بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خيرته من خلقه محمدٍ وآله الطاهرين...
تمهيد:
حصلتُ على نسخة من كتاب "أصول مذهب الشيعة الإمامية" بقلم الدكتور "ناصر القفاري" من موقع "فيصل نور" وهو عبارة عن رسالة الدكتوراه، وتقع في أكثر من 1.500 صفحة في 3 أجزاء...
وذكر الدكتور في المقدمة سبعة أسباب دعته لاختياره الشيعة الإمامية بالذات، منها:
أولاً: أن هذه الطائفة بمصادرها في التلقي وكتبها، وتراثها تمثل نحلة كبرى....
ثانياً: اهتمام هذه الطائفة بنشر مذهبها والدعوة إليه، وعندها دعاة متفرغون ومنظمون، ولها في كل مكان (غالباً) خلية ونشاط، وتوجه جل اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل السنة، ولا أظن أن طائفة من طائف البدع تبلغ شأو هذه الطائفة في العمل لنشر معتقدها والاهتمام بذلك.. هي اليوم تسعى جاهدة لنشر "مذهبها" في العالم الإسلامي، وتصدير ثروتها، وإقامة دولتها الكبرى بمختلف الوسائل... وقد تشيع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الاثني عشرية الكثيرُ من شباب المسلمين.. ومن يطالع كتاب "عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد" يهوله الأمر، حيث يجد قبائل بأكملها قد تشيعت....
منهج الرسالة ومصادرها:
قال الدكتور: ولقد كتب أسلافنا عن الاثني عشرية، وهي التي يسمونها بالرافضة، وكان لمصنفاتهم أثرها، كما في كتابات أبي نعيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، المقدسي، والفيروزآبادي، وما في كتب الفرق والعقيدة، ولكن تلك الكتابات كانت قبل شيوع كتب الشيعة وانتشارها، وجملة منها يحمل صفة الرد على بعض مؤلفات الشيعة، ولا تدرس الطائفة بعقائدها وأفكارها بشكل شامل....
قال: كما أن أهم كتاب عند الشيعة وهو "أصول الكافي" لا تجد له ذكراً عند الأشعري، أو ابن حزام، أو ابن تيمية، وهو اليوم الأصل الأول المعتمد عند الطائفة في حديثها عن الأئمة الذي هو أساس مذهبها...
قال: أما عن المنهج الذي حكم أسلوب معالجتي للموضوع، والجديد الذي يحتمل إضافته، فإن أبواب هذا البحث خير من يتحدث عنه، وإذا كان لابد من إشارات في هذا التقديم فأقول:
قد عمدتُ في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها ألا أنظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن أتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى لا يتوجه البحث وجهة أخرى. وحاولت -جهد الطاقة- أن أكون موضوعياً، ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقدية كموضعي هذا.
والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، أن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم -ما أمكن-....
قال: رحلت في البحث عن الكتاب الشيعي إلى مصر، والعراق، والبحرين، والكويت، وباكستان، وحصلت من خلال ذلك على مصادر مهمة أفدت منها في أبواب هذا البحث وفصوله.
ثم قال: مصادر الرسالة: وقد اعتمدت في دراستي عنهم على مصادرهم المعتبرة من كتب التفسير والحديث، والرجال، والعقائد، والفرق، والفقه، والأصول.
وذكر جملة من كتب الشيعة ومما قاله: وأكثر ما رجعت إليه من هذه المصدر الثمانية كتابان هما: "أصول الكافي"، و"بحار الأنوار"؛ وذلك لأنهما أكثر اهتماماً بمسائل الاعتقاد، ولأن الشيعة تعلق عليهما أهمية بالغة.
ثم قال: والخلاصة: أنني لم أعمد إلا إلى كتبهم المعتمدة عندهم، في النقل والاقتباس لتصوير المذهب. ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلا ما استفاضت أخبارهم به، وأقره شيوخهم. وقد تكون الروايات من الكثرة فأشير إلى ذلك بذكر عدد الروايات وعناوين الأبواب في المسائل التي أتحدث عنها. وأذكر ما أجد لهم من تصحيحات وحكم على الروايات بمقتضى مقاييسهم. كل ذلك حتى لا يقال بأننا نتجه إلى بعض رواياتهم الشاذة، وأخبارهم الضعيفة التي لا تعبر عن حقيقة المذهب، فنأخذ بها.
واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية، وضرورة الدقة في النقل والعزو، وهذا ما يفرضه المنهج العلمي في نقل كلام الخصوم.
التعليق:
قرأتُ مقدمة الدكتور القفاري التي نقلت منها بعض المقاطع، وهو يريد أن يعطي القارئ الاطمئنان التام بأمانته العلمية، وأنه سوف يعطي صورة حقيقة عن معتقدات الشيعة الإمامية، التي نطقت بها أهم كتبهم!!!
ولكنه وياللأسف لم يف بما وعد، وإنني لأقسم بالله العظيم أنه لو التزم بما تعهد به لما ألّف كتابه أصلاً، وقد تبين لي أنه لمن المستحيل أن يكتب أحد المتعصبين على الشيعة عن عقائدهم دون أن يستخدم الكذب والبتر والتدليس...
وسوف أتناول في هذا الموضوع بعض الفصول المتعلقة بالتوحيد وتحديداً فرية "التجسيم" التي ألصقها بالشيعة الإمامية رضوان الله عليهم، وسأكتب مواضيع نقدية أخرى إن شاء الله تعالى على فصولٍ أخرى من كتابه في حلقات حتى أبين أكاذيبه وتدليساته وبتره للنصوص، وبالله التوفيق...
قال الدكتور القفاري:
الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته
للشيعة في هذا الفصل أربع ضلالات:
الضلالة الأولى: ضلالة الغلو في الإثبات (وما يسمى بالتجسيم).
قال: اشتهرت ضلالة التّجسيم بين اليهود، أوّل من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الرّوافض، ولهذا قال الرّازي: "اليهود أكثرهم مشبّهة، وكان بدء ظهور التّشبيه في الإسلام من الرّوافض مثل هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول" [اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين: ص97.].
وكل هؤلاء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الاثنا عشرية في الطليعة من شيوخها، والثقات من نقلة مذهبها.
وقد حدد شيخ الإسلام ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلاء فقال: "وأول من عرف في الإسلام أنه قال: إن الله جسم هو هشام بن الحكم" [منهاج السنة: 1/20.].
وقبل ذلك يذكر الأشعري في مقالات الإسلاميين أنّ أوائل الشّيعة كانوا مُجسّمة، ثم بيّن مذاهبهم في التّجسيم، ونقل بعض أقوالهم في ذلك، إلا أنّه يقول بأنّه قد عدل عنه قوم من متأخّريهم إلى التّعطيل [انظر: مقالات الإسلاميّين: 1/ 106-109].
وهذا يدل على أن اتجاه الاثني عشرية إلى التعطيل قد وقع في فترة مبكرة، وسيأتي ما قيل في تحديد ذلك [في المبحث الثاني.].
وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين.
يقول عبد القاهر البغدادي: "زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه.." [الفرق بين الفرق: ص65.].
