الرّد على الشيخ عبد الله بن سعيد الجنيد حول مسألة تحريف القرآن

التلميذ

New Member
18 أبريل 2010
217
0
0
بسم الله الرّحمن الرّحيم [/c]

افتراء الجنيد على الشيعة ونسبته إليهم القول بتحريف القرآن الكريم


قال الجنيد في كتابه ( حوار هادىء بين السنة والشيعة صفحة 5 ) تحت عنوان ( عقيدة أهل السّنة في القرآن ) :

( فالقرآن كتاب الله الذي جعله الله نوراً وهدىً وحجةً على عباده ، لا نقص فيه ولا خطأ ، وآياته باقية بكاملها كما أوحيت إلى النبي ’ من غير زيادة فيها ولا نقصان ، بالرّغم من محاولات أعداء الله المتكررة لتحريفه وبث الشكوك حوله غير أنّ الله وعد بحفظه كما قال : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر : 9 ) ) .

أقول : سيتبين لك أن هذه هي عقيدة الشيعة الإمامية في القرآن الكريم أيضاً .

ثم قال بعد ذلك في نفس الصفحة تحت عنوان ( عقيدة الشيعة في القرآن ) : ( أما كتب مشايخ الشيعة فإنها تذهب إلى عكس ذلك المفهوم ، فإنّ كلاً من السيد هاشم البحراني المفسّر الشيعي – في مقدمة كتابه البرهان في تفسير القرآن – والمحدّث ملا باقر المجلسي في كتابه مرآة العقول ، وكذلك الشيخ النوري الطبرسي ، ونعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية وغيرهم من علماء الشيعة يؤكدون بأنّ القرآن قد زيد عليه ونقص منه وغيّر فيه الصحابة وبدّلوا ... ) .

أقول : إنّ الشيعة الإمامية الإثنى عشرية يؤمنون بأنّ المصحف الشريف الموجود في أيدي المسلمين لم تطاله يد التحريف والتبديل والتغيير ، فلم يزد فيه شيء ولم ينقص منه شيء ، بدليل قوله تعالى : { إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون } وقوله : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } ولغيرها من الأدلة الأخرى ، ومن شذّ منهم أو من غيرهم عن ذلك فإنما هو مخطيء مشتبه لا عبرة بقوله عندهم ، ولا اعتداد برأيه لديهم ، وأمّا الرّوايات الواردة في بعض مصنافتهم والتي يظهر منها وجود تحريف في الكتاب المجيد فإنهم لا يقيمون لها وزناً ، وكثير منها ضعيف ، وبعضها ناظر إلى تحريف المعنى – أي تفسير الآية على غير معناها الصحيح – لا التحريف اللفظي .

وتأكيداً لصحة ما نقول ، ودحضاً لهذه الدعوى الزاعمة بأنّ الشيعة يقولون بتحريف القرآن الكريم ، أنقل نماذج من أقوال وكلمات علماء الشيعة ومحققي هذا المذهب ليعلم الجميع كيف أنّ الرجل افترى عليهم وحاول أن يلصق بهم ما هم منه براء .

قال الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي الملقب بالصدوق رحمه الله المتوفى سنة ( 381 هـ ) : ( اعتقادنا في القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ) ( رسالة الاعتقادات للشيخ الصدوق ص 59 ) .

وقال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد رحمه الله المتوفى سنة ( 413 هـ ) : ( وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ، ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين - عليه السلام - من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب ) ( أوائل المقالات ص 55 ) .

وقال الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي ، الملقب بعلم الهدى رحمه الله المتوفى سنة (436هـ ) : ( إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوّة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديدان ؟ إن القرآن كان على عهد رسول الله مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن ... حتى عيّن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على جماعة من الصحابة حفظهم له ، وكان يعرض على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عدّة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث ... وأن من خالف من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبار ضعيفة ظنّوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته ) ( مجمع البيان ج 1 ص 15 ) .

وقال الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي قدّس الله سرّه الملقب بشيخ الطائفة المتوفى سنة (460 هـ ) : ( وأما الكلام في زيادة القرآن ونقصه فمما لا يليق به ، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأما النقصان فالظاهر من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات) ( مقدمة تفسير التبيان ص 3 ) .

وقال الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي الملقب بأمين الإسلام المتوفى سنة ( 548 هـ ) : ( ... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فإنه لا يليق بالتفسير فأما الزيادة فمجمع على بطلانها وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : إن في القرآن تغييراً ونقصاناً ... والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى – قدّس الله روحه – واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات ) ( مجمع البيان ج 1 ص 15) .

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي المعروف بالشيخ البهائي المتوفى سنة ( 1030هـ ) : ( الصحيح أن القرآن الكريم محفوظ من ذلك زيادة أو نقصاناً ويدل عليه قوله تعالى : وإنا له لحافظون ) ( تفسير آلاء الرحمن ص 26 ) .

وقال السيد محسن الأمين العاملي : ( لا يقول أحد من الإمامية لا قديماً ولا حديثاً أن القرآن مزيد فيه قليل أو كثير بل كلّهم متفقون على عدم الزيادة ، ومن يعتد بقولهم متفقون على أنه لم ينقص منه ... إلى أن يقول ... ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفترٍ مجترئ على الله ورسوله ) ( أعيان الشيعة ج 1 ص 46 ) .

وقال السيد روح الله الموسوي الخميني قدس الله سرّه قال : ( إن الواقف على عناية المسلمين بجمع القرآن وحفظه وضبطه قراءةً وكتابةً يقف على بطلان تلك المزعومة – التحريف – وما ورد فيها من أخبار – حسبما تمسكوا – إما ضعيف لا يصلح الاستدلال به أو مجعول تلوح عليه أمارات الجعل أو غريب يقضي بالعجب أما الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل والتفسير وإن التحريف إنما حصل في ذلك لا في لفظه وعباراته ) ( تهذيب الأصول ج 2 ص 165 تقريرات درس الإمام الخميني قدس سرّه ) .

وقال السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي طيّب الله ثراه : ( إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال لا يقول به إلاّ من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حقّ التأمل أو من ألجأه إليه حبّ القول به ، والحب يعمي ويصم أما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته ) ( البيان في تفسير القرآن ص 259) .

وقال : الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء رحمه الله : ( وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله للإعجاز ، والتحدي وتمييز الحلال من الحرام وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة وعلى هذا إجماعهم ) ( أصل الشيعة وأصولها ص 133 تحت عنوان ، النبوّة ) .

قال السيد محمد هادي الميلاني طاب ثراه جواباً على سؤال وجه له هل وقع تحريف في القرآن ؟ !! : ( أقول : بضرس قاطع إن القرآن الكريم لم يقـع فيه أي تحريف لا بزيادة ولا بنقصان ولا بتغيير بعض الألفاظ وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة لا في تغيير الألفاظ والعبارات ) ( مئة وعشرة أسئلة ص 5 ) .

وقال العلامة أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي في أجوبة المسائل المهناوية حيث سئل ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز ، هل يصح عند أصحابنا أنه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أم لا يصح عندهم شيء من ذلك ؟ فأجاب : ( الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه وأنه لم يزد ولم ينقص ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول ’ المنقولة بالتواتر ) ( أجوبة المسائل المهناوية : 121 ) .

قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء : ( لا ريب في أن القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيان كما دلّ عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في جميع الأزمان ولا عبرة بالنادر وما ورد في أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها ولا سيّما ما فيه من نقص ثلث القرآن أو كثير منه فإنه لو كان كذلك لتواتر نقله لتوفر الدواعي عليه ولاتخـذه غير أهـل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله ، ثم كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه ) ( كشف الغطاء ص 22 ) .

وقال السيد محمد الحسيني الشيرازي : ( إن القرآن الكريم لم ينقص منه حرف ولم يزد عليه حرف ولم يغير منه حتى فتح أو كسر أو تشديد أو تخفيف ، ولا فيه تقديم ولا تأخير بالنسبة إلى ما رتبه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته ، وإن كان فيه تقديم وتأخير حسب النزول فإن القرآن الذي كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هو نفس القرآن الموجود بأيدينا الآن ) ( بحث له بعنوان > متى جمع القرآن < وانظر كتابه : الوصائل إلى الرسائل ج 2 ص 97 – 100) .

قال العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ( قدس سرّه ) عنـد تفسيره لقـوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) : ( ... فهو ذكر حي خالد مصون من أن يموت وينسى من أصله ، مصون من الزيادة عليه بما يبطل به كونه ذكراً ، مصون من النقص كـذلك ، مصـون من التغيير في صورته وسياقه بحيث يتغير به صفة كونه ذكراً لله ، مبيّناً لحقائق معارفه ، فالآية تدل على كونه كتاب الله محفوظاً من التحريف بجميع أقسامه بجهة كونه ذكراً لله سبحانه فهو ذكر حي خالد ...) (الميزان في تفسير القرآن 12/102 – 104 ) .

وقال الشيخ المظفر في كتابه ( عقائد الإمامية ) وتحت عنوان ( عقيدتنا في القرآن الكريم ) : ( نعتقد أنّ القرآن هو الوحي الإلهي المنزّل من الله تعالى على لسان نبيّه الأكرم ، فيه تبيان كل شيء ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة ، وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية ، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، وهذا الذي بأيدنا نتلوه هو نفس القرآن المنزّل على النبي ، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه ، وكلهم على غير هدى ؛ فإنّه كلام الله الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) ... ) ( عقائد الإمامية 59 )

وقال السيد علي الشهرستاني : ( وقد انفرد هذا الدين العظيم عن الأديان السماوية بأن تكفّل الله سبحانه وتعالى حفظ كتابه من الضياع والاندثار والتحريف ، فقال : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) فلم يكن مصير القرآن المجيد مصير التوراة والإنجيل وباقي الكتب السماوية التي طالتها يدُ التحريف والتزييف والتبديل ) . ( منع تدوين الحديث صفحة 7 ) .

