الكلمات الربانية في شرح آيات الله النورانية

الأشتر

New Member
28 أبريل 2010
1
0
0
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،


أما بعد،


فهذه بضعة كلمات ربانية في شرح آيات الله النورانية مما استفدناه من محضر العلماء وكلمات أئمة أهل البيت عليهم السلام وفيه فوائد بإذن الله تعالى فمنه التوفيق والسداد...


( 1 )


(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))


الحمد هو الثناء على الفعل الجميل، وهو مختص بربوبية الله تعالى وتدبيره، لأنه تقدست أسمائه رب جميع الكائنات والموجودات، وكل حياة ونشأة هي لطف منه تعالى، لذا فإن لطفه يقتضي ربوبيته، والحمد شكراً للصنيعة، والإنسان ينطلق في نشأته من البداية وحتى النهاية مستمداً وجوده من الحق تعالى، وبين المبدأ والختام يسير في حركة تكاملية نازعاً بشكل فطري نحو الكمال المطلق لمقتضى العلاقة، عليه هو محتاج بحسب متطلباته المادية والروحية إلى اللطف من اللطيف.


فالله أهل للحمد (( الْحَمْدُ )) سبحانه وتعالى لألوهيته (( لِلَّهِ )) لأنها مبدأ كل خلق وأمر (( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين )) وبربوبيته للعالمين مالك لهم (( رَبِّ الْعَالَمِينَ ))، والإنسان عندنا يبلغ بالتربية الإلهية درجة تجعله يتحكم بهوى نفسه أمكنه أن يكون مظهراً من مظاهر لربوبية الله تعالى في عالم الطبيعة، لأن إرادة ولي الله من إرادة الله، والإنسان الكامل يتصرف في جميع عناصر الطبيعة فيكون هو الحاكم والطبيعة هي المحكومة، وهذا لا يتحصل إلا بإصابة حقيقة العبودية. قال الصادق عليه السلام: (( العبودية جوهرة كنهها الربوبية ))


***


(( إشراقة فلسفية ))

حمل الجوهرة على العبودية على وجه الاستعارة، وكنه الشيء في الاصطلاح هو حقيقة الشيء، وحقيقة الشيء هو الجوهر، عليه تصير العبودية عرضاً من أعراض الجوهر الذي هو الربوبية، ولما كانت العبودية تنتهي في درجاتها إلى الربوبية يحصل معها حكم الربوبية كما ورد وأشير إليه في الحديث القدسي: (( عبدي أطعني تكن مثلي )) إذاً فالإنسان عندما يصل إلى كنه العبودية يصير مظهراً من مظاهر ربوبية الحق تعالى في عالم الطبيعة والعناصر.



***



(( فائدة نورانية ))



قال الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وآله:



(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))



قال الشيخ محيي الدين بن عربي: هذا الحديث قصم ظهور أولياء الله، لأنه يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة. قلت: هو صلوات الله وسلامه عليه محض تحقق العبودية التامة فصار كاملاً بالفقر التام والعبادة التامة.




(( إشراقات ربانية ))




- الكافي الشريف، الجزء2، كتاب الدعاء، باب التحميد والتمجيد: علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن الأنباري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة مرة وستين مرة، عدد عروق الجسد، يقول: الحمد لله رب العالمين كثيراً على كل حال.


- الكافي الشريف، الجزء2، ص503: علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، جميعا عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن يعقوب بن شعيب قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن في ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقا ، منها مائة و ثمانون متحركة ومنها مائة وثمانون ساكنة ، فلو سكن المتحرك لم ينم ولو تحرك الساكن لم ينم وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا أصبح قال : الحمد لله رب العالمين كثيرا على كل حال . ثلاثمائة وستين مرة وإذا أمسى قال مثل ذلك .


الكافي الشريف، ج 2، ص 503: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن منصور بن العباس ، عن سعيد بن جناح قال : حدثني أبو مسعود ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من قال أربع مرات إذا أصبح : الحمد الله رب العالمين ، فقد أدى شكر يومه ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته .



المحاسن للبرقي، ج1، ص8:عنه ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ( ع ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم ، من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ، ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ومن إذا أصاب خيرا قال : الحمد لله رب العالمين ، ومن إذا أصاب خطيئة قال : أستغفر الله وأتوب إليه .


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأتقياء المنتجبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أما بعد،

وجزيل الشكر للأخوين الكريمين، حفيد القدس، ولواء الحسين وفقهما الله،،،

استكمالاً للموضوع أود الإشارة إلى مسألة مهمة جداً تتعلق بقضية الغاية الأسمى والتي تتمثل في الترقي والإنشداد نحو الكمال المطلق، ذلك أن الله تعالى وكما أشار في القرآن الكريم قد سخر كل ما في السموات والأرض لأجل الإنسان، وكما هو ظاهر في حركة السير والتكامل فإن هذا التسخير كما هو ظاهر وبين علته الأساسية متمثلة في توفير الأرضية والبنية الأساسية التي تساعد الإنسان في أن ينطلق نحو كماله، ولهذا لا يعتبر القرآن العبادة هي الغاية والهدف بل أشار إلى أن العبادة طريق إلى ذلك الهدف المتمثل باليقين (( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )).

مع الإشارة إلى أن ذروة اليقين هو ما بلغه الأنبياء وأشد منه ما بلغه نفس رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله فـ (( لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً )) تمثل أقصى وأشد ما يبلغه الإنسان في يقينه الذي صوره لنا المولى صلوات الله وسلامه عليه وآله بهذا التعبير البليغ المحكم.

( 2 )


(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))

ذكرنا أن الحمد هو الثناء على الفعل الجميل، عليه ينبغي الإشارة إلى تنوير (( رباني )) من هذا الباب للطيفة (( نورانية ))، حيث أنه ليس الحمد كما هو متعارف عليه يكون بتخصيص اللسان فقط المتمثل في قول القائل: (( الحمد لله ))، بل أن الحمد بتخصيص اللسان هو المتعارف عند المحجوبين، لأنه في عرف المكاشفين يكون (( الحمد )) نوع من الثناء غير المختص باللسان، وقد ورد أن الحق تعالى حمد وأثنى على ذاته المقدسة كما أشار سيد الساجدين وزين العباد العابدين عليه السلام في دعائه: (( لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك )).

وبه نتعقل حقيقة ما أشارت إليه الآيات النورانية في قوله تعالى (( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )). فلما كانت السموات والأرض ومن فيهن لآيات مبينات ودلائل واضحات على (1) وجوده سبحانه (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )) (2) ووحدته عز شأنه (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) (3) وكمال صفاته جل ثناؤه (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ )) (4) وعلو أسمائه تقدست ذاته (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ))، صار حقيقة الحمد عند العارفين المحققين المكاشفين إظهار لصفات كماله وعلو أسمائه.

حيث أنه تعالى بسط بساط الوجود على الممكنات ووضع عليها موائد كرمه التي لا تتناهى (( أنت الذي جعلت لكل مخلوق في نعمك سهماً ))، وأسبغ على هياكلها نعمه التي لا تحصى (( إلهي أحمدك وأنت للحمد أهل، على حسن صنيعك إلي وسبوغ نعمائك علي )) فهو قد كشف جل شأنه بذلك عن صفات كماله ونعوت جلاله فأظهرها بمظاهرها فصارت الآيات والحجج الواضحات الدالة عليه.