ويقول: إن هشام بن سالم الجواليقي مفرط في التجسيم والتشبيه لأنه زعم أن معبوده على صورة الإنسان.. وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان [الفرق بين الفرق: ص68-69.]، وكذلك ذكر أن يونس بن عبد الرحمن القمي مفرط أيضًا في باب التشبيه، وساق بعض أقواله في ذلك [الفرق بين الفرق: ص70.].
وقال ابن حزم: "قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه" [الفصل: 5/40.].
وقد نقل الإسفراييني مقالة هشام بن الحكم، وهشام الجواليقي وأتباعهما في التجسيم، ثم قال: "والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ" [التبصير في الدين/ 24.].
وقد استفاض عن هشام بن الحكم ومن تبعه أمر الغلو في التجسيم في كتب الفرق وغيرها. وتحدثت عن ذلك أيضًا بعض كتب المعتزلة والزيدية. وممن نقل ذلك عن الروافض من المعتزلة الجاحظ حيث قال: وتكلمت هذه الرافضة وجعلت له صورة وجسدًا، وكفرت من قال بالرؤية على غير التجسيم والتصوير، وكذلك ابن الخياط [الانتصار: ص14.]، والقاضي عبد الجبار [تثبيت دلائل النبوة: 1/225.].
ومن الزيدية ابن المرتضى اليماني حيث قال بأن جل الروافض على التجسيم إلا من اختلف منهم بالمعتزلة [المنية والأمل ص19، وانظر: نشوان الحميري/ الحور العين ص148-149.].
إذًا تشبيه الله سبحانه بخلقه كان في اليهود، وتسرّب إلى التّشيّع، لأنّ التّشيّع كان مأوى لكلّ من أراد الكيد للإسلام وأهله، وأول من تولى كبره هشام بن الحكم.
ولكن شيوخ الاثني عشرية يدافعون عن هؤلاء الضلال الذين استفاض خبر فتنتهم، واستطار شرهم ويتكلفون تأويل كل بائقة منسوبة إليهم أو تكذيبها.
حتى قال المجلسي: "ولعل المخالفين نسبوا إليهما [يعني هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي.] هذين القولين [يشير إلى ما نسب إليهما من القول بالجسم، والقول بالصورة.] معاندة" [بحار الأنوار: 3/288.].
وأقول: أما إنكار بعض الشيعة لذلك فقد عهد منهم التكذيب بالحقائق الواضحات، والتصديق بالأكاذيب البينات.
وأما دفاعهم عن هؤلاء الضلال فالشيء من معدنه لا يستغرب، فهم يدافعون عن أصحابهم، وقد تخصص طغام منهم للدفاع عن شذاذ الآفاق، ومن استفاض شره، وتناقل الناس أخبار مروقه وضلاله، في حين أنهم يتناولون من أثنى الله عليهم ورسوله بالذم والتفكي.
وقد يقال: إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فلا يكون حجة عليهم.
ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلال قد استفاضت من أصحاب المقالات على اختلاف اتجاهاتهم، وهم أصدق من الرافضة مقالاً، وأوثق نقلاً، وهي تثبت أن الرافضة هم الأصل في إدخال هذه البدعة على المسلمين. لكن القول بأن نسبة التجسيم إليهم قد جاءت من الخصوم، ولا شاهد عليها من كتب الشيعة قد يتوهمه من يقرأ إنكار المنكرين لذلك من الشيعة، وإلا فالواقع خلاف ذلك.
إذ قد جاء في رواياتهم في كتبهم المعتمدة ما يدل على أن متكلمي الشيعة كهشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمي وأمثالهم لم يكتفوا بمجرد إثبات الصفات كما دل عليه القرآن والسنة، بل تجاوزوا ذلك حتى ابتدعوا الغلو في الإثبات والتجسيم.
جاء في أصول الكافي للكليني، وفي التوحيد لابن بابويه وغيرهما ما يدل على أن الشيعة في سنة (255ه) قد تاهوا في بيداء مظلمة، إذ قد غرقوا في خلافهم في التجسيم؛ فمن قائل: إنه صورة، ومن قائل: إنه جسم، وقد صوروا هذا الواقع لإمامهم فحكم عليهم بأنهم بمعزل عن التوحيد، تقول الرواية كما يرويها صدوقهم القمي عن سهل قال: كتبت إلى أبي محمد سنة (255ه) قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد؛ منهم من يقول: هو جسم، ومنهم من يقول: هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولاً على عبدك؟
فوقع بخطه: سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول، الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام ويصور ما يشاء وليس بمصوَّر، جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، وتعالى أن يكون له شبيه هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقد كان لهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي بالذات دور ظاهر في اتجاه التجسيم عند الشيعة كما تذكر ذلك مجموعة من رواياتهم.
جاء في أصول الكافي وغيره.. عن محمد بن الفرج الرّخجي قال: "كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة، فكتب: دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان" [أصول الكافي: 1/105، وانظر هذه الرواية في التوحيد لصدوقهم ابن بابويه ص97، وفي "أمالي الصدوق": ص228، وبحار الأنوار: 3/288، والحر العاملي/ الفصول المهمة ص15.].
وكان الأئمة يتبرؤون منهما ومن قولهما، وحينما جاء بعض الشيعة إلى إمامهم وقال له: "إني أقول بقول هشام" قال إمامهم (أبو الحسن علي بن محمد): "ما لكم ولقول هشام؟ إنه ليس منا من زعم أن الله جسم، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة" [ابن بابويه/ التوحيد: ص104، بحار الأنوار: 3/291.].
وتفصح بعض رواياتهم عما قالوه في الرب جل شأنه وتقدست أسماؤه، فهذا أحد رجالهم ينقل لأبي عبد الله – كما تقول الرواية – ما عليه طائفة من الشيعة من التجسيم فيقول: "إن بعض أصحابنا يزعم أن الله صورة مثل الإنسان، وقال آخر: إنه في صورة أمرد جعد قطط! فخرّ أبو عبد الله عليه السلام ساجدًا ثم رفع رأسه فقال: سبحان الذي ليس كمثله شيء ولا تدركه الأبصار ولا يحيط به علم.." [ابن بابويه/ التوحيد ص103-104، بحار الأنوار: 3/304.].
وروى ابن بابويه عن إبراهيم بن محمد الخراز ومحمد بن الحسين قالا: "دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمدًا رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة، رجلاه في خضره وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد، فخر ساجدًا ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك.." [ابن بابويه/ التوحيد ص113-114، بحار الأنوار: 4/40، أصول الكافي: 1/101.].
فأنت ترى أن كبار متكلميهم قد غلوا في الإثبات، حتى شبهوا الله جل شأنه بخلقه وهو كفر بالله سبحانه؛ لأنه تكذيب لقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى، آية:11.] وعطلوا صفاته اللائقة به سبحانه فوصفوه بغير ما وصف به نفسه، وإمامهم كان ينكر عليهم هذا المنهج الضال، ويأمر بالالتزام في وصف الله، بما وصف به نفسه. ورواياتهم في هذا الباب كثيرة.
فهذا الاتجاه إلى الغلو في الإثبات، قد طرأ على الإثبات الحق الذي عليه علماء أهل البيت، وأصبح المذهب يتنازعه اتجاهان: اتجاه التجسيم الذي تزعمه هشام، واتجاه التنزيه الذي عليه أهل البيت كما تشير إليه روايات الشيعة نفسها، وكما هو "ثابت مستفيض في كتب أهل العلم" [منهاج السنة: 20/144.].
