب اللاشعوري، فإننا لو استبدلنا كلمة " الهمّ " بكلمة " الإنجذاب اللاشعوري " فإن عبارة السيد ستصبح كالتالي: أي انجذب إليها لا شعورياًّ استجابة لانجذابه اللاشعوري؟! ولعمري فإن اللغة السنسكريتية أفصح وأبلغ من هذه اللغة.
وعليه فإن رأى السيد المرتضى علم الهدى في تنزيه الأنبياء أو غيره من العلماء أن ذلك لا يتنافى مع العصمة هو لأن الهم المراد في التفسير القائل بالميل الطبعي والشهوة هو ثوران الشهوة الأولى اللاإرادي ، لأنه إذا كان فعلا حصل ذلك فهو خارج عن حدود الاختيار وما هو خارج عن حدود الاختيار لا يتنافى مع العصمة ، ( مع أن هذا أيضا لا دليل عليه أنه حصل ليوسف عليه السلام ) أما السيد فضل الله فإنه يرى الهم - كما ذكرنا - حالة أخرى أعقبت ثوران الشهوة اللا إرادي وأنه كان نتيجة لذلك الثوران ... فهل هذا الذي يقول به السيد فضل الله يتنافى مع العصمة أم لا ... في نظري أنه بعد ثوران الشهوة يكون التقدم في الاستجابة لهذا الثوران اختياريا وإراديا ولا يكون أبدا لا شعوريا ... وعليه يتنافى ذلك مع العصمة وليس كما يدعى من أنه لا يتنافى معها .. إلاّ اللهم إذا كانت العبارات خانت السيد فقصد شيئاً وكتب شيئاً آخر .

رابعا : أكتفي باستعراض الأقوال التي استعرضتها من أقوال المفسرين لإثبات أنه لم يتبنى أحد من مفسري الشيعة – حسب تتبعي – رأي الميل الطبعي أو يستقر عليه كما استقر عليه السيد فضل الله .. ومن يعلم بأن واحدا من المفسرين ذهب إلى ذلك واستقر عليه وتبناه دون غيره من الآراء الأخرى فيا حبذا لو نقل لنا رأيه هذا ، كما أنني ذكرت بشكل مجمل في هذا الرد بيان النطقة الثالثة التي وعدت بالحديث عنها وهي هل أن تفسير الميل الطبعي والشهوة يتنافى مع العصمة أم لا فاثبت أن السيد يرى الهم حالة ثانية غير الاحساس الأولى اللاشعوري ، وهذا الهم إذا كان نتيجة لذلك الإحساس فإنه يكون شعوريا وإراديا ولا يكون عكس ذلك ، وعليه فهو يتنافى مع العصمة ، وأن من أشار إلى تفسير الميل الطبعي أراد بالهم هو تحرك الشهوة وثورانها الأولي اللاإرادي ، وقولهم هذا بما أنه خارج حدود الاختيار فإنه لا يتنافى مع العصمة . نعم في نظري يتنافى مع حالة الخوف والرقابة واستشعار وجود الله عز وجل لأنه من كان يعيش هذه الحالات لا يمكن في مثل هذا الموقف أن تتحرك شهوة لا إراديا .. لكن حتى لو خصل ذلك وبالمقدار الذي يريده أصحاب الميل الطبعي – غير فضل الله – فإنه لا يتنافى مع العصمة .

وبهذا يكون قد أنهيت حديثي حول الثلاث نقاط التي أردت بيانها . وسأعلق على مداخلات الأخوة الهادفة والعلمية فقط إن كانت هناك مداخلات من هذا القبيل .

ملاحظة : اعتمدت في فهم رأي السيد فضل الله مما كتبه في تفسيره من وحي القرآن .

التلميذ