(( إشراقة عرفانية ))

قال ابن الفناري في مفتتح خطبة " مصباح الأنس "

فالحمد بالألسنة الخمسة لهذه الحقائق، إلهية فاعلة كانت، أو كونية قابلة

قال الشهيد السعيد السيد مصطفى الخميني قدس الله نفسه:

قد وقع في تعابير أهل المعرفة والعرفان وأصحاب الشهود والإيقان - في مقام التحميد والاعتراف بالتعظيم والإجلالة - جملة أشكل على المتأخرين حلها، وهي قولهم: الحمد لك بالألسنة الخمسة. والذي يظهر لي - وفي نفسي أنه من إفادات العارف الكامل والدي المحقق مد ظله: إن المراد من الخمسة هي:

( 1 ) لسان الذات من حيث هي. ( 2 ) ولسان الأحدية الغيبية. ( 3 ) ولسان الواحدة الجمعية. ( 4 ) ولسان الأعيان الثابتة. ( 5 ) ولسان الكون الجامع. وهو الإنسان الأكبر الأجمل وهي الحقيقة المحمدية البيضاء بالأصالة والعلوية العليا بالتبع والتطفل

قلت له تعبير من حيثية أخرى وهو لسان حال قوله تعالى (( َشهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )) وهي الحقيقة التي لها مراتب أولها ما في مقام الجمع من ذكر الحق نفسه باسم المتكلم بالحمد والثناء على نفسه، وثانيهما ذكر الملائكة المقربين (( َالْمَلَائِكَةُ )) وهو تحميد الأرواح وتسبيحها لربها، وثالثها ذكر الملائكة السماوية، ورابعها ذكر الملائكة الأرضية، وخامسها ذكر الأبدان وكل ذاكر لربه بلسان يختص به (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )).



(( إشراقات ربانية ))


(1)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا. الإسراء 111.

(2)
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِالَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. المؤمنون 28.

(3)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ. النمل 59.

(4)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. النمل 93.

(5)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. العنكبوت 63.

(6)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. لقمان 25.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأتقياء المنتجبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أما بعد،


( 3 )


(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))

أشرنا أعلاه أن (( الحمد )) له تعالى لأنه واهب النعم، ومستحق للشكر والثناء لبسطه الوجود على الممكنات، وهذا لطف وفيض بالكرم والعطاء وبه استحق الثناء. ولما كان (( الحمد )) من حيثية إظهارُ لصفات كماله وجمال أسمائه، لنا أن نفرد له تنوير (( رباني )) للطيفة (( نورانية ))، فلأنه تعالى موجد كل موجود، وكان الحمد من هذا الباب إظهار، صار الخلق (( حمداً )) يدل على الجميل. وهو أيضاً (( حامد )) بتسبيحه ونطقه (( أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ )).

عليه فإن كل الوجود (( حمد )) و(( حامد )) في مراتبه وتقسيماته، ولما ثبت في الحكمة العالية أن شرف العوالم إحاطتها لما أدناها صار (( الحمد )) و(( الحامد )) لحقيقة المشيئة التي هي مرتبة (( قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى )) حمداً واحداً حقانياً تمامياً محمدياً، وقد سئل جابر الأنصاري عن أول ما خلق الخلق فأجابه صلوت ربي عليه وآله (( هو نور نبيك يا جابر))، وذلك لوصوله إلى المقام المحمود (( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ))، وفيه إشارة إلى أن ذاته المقدسة حقيقة كل (( حمد و حامد )) في عالم الإمكان وأقصاها وقد خص ابن عمه في الشرف المرتبة والفضيلة صلوات ربي عليه وآله بلواء (( الحمد )).


(( إشراقة نورانية ))

قال الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام (( فأقبل وأنا مومئذ متزر بريطة من نور، علي تاج الملك وإكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي، وبيده لوائي وهو لواء الحمد، مكتوب عليه: لا إله إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله. ))


(( إشراقة ربانية ))


(1)
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الأنعام 45.

(2)
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. يونس10.

(3)
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الصافات 181-182.

(4)
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الزمر75.

(5)
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. غافر 65.