وقال محمد بن محسن الشهير بالفيض الكاشاني المتوفى سنة ( 1090 ) في المقدمة السادسة التي وضعها قبل التفسير في تفسيره ( الصافي ) بعد أن نقل من الرّوايات ما يوهم وقوع التحريف في كتاب الله : ( ... على هذا لم يبق لنا إعتماد بالنص الموجود ، وقج قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ * لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ } وقال : { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ } وأيضاً يتنافى مع روايات العرض على القرآن ، فما دلّ على وقوع التحريف مخالف لكتاب الله وتكذيب له ، فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله ) ( تفسير الصافي 1/33 – 34 المقدمة السادسة ) .

وقال في كتابه ( علم اليقين ) عند كلامه عن إعجاز القرآن المجيد وبعد أن نقل جملة من الرّوايات الموهمة بوقوع التحريف :
( ويرد على هذا كلّه إشكال وهو أنّه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه تكون محرّفة ومغيّرة وتكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن له حجة أصلاً فتنقضي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به .
وأيضاً قال الله عزّ وجل : { وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ * لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ } فكيف تطرّق إليه التحريف والنقصان والتغيير ؟! .
وأيضاً قال الله عزّ وجل : { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ } وأيضاً قد استفاض عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة - عليهم السلام - عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله ليعلم صحتّه بموافقته له وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الذي بين أيدينا محرّفاً مغيّراً فما فائدة العرض مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله .
ويخطر بالبال في دفع الإشكال – والعلم عند الله – أنّ مرادهم - عليهم السلام - بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ ، أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، فمعنى قولهم : كذا أنزلت : أنّ المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره ، وليس المراد أنها نزلت كذلك في اللفظ فحذف ذلك إخفاءً للحق وإطفاءً لنور الله .
ومما يدل على ذلك ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر - عليه السلام - أنّه كتب في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرّواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية . .. ) ( علم اليقين في أصول الدين 1/565 ) .

وقال الشيخ محمد السبزواري في تفسيره ( الجديد في تفسير القرآن المجيد ) عند تفسيره لقوله تعالى { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ } : ( أي أنّه سبحانه هو منزل القرآن على نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهو حافظه على مدى الأزمان من الهجر والمحاربة والتحريف والتغيير والزيادة والنقصان ، فليفعلوا ما شاؤوا فإننا نتولى حفظه ورعايته ولا يضرّه إنكارهم ) ( الجديد في تفسير القرآن المجيد 4/172 ) .

وقال الشيخ غلام رضا كاردان في كتابه (( الرّد على شبهات الوهابيّة )) :
(( تعتقد الشيعة الإمامية بأن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي لعامة المسلمين في العالم ، أنزله الله عزّ وجل بواسطة جبرئيل على نبيّه الأكرم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأنّ هذا الكتاب المقدّس مصون ومحفوظ عن التحريف وقد تعهّد عزّ وجل بهذا الحفظ بقوله تعالى { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ } وعلى أساس هذا الضّمان الإلهي ، فالقرآن الكريم مصمون من التحريف ، ولهذا فإن المسلمين مخالفون لفكرة التحريف وقد وقفوا ضدّها ) ( الرّد على شبهات الوهابية صفحة 5 –6 ) .

قال الشيخ محمد علي المعلم : ( على أن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف واستدلوا بعدّة أدلة من القرآن ومن أحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أنّ القرآن لا تحريف فيه ومن ذلك قوله تعالى : { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ } وقوله : { وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ * لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ } ومن الأحاديث قوله ’ : (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )) وغيرها من الأدلة بل إنّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية التي صرّح بها علماؤهم كالشيخ الصدوق محمد بن بابوبه القمي ، والشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، والطبرسي ، والسيد المرتضى ، والشيخ جعفر آل كاشف الغطاء ، والشيخ محمد جواد البلاغي ، وغيرهم من أقطاب العلماء والفقهاء الشيعة . بل قام إجماعهم على ذلك ) .
وقال أيضاً : ( وأما الرّوايات التي وردت في كتب الشيعة وظاهرها التحريف فهي : إمّا مردودة لا يعتمد عليها ، وإما مؤوّلة على وجوه أخرى لا تتنافى مع القول بسلامة القرآن عن التحريف .
والنتيجة أن الشيعة الإمامية لا تقول بتحريف القرآن ، ومجرد وجود رواية في كتبهم لا يعني الأخذ بها ، فما عند السّنة من ذلك الشيء الكثير ... ) ( الحقيقة المظلومة 103 – 105 ) .

وقال الشيخ لطف الله الصافي في كتابه ( مع الخطيب في خطوطه العريضة ) ما نصّه :
( القرآن معجزة نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - الخالدة وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله وبمثل سورة وآية منه ، وحيّر عقول البلغاء وفطاحل الأدباء ، بيّن الله تعالى فيه أرقى المباني وأسمى المباديء ، وأنزله على نبيّه دليلاً على رسالته ونوراً للناس وشفاء لما في الصدور ورحمة للمؤمنين ) .
وقال أيضاً : ( هذا القرآن هو كل ما بين الدّفتين وليس فيه شيء من كلام البشر ، وكل سورة من سوره وكل آية من آياته متواتر مقطوع به ولا ريب فيه ، دلّ عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر .
هذا القرآن عند الشيعة الإمامية ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلاً عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلاّ الجاهل أو المبتلى بالشذوذ ) ( مع الخطيب في خطوطه العريضة صفحة 44 – 46 ) .


وقال العلامة الشيخ البلاغي المتوفي سنة ( 1352 هـ ) في كتابه ( آلاء الرحمن في تفسير القرآن ) :
( ولئن سمعت من الرّوايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه فلا تقم لتلك الرّوايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في إضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شبه به ... ) ( آلاء الرّحمن في تفسير القرآن 18 ) .

وقال الشيخ المجلسي المتوفى سنة ( 1111هـ ) بعد أن ذكر الأحاديث الدّالة على نقصان القرآن ما نصّه :
( فإن قال قائل كيف يصحّ القول بأن الّذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة - عليهم السلام - أنّهم قرأوا ( كنتم خير أئمة أخرجت للناس ) وكذلك ( جعلناكم أئمة وسطا ... ) وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس ؟ قيل له : قد مضى الجواب عن هذا وهو أنّ الأخبار التي جاءت بتلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما بيّناه مع أنّه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين أحدهما ما تضمنه المصحف والثاني ماجاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى ... ) ( بحار الأنوار 92/75 ) .

وقال الشيخ جعفر السبحاني في كتابه ( رسائل ومقالات ) : ( القرآن الكريم هو المصدر الأول لدى المسلمين من غير فرق بين الشيعة وأهل السنة ، وهو كلام الله ووحيه وقوله وكتابه ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم ، وأنّه الحق الفصل ما هو بالهزل ، وأنّ الله تبارك وتعالى منزّله وحافظه صانه من الزيادة والنقيصة ، وهذه عقيدة كبار المحققين من الشيعة ) ( رسائل ومقالات صفحة 43 ) .
وقال في كتابه ( العقيدة الإسلامية ) : ( ... ولكن رغم وقوع التحريفات الواضحة في الكتب السماوية السابقة فإنّ القرآن الكريم بقي مصوناً من أي نوع من أنواع التحريف والتغيير ) ( العقيدة الإسلامية صفحة 169 ) .

قال السيد عباس علي الموسوي : ( القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على رسوله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، وقد نزل عليه بألفاظه وحروفه ، فبلغه النبي إلى أمّته كما نزل دون زيادة أو نقيصة ، فأدى الأمانة واجتنب الخيانة ، وأطاع الله فكان رسولاً نبياً .
وإن القرآن الكريم قد تكفل الله بحفظه وصانه من التحريف والتبديل { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } إنه تعهد من الله بحفظ كتابه ، حفظه من الزيادة والنقصان ، وقد تناقله المسلمون من الجيل الأول حتى وصل إلينا بالتواتر جليلاً بعد جيل ، ولم يهتم بشيء كما اهتمّ به ، ولم يعتني بأمر كما اعتني به ، فقد أولاه المسلمون من الإهتمام ما جعلهم يعرفون كل آية في موضعها ، بل كل كلمة أين محلها ، إنّه نقل إلينا بالتواتر المفيد للعلم الذي حصل لنا من خلاله أن لا زيادة فيه ولا نقصان منه – ولو حرفاً واحداً – وهذا هو رأي الشيعة والذي عليه المعتمد عندهم ، ومعه لا يلتفت إلى قول الشاذ منهم فإنّ الشاذ ليس حجة ، ولا يكشف عن رأي المجموع خصوصاً بعد أن سبقه الإجماع ولحقه ، كما لا يلتفت إلى بعض الأخبار الغريبة القائلة بنقصانه فإنّه لا يجوز التعويل عليها ولا الإستشهاد بها ... ) ( شبهات حول الشيعة 36 ) .

وقد وجه لسماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحائري سؤال مفاده : ( ما هو ردّكم على من يقول بأن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية يقولون بتحريف القرآن الكريم ، وأنّه قد زيد فيه ونقص منه ؟ ) و ( ما هو رأيكم في الرّوايات الواردة في بعض المصادر الشيعية والتي توهم بوجود التحريف في القرآن الكريم ) فقال :
( القول بتحريف القرآن لدى نادر من الشيعة موجود وكذلك موجود لدى بعض السّنة ، أمّا الرّأي الصحيح الذي عليه مشهور الشيعة والمحققون فهو نفي التحريف ، ومن جملة الأدلة عندهم على نفي التحريف قوله عزّ وجل : { إنّا نحن نزلنا الذّكر وإنّا له لحافظون } وكل ما وردت من روايات التحريف سواء لدى الشيعة أو لدى السّنة فهي روايات مزوّرة ومحرّفة ) .