انتهى كلام الدكتور
التعليق:
ولنا على كلام الدكتور القفاري ست ملاحظات نذكرها فيما يلي:
الملاحظة الأولى: اعتماد الدكتور على أقوال خصوم الشيعة الإمامية:
لقد قال الدكتور في المقدمة كما نقلت عنه: والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، أن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم -ما أمكن-....
وقال ايضا: والخلاصة: أنني لم أعمد إلا إلى كتبهم المعتمدة عندهم، في النقل والاقتباس لتصوير المذهب. ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلا ما استفاضت أخبارهم به، وأقره شيوخهم.
لكنه عندما نسب عقيدة التجسيم إلى الشيعة الإمامية، لم ينقل نصا واحدا عن كتبهم المعتبرة أو حتى غير المعتبرة، بل إنه اعتمد على كتب خصومهم، فنقل عن الرازي، وابن تيمية، وابن حزم، والأشعري، والإسفراييني، والبغدادي، والجاحظ، وغيرهم، وكل هؤلاء من خصوم الشيعة، ولستُ أدري كيف أصبحوا هم المصدر المعتمد لتصوير عقائد الشيعة؟؟؟
ثم إنه حاول أن يبرر فعلته الشنيعة هذه بعذرٍ هو أقبح من ذنب، فقال: وقد يقال: إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فلا يكون حجة عليهم. ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلال قد استفاضت من أصحاب المقالات على اختلاف اتجاهاتهم، وهم أصدق من الرافضة مقالاً، وأوثق نقلاً، وهي تثبت أن الرافضة هم الأصل في إدخال هذه البدعة على المسلمين!!!
فإذا كنت – أيها الدكتور – ترى أن خصوم الشيعة أصدق من الشيعة أنفسهم، فلماذا أخذت على نفسك في مقدمة كتابك أن لا تنقل إلا عن مصادرهم المعتمدة؟؟؟
ولماذا اعتبرت هذا من الأمانة العلمية والموضوعية الصادقة؟؟؟
وهل أصبحت الشيعة الإمامية ضحية لأكاذيب ابن تيمية وابن حزم؟؟؟
الملاحظة الثانية: لم ينقل الدكتور أي نص عن لسان من نسب إليهم القول بالتجسيم:
قال الدكتور في مقدمته: واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية، وضرورة الدقة في النقل والعزو، وهذا ما يفرضه المنهج العلمي في نقل كلام الخصوم.
انتهى
ولكنه لم يف بهذا الوعد ايضا، فهو لم ينقل لنا أي نص صدر عن لسان هشام بن الحكم أو عن لسان هشام بن سالم أو عن لسان مؤمن الطاق رضي الله عنهم أو غيرهم من الشيعة، وأساساً النصوص التي نقلها قالها رجال لم يعاصروا المذكورين أصلا...
وقد كان عليه أن يتثبت ويقرأ كلام من يريد أن يقذفهم جيدا، فلعلهم قالوا ذلك من قبيل الإلزام في مقام المجادلة، قال الشهرستاني:
وغلا هشام بن الحكم في حق علي رضي الله عنه حتى قال: إنه إله واجب الطاعة. وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في الأصول؛ لا يجوز أن يُغفل عن إلزاماته على المعتزلة؛ فإن الرجل وراء ما يلزم به على الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه... وذلك أنه ألزم العّلاف فقال: إنك تقول: الباري تعالى عالم بعلم، وعلمه ذاته؛ فيشارك المحدثات في أنه عالم بعلم، ويباينها في أن علمه ذاته؛ فيكون عالماً لا كالعالمين، فلمَ لا تقول: إنه جسم لا كالأجسام، وصورة لا كالصور، وله قدر لا كالأقدار... إلى غير ذلك??
الملل والنحل للشهرستاني ص 54 (الوراق)
والشهرستاني منحرف عن الشيعة عموما وعن هشام رضي الله عنه خصوصا، فهو قد نسب إليه فرية تأليه أميرالمؤمنين عليه السلام دون مستند، وقد صرح ابن حزم ايضا بأن كلام هشام قاله أثناء مناظرته مع العّلاف، قال ابن حزم: وقد قال هشام هذا في حين مناظرته لأبي الهذيل العلاف أن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه وهذا كفر صحيح.
الفصل في الملل والأهواء والنحل ص 520 (الوراق)
فعلى قول الشهرستاني يكون كلام هشام بن الحكم من باب الإلزام، ولا يجوز أن نأخذ ما يقوله المناظر كإلزام لخصمه على أنه عقيدته التي يؤمن بها!!! كما لا يجوز لنا أن نقول إن لله سبحانه وتعالى ولد بدليل قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}...
الملاحظة الثالثة: لو صحت نسبة القول بالتجسيم لمن سمّاهم فإن الشيعة لا تتحمل أقوالهم:
قال البخاري: حدثنا محمود، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، ح وحدثني نعيم، أخبرنا عبدالله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا ان يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد ان يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه له: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين.
صحيح البخارى ج 5 ص 107
فنسأل: هل يصح لأحد أن ينسب ما صنعه الصحابي خالد بن الوليد (وهو سيف الله المسلول كما يقول أهل السنة) إلى النبي صلى الله عليه وآله أو إلى الإسلام؟؟؟
الجواب: طبعا لا، لأن ذلك الفعل لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله، ولا بأمره، وإنما صدر عن صحابي يخطئ ويصيب، ويعصي ويطيع...
فنقول: لو صحت نسبة القول بالتجسيم – وهي لا تصح – إلى هشام بن الحكم أو غيره من الشيعة، فلا يجوز أن ينسب قولهم إلى الشيعة ككل، وإنما ينسب لمن صحت النسبة إليه فقط، تماما كما هو الحال فيما صنعه خالد...
والشيعة إنما يتّبعون أقوال المعصومين، ولا حجة في أقوال غيرهم كائنا من كان...
فإن قال قائل: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد تبرأ من صنع خالد، قلنا: وأئمتنا عليهم السلام قد تبرأوا من القول بالتجسيم، وستأتي جملة من الروايات...
ومن العجيب حقا أن يجعل الدكتور السؤال أو الشبهة التي يوجهها الشيعة إلى الإمام عليه السلام هي القاعدة والأساس، ويتجاهل رأي الإمام عليه السلام!!!
والرجوع للأئمة وسؤالهم في أصول الدين وفروعه أمر طبيعي للغاية، وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}...
فهل من الإنصاف تتبع الأسئلة والشبهات التي يطرحها عامة الناس، لجعلها عقيدة أساسية؟؟؟
الملاحظة الرابعة: بطلان نسبة القول بالتجسيم لهشام بن الحكم وهشام بن سالم وغيرهما:
لا يوجد دليل واحد صحيح على أن هشام بن الحكم وهشام بن سالم ومؤمن الطاق والميثمي وغيرهم من متكلمي الشيعة خصوصا أصحاب الأئمة عليهم السلام، كانوا يعتقدون بالتجسيم، قال العلامة المجلسي رحمه الله:
لا ريب في جلالة قدر الهشامين وبراءتهما عن هذين القولين، وقد بالغ السيد المرتضى قدس الله روحه في براءة ساحتهما عما نسب إليهما في كتاب الشافي، مستدلا عليها بدلائل شافية، ولعل المخالفين نسبوا إليهما هذين القولين معاندة كما - نسبوا المذاهب الشنيعة إلى زرارة وغيره من أكابر المحدثين، أو لعدم فهم كلامهما، فقد قيل : إنهما قالا بجسم لا كالاجسام، وبصورة لا كالصور، فلعل مرادهما بالجسم الحقيقة القائمة بالذات، وبالصورة الماهية، وإن أخطئا في إطلاق هذين اللفظين عليه تعالى.