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأتقياء المنتجبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الأخ الحبيب ابن قبة سلمكم الله وأثابكم فتحاً قريباً،،،



أما بعد،



( 3 )



(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))


قد تقرر لك أن جميع مراتب الوجود (( حمد )) و(( حامد ))، وما أصل الخلق والأمر في حقيقة (( حمدهم ))، وتسبيحهم، وتمجديهم، إلا إظهار لكماله عز شأنه في جميع المراتب والأقسام، وبهذا يظهر ويتضح أن لا يشاركه في العز أحد (( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ))، فهو العزيز وغيره ذليل خاضع له (( سجد وجهي الحقير الذليل لوجهك العزيز الكريم ))، وحيث أن الإنسان يبلغ بالتربية الإلهية (( أدبني ربي )) أقصى درجات (( العبودية )) ليكشف قشرها ويصيب كنهها (( الربوبية ))، فيكون (( عبداً )) بالفعل (( ورباً )) بالفعل، فإنه يصبح تمام (( الحمد )) كله، وتمام الحمد مظهرٌ للعز كله (( وَلِرَسُولِهِ )) بالتبعية الحقانية الظلية، ولما كان مقام الولاية مظهراً تاماً لمظهرية هذه التبعية الحقانية الظلية صارت مظهرة لها بدورها (( وَلِلْمُؤْمِنِينَ )).


(( تنوير رباني ))


إذا ظهر لك كل هذا فاعلم أنه ورد في الحديث الشريف قول حامل لواء الحمد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وآله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( إذا حشر الناس يوم القيامة، ناداني مناد: يا رسول الله إن الله جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك، فكافهم بما شئت، فأقول: يا رب الجنة، فأبوئهم منها حيث شئت، فذلك المقام المحمود ))، قلت: من هنا يتبين أن المظهر الكامل لحقيقة (( الحمد )) بل وجامع (( المحامد )) كلها يصل إلى مقام (( يحمده )) الآخرون فيه على ما يصدر منه من فعل باختياره يوم البعث.

ومنه يتحدس وجه قولهم في بيان كلمة (( الحمد )) أنه الثناء على الفعل الجميل الاختياري، وهو عطاء فياض قرن قابله بشرطية الرضا (( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ))، ولما كان وجوده جمعاً وكلاً وحقاً واحداً صار (( جامع المحامد كلها )) فهو قابل مطلق تابع لفياض مطلق غير محدود وذلك لتبعيته الحقانية الظلية، وعليه يكون عطائه غير محدود بحد، ولأجل هذا استحق أن (( يحمده )) الآخرون على ما يصدر منه اختياراً لأنه (( بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))، وهذا سعة رحمته التي لأجلها استحق أن (( يحمد )) وهو مما اختص به رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله دون غيره إذ لم يعد الحق تعالى بمثله لأحداً من خلقه قط.




(( إشراقة إمامية في ليلة عاشورائية ))

(( ليلة الأربعين ))


بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 7 - ص 335 - 336:

21 - تفسير فرات بن إبراهيم : الحسين بن سعيد معنعنا عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله :

إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به، إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل عليه السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي، ويقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى، فأقول لعلي: اصعد فيكون أسفل مني بدرجة فأضع لواء الحمد في يده، ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى، هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو أمتك النار، فاخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب، فالنار و الجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها، فهي قول الله تعالى: (( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ )) ألق يا محمد يا علي عدوكما في النار، ثم أقوم واثني على الله ثناءا لم يثن عليه أحد قبلي، ثم اثنى على الملائكة المقربين، ثم اثني على الأنبياء و المرسلين، ثم اثني على الأمم الصالحين، ثم أجلس فيثني الله علي، ويثني علي ملائكته، ويثني علي أنبياؤه ورسله، ويثني علي الأمم الصالحة، ثم ينادي مناد من بطنان العرش:

يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر بنت حبيب الله إلى قصرها ، فتمر فاطمة بنتي، عليها ريطتان خضراوان، وعند حولها سبعون ألف حوراء، فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدت الحسن قائما والحسين قائما مقطوع الرأس، فتقول للحسن: من هذا.؟ يقول: هذا أخي، إن أمة أبيك قتلوه وقطعوا رأسه، فيأتيها النداء من عند الله: يا بنت حبيب الله إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك لأني ذخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه، إني جعلت لتعزيتك بمصيبتك أني لا أنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت وذريتك وشيعتك ومن أولاكم معروفا ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد، فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن أولاها ( 2 ) معروفا ممن ليس هو من شيعتها، فهو قول الله تعالى في كتابه: (( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ )) قال: هو يوم القيامة، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، هي والله فاطمة وذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفا ممن ليس هو من شيعتها.




