لماذا تم إسنــاد مشروع بسط العــدل إلى الإمام المهدي ؟!

مسهّر

مسهّر
26 يناير 2011
5
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا

السلام عليكم ورحمة الله

والتهنئة لكل المستضعفين بذكرى مولد منقذ البشرية
عليه ألف صلاة وألف تحية

أخي العزيز :

الموضوع الذي بين يديك يبحث في أسباب تخصيص مشروع العدل بالإمام المهدي عليه السلام
وكيف نتوصل من هذا التخصيص إلى هوية الخلفاء الإثني عشر السابقين له في الخلافة .

فجاءت في الموضوع المسائل التالية :

الفراغ الزمني بين مرحلة [النبي] صلى الله عليه وآله , ومرحلة [المهدي] في الأطروحة السنية وما يترتب عليها من آثار
وفيها تم تحديد القناة التي تنتقل عبرها مواريث الكتاب بين القائمين على الرسالة

وقد ألزمتني هذه الفقرة أن أسبقها بالحديث عن البعد الزمني في عمر المهدي عليه السلام في الأطروحة الشيعية
ثم قمت بمناقشة مسألة تتعلق بعلاقة ( المهدي ) بالخلفاء السابقين له
وهل كانت توجد ـ بحق ـ قائمة من الخلفاء تتكون من ( 12 ) خليفة وما هي مسؤولية الأمة من هذه القائمة ؟
وماذا فهم السنة من الحديث : (يكون لهذه الأمة اثنا عشر خليفة ...)؟

وهل هناك قائمة واحدة من الخلفاء أم قائمتان ؟

ثم ما هي الكيفية التي رسم بها النبي الأكرم خريطة النجاة لتحديد القائمة الحقيقية المكونة من ( 12 ) خليفة فانبلج نور النبوة بالإعجاز وظهرت قائمتان !

وهنا توقفت لتوضيح سبب إطلاق أوصاف متباينة جاءت على لسان النبي ص بحق الخلفاء بعده !

بعد ذلك انتقلت لمحاكمة أسباب غياب المهدي و(تأجيل) دوره في الأطروحتين الشيعية والسنية وهل كانت أسباب الغياب كافية لتبرر الزمن الطويل للغياب ؟

وطرحت تساؤلا عن سبب توقف دور المهدي السني بعد الخليفة الحادي عشر عندهم
ثم توصلت لمناقشة مشروع ( العدل ) وعلة تخصيصه بالمهدي ... وماهو دور الخلفاء الـ (11) في هذا المشروع ؟
وهل صدر في الأمر إعفاء للخلفاء الـ ( 11) عن هذه المسؤولية ؟

وهل ( العدل ) مما يمكن تأجيله إلى آخر الزمان ؟!


القارئ العزيز:

وضعت هذه المقدمة الموجزة حرصا مني ألا أثقل عليك , فقد تجنبت إنزال الموضوع دفعة واحدة واخترت مقدمة تبيّن أهم عناصر المقال .

وما توفيقي إلا بالله





1


1ـ كيف يتمكن الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل ؟


من الإشكالات التي يطرحها المخالف على أتباع أهل البيت عليهم السلام في موضوع الإمام المهدي عليه السلام إشكال يتصل بالعمر الطويل للمهدي الذي يمتد إلى عدة قرون .
وقد أجاب الشيعة عن هذا الإشكال بوضوح تام وتفصيل دقيق حتى لا يكاد يخلو كتاب أو بحث عن الإجابة عليه .

وملخص الإشكال أنه كيف يتمكن الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل ؟

والمستشكل يرى بأن هذا العمر يمثل استثناء بين البشر.
فلماذا هذا الاستثناء الذي يتوقف فيه ناموس الموت ؟

والجواب باختصار :
أن طول العمر أو قصره مسألة تخضع لإرادة الله , وإذا اقتضت إرادة الله إطالة عمر الإنسان فلا محل للإشكال لأن قدرة الله تعالى غير محدودة .

وقد يكون للإشكال توجيه آخر هو:

ما الغاية التي من أجلها يطول عمر إنسان معين يتجاوز القرون فيكون استثناءً للقانون الذي يسيطر على حياة البشرية جمعاء؟
وجوابه :
ربما يكون الإشكال مبررا لو صدر في حق إنسان عادي ليس له وظيفة مهمة تبرر هذا الاستثناء .

أما إطالة عمر إنسان مثل الإمام المهدي عليه السلام فهي ليست موضع إشكال إذا عرفنا بأن المهدي هو شخصية تم اصطفاؤها لمهمة رسالية عظيمة فهو الذي على يديه تمتلئ الأرض قسطا وعدلا بعد امتلائها ظلما وجورا .

بل إن وظيفة الإمام المهدي عليه السلام هي وظيفة نادرة الحصول تمتاز بأنها الحلقة الأخيرة التي يُختتمُ بها مسلسل عمل الأنبياء والرسل والأوصياء .
والمهمة إذا كانت بهذا الحجم فإنها تستحق هذا الاستثناء .

ولو استفتينا القرآن الكريم في هذه القضية فإنه لا ينفي تحقق هذا العمر بل يقصُّ علينا القصص ليثقفنا على أن هذه القضية مما يجب التسليم والإيمان بها .

والإمام المهدي عليه السلام هو واحد من أولئك الأشخاص الذين عاشوا قرونا وكانوا يقومون بوظيفة رسالية عظيمة مثل نبي الله نوح والخضر وعيسى عليهم السلام .

إن طول العمر وطول زمن الغياب لايعتبر إشكالا في الأطروحة الشيعية .

بل هو في الحقيقة إشكال يتجه نحو الأطروحة السنية !!

وسأبين طبيعة الإشكال
:




2

إشكالية البعد الزمني في النظرية السنية

إشكالية طول الزمن موجودة في الأطروحة السنـيـَّة .
و الفارق بين الإشكال هنا والإشكال هناك أن الزمن الطويل في الأطروحة الشيعية يقع في عمر الإمام المهدي عليه السلام .والإشكال مرتفع كما هو واضح .