بحار الأنوار ج 3 ص 288
وقد نقل الأشعري كلاما عن هشام بن الحكم، يوضح فيه المعنى الذي يقصده، قال الأشعري: وقال هشام بن الحكم: معنى الجسم أنه موجود، وكان يقول: إنما أريد بقولي جسم أنه موجود وأنه شيء وأنه قائم بنفسه.
مقالات الإسلاميين ص 75 (الوراق)
ولا تنس كلام الشهرستاني الذي مر عليك آنفا...
الملاحظة الخامسة: رمتني بدائها وانسلت، الدكتور هو من يعتقد بالتجسيم:
إذا كان الدكتور القفاري يرى لنفسه الحق في إلصاق عقيدة لطائفة كاملة بسبب وجود أفراد لا يشكلون حتى 1 في المائة مليون مليون، مع ما قد عرفت من عدم ثبوت نسبة تلك العقيدة، فلنا نحن أن نستخدم نفس المكيال الذي استخدمه الدكتور فنقول:
إن أهل السنة (كلهم) يعتقدون أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (والعياذ بالله) قد رأى الله سبحانه وتعالى على صورة شاب أمرد عليه نعلان من ذهب!!!
وايضا يفسرون قول الله تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ} بأن الله سبحانه وتعالى عما يقولون قد أخرج طرف خنصره فساخ الجبل!!!
ومستندنا في ذلك هي الكلمات الموجودة في مصادرهم المعتبرة، منها:
أولا: عقائد حماد بن سلمة:
الذي قال عنه الذهبي: الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو سلمة البصري، النحوي، البزاز، الخرقي، البطائني، مولى آل ربيعة بن مالك، وابن أخت حميد الطويل.
وقال علي بن المديني: هو عندي حجة في رجال، وهو أعلم الناس بثابت البناني، وعمار بن أبي عمار، ومن تكلم في حماد فاتهموه [في الدين].
قال الذهبي: قلت: كان بحرا من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى، وهو صدوق حجة، إن شاء الله، وليس هو في الإتقان كحماد بن زيد، وتحايد البخاري إخراج حديثه، إلا حديثا خرجه في الرقاق...
وقال محمد بن مطهر: سألت أحمد بن حنبل، فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة.
قال شيخ الإسلام في: "الفاروق" له: قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدا على المبتدعة.
سير أعلام النبلاء ج 7 ص 444
ومن عقائد شيخ الإسلام حماد بن سلمة مايلي:
1 - قال الذهبي: حماد، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: فلما تجلى ربه للجبل.
قال: أخرج طرف خنصره، وضرب على إبهامه، فساخ الجبل.
فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا ؟
قال: فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس، ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا!
رواه جماعة عن حماد [وصححه الترمذي].
ميزان الاعتدال ج 1 ص 593
2 - قال الذهبي: إبراهيم بن أبى سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس - مرفوعا: رأيت ربى جعدا أمرد. عليه حلة خضراء. وقال ابن عدى: حدثنا عبدالله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الاسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن محمدا رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.
وحدثنا ابن أبى سفيان الموصلي، وابن شهريار، قالا: حدثنا محمد بن رزق الله ابن موسى، حدثنا الاسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت ربى.
وقال أبو بكر بن أبى داود: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير، حدثنا أبى، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت. قال المرودى: قلت لاحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة. فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة، عن عكرمة، في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جدا. العيشى، حدثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة - مرفوعا: أنزل القرآن على ثلاثة أحرف. ثم ساق ابن عدى لحماد جملة مما ينفرد به متنا أو إسنادا، ومنه ما يشاركه فيه غيره. وحماد إمام جليل، وهو مفتى أهل البصرة مع سعيد بن أبى عروبة.
ميزان الاعتدال ج 1 ص 593
ثانيا: عقائد نعيم بن حماد:
الذي قال عنه الذهبي: نعيم بن حماد بن معاوية ابن الحارث بن همام بن سلمة بن مالك ، الإمام العلامة الحافظ، أبو عبدالله الخزاعي المروزي الفرضي الاعور ، صاحب التصانيف ...
وقال أحمد: كان نعيم كاتبا لابي عصمة - يعني نوحا - وكان شديد الرد على الجهمية ، وأهل الاهواء ، ومنه تعلم نعيم .
يوسف بن عبدالله الخوارزمي: سألت أحمد بن حنبل عن نعيم بن حماد، فقال: لقد كان من الثقات.
سير أعلام النبلاء ج 10 ص 595
ومن عقائد العلامة الحافظ تعيم بن حماد:
قال الذهبي: نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل - أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شابا موقرا رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبدالرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله تعالى.
ميزان الاعتدال ج 4 ص 269
فعلى مقاييس الدكتور نقول: هذه هي عقيدة أهل السنة.
فإن قال الدكتور: قد أنكرها الذهبي والنسائي وابن عدي.
فنقول: وعقيدة التجسيم أنكرها أئمتنا المعصومون عليهم السلام، ومع ذلك لم تلتفت إلى إنكارهم عليهم السلام...
ثالثا: الأحاديث التي رواها ابن أبي عاصم وصححها الألباني:
1 - قال ابن أبي عاصم: (465) ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إبراهيم ابن طهمان، ثنا سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى تجلى لي في أحسن صورة فسألني فيما يختصم الملأ الأعلى ؟. قال: قلت: ربي ! لا أعلم به، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وحدت بردها بين ثديي أو وضعها بين ثديي حتى وجدت بردها بين كتفي فما سألني عن شيء إلا علمته ".
قال الألباني: إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سماك بن حرب فهو من رجال مسلم وحده، وفيه كلام كما تقدم بيانه قبل حديث. والحديث له شاهد من حديث معاذ وغيره، وقد مضى تخريجه تحت رقم (388).
2 - قال ابن أبي عاصم: (466) ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن ليث، عن ابن سابط، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تراءى لي ربي في أحسن الصورة " ثم ذكر الحديث.
قال الألباني: حديث صحيح بما قبله وما بعده، ورجاله ثقات غير ليث وهو ابن أبي سليم وكان اختلط، وقد مضى برقم (389) بعض تمام هذا الحديث.
3 - قال ابن أبي عاصم: (467) حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم وصدقة قالا ثنا ابن جابر قال: مر بنا خالد بن اللجلاج فدعاه مكحول فقال له يا أبا ابراهيم حدثنا حديث عبدالرحمن بن عائش قال: سمعت عبدالرحمن بن عائش يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي في أحسن الصورة".
قال الألباني: حديث صحيح، وهو الطرف الأول للحديث المتقدم بهذا الإسناد (288) إلا أنه لم يذكر فيه هناك الوليد بن مسلم. وتقدم تخريجه هناك مع بيان أن عبدالرحمن بن عائش لم تثبت له حجته.