(( قصيدة ))

(( السيد هاشم الستري البحراني ))



قم جدد الحزن في العشرين من صفر ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

يا زائري بقعة أطفالهم ذبحت فيها خذوا تربها كحلاً إلى البصر

وا لهفتا لبنات الطهر حين رنت إلى مصارع قتلاهن والحفر

رمين بالنفس من فوق النياق على تلك القبور بصوت هائل ذعر

وابكوه يلثم أطفالاً ويرشفها مودعاً ودموع العين كالمطر

وتلك تصرخ واجداه وأبتاه وتلك تصرخ وايتماه في الصغر

فلو تروا أم كلثوم مناشدةً ولهىً وتلثم ترب ألطف كالعطر

يا دافني الرأس عند الجثة احتفظوا بالله لا تنثروا ترباً على قمر

لا تدفنوا الرأس إلا عند مرقده فأنه روضة الفردوس والزهر

لا تغسلوا الدم من إطراف لحيته خلوا عليها خضاب الشيب والكبر

لا تخرجوا أسهماً في جسمه نشبت خوفاً يفور دمٌ يطفو على البشر

رشوا على قبره ماءً فصاحبه معطش بللوا أحشاه بالقطر

لا تدفنوا الطفل إلا عند والده فانه لا يطيق اليتم في الصغر

لا تدفنوا عنهم العباس مبتعداً فالرأس عن جسمه حتى اليدين بري

لا تحسبوا كر بلا قفراء موحشةً أضحت تفوق رياض الخلد بالزهر

يا راجعين السبايا قاصدين إلى ارض المدينة ذاك المربع الخضر

خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكم وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر

يا أم كلثوم قدي الجيب صارخةً على أخيك وفوق المرقد أعتفري

قولوا لعابده أن لا يفارقه فكر بلا منزل الأحزان والضجر

يا كر بلا أي جسم في ثراك ثوى لو تعلمين لنلت العرش في القدر

زاروكِ يوماً فأمسى زائروك iiلهم شأن تفوق من حاج ومعتمر

يا مؤمنون أكثروا للحزن وانتحبوا عليهم مدة الآصال iوالسحر

حطوا عزاه وقولوا رأس سيدنا قد رد في العشرين من صفر

وابكوه يرنو شطوط الماء ومهجته في حرة لم يطقها طاقة البشر

كل الكواكب في الأفلاك آمنةً والكسف والخسف حظ الشمس والقمر

يا عترة المصطفى المختار يا عددي ومن بدولتهم عزي ومفتخري

أنتم أولوا الفضل إذ جئتم على قدرٍ كما أتى ربه موسى على قدر

صلى عليكم إلهي حيث خصكم بعصمةٍ من جميع الإثم والكدر


عظم الله أجوركم جميعاً بذكرى تجدد مصاب آل البيت في العشرين من صفر عام 1430 هجرية، وقد مضى على غيبة السيد الشريف 1101 سنة موافق للشهر الثاني من عام 2009 ميلادية وأنا أتمثل في ذلك بقول الشاعر دعبل في محضر سلطان العرب والعجم علي بن موسى الرضا صلوات ربي عليه الذي بكى حين قال دعبل:

خــــروج إمــــام لا محــــالة خـــــارج * يقــــوم عــــلى اســــم الله بالبـــــركات
يميــــز فيــــنا كــــل حــــسن وبــــاطل * ويجــــزي عــــن النعــــماء والنقـمات
فيــــا نفــس طيبي ثم يا نفس فاصبري * فغــــير بعــــيــــد كــــل مــــا هــــو آت