ووجه نفس السؤال لسماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم فكان جوابه : ( الصحيح أنّ القرآن الموجود بين الدفتين هو القرآن النازل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قبل الله تعالى دون زيادة ونقيصة ، وهذا هو المعروف بين علمائنا قديماً وحديثاً وابتنى عليه إجماعهم العلمي ، وإن رويت أخبار على خلاف ذلك في بعض مصادر الفريقين – خاصة من الطرق المعتمدة لدى الجمهور – إلاّ أنّها لا يعتمد عليها ، وهي لا تقوى على زعزعة واقع القرآن الشريف والتشكيك به ، فإنّ القرآن يثبت نفسه بنفسه ، وأنّه ليس من إنشاء البشر كما قال تعالى : { وَما كانَ هَذا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دونِ اللَّهِ } وهو من أجل ذلك في غنى عن التواتر ، ولذا صار معجزة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وشاهداً لصدقه ، وأمّا ما تضمنته بعض الرّوايات من بعض الزّيادات فهو مما يقطع بعدم كونه قرآناً ، لهبوط مستواه ، وضعف بيانه ، وركّة أسلوبه ، وكفى بذلك حجة على عدم التحريف ، وأمّا فرضية النقيصة فهي مرفوضة لما أشار إليه السيد المرتضى - قدس سرّه - من اهتمام المسلمين بالقرآن ، المانع من ضياعه ، كما أنّ استشهادات المسلمين من الصدر الأول بالقرآن الشريف في مقام الاحتجاج وغيرخ – رغم كثرتها – تشهد بعدم التحريف ، إذ لم يرد في كلامهم – ولو صدفة – الاستدلال أو الاستشهاد بشيء يصلح أن يكون قرآناً في أسلوبه وبيانه غير ما هو موجود في المصحف الشريف .
ومن خلال ما تقدم يظهر بطلان ما نسب لبعض الأحناف من أنّ النازل على الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هو المعاني ، وأنّ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - صاغها بالألفاظ الموجودة .
وجدير بالمسلمين الاهتمام بكتابهم المجيد والالتزام بتعاليمه القيمة ، كما قال تعالى : { إِنَّ هَذا الْقُرْآنَ يَهْدي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ } بدلاً من الاستماع إلى نداء الشيطان بالمهاترات الباطلة وتمزيق شمل الأمّة ، والله سبحانه هو المسدد والعاصم ) .

ووجه أيضاً نفس السؤال إلى المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني حفظه الله فكان الجواب : ( القول بالتحريف منقول عن الصحابة وعلماء السنة ، أما الصحابة فإن عمر بقي إلى آخر عمره مصرّاً على أن آية الرجم وآية إطاعة الوالدين جزء من القرآن ، والمسلمون رفضوا ذلك ، ومصحف عبد الله بن مسعود يختلف عن المصاحف المشهورة إختلافاً فاحشاً ، وهناك سورتان مرويتان في صحاح أهل السنة ولم تردا في القرآن وهما سورتا الحفد والخلع ، وأمّا الشيعة فالصحيح عندهم هو عدم التحريف ، وقد أمر الأئمة - عليهم السلام - بتلاوة القرآن كما هو المشهور ، واستدلوا بنفس هذه القراءات المشهورة ، وأما الروايات فأكثرها ضعيفة وقسم منها مأول بإرادة التفسير وغيره ) .

وقال العلامة مصطفى خميس : ( القرآن الكريم هو كلام الله الموحى إلى نبيّه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، عن طريق جبرئيل - عليه السلام - وهو المجموع في المصحف المطهر ، الموجود بين الدفتين ، بين أيدي الناس اليوم ، من غير زيادة ولا نقصان ولا تحريف ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تعهّد الله تعالى بحفظه في قوله : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .
وصل إلينا بالتواتر جيلاً بعد جيل لم ينقص منه حرف ، ولم يزد عليه حرف من عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحتى اليوم ، وسيبقى هكذا إلى الأبد ، وقد أجمع على ذلك كافة المسلمين ، وعموم أئمة أهل البيت - عليهم السلام - ، وعلماء مدرستهم الفقهية ، وشيعتهم على هذا الإجماع .
وقد بلغت سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة ، أوّلها سورة الفاتحة ) . ( لا تضيّعوا السّنة صفحة 69 ) .

وعليه فقد ظهر لك أيها القاريء الكريم أن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية يؤمنون بهذا القرآن الكريم الموجود في أيدي المسلمين وهو مرجعهم الأساس في أخذ المعارف وأحكام الدين وأنه لم يزد فيه ولم ينقص منه وأن الشيخ عبد الله الجنيد ما هو إلاّ أفّاك كذاب مفتر عليهم .

قال الجنيد في كتابه المذكور صفحة 6 :
( ولقد نقل النوري الطبرسي عن نعمة الله الجزائري أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المتواترة الدّالة على وقوع التحريف في القرآن )

أقول :

أولاً : لو قلنا أنّ الأصحاب أطبقوا على عدم صحّة الأخبار الدالة على وقوع التحريف في القرآن المجيد لما جانبنا الصواب ، لأنّ المتتبع لآراء علماء الشيعة ومحققيهم حول هذه المسألة يظهر له جلياً أنّهم لم يقيموا لمثل هذه الأخبار قيمة ولم يعيروها أي أهيمة ، بل ضربوا بها عرض الجدار .

ثانياً : إن ما نقلناه فيما سبق من أقوال وكلمات لبعض مراجع الطائفة اشيعية وفقهائها وعلمائها ومحققيها لهو خير دليل على أنّهم لم يلتفتوا لهذه الرّوايات ولم يعتدوا بها وطرحوها جانبا ، ولم يخلو تصريح بعضهم بعدم التحريف من إشارة إلى عدم الإعتداد بمثل هذه الرّوايات ، وكمثال على ذلك فهذا السيد الإمام الخميني - قدس سرّه - يقول ضمن حديثه الذي نقلناه سابقاً والذي ينفي فيه وقوع التحريف في الكتاب العزيز : ( وما ورد فيها – يقصد مزعومة التحريف - من أخبار حسبما تمسكوا إما ضعيف لا يصلح الاستدلال به أو مجعول تلوح عليه أمارات الجعل أو غريب يقضي بالعجب أما الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل والتفسير وإن التحريف إنما حصل في ذلك لا في لفظه وعباراته ) ( تهذيب الأصول ج 2 ص 165 تقريرات درس الإمام الخميني رحمه الله) ، ونقلنا أيضاً كلام العلامة البلاغي القائل : ( ولئن سمعت من الرّوايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه فلا تقم لتلك الرّوايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في إضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس له شبه به ... ) ( آلاء الرّحمن في تفسير القرآن 18 ) .

وعليه فإن دعوى الإطباق التي ادّعاها الجزائري باطلة وغير صحيحة .

قال الشيخ الجنيد في صفحة 6- 7 من كتابه المذكور :
( كما يؤكد الكليني في كتابه الكافي أنّ مجموع الآيات التي نزلت على النبي (ص) سبع عشر ألف آية ، علماً بأنّ الآيات التي بين أيدينا في المصحف المتداول تقارب السّتة آلاف آية فقط )
أقول :
أولاً : إن صاحبنا في كلامه هذا وفي غيره كما سيأتي يمارس التدليس بأبشع صوره حيث يذكر مضموناً لرواية نقلها العلامة الكليني قدس سره في كتابه الكافي ويطرحها للقارئ على أنها من كلام الكليني ، مع أنه ليس من كلامه وإنّما هي رواية رواها عن غيره ، فهل هناك تدليس فوق هذا التدليس وتلبيس أعظم من هذا التلبيس ؟! .
ثانياً : إن هذه الرّواية موثقة بمعنى أن الرّواة الوقعين في سندها من المنصوص على وثاقتهم ، فهي من حيث سندها غير مطعون فيها ، ولكنّ قبول الرّواية عند الشعية الإمامية الإثنى عشرية والاعتماد عليها والقول بمضمونها لا يقف عند ثبوت صحة سندها لتكون حجة عليهم بل إنّ عندهم قواعد أخرى يطبقونها على الرّواية بعد ثبوت صحة السند ومنها أن لا تكون الرّواية مخالفة لكتاب الله عزّ وجل ، وهذه الرّواية لو فرضنا أنها تدل على أنّ القرآن الكريم ناقص قد ضاع منه الكثير فلا إعتبار لها عند الشيعة بل يضربون بها عرض الجدار لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم : { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ } وقال : { لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ } .
ثالثاً : إنّ هذه الرّواية من الرّوايات الشاذة النادرة ، ولذلك ذكرها العلامة الكليني عليه الرّحمة تحت عنوان ( النوادر ) والنوادر هي التي لا عمل عليها كما قال الشيخ المفيد في ( جوابات أهل الموصل صفحة 19 ) ، وقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر – عليه السلام - الأمر بترك الشاذ والنادر قال : ( ... ينظر إلى ما كان من روايتهم في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشّاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ) ( الكافي 1/67 ، جواهر الكلام 40/32 ، فقه الرّضا 52 ) .
رابعاً : إنّه ومن باب الرّد على الخصم بما ألزم به نفسه نقول : إنّ روايات أهل السّنة صرّحت بأنّ القرآن الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليس كلّه الموجود في المصحف الشريف الذي بأيدي المسلمين ، وإنما ذهب منه قرآن كثير (1) ويدّعون أنه مما نسخ من القرآن الكريم ، فلماذا لا يعتبر الجنيد هذه الرّواية ناظرة إلى جميع ما نزل من القرآن الكريم بما فيه الذي يزعمون أنه منسوخ ؟! (2) لماذا لا يوجهها مثل ما يوجه هو وعلماء السّنة رواياتهم الصريحة في ضياع الكثير من القرآن الكريم (3) بدل أن يشنّع من خلالها على الشيعة وعنده من الرّوايات ما يفيد مثلها كثير ، حيث أن هذه الرّواية لا تقول بأن القرآن الموجود في المصحف هو بهذا العدد من الآيات بل تقول أن الذي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو بهذا العدد .
خامساً : إن عند أهل السّنة من الرّوايات ما يشابه هذه الرّواية قال السيوطي : (( وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعاً : القرآن ألف ألف حرف فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين )) (4) ، والمنقول عن أكثر القراء أنّ عدد حروف القرآن هو : ( 323671 ) وإذا طرحنا هذا العدد من مليون حرف يكون العدد الساقط هو : ( 676329 ) حرفاً !! وهذا يعني أنّ القرآن الذي بأيدينا أقل من ثلثه .
فبماذا سيجيب الشيخ الجنيد ؟!
____________________________
هامش
(1) فعن ابن عمر قال : لا يقولّن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه ، قد ذهب منه قرآن كثير !!! ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر . ( الإتقان في علوم القرآن 2/25 ، الدّر المنثور 2/298 ، تفسير روح المعاني للالوسي 1/25 ) .
(2) قال السيوطي في كتابه الدّر المنثور 5/179 : أخرج عبد الرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن منيع والنسائي والدار قطني في الأفراد وابن المنذر ، وابن الأبناري في المصاحف ، والحاكم في المستدرك وابن مردويه والضياء في المختارة عن زر قال : قال لي أبيّ بن كعب : كيف تقرأ سورة الأحزاب ؟ أو كم تعدّها ؟ قلت : ثلاثاً وسبعين آية فقال أبيّ : قد رأيتها وإنّها لتعادل سورة البقرة وأكثر من سورة البقرة ، ولقد قرأنا فيها : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجمهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) فرفع منها ما رفع .
(3) عن ابن شهاب قال : بلغنا أنّه كان أنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب . ( كنز العمال 2/584 حديث رقم : 4778 ) .
(4) الاتقان في علوم القرآن 1/242 – 243 ، الدّر المنثور 6/422 ، المعجم الأوسط للطبراني 6/361 ، الجامع الصغير للسيوطي 2/264 حديث رقم : 6184 .