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خيرته من خلقه محمدٍ وآله الطاهرين...
تمهيد:
حصلتُ على نسخة من كتاب "أصول مذهب الشيعة الإمامية" بقلم الدكتور "ناصر القفاري" من موقع "فيصل نور" وهو عبارة عن رسالة الدكتوراه، وتقع في أكثر من 1.500 صفحة في 3 أجزاء...
وذكر الدكتور في المقدمة سبعة أسباب دعته لاختياره الشيعة الإمامية بالذات، منها:
أولاً: أن هذه الطائفة بمصادرها في التلقي وكتبها، وتراثها تمثل نحلة كبرى....
ثانياً: اهتمام هذه الطائفة بنشر مذهبها والدعوة إليه، وعندها دعاة متفرغون ومنظمون، ولها في كل مكان (غالباً) خلية ونشاط، وتوجه جل اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل السنة، ولا أظن أن طائفة من طائف البدع تبلغ شأو هذه الطائفة في العمل لنشر معتقدها والاهتمام بذلك.. هي اليوم تسعى جاهدة لنشر "مذهبها" في العالم الإسلامي، وتصدير ثروتها، وإقامة دولتها الكبرى بمختلف الوسائل... وقد تشيع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الاثني عشرية الكثيرُ من شباب المسلمين.. ومن يطالع كتاب "عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد" يهوله الأمر، حيث يجد قبائل بأكملها قد تشيعت....
منهج الرسالة ومصادرها:
قال الدكتور: ولقد كتب أسلافنا عن الاثني عشرية، وهي التي يسمونها بالرافضة، وكان لمصنفاتهم أثرها، كما في كتابات أبي نعيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، المقدسي، والفيروزآبادي، وما في كتب الفرق والعقيدة، ولكن تلك الكتابات كانت قبل شيوع كتب الشيعة وانتشارها، وجملة منها يحمل صفة الرد على بعض مؤلفات الشيعة، ولا تدرس الطائفة بعقائدها وأفكارها بشكل شامل....
قال: كما أن أهم كتاب عند الشيعة وهو "أصول الكافي" لا تجد له ذكراً عند الأشعري، أو ابن حزام، أو ابن تيمية، وهو اليوم الأصل الأول المعتمد عند الطائفة في حديثها عن الأئمة الذي هو أساس مذهبها...
قال: أما عن المنهج الذي حكم أسلوب معالجتي للموضوع، والجديد الذي يحتمل إضافته، فإن أبواب هذا البحث خير من يتحدث عنه، وإذا كان لابد من إشارات في هذا التقديم فأقول:
قد عمدتُ في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها ألا أنظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن أتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى لا يتوجه البحث وجهة أخرى. وحاولت -جهد الطاقة- أن أكون موضوعياً، ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقدية كموضعي هذا.
والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، أن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم -ما أمكن-....
قال: رحلت في البحث عن الكتاب الشيعي إلى مصر، والعراق، والبحرين، والكويت، وباكستان، وحصلت من خلال ذلك على مصادر مهمة أفدت منها في أبواب هذا البحث وفصوله.
ثم قال: مصادر الرسالة: وقد اعتمدت في دراستي عنهم على مصادرهم المعتبرة من كتب التفسير والحديث، والرجال، والعقائد، والفرق، والفقه، والأصول.
وذكر جملة من كتب الشيعة ومما قاله: وأكثر ما رجعت إليه من هذه المصدر الثمانية كتابان هما: "أصول الكافي"، و"بحار الأنوار"؛ وذلك لأنهما أكثر اهتماماً بمسائل الاعتقاد، ولأن الشيعة تعلق عليهما أهمية بالغة.
ثم قال: والخلاصة: أنني لم أعمد إلا إلى كتبهم المعتمدة عندهم، في النقل والاقتباس لتصوير المذهب. ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلا ما استفاضت أخبارهم به، وأقره شيوخهم. وقد تكون الروايات من الكثرة فأشير إلى ذلك بذكر عدد الروايات وعناوين الأبواب في المسائل التي أتحدث عنها. وأذكر ما أجد لهم من تصحيحات وحكم على الروايات بمقتضى مقاييسهم. كل ذلك حتى لا يقال بأننا نتجه إلى بعض رواياتهم الشاذة، وأخبارهم الضعيفة التي لا تعبر عن حقيقة المذهب، فنأخذ بها.
واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية، وضرورة الدقة في النقل والعزو، وهذا ما يفرضه المنهج العلمي في نقل كلام الخصوم.
التعليق:
قرأتُ مقدمة الدكتور القفاري التي نقلت منها بعض المقاطع، وهو يريد أن يعطي القارئ الاطمئنان التام بأمانته العلمية، وأنه سوف يعطي صورة حقيقة عن معتقدات الشيعة الإمامية، التي نطقت بها أهم كتبهم!!!
ولكنه وياللأسف لم يف بما وعد، وإنني لأقسم بالله العظيم أنه لو التزم بما تعهد به لما ألّف كتابه أصلاً، وقد تبين لي أنه لمن المستحيل أن يكتب أحد المتعصبين على الشيعة عن عقائدهم دون أن يستخدم الكذب والبتر والتدليس...
وسوف أتناول في هذا الموضوع بعض الفصول المتعلقة بالتوحيد وتحديداً فرية "التجسيم" التي ألصقها بالشيعة الإمامية رضوان الله عليهم، وسأكتب مواضيع نقدية أخرى إن شاء الله تعالى على فصولٍ أخرى من كتابه في حلقات حتى أبين أكاذيبه وتدليساته وبتره للنصوص، وبالله التوفيق...
قال الدكتور القفاري:
الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته
للشيعة في هذا الفصل أربع ضلالات:
الضلالة الأولى: ضلالة الغلو في الإثبات (وما يسمى بالتجسيم).
قال: اشتهرت ضلالة التّجسيم بين اليهود، أوّل من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الرّوافض، ولهذا قال الرّازي: "اليهود أكثرهم مشبّهة، وكان بدء ظهور التّشبيه في الإسلام من الرّوافض مثل هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول" [اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين: ص97.].
وكل هؤلاء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الاثنا عشرية في الطليعة من شيوخها، والثقات من نقلة مذهبها.
وقد حدد شيخ الإسلام ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلاء فقال: "وأول من عرف في الإسلام أنه قال: إن الله جسم هو هشام بن الحكم" [منهاج السنة: 1/20.].
وقبل ذلك يذكر الأشعري في مقالات الإسلاميين أنّ أوائل الشّيعة كانوا مُجسّمة، ثم بيّن مذاهبهم في التّجسيم، ونقل بعض أقوالهم في ذلك، إلا أنّه يقول بأنّه قد عدل عنه قوم من متأخّريهم إلى التّعطيل [انظر: مقالات الإسلاميّين: 1/ 106-109].
وهذا يدل على أن اتجاه الاثني عشرية إلى التعطيل قد وقع في فترة مبكرة، وسيأتي ما قيل في تحديد ذلك [في المبحث الثاني.].
وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين.
يقول عبد القاهر البغدادي: "زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه.." [الفرق بين الفرق: ص65.].
ويقول: إن هشام بن سالم الجواليقي مفرط في التجسيم والتشبيه لأنه زعم أن معبوده على صورة الإنسان.. وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان [الفرق بين الفرق: ص68-69.]، وكذلك ذكر أن يونس بن عبد الرحمن القمي مفرط أيضًا في باب التشبيه، وساق بعض أقواله في ذلك [الفرق بين الفرق: ص70.].