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأتقياء المنتجبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أما بعد،


( 4 )




(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))


إذا علمت كل ما سبق وتيقنته وجب عليك أن تعلم بأن الإيمان يكون بقدر العلم الذي به حياة القلوب (( تعلموا العلم... لأن العلم حياة القلوب ))، فهو (( نور )) يرفع (( حجب )) الظلمة عن قلبك (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ))، مع علمك أن العلم ليس بكثرة التعلم (( ليس العلم بكثرة التعلم، إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه ))، واللطيفة الربانية في المنهج بحسب الحكمة العالية أن لهذا (( النور )) درجات ومراتب أقصاها النور الواجب (( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) الذي هو في حقيقته انبساط أشار إليه الشريف مولانا أمير المؤمنين صلوات ربي عليه وآله (( نور أشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ))، ومنها نور الممكن الذي هو بالتبعية نور الواجب ولكن أدنى منها في الدرجات والمراتب ولها أن تتكامل وتزداد قوة واشتداداً بعد الضعف والنقيصة (( َإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا )).

فإذا ازداد (( علمك )) تكامل (( إيمانك )) وعند ذلك ينبسط نوره عليك فتطلع على حقيقة الطريق بتجليات الغيوب (( حتى دق جليله، ولطف غليظه، وبرق لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار القامة، وثبتت رجلاً بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه )) وينكشف به لسان حال قلبك والذي هو لسان حال جميع الممكنات (( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ))

ثم لا ينبغي ألا تغفل إلى أن القاعدة في المنهج وهي اللطيفة الربانية العظيمة التي أشير إليها فإن كل ما عداها لوازم مترتبة على هذه اللطيفة، وهي في نفسها غاية الغايات وأساس كل خطاب توحيدي عند الإنسان الكامل (( العبد )) وكأن لسان خطاب الأنبياء والأولياء أن (( الحمد )) الذي هو (( حامد )) لا يكون إلا للـ (( المحمود )) لنعمه الكثيرة الطيبة التي لا تحصى، وقد أقر بهذا الخطاب الشريف صلوات الله وسلامه عليه وآله قائلاً: (( أحمدك وأنت للحمد أهل بمحامدك الكثيرة الطيبة التي استوجبتها علي بحسن صنيعك إلي ))، وهنا إشارة إلى حقيقة نورانية متمثلة في أن نعمه لا تعد ولا تحصى (( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا))، ولما كانت النعمة لا تعد ولا تحصى (( حمد )) نفسه منذ الأزل لما علم كثرة نعمته على عباده حتى عجزوا عن القيام بواجب الحمد فكان (( حمده )) عنهم لتكون النعمة أهنأ لديهم لما أسقط عنهم ثقل المنة.



(( إشراقة نورانية ))



عن أبي عبد الله اصادق عليه السلام في جواب سؤال فضيل بن عياض ( من الورع من الناس ).؟ فقال:

(( الذي يتورع من محارم الله، ويجتنب هؤلاء. وإذ لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه، وإذا رأى المنكر فلم ينكره وهو يقوى عليه فقد أحب أن يعصى الله، ومن أحب أن يعصى الله فقد بارز الله بالعداوة، ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصي الله، إن الله تبارك وتعالى حمد نفسه على إهلاك الظلمة فقال: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))



(( إشراقة ربانية ))

(1)
وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. القصص70

(2)
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. الروم18.

(3)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. سبأ 1.

(4)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. التغابن 1.


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأتقياء المنتجبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أما بعد،



( 5 )


(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))



إذاً، مع العلم الحقيقي الذي هو (( نورٌ )) يقذفه الله لمن شاء أن يهديه فعلمنا أنه لا ينال إلا بتوفيق حقيقي (( إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي إليك في واضح الطريق )) يزداد الإيمان وبه تخرق حجب الغفلة الغليظة القابعة على القلب، وكلما ارتفع منها حجاب ازداد نوره (( فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه )) فصار (( نُورٌ عَلَى نُورٍ )) يهدي الله تعالى به من يشاء من عباده إنه خبير لطيف.

فإذا حصل ذلك كله اطلع الإنسان على حقائق الأشياء، وتجلى له نور تجليات الغيوب، وانبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور، والإجتناب عن كل مخطور (( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ )) حتى أضيف إلى نوره (( وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا )) نور معرفته أنوار التجليات فهتك بها حجب الغفلة فصار ساكناً في عز نور الحق الأبهج، (( إلهي تناهت أبصار الناظرين إليك بسرائر القلوب، وطالت أصغى السامعين لك نجيات الصدور، فلم يلق أبصارهم رد دون ما يريدون، هتكت بينك وبينهم حجب الغفلة، فسكنوا في نورك وتنفسوا بروحك )).


عليه فلا بد من الاشتغال بالعلم والعبادة وكلاهما جوهر ثمين بهما يرى الناظر ويسمع، فحقُ ألا يشتغل إلا بهما، لما علمنا ومن اتقى الله (( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )) ومن جاهد فيه هدي إلى السبيل (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )) والله تعالى يهدي به المتبع رضوانه سبل السلام ويجعلهم في النور بعد الظلام (( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )).


والحمد لله رب العالمين



(( إشراقة نورانية ))


عن زين العباد وسيد الساجدين علي بن الحسين صلوات الله وسلامه عليه وآله: إن للعبد أربعة أعين، عينان يبصر بهما أمر آخرته، وعينان يبصر بهما أمر دنياه، فإذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه، فأبصر بهما الغيب، وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه.



(( إشراقة ربانية ))


(1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. الأنعام 1.


(2)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا. الكهف 1.


(3)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. سبأ 1.


(4) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فاطر 1.


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،


سأني أحد الإخوة أن أزيل له الغموض الذي حصل له حول حقيقة مفهوم أن درجات ومراتب الوجود عبارة عن (( حمد وحامد )) فالحامد هو الذي يحمد إذ كيف يتحول هذا الذاكر باللسان إلى حمد.؟



قلت ما نصه: لنا أن نقرر ذلك من منظور آخر، ذلك أن الحمد في حقيقته ليس سوى إظهار كمال المحمود عن طريق إعلان محامده، فلما كان الخلق كلهم وبالأخص الإنسان مظاهر كمال الله تعالى وهو قد وصف نفسه تعالى بعد آيات خلقة الإنسان بقوله: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. صارت عين مراتب الوجود وسلاسله حمداً يظهر كمال المحمود تعالى، وكأن كل موجودات عالم الإمكان في حقيقة مظهريتها وكونها (( حمداً )) فإنها تلهج وتنطق بلسان حالها (( حامدة )) لتظهر لنا حقيقة ذلك.



والله الموفق
بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأتقياء المنتجبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






أما بعد،




( 6 )



(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))


بعد بيان ما مر ذكره من تعريف حقيقة (( حمد )) مراتب وسلاسل الوجود في فقرها وإظهار كمال المحمود في واقع ذكرها فهي (( حمد )) في عين (( حمدها ))، لزم أن تعرف بأن (( الرب )) إما صفة، وإما مصدر وصف به مبالغة، واشتقاقه من التربية والتي هي في واقعها تبليغ الشيء إلى كماله تدريجياً. ولا تطلق المفردة على غير الحق تعالى إلا مقيداً كقولك: رب الدار، رب الناقة وغيره.

إن وعيت ذلك فاعلم أن أولياء الله تعالى أمتازوا في حقيقة عبوديتهم أنهم تربية ((ربيبوا الحق )) أي أنهم تربوا تحت أيادي من رباهم الله تعالى (( يا كميل إن رسول الله صلى الله عليه وآله أدبه الله، وهو عليه السلام أدبني، وأنا أؤدب المؤمنين، وأورث الآداب المكرمين )) وبحكم ذلك قد تطهرا من جميع مفاسد وأدناس الظاهر والباطن فصاروا كقائم الليل وصائم النهار (( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار )) فهو (( الإنسان )) بالتربية الإلهية يتمكن من هوى نفسه ويحيط بما فوقها وأعلاها وقد أشرنا إلى ما يترتب عليه من لوازم فلا نعيد.



(( لطيفة نورانية ))


حقيقة ظلم الإنسان لنفسه يتمثل فيما تجسد في نزاع الأولياء والأنبياء مع طواغيت الزمان والمكان فهم أرادوا توظيف مفردة (( الربوبية )) مطلقاً وزعموا أن لهم الإرادة والتدبير في شؤون الخلق وعليه لا بد أن يخضع لإرادتهم العالم، (( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ))، وقد مر عليك ما ورد في الأثر الشريف أن (( العبودية جوهرة كنهها الربوبية )) يحطم كل مفهوم سائد عداه ويبين أن الإنسان لا يبلغ مقام (( الربوبية )) إلا (( بالعبودية )) فهو بعبوديته المحضة يرتقي وينتهي في مراحل كماله إلى الربوبية التي هي منتهى العبودية، وبه يظهر لديك أن أولياء الله لما أطاعوا الحق تعالى أطاعهم كل شيء.



(( إشراقة نورانية ))


فقال رجل من المنافقين: يا محمد، وعلمت أن الحصى تسبح في كفك، فقال: أي والذي بعثني بالحق نبياً، فسمعه رجل من اليهود فقال: والذي كلم موسى بن عمران على الطور، ما سبح في كفك الحصى، فقال النبي: بلى والذي كلمني في الرفيع الأعلى من وراء سبعين حجاب غلظ كل حجاب مائة عام، ثم قبض النبي عن كف من الحصى فوضعه في راحته، فسمعنا له دوياً كدوي الآذان ذا سدت بالأصبع.


والحمد لله رب العالمين

بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الأتقياء المنتجبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





أما بعد،



( 7 )



(( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))




لما صار الحديث عن الإسم الإلهي (( الرب )) وجب عليك أن تعلم بأن له منزلة عظيمة وشريفة في الكتب السماوية وبالأخص القرآن الكريم بل في مقامه العالي هو المهيمن على عالم الأسماء حقيقةً وتكويناً وذلك ما دل عليه خطاب العظماء عليهم السلام فهو تعالى (( رب رحيم )) وهو (( الرب الغفور )) وهو (( رب الأرباب )) وهو ((الرب الكريم )) وهو ((الرب العظيم )) علماً بأن جميع أفعاله المباركة متشعبة من جهة تدبيره تعالى، والرب هو المدبر، وتدبيره يظهر في كل موجود بحسب مظهرية حقيقته الوجودية فهو (( رَبِّ الْعَالَمِينَ )) وهو ((رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )) وهو (( رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ )) وهو (( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )) وهو (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) وهو (( رَبِّ الْعَرْشِ )) وهو (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ )) وهو (( َربُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا )) وهو (( َرَبُّ الْمَشَارِقِ ))

إن وعيت ذلك ينبغي أن تدرك السر الذي لأجله لم يرد في القرآن الكريم دعاء الخليل إبراهيم لله تعالى إلا وابتدأ به، بل لا ينبغي أن تغفل من حقيقة أن ما من دعاء في القرآن إلا وافتتح به: (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا )) (( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) (( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ )) (( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) (( رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار )) (( َربَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )).


فهو مفتتح دعاء زكريا عليه السلام (( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ )) (( رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً )) وبه مفتتح دعاء امرأة عمران عليها السلام (( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) وبه دعاء موسى الكليم عليه السلام (( قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) (( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )) وهو خطاب نوح عليه السلام (( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ )) (( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) وبه دعاء يوسف عليه السلام (( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ )) (( رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )) وبه أمر الحق تعالى النبي الأعظم أن يفتتح به دعاءه صلوات الله وسلامه عليه وآله (( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ))


والحمد لله رب العالمين