السيد ابن طاووس: شهر محرّم والتنبيه على ما جرى فيه على النبيّ وآله (ص)

مستل من كتاب (إقبال الأعمال)
للسيّد علي بن موسى بن جعفر الحلّي الشهير بـ السيّد ابن طاووس أعلى الله تعالى مقامه الشريف (ط مكتب الإعلام الإسلامي، 1416هـ)، ج3، ص25-27.

"فيما نذكره مما يتعلق بشهر المحرم وما فيه من حال معظم وفيه فصول:
فصل (1) فيما نذكره من شرف محله والتنبيه على ما جرى فيه على النبي صلى الله عليه وآله
اعلم أن هذا شهر المحرم كان في الجاهلية من جملة الزمان المعظم يحرمون فيه الابتداء بالحروب والقتال، ويحترمونه ان يقع فيه ما يقع فيما دونه من سوء الأعمال والأقوال، وجاء الإسلام شاهداً لهذا الشهر بالتّعظيم، ودلّ فيه على العبادات الدّالة على ما يليق به من التّكريم.
فجرى فيه من انتهاك محارم الله جلّ جلاله والرسول الذي هداهم الله جل جلاله به إليه ودلهم عليه، من سفك دماء ذريته العزيزين عليه، ما لم يجر مثله في شيء من الأزمان، وبالغ آل حرب وبنو أمية في الاستقصاء على آل محمد صلوات الله عليه وآله وذهاب حرمة الاسلام والايمان. وما وجدت في تاريخ سالف ولا حديث كفر متضاعف ان قوما كانوا عاكفين على صورة حجر أو خشب يعبدونها بجهدهم ويطلبون من الحجر والخشب ما لا يقدر عليه من رفدهم ويخضعون لذلك الحجر والخشب، وقد افتضحوا عند الألباب وصاروا من أعجب العجاب، فحضر من دلهم على أن الحجر والخشب لا ينفع من عبده، ولا يدفع عمن قصده ولا يدري لمن حمده أو جحده، فلم يقبلوا من الناصح الشفيق، واجتهدوا في عداوته ومحاربته بكل طريق.
فاحتمل الناصح جهل المشفق عليه وتلافي عداوته بالاحسان إليه، حتى أدى الأمر إلى قهر هذا الضال الهالك، وجذبه بغير اختياره إلى صواب المسالك. فلما وقفه الناصح على صحيح المحجة، وعرفه ما كان يجهله من الحجة، وأغناه بعد الفقر وجبره بعد الكسر، واعزه بعد الذلة، وكثره بعد القلة، وأوطأه رقاب ملوك البلاد، واراه أبواب الظفر بسعادة الدنيا والمعاد، قام ذاك الضال عن الصواب الذي كان مفتضحا بعبادة الأحجار والأخشاب ومشابها للدواب، إلى ذرية مولاه، الذي هداه وأحياه وأعتقه من رق الجهالة وأطلقه من أسر الضلالة وبلغ به من السعادة ما لم يكن في حسابه. فنازع هذا الناصح الشفيق، الرفيق في ولده وفي ملكه ورياسته وأسبابه، وجذب عليهم سيفا كان للناصح في يديه وأطلق لسانه في ذرية ولاة المحسن إليه، وسعى في التقدم واخذ ملكهم من أيديهم، وسفك دمائهم، وسبى ذريتهم ونسائهم.
أما ترون هذا قبيحا في العقول السليمة وفضيعا في الآراء المستقيمة، ويحكمون على فاعله بأنه قد عاد على نحو ضلالة السالف، وأوقع نفسه في المتالف وإلى الغدر والخيانة وسقوط المروة والأمانة. أفما كذا جرى لصاحب النبوة والوصية وولده مع من نازعهم في حقوق نبوته ورياسته وهدايته، فكيف صار الرعايا ملوكا لولد من حكمهم في ملكه وساعين في استبعاد ولده أو هلكه أو إراقة دمه وسفكه. تالله ان الألباب من هذا لنافرة غاية النفور، وشاهدة ان فاعله غير معذور. أفترضون ان يصنع عبيدكم وغلمانكم واتباعكم مع ذريتكم أو أقرب قرابتكم، ما صنع عبيد محمد وغلمانه واتباعه مع ذريته.
كيف اشتبه هذا الحال عليكم مع ظهور حجته، لقد بلينا معشر فروع النبوة والرسالة بمنازعة أهل الضلالة والجهالة، وعقولهم شاهدة لنا بقيام الحجة عليهم وقلوبهم، عارفة بأننا أصحاب الاحسان إليهم، وكان يكفيهم ان يتذكروا ما ذكرناه، من أنهم كانوا عاكفين عبادة الأحجار والأخشاب ومفارقين لأولي الأبصار والألباب، والمشابهين للأنعام والدواب، وأموات المعنى احياء الصورة، ومصائبهم عظيمة كبيرة فأحيينا بنبوتنا وهدايتنا منهم أرواحا ميتة بالغفلات، وجمعنا بينهم وبين عقول تائهة في مسافات الجهالات، وانطقنا منهم ألسنا خرسة بقيود الهدر، وانتجينا منهم خواطر كانت عقيمة بالحصا ومساوية للتراب والمدر، وأخرجناهم من مطامير الضلالة، وهديناهم إلى مالك الجلالة، وسقناهم بعصا الأعذار والانذار، وسقيناهم بكأس المبار والمسار، حتى خلصناهم من عار الاغترار واخطار عذاب النار، وأذعنت لنا ألبابهم اننا ملوكها، وان بنا استقام سبيلها وسلوكها. فصاروا بعد هذا الرق الذي حكم لنا عليهم بالعبودية، منازعين لنا في شرف العنايات الإلهية والمقامات النبوية، إن كان القوم قد جحدوا وعاندوا فليردوا علينا ما دعوناهم إليه ودللناهم عليه ، فليرجعوا إلى أصنامهم وقصور أحلامهم وفتور أفهامهم ، فان الأحجار والأخشاب موجودة، وهي اربابهم التي كانت نواصيهم بها معقودة.
وتا لله لو كانوا قد أجابوا داعي نبوتنا في ابتدائه بغير قهر ولا هوان، لكان لهم بعض الفضل في فوائد الاسلام والإيمان، ولكنهم أضاعوا كل حق كان يمكن ان يملكوه أو سبق كان يتهيأ لهم ان يدركوه، بأنهم ما أجابونا إلى نجاتهم من ضلالهم وخلاصهم من وبالهم إلّا بالقهر الذي أعراهم من الفضيلة بالكلية، وجعلها بأجمعها حقا للدعوة المحمدية والصفوة العلوية".ا.هـ


اللهمّ العن من أسّس أساس الظلم والجور عليكم يا آل بيت رسول الله ،،،
اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ
وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ
وَعَلى أصْحابِ الْحُسَيْنِ
جميعاً ورحمة الله وبركاته
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد والعن أعداءهم ،،،