وقال ابن حزم: "قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه" [الفصل: 5/40.].
وقد نقل الإسفراييني مقالة هشام بن الحكم، وهشام الجواليقي وأتباعهما في التجسيم، ثم قال: "والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ" [التبصير في الدين/ 24.].
وقد استفاض عن هشام بن الحكم ومن تبعه أمر الغلو في التجسيم في كتب الفرق وغيرها. وتحدثت عن ذلك أيضًا بعض كتب المعتزلة والزيدية. وممن نقل ذلك عن الروافض من المعتزلة الجاحظ حيث قال: وتكلمت هذه الرافضة وجعلت له صورة وجسدًا، وكفرت من قال بالرؤية على غير التجسيم والتصوير، وكذلك ابن الخياط [الانتصار: ص14.]، والقاضي عبد الجبار [تثبيت دلائل النبوة: 1/225.].
ومن الزيدية ابن المرتضى اليماني حيث قال بأن جل الروافض على التجسيم إلا من اختلف منهم بالمعتزلة [المنية والأمل ص19، وانظر: نشوان الحميري/ الحور العين ص148-149.].
إذًا تشبيه الله سبحانه بخلقه كان في اليهود، وتسرّب إلى التّشيّع، لأنّ التّشيّع كان مأوى لكلّ من أراد الكيد للإسلام وأهله، وأول من تولى كبره هشام بن الحكم.
ولكن شيوخ الاثني عشرية يدافعون عن هؤلاء الضلال الذين استفاض خبر فتنتهم، واستطار شرهم ويتكلفون تأويل كل بائقة منسوبة إليهم أو تكذيبها.
حتى قال المجلسي: "ولعل المخالفين نسبوا إليهما [يعني هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي.] هذين القولين [يشير إلى ما نسب إليهما من القول بالجسم، والقول بالصورة.] معاندة" [بحار الأنوار: 3/288.].
وأقول: أما إنكار بعض الشيعة لذلك فقد عهد منهم التكذيب بالحقائق الواضحات، والتصديق بالأكاذيب البينات.
وأما دفاعهم عن هؤلاء الضلال فالشيء من معدنه لا يستغرب، فهم يدافعون عن أصحابهم، وقد تخصص طغام منهم للدفاع عن شذاذ الآفاق، ومن استفاض شره، وتناقل الناس أخبار مروقه وضلاله، في حين أنهم يتناولون من أثنى الله عليهم ورسوله بالذم والتفكي.
وقد يقال: إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فلا يكون حجة عليهم.
ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلال قد استفاضت من أصحاب المقالات على اختلاف اتجاهاتهم، وهم أصدق من الرافضة مقالاً، وأوثق نقلاً، وهي تثبت أن الرافضة هم الأصل في إدخال هذه البدعة على المسلمين. لكن القول بأن نسبة التجسيم إليهم قد جاءت من الخصوم، ولا شاهد عليها من كتب الشيعة قد يتوهمه من يقرأ إنكار المنكرين لذلك من الشيعة، وإلا فالواقع خلاف ذلك.
إذ قد جاء في رواياتهم في كتبهم المعتمدة ما يدل على أن متكلمي الشيعة كهشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي ويونس بن عبد الرحمن القمي وأمثالهم لم يكتفوا بمجرد إثبات الصفات كما دل عليه القرآن والسنة، بل تجاوزوا ذلك حتى ابتدعوا الغلو في الإثبات والتجسيم.
جاء في أصول الكافي للكليني، وفي التوحيد لابن بابويه وغيرهما ما يدل على أن الشيعة في سنة (255ه) قد تاهوا في بيداء مظلمة، إذ قد غرقوا في خلافهم في التجسيم؛ فمن قائل: إنه صورة، ومن قائل: إنه جسم، وقد صوروا هذا الواقع لإمامهم فحكم عليهم بأنهم بمعزل عن التوحيد، تقول الرواية كما يرويها صدوقهم القمي عن سهل قال: كتبت إلى أبي محمد سنة (255ه) قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد؛ منهم من يقول: هو جسم، ومنهم من يقول: هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولاً على عبدك؟
فوقع بخطه: سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول، الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام ويصور ما يشاء وليس بمصوَّر، جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، وتعالى أن يكون له شبيه هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقد كان لهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي بالذات دور ظاهر في اتجاه التجسيم عند الشيعة كما تذكر ذلك مجموعة من رواياتهم.
جاء في أصول الكافي وغيره.. عن محمد بن الفرج الرّخجي قال: "كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة، فكتب: دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان" [أصول الكافي: 1/105، وانظر هذه الرواية في التوحيد لصدوقهم ابن بابويه ص97، وفي "أمالي الصدوق": ص228، وبحار الأنوار: 3/288، والحر العاملي/ الفصول المهمة ص15.].
وكان الأئمة يتبرؤون منهما ومن قولهما، وحينما جاء بعض الشيعة إلى إمامهم وقال له: "إني أقول بقول هشام" قال إمامهم (أبو الحسن علي بن محمد): "ما لكم ولقول هشام؟ إنه ليس منا من زعم أن الله جسم، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة" [ابن بابويه/ التوحيد: ص104، بحار الأنوار: 3/291.].
وتفصح بعض رواياتهم عما قالوه في الرب جل شأنه وتقدست أسماؤه، فهذا أحد رجالهم ينقل لأبي عبد الله – كما تقول الرواية – ما عليه طائفة من الشيعة من التجسيم فيقول: "إن بعض أصحابنا يزعم أن الله صورة مثل الإنسان، وقال آخر: إنه في صورة أمرد جعد قطط! فخرّ أبو عبد الله عليه السلام ساجدًا ثم رفع رأسه فقال: سبحان الذي ليس كمثله شيء ولا تدركه الأبصار ولا يحيط به علم.." [ابن بابويه/ التوحيد ص103-104، بحار الأنوار: 3/304.].
وروى ابن بابويه عن إبراهيم بن محمد الخراز ومحمد بن الحسين قالا: "دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمدًا رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة، رجلاه في خضره وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد، فخر ساجدًا ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك.." [ابن بابويه/ التوحيد ص113-114، بحار الأنوار: 4/40، أصول الكافي: 1/101.].
فأنت ترى أن كبار متكلميهم قد غلوا في الإثبات، حتى شبهوا الله جل شأنه بخلقه وهو كفر بالله سبحانه؛ لأنه تكذيب لقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى، آية:11.] وعطلوا صفاته اللائقة به سبحانه فوصفوه بغير ما وصف به نفسه، وإمامهم كان ينكر عليهم هذا المنهج الضال، ويأمر بالالتزام في وصف الله، بما وصف به نفسه. ورواياتهم في هذا الباب كثيرة.
فهذا الاتجاه إلى الغلو في الإثبات، قد طرأ على الإثبات الحق الذي عليه علماء أهل البيت، وأصبح المذهب يتنازعه اتجاهان: اتجاه التجسيم الذي تزعمه هشام، واتجاه التنزيه الذي عليه أهل البيت كما تشير إليه روايات الشيعة نفسها، وكما هو "ثابت مستفيض في كتب أهل العلم" [منهاج السنة: 20/144.].