أما الزمن الطويل في الأطروحة السنية فإن مبعث الإشكال يقع تحديدا في الفاصل الزمني الطويل بين [رحيل النبي] الأكرم صلى الله عليه وآله وبين [ولادة المهدي] .

فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله يمثل مرحلة ( البدء ) والمهدي يمثل مرحلة ( الختام ) في تحقيق المشروع وعلى يديه تكتمل فصول الرسالة .

الفاصل الزمني بين مرحلة ( البدء ) ومرحلة ( الختام ) فاصل طويل جدا .
والإشكال في هذا البعد الطويل جدا هو وجود ( الفـــــراغ ) بين المرحلتين وبين الشخصيتين .

فهناك غياب واضح للرابط الذي يربط بين الشخصيتين والمرحلتين .
فلا أثر للارتباط بينهما في انتقال مواريث الرسالة التي من أجلها يعمل الطرفان .

ولا توجد صيغة واضحة تشرح لنا كيف يتم انتقال مهام الرسالة من مرحلة البدء إلى مرحلة الختام .

فهنا ينعدم التنظيم والتنسيق مما يعكس حالة من العشوائية والفوضى في بناء الطروحة

وقد يقول قائل:
وما ضرورة هذا الارتباط إذا كان من حق المهدي أن يعمل بما يراه فيجتهد كالذين سبقوه؟

أقـــول :
إذا انتفى الارتباط بين الشخصيتين كما أوضحت ُ فإن المهدي تنتفي منه صفة الخليفة لرسول الله فلا يكون مستخلفا ويصير حاله كحال أي حاكم أو أمير يقفز على كرسي الحكم فيبدأ في تنفيذ مشروعه بحسب اجتهاده .

وإذا كان هذا المهدي ( مجتهدا ) !!
فما الذي يجعله مركزا للآمال والتطلعات في تحقيق العدل بمستوى غير ممكن لغيره ؟

إن هنالك ( ميراثا ) يجب أن ينتقل من الرسول ص إلى كل من يحمل صفة [خليفة الرسول ]وإلى كل من تقع على عاتقه مسؤولية هذا الاستخلاف انتقالا يحمل في طياته وصايا التشريع والتطبيق .

لكننا أمام الأطروحة (المهدوية السنية ) نجد أنها تلغي حق الزعامة وحق القيادة والمرجعية للنبي صلى الله عليه وآله , وتسلك بالمهدي طريقا آخر لا يقع في طول طريق النبي صلى الله عليه وآله .

ولو سألنا :

ماالجهة التي تتكفل عادة بسد مثل هذا الفراغ ؟
وما هي الوسيلة التي تنتقل بها ( مواريث الكتاب ) ؟







3


ماالجهة التي تتكفل عادة بسد مثل هذا الفراغ ؟
وما هي الوسيلة التي تنتقل بها ( مواريث الكتاب ) ؟


الإجابة على ماسبق :

أمامنا طريقان :

1ـ إماعن طريق الوحي!

2ـ أوعن طريق نفس النبي صلى الله عليه وآله !


ولا نحسب أن هناك من يقول بأن ( المهدي ) يتلقى تعاليمه من الوحي .
فإن كان (المهدي) يستند إلى ( الوحي ) فإن صفة ( النبوة ) له ستكون أجدر وأصح من صفة ( الخليفة ) .

أما إن كان تلقيه تلك المواريث عن طريق النبي صلى الله عليه وآله, فلابد أن يأتيه الاستخلاف عبر قناة من قناتين :

1ـ إما أن تنتقل إليه الخلافة
مباشرة من النبي صلى الله عليه وآله ,
أي أن يكون موجودا في زمان النبي صلى الله عليه وآله فيتم تعيينه واختياره مباشرة .

2ـ أو أن تنتقل إليه الخلافة
من خليفة قبله ـ بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله , وإن تعدد الخلفاء قبله , وإن تباعد الزمان بين المستخلـِف والمستخلــَـف .

وفي هذا يكون قد ضُمن :

ـ أن التعيين صادر بأمر من الله إلى النبي صلى الله عليه وآله .
ـ وأن حق الزعامة والمرجعية محفوظ للنبي صلى الله عليه وآله.
ـ وأن انتقال ميراث النبوة والكتاب يجري بأسلوب طبيعي ليس فيه ما يبعث الشك والريب .

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } (32) سورة فاطر

قد يستوقفني معترض فيقول :

لماذا ألغيت كل الخلفاء الذين جاؤوا عبر التاريخ ولم تعتبرهم واسطة بين النبي والمهدي ؟

فإنك لو اعتبرتهم خلفاء لما وصفت البعد الزمني بالفراغ !

وجوابه :

لم يثبت أن هناك تشكيلة معينة ومحددة بأسماء الخلفاء الأحد عشر حتى يقال إننا ألغينا دورهم .
نعم هناك ملوك وأمراء وخلفاء !

ولو اغترف مغترف غرفة واحدة وذكر لنا قائمة من أحد عشر خليفة فستكون غرفته مخلوطة من ماء وحمأ وطين !
وستمطر عليه الإشكالات من كل جانب .

1ـ فعلى هذا المجازف أن يثبت لنا أن القائمة التي بين يديه [متفق] عليها عند فريقه .
2ـ وعليه أن يحدد [الأسس الشرعية ] التي قامت عليها هذه التشكيلة.

3ـ وعليه أن يحدد الوظيفة المستخلـَفـِين على أدائها والتي أنيطت على عاتقهم .

4ـ وعليه أن ينقل لنا صورة واضحة عن تطبيقهم لهذه الوظيفة وكيف تفانوا في القيام بها وكيف اجتهدوا من أجل استكمال فصولها .

5ـ وألا يثبت خروج أحد منهم عن حدود هذه الوظيفة !
وإلا فستعتبر دعوى انتسابه للقائمة دعوى كاذبة .

6ـ وألا يقع بين أي اثنين من القائمة قتال من أجل الخلافة !
لأن ذلك سيبطل كونهم أصحاب مشروع واحد , وسيكون مبعثا للشك في صحة القائمة .