قال الجنيد في صفحة 7 من حواره الهادئ : ( كما يؤكد – يقصد الشيخ الكليني – بأنه لم يجمع المصحف كلّه إلاّ الأئمة ، راوياً عن جعفر الصادق ( رضي الله عنه ) أنّه قال : وأنّ عندنا مصحف فاطمة والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ) .

أقول : إنظر أيضاً تدليسه وتلبيسه مرة أخرى حيث ينقل نصاً من مضمون رواية أوردها الشيخ الكليني رحمه الله في كتابه الكافي ينقلها للقاريء على أنها من كلام الكليني ، كما أنّه حرّف في مضمون الرّواية ولم ينقله صحيحاً ، والرّواية هي : (عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كله كما أنزل إلاّ كذاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام .
وبما أن صاحبنا سقيم الفهم لمعاني الألفاظ والكلمات أراد أن يشنّع بهذه الرّواية على الشيعة مع أنّه ليس فيها دلالة على التحريف ، ومعناها الصحيح هو أن المراد بجمع القرآن الكريم وحفظه كما أنزله الله سبحانه وتعالى هو جمعه مرتباً حسب النزول ، السابق نزولاً قبل اللاحق والمكي قبل المدني ، والمنسوخ قبل الناسخ وهكذا .. فمما لا شكّ فيه أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد تفرّد بكتابة القرآن الكريم وجمعه على التنزيل ، وحسب تسلسل السور والآيات من حيث النزول وأنّ مصحفه عليه السلام كانت سوره وآياته مرتبة حسب هذه الكيفية ( سنذكر إن شاء الله تعالى الأدلة على ذلك من مصادر أهل السنة ) وقد ورث بقية الأئمة عليهم السلام مصحف جدّهم عليه السلام هذا ، والذي لا يختلف عن القرآن الموجود والمتداول في أيدي المسلمين بشيء إلاّ من حيث الترتيب ، وما به من تفسير للآيات حسب الوارد في تفسيرها من طرق الوحي ، وهو الآن موجود مع الإمام المهدي الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف حسب ما تفيد بعض رواياتنا .
وعليه فإنّ الإمام الباقر عليه السلام لا يدّعي أنّه لا يوجد أحد جمع آيات كتاب الله سبحانه وتعالى كاملة أو أنّه لم يحفظ آياته أحد من الأمّة كما فهم الشيخ عبد الله الجنيد بفهمه السقيم ، بل أراد عليه السلام من قوله هذا أنّه لم يجمع القرآن ويحفظه بالكيفية التي ذكرت أحد من الأمّة سوى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وبقية الأئمة الطاهرين من ولده عليهم السلام .

ويظهر لي أن الرجل لسقم فهمه أيضاً يحسب أن مصحف فاطمة الوارد ذكره في رواية الإمام الصادق عليه السلام هو قرآن ، حيث يظن أنّ لفظة مصحف تعني قرآناً وهذا من جهله بلغة العرب ، أو لم يفهم قول الإمام عليه السلام : (مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحدُ ) فالإمام في قوله هذا يخبر أن حجم مصحف فاطمة من حيث كمية ومقدار المادة المكتوبة يساوي مقدار المادة المكتوبة الموجودة في المصحف الشريف ثلاث مرات ، وينفي فيه أن يكون في مصحف فاطمة شيء مما هو موجود في المصحف الشريف ، بل هناك روايات أخرى صريحة تنفي كونه قرآنا ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( ... ومصحف فاطمة ، أما والله ما أزعم أنّه قرآن ... ) ( بحار الأنوار 26/45 ) وعنه عليه السلام قال : ( ... وعندنا مصحف فاطمة ، أما والله ما هو بقرآن ... ) ( بحار الأنوار 26/38 ) وعنه عليه السلام : ( ... وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام ، ما هو في القرآن ... ) ( بحار الأنوار 47/271 ) وقد صرّحت الرّوايات الواردة عن أهل بيت النبوّة عليهم السلام عن مضمون هذا المصحف ففي الرّواية عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( إن الله تعالى لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عز وجل ، فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدثها (1) فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت فقولي لي فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً ، قال : ثم قال : أما أنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون ) ( الكافي 1/240 ) .
ونقل الشيخ الجنيد في هامش صفحة 6 من حواره الهاديء ! كلاماً – أراد من خلاله التدليس على القاريء لكتابه أو المستمع له ليوهمه بأنّ ما ينقله من روايات من كتاب الكافي كلها صحيحة - مفاده أنّ علماء الشيعة يقولون بصحة جميع روايات كتاب الكافي ، وهذا غير صحيح ، فإنّ كتاب الكافي به من الرّوايات الصحيح والموثق والحسن والضعيف ، وليس كل رواياته صحيحة ، وما ينقله هؤلاء القوم من كلام لبعض أعلام الطائفة يصرحون فيه بأنّ كتاب الكافي من الكتب المعتبرة وأنه من أحس وأوثق وأتقن كتب الشيعة فإن هذا التقييم للكتاب تقييم له في الجملة وليس حكماً تفصيلياً عليه فلا يعني كلامهم أنّ كل رواية في كتاب الكافي صحيحة ومعتبرة .

ونقل في هامش صفحة 7 وأيضاً في أصل صفحة 8 عن الفيض الكاشاني من تفسيره الصافي قولاً يزعم فيه أنّ اعتقاد الكليني قدس سرّه هو التحريف والنقصان في القرآن الكريم لأنّه روى روايات بهذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرّض لها بشيء من القدح ، كما ويزعم أنّ الشيخ الكليني ذكر في أوّل الكتاب أنّه كان يثق بما رواه فيه .. ونقول : أنّ هذا غفلة وخطأ من العلامة الفيض رحمه الله فالكليني روى في كتابه الكافي أكثر من ستة عشر ألف رواية ولم يعلق على واحدة منها ، ثم إنّ عدم التعليق على رواية ما أو القدح فيها لا يعني أنّ راويها وناقلها يؤمن ويعتقد بمضمونها ، ولم يصرّح العلامة الكليني في مقدمة كتابه بأنّه يثق بكل ما رواه كما نسب إليه الفيض فهذا اشتباه منه ، بل إنّ هناك كلاما له في المقدمة يفهم منه أنه لا يقول بصحة جميع الرّوايات الكافي وذلك في قوله الذي يرشد فيه إلى الأخذ بالقاعدة التي أرشد إليها المعصومون عليهم السلام وهي قاعدة عرض الرّواية على كتاب الله عزّ وجل ، فإن وافقته يؤخذ بها وإلاّ فترد .
____________________________
هامش
(1) إن بعض الجهال يتوهم أنّ هناك تلازما بين النبوّة وتحديث الملائكة ، ولذلك يتهم الشيعة الإمامية الإثنا عشرية – بسبب ما ورد عندهم من أخبار وقولهم أن السيدة الزهراء عليها السلام محدثة وأن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام محدّثون - بأنهم يعتقدون أن السيّدة الزهراء عليها السلام والأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام يوحى إليهم وبالتالي فهم أنبياء ويرمونهم بفرية عدم اعتقاد ختم النبوّة بنبوّة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم اعتماداً على الملازمة المزعومة بين تحديث الملائكة وبين النبوّة ، وهذا جهل من هؤلاء ما بعده جهل ، فالقرآن الكريم يحدثنا عن بعض النساء اللاتي حُدّثْن من قبل الملائكة وأوحى سبحانه وتعالى إلى بعضهن ولا قائل بنبوتهن ، فهذا القرآن الكريم يحدثنا أن الملائكة حدّثت السيدة العذراء مريم عليها السلام وأخبرتها باصطفاء الله سبحانه وتعالى لها وتطهيرها واصطفائها على نساء العالمين قال تعالى : { وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمينَ } ( آل عمران : 42 ) ، ويخبرنا بأن الملائكة حدّثتها وبشرتها بابنها المسيح عليه السلام ، قال تعالى : { إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسيحُ عيسى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيهاً في الدُّنْيا والآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبينَ } ( آل عمران : 45 ) ويخبرنا بنزول جبرئيل عليه السلام عليها وتحديثه لها وإخباره لها بأن الله سبحانه وتعالى أرسله إليها ليهب لها غلاماً زكيّا قال سبحانه وتعالى : { فاتَّخَذَتْ مِنْ دونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيّاً * قالَتْ إِنّي أَعوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً } ( مريم : 17 – 19 ) ويخبرنا أنّ الملائكة حدّثت زوجة إبراهيم عليه السلام وبشّرتها بأنّ الله سبحانه وتعالى سيرزقها الولد قال تعالى : { وامْرأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقوبَ * قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنا عَجوزٌ وَهَذا بَعْلي شَيْخاً إِنَّ هَذا لَشَيْءٌ عَجيبٌ * قالوا أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ } ( هود : 71 – 73 ) ويخبرنا أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى أمّ موسى عليه السلام ، قال سبحانه : { وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقيهِ في الْيَمِّ وَلا تَخافي وَلا تَحْزَني إِنّا رادّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلوهُ مِنَ الْمُرْسَلينَ } ( القصص : 7 ) ، فهذه نماذج من النساء حدثنا القرآن الكريم عنهن ولم يكنّ نبيات ومع ذلك شاهدن الملائكة وحدثنهم أوأوحي إلى بعضهن بطريق آخر غير التحديث وهذا مما لا يمكن أن ينكره أحد بعد أن أخبر عنه كتاب الله المجيد ، وقد دلّت الأخبار أن السّيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت محدّثة ، ولا يستلزم ذلك كونها نبيّة كما لم يستلزم كون مريم عليها السلام وزوجة إبراهيم وأم موسى أن يكنّ كذلك ، ولا يعدّ القول بأنّ فاطمة عليها السلام محدّثة غلواً فيها وفي فضائلها ، ولا شيئاً من ذلك ، فهي سلام الله عليها سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وأفضل من مريم ومن سارة زوجة إبراهيم ومن أم موسى فقد روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : ( فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ) ( صحيح البخاري 4/29و 219 ) وهي التي أثبت الله طهارتها وطهارة زوجها وابنيها الحسن والحسين عليهم السلام من كل ألأرجاس والأدناس ، قال سبحانه وتعالى : { إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً } ( الأحزاب : 33 ) حيث خصص النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفهوم أهل البيت في هذه الآية بهؤلاء فقط ففي الرّواية عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لما نزلت هذه الآية على النبي (ص) { إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً } في بيت أم سلمة ؛ فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء ؛ وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك ، وأنت على خير ) ( صحيح سنن الترمذي للشيخ الألباني 3/306 نشر مكتبة المعارف للنشر والتوزيع بالرياض سنة الطبع 1420 هـ - 2000 م ) فكيف يستبعد أو يستغرب أن تحدّثها عليها السلام الملائكة ؟ . كما يتوهم هؤلاء الجهلاء أيضاً أنّ هناك تلازماً بين الوحي وتحديث الملائكة وبين القرآنية وهذا جهل أيضاً ، فليس كل ما يأت به الوحي أو تخبر به الملائكة يعد قرآنا ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحدثه جبرئيل عليه السلام والملائكة ولم يكن كل ما يحدث به قرآناً بل كان يحدث ويوحى إليه بالقرآن وغيره ، مثل تفسير القرآن الكريم وبيان معناه ، ومثل الأحاديث القدسية وإخباره ببعض الأمور والتوجيهات والتعليمات التي لا تمس إلى القرآنية بصلة ولا يعدها أحدٌ أنها قرآن .


قال الجنيد في صفحة 8 :
( يؤكد صاحب تفسير الصافي في مقدمته أن القرآن الذي نزل بين أظهرنا لم ينزل بتمامه كما أنزل على محمد (ص) ، بل إنّ منه ما هو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو محرّف ، ومنه ما حذف منه المنافقون الكثير مثلما فعلوا في حذف اسم ( علي ) من القرآن ، قال : > وحذفوا أيضاً لفظ ( آل محمد ) وأسماء المنافقين ) .
أقول : إن هذا القول الذي نسبه إلى العلامة الفيض الكاشاني رحمه الله ليس رأياً له وإنما هو مضامين لروايات نقلها في مقدمة تفسيره ، إلاّ أنّ صاحبنا الجنيد كعادته يمارس التدليس والتلبيس والتزوير والكذب ، فنقل الكلام وكأنه رأي واعتقاد للعلامة الفيض ، ولم ينقل نص كلامه الذي ينفي فيه التحريف عن الكتاب المجيد ويرد كل الروايات القائلة بالتحريف أو الموهمة لذلك ، حيث قال قدس سرّه : ( ... على هذا لم يبق لنا إعتماد بالنص الموجود ، وقد قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ * لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ } وقال : { إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ } وأيضاً يتنافى مع روايات العرض على القرآن ، فما دلّ على وقوع التحريف مخالف لكتاب الله وتكذيب له ، فيجب ردّه والحكم بفساده أو تأويله ) ( تفسير الصافي 1/33 – 34 المقدمة السادسة ) .

قال الجنيد في صفحة 8 :

( ولا تزال للنوري الطبرسي مكانته المرموقة بين أوساط الشيعة وعلمائهم بالرغم من كتابه ( فصل الخطاب ) الذي أثبت فيه بحماس شديد اعتقاد التحريف عند عامّة علماء الشيعة ، بعد أن جمع فيه ألفي رواية حول تحريف القرآن كانت متفرقة مبعثرة في مختلف كتب الشيعة منها كتاب الكافي للكليني ، وكوفيء على فعلته هذه بأن دفنوه في أشرف مقبرة عند الشيعة وهي الحجرة المرتضوية بالنجف الأشرف ) .
أقول : أولاً : إذا كانت هناك مكانة مرموقة للعلامة النوري الطبرسي ، فهي ليست لأنّه ألف كتاب ( فصل الخطاب ) وإنّما لخدماته العلمية ، فهل يخبرنا الجنيد - إن لم يكن مفترياً ومتفوهاً بذلك رجماً بالغيب - ممن سمع من علماء الشيعة أو في أي كتاب قرأ لعالم شيعي يقول فيه أن الشيعة كرّموا هذا الرجل لكتابه فصل الخطاب ؟! ومن أين علم وممن سمع وفي أي كتاب قرأ أنّ سبب دفن العلامة الطبرسي في الحجرة المرتضوية بالنجف الأشرف كان بسبب كتابه فصل الخطاب ؟!
أنني أقطع بأنه لن يجد ما يثبت به كلامه .
إذاً لماذا الكذب والإفتراء ؟ .
ثانياً : أما بالنسبة لكتاب فصل الخطاب والذي اتخذه أعداء الشيعة وسيلة للطعن على جميع الطائفة - مع أنّ ما في هذا الكتاب لا يمثّل إلاّ رأي مؤلّفه الشخصي ولا يعبر عن رأي جميع أفراد الطائفة - فقد قام بعض العلماء من المعاصرين لمؤلفه والمتأخرين عنه بنقد هذا الكتاب والرّد على مؤلفه ، فمن معاصريه العلامة المحقق محمد بن أبي القاسم الشهير بالمعرّب الطهراني في رسالة أسماها ( كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب ) والعلامة السيد محمد حسين الشهرستاني في رسالة أسماها ( حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف ) ، ومن المتأخرين عنه قلما ألف عالم من الشيعة كتاباً في نفي التحريف عن القرآن الكريم إلاّ وتعرّض بالنقد للشيخ النوري والرّد على كتابه فصل الخطاب .
نعم كيف يكون هذا الكتاب مورد تشنيع على الطائفة بأجمعها ، وعلماؤها منذ اليوم الذي ظهر فيه ينقضون ما جاء فيه ويبطلونه ويثبتون خلافه ؟ .
ولا يتصور البعض أنّ علماء الشيعة المعاصرين للشيخ النوري وطلبة الحوزة العلمية في زمانه قد ستكوا عن الكتاب ومؤلفه ، بل حدثت في أوساطهم ضجة كبيرة ضد الكتاب ومؤلفه ، يدلنا على ذلك التقريض الذي كتبه السيد هبة الدين الشهرستاني على رسالة البرهان التي ألّفها الميرزا مهدي البروجري بقم المقدسة سنة 1373 هـ فكان من جملة ما قال فيها :
( ... كم أنت شاكر لمولاك إذ أولاك بنعمة هذا التأليف المنيف بعصمة المصحف الشريف عن وصمة التحريف ، تلك العقيدة الصحيحة التي آنست بها منذ الصغر ايام مكوثي في سامراء مسقط رأسي حيث تمركز العلم والدين تحت لواء الإمام الشيرازي الكبير ، فكنت أراها تموج ثائرة على نزيلها المحدّث النوري بشأن تأليفه كتاب فصل الخطاب فلا تدخل مجلساً في الحوزة العلمية إلاّ وتسمع الضّجة والعجّة ضدّ الكتاب ومؤلّفه وناشره يسلقونه بألسنة حداد ... ) ( البرهان للبروجردي ص 143 ) .


قال الجنيد صفحة 9 – 10 تحت عنوان نماذج من الآيات المحرفة :
( وهناك آيات وكلمات ادّعى الكليني والقمّي ( من أئمة الشيعة ) أنّها محذوفة من القرآن الموجود . أذكر منها على سبيل المثال :

1- ومن يطع الله ورسوله ( في ولاية علي والأئمة بعده ) فقد فاز فوزاً عظيماً . (1) .
2- سأل سائل بعذاب واقع ، للكافرين ( بولاية علي ) ليس له دافع . (2)
3- وإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا ( في ولاية علي ) (3) .
4- وسيعلم الذين ظلموا ( آل محمد ) أيّ منقلب ينقلبون (4) .
5- كنتم خير أمّة أخرجت للناس . روى القمي عن أبي عبد الله أنّه قال : يقتلون الحسن والحسين ويكونون خير أمة أخرجت للناس ؟ فقيل له ؟ فكيف نزلت ؟ قال : كنتم خير أئمة أخرجت للناس (5) .
6- ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ( في علي ) (6) .
7- يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربّك ( في علي ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، جاء في تفسير نور الثقلين أنه لما نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) قال لعلي بن أبي طالب : لو لم أبلّغ ما أمرت به من أمر ولايتك لحبط عملي (7) .
هذه بعض من الآيات التي ادّعوا وقوع الحذف والتغيير فيها ، واتهموا الصحابة بفعل ذلك ، غير منتبهين إلى أنّ هذا الإدّعاء يطعن ويشكك في قول الله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والذي يعني أن الله سيصون قرآنه – الذي بين أيدي الناس – ويحفظه من أن يتعرض لأي زيادة أو نقصان ) .


أقول : لقد روى علماء أهل السنة في مصنفاتهم من صحاح ومسانيد وكتب سنن وغيرها مثل هذه الرّوايات الكثير الكثير ، والفرق بين روايات الشيعة وروايات أهل السنة أن روايات الشيعة أكثرها ضعيفة وبعضها يراد به التحريف في المعنى لا اللفظ ، وأن الزيادات الواردة في بعض الروايات الموهمة على أنها من القرآن الكريم مؤولة على التفسير ، أما روايات أهل السنة فهي صحيحة مروية في صحاحهم وكتبهم المعتبرة وصريحة في وقوع التحريف في الكتاب المجيد (8) ، وأنقل هنا نماذج من هذه الرّوايات ، ليتبينّ من هو الذي يقول بوقوع التحريف في القرآن ، ومن الذي ينسب إلى الصحابة التحريف فيه هل هم الشيعة أم غيرهم : -

1- أخرج ابن حبّان في صحيحه رواية بسنده عن سعيد بن جبير – والرّواية طويلة – قال في آخرها : ( ... وكان ابن عبّاس يقرأ : وأمّا الغلام كان كافراً وكان أبواه مؤمنين ، ويقرأ : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً ) . ( صحيح ابن حبّان 14/ 107 حديث رقم : 6220 ، وقال محقق الكتاب الشيخ سعيد الأرنؤوط عن الحديث : ( إسناده صحيح على شرط مسلم ) وفي صحيح البخاري روى بسنده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقرأ : ( أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ، وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين ) ( صحيح البخاري 3/1246 ) وفي مكان آخر يقول البخاري : ( قال سعيد بن جبير : فكان ابن عباس يقرأ : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً ، وكان يقرأ : وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين ) ( صحيح البخاري 4/1752 ) . وروى الحميدي في مسنده بسنده عن سعيد بن جبير أن سعيد بن جبير قال : ( وكان ابن عباس يقرأ : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً ، وكان يقرأ : وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين ) ( مسند الحميدي 1/182 ) .
وما هو موجود في المصحف بالنسبة للآية الأولى : { وَأَمّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً } ( الكهف : 80 ) وأما بالنسبة للآية الأخرى فالموجود في المصحف هو : { وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفينَةٍ غَصْباً } ( الكهف : 79 ) ، فهذه الروايات الصحيحة عند أهل السنّة تنسب إلى هذا الصحابي الجليل ابن عباس أنّه كان يقرأ القرآن الكريم محرفاً على خلاف ما هو في المصحف !! .

2- وفي مجمع الزوائد للهيثمي قال : ( عن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب حدث أنه كان يكتب المصاحف في عهد أزواج النبي (ص) قال فاستكتبتني حفصة مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني بها فأملها عليك كما حفظتها من رسول الله (ص) قال : فلما بلغتها جئتها بالورقة التي أكتبها فيها فقالت : أكتب ( حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى (و) صلاة العصر وقوموا لله قانتين ) قال الهيثمي رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ) (9) .
والآية الكريمة ليس فيها ( وصلاة العصر ) بل هي هكذا : { حافِظوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الْوُسْطى وَقوموا لِلَّهِ قانِتينَ } ( البقرة : 238 ) . فانظر كيف تنسب هذه الرّواية السّنيةالصحيحة إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر أنها حرّفت هذه الآية وأضافت على كلام الله جل شأنه ما ليس منه .

3- أخرج الحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك على الصحيحين بسنده عن عمرو ذي مر أنّ علياً عليه السلام قرأ : ( والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر ) قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ( المستدرك على الصحيحين 2/534 ) (10) ، وعبارة ( ونوائب الدهر ) ليست في المصحف الشريف ، فهذه الرواية الصحيحة تنسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام التحريف في كتاب الله وقراءته للقرآن على خلاف ما أنزله الله عزّ وجل وأدخال ما ليس من كلام الله في كلامه .
4- وأخرج البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّه قال : ( لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين ... ) (11) وعبارة ( ورهطك منهم المخلصين ) ليست من أبعاض القرآن الكريم فلا توجد مثل هذه العبارة في المصحف الشريف ، فهذه الرّواية الصحيحة تنسب إلى ابن عبّاس أنّه كان يدّعي أن هذه العبارة نزلت بمعية قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) .
5- وقال السيوطي في الدّر المنثور : ( وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله (ص) : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربّك – أنّ علياً مولى المؤمنين – وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس ) ( الدّر المنثور 2/298 ) .
وعبارة ( أن علياً مولى المؤمنين ) لا وجود لها في المصحف الشريف .
6- وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره بسنده عن أبي عون الثقفي أنّه سمع صبيحاً قال : ( سمعت عثمان يقرأ : ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم ) (12) ، ولا توجد عبارة ( ويستعينون الله على ما أصابهم ) في القرآن .

7- وأخرج مسلم بن الحجاج في صحيحه بسنده عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال : ( أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً ، قالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني > حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى < فلما بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ > حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين < قالت عائشة : سمعتها من رسول الله (ص) ) (13) ، والمصحف الشريف لا توجد فيه عبارة ( وصلاة العصر ) .

8- وأخرج السيوطي في كتابه ( الإتقان في علوم القرآن ) عن حميدة بنت أبي يونس قالت : ( قرأ عليّ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة : > إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما وعلى الذين يصلون في الصفوف الأول < قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف ) ( الإتقان 2/67 ) .
نعم هذه مجموعة من روايات أهل السنة مروية في صحاحهم وكتبهم المعتبرة تنسب إلى مجموعة من الصحابة أنهم كانوا يقرؤون بعض الآيات على خلاف ما هو موجود في المصحف الشريف بإضافة كلمة أو أكثر ليس لها وجود في الكتاب المجيد ، إذاً أين ذهبت هذه الكلمات والعبارات والألفاظ؟ ! .
ولماذا لم تكتب في المصحف الشريف ؟!
أليس معنى ذلك أنّ القرآن تاقص منها ؟!
والقول بنقص القرآن الكريم قول بالتحريف .
أما إذا إدّعى القوم أنّ هذه الكلمات والألفاظ ليست من القرآن الكريم ولا هي من كلام الله فنقول لهم إنّ الأمر أيضاً جدّ خطير ، لأن هذه الرّوايات تتهم فئة من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنّهم كانوا يحرّفون في آيات القرآن ويضيفون إلى كلام الله عزّ وجل ما ليس منه . وبهذا يعلم أنّ روايات أهل السنة الصحيحة هي التي تتهم الصحابة وتنسب إليهم التحريف في آيات الكتاب المجيد ، فلماذا يتهمون الشيعة بكل ذلك ؟! .
_______________________
هامش
(1) نقل ذلك عن العلامة الكليني من كتابه الكافي (1/414 ) ، وهو مضمون رواية ضعيفة في سندها ( علي بن أبي حمزة ) وهو ضعيف ، متهم ، كذاب .
(2) نقل هذا عن كتاب الكافي 1/442 للعلامة الكلني والرواية التي ورد بها ذلك ضعيفة سنداً ، في سندها ( محمد بن سليمان ، وأبوه ) وكلاهما ضعيف غال .
(3) نقله عن العلامة الكليني في الكافي 1/417 ، والرواية الوارد بها ذلك ضعيفة سنداً ففيه ( محمد بن سنان ) مختلف فيه والأكثر على أنّه ضعيف ، وفيه ( منخل بن جميل ) وهو ضعيف غال .
(4) نقله عن تفسير علي بن إبراهيم القمي وهو كلام مرسل ليس له سند .
(5) نقله عن تفسير علي بن إبراهيم القمي – وبغض النظر عمّا قيل في هذا التفسير – فإن في سند الرواية ( ابن سنان ) وهو مشترك بين الضعيف وغيره .
(6) نقله عن العلامة الكليني في الكافي 1/424 ، وهو مضمون رواية ساقطة سنداً ، ففي سندها ( أحمد بن مهران ) ضعفه جماعة وحسنة آخرون ، وفيه ( بكار ) وهو مجهول الحال .
(7) نقله عن تفسير نور الثقلين 1/654 ونقله صاحب تفسير نور الثقلين عن أمالي الشيخ الصدوق ، و ( في علي ) تفسير وليست من أبعاض الآية ، لأن الله عزّ وجل في هذه الآية يأمر نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ ينصب علياً عليه السلام ولياً وخليفة وإماماً على الأمة من بعده ، وقد روي مثل ذلك السيوطي في الدّر المنثور ، وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لو لم أبلّغ ما أمرت به من أمر ولايتك لحبط عملي ) فهو بيان ومعنى لقول الله ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) أي أنك يا محمد إذا لم تبلغ هذا الأمر الذي أمرت بتبليغه للناس كأنك لم تبلغ من أمر الرسالة التي أمرت بتبليغها شيئاً ، وذلك لأهمية هذا الأمر الذي أمرت بتبليغه .
(8) طبعاً نحن نقطع أنّ ما ورد في هذه الروايات - وإن كان صحيحاً عند القوم – غير صحيح ، وهو ناتج عن الخطأ والإشتباه والكذب ، فقد تولت العناية الإلهية حفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل والتغير من الزيادة والنقصان .
(9) مجمع الزوائد 6/320 ، مسند أبي يعلى 13/50 ، صحيح ابن حبّان 14/228 ، تفسير الطبري 2/762 و 764 ، التاريخ الكبير للبخاري 5/281 ، الدر المنثور للسيوطي 1/302 .
(10) وانظره في كنز العمّال 2/601 حديث رقم : 4848 ، وتفسير ابن جرير الطبري 30/372 حديث رقم : 29342 و 30/373 حديث رقم : 29343 ، وتفسير الدّر المنثور للسيوطي 6/392 وقال : وأخرج الفريابي وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والحاكم عن علي ... وذكره ، ومثله ذكر العلامة الشوكاني في فتح القدير 5/492 .
(11) صحيح البخاري 6/94 ، وأخرجها أيضاً مسلم بن الحجاج في صحيحه 1/134 ، والبيهقي في سننه الكبرى 9/7 ، وابن حبّان في صحيحه 14/487 ، وابن جرير الطبري في تفسيره 19/147 و 30/440 ، والسيوطي في الدّر المنثور 5/96 .
(12) تفسير الطبري 4/53 ، ورواه السيوطي في الدّر المنثور 2/62 عن عبد حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن الأنباري ، وفي تفسير القرطبي 4/165 ذكر أنّ ابن الزبير كان يقرأ كذلك ، ونسب الثعالبي في تفسيره 2/89 هذه القراءة لابن الزبير وعثمان وابن مسعود .
(13) صحيح مسلم 2/112 ، وأخرجه أيضاً مالك في المطأ 1/138 ، وأحمد بن حنبل في مسنده 6/73 و 6/178 ، وأبو داود في سننه 1/102 ، والترمذي في سننه 4/285 ، والنسائي في سننه 1/236 ، والبيهقي في سننه الكبرى 1/462 ، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه 1/579 .


محاولة الجنيد الفاشلة إلصاق تهمة تحريف القرآن بالسيد الخوئي

قال الجنيد بعد أن أشار إلى قول السيد الخوئي قدس سرّه الصريح في نفي التحريف عن كتاب الله المجيد :

( غير أنّ للخوئي رأياً آخر يقترب فيه من القائلين بالتحريف فإنه قال في الكتاب نفسه : > إنّ وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السلام يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه وتسالم العلماء ( يعني إجماعهم ) على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته ، كما أن اشتمال قرآن علي عليه السلام على زيادات ليست في القرآن الموجود – وإن كان صحيحاً – إلاّ أنّه لا دلالة في ذلك على أنّ هذه الزيادات كانت من القرآن وقد أسقطت منه بالتحريف ، بل الصحيح أن تلكم الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد < إن الخوئي يثبت بهذا الكلام أمرين :
أولهما : أنه يثبت مصحفاً آخر لعلي يختلف في ترتيبه وزياداته عن القرآن الموجود في أيدي المسلمين .
ثانيهما : أنّه يثبت شروحاً للقرآن مشروحة من الله منزلة من عنده .
فهل نزل القرآن من عند الله يتضمن السور وشرحها ؟
إن صدور مثل هذا الكلام من إمام عرف بتعقّله يدعو إلى العجب ولا يخلو من تناقض ! .
لماذا لا نجتمع على كلمة سواء بيننا لا مراوغة فيها ولا تورية وهي : أن نعترف جميعاً بأن المصحف الموجود بين أيدينا وفي مساجدنا هو نفسه القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة ولا نقصان . وأن ننتهي عن التكلم عن المصحف الغائب مع الإمام الغائب وعن مصحف فاطمة وعن مصحف علي ؟ ألا يمكننا أن نجتمع على هذه الكلمة بيننا ؟ إنّه إن تعذر الاتفاق على ذلك فأي شيء يمكن أن يقرّب بعد ذلك بين الفريقين ؟ وعلى أي شيء نتفق ونتحد ؟ ) ( حوار هاديء 13-14 ) .


أقول : مع أنّ رأي السيد الخوئي قدس سرّه صريح وواضح في نفي التحريف عن الكتاب المجيد إلاّ أنّ الجنيد يحاول أن يلصق به دون خجل ولا استحياء ولا رادع من خوف أو تقوى تهمة التحريف مدّعياً أن قول السيد الخوئي بوجود مصحف للإمام أمير المؤمنين عليه السلام يختلف في ترتيب سوره عن القرآن الموجود في أيدي المسلمين ، وأن به زيادات تفسيرية وشرح وبيان لمعاني الآيات هو قول قريب من قول القائلين بالتحريف ، وهذا غير صحيح لأن السيد الخوئي رحمه الله لم يدّعي أنّ مصحف علي عليه السلام يزيد أو ينقص عن القرآن الموجود من حيث آياته وعدد كلماته وحروفه ، ولا يزعم أنّ الزيادات التي يتميز بها مصحف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من أبعاض القرآن ، وكلامه واضح بأنها زيادات تأويلية أو تفسيرية للآيات ، أمّا أن علياً عليه السلام كان لديه مصحف بهذه المواصفات فهذا ليس مما انفرد به السيد الخوئي أو الشيعة بل إن العديد من علماء أهل السنة ومصادرهم أشارت إلى وجود هذا المصحف له عليه السلام .
قال القرطبي في تفسيره ( 1/59 ) : ( قال ابن الطيب : إن قال قائل قد اختلف السلف في ترتيب سور القرآن فمنهم من كتب في مصحفه السور على تاريخ نزولها وقدم المكي على المدني ومنهم من جعل في أول مصحفه الحمد ومنهم من جعل في أوله اقرأ باسم ربك وهذا أول مصحف علي رضي الله عنه ... ) .
وقال الزرقاني في مناهل العرفان ( 1/244 ) وهو يتحدث عن اختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب سور القرآن : ( وهذا مصحف علي كان مرتبا على النزول فأوله اقرأ ثم المدثر ثم ق ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني ) .
وقال الغزي في الإتقان ( 1/171 ) : ( قال ابن فارس : جمع القرآن على ضربين أحدهما تأليف السور كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين فهذا هو الذي تولته الصحابة وأما الجمع الآخر وهو جمع الآيات في السور فهو توقيفي تولاه النبي كما أخبر به جبريل عن أمر ربه ومما استدل به لذلك اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور فمنهم من رتبها على النزول وهو مصحف علي كان أوله اقرأ ثم المدثر ثم ن ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني... )

وقال أبو الفضل السيوطي في أسرار ترتيب القرآن ( 1/68 ) : ( اختلف العلماء في ترتيب السور هل هو بتوقيف من النبي (ص) أو باجتهاد من الصحابة بعد الاجماع على أن ترتيب الآيات توقيفي والقطع بذلك ، فذهب جماعة الى الثاني منهم مالك والقاضي أبوبكر في أحد قوليه وجزم به ابن فارس ، ومما استدل به لذلك اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور فمنهم من رتبها على النزول وهو مصحف علي كان أوله اقرأ ثم البواقي على ترتيب نزول المكي ثم المدني ...) .
و نقل عن ابن سيرين أنّه قال : ( إن علياً كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ ) وعنه : ( تطلـّبت ذلك الكتاب ، وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه ) ( الإتقان في علوم القرآن 1/162 ، مناهل العرفان 1/177 ) .
وعنه أيضاً أنه قال : ( فبلغني أنّه - علي - كتبه على تنزيله ولو أصيب الكتاب لوجد فيه علم كثير ) ( الاستيعاب 3/974 ، إمتاع الأسماع 4/288 ) .
وعن ابن جزي قال : ( لو وجد مصحفه عليه السلام لكان فيه علم كثير ) ( التمهيد في علوم القرآن 1/226 عن التسهيل لعلوم التنزيل 1/4 ) .
وفي الإتقان قال : وقال ابن حجر : ( وقد ورد عـن علي أنّه جمع القـرآن على ترتيـب النزول عقب مـوت النبي .. أخرجـه ابن أبي داود ) ( الاتقان 1/195 ) ؟
ونقل الزركشي الشــافعي في كتابه البرهان في علــوم القرآن قال : ( وقال القاضي أبو بكر الطيب ، فإن قيل ، قد اختلف السلف في ترتيب القرآن ، فمنهم من كتب في المصحف السور على تاريخ نزولها وقدم المكي على المدني ، ومنهم من جعل أوله : ( قرأ باسم ربّك الذي خلق ) وهو أول مصحف علي ... إلى آخر كلامه ) ( البرهان في علوم القرآن 1/259 ) .
إن كل هذه الأقوال تفيد أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد تفرد بكتابة القرآن الكريم حسب تسلسل نزول الآي والسور وتقديم المكي على المدني ، فظهر من ذلك أن القول بأن علياً عليه السلام لديه مصحف بهذه الكيفية ليس هو من قول السيد الخوئي رحمه الله أو الشيعة وإنما علماء أهل السنة هم الذين قالوا بذلك أيضاً وحزموا به ، فماذا سيقول الجنيد بعد هذا ؟ هل سيحكم على هؤلاء العلماء من أهل السنة بأنهم يقولون بالتحريف لأنهم قالوا بوجود مصحف لعلي عليه السلام يختلف في ترتيب سوره وآيات عن المصحف الموجود أو أنّه سيتراجع عن اتهامة للسيد الخوئي ؟!
وهناك من الرّوايات ما يفيد أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يعلم أسباب نزول القرآن ووقت نزول الآيات ومكان نزولها وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمه تفسير آيات الكتاب العزيز حسب ما كان ينزل عليه من تفسير وبيان لها من الوحي ، إذاً فما المانع أن يكون علياً عليه السلام قد سجل كل ذلك في مصحفه ؟
ففي الطبقات الكبرى لابن سعد ، يروي بسنده عن سليمان الأحمسي عن أبيه قال : ( قال علي : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت ، إنّ ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً طلقاً ) ( الطبقات الكبرى 2/101 ، حلية الأولياء 1/68 ، كنز العمال 13/66 ) .

وروى ابن سعد أيضا في نفس المصـدر بسنده عـن أبي الطفيـل قال : ( قال علي : سلوني عن كتاب الله ، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل ) ( الطبقات الكبرى 2/338 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 185 ، كنز العمال 2/296 ، الصواعق المحرقة 2/375 ) .

وقال المزي في تهذيب الكمال : ( وروى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال : شهدت علياً يخطب وهو يقول : سلوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل ) ( تهذيب الكمال 5/261 ) .

وقد أخرج ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء عن عبد الله قال : ( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن ) ( تاريخ دمشق 42/400 ، حلية الأولياء 1/65 ) .
وقال ابن أبي حمزة عن علي عليه السلام أنه قال : ( لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا ً من تفسير أم القرآن لفعلت ) ( إحياء علوم الدين 1/283 و 289 ، التراتيب الإدارية 2/183 ، الإتقان 2/490 ) .
وقد ورد مـن طرقنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : ( ... ما نزلت على سول الله (ص) آية من القرآن إلا أقرأنيها ، وأملاها علي ، فكتبتها بخطي ، وعلـّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت آية من كتاب الله ... الحديث ) ( الكافي 1/64 ، الخصال للشيخ الصدوق 257 ، بحار الأنوار 2/230 ) .

و عنه عليه السلام أنه قال : ( لو ثنيت لي الوسادة لأخرجت لهم مصحفاً كتبته وأملاه عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ( بحار الأنوار 89/52 ) .

أما بالنسبة لمصحف فاطمة عليها السلام فقد مرّ الكلام حوله ، وأمّا مصحف الإمام الحجة المهدي المنتظر فإن رواياتنا تفيد أنه هو نفسه مصحف الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقد بينا أنّه لا يفترق عن المصحف الذي بأيدي المسلمين في دورهم ومساكنهم وأماكن تواجدهم الذي يتلونه آناء الليل والنهار بشيء سوى أن سوره وآياته مرتبة حسب النزول ، وأنّه يتمضن تفسيراً وتأويلاً للآيات حسب ما ورد ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق الوحي ..


وأختم ردّي عليه بهذا الخصوص بذكر أقوال جمع من علماء وكتاب ومفكري أهل السنة أنصفوا فيها الشيعة في هذه المسألة .

قال الداعية السني الكبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : ( إنني آسف لأنّ بعض من يرسلون الكلام على عواهنه ، لا بل بعض من يسوقون التهم جزافاً غير مبالين بعواقبها دخلوا في ميدان الفكر الإسلامي بهذه الأخلاق المعلولة فأساؤا إلى الإسلام وأمته شرّ إساءة .
سمعت واحداً من هؤلاء يقول في مجلس علم : إنّ للشيعة قرآناً آخر يزيد (أو) ينقص عن قرآننا المعروف .
فقلت له : أين هذا القرآن ؟
إن العالم الإسلامي الذي امتدت رقعته في ثلاث قارات ظل من بعثة محمد (ص) إلى يومنا هذا بعد أن سلخ من الزمن أربعة عشر قرناً لا يعرف إلاّ مصحفاً واحداً مضبوط البداية والنهاية معدود السور والآيات والألفاظ ، فأين هذا القرآن الآخر ؟!
ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل ؟
ولحساب من تفتعل هذه الإشاعات وتلقى بين الأغرار ليسوء ظنهم بإخوانهم وقد يسوء ظنهم بكتابهم .
إنّ المصحف واحد يطبع في القاهرة فيقدسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخه بين أيديهم وفي بيوتهم دون أن يخطر ببالهم شيء بتة إلاّ توقير الكتاب ومنزله – جل شأنه – ومبلغه – (ص) – فلم الكذب على الناس وعلى الوحي ؟
ومن هؤلاء الأفاكين من روّج أنّ الشيعة أتباع علي ، وأن السنيين أتباع محمد ، وأنّ الشيعة يرون علياً أحق بالرسالة ، أو أنّها أخطأته إلى غيره! .
وهذا لغو قبيح وتزوير شائن .
ولكن تصديق هذا اللغو كان الباعث على تلك المجزرة المخزية التي وقعت بين أبناء الإسلام من سنة وشيعة ، فجعلتهم – وهم الأخوة في الدين – يأكل بعضهم بعضاً على هذا النحو المهين .
إن الشيعة يؤمنون برسالة محمد (ص) ويرون شرف علي في إنتمائه إلى هذا الرسول وفي استمساكه بسنته .
وهم كسائر المسلمين لا يرون بشراً في الأولين والآخرين أعظم من الصادق الأمين ولا أحق منه بالاتباع ، فكيف ينسب لهم هذا الهذر ؟!
الواقع أن الذين يرغبون في تقسيم الأمة طوائف متعادية لما لم يجدوا لهذا التقسيم سبباً معقولاً لجأوا إلى افتعال أسباب الفرقة ، فاتسع لهم ميدان الكذب حين ضاق ميدان الصدق .
لست أنفي أن هناك خلافات فقهية ونظرية بين الشيعة والسنة ، بعضها قريب الغور ، وبعضها بعيد الغور ، بيد أنّ هذه الخلافات لا تستلزم معشار الجفاء الذي وقع بين الفريقين ، وقد نشب خلاف فقهي ونظري بين مذاهب السنة نفسها بل بين أتباع المذهب الواحد منها ، ومع ذلك فقد حال العقلاء دون تحول هذا الخلاف إلى خصام بار أو ساخن ) ( دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين صفحة 219 –221 )(1) .
قال الشيخ محمد أبو زهرة : ( القرآن بإجماع المسلمين هو حجة الإسلام الأولى وهو مصدر المصادر له ، وهو سجل شريعته ، وهو الذي يشتمل على كلّها وقد حفظه الله تعالى إلى يوم الدين كما وعد سبحانه إذ قال : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) .. وإن إخواننا الإمامية على اختلاف منازعهم يرونه كما يراه كل المؤمنين ) ( الإمام الصادق ص 296 ) .
وقال أيضاً : ( إنّ الشريف المرتضى وأهل النظر الصادق من إخواننا الإثنى عشرية قد اعتبروا القول بنقص القرآن أو تغييره أو تحريفه تشكيكاً في معجزة النبي (ص) ، واعتبروه إنكاراً لأمر علم من الدين بالضرورة ) ( الإمام الصادق 329 ) .

وقال الشيخ رحمة الله الهندي : ( القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الإثنى عشرية محفوظ من التغيير والتبديل ، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه ، فقوله مردود غير مقبول عندهم ) ( إظهار الحق ص 431 ) .

وقال الدكتور محمد عبد الله دراز : ( ومهما يكن من أمر فإن هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي ، بما فيه فرق الشيعة ، ومنذ ثلاثة عشر قرناً من الزمان ) ثم قال : ( ونذكر هنا رأي الشيعة الإمامية – أهم فرق الشيعة - ) وذكر كلام الشيخ الصدوق المتقدم . ( مدخل إلى القرآن الكريم 39 – 40 ) .

وقال الأستاذ محمد المديني وهو عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية : ( وأمّا أنّ الإمامية يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله ، إنّما هي روايات رويت في كتبهم ، كما روي مثلها في كتبنا ، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها ، وبيّنوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك كما أنّه ليس في السّنة من يعتقده ) ( مع الصادقين للدكتور محمد التيجاني السماوي ص 201 نقلاً عن مقال للأستاذ محمد المديني نشر في العدد الرابع من السنة الحادية عشرة ص 382 و 383 من مجلة رسالة الإسلام ) .

وقال البهنساوي وهو أحد مفكري الإخوان المسلمين : ( إن الشيعة الجعفرية الإثنى عشرية يرون كفر من حرّف القرآن الذي أجمعت عليه الأمّة منذ صدر الإسلام ... وإن المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة ) ( السنة المفترى عليها ص 60 ) .

وقال مصطفى الرافعي : ( والقرآن الكريم الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة ولا نقصان ، وما ورد من أنّ الشيعة الإمامية يقولون بأنّ القرآن قد اعتراه النقص ... هذا الإدّعاء أنكره مجموع علماء الشيعة ...
فالقرآن الكريم – إذن – هو عصب الدولة الإسلامية ، تتفق مذاهب أهل السنة مع مذهب الشيعة الإمامية على قداسته ووجوب الأخذ به ، وهو نسخة موحدة لا تختلف في حرف ولا رسم لدى السنة والشيعة الإمامية في مختلف ديارهم وأمصارهم ) ( إسلامنا ص 75 ) .

وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي : ( يعتقد الشيعة الجعفرية كما يعتقد أهل السّنة أن القرآن الكريم هو كلام الله عزّ وجل المنزل على رسوله المنقول بالتواتر والمدوّن بين دفتي المصحف بسوره وآياته المرتبة بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وأنّه الجامع لأصول الإسلام عقائده وشرائعه وأخلاقة ، والخلاف بيننا وبينهم في هذا الصدد يتمثل في أمور شكلية وجانبية لا تمس النص القرآني بزيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تبديل ، ولا تثريب عليهم في إعتقادها ) ( بين الشيعة وأهل السنة ص 35 ) .
وقال أيضاً : ( أما ما ورد في بعض مؤلفاتهم من آراء تثير شكوكاً في النص القرآني وتنسب إلى بعض أئمتهم ، فإنّهم لا يقرونها ويعتقدون بطلان ما تذهب إليه ، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم ، ولا يصح كما قلنا فيما سبق أن نحاسبهم على آراء حكموا ببطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم ولا أن نعدها من مذهبهم ، مهما كانت مكانة رواتها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها ...
وقد تصدى كثير من أئمة الشيعة الجعفرية أنفسهم لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم وأنها ليست من مذهبهم في شيء ) ( بين الشيعة وأهل السنة ص 37 – 38 ) .

وقال الدكتور عبد الودود شلبي وهو يتحدث عن عقائد الشيعة : ( يعتقد الشيعة الإمامية أن الكتاب ( أي المصحف ) الموجود بين أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله للإعجاز والتحدي ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وهذا هو إجماعهم الذي لا خلاف فيه مع إخوانهم من أهل السّنة ) ( كلنا إخوة شيعة وسنة صفحة 76 ) .
_________________________
(1) أقول : أين هذه الدعوة من هذا العالم الفذ والداعية الكبير التي يدعو فيها إلى لم شمل الأمة الإسلامية وتوحيد صفوفها ، ونبذ الفرقة بين طوائفها ومذاهبها المختلفة ، ويستنكر على كل من يرّوج الأكاذيب وينشر الإفتراءات على هذا المذهب أو ذاك ويفعتل أسباب الفرقة انطلاقاً من نفس مريضة أو أغراض مشبوهة أو غيرها مما روّج ويرّوج إليه علماء المذهب الوهابي من أمثال إحسان إلهي ظهير وناصر القفاري وعثمان الخميس والجبهان وعبد الله الجنيد وغيرهم من عدم إمكانية التقارب بين السّنة والشيعة بعد أن لفقوا على الشيعة أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام الكثير من الأكاذيب ورموهم بما هم منه براء ، ونسبوا إليهم أموراً لا يعرفونها ولا يعتقدون أو يقولون بها .