انتهى كلام الدكتور
التعليق:
ولنا على كلام الدكتور القفاري ست ملاحظات نذكرها فيما يلي:
الملاحظة الأولى: اعتماد الدكتور على أقوال خصوم الشيعة الإمامية:
لقد قال الدكتور في المقدمة كما نقلت عنه: والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، أن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم -ما أمكن-....
وقال ايضا: والخلاصة: أنني لم أعمد إلا إلى كتبهم المعتمدة عندهم، في النقل والاقتباس لتصوير المذهب. ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلا ما استفاضت أخبارهم به، وأقره شيوخهم.
لكنه عندما نسب عقيدة التجسيم إلى الشيعة الإمامية، لم ينقل نصا واحدا عن كتبهم المعتبرة أو حتى غير المعتبرة، بل إنه اعتمد على كتب خصومهم، فنقل عن الرازي، وابن تيمية، وابن حزم، والأشعري، والإسفراييني، والبغدادي، والجاحظ، وغيرهم، وكل هؤلاء من خصوم الشيعة، ولستُ أدري كيف أصبحوا هم المصدر المعتمد لتصوير عقائد الشيعة؟؟؟
ثم إنه حاول أن يبرر فعلته الشنيعة هذه بعذرٍ هو أقبح من ذنب، فقال: وقد يقال: إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فلا يكون حجة عليهم. ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلال قد استفاضت من أصحاب المقالات على اختلاف اتجاهاتهم، وهم أصدق من الرافضة مقالاً، وأوثق نقلاً، وهي تثبت أن الرافضة هم الأصل في إدخال هذه البدعة على المسلمين!!!
فإذا كنت – أيها الدكتور – ترى أن خصوم الشيعة أصدق من الشيعة أنفسهم، فلماذا أخذت على نفسك في مقدمة كتابك أن لا تنقل إلا عن مصادرهم المعتمدة؟؟؟
ولماذا اعتبرت هذا من الأمانة العلمية والموضوعية الصادقة؟؟؟
وهل أصبحت الشيعة الإمامية ضحية لأكاذيب ابن تيمية وابن حزم؟؟؟
الملاحظة الثانية: لم ينقل الدكتور أي نص عن لسان من نسب إليهم القول بالتجسيم:
قال الدكتور في مقدمته: واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية، وضرورة الدقة في النقل والعزو، وهذا ما يفرضه المنهج العلمي في نقل كلام الخصوم.
انتهى
ولكنه لم يف بهذا الوعد ايضا، فهو لم ينقل لنا أي نص صدر عن لسان هشام بن الحكم أو عن لسان هشام بن سالم أو عن لسان مؤمن الطاق رضي الله عنهم أو غيرهم من الشيعة، وأساساً النصوص التي نقلها قالها رجال لم يعاصروا المذكورين أصلا...
وقد كان عليه أن يتثبت ويقرأ كلام من يريد أن يقذفهم جيدا، فلعلهم قالوا ذلك من قبيل الإلزام في مقام المجادلة، قال الشهرستاني:
وغلا هشام بن الحكم في حق علي رضي الله عنه حتى قال: إنه إله واجب الطاعة. وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في الأصول؛ لا يجوز أن يُغفل عن إلزاماته على المعتزلة؛ فإن الرجل وراء ما يلزم به على الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه... وذلك أنه ألزم العّلاف فقال: إنك تقول: الباري تعالى عالم بعلم، وعلمه ذاته؛ فيشارك المحدثات في أنه عالم بعلم، ويباينها في أن علمه ذاته؛ فيكون عالماً لا كالعالمين، فلمَ لا تقول: إنه جسم لا كالأجسام، وصورة لا كالصور، وله قدر لا كالأقدار... إلى غير ذلك??
الملل والنحل للشهرستاني ص 54 (الوراق)
والشهرستاني منحرف عن الشيعة عموما وعن هشام رضي الله عنه خصوصا، فهو قد نسب إليه فرية تأليه أميرالمؤمنين عليه السلام دون مستند، وقد صرح ابن حزم ايضا بأن كلام هشام قاله أثناء مناظرته مع العّلاف، قال ابن حزم: وقد قال هشام هذا في حين مناظرته لأبي الهذيل العلاف أن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه وهذا كفر صحيح.
الفصل في الملل والأهواء والنحل ص 520 (الوراق)
فعلى قول الشهرستاني يكون كلام هشام بن الحكم من باب الإلزام، ولا يجوز أن نأخذ ما يقوله المناظر كإلزام لخصمه على أنه عقيدته التي يؤمن بها!!! كما لا يجوز لنا أن نقول إن لله سبحانه وتعالى ولد بدليل قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}...
الملاحظة الثالثة: لو صحت نسبة القول بالتجسيم لمن سمّاهم فإن الشيعة لا تتحمل أقوالهم:
قال البخاري: حدثنا محمود، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، ح وحدثني نعيم، أخبرنا عبدالله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا ان يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد ان يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه له: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين.
صحيح البخارى ج 5 ص 107
فنسأل: هل يصح لأحد أن ينسب ما صنعه الصحابي خالد بن الوليد (وهو سيف الله المسلول كما يقول أهل السنة) إلى النبي صلى الله عليه وآله أو إلى الإسلام؟؟؟
الجواب: طبعا لا، لأن ذلك الفعل لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله، ولا بأمره، وإنما صدر عن صحابي يخطئ ويصيب، ويعصي ويطيع...
فنقول: لو صحت نسبة القول بالتجسيم – وهي لا تصح – إلى هشام بن الحكم أو غيره من الشيعة، فلا يجوز أن ينسب قولهم إلى الشيعة ككل، وإنما ينسب لمن صحت النسبة إليه فقط، تماما كما هو الحال فيما صنعه خالد...
والشيعة إنما يتّبعون أقوال المعصومين، ولا حجة في أقوال غيرهم كائنا من كان...
فإن قال قائل: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد تبرأ من صنع خالد، قلنا: وأئمتنا عليهم السلام قد تبرأوا من القول بالتجسيم، وستأتي جملة من الروايات...
ومن العجيب حقا أن يجعل الدكتور السؤال أو الشبهة التي يوجهها الشيعة إلى الإمام عليه السلام هي القاعدة والأساس، ويتجاهل رأي الإمام عليه السلام!!!
والرجوع للأئمة وسؤالهم في أصول الدين وفروعه أمر طبيعي للغاية، وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}...
فهل من الإنصاف تتبع الأسئلة والشبهات التي يطرحها عامة الناس، لجعلها عقيدة أساسية؟؟؟
الملاحظة الرابعة: بطلان نسبة القول بالتجسيم لهشام بن الحكم وهشام بن سالم وغيرهما:
لا يوجد دليل واحد صحيح على أن هشام بن الحكم وهشام بن سالم ومؤمن الطاق والميثمي وغيرهم من متكلمي الشيعة خصوصا أصحاب الأئمة عليهم السلام، كانوا يعتقدون بالتجسيم، قال العلامة المجلسي رحمه الله:
لا ريب في جلالة قدر الهشامين وبراءتهما عن هذين القولين، وقد بالغ السيد المرتضى قدس الله روحه في براءة ساحتهما عما نسب إليهما في كتاب الشافي، مستدلا عليها بدلائل شافية، ولعل المخالفين نسبوا إليهما هذين القولين معاندة كما - نسبوا المذاهب الشنيعة إلى زرارة وغيره من أكابر المحدثين، أو لعدم فهم كلامهما، فقد قيل : إنهما قالا بجسم لا كالاجسام، وبصورة لا كالصور، فلعل مرادهما بالجسم الحقيقة القائمة بالذات، وبالصورة الماهية، وإن أخطئا في إطلاق هذين اللفظين عليه تعالى.