4ـ وعليه أن ينقل لنا [مصدر] تكليفهم بهذه الوظيفة ؟

أ/ هل المصدر هو [النص ]والتعيين من الله ورسوله ؟
ب/ أم أن [الخليفة نفسه] هو من يعين نفسه بدعوى أن له مقعدا مخصصا في قائمة الإثني عشر ؟
ج / أم أن [الأمة] هي مصدر الاختيار ؟

ما عرفناه عنهم :

أولا :
أن مذهب الصحابة لا يدعي النص من الله ولا من رسوله في موضوع الخلافة .

ثانيا :
ولم يدِّع ِأحد من الخلفاء الذين حكموا طوال التاريخ أنه يمثل رقما محددا من القائمة التي وضعها النبي ص .
ولايمكن لأحد أن يدعي ذلك إلا إذا ا كان لديه نص صادر من النبي ص يخصه بذلك وحينها فإنه ملزم بالبينة .

ثالثا :
إذا كانت الأمة هي المصدر :

فهل قامت الأمة بدورها في اختيار ( أحد عشر ) خليفة عن وعي والتزام بالعدد ؟

أي:
هل كانت الأمة تعي وتدرك التسلسل في قائمة الخلفاء فتكون على علم بأن الخليفة الفلاني هو الخليفة الثامن وهذا التاسع وهذا العاشر وهذا الحادي عشر ؟
ولــــكن :

ستسقط هذه الدعوى إذا ثبت تاريخيا أن الأمة قد اختارت أكثر من ( أحد عشر ) !
وإذا لم يثبت أنها أنجزت اختيار ( أحد عشر ) حتى [ الآن ] فإن هذه الأمة عليها أن تكمل القائمة بـ (11) خليفة !!!!!!!.

نحن نقول :
إن مجرد الإمساك بزمام السلطة والزعامة لا يجعل من الإنسان خليفة للنبي ص
ولو صحَّ ذلك فإن الذين ينطبق عليهم وصف الخليفة كثيرون جدا يتجاوز عددهم [الإثني عشر] . وقد حكموا وماتوا فيكون الإمام المهدي السني قد حكم ومات منذ زمن بعيد!

وحتى مع الضوابط القشرية المطروحة في الفكر السني التي توضع كشروط لتحديد مهمة الخليفة نكون قد تجاوزنا عدد ( الإثني عشر ) بل هي ضوابط يمكن أن تنطبق على الكثير من الماضين/ والحاضرين/ واللاحقين !

وعلى من يجيد الحساب أن يحسب كم بلغ العدد !!!

فشروط ٌ مثل ( تنفيذ الأحكام /وإقامة الحدود/ وإعداد الجيوش/ تقسيم الفيء /وغيرها ....)
هذه الشروط لا تتعسر على أي زعيم يسعى لتنفيذها متى ما أراد ذلك !

وفي ضوء هذه التسهيلات الوظيفية فإننا ..نبارك / ونعزِّي... في آن واحد
نبارك لمن يرغب أن يرشح نفسه ليكون مهدي هذه الأمة ... لوجود التسهيلات في الضوابط والشروط !!

ونعزي.. وننعى ـــ لأخواننا وفاة مهديهم فقد نبت الربيع على دمنته !

فعظم الله لهم الأجر... ويحزننا كثيرا أن قيامتهم قد حانت !!!

فإنهم يعيشون عصـــــر ما بعد الظهور!!!


لكــننا ننتظر من أحدهم أن يســـأل :

ً... ماهو طريق النجـاة ؟!

ــ ــ ــ
ــ ــ
ــ





4

بسم الله الرحمن الرحيم


كيف رسم النبي الأكرم ص خريطة النجاة لتحديد القائمة الحقيقية التي ينتمي إليها المهدي عليه السلام ؟

وقفة قصيرة مع الإعجاز النبوي في التبليغ

ـ الإخبار بالمهدي ـ

ما من قضية مفصلية في هذا الدين إلا وقد شق لها النبي ص طريقا يسلك بها طريق النجاة لتصل إلى غايتها بسلام مهما طال الزمن وهما كثرت الأهواء !


فهو يعلم علم اليقين أن الأمة تتحكم فيها نوازع شتى صوب هذا الدين وصوب أوصيائه وأمنائه
ـ بالخصوص فيما يتصل بالخلافة من بعده ــ
مما دفعه أن يلجأ صلى الله عليه وآله إلى منهج إعجازي في العبقرية والفطنة لا يتأتى لأحد إلا من خصهم الله بحمل الأمانة .
وذلك حين تكون القضية التي بين يديه محاطة بالتحديات ومهددة بالتصدي !
فيطويها في ألفاظ وجيزة تحمل في مضامينها حقيقة عظيمة
فتسير الحقيقة على ظهر الأمواج العاتية دون أن تغرق في بحر الأهواء والتحديات !

وحين تصل المقولة النبوية لحظتها التاريخية
تنطلق منها طاقة من الهدى , يزهق فيها الباطل وتتجلى الحقيقة المظلومة !

وهذا مايزيدنا يقينا أن النبي ص سراج منير ليس في زمانه فقط
بل على امتداد الزمان .

{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (46) سورة الأحزاب

من تلك الأحاديث قوله في ( عمار بن ياسر )
"...عمار تقتله الفئة الباغية ..."

"... فاطمة بضعة مني ...من أغضبها أغضبني ..."

ففي مثل القضايا السابقة يوجد طرفان ( ظالم / ومظلوم ) والنبي صلى الله علية وآله هنا يصرح باسم واحد ( عمار ..فاطمة ....) ويترك الطرف الآخر دون تصريح !

وبالتأكيد فإن هذا الأسلوب هو سر بقاء مثل هذه الأحاديث الخطيرة !!
حتى إذا وقعت الحادثة يكون الحق قد ظهر / والباطل قد تعرَّى بفضل السراج المنير الذي لاينطفئ .

وفي أحاديث (المهدي ) نجد سراج رسول الله مشعا يصل شعاعه إلى زمان الظهور ومابعده !

هذه المسألة تستغرق منَّا تتبعا دقيقا لمنهج رسول الله كيف عالجها وصانها من التحريف

إليكم هذا الحديث :


... قال حذيفة بن اليمان قلت :
(يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه
فهل من وراء هذا الخير شر ؟

قال : نعـــــم
قلت : هل وراء ذلك الشر خير؟
قال : نعـــم
قلت :فهل وراء ذلك الخير شر؟
قال : نعـــم
قلت : كيـــــف ؟
قال :
يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس
قال قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك
قال
تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع
).


حديث رقم: 1847
صحيح مسلم > كتاب الإمارة > باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ـ ـ


======

بالنظر إلى فقرات الحديث نجد التالي :

السائل يسأل النبي ص :
(يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر )

السائل يصف مرحلة النبي بأنها ( خير ) ويسأل عن الزمن القادم بعد مرحلة النبي ص:
(فهل من وراء هذا الخير شر)

فيجيبه النبي ص :

( نعم ) إلى أن يقول النبي ص :

(يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين)

في هذا الحديث يتحدث النبي في قضية محددة هي :

( الخلافة )

وزمان هذه القضية :

( الفترة التي تقع بعد زمن النبي ص مباشرة ) ...

[ يكون بعــدي...]

ووصفـها بأنها :

( شــــر )

وقد يقول قائل :

إن قول النبي ( يكون بعدي ) لايعني بالضرورة الفترة التي تقع بعده [مباشرة] بل قد تعني الفترة التي تأتي بعد بزمن طويل !

وأقول :

1ـ إن هذا المعنى ليس هو المقصود من كلام النبي ص بل كلامه صلى الله عليه وآله واضح أن الفترة المقصودة من كلمة ( بعدي ) هي:
الفترة الواقعة بعد زمانه [مباشرة ] والأدلة اللفظية في الحديث متعددة منها :

قول النبي ص للسائل حين سأله عن التكليف في هذه الفترة فقال النبي ص :
( أن تسمع وتطيع للأمير)
فلو كان الزمان الذي يتحقق فيه هذا الظلم بعيدا لصدر من النبي لفظ آخر يجعل المخاطبين مطمئنين أن ذلك بعيد عن زمانهم !

2ـ ولقد فهم السائل من كلمة ( بعدي ) أن الشر سيقع بعد انتهاء عصر الرسول ص مباشرة
ولو لم يفهم السائل معنى كلمة ( بعدي ) لطلب من النبي ص تحديدا إضافيا !
أي
لو كانت في ذهن السائل أكثر من دلالة لكلمة (بعدي) لطلب من النبي ص أن يحدد أي واحدة هي المقصودة !
لكن السائل سكت مما يدل على وضوح المعنى لكلمة ( بعدي ) !


ويؤكد حصول هذه القضية حديث آخر :

. . . عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة وقال محمد بن بشار حدثنا عبد الله بن حمران حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة قوله).

حديث رقم: 6729
صحيح البخاري > كتاب الأحكام > باب ما يكره من الحرص على الإمارة


هذا الحديث يؤكد ما سبقه فالنبي ص في هذا الحديث يوجه كلامه إلى أصحابه من حوله فيقول :
(إنكم ستحرصون على الإمارة)

والسؤال :
هل تحقق الأمر لهؤلاء الحريصين والطامعين في الخلافة ؟

الجواب نفهمه من كلام النبي ص في نفس الحديث حيث أشار للعاقبة التي يكون عليها هؤلاء :
( وستكون ندامة يوم القيامة )

إن هذه العاقبة تؤكد أن هؤلاء الحريصين على الخلافة قد استطاعوا أن يمسكوا بزمامها .

ما هو غرضي من الاستشهاد بهذه الأحاديث ؟
أقول هذه الأحاديث تفضح بقوة مجتمع الصحابة وبالخصوص الجماعة الذين سيحكمون الأمة بعد رسول الله ص .

ولكن كيف ظلت هذه الأحاديث في منأى عن الطمس والاندثار ؟

ــ ــ ــ
ــ ــ
ــ






5

الجواب :

بما أن النبي ص يعلم بما سيحدث بعده ,
ويعلم بخطورة التصريح بما سيقع وما سيجري على أقواله من تحريف وطمس
نجده قد لجأ إلى طريقته الإعجازية في الإبقاء على هذا الشعاع متقدا لا ينطفئ !

فقد أورد صلى الله عليه وآله طائفة أخرى من الأحاديث لها لون آخر مغاير للأحاديث المتقدمة :


1ـ . . . يقول :
(
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقيل يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد

فقال :
عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا وسترون من بعدي اختلافا شديدا
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة
).

حديث رقم: 42
سنن ابن ماجة > >


2ـ (لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة فسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه قلت لأبي ما يقول قال كلهم من قريش).

حديث رقم: 4279
سنن أبي داود > كتاب المهدي >


===
إذاً : أمامنا طائفتان من الأحاديث وكلا الطائفتين تتحدثان عن موضوع الخلافة بعد رحيل النبي ص .

ولو وقعت هذه الأحاديث في يد شخص يجهل واقع الأمة بعد رحيل النبي ص سيصف هذه الأحاديث بأنها متضاربة ومتناقضة فهي تارة تصف الخلفاء بعده بأن (
قلوبهم قلوب الشياطين )

وتارة أخرى يصفهم :

(
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضُّوا عليها بالنواجذ)

(
لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة)

هذا التوصيف المتباين لايحصل إلا إذا كانت هناك (
طائفتان من الخلفاء ) .
وبحسب ماورد في الأحاديث يجب أن تكون الطائفتان متباينتين بشكل كبير .

ولكن السؤال :

كيف يخبر النبي ص عن ظهور ( طائفتين متناقضتين )
من الخلفاء في فترة واحدة / وفي مجتمع واحد /
وفي بقعة واحدة /
ويكونون خلفاء لشخص واحد هو النبي الأكرم ص؟

============

تذكير :
التعقيب السابق ليس عن الخلافة
وإنما صعدنا على جسر الخلافة لنصل إلى القائمة الحقيقية التي ينتمي إليها المهدي عليه السلام ؟


==========

النتيجة التي لاشك فيها هي :

أن هناك خلفاء يمثلون خلافة مغتصبة .

و خلفاء يمثلون خلافة شرعية .

هؤلاء الخلفاء ـ الشرعيين ــ صار نصيبهم الإقصاء عن منصب الخلافة !
وليس هذا فحسب بل لابد :
أن يكون قد وقع عليهم ظلم وجور فمصيرهم في أبسط الأحوال سيكون كحال بقية الأمة أمام الخلفاء المتسلطين المغتصبين كما هو واضح من حديث النبي ص :
(
قلوبهم قلوب الشياطين )

وفي هذه الخلافة اعتداء وسلب للأموال :

(
وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع).


ولقد ظلت [ الأحاديث الفاضحة ] في مأمن من يد التحريف والإقصاء بسبب وجود طائفة من [الأحاديث المادحة ] التي تمدح الخلفاء بعد النبي ص .

فالأحاديث التي تصف الخلفاء بأوصاف الرشد والـهداية صارت مظلَّة استظل بها الخلفاء المغتصبون !!
فأهملوا الأحاديث التي تفضحهم ولم يلتفتوا إليها فكأنها لا تعنيهم وكأنهم قادرون على إقحام أنفسهم في القائمة الشرعية !!

هذه صورة من الحكمة البالغة والرحمة الشاملة لرسول الله صلى الله عليه وآله...
===

مما سبق وقفنا على حقيقة هامة كشفتها أحاديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
أن هناك طائفتين من الخلفاء متباينتان في استحقاق الخلافة .

فطائفة تمثل الخلافة المغتصبة

وطائفة تمثل الخلافة الشرعية
وقد كانت الخلافة من نصيب المغتصبين ومضت الأمة على هذا الواقع .
وقد يعترض معترض فيقول :

لماذا لا يكون التوصيف معكوسا ؟

لماذا لا تكون الطائفة التي حكمت هي الطائفة الشرعية والأخرى هي مدعية فتكون في حكم المغتصبة؟


جوابه :

إن الطائفة التي لم تتسلم الزعامة قد وصفهم النبي ص بأنهم [خلفاء]
كما وصف الطائفة الأخرى التي حكمت وسيطرت بأنهم [ خلفاء ] .

فالطائفة التي لم تتسلم الخلافة لايمكن انطباق وصف الخلافة عليهم بعد إقصائهم العملي عنها إلا باعتبار آخر غير مقيَّد باستلامهم السلطة .

يعني سواء استلموا السلطة أم لم يستلموها سيظل وصفهم بالخلفاء !

فيكون توصيفهم بالخلفاء راجع إلى أمر واحد لاغير هو :

التعيين والاختيار الشرعي لهم من قبل الله من غير أن يتقيد هذا التوصيف بالتحقق الخارجي
فيبقى وصفهم بالخلفاء لا يتغيرولا يلغى وإن اختار الناس غيرهم أو تغلب عليهم الطامعون .

ولهذا لايمكن أن يكونوا هم المعنيين بالأوصاف السلبية :

(
قال يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين)

النتيجــــة :

أن حق الخلافة هو للطائفة التي لم تتسلم السلطة !
وعليه لابد أن يكونوا هم المعنيين بقول النبي ص :
(
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين )

وهذا ماتقوم عليه نظرية الإمامة في عقيدة الشيعية وملخصها أن الإمامة مقام لا يزول بزوال السلطة السياسية عن يد الإمام .

وفي ضوء ماتقدم يتحدد موقع الإمام المهدي عليه السلام إلى أي طائفة من الطائفتين ينتسب .

1ـ ففي تطابق الكثير من الصفات بين خلفاء الطائفة المظلومة وصفات المهدي ما يوصلنا إلى أن المهدي منهم وهو الثاني عشر الذي به تختتم الخلافة .
فهم مهديون وهو مهدي !

2ـ وقد حث النبي على [عضِّ النواجذ ] فيما يصدر منهم لأنهم عاملون بسنته صلى الله عليه وآله , ويوازي هذا الحث , حثٌّ آخر بخصوص المهدي عليه السلام .
فمن يطالع أحاديث النبي وما تضمنته من توصيات تحث على مبايعته
سيجد أن جميع الخلفاء بما فيهم المهدي هم في ميزان واحد !

3ـ وشرعا / لايجوز أن ينتسب المهدي للطائفة التي اغتصبت الخلافة .

4ـ وتاريخيا / نجد القائمة التي سيطرت على الخلافة ليس لهم عدد محدود!
فلا يمكن أن يكون المهدي المعدود ضمن قائمة الإثني عشر منسوبا إلى قائمة ليس لها عدد !

5ـ وعقلا / لو كان هو أحد الخلفاء الذين استلموا السلطة فلن يوجد سببٌ منطقي لغيابه !
فلماذا يغيب عن الأمة بعد وقوع أمر السلطة والحكم والقوة في أيدي هم ؟!

إنما يغيب الخائف الذي لم تتهيأ له أمور الملك والخلافة .
ولا يكون الخائف إلا من الطائفة المقصية والمظلومة والمحارَبة والمقتولة ..!

ولو طرحنا السؤال التالي :

ــ لماذا غاب الإمام المهدي عند الشيعة بعد الإمام الحادي عشر عليه السلام؟

ــ ولماذا لم يظهر المهدي [السني ] بعد انتهاء خلافة الخليفة الحادي عشر ؟


لنا عودة ـ إن شاء الله ـ لنقارن بين السبب عند الطائفتين .

ــ ــ ــ
ــ ــ
ــ



بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا غاب الإمام المهدي عند الشيعة بعد الإمام الحادي عشر عليه السلام؟

ولماذا لم يظهر المهدي [السني ] بعد انتهاء خلافة الخليفة الحادي عشر ؟

وبعبارة أخرى :

لماذا توقفت الخلافة بعد الخليفة الحادي عشر وتأجلت خلافة الثاني عشر؟


طبعا السؤال قائم على فرضية أن هناك خليفة معروفا ـ عند السنة ـ ومحددا بأنه الحادي عشر !

من الضروري أن يكون تبرير الغياب أو ـ تأجيل الخروج ـ على مستوى يتطابق مع الفترة الطويلة للغياب والتي امتدت لقرون وقد تمتد كثيرا !


وفي ضوء هذا ينثبق التساؤل التالي :

لماذا أنيط مشروع تطبيق العدل في أرجاء الأرض على عاتق الإمام الأخير ؟!
بمعنى آخر :

هل مشروع العدل كان خارج مسؤولية النبي صلى الله عليه والخلفاء بعده ؟!

جوابه :

اولا :
المسار ا لطبيعي لمشروع الإسلام أن تكون كل الركائز الأساسية هي من عمل النبي وأن تنهض على يديه صلى الله عليه وآله قبل أن توكل أي قضية إلى أي خليفة آخر ا وكل من يأتي بعده يبني على ما أسسه النبي صلى الله عليه وآله .

وثانيا :

ينبغي أن يكون العدل من المهام المقدمة في التطبيق وليس مما يصح تأجيله .

وبما أن النبي ص هو المؤسس الأول لمشروع العدل فلازمه أن يتحقق العدل وينتشر تدريجيا بدايةً من عصره ويأخذ العدل في الاتساع إلى أن يسيطر على العالم بمشاركة الخلفاء الإثني عشر بعده .

فلو سارت الأمور بهذه الكيفية فسيتحقق انتشار العدل في عهد قريب من عهد الرسول ص وإن صار بعد قرن أو قرنين من الزمان .


لكن الأمور لم تتحرك في هذا المسار
بل انتقلت نقلة طويلة جد ا جدا

فانتقلت من يـــد المؤسس الأول إلى يـــد آخر خليفة .

فصار الأمر موكولا إلى الأخير .

إذا... أين البقية من الخلفاء ؟
أين دور الخلفاء ( الأحد عشر ) في مشروع العدل؟أين الأول ... وأين الثاني ... و... و...و...............................؟


إذا كان النبي قد خص الخليفة الأخير بمشروع العدل ألا يكون من الطبيعي أن ينتشر الظلم والجور بعد رحيله صلى الله عليه وآله ؟

إذا ثبت أن النبي ص قد جعل مشروع العدل موكولا إلى الأخير, ألا يعتبر ذلك علة حقيقية في غياب العدل ثم حلول الظلم في الحقبة الزمنية من عصر الرسول ص إلى عصر المهدي ع؟

فيكون سبب امتلاء الدنيا بالظلم هو خلل المنهج الذي وضعه النبي ص لهذا المشروع !!!

حاشا رسول الله صلى الله وآله أن يصدر منه مثل هذا الخطأ المنهجي !

ولإجلاء هذه العتمة عن الأبصار لابد من البحث عن حقيقة الأمر .

الحقيقة تظهر من الانتباه إلى أن المهدي عليه السلام يمثل الرقم (12) في قائمة الخلفاء .

نعم ... لو كانت الرئاسة والزعامة في دولة الإسلام محصورة في النبي والخليفة المهدي لكان ذلك خللا حقيقيا لامناص من الاعتراف به !

لكن الحقيقة هي أن النبي ص قد حدد قائمة طويلة مكونة من (12) خليفة .

وقد يستوقفني أحد ..فيقول :ماالذي سيتغير ؟

فالنبي ص هو الذي حدد قائمة الخلفاء الـ (12) ومع ذلك فقد خصَّ المهدي بمشروع العدل ؟

جوابه :
إن العدل هو جوهر الدين كله فلا وصي ولا خليفة ولا مجتمع ولا فرد إلا وهو مأمور بالعدل ومحاسب على الظلم .

إن العدل ليس جزءا من مشروع سياسي .
ولا تكليفا يختص بفئة دون أخرى أو بزمان دون زمان .

{
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } (25) سورة الحديد


{
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (9) سورة الرحمن

{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة


وبهذا التقرير لايمكننا أن نتصور أن يرتفع العدل عن كاهل أي فرد وعن أي مجتمع .
فكيف نتصور أن يرتفع العدل عن كاهل خليفة من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله ؟!!

وبهذا نقطع بقوة أن إقامة العدل هي مسؤولية جميع الخلفاء .

وعليه لابد أن يكون رسول الله متطلعا إلى جميع خلفائه أن يقيموا العدل وأن يسيروا على نهجه وأن يتمموا مشروعه ويكملوا فصوله.

ولو ادعى أحد أن الرسول ص قد أوكل هذا الأمر إلى المهدي ع فقط فإننا نقول:
ياهذا إنك مشتبهٌ وواهمٌ إذ لا بديل للعدل إلا الظلم !!

ونحن نذهب إلى أبعد من مجرد أن يكون الرسول متأملا من الخلفاء أن يقيموا العدل !

فليس في الأمر خيارات متعددة للخليفة !
إنما هو تكليف بوجوب تحقيق العدل .

فجميع الخلفاء مأمورون ببسط العدل .
نحن نعلم أن النبي ص لم يترك قضية من القضايا إلا و رسم لها طريقا سويا يوصلها إلى شاطئ الأمان ...وبين أيدينا الحديث السابق الذي يسأل فيه السائل :

(
قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع).

إذا كان النبي ص مهتما بوظيفة الأفراد العاديين في مجتمعه ويشرح لهم كيف يتعاملون مع الخليفة الظالم !
هل يمكن لأحد أن يتصور أن يهمل النبي ص الخلفاء بعده ولا يكلفهم بوظائفهم الصحيحة وأدوارهم السليمة في إدارة المجتمع ؟!

مما تقدم نعلم أن مشروع العدل الذي بدأ بتنفيذه ووضع أسسه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كانت تحفُّه إرادة قوية وحقيقية لدى الرسول ص أن يكتمل إلى حد يملأ الدنيا وينتشر في بقاع الأرض .
ولأجل تحقيق هذا المشروع العظيم لابد أن يتواصل العمل في إنجازه بلا توقف !
فلا تنحصر مسؤولية إنجازه في شخص الرسول ص ولا في زمانه فقط.

وكذلك ألا يؤجلَ المشروع إلى آخر الزمان في حدود عمل المهدي .

إنما بمساهمة اثني عشر خليفة ,
يبدأ أول خليفة دوره بمجرد انتهاء دور الرسول مباشرة ... وهكذا يستمر حتى يأتي دور الثاني ... ثم الثالث... حتى يصل الأمر إلى الأخير وهو المهدي ع !

هذا هو المسار المعقول المنسجم مع غايات الدين التي صرح بها القرآن الكريم والنبي الأكرم ص !
من لم يسلِّم بهذه الحقيقة فإنه ينسب إلى الرسول الإهمال وسوء التخطيط وعدم المبالاة !

لكننا إذا أقررنا بهذه الحقيقة فسنكون قد احتفظنا لرسول الله صلى الله عليه وآله بما يليق بأناته وصدقه وإخلاصه في أداء الرسالة .

بعد ذلك يمكننا التوقف لنقرأ الأحداث بتدبر !

إن الخلفاء الأحد عشر مكلفون شرعا بالمشاركة في نهضة العدل !

لكن كل مافي الأمر:

أن النبي ص لم يبشر بانتشار العدل في كل الأرض على أيديهم !

لا لشيء إلا لأن النبي ص يعلم أن هناك من سيقطع الطريق على هؤلاء الخلفاء ويتسبب في تعطيل مشروع ( العدل ) !
فبمجرد أن يغيب الرسول المؤسس فلن تتاح الفرصة لخليفته الأول أن يقوم بدوره !

يعني أن الوسيلة التي ينهض عليها مشروع ( العدل ) وهي ( السلطة ) قد اغتصبت وأُخذت من أيديهم !!

فصار ( الخليفة ) بلا سلطة فكيف يقوم بدوره في مواصلة ( مشروع العدل ) ؟!

وهكذا استمر الحال مع جميع الخلفاء الـ ( 11 )!

فإذا أردنا أن نضع بداية زمنية لتعطيل المشروع فإنها بلا شك ستكون بداية الفترة التي تعطل فيها دور الخليفة الأول .

وكما قلت قبل قليل أنه لابديل للعدل إلا الظلم .

من هنا نقول أن [حركة الظلم ] بدأت تدبُّ على الأرض بعد رحيل رسول الله ص مباشرة !

وأخذت حركته في النمو والاستحكام والسيطرة لتصل إلى مستوى التوحش !!
حتى قـُتـِل من قـُتـِل من قائمة الـ ( 12 ) فمضى منهم ( 11 ) فلم يبق إلا ( واحد ) !
فهل يبقى هذا الواحد ظاهرا مكشوفا أمام إعصار الظلم وطوفان الجور ؟!
كيف يبقى ظاهرا والتجربة التي حصدت أحد عشر خليفة صارت بين يديه ؟


كيف يظهر وهو يعلم أن محاولات نشر العدل قد تعثرت مدة زمنية طويلة توازي عُمرَ أحد عشر خليفة أي ما يزيد على قرنين من الزمان وهو يرى أنه كلما اتسعت دائرة الظلم كانت دائرة العدل تضيق !!

حتى مسخ الظلم ُعقولَ البشر ولوَّثَ فطرتهم , فتلاشت حقيقة الدين من القلوب والعقول فصارالدين وسيلة للملك والتجارة والإرهاب .

والحصيلة التي صارت بين يدي الخليفة الـ (12) عبارة عن تعقيدات لا حصر لها يستحيل فيها انتصار العدل إلا بمعجزة إلهية .
لكن إرادة الله اقتضت إلا النصر بالأسباب الطبيعية ولو كانت المعجزة هي الأداة لكان ذلك من أول الأمر.

فقضت الضرورة أن يحتفظ ( العدل ) لنفسه بالرقم [الأخير] بعيدا عن عين الجور فكان القرار أن يستبدل الظهور بالخفاء .

هذا هو السبب الحقيقي والمنطقي لغياب الإمام المهدي عليه السلام في الأطروحة الشيعية وهي أسباب تتطابق تماما مع الواقع التاريخي .
وهذه الأسباب كفيلة أن تبرر وتسوِّغ هذا الغياب الطويل !

لكن ماذا لو حاكمنا هذا الغياب ـ أو التأجيل ـ في الأطروحة السنية ...؟!

ــ ــ ــ
ــ ــ
ــ




دراسة موضوع [ الغياب ـ أو التأجيل ـ ] في الأطروحة السنية ...
السنة لايقولون بـ ( الغياب ) لذا يكون السؤال عن ( التأجيل ).

لنرى هل ( التأجيل ) يخضع لمسوغات منطقية يقرها الشرع والعقل والتاريخ أم لا ؟!

نقدم هذاأولا :

ماذا أراد أن يخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما حدد عدد
( الخلفاء ) بـ (12 ) خليفة ؟!


بالتأكيد أن الرسول ص لم يحدد هذا العدد بناء على تحقق السلطة والرئاسة لهذا العدد فقط .

لأن الخلفاء الذين حكموا الدولة الإسلامية منذ رحيله صلى الله عليه وآله يتجاوز هذا العدد بكثير .
إذاً ... لابد أن يكون هذا التحديد قائما على أساس وجود عامل مشترك بين أفراد القائمة الـ (12) .

ولابد أن يكون هذا العامل المشترك ( مخصوصا ) لهم لا يمكن تعميمه إلى غيرهم ـ وإلا فسوف يزيد عددهم وعندها سيسقط العدد المذكور .

فماهو هذا الضابط المشترك ؟

ما ذا فهم السنة من الحديث : (يكون لهذه الأمة اثنا عشر خليفة ...)؟

عند تحليل الرأي السني في هذا الموضوع سينتهي إلى أنهم يفسرون ( الخليفة )
بمن وصل سدة الحكم وتسلم الخلافة واقعا .
لهذا فإنهم واقعون في متاهة قاتمة لا يستطيعون فيها الخروج بقائمة محددة لهؤلاء الـ ( 12 ) !
لأنهم حينما ينظرون إلى عدد الخلفاء عبر التاريخ يجدون عددا يتجاوز الـ ( 12 ) بكثير !
وكلما حاولوا أن يضعوا ضابطة من الضوابط فإن العدد لايتحقق !

ومن يتأمل المسألة يجد أن الأمر لايخلو من إعجاز نبوي ٍّ !!!
لن نفحص الموضوع ونكتفي بتفسيرهم أن ( الخليفة ) هو من استلم زمام الخلافة عمليا
فيكون جميع الخلفاء الـ ( 11 ) قد استلموا زمام السلطة

وفي ظلال هذا الواقع ...

نوجِّه التساؤلات التالية :

التساؤل الأول :
ـ
هل تحقق ( مشروع العدل ) على أيدي هؤلاء الخلفاء ؟

وتعليقا على الأسئلة :

لا يستطيع أحد أن يدعي ( تحقق العدل ) على أيدي هؤلاء الخلفاء ـ كيف وطوال فترة هؤلاء الخلفاء كانت الدماء تسفك والفساد ينتشر . ا

بل لو ادعى أحد أن العدل قد تحقق على أيديهم فإنه بذلك يناقض إخبار النبي ص فهو لم يبِّشر بانتشار العدل في زمانهم !

بل أخبرنا صلى الله عليه وآله أن هذه الفترة الممتدة بينه وبين ظهور الخليفة الأخير هي فترة امتلاء الأرض ظلما وجورا .
وإذا لم ينتشر الظلم على أيدي الحكام والأمراء والملوك فعلى يد من سينتشر ؟!

وينبثق عنه :

ـ لماذا لم يتحقق (مشروع العدل) عبر مسيرة ( 11 ) خليفة كانت ( السلطة ) في أيديهم ؟!

لا أستبعد أن يقفز علينا من يقول إن هؤلاء الخلفاء لم تكن مسؤوليتهم إقامة العدل !

فنقول له شكرا لك على هذه الخدمة المجانية في الاعتراف بأن وظيفتهم كانت :
( نشر الظلم ) ويكون إخبار الرسول ص قد تحقق :

(
يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) .

والخلاصة :

1ـ إن إدعاء انتشار العدل في زمان الخلفاء الحاكمين هو قول باطل / يناقضه الواقع التاريخي / والإخبار النبوي .
2ـ إن نفي مسؤولية نشر العدل عن كاهل هؤلاء الخلفاء هو اعتراف ضمني بأنهم كانوا الواسطة في انتشار الظلم وهو ما يصدقه الواقع التاريخي / والإخبار النبوي .


التساؤل الثاني :

ـ لماذا تقرر إناطة [ العدل ] بشخص المهدي ؟

مبعث السؤال /
أننا نفترض بأن الرسول في أحاديثه التي تنص على ( 12 ) والأخرى التي تمدح الخلفاء من بعده كان يشير بذلك إلى هؤلاء الخلفاء الذين حكموا الأمة بعد رحيله .

وإذا كان الرسول ص يعلم بأنهم سيمسكون بزمام الخلافة من بعده !

فلماذا لم يوكل ( مشروع العدل ) إليهم فيرسم لهم طريق التنفيذ والتطبيق فلا تكون هناك حاجة حقيقية لحصر المسؤولية بـ الخليفة ( الأخير ) ويرتفع التشاؤم من انتشار الظلم والجور ؟

إذ ْ:
كيف يغض النبي ص الطرف عن (11) خليفة كلهم سيتربعون على عرش الخلافة ثم يركز نظره على ( واحد ) فقط وهو ( آخرهم ) ـــ أليس في هذا تعمد في تأجيل ( العدل ) ؟!


التساؤل الثالث :

إذا كان ( المهدي ) ينتسب للقائمة التي حكمت واستلمت زمام الخلافة وهو المكمِّل لعددهم !

لماذا تقرر [تأجيل دوره] ؟

مبعث السؤال قائم على نفس الفرضية في التساؤل السابق وهي أننا نفترض أن الممدوحين في أحاديثه صلى الله عليه وآله هم هؤلاء الخلفاء الذين حكموا الأمة بعد رحيله .

وهذا يوجب أن تنتقل الخلافة من الخليفة الـ ( 11 ) انتقالا سلسا فاعلا إلى الخليفة الـ ( 12) فالظرف هو ظرف للاستمرار في الإصلاح ومواصلة في إكمال ما سبق وليس ظرفا للتوقف والتأجيل !

أليس في ذلك تعمد في تأجيل العدل ؟!

لا أستبعد بعد أن يقرأ أحدهم هذا الموضوع فيخرج علينا فيقول :

إن المهدي لا ينتمي لأي قائمة من القائمتين المذكورتين .

فنقول له :

إن الانتماء أو عدم الانتماء هو أمر يتصل بالرسالة التي تعمل لها قائمة الـ (12) !
ونحن نعلم أن رسالة ( المهدي ) تقوم على إحياء العدل .

فإن سلـَّمنا بانفصاله عن أي قائمة / فقد أقررنا بأن القائمة تعمل بخلاف وظيفته ومنهجه .

ومن المؤكد عند الجميع أن المهدي سيعمل بالعــــدل .

فهل اقتنعتم الآن أن من سبقه كان يعمل بالظلــــم ؟!
ويكون التبشير بانتشار بالعدل على يدي الإمام المهدي عليه السلام لم يكن هو الخيار الأمثل

إنما كان ضرورة اقتضتها الخلافة المغتصبة التي أقصت الخلفاء الشرعيين عن خط الخلافة فتوقف مشروع العدل منذ إقصاء أول خليفة ...
... وحل الظلم محله ...
فصرنا محكومين بانتظار يوم الخلاص مما أحدثته الخلافة المغتصبة ....

ولن يكون ذلك إلا عبر الامتداد الحقيقي للخلافة الشرعية ....

وهو المنتظر الموعود الإمام المهدي ابن الأئمة الهــــــــــــداة !!!

فصلوات الله وسلامه عليه ما طلعت شمس وحان غروبها...!

* * * * *
* * *
* *
*
أنا في انتظارك طال أو قصر المدى ** لا البُـعــدُ يؤيسني ولا جورُ العدى *
ما يومُـك الموعـــودُ إلا نسمــــــــةٌ ** روحيَّـــةٌ نـُطــفي بـها لهب الصدى


دمتم بسـلام

مسهّر



____________________

من أبيات الشيخ الفضلي حفظه الله