بحار الأنوار ج 3 ص 288
وقد نقل الأشعري كلاما عن هشام بن الحكم، يوضح فيه المعنى الذي يقصده، قال الأشعري: وقال هشام بن الحكم: معنى الجسم أنه موجود، وكان يقول: إنما أريد بقولي جسم أنه موجود وأنه شيء وأنه قائم بنفسه.
مقالات الإسلاميين ص 75 (الوراق)
ولا تنس كلام الشهرستاني الذي مر عليك آنفا...
الملاحظة الخامسة: رمتني بدائها وانسلت، الدكتور هو من يعتقد بالتجسيم:
إذا كان الدكتور القفاري يرى لنفسه الحق في إلصاق عقيدة لطائفة كاملة بسبب وجود أفراد لا يشكلون حتى 1 في المائة مليون مليون، مع ما قد عرفت من عدم ثبوت نسبة تلك العقيدة، فلنا نحن أن نستخدم نفس المكيال الذي استخدمه الدكتور فنقول:
إن أهل السنة (كلهم) يعتقدون أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (والعياذ بالله) قد رأى الله سبحانه وتعالى على صورة شاب أمرد عليه نعلان من ذهب!!!
وايضا يفسرون قول الله تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ} بأن الله سبحانه وتعالى عما يقولون قد أخرج طرف خنصره فساخ الجبل!!!
ومستندنا في ذلك هي الكلمات الموجودة في مصادرهم المعتبرة، منها:
أولا: عقائد حماد بن سلمة:
الذي قال عنه الذهبي: الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو سلمة البصري، النحوي، البزاز، الخرقي، البطائني، مولى آل ربيعة بن مالك، وابن أخت حميد الطويل.
وقال علي بن المديني: هو عندي حجة في رجال، وهو أعلم الناس بثابت البناني، وعمار بن أبي عمار، ومن تكلم في حماد فاتهموه [في الدين].
قال الذهبي: قلت: كان بحرا من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى، وهو صدوق حجة، إن شاء الله، وليس هو في الإتقان كحماد بن زيد، وتحايد البخاري إخراج حديثه، إلا حديثا خرجه في الرقاق...
وقال محمد بن مطهر: سألت أحمد بن حنبل، فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا بصيرة.
قال شيخ الإسلام في: "الفاروق" له: قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدا على المبتدعة.
سير أعلام النبلاء ج 7 ص 444
ومن عقائد شيخ الإسلام حماد بن سلمة مايلي:
1 - قال الذهبي: حماد، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: فلما تجلى ربه للجبل.
قال: أخرج طرف خنصره، وضرب على إبهامه، فساخ الجبل.
فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا ؟
قال: فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس، ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا!
رواه جماعة عن حماد [وصححه الترمذي].
ميزان الاعتدال ج 1 ص 593
2 - قال الذهبي: إبراهيم بن أبى سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس - مرفوعا: رأيت ربى جعدا أمرد. عليه حلة خضراء. وقال ابن عدى: حدثنا عبدالله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الاسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن محمدا رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.
وحدثنا ابن أبى سفيان الموصلي، وابن شهريار، قالا: حدثنا محمد بن رزق الله ابن موسى، حدثنا الاسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت ربى.
وقال أبو بكر بن أبى داود: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير، حدثنا أبى، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت. قال المرودى: قلت لاحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة. فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة، عن عكرمة، في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جدا. العيشى، حدثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة - مرفوعا: أنزل القرآن على ثلاثة أحرف. ثم ساق ابن عدى لحماد جملة مما ينفرد به متنا أو إسنادا، ومنه ما يشاركه فيه غيره. وحماد إمام جليل، وهو مفتى أهل البصرة مع سعيد بن أبى عروبة.
ميزان الاعتدال ج 1 ص 593
ثانيا: عقائد نعيم بن حماد:
الذي قال عنه الذهبي: نعيم بن حماد بن معاوية ابن الحارث بن همام بن سلمة بن مالك ، الإمام العلامة الحافظ، أبو عبدالله الخزاعي المروزي الفرضي الاعور ، صاحب التصانيف ...
وقال أحمد: كان نعيم كاتبا لابي عصمة - يعني نوحا - وكان شديد الرد على الجهمية ، وأهل الاهواء ، ومنه تعلم نعيم .
يوسف بن عبدالله الخوارزمي: سألت أحمد بن حنبل عن نعيم بن حماد، فقال: لقد كان من الثقات.
سير أعلام النبلاء ج 10 ص 595
ومن عقائد العلامة الحافظ تعيم بن حماد:
قال الذهبي: نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل - أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شابا موقرا رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبدالرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله تعالى.
ميزان الاعتدال ج 4 ص 269
فعلى مقاييس الدكتور نقول: هذه هي عقيدة أهل السنة.
فإن قال الدكتور: قد أنكرها الذهبي والنسائي وابن عدي.
فنقول: وعقيدة التجسيم أنكرها أئمتنا المعصومون عليهم السلام، ومع ذلك لم تلتفت إلى إنكارهم عليهم السلام...
ثالثا: الأحاديث التي رواها ابن أبي عاصم وصححها الألباني:
1 - قال ابن أبي عاصم: (465) ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إبراهيم ابن طهمان، ثنا سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى تجلى لي في أحسن صورة فسألني فيما يختصم الملأ الأعلى ؟. قال: قلت: ربي ! لا أعلم به، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وحدت بردها بين ثديي أو وضعها بين ثديي حتى وجدت بردها بين كتفي فما سألني عن شيء إلا علمته ".
قال الألباني: إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سماك بن حرب فهو من رجال مسلم وحده، وفيه كلام كما تقدم بيانه قبل حديث. والحديث له شاهد من حديث معاذ وغيره، وقد مضى تخريجه تحت رقم (388).
2 - قال ابن أبي عاصم: (466) ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن ليث، عن ابن سابط، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تراءى لي ربي في أحسن الصورة " ثم ذكر الحديث.
قال الألباني: حديث صحيح بما قبله وما بعده، ورجاله ثقات غير ليث وهو ابن أبي سليم وكان اختلط، وقد مضى برقم (389) بعض تمام هذا الحديث.
3 - قال ابن أبي عاصم: (467) حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم وصدقة قالا ثنا ابن جابر قال: مر بنا خالد بن اللجلاج فدعاه مكحول فقال له يا أبا ابراهيم حدثنا حديث عبدالرحمن بن عائش قال: سمعت عبدالرحمن بن عائش يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي في أحسن الصورة".
قال الألباني: حديث صحيح، وهو الطرف الأول للحديث المتقدم بهذا الإسناد (288) إلا أنه لم يذكر فيه هناك الوليد بن مسلم. وتقدم تخريجه هناك مع بيان أن عبدالرحمن بن عائش لم تثبت له